دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب البيوع

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #6  
قديم 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م, 02:57 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

وَهُوَ مُبَادَلَةُ مَالٍ وَلَو في الذِّمَّةِ أَوْ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ كَمَمَرٍّ فِي دَارٍ بِمِثْلِ أحَدِهِمَا عَلَى التَّأبِيدِ غَيْرَ رِباً وَقَرْضٍ ......
قوله: «وهو» الضمير يعود على البيع.
قوله: «مبادلة...» إلى آخره هذا تعريف له في الاصطلاح، وله تعريف في اللغة أعم من تعريفه في الاصطلاح، وهكذا جميع الكلمات والحقائق التي لها حقائق لغوية وحقائق شرعية، تجد أن الحقائق اللغوية أوسع من الحقائق الشرعية، إلا في بعض كلمات كالإيمان مثلاً، فهو في اللغة محله القلب، لأنه إقرار القلب بالشيء، لكن في الشرع أعم، إذ يشمل قول الإنسان، وعمل الجوارح بالإضافة إلى إقرار القلب وهذا نادر، لكن الأكثر أن تكون المعاني اللغوية أوسع من المعاني الشرعية.
إذاً البيع في اللغة أعم من البيع شرعاً، فهو أخذ شيء وإعطاء شيء، حتى ولو كان على سبيل العارية أو الوديعة، فإذا مددت إليك شيئاً أعيرك إياه فهو بيع في اللغة؛ لأنه مأخوذ من الباع، إذ إن كل واحد من المتعاطيين يمد باعه إلى الآخر.
لكن في الاصطلاح يقول: «مبادلة مال ولو في الذمة، أو منفعة مباحة كممر في دار بمثل أحدهما على التأبيد غير ربا وقرض» .
وقوله: «مبادلة مال» المراد بالمال هنا: كل عين مباحة النفع بلا حاجة، فيدخل في ذلك الذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والملح، والسيارات، والأواني، والعقارات، وغيرها.
وقولنا: «مباحة النفع» معناه أنه لا بد أن يكون فيها نفع، فالعين التي لا نفع فيها لا تدخل في هذا التعريف.
وقولنا: «مباحة النفع» خرج به محرمة النفع كآلات الزمر، والمعازف، فهذه لا تدخل في اسم المال هنا.
وقولنا: «بلا حاجة» احترازاً مما يباح نفعه للحاجة أو للضرورة، فمثلاً الميتة تباح لكن للضرورة، وجلد الميتة إذا دبغ يباح للحاجة، وأيضاً لا يباح استعماله إلا في اليابسات على المشهور من المذهب، إذاً لا بد من هذا القيد «عين مباحة النفع بلا حاجة».
فكلب الصيد عين مباحة النفع لكن لحاجة، ولهذا قيدت منفعته بقيد معين، فتبين الآن أن المال كل عين مباحة النفع بلا حاجة.
وقوله: «ولو في الذمة» لو تدل على أن هناك شيئاً مقابلاً لما في الذمة وهو المعيَّن، فالبيع قد يقع على شيء معين، وقد يقع على شيء في الذمة.
ويظهر هذا بالمثال، فإذا قلت: بعتك هذا الكتاب بهذا الكتاب، فهذا معين بمعين ليس في الذمة، وإذا قلت: بعتك هذا الكتاب بعشرة ريالات، فهذا معين بما في الذمة حتى إن قلت: عشرة ريالات، أي: ما عينتها بل هي في ذمتي.
وقوله: «ولو في الذمة» يشمل ما في الذمة بما في الذمة.
مثاله: اشتريت منك كيلو من السكر بعشرة ريالات، ثم ذهب البائع يزن لي السكر، وأنا أخرجت الدراهم من جيبي وأعطيتها إياه، هنا العقد وقع على شيء في الذمة بشيء في الذمة.
وقوله: «أو منفعة مباحة» يعني مبادلة مال بمنفعة مباحة، مثاله: ممر في دار، هذا رجل له دار وله جار، والجار بينه وبين الشارع، فقال الآخر: أشتري منك ممراً في دارك إلى الشارع، قال: نعم، فاشترى منه الممر إلى الشارع بدراهم، فهذه يقال لها: مبادلة مال بمنفعة، فليس للجار الذي اشترى من جاره المنفعة إلا الاستطراق من داره عبر بيت جاره إلى الشارع، فلا يتصرف في هذا الممر، أي: لو قال: أنا أبلط الممر الذي يريد أن يعبر عليه إلى الشارع، فلصاحب الدار أن يمنعه ويقول: ليس بملكك، أنت لك الاستطراق فقط، والاستطراق هو المنفعة، لك علي ألاَّ أحول بينك وبين الانتفاع، لأنك تملك المنفعة فهذه مبادلة مال بمنفعة.
تبين الآن أن الذي يقع عليه العقد، إما أعيان، وإما منافع، والأعيان إما مشار إليها، وإما في الذمة.
وقوله: «منفعة مباحة» احترازاً من المنفعة غير المباحة، مثل لو اشترى منه الانتفاع بآلة عزف، قال: بع علي الانتفاع بهذه الآلة، فقال: أشتريها منك للانتفاع بها فقط بخمسين ريالاً، قال: بعتها عليك، فهذا لا يجوز؛ لأن المنفعة هنا محرمة، وكل عقد على محرم فهو باطل لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) [(1)].
وقوله: «بمثل أحدهما» متعلق بمبادلة، أي: أن يبادل المال ولو في الذمة أو المنفعة بمثل أحدهما، يعني يقع العقد على ثلاثة أشياء:
مال معين، ومال في الذمة، ومنفعة، إذا ضربت بعضها في بعض (ثلاثة في ثلاثة) صار الناتج تسع صور؛ وهي:
الأولى: مال معين بمال معين.
الثانية: مال معين بمال في الذمة.
الثالثة: مال معين بمنفعة.
الرابعة: مال في الذمة بمال معين.
الخامسة: مال في الذمة بمال في الذمة.
السادسة: مال في الذمة بمنفعة.
السابعة: منفعة بمال معين.
الثامنة: منفعة بما في الذمة.
التاسعة: منفعة بمنفعة.
قد يقال: ما دام أنها مبادلة، لماذا لا نجعلها ست صور؟
نقول: لأن ما دخلت عليه الباء فهو الثمن، وما وقع عليه الفعل فهو المُثمَن، فإذا قلت: بعتك كتاباً بدرهم، الفعل وقع على كتاب، إذاً هو المثمن، وقولنا: بدرهم، الباء دخلت على «درهم» فهو الثمن.
فالقاعدة: أن ما وقع عليه الفعل فهو المثمن، وما دخلت عليه الباء فهو الثمن.
وقوله: «على التأبيد» لا بد أن يكون هذا التبادل على التأبيد احترازاً من الإجارة، فالإجارة فيها مبادلة ولا شك، فإذا استأجرت منك هذا البيت بمائة ريال فأنا الآن استأجرت معيناً بما في الذمة، ولا يقال: إن هذا بيع؛ لأنه ليس على التأبيد، فالبيع إذاً لا بد أن يكون على التأبيد، ولهذا لو قال قائل: بعت هذه الدار لمدة سنة بألف ريال، لم يصح هذا العقد على أنه بيع؛ لأنه ليس على التأبيد.
وهل يصح على أنه إجارة؟ هذا ينبني على قاعدة معروفة عند الفقهاء: «إذا وصف العقد بوصف على خلاف ما اتُّفِقَ عليه، هل يُنَزَّل على الوجه الصحيح، أو يلغى كله؟» فيه خلاف.
وقوله: «غير ربا» الربا لا يسمى بيعاً وإن وجد فيه التبادل، فإذا أعطيتك درهماً بدرهمين فهو عين بعين؛ لكنه ليس بيعاً، وما الذي أخرجه؟
الجواب: أن الله جعله قسيماً للبيع، وقسيم الشيء ليس هو الشيء، قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ، إذاً ليس الربا ببيع، وإلا لما صح التقسيم.
وقوله: «وقرض» أي: وغير قرض فلا يسمى بيعاً وإن وجدت فيه المبادلة.
مثاله: أن يأتي الإنسان الغني لمن طلب منه القرض ويقول: خذ هذه الدراهم أقرضتك إياها، فالدراهم الآن معينة والقرض في الذمة، فهو يشبه مبادلة معين بما في الذمة، لكنه لا يسمى بيعاً؛ لأنه لو كان بيعاً لبطل القرض في الأموال الربوية.
فمثلاً: لو بعتك درهماً بدرهم لا أقبضه منك إلا بعد يومين فهو ربا.
ولو أقرضتك درهماً قرضاً تعطيني إياه بعد يومين فجائز.
إذاً لو قلنا: إن القرض بيع، ما صح القرض في الأموال الربوية؛ لأنه يؤدي إلى تأخير القبض بإقراض الشيء بجنسه، ومعلوم أن تأخير القبض في بيع الشيء بجنسه حرام وربا.
إذا قال قائل: ما الذي أخرج القرض عن البيع، وهو مبادلة مال بمال؟
قلنا: أخرجه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) [(2)]، فما الذي نواه المقرض، هل نوى المعاوضة والاتجار أو نوى الإرفاق؟ الجواب:الثاني، فهو نوى الإرفاق، ومن أجل أنه نوى الإحسان صار مقابلاً لنية المرابي؛ لأن الأصل في الربا هو الظلم كما قال تعالى: {فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279] ، فصار القرض على نقيض مقصود الربا، إذ إن المقصود منه الإرفاق، فلذلك خرج عن كونه بيعاً.
إذاً ما الدليل على خروج القرض من البيع؟
الجواب: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى))، وذلك أن المقرض والمستقرض لم ينو أحد منهما المعاوضة، إنما قصد المقرض الإرفاق وقصد المستقرض سد حاجته، ولهذا صار القرض ليس بيعاً، وقد سبق أننا لو جعلنا القرض بيعاً لبطل القرض في جميع الربويات بجنسها.



[1] أخرجه مسلم في الأقضية/ باب نقض الأحكام الباطلة ورد المحدثات (1718) (18) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ.
[2] سبق تخريجه ص(77).


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
البيع, تعريف

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:04 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir