دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دروس التفسير لبرنامج إعداد المفسّر > دروس تفسير سورة النساء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ربيع الأول 1440هـ/18-11-2018م, 09:12 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير سورة النساء [ من الآية (83) إلى الآية (84) ]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً (83) فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً (84)}

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً (83)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الّذين يستنبطونه منهم ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته لاتّبعتم الشّيطان إلّا قليلا} أي: أظهروه ونادوا به في الناس، قال الشاعر:
أذاع به في الناس حتى كأنه... بعلياء نار أوقدت بثقوب
وكان إذا علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه ظاهر على قوم أمن منهم، أو أعلم تجمع قوم يخاف من جمع مثلهم، أذاع المنافقون ذلك ليحذر من يحذر من الكفار، ويقوى قلب من ينبغي أن يقوى قلبه لما أذاعوا وكان ضعفة المسلمين يشيعون ذلك معهم من غير علم بالضرر في ذلك، فقال عز وجل ولو ردوا ذلك إلى أن يأخذوه من قبل الرسول ومن قبل أولي الأمر منهم، أي: من قبل ذوي العلم والرأي منهم.

وقوله:
{لعلمه الّذين يستنبطونه منهم} أي: لعلمه هؤلاء الذين أذاعوا به من ضعفة المسلمين من النبي - صلى الله عليه وسلم - وذوي العلم، وكانوا يعلمون مع ذلك هل ينبغي أن يذاع أو لا يذاع.
ومعنى
{يستنبطونه} في اللغة: يستخرجونه، وأصله: من النبط وهو الماء الذي يخرج من البئر في أول ما يحفر، يقال من ذلك: قد أنبط فلان في غضراء، أي: استنبط الماء من طين حر، والنبط إنما سمّوا نبطا لاستنباطهم ما يخرج من الأرضين.
وقوله:
{ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته لاتّبعتم الشّيطان إلّا قليلا}
قال بعضهم: لولا ما أنزله اللّه عليكم من القرآن، وبين لكم من الآيات على لسان نبيه لاتبعتم الشيطان إلّا قليلا،
أي: كان أولكم بجوار الكفر، وهذا ليس قول أحد من أهل اللغة.

قال أهل اللغة كلّهم:
المعنى: {ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته لاتّبعتم الشّيطان إلّا قليلا} إنما هو استثناء من قوله {لعلمه الّذين يستنبطونه منهم} إلّا قليلا).
وقال النحويون، المعنى: أذاعوا به إلا قليلا.

وقالوا: أن يكون الاستثناء من أذاعوا به إلا قليلا أجود، لأن ما علم بالاستنباط فليس الأكثر يعرفه، إنما يستنبط القليل، لأن الفضائل والاستنباط، والاستخراج في القليل من الناس.
وهذا في هذا الموضع غلط من النحويين، لأن هذا الاستنباط ليس بشيء يستخرج بنظر وتفكر، إنما هو استنباط خبر، فالأكثر يعرف الخبر، إذا خبر به، وإنما القليل المبالغ في البلادة لا يعلم ما يخبر به، والقول الأول مع هذين القولين جائزة كلها. والله أعلم.
لأن القرآن قبل أن ينزل والنبي قبل أن يبعث قد كان في الناس القليل ممن لم يشاهد القرآن ولا النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمنا.
وقد يجوز أن يقول القائل: إن من كان قبل هذا مؤمنا فبفضل اللّه وبرحمته آمن، فالفضل والرحمة لا يخلو منهما من نال ثواب الله جلّ وعزّ، إلا أن المقصود به في هذا الموضع النبي - صلى الله عليه وسلم - والقرآن). [معاني القرآن: 2/83-84]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن الآية، قال جمهور المفسرين: الآية في المنافقين حسبما تقدم من ذكرهم، والآية نازلة في سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعوثه، والمعنى: أن المنافقين كانوا يشرهون إلى سماع ما يسوء النبي في سراياه، فإذا طرأت لهم شبهة أمن للمسلمين أو فتح عليهم، حقروها وصغروا شأنها وأذاعوا بذلك التحقير والتصغير، وإذا طرأت لهم شبهة خوف المسلمين أو مصيبة عظموها وأذاعوا ذلك التعظيم، وأذاعوا به معناه: أفشوه، وهو فعل يتعدى بحرف جر وبنفسه أحيانا، تقول أذعت كذا وأذعت به. ومنه قول أبي الأسود: [الطويل]
أذاعوا به في النّاس حتّى كأنّه = بعلياء نار أوقدت بثقوب
وقالت فرقة: الآية نازلة في المنافقين، وفي من ضعف جلده عن الإيمان من المؤمنين وقلت تجربته.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فإما أن يكون ذلك في أمر السرايا فإنهم كانوا يسمعون أقوال المنافقين فيقولونها مع من قالها، ويذيعونها مع من أذاعها، وهم غير متثبتين في صحتها، وهذا هو الدال على قلة تجربتهم، وإما أن يكون ذلك في سائر الأمور الواقعة، كالذي قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنه جاء وقوم في المسجد يقولون طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، قال: فدخلت على عائشة فقلت: يا بنة أبي بكر بلغ من أمرك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: يا بن الخطاب عليك بعيبتك، قال: فدخلت على حفصة فقلت: يا حفصة قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يحبك، ولولا أنا لطلقك، فجعلت تبكي، قال: فخرجت حتى جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في غرفة له، ورباح مولاه جالس على أسكفة الغرفة، فقلت: يا رباح استأذن لي على رسول الله، فنظر إلى الغرفة ثم نظر إليّ وسكت، فقلت: يا رباح استأذن لي على رسول الله فلعله يظن أني جئت من أجل حفصة، والله لو أمرني أن أضرب عنقها لضربته، فنظر ثم أشار إليّ بيده: أن ادخل، فدخلت وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجع على حصير وقد أثر في جنبه، وإذا ليس في غرفته.
إلا قبضة من شعير وقبضة من قرظ، وإذا أفيقان معلقان، فبكيت، فقال رسول الله عليه السلام: ما يبكيك يا بن الخطاب؟ فقلت يا رسول الله: أنت صفوة الله من خلقه ورسوله، وليس لك من الدنيا إلا هذا، وكسرى وقيصر في الأشجار والأنهار، فقال أهاهنا أنت يا عمر؟ أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ فقلت: بلى، ثم جعلت أحدثه حتى تهلل وابتسم، فقلت يا رسول الله: إنهم ادعوا أنك طلقت نساءك، فقال: لا، فقلت أتأذن لي أن أعرف الناس؟
قال: افعل إن شئت، قال: فقمت على باب المسجد، فقلت: ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطلق نساءه، فأنزل الله في هذه القصة وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به الآية وأنا الذي استنبطته.
وقوله تعالى: ولو ردّوه إلى الرّسول الآية، المعنى: لو أمسكوا عن الخوض واستقصوا الأمور من قبل الرسول. أو أولي الأمر وهم الأمراء، قاله السدي وابن زيد، وقيل: أهل العلم، قاله الحسن وقتادة وغيرهما، والمعنى يقتضيهما معا لعلمه طلابه من أولي الأمر والبحثة عنه وهم مستنبطوه، كما يستنبط الماء وهو النبط أي الماء المستخرج من الأرض. ومنه قول الشاعر:
قريب ثراه ما ينال عدوّه = له نبطا آبي الهوان قطوب
يعني بالنبط الماء المستنبط.
وهذا التأويل جار مع قول عمر، أنا استنبطته ببحثي وسؤالي، وتحتمل الآية أن يكون المعنى لعلمه المسئولون المستنبطون، فأخبروا بعلمهم، وقرأ أبو السمال، «لعلمه» بسكون اللام وذلك مثل «شجر بينهم»، والضمير في ردّوه عائد على الأمر، وفي ومنهم يحتمل أن يعود على الرّسول وأولي الأمر، ويحتمل أن يعود على الجماعة كلها، أي لعلمه البحثة من الناس.
وقوله تعالى: ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته الآية، هذا خطاب لجميع المؤمنين باتفاق من المتأولين، والمعنى: ولولا هداية الله وإرشاده لكم بالإيمان وذلك فضل منه ورحمة- لكنتم على كفركم، وذلك هو اتباع الشيطان. وحكى الزجاج: لولا فضل الله في هذا القرآن ورسالة محمد عليه السلام، واختلف المتأولون في الاستثناء بقوله إلّا قليلًا مم هو؟ فقال ابن عباس وابن زيد: ذلك مستثنى من قوله: «أذاعوا به إلا قليلا»، ورجحه الطبري، وقال قتادة: ذلك مستثنى من قوله: «يستنبطونه إلا قليلا»، وقالت فرقة:
ذلك مستثنى من قوله: لاتّبعتم الشّيطان إلّا قليلًا، على سرد الكلام دون تقدير تقديم، ثم اختلفت هذه الفرقة، فقال الضحاك: إن الله هدى الكل منهم إلى الإيمان، فكان منهم من تمكن فيه حتى لم يخطر له قط خاطر شك، ولا عنت له شبهة ارتياب، فذلك هو القليل، وسائر من أسلم من العرب لم يخل من الخواطر، فلولا فضل الله بتجديد الهداية لهم لضلوا واتبعوا الشيطان
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
هذا معنى قول الضحاك، ويجيء الفضل معينا، أي رسالة محمد والقرآن، لأن الكل إنما هدي بفضل الله على الإطلاق، وقال قوم: المخاطب بقوله لاتّبعتم جميع المؤمنين، وقوله: إلّا قليلًا إشارة إلى من كان قبل الإسلام غير متبع للشيطان على ملة إبراهيم، كورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو بن نفيل، وغيرهما، وقال قوم: الاستثناء إنما هو من الاتباع، أي لاتّبعتم الشّيطان كلكم إلّا قليلًا من الأمور كنتم لا تتبعونه فيها، وقال قوم: قوله: إلّا قليلًا عبارة عن العدم، يريدون لاتبعتم الشيطان كلكم، وهذا الأخير قول قلق، وليس يشبه ما حكى سيبويه من قولهم: أرض قل ما تنبت كذا، بمعنى لا تنبته لأن اقتران القلة بالاستثناء يقتضي حصولها، ولكن قد ذكره الطبري). [المحرر الوجيز: 2/612-615]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به} إنكارٌ على من يبادر إلى الأمور قبل تحقّقها، فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحّةٌ.
وقد قال مسلمٌ في "مقدّمة صحيحه" حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا عليّ بن حفصٍ، حدّثنا شعبة، عن خبيب بن عبد الرّحمن، عن حفص بن عاصمٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكلّ ما سمع" وكذا رواه أبو داود في كتاب "الأدب" من سننه، عن محمّد بن الحسين بن إشكابٍ، عن علي بن حفص، عن شعبة مسندًا ورواه مسلم أيضا من حديث معاذ بن هشامٍ العنبريّ، وعبد الرّحمن بن مهديٍّ. وأخرجه أبو داود أيضًا من حديث حفص بن عمر النّمريّ، ثلاثتهم عن شعبة، عن خبيب عن حفص بن عاصمٍ، به مرسلًا.
وفي الصّحيحين عن المغيرة بن شعبة: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم نهى عن قيل وقال أي: الّذي يكثر من الحديث عمّا يقول النّاس من غير تثبّت، ولا تدبّر، ولا تبيّن.
وفي سنن أبي داود أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "بئس مطيّة الرّجل زعموا عليه".
وفي الصّحيح: "من حدّث بحديثٍ وهو يرى أنّه كذبٌ فهو أحد الكاذبين". ويذكر هاهنا حديث عمر بن الخطّاب المتّفق عليه، حين بلغه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم طلّق نساءه، فجاءه من منزله حتّى دخل المسجد فوجد النّاس يقولون ذلك، فلم يصبر حتّى استأذن عليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فاستفهمه: أطلّقت نساءك؟ قال: "لا". فقلت اللّه أكبر. وذكر الحديث بطوله.
وعند مسلمٍ: فقلت: أطلّقتهنّ؟ فقال: "لا" فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي: لم يطلّق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نساءه. ونزلت هذه الآية: {وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الّذين يستنبطونه منهم} فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر.
ومعنى قوله: (يستنبطونه) أي: يستخرجونه ويستعلمونه من معادنه، يقال: استنبط الرّجل العين، إذا حفرها واستخرجها من قعورها.
ومعنى قوله: {لاتّبعتم الشّيطان إلا قليلا} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: يعني المؤمنين.
وقال عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن قتادة: {لاتّبعتم الشّيطان إلا قليلا} يعني: كلّكم. واستشهد من نصر هذا القول. بقول الطّرماح بن حكيمٍ، في مدح يزيد بن المهلّب:
أشمّ كثير يدى النّوال قليل المثالب والقادحة
يعني: لا مثالب له، ولا قادحة فيه). [تفسير القرآن العظيم: 2/365-366]


تفسير قوله تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً (84)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ {فقاتل في سبيل اللّه لا تكلّف إلّا نفسك وحرّض المؤمنين عسى اللّه أن يكفّ بأس الّذين كفروا واللّه أشدّ بأسا وأشدّ تنكيلا}
هذه الفاء جواب قوله جلّ وعزّ:
{ومن يقاتل في سبيل اللّه فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما}
{فقاتل في سبيل اللّه
}
ويجوز أن يكون: متصلا بقوله: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل اللّه} أي: أيّ شي لكم في ترك القتال {فقاتل في سبيل اللّه}
، فأمره الله بالقتال ولو أنه قاتل وحده، لأنه قد ضمن له النصر.
ويروى عن أبي بكر رحمه اللّه أنه قال في الردة:
لو خالفتني يميني جاهدتها بشمالي.
وقوله: {عسى اللّه أن يكفّ بأس الّذين كفروا واللّه أشدّ بأسا وأشدّ تنكيلا}
البأس الشدة في كل شيء). [معاني القرآن: 2/84-85]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: فقاتل في سبيل اللّه لا تكلّف إلاّ نفسك وحرّض المؤمنين عسى اللّه أن يكفّ بأس الّذين كفروا واللّه أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلاً (84) من يشفع شفاعةً حسنةً يكن له نصيبٌ منها ومن يشفع شفاعةً سيّئةً يكن له كفلٌ منها وكان اللّه على كلّ شيءٍ مقيتاً (85) وإذا حيّيتم بتحيّةٍ فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها إنّ اللّه كان على كلّ شيءٍ حسيباً (86)
هذا أمر في ظاهر اللفظ للنبي عليه السلام وحده، لكن لم نجد قط في خبر أن القتال فرض على النبي صلى الله عليه وسلم دون الأمة مدة ما، المعنى- والله أعلم- أنه خطاب للنبي عليه السلام في اللفظ، وهو مثال ما يقال لكل واحد في خاصة نفسه، أي أنت يا محمد وكل واحد من أمتك القول له فقاتل في سبيل اللّه لا تكلّف إلّا نفسك ولهذا ينبغي لكل مؤمن أن يستشعر أن يجاهد ولو وحده، ومن ذلك قول النبي عليه السلام «والله لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي» وقول أبي بكر وقت الردة: «ولو خالفتني يميني لجاهدتها بشمالي»، وخلط قوم في تعلق الفاء من قوله فقاتل بما فيه بعد، والوجه أنها عاطفة جملة كلام على جملة، وهي دالة على اطراح غير ما أمر به، ثم خص النبي عليه السلام بالأمر بالتحريض، أي الحث على المؤمنين في القيام بالفرض الواجب عليهم، وعسى إذا وردت من الله تعالى فقال عكرمة وغيره: إنها واجبة، لأنها من البشر متوقعة مرجوة ففضل الله تعالى يوجب وجوبها، وفي هذا وعد للمؤمنين بغلبتهم للكفرة، ثم قوى بعد ذلك، قلوبهم بأن عرفهم شدة بأس الله، وأنه أقدر على الكفرة، وأشدّ تنكيلًا لهم، التنكيل: الأخذ بأنواع العذاب وترديده عليهم). [المحرر الوجيز: 2/615-616]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فقاتل في سبيل اللّه لا تكلّف إلا نفسك وحرّض المؤمنين عسى اللّه أن يكفّ بأس الّذين كفروا واللّه أشدّ بأسًا وأشدّ تنكيلا (84) من يشفع شفاعةً حسنةً يكن له نصيبٌ منها ومن يشفع شفاعةً سيّئةً يكن له كفلٌ منها وكان اللّه على كلّ شيءٍ مقيتًا (85) وإذا حيّيتم بتحيّةٍ فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها إنّ اللّه كان على كلّ شيءٍ حسيبًا (86) اللّه لا إله إلا هو ليجمعنّكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من اللّه حديثًا (87)}
يأمر تعالى عبده ورسوله محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم أن يباشر القتال بنفسه، ومن نكل عليه فلا عليه منه؛ ولهذا قال: {لا تكلّف إلا نفسك}
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا محمّد بن عمرو بن نبيح، حدّثنا حكّام، حدّثنا الجرّاح الكنديّ، عن أبي إسحاق قال: سألت البراء بن عازبٍ عن الرّجل يلقى مائة من العدو، فيقاتل، أيكون ممّن يقول اللّه: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة} [البقرة: 195] قال: قد قال اللّه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم {فقاتل في سبيل اللّه لا تكلّف إلا نفسك وحرّض المؤمنين}
ورواه الإمام أحمد، عن سليمان بن داود، عن أبي بكر بن عيّاش، عن أبي إسحاق قال: قلت للبراء: الرّجل يحمل على المشركين أهو ممّن ألقى بيده إلى التّهلكة؟ قال: لا؛ لأنّ اللّه بعث رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم وقال: {فقاتل في سبيل اللّه لا تكلّف إلا نفسك} إنّما ذلك في النّفقة.
وكذا رواه ابن مردويه، من طريق أبي بكر بن عيّاشٍ، وعليّ بن صالحٍ، عن أبي إسحاق، عن البراء به.
ثمّ قال ابن مردويه: حدّثنا سليمان بن أحمد، حدّثنا أحمد بن النّضر العسكريّ، حدّثنا مسلم بن عبد الرّحمن الجرميّ، حدّثنا محمّد بن حمير، حدّثنا سفيان الثّوريّ، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: لمّا نزلت على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {فقاتل في سبيل الله لا تكلّف إلّا نفسك وحرّض المؤمنين [عسى اللّه أن يكفّ بأس الّذين كفروا]} الآية، قال لأصحابه: "قد أمرني ربّي بالقتال فقاتلوا" حديثٌ غريبٌ.
وقوله: {وحرّض المؤمنين} أي: على القتال ورغّبهم فيه وشجّعهم عنده كما قال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدر، وهو يسوّي الصّفوف: "قوموا إلى جنّةٍ عرضها السماوات والأرض".
وقد وردت أحاديث كثيرةٌ في التّرغيب في ذلك، فمن ذلك ما رواه البخاريّ عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من آمن باللّه ورسوله وأقام الصّلاة، وآتى الزّكاة، وصام رمضان، كان حقًّا على اللّه أن يدخله الجنّة، هاجر في سبيل اللّه أو جلس في أرضه الّتي ولد فيها" قالوا: يا رسول اللّه، أفلا نبشّر الناس بذلك؟ فقال: "إنّ في الجنّة مائة درجةٍ، أعدّها اللّه للمجاهدين في سبيل اللّه، بين كلّ درجتين كما بين السّماء والأرض، فإذا سألتم اللّه فاسألوه الفردوس فإنّه أوسط الجنّة. وأعلى الجنّة، وفوقه عرش الرّحمن، ومنه تفجّر أنهار الجنّة".
وروي من حديث معاذٍ وأبي الدّرداء وعبادة نحو ذلك.
وعن أبي سعيدٍ الخدري أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "يا أبا سعيد، من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينًا، وبمحمّدٍ نبيًّا، وجبت له الجنّة" قال: فعجب لها أبو سعيدٍ فقال: أعدها عليّ يا رسول اللّه. ففعل. ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "وأخرى يرفع اللّه بها العبد مائة درجةٍ في الجنّة، ما بين كلّ درجتين كما بين السّماء والأرض" قال: وما هي يا رسول اللّه؟ قال: "الجهاد في سبيل اللّه" رواه مسلمٌ.
وقوله: {عسى اللّه أن يكفّ بأس الّذين كفروا} أي: بتحريضك إيّاهم على القتال تنبعث هممهم على مناجزة الأعداء، ومدافعتهم عن حوزة الإسلام وأهله، ومقاومتهم ومصابرتهم.
وقوله: {واللّه أشدّ بأسًا وأشدّ تنكيلا} أي: هو قادرٌ عليهم في الدّنيا والآخرة، كما قال [تعالى] {ذلك ولو يشاء اللّه لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعضٍ [والّذين قتلوا في سبيل الله فلن يضلّ أعمالهم]} [محمّدٍ: 4] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/367-368]



* للاستزادة ينظر: هنا

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:24 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir