دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 ذو الحجة 1429هـ/18-12-2008م, 01:50 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الفصل بين المضاف والمضاف إليه


فَصْلَ مُضافٍ شِبْهِ فِعْلٍ ما نَصَبْ = مَفعولًا اوْ ظَرْفًا أَجِزْ ولمْ يُعَبْ
فَصْلُ يمينٍ واضطرارًا وُجِدَا = بأَجْنَبِيٍّ أوْ بنَعْتٍ أوْ نِدَا

  #2  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 10:59 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


فَصْلَ مُضافٍ شِبْهِ فِعْلٍ ما نَصَبْ = مَفعولاً او ظَرْفاً أَجِزْ ولم يُعَبْ ([1])
فصلُ يمينٍ واضطراراً وُجِدَا = بأَجْنَبِيٍّ أو بنَعْتٍ أو نِدَا ([2])

أَجازَ الْمُصنِّفُ أنْ يُفصَلَ في (الاختيارِ) بينَ المضافِ الذي هو شَبَهُ الفعْلِ، والمرادُ به المصْدَرُ واسمُ الفاعلِ، والمضافِ إليه بما نَصَبَه المضافُ مِن مَفعولٍ به أو ظرْفٍ أو شَبَهِه.
فمِثالُ ما فُصِلَ فيه بينَهما بمفعولِ المضافِ قولُه تعالَى: (وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلاَدَهُمْ شُرَكَائِهِمْ) في قِراءةِ ابنِ عامِرٍ بنَصْبِ أَوْلاَدٍ، وجَرِّ الشُّركاءِ.
ومِثالُ ما فُصِلَ فيه بينَ الْمُضافِ والمضافِ إليه بظَرْفٍ نَصَبَه المضافُ الذي هو مَصدَرٌ، ما حُكِيَ عن بعضِ مَن يُوثَقُ بعَرَبِيَّتِه: " تَرْكُ يَوماً نفْسِكَ وهَواهَا، سَعْيٌ لها في رَدَاهَا".
ومِثالُ ما فُصِلَ فيه بينَ المضافِ والمضافِ إليه بمفعولِ المضافِ الذي هو اسمُ فاعِلٍ، قِراءةُ بعضِ السلَفِ: (فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِهِ) بنصْبِ "وَعْدٍ" وجَرِّ "رُسُلٍ".
ومِثالُ الفَصْلِ بِشِبْهِ الظرْفِ قولُه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ في حديثِ أبي الدَّرداءِ: ((هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي)). وهذا معنى قولِه: "فصْلَ مُضافٍ... إلى آخِرِه".
وجاءَ الفصْلُ أيضاً في الاختيارِ بالقَسَمِ، حكَىَ الكِسائيُّ: "هذا غُلامُ واللهِ زَيْدٍ"، ولهذا قالَ المصنِّفُ: "ولم يُعَبْ فصْلُ يَمينٍ".
وأَشارَ بقولِه: و"اضْطِراراً وُجِدَا" إلى أنَّه قد جاءَ الفَصْلُ بينَ الْمُضافِ والْمُضافِ إليه في الضَّرورةِ بأَجْنَبِيٍّ مِن الْمُضافِ، وبنَعْتِ المضافِ، وبالنداءِ، فمِثالُ الأَجْنَبِيِّ قولُه:
240- كما خُطَّ الكِتابُ بكَفِّ يَوْماً = يَهُودِيٍّ يُقارِبُ أو يُزيلُ ([3])
ففَصَلَ بـ "يَوْماً" بينَ "كَفِّ" و"يَهُودِيٍّ"، وهو أَجْنَبِيٌّ مِن كَفٍّ؛ لأنه مَعمولٌ لـ "خُطَّ". ومِثالُ النعْتِ قولُه:
241- نَجَوْتُ وقدْ بَلَّ الْمُرادِيُّ سَيْفَهُ = مِن ابنِ أبي شَيْخِ الأَبَاطِحِ طالِبِ([4])
الأصْلُ: "مِن ابنِ أبي طالِبٍ شَيْخِ الأَباطِحِ". وقولُه:
242- ولَئِنْ حَلَفْتُ على يَدَيْكَ لأَحْلِفَنْ = بيَمينِ أصْدَقَ مِن يَمينِكَ مُقْسِمِ([5])
الأصلُ: "بيَمينِ مُقْسِمٍ أَصْدَقَ مِن يَمينِكَ".
ومِثالُ النِّداءِ قولُه:
243- وِفَاقُ كَعْبُ بُجَيْرٍ مُنْقِذٌ لَكَ مِنْ = تَعجِيلِ تَهْلُكَةٍ والْخُلْدِ في سَقَرِ([6])
وقولُه:
244- كأنَّ بِرْذَوْنَ أَبَا عِصامِ = زَيْدٍ حِمارٌ دُقَّ باللِّجَامِ ([7])
الأصلُ: "وِفاقُ بُجَيْرٍ يا كَعْبُ"، و"كأنَّ بِرْذَوْنَ زَيدٍ يا أبا عِصامٍ.


([1]) (فصْلَ) مَفعولٌ به مُقَدَّمٌ لأَجِزْ، وفصْلَ مُضافٌ و(مُضافٍ) مُضافٌ إليه مِن إِضافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفعولِه، (شِبْهِ) نعْتٌ لِمُضافٍ، وشِبْهِ مُضافٌ و(فِعْلٍ) مُضافٌ إليه، (ما) اسمٌ مُوصولٌ: فاعِلُ الْمَصدَرِ، (نَصَبْ) فعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقديرُه هو، والجُملَةُ لا مَحَلَّ لها صِلَةُ ما، والعائدُ مَحذوفٌ، وأصلُه ما نَصَبَه، (مَفعولاً) حالٌ مِن (ما) الْمَوصولةِ، (أو) عاطِفَةٌ، (ظَرْفاً) معطوفٌ على قولِه: مَفعولاً، (أَجِزْ) فعلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (ولم) نافيةٌ جازِمَةٌ، (يُعَبْ) فعْلٌ مُضارِعٌ مَبنيٌّ للمَجهولِ مَجزومٌ بلمْ، وعَلاَمَةُ جَزْمِه السُّكونُ.

([2]) (فصْلُ) نائبٌ فاعلٍ ليُعَبْ في البيتِ السابِقِ، وفصْلُ مُضافٌ و(يَمينٍ) مُضافٌ إليه، و(اضْطِرَاراً) مَفعولٌ لأجْلِه، (وُجِدَا) فعْلٌ ماضٍ مَبنيٌّ للمَجهولِ، ونائبُ الفاعلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى فصْلُ، (بأَجْنَبِيٍّ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بوُجِدَ، (أو بنَعْتٍ) معطوفٌ على بأَجْنَبِيٍّ، (أو نِدَا) معطوفٌ على نعْتٍ، وقَصَرَ قولَه: (نِدَا) للضَّرورةِ، وأصلُه: نِداءٍ.

([3]) 240 - البيتُ لأبِي حَيَّةَ النُّمَيْرِيِّ، يَصِفُ رسْمَ دارٍ.
اللُّغَةُ: (يَهوديٍّ) إنما خَصَّ اليَهوديَّ؛ لأنهم كانوا أهْلَ الكتابَةِ حِينَذاكَ، (يُقارِبُ)؛ أيْ: يَضُمُّ بعضَ ما يَكتُبُه إلى بعْضٍ، (أو يُزيلُ) يُفَرِّقُ بينَ كِتابَتِه.
المعنَى: يُشَبِّهُ ما بَقِيَ مُتناثِراً مِن رُسومِ الدِّيارِ هنا وهناك، بكِتابةِ اليَهوديِّ كِتاباً جعَلَ بعْضَه مُتقارِباً وبعضَه متَفَرِّقاً.
الإعرابُ: (كما) الكافُ حرْفُ تَشبيهٍ وجَرٍّ، وما: مَصدرِيَّةٌ، (خَطَّ) فعْلٌ ماضٍ مَبنيٌّ للمَجهولِ، (الكتابُ) نائبُ فاعِلِ خُطَّ، (بكَفِّ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بخُطَّ، (يَوماً) مَنصوبٌ على الظَّرفيَّةِ يَتعلَّقُ بخُطَّ أَيضاً، وكَفِّ مُضافٌ و(يَهوديٍّ) مُضافٌ إليه، وقد فصَلَ بينَهما بالظرْفِ، وما معَ ما دَخَلَتْ عليه في تأويلِ مَصدَرٍ مَجرورٍ بالكافِ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرٌ لِمُبتدأٍ مَحذوفٍ، والتقديرُ: رسْمُ هذه الدارِ كائنٌ كخَطِّ الكِتابِ... إلخ، وجُملةُ يُقارِبُ وفاعِلِه الْمُسْتَتِرِ فيه جَوَازاً تَقديرُه هو العائدُ إلى اليَهوديِّ في مَحَلِّ جَرٍّ صِفَةٌ ليَهوديٍّ، وجُملةُ يُزيلُ معَ فاعلِه الْمُستَتِرِ فيه جَوَازاً، تَقديرُه هو، العائدِ لليهوديِّ أيضاً، مَعطوفةٌ على جُملةِ الصِّفَةِ بأو.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (بكَفِّ يَوْماً يَهوديٍّ)؛ حيثُ فَصَلَ بينَ المضافِ وهو كَفِّ، والمضافِ إليه وهو يَهوديٍّ، بأجنبيٍّ مِن المضافِ وهو يَوماً، وإِنَّما كانَ الفاصِلُ أَجنبِيًّا؛ لأنَّ هذا الظرْفَ ليسَ مُتَعَلِّقاً بالْمُضافِ، وإنما هو مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (خُطَّ)، وقد بَيَّنَه الشارِحُ.

([4]) 241 - نَسَبُوا هذا البيتَ لِمُعَاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهما.
اللُّغَةُ: (المُراديُّ) نِسبةً إلى مُرادٍ، وهي قَبيلةٌ مِن اليَمَنِ، ويُريدُ بالْمُرادِيِّ قاتِلَ أَميرِ الْمُؤمنينَ عليِّ بنِ أبي طالِبٍ كَرَّمَ اللهُ وَجهَهُ، وهو عبدُ الرحمنِ بنُ مُلْجَمٍ، لَعَنَه اللهُ، وحديثُه أَشهَرُ مِن أنْ يُقالَ عنه شيءٌ، (الأَبَاطِحِ) جَمْعُ أَبْطَحٍ، وهو المكانُ الواسِعُ، أو الْمَسيلُ فيه دِقاقُ الْحَصَى، وأرادَ بالأَباطِحِ مَكَّةَ، وأَرادَ بشَيْخِها أبا طالِبِ بنَ عبدِ الْمُطَّلِبِ عمَّ الرسولِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، ووالِدَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، وقد كانَ أبو طالِبٍ مِن وُجوهِ مَكَّةَ وعُظمائِها.
الإعرابُ: (نَجَوْتُ) فعْلٌ وفاعِلٌ، (وقد) الواوُ واوُ الحالِ، قدْ: حرْفُ تَحقيقٍ، (بل) فعْلٌ ماضٍ، (الْمُراديُّ) فاعلُ بلْ، (سيْفَهُ) سيْفَ: مَفعولٌ به لبَلَّ، وسيفَ مُضافٌ والضميرُ مُضافٌ إليه، (مِن ابنِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ ببَلَّ، وابنِ مُضافٌ و(أبي) مُضافٌ إليه، (شيخِ الأَبَاطِحِ) نعْتٌ لأَبِي، ومُضافٌ إليه، وأبي مُضافٌ و(طالِبِ) مُضافٌ إليه.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (أبي شيخِ الأَباطِحِ طالِبِ)؛ حيثُ فصَلَ بينَ المضافِ وهو أبي، والْمُضافِ إليه وهو طالِبِ، بالنعْتِ وهو شَيْخِ الأَبَاطِحِ، وأصْلُ الكلامِ: مِن ابنِ أبي طالِبٍ شَيْخِ الأَبَاطِحِ.

([5]) 242 - هذا البيتُ للفَرَزْدَقِ هَمَّامِ بنِ غالِبٍ.
اللُّغَةُ: (على يَدَيْكَ) أَرادَ على فِعْلِ يَدَيْكَ، فحَذَفَ المضافَ، والمقصودُ بفعْلِ يَدَيْهِ العَطاءُ والْجُودُ والكَرَمُ وسِعَةُ الإنفاقِ.
المعنى: يُقَرِّرُ أنَّه متَأَكِّدٌ مِن كَرَمِ المُخَاطَبِ وجُودِهِ، حتَّى إنَّه لو حَلَفَ عليه لكانَ حَلِفُه يَمينَ مُقسِمٍ صادِقٍ، لا يَشوبُ حَلِفَه شَكٌّ، وبَيَّنَ ذلك بأنَّ يَمينَه آكَدُ مِن يَمينِ الْمَمدوحِ على فعْلِ نفْسِه.
الإعرابُ: (لَئِن) اللامُ مُوَطِّئَةٌ للقَسَمِ، إنْ: شَرطيَّةٌ، (حَلَفْتُ) حَلَفَ: فعْلٌ ماضٍ، فعْلُ الشرْطِ، وتاءُ المتكلِّمِ فاعِلُه، (على يَدَيْكَ) الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بِحَلَفْتُ، ويَدَيْ مُضافٌ وضَميرُ المخاطَبِ مُضافٌ إليه، (لأَحْلِفَنِ) اللامُ واقِعَةٌ في جَوابِ القَسَمِ المدلولةِ عليه باللامِ، أحْلِفَنْ: فعْلٌ مُضارِعٌ مَبنيٌّ على الفتْحِ لاتِّصالِه بنُونِ التوكيدِ الْخَفيفةِ، والفاعلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنا، والجُملَةُ لا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ جَوابُ القَسَمِ، وجَوابُ الشرْطِ مَحذوفٌ وُجوباً، يَدُلُّ عليه جَوابُ القَسَمِ، (بيمينِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بأَحْلِفَ، (أَصْدَقَ) نعْتٌ ليَمينٍ، (مِن يَمِينِكَ) الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بأَصْدَقَ، ويَمينِ الثاني مُضافٌ وكافُ المخاطَبِ مُضافٌ إليه، ويَمينِ الأوَّلُ مُضافٌ و(مُقْسِمِ) مُضافٌ إليه.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (بيمينِ أَصْدَقَ مِن يَمينِكَ مُقْسِمِ)؛ حيثُ فَصَلَ بينَ المضافِ وهو يَمينِ، والمضافِ إليه وهو مُقسِمِ، بنَعْتِ الْمُضافِ وهو (أَصْدَقَ مِن يَمينِكَ)؛ كما في البيتِ السابِقِ، وأَصْلُ الكلامِ: بيمينِ مُقسِمِ أصْدَقَ مِن يَمينِكَ.
وفي البيتِ شاهِدٌ آخَرُ، وهو في قولِه: (لأَحْلِفَنْ)؛ حيثُ أَتَى بجَوابِ القَسَمِ، وحذَفَ جَوابَ الشرْطِ؛ لكَوْنِ القَسَمِ الْمُوَطَّأِ له باللامِ في قولِه: (لَئِنْ) مُقَدَّماً على الشرْطِ.

([6]) 243 - هذا البيتُ لبُجَيْرِ بنِ أبي سُلْمَى الْمُزَنِيِّ، يقولُ لأخيةِ كعْبِ بنِ زُهيرٍ، وكان بُجَيْرٌ قد أَسْلَمَ قَبْلَ كعْبٍ، فلاَمَهُ كعْبٌ على ذلك، وتَعَرَّضَ للرسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فنَالَ بلِسانِه منه، فأهْدَرَ النبيُّ دَمَهُ.
اللُّغَةُ: (وِفاقُ) مَصدَرُ وَافَقَ فُلانٌ فُلاناً، إذا فعَلَ مِثْلَ فِعْلِه، (تَهْلُكَةٍ)؛ أيْ: هَلاَكٍ، (سَقَرِ) اسْمٌ مِن أسماءِ النارِ التي هى دارُ العذابِ.
المعنى: يَقولُ: إنَّ فعْلَكَ يا كعْبُ مِثْلُ فعْلِ أَخيكَ بُجَيْرٍ – يُريدُ الإسلامَ – يُنْقِذُكَ مِن الوُقوعِ في الْهَلَكَةِ، ومِن الْخُلودِ يَوْمَ الآخِرَةِ في دَارِ العَذَابِ.
الإعرابُ: (وِفاقُ) مُبتدَأٌ، (كعْبُ) مُنادًى بحَرْفِ نِداءٍ مَحذوفٍ، مَبنيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصْبٍ، ووِفاقُ مُضافٌ و(بُجَيْرٍ) مُضافٌ إليه، (مُنقِذٌ) خبَرُ المبتَدَأِ، (لكَ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِمُنْقِذٌ، (مِن تَعجيلِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِمُنْقِذٌ أَيضاً، وتَعجيلِ مُضافٌ و(تَهْلُكَةٍ) مُضافٌ إليه، (والخُلْدِ) معطوفٌ على تَعجيلِ، (في سَقَرِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بالخُلْدِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (وِفاقُ كعْبُ بُجَيْرٍ)؛ حيثُ فَصَلَ بينَ المضافِ وهو (وِفاقُ)، والمضافِ إليه وهو بُجَيْرٍ، بالنداءِ وهو قولُه: (كعْبُ)، وأصْلُ الكلامِ: وِفاقُ بُجَيْرٍ يا كعْبُ مُنقِذٌ لك.

([7]) 244 - هذا البيتُ مِن الشواهِدِ التي لم يَنْسُبُوهَا إلى قائِلٍ مُعَيَّنٍ.
اللُّغَةُ: (بِرْذَوْنَ) البِرْذَوْنُ مِن الْخَيْلِ: ما ليس بعَرَبِيٍّ.
المعنَى: يَصِفُ بِرْذَوْنَ رجُلٍ اسْمُه زَيدٌ، بأنَّه غيرُ جَيِّدٍ ولا مَمدوحٍ، وأنَّه لولاَ اللِّجَامُ الذي يُظْهِرُه في مَظْهَرِ الخيْلِ لكانَ – في نظَرِ مَن يَراهُ – حِماراً؛ لصِغَرِهِ في عَينِ الناظِرِ ولضَعْفِه.
الإعرابُ: (كأنَّ) حرْفُ تَشبيهٍ ونَصْبٍ، (بِرْذَوْنَ) اسمُ كأنَّ، (أبا) مُنادًى حُذِفَ منه حرْفُ النِّداءِ مَنصوبٌ بالألِفِ نِيابَةً عن الفتحَةِ؛ لأنه مِن الأسماءِ الستَّةِ، وأبا مُضافٌ و(عِصامِ) مُضافٌ إليه، وبِرذَوْنَ مُضافٌ و(زَيدٍ) مُضافٌ إليه، (حِمَارٌ) خبَرُ كأَنَّ، (دُقَّ) فعْلٌ ماضٍ مَبنيٌّ للمَجهولِ، ونائِبُ الفاعلِ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى حِمَارٌ، والجُملَةُ في مَحَلِّ رفْعٍ نعْتٌ لِحِمارٍ، (باللِّجَامِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بدُقَّ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (كأنَّ بِرْذَوْنَ أبا عِصامِ زَيدٍ)؛ حيثُ فصَلَ بينَ المضافِ وهو (بِرْذَوْنَ)، والمضافِ إليه وهو (زَيْدٍ)، بالنداءِ وهو قولُه: (أَبَا عِصامِ)، وأصْلُ الكلامِ: كأنَّ بِرْذَوْنَ زَيْدٍ يا أبا عِصامٍ، كما ذَكَرَه الشارِحُ العَلاَّمَةُ رَحِمَه اللهُ.
ومِمَّا هو مِن بابِ الضَّرورةِ – في الفصْلِ بينَ المضافِ والمضافِ إليه – الفصْلُ بينَهما بفاعِلِ الْمُضافِ، ومِن ذلك قولُ الشاعِرِ:
نَرَى أسْهُماً للمَوْتِ تُصْمِي ولا تَنْمِي = ولا نَرْعَوِي عن نقْضِ أَهواؤُنا العَزْمَ
الشاهِدُ فيه قولُه: (نَقْضِ أَهواؤُنا العَزْمَ)؛ حيثُ فصَلَ بينَ الْمُضافِ وهو قولُه: (نقْضِ)، والْمُضافِ إليه هو قولُه: (العَزْمَ)، بفاعِلِ المضافِ وهو قولُه: (أَهواؤُنا) الذي هو فاعِلُ الْمُضافِ؛ لأنَّ (نقْضِ) مَصدَرٌ يَحتاجُ إلى فاعِلٍ، وأصْلُ الكلامِ: (عن نقْضِ العَزْمِ أَهواؤُنا).
ومِثلُ ذلك قَوْلُ الآخَرِ:
ما إِنْ وَجَدْنَا للْهَوَى مِن طِبِّ = ولا عَدِمْنَا قَهْرَ وَجْدٌ صَبِّ
الشاهِدُ فيه قولُه: (قَهْرَ وَجْدٌ صَبِّ)؛ حيثُ فَصَلَ بينَ المضافِ وهو قولُه: (قَهْرَ) والمضافِ إليه وهو قولُه: (صَبِّ) بفاعِلِ المضافِ، وهو قولُه: (وَجْدٌ)؛ لأنَّ المضافَ مَصْدَرٌ، وأصْلُ الكلامِ: (قَهْرَ صَبٍّ وَجْدٌ).


  #3  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 11:00 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


فَصْلٌ: زَعَمَ كَثِيرٌ([1]) مِن النَّحْوِيِّينَ أنَّهُ لا يُفْصَلُ بَيْنَ المُتَضَايِفَيْنِ إلا في الشِّعْرِ، والحَقُّ أنَّ مَسَائِلَ الفَصْلِ سَبْعٌ، مِنْهَا ثَلاثٌ جَائِزَةٌ في السَّعَةِ:
إِحْدَاهَا: أَنْ يَكُونَ المُضَافُ مَصْدَراً والمُضَافُ إليهِ فَاعِلَهُ([2]) ، والفَاصِلُ إمَّا مَفْعُولُهُ، كقِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ: (قَتْلُ أَوْلاَدَهُمْ شُرَكَائِهِمْ)([3]) ، وقَوْلِ الشَّاعِرِ:
353- فَسُقْنَاهُمْ سَوْقَ البُغَاثَ الأَجَادِلِ([4])
وإمَّا ظَرْفُهُ، كقَوْلِ بَعْضِهِم: (تَرْكُ يَوْماً نَفْسِكَ وَهَوَاهَا).
الثَّانِيَةُ: أنْ يَكُونَ المُضَافُ وَصْفاً، والمُضَافُ إليه إمَّا مَفْعُولُهُ([5]) الأوَّلُ والفَاصِلُ مَفْعُولُهُ الثَّانِي، كقِرَاءَةِ بَعْضِهِم: (فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِهِ)([6]) ، وقَوْلِ الشَّاعِرِ:
354- وَسِوَاكَ مَانِعُ فَضْلَهُ المُحْتَاجِ([7])
أو ظَرْفُهُ، كقَوْلِهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي))([8]) ، وقَوْلِ الشَّاعِرِ:
355- كَنَاحِتِ يَوْماً صَخْرَةٍ بعَسِيلِ([9])
الثَّالِثَةُ: أنْ يَكُونَ الفَاصِلُ قَسَماً([10]) ، كقَوْلِكَ: (هذا غُلامُ واللَّهِ زَيْدٍ).
والأربَعُ البَاقِيَةُ تَخْتَصُّ بالشِّعْرِ:
إِحْدَاهَا: الفَصْلُ بالأجنَبِيِّ، ونَعْنِي به مَعْمُولَ غَيْرِ المُضَافِ، فَاعِلاً كانَ كقَوْلِهِ:
356- أَنْجَبَ أَيَّامَ وَالِدَاهُ بِهِ = إِذْ نَجَلاَهُ فَنِعْمَ مَا نَجَلاَ([11])
أو مَفْعُولاً، كقَوْلِهِ:
357- تَسْقِي امْتِيَاحاً نَدَى المِسْوَاكَ رِيقَتِهَا([12])
أي: تَسْقِي نَدَى رِيقَتِهَا المِسْوَاكَ.
أو ظَرْفاً، كقَوْلِهِ:
358- كَمَا خُطَّ الكِتَابُ بِكَفِّ يَوْماً = يَهُودِيٍّ يُقَارِبُ أَوْ يُزِيلُ([13])
الثَّانِيَةُ: الفَصْلُ بفَاعِلِ المُضَافِ، كقَوْلِهِ:
359- وَلاَ عَدِمْنَا قَهْرَ وَجْدٌ صَبِّ([14])
ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِنْهُ أو مِن الفَصْلِ بالمَفْعُولِ قَوْلُهُ:
360- فَإِنَّ نِكَاحَهَا مَطَرٍ حَرَامُ([15])
بدَلِيلِ أنَّهُ يُرْوَى بنَصْبِ مَطَرٍ وبرَفْعِهِ، فالتَّقْدِيرُ: فإِنَّ نِكَاحَ مَطَرٍ إِيَّاهَا أو هي.
والثَّالِثَةُ: الفَصْلُ بنَعْتِ المُضَافِ، كقَوْلِهِ:
361- مِنَ ابْنِ أَبِي شَيْخِ الأَبَاطِحِ طَالِبِ([16])
الرَّابِعَةُ: الفَصْلُ بالنِّدَاءِ([17]) ، كقَوْلِهِ:
362- كَأَنَّ بِرْذَوْنَ أَبَا عِصَامِ = زَيْدٍ حِمَارٌ دُقَّ بِاللِّجَامِ[18]
أي: كَأَنَّ بِرْذَوْنَ زَيْدٍ يَا أَبَا عِصَامٍ.


([1]) هذا الذي ذكرَهُ المُؤَلِّفُ مَنْسُوباً إلى أَكْثَرِ النَّحْوِيِّينَ – مِن أنَّهُ لا يجوزُ أنْ يُفْصَلَ في السَّعَةِ بينَ المضافِ والمضافِ إليه مُطْلَقاً – هو الذي يُسْتَفَادُ مِن كلامِ سِيبَوَيْهِ، وهم يَعْنُونَ بالإطلاقِ أنَّهُ يَسْتَوِي في عدَمِ جوازِ الفَصْلِ أنْ يكونَ المضافُ اسماً عامِلاً كالمَصْدَرِ واسمِ الفَاعِلِ وأمثِلَةِ المُبَالَغَةِ وألاَّ يكونَ المضافُ مِن الأسماءِ العَامِلَةِ كأسماءِ الأَجْنَاسِ غَيْرِ المَصَادِرِ، كما يَسْتَوِي أنْ يكونَ الفَاصِلُ بين المُتَضَايِفَيْنِ ممَّا يَكْثُرُ دَوْرُه في الكلامِ كالظَّرْفِ والجَارِّ والمجرُورِ وألاَّ يكونَ الفَاصِلُ بهذه المَنْزِلَةِ, وحُجَّتُهُم في هذا أنَّ المُضَافَ والمضافَ إليه بمَنْزِلَةِ الكَلِمَةِ الوَاحِدَةِ، ألا تَرَى أنَّ المضافَ إليه مُنَزَّلٌ مِن المضافِ مَنْزِلَةَ التَّنْوِينِ؟ وقدْ عَلِمْنَا أنَّهُ لا يجوزُ أنْ يُفْصَلَ بينَ أَجْزَاءِ الكَلِمَةِ الوَاحِدَةِ بفَاصِلٍ ما، فما كانَ بمَنْزِلَةِ الكَلِمَةِ الوَاحِدَةِ يَأْخُذُ حُكْمَ الكَلِمَةِ الوَاحِدَةِ، وهاك عِبَارَةَ سِيبَوَيْهِ التي يُفْهَمُ مِنْهَا هذا الكَلامُ، قالَ (1/9): (ومِمَّا جَاءَ في الشِّعْرِ قَدْ فُصِلَ بَيْنَهُ وبينَ المَجْرُورِ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ قُمَيْئَةَ:
لَمَّا رَأَتْ سَاتِيدَمَا اسْتَعْبَرَتْ = لِلَّهِ دَرُّ اليَوْمَ مَنْ لاَمهَاَ
(سَاتِيدَمَا: اسمُ جَبَلٍ بعَيْنِه، استَعْبَرَت: بَكَت لأنَّهَا عَلِمَت بمُشَاهَدَتِه بُعْدَها عَن أَهْلِها، ودَرُّ: مُضَافٌ إلى (مَنْ لاَمهَا) وقد فَصَلَ بَيْنَهُمَا بالظَّرْفِ, ودَرُّ: اسمُ جِنْسٍ لا يُشْبِهُ الفِعْلَ) وقالَ أَبُو حَيَّةَ النُّمَيْرِيُّ وهو الشَّاهِدُ رَقْمُ 358 الآتِي:
كَمَا خُطَّ الكِتَابُ بِكَفِّ يَوْماً = يَهُودِيٍّ يُقَارِبُ أَوْ يُزِيلُ
وهذا لا يكونُ فيه إلا هذا؛ لأنَّهُ ليسَ في مَعْنَى الفِعْلِ ولا اسمِ الفَاعِلِ الذي جَرَى مَجْرَى الفِعْلِ) اهـ. كلامُه، والعِبَارَةُ الأخيرَةُ فِي كَلامِه تَحْتَاجُ إلى بَيَانٍ وإِيضاحٍ، فهو يريدُ أنَّ المضافَ لو كانَ مَصْدَراً أو اسمَ فَاعِلٍ كانَ يُمْكِنُ أنْ يُضَافَ إلى الظَّرْفِ، وتَكُونُ الإضافَةُ على مَعْنَى في، ثُمَّ يَنْصِبُ الاسمَ الذي بَعْدَ الظَّرْفِ على أنَّهُ مَفْعُولٌ به للاسمِ العامِلِ عَمَلَ الفِعْلِ، كما فَعَلَ ذلك الشَّمَّاخُ في قَولِه:
رُبَّ ابْنِ عَمٍّ لِسُلَيْمَى مُشْمَعِلّْ = طَبَّاخِ سَاعَاتِ الكَرَى زَادَ الكَسَلْ
فقدْ أضافَ (طَبَّاخِ) إلى (سَاعَاتِ الكَرَى) على مَعْنَى في، ثُمَّ نصَبَ (زَادَ الكَسَلْ) على المفعُولِيَّةِ، وكما فعلَ ذلك الأَخْطَلُ في قولِه:
وَكَرَّارِ خَلْفِ المُجْحَرِينَ جَوَادَهُ = إِذَا لَمْ يُحَامِ دُونَ أُنْثَى حَلِيلُهَا
فقدْ أضافَ (كَرَّارِ) إلى الظَّرْفِ الذي هو (خَلْفِ المُجْحَرِينَ) ثُمَّ نَصَبَ قولَهُ: (جَوَادَهُ) بكَرَّارِ على أنَّهُ مَفْعُولٌ به، فالفَرْقُ أنَّ الاسمَ الذي يَعْمَلُ عَمَلَ الفِعْلِ يُمْكِنُ معَه إضافَتُه إلى الظَّرْفِ، ويُمْكِنُ معَ ذلك أنْ يَنْصِبَ الاسمَ الذي بَعْدَ الظَّرْفِ على المَفْعُولِيَّةِ، أمَّا الاسمُ الجامِدُ غَيْرُ العَامِلِ عَمَلَ الفِعْلِ فلا يُمْكِنُ فيه وَاحِدٌ مِن هذَينِ الأمرَيْنِ، فلم يَبْقَ إلا احتِمَالُ الضَّرُورَةِ بأنْ يَنْتَصِبَ الظَّرْفُ ويَجُرَّ ما بَعْدَه بالإضافَةِ، ويَكُونُ الظَّرْفُ فَاصِلاً بينَ المضافِ والمضافِ إليه، فهذا مَعْنَى كَلامِه.
وقدْ كانَ الخِلافُ بينَ الكُوفِيِّينَ والبَصْرِيِّينَ في أنَّهُ هلْ يجوزُ في الضَّرُورَةِ الشِّعْرِيَّةِ أنْ يُفْصَلَ بينَ المضافِ والمضافِ إليه بغَيْرِ الظَّرْفِ والجَارِّ والمجرُورِ أو لا يجوزُ ذلك؟ ومَعْنَى هذا أنَّ الفَرِيقَيْنِ مُتَّفِقَانِ على أَمْرَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّهُ لا يجوزُ في سَعَةِ الكَلامِ الفَصْلُ بينَ المُتَضَايِفَيْنِ ولو بالظَّرْفِ والجَارِّ والمجرورِ، ويُعْتَبَرُ الفَصْلُ مِن ضَرَائِرِ الشِّعْرِ، وأنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فيما وَرَدَ مِن كلامِ الشُّعَرَاءِ وفيه الفَصْلُ بغَيْرِ الظَّرْفِ والجَارِّ والمَجْرُورِ، فالبَصْرِيُّونَ يُنْكِرُونَ صِحَّةَ هذا الكَلامِ، والكُوفِيُّونَ يَحْتَمِلُونَه ويَعُدُّونَهُ ضَرُورَةً، ويَدُلُّ على أنَّ الخِلافَ بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ على هذا الوَجْهِ أنَّ ابنَ الأَنْبَارِيِّ في (الإِنْصَافِ) وَضَعَ مَسْأَلَةً مِن مَسَائِلِ الخِلافِ على هذا الوَضْعِ، قالَ: (ذَهَبَ الكُوفِيُّونَ إلى أنَّهُ يجوزُ الفَصْلُ بينَ المضافِ والمضافِ إليه بغَيْرِ الظَّرْفِ وحَرْفِ الخَفْضِ لضَرُورَةِ الشِّعْرِ، وذَهَبَ البَصْرِيُّونَ إلى أنَّهُ لا يجوزُ ذلك بغَيْرِ الظَّرْفِ وحَرْفِ الجَرِّ) ثُمَّ أخَذَ في سَوْقِ أَدِلَّةِ الفَرِيقَيْنِ، ولمَّا جاءَ إلى رَدِّ البَصْرِيِّينَ على ما أَنْشَدُوهُ مِن الشِّعْرِ قالَ: (أَمَّا مَا أَنْشَدُوهُ فهو – معَ قِلَّتِه – لا يُعْرَفُ قَائِلُه، فلا يَجُوزُ الاحتِجَاجُ به) اهـ.
ولمَّا أرادَ المُتَأَخِّرُونَ مِن النُّحَاةِ أنْ يَفْصِلُوا في هذه المَسْأَلَةِ نَظَرُوا إلى الأدِلَّةِ التي وَرَدَ فيها الفَصْلُ بينَ المضافِ والمضافِ إليه، فوَجَدُوا بَعْضَ هذه الدَّلائِلِ كَلاماً لا ضَرُورَةَ فيه كقِرَاءَاتٍ رُوِيَت في بَعْضِ آيَاتِ القُرْآنِ وكأحَادِيثَ رُوِيَت عَن النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ وهو أَفْصَحُ العَرَبِ وكعِبَارَاتٍ رَوَاهَا الأَثْبَاتُ عَمَّن شَافَهُوهُم مِن العَرَبِ المُحْتَجِّ بكَلامِهِم، فلم يَسْتَطِيعُوا إلا أن يَجْعَلُوا مَسَائِلَ الفَصْلِ بينَ المُتَضَايِفَيْنِ على ضَرْبَيْنِ:
ضَرْبٌ يجوزُ في سَعَةِ الكَلامِ، وذلك فيما وَجَدُوا له دَلِيلاً في الكَلامِ المَنْثُورِ أو وَجَدُوهُ شَائِعاً في شِعْرِ الشُّعَرَاءِ المَعْرُوفِينَ، معَ أنَّ له تَعْلِيلاً صَحِيحاً يَجْرِي على ما عُهِدَ فِي كلامِ العربِ، وحَصَرُوا هذا القِسْمَ في المَسَائِلِ الثَّلاثِ التي ذكَرَها المُؤَلِّفُ.
وضَرْبٌ لا يجوزُ في سَعَةِ الكلامِ، وإنَّمَا يَحْتَمِلُ مِنْهُ ما وَرَدَ في الشِّعْرِ، ويُعْتَبَرُ ضَرُورةً مِن ضَرُورَاتِ الشِّعْرِ، وهو ما لم يَجِدُوا له دَلِيلاً في غَيْرِ الشِّعْرِ الذي لم يُعْرَفْ قَائِلُه أو عُرِفَ ولكنَّ التَّعْلِيلَ الذي يَسْلُكُه في مَسَالِكِ الكَلامِ العَرَبِيِّ غَيْرُ مُتَوَافِرٍ فيه، وذلك كالذي أشَارَ إليه المُؤَلِّفُ في هذا المَبْحَثِ، وهذا مَسْلَكٌ مُسْتَقِيمٌ يَنْبَغِي أنْ يُؤْخَذَ به في كُلِّ مَسْأَلَةٍ، ولا يُعْدَلُ عَنْ مَنْهَجِه، وسنُبَيِّنُ معَ كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِن المَسَائِلِ الثَّلاثِ مَدَى انطِبَاقِ هذا المَنْهَجِ عليها إِنْ شاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

([2]) استَدَلُّوا على جوازِ هذه المسأَلَةِ في السَّعَةِ بقِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ في الآيَةِ الكَرِيمَةِ (قَتْلَ أَوْلادَهُم شُرَكَائِهِمْ) بنَصْبِ (أَوْلادَهُم) على أنَّهُ مَفْعُولٌ به لقَتْلَ، وجَرِّ (شُرَكَائِهِم) على أنَّهُ مضافٌ إليه، وهي مِن إِضَافَةِ المَصْدَرِ إلى فَاعِلِه، وقَوْلُ قُدَامَى البَصْرِيِّينَ: إنَّ هذه القِرَاءَةِ وَهْمٌ مِن القَارِئِ كقَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ في (الكَشَّافِ): (وأَمَّا قِرَاءَةُ ابنِ عَامِرٍ فشَيْءٌ لو كانَ في مَكَانِ الضَّرُورَةِ وهو الشِّعْرُ كانَ سَمْجاً مَرْدُوداً فكَيْفَ بهِ في الكلامِ المَنْثُورِ؟ فكيفَ به في القُرْآنِ المُعْجِزِ بحُسْنِ نَظْمِه وجَزَالَتِه؟) كِلا الكَلامَيْنِ كَلامُ قُدَامَى البَصْرِيِّينَ.
وكَلامُ الزَّمَخْشَرِيِّ بَعِيدٌ عَن التَّحْقِيقِ الدَّقِيقِ، فقَدْ عُلِمَ أنَّ قِرَاءَةَ القُرْآنِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، وأنَّهَا مَرْوِيَّةٌ عَن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ، وما كانَ لقَارِئٍ أنْ يَبْتَكِرَ قِرَاءَةً مِن عِنْدِ نَفْسِه حتَّى يُقَالَ: إنَّهُ وَهِمَ، وقد عَلِمَ المُسْلِمُونَ جَمِيعاً أنَّ مَن كَذَبَ على رَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ فقَدِ استَحَقَّ أَشَدَّ العُقُوبَةِ، فكيفَ بالكَذِبِ عليه فيما يَنْسُبُه إلى الوَحْيِ ويَذْكُرُ أنَّهُ قُرْآنٌ كريمٌ تَحَدَّى اللَّهُ به الإِنْسَ والجِنَّ؟، وشَيْءٌ آخَرُ أنَّ النُّحَاةَ الذين سَوَّغُوا هذا الفَصْلَ في السَّعَةِ قد استَدَلُّوا على بَعْضِ فُرُوعِ هذه المَسْأَلَةِ الأُولَى بما يُرْوَى عَن العَرَبِ في كَلامِهِم المَنْثُورِ: (تَرْكُ يَوْماً نَفْسِكَ وَهَوَاهَا سَعْيٌ لَهَا فِي رَدَاهَا)، وشَيْءٌ ثالثٌ أنَّ العِلَّةَ التي يَذْكُرُها النُّحَاةُ لهذه المَسْأَلَةِ تَسْلُكُها في المَنْهَجِ المُتَعَارَفِ مِن كَلامِ العَرَبِ, وخُلاصَتُها: أنَّ الذي حَسَّنَ القَوْلَ بجَوَازِ الفَصْلِ في سَعَةِ الكَلامِ هنا ثَلاثَةُ أُمُورٍ:
الأوَّلُ: أنَّ الفَاصِلَ فَضْلَةٌ لكَوْنِه مَفْعُولاً به, والفَضْلَةُ مُؤْذِنَةٌ بعَدَمِ الاعتِدَادِ بها.
والثَّانِي: أنَّ هذا الفَاصِلَ لَيْسَ أَجْنَبِيًّا؛ لأنَّهُ إمَّا مَفْعُولٌ للمضافِ، وإمَّا ظَرْفٌ أو جَارٌّ ومَجرورٌ مُتعَلِّقٌ به.
والثَّالِثُ: أنَّ هذا الفَاصِلَ مُقَدَّرُ التَّأْخِيرِ عَن المضافِ إليه لكَوْنِ مَنْزِلَتِه مُتَأَخِّرَةً عَن مَنْزِلَةِ المضافِ إليه، أفَلا تَرَى أنَّ المضافَ إليه فَاعِلٌ، ورُتْبَةُ الفَاعِلِ سَابِقَةٌ على رُتْبَةِ المفعولِ وشِبْهِ المَفْعُولِ الذي هو الظَّرْفُ أو الجَارُّ والمَجْرُورُ.

([3]) سورة الأنعام، الآية: 137.

([4]) 353- وهذا الشَّاهِدُ ممَّا لم أَعْثُرْ له على قَائِلٍ، والذي آثَرَهُ المُؤَلِّفُ ههنا عَجُزُ بَيْتٍ مِن الطَّوِيلِ، وصَدْرُه قَوْلُه:
*عَتَوْا إِذْ أَجَبْنَاهُمْ إِلَى السَّلْمِ رَأْفَةً*
اللُّغَةُ: (عَتَوْا) مَاضٍ مُسْنَدٌ لواوِ الجَمَاعَةِ مِن العُتُوِّ، وهو مُجَاوَزَةُ الحَدِّ، تقولُ: عَتَا يَعْتُو عُتُوًّا – مِثْلَ سَمَا يَسْمُو سُمُوًّا – وعِتِيًّا أَيضاً، وقالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كُلُّ مُبَالَغٍ مِن كِبْرٍ أو فَسَادٍ أو كُفْرٍ فقَدْ عَتَا يَعْتُو عِتِيًّا وعُتُوًّا وعَسَا يَعْسُو عِسِيًّا وعُسُوًّا. (السّلْمِ) بكَسْرِ السِّينِ أو فَتْحِهَا – الصُّلْحُ. (البغَاثَ) بفَتْحِ البَاءِ بزِنَةِ السَّحَابِ وبكَسْرِهَا بزِنَةِ الكِتَابِ وبضَمِّهَا بزِنَةِ الغُرَابِ – طَائِرٌ ضَعِيفٌ يُصَادُ ولا يَصِيدُ، قالَ الشَّاعِرُ:
بُغَاثُ الطَّيْرِ أَكْثَرُهَا فِرَاخاً = وَأُمُّ الصَّقْرِ مِقْلاَةٌ نَزُورُ
(الأَجَادِلِ) جَمْعُ أَجْدَلٍ، وهو الصَّقْرُ، قالَ الشَّاعِرُ:
كَأَنَّ العُقَيْلِيِّينَ يَوْمَ لَقِيتُهُمْ = فِرَاخُ القَطَا لاَقَيْنَ أَجْدَلَ بَازِيَا
المَعْنَى: وَصَفَ أنَّهُم حَارَبُوا قَوْماً، وكانُوا قَادِرِينَ عليهِم مُسْتَطِيعِينَ أنْ يُوقِعُوا بهِم، ولكنَّهُم طَلَبُوا إليهم أنْ يُسَالِمُوهُم ففَعَلُوا ذلك رَأْفَةً بهِم، ولكنَّ هؤلاءِ القَوْمِ لمَّا رَأَوْهُم سَالَمُوهُم أَخَذَهُم الطُّغْيَانُ ومُجَاوَزَةُ الحَدِّ، فلم يَكُنْ لَهُم إلا أنْ يُنْزِلُوا بهم الهَلاكَ، فسَاقُوهُم أَمَامَهُم كما يَسُوقُ الأَجْدَلُ – وهو مِن كَوَاسِرِ الطَّيْرِ – طُيُوراً ضَعِيفَةً تُوَلِّي أَمَامَهُ خَوْفاً ورُعْباً.
الإعرَابُ: (عَتَوْا) عَتَا: فِعْلٌ مَاضٍ، وواوُ الجَمَاعَةِ فَاعِلُه. (إِذْ) ظَرْفٌ لِمَا مَضَى مِن الزَّمَانِ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ نَصْبٍ بعُتُوًّا. (أَجَبْنَاهُم) فعلٌ ماضٍ وفاعِلُه ومَفْعُولُه، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ جَرٍّ بإضافَةِ إِذْ إليها. (إِلَى السَّلْمِ) جَارٌّ ومَجرورٌ مُتعَلِّقٌ بأَجَابَ. (رَأْفَةً) مَفْعُولٌ لأجلِه منصوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، وعَامِلُه أجَابَ. (فَسُقْنَاهُمْ) الفَاءُ حَرْفُ عَطْفٍ، وسَاقَ: فِعْلٌ ماضٍ، ونا: فَاعِلُه، وهُمْ: مَفْعُولُه. (سَوْقَ) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مُبَيِّنٌ للنَّوْعِ منصوبٌ بساقَ، وعَلامَةُ نَصْبِه الفَتْحَةُ الظَّاهِرَةُ، وهو مضافٌ و(الأَجَادِلِ) مُضَافٌ إليه مِن إضافَةِ المَصْدَرِ إلى فَاعِلِه، مَجْرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهرَةِ، و(البُغَاثَ) مفعولٌ به للمَصْدَرِ الذي هو سَوْقَ، منصوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، وقد فَصَلَ بهذا المَفْعُولِ بينَ المَصْدَرِ الذي هو سَوْقَ وفَاعِلِه الذي هو الأَجَادِلِ.
الشَّاهِدُ فيه: قولُه: (سَوْقَ البُغَاثَ الأجَادِلِ)؛ فإنَّ قَوْلَه: (سَوْقَ) مَصْدَرٌ مضافٌ إلى فاعِلِه وهو قَوْلُه: (الأَجَادِلِ) وقد فَصَلَ بينَ المضافِ والمضافِ إليه بالمَفْعُولِ، وهو قَوْلُه: (البُغَاثَ).
ومِثْلُ هذا البَيْتِ قولُ الشَّاعرِ، ويُنْسَبُ إلى عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ، وليسَ في أَصْلِ دِيوَانِه:
وَحَلَّقَ البَازِيُّ كَالقَوَانِسِ = فَدَاسَهُمْ دَوْسَ الحَصِيدَ الدَّائِسِ
فإنَّ قَوْلَه: (دَوْسَ) مَصْدَرٌ وقَعَ مَفْعُولاً مُطْلَقاً لدَاسَ، وهو مضافٌ إلى فَاعِلِه الذي هو قَوْلُه: (الدَّائِسِ) وقد فَصَلَ بَيْنَهُما بمفعُولِ المَصْدَرِ، وهو قَوْلُه: (الحَصِيدَ).
ومِثْلُه قولُ الشَّاعِرِ:
فَزَجَجْتُهَا بِمِزَجَّةٍ = زَجَّ القَلُوصَ أَبِي مَزَادَهْ
فإنَّ قَوْلَه: (زَجَّ) مصدرُ فِعْلٍ مُتَعَدٍّ، وقد أُضِيفَ إلى فاعِلِه – وهو قَوْلُه: (أَبِي مَزَادَهْ) وفَصَلَ بينَ المضافِ والمضافِ إليه مَفْعُولُ المَصْدَرِ وهو قَوْلُه: (القَلُوصَ) وقد كانَ الشَّاعِرُ مُتَمَكِّناً مِن أنْ يُضِيفَ المَصْدَرَ إلى هذا المفعولِ ثُمَّ يأتِي بالفاعلِ مَرْفُوعاً فيَقُولُ: (زَجَّ القَلُوصِ أَبُو مَزَادَةَ) مِن غَيْرِ أنْ يَغِيَّرَ في وَزْنِ البَيْتِ ولا رَوِيِّهِ.

([5]) في هذه العِبَارَةِ قَلَقٌ؛ وذلك لأنَّهُ لم يأتِ لإمَّا هذه بمُقَابِلٍ، وهو يريدُ أنْ يقولَ: (أَنْ يكونَ المضافُ وَصْفاً والمُضَافُ إليه مَفْعُولَهُ، والفَاصِلُ إمَّا مفعولُه الثَّانِي وإمَّا ظَرْفُه) فالتَّفْصِيلُ في الفَاصِلِ وليس في المضافِ إليه، فكانَ حَقُّ (إِمَّا) هذه أنْ تَتَأَخَّرَ إلى ما بَعْدَ قولِه: (والفَاصِلُ).

([6]) سورة إبراهيم، الآية: 47، ولو تَأَمَّلْتَ في هذه المَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَجَدْتَ المُؤَلِّفَ قَد استَدَلَّ لبَعْضِ فُرُوعِهَا بهذه الآيَةِ الكَرِيمَةِ، ولبَعْضِ فُرُوعِها الآخَرِ بالحَدِيثِ النَّبَوِيِّ، فكانَت أَدِلَّتُها مِن الكَلامِ المَنْثُورِ، بل مِن أَفْصَحِ الكَلامِ، وتَعْلِيلُها قَرِيبٌ مِن تَعْلِيلِ المَسْأَلَةِ الأُولَى، فتَدَبَّرْ.

([7]) 354- بَحَثْتُ عَن نِسْبَةِ هذا البيتِ طَوِيلاً فلم أُوَفَّقْ للعُثُورِ عليها، وما رَوَاهُ المُؤَلِّفُ ههنا عَجُزُ بَيْتٍ مِن الكَامِلِ، وصَدْرُه قَوْلُه:
*مَا زَالَ يُوقِنُ مَن يَؤُمُّكَ بِالغِنَى*
اللُّغَةُ: (يُوقِنُ) مُضَارِعُ (أَيْقَنَ فُلانٌ بالأمرِ) إذا كانَ مِنْهُ على ثَبْتٍ، وقَدْ عَلِمَهُ عِلْماً لا يُخَالِطُه تَرَدُّدٌ ولا شَكٌّ. (يَؤُمُّكَ) يَقْصِدُك. (المُحْتَاجِ) اسمُ الفَاعِلِ مِن قَوْلِهم: (احتَاجَ فُلانٌ إلى كذا) إذا كَانَت به حَاجَةٌ إليه.
الإعرابُ: (مَا) حَرْفُ نَفْيٍ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ. (زَالَ) فعلٌ ماضٍ نَاقِصٌ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ. (يُوقِنُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفُوعٌ لتَجَرُّدِه مِن النَّاصِبِ والجَازِمِ، وعَلامَةُ رَفْعِه الضَّمَّةُ الظَّاهرَةِ، وفَاعِلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو يعودُ إلى اسمِ زَالَ المُتَأَخِّرِ، وجُمْلَةُ هذا الفِعْلِ المُضَارِعِ وفَاعِلِه المُسْتَتِرِ فيه في مَحَلِّ نَصْبٍ خَبَرُ زَالَ تَقَدَّمَ على اسمِه. (مَنْ) اسمٌ مَوْصُولٌ اسمُ زَالَ تَأَخَّرَ عَن خَبَرِها، مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ رفعٍ. (يَؤُمُّكَ) يَؤُمُّ: فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفُوعٌ لتَجَرُّدِه مِن النَّاصِبِ والجَازمِ، وعلامَةُ رَفْعِه الضَّمَّةُ الظَّاهرَةِ، وفاعِلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو يعودُ إلى مَن المَوصُولَةِ، وكافُ المُخَاطَبِ مفعولٌ به مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ في مَحَلِّ نصبٍ، والجُمْلَةُ مِن الفعلِ المضارِعِ وفَاعِلِه ومفعولِه لا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ صِلَةُ المَوْصُولِ. (بِالغِنَى) الباءُ حَرْفُ جَرٍّ مَبْنِيٌّ على الكَسْرِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، والغِنَى: مَجْرُورٌ بالباءِ وعلامَةُ جَرِّهِ كَسْرَةٌ مُقَدَّرَةٌ على الألفِ مَنَعَ مِن ظهورِهَا التَّعَذُّرُ، والجارُّ والمجرورُ متعَلِّقٌ بيُوقِنُ. (وَسِوَاكَ) الواوُ حَرْفُ عَطْفٍ، سِوَى، مُبْتَدَأٌ مَرْفُوعٌ بضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على الألفِ منعَ مِن ظهورِهَا التَّعَذُّرُ، وسِوَى مضافٌ وكافُ المُخَاطَبِ مضافٌ إليه مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ في مَحَلِّ جَرٍّ. (مَانِعُ) خَبَرُ المبتدَأِ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهرَةِ، وهو مُضَافٌ و(المُحْتَاجِ) مُضَافٌ إليه مَجْرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهرَةِ، و(فَضْلَهُ) فَضْلَ: مفعولٌ به لمَانِعُ مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، وفَضْلَ مُضَافٌ وضميرُ الغَائِبِ مُضَافٌ إليه مَبْنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ جَرٍّ.
الشَّاهِدُ فيه: قَوْلُه: (مَانِعُ فَضْلَهُ المُحْتَاجِ)؛ فإنَّ قَوْلَهُ: (مَانِعُ) اسمُ فَاعِلٍ فِعْلُه – وهو مَنَعَ – يَتَعَدَّى إلى مَفْعُولَيْنِ؛ إذْ تقولُ: (مَنَعْتُ مُحَمَّداً حَقَّهُ) وقد أضافَ الشَّاعِرُ هذا العَامِلَ إلى مفعولِهِ الأوَّلِ، وهو قولُه: (المُحْتَاجِ)، وفَصَلَ بينَهُم بالمفعولِ الثَّانِي وهو قولُه: (فَضْلَهُ).

([8]) تَارِكُو: جَمْعُ تَارِكٍ, وهو اسمُ فَاعِلٍ فِعْلُهُ مُتَعَدٍّ – وهو تَرَكَ – وقد أُضِيفَ هذا الجَمْعُ إلى مفعولِه – وهو (صَاحِبِي) – وفَصَلَ بَيْنَهُمَا بالجَارِّ والمجرورِ وهو (لِي) والدَّلِيلُ على إِرَادَةِ الإضافَةِ حَذْفُ نُونِ الجَمْعِ، وهي إنَّمَا تُحْذَفُ في السَّعَةِ للإضافَةِ، ولو لم تَكُنِ الإضافَةُ مَقْصُودةً لقيلَ: (هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي)، ومِن العُلَمَاءِ مَن خَرَّجَ هذا الحَدِيثَ على أنَّ نُونَ الجَمْعِ قد حُذِفَت للتَّخْفِيفِ, وعليه يَكُونُ (صَاحِبِي) مَفْعُولاً به لقَوْلِه: (تَارِكُو) وقَدْ جَرَّأَ هؤلاءِ على هذا التَّخْرِيجِ زَعْمُهُم أنَّ الفَصْلَ بين المضافِ والمضافِ إليه غَيْرُ جَائِزٍ في سَعَةِ الكَلامِ، وقد عَرَفْتَ ما في هذا الزَّعْمِ، على أنَّ الوَجْهَ الذي خَرَّجُوا الحَدِيثَ عليه لَيْسَ بأَوْلَى مِن الوَجْهِ الذي فَرُّوا مِنْهُ؛ لأنَّ حَذْفَ نُونِ الجَمْعِ لغَيْرِ الإضافَةِ مِمَّا لا يَقَعُ في سَعَةِ الكَلامِ، فلا يَنْبَغِي أنْ يُخَرَّجَ الحديثُ عليهِ.

([9]) 355-وهذا الشَّاهِدُ أَيضاً مِن الشَّوَاهِدِ التي أَعْيَانِي تَطْلابُ قَائِلِها، وما ذَكَرَهُ المؤلِّفُ ههنا عَجُزُ بَيْتٍ مِن الطَّوِيلِ، وصَدْرُه قَوْلُه:
*فَرِشْنِي بِخَيْرٍ لاَ أَكُونَنْ وَمِدْحَتِي*
اللُّغَةُ: (رِشْنِي) فِعْلُ أَمْرٍ أَصْلُه قَوْلُهم: (رَاشَ السَّهْمَ يَرِيشُه) إذَا أَلْزَقَ عليه الرِّيشُ، وفي ذلك قُوَّةٌ للسَّهْمِ, وبهذا الفِعْلِ يُعَبَّرُ عَن لازِمِ مَعْنَاهُ، وهو القُوَّةُ. (بِعَسِيلِ) العَسِيلُ: مِكْنَسَةُ العَطَّارِ.
المَعْنَى: يقولُ لمُخَاطِبِه الذي يَسْتَجْدِيهِ ويَطْلُبُ عَطَاءَهُ: اجْزِنِي خَيْراً على مَدِيحِي إيَّاكَ ولا تَجْعَلْ سَعْيِي إليك غَيْرَ مُجْدٍ عَلَيَّ ولا عَائِدٍ بالنُّجْحِ؛ فأكونَ حينئِذٍ كمَن يَنْحِتُ الصَّخْرَ بمِكْنَسَةٍ مُتَّخَذَةٍ مِن اللِّيفِ، وضَرَبَ ذلك مَثَلاً لمَن يَسْعَى في غَيْرِ طَائِلٍ.
الإعرابُ: (فَرِشْنِي) الفاءُ للاستِئْنَافِ، رِشْ: فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، وفاعِلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنت، والنُّونُ للوِقَايَةِ، وياءُ المُتَكَلِّمِ مَفْعُولٌ بهِ. (بِخَيْرٍ) جَارٌّ ومَجرورٌ مُتعَلِّقٌ بقَوْلِه: رِشْ. (لاَ) حَرْفُ نَفْيٍ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ. (أَكُونَنْ) أَكُونَ: فِعْلٌ مضارعٌ ناقِصٌ يَرْفَعُ الاسمَ ويَنْصِبُ الخَبَر، مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لاتِّصَالِهِ بنُونِ التَّوكِيدِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، واسمُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه أنا، ونُونُ التَّوكِيدِ حَرْفٌ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ. (وَمِدْحَتِي) الواوُ واوُ المَعِيَّةِ حَرْفٌ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، مِدْحَةِ: مَفْعُولٌ معَهُ منصوبٌ بفَتْحَةٍ مُقَدَّرَةٍ على ما قَبْلَ ياءِ المُتَكَلِّمِ منعَ مِن ظهورِها اشتغالُ المَحَلِّ بحَرَكَةِ المُنَاسَبَةِ، ومِدْحَةِ مُضَافٌ وياءُ المُتَكَلِّمِ مضافٌ إليه مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ جَرٍّ. (كَنَاحِتِ) جَارٌّ ومَجرورٌ مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرُ أَكُونَ، ونَاحِتِ مُضَافٌ و(صَخْرَةٍ) مُضَافٌ إليه مَجْرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهرَةِ، وإضافَتُه مِن إضافَةِ اسمِ الفَاعِلِ إلى مَفْعُولِه، وقَوْلُه: (يَوْماً) ظَرْفُ زَمَانٍ مُتعَلِّقٌ بنَاحِتِ مَنْصُوبٌ بالفتحَةِ الظَّاهِرَةِ، وقد فَصَلَ به بين المضافِ الذي هو نَاحِتِ والمضافِ إليه الذي هو صَخْرَةٍ. (بِعَسِيلِ) جَارٌّ ومَجرورٌ مُتعَلِّقٌ بنَاحِتِ.
الشَّاهِدُ فيه: قولُه: (كَنَاحِتِ يَوْماً صَخْرَةٍ)؛ فإنَّ قولَهُ: (نَاحِتِ) اسمُ فَاعِلٍ مضافٌ إلى مفعولِه وهو قولُه: (صَخْرَةٍ) وقَدْ فَصَلَ بينهما بالظَّرْفِ وهو قَولُه: (يَوْماً) على ما اتَّضَحَ لك مِن الإعرابِ.

([10]) حكَى الكِسَائِيُّ عَن العَرَبِ أنَّهُم يقُولُونَ: (هَذَا غُلامُ –واللَّهِ- زَيْدٍ) وحكَى أبُو عُبَيْدَةَ قالَ: سَمِعْتُ بعضَ العَرَبِ يقولُ: إنَّ الشَّاةَ لَتَجْتَرُّ فَتَسْمَعُ صَوْتَ – وَاللَّهِ – رَبِّهَا.
فهذا كلامٌ مَنْثُورٌ، وفي كُلِّ وَاحِدٍ مِن العِبَارَتَيْنِ الفَصْلُ بينَ المُضَافِ والمضافِ إليه بالقَسَمِ، فهذا عُمْدَةُ الاستِدْلالِ لهذه المَسْأَلَةِ، ومِن أَجْلِ ذلك جَعَلَهَا مُحَقِّقُو النُّحَاةِ المُتَأَخِّرِينَ ممَّا يَجُوزُ فيه الفَصْلُ بينَ المضافِ والمضافِ إليه في سَعَةِ الكلامِ، ثُمَّ إنَّنَا نَعْلَمُ أنَّ جُمْلَةَ القَسَمِ ممَّا يَكْثُرُ دَوْرُه في الكَلامِ، حتَّى إِنَّهُم ليَغْتَفِرُونَ الفَصْلَ بها بَيْنَ الحَرْفِ ومَدْخُولِه فيَقُولُونَ: (قَدْ – وَاللَّهِ- قامَ زَيْدٌ) بل إِنَّهُم ليَغْتَفِرُونَ الفَصْلَ بها بينَ الحَرْفِ العَامِلِ ومَعْمُولِه كما في قَوْلِ الشَّاعرِ، ويُنْسَبُ إلى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:
إِذَنْ –وَاللَّهِ- نَرْمِيَهُمْ بِحَرْبٍ = يُشِيبُ الطِّفْلَ مِنْ قَبْلِ المَشِيبِ
ومِن أَقْوَى ما به يُسْتَدَلُّ على جوازِ الفصلِ بينَ المُتَضَايِفَيْنِ بجُمْلَةِ القَسَمِ في سَعَةِ الكَلامِ أنَّهُم جَوَّزُوا الفَصْلَ بها بينَ الاسمِ المَوْصُولِ وصِلَتِه، وشَأْنُ المَوْصُولِ معَ صِلَتِه كشَأْنِ المضافِ والمضافِ إليه، ومِن ذلك قَوْلُ الشَّاعِرِ:
ذَاكَ الَّذِي – وَأَبِيكَ – يَعْرِفُ مَالِكاً = وَالحَقُّ يَدْفَعُ تُرَّهَاتِ البَاطِلِ

([11]) 356-هذا بيتٌ مِن المُنْسَرِحِ، وهو مِن قَصِيدَةٍ للأَعْشَى مَيْمُونِ بنِ قَيْسٍ يَمْدَحُ فيها سَلامَةَ ذَا فَائِشٍ الحِمْيَرِيَّ.
اللُّغَةُ: (أَنْجَبَ) مِن قَوْلِهِم: أَنْجَبَ الرَّجُلُ، إذا وَلَدَت امْرَأَتُه له وَلداً نَجِيباً, و(نَجَلاهُ)؛ أي: وَلَدَاهُ.
الإعرابُ: (أَنْجَبَ) فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ. (أَيَّامَ) ظَرْفُ زَمانٍ مُتعَلِّقٌ بأَنْجَبَ منصوبٌ بالفَتحَةِ الظَّاهرَةِ. (وَالِدَاهُ) وَالِدَا: فَاعِلُ أَنْجَبَ مَرْفُوعٌ بالألفِ نِيَابَةً عَن الضَّمَّةِ؛ لأنَّهُ مُثَنًّى, وهو مضافٌ وضميرُ الغائبِ مُضَافٌ إليه مَبْنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ جَرٍّ. (بهِ) جَارٌّ ومَجرورٌ مُتعَلِّقٌ بأَنْجَبَ، وأَيَّامَ مُضَافٌ و(إِذْ) مُضَافٌ إليه مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ جَرٍّ. (نَجَلاَهُ) نَجَلَ: فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، وألفُ الاثنَيْنِ العائدُ على الوَالِدَيْنِ فَاعِلٌ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ رَفْعٍ، وضميرُ الغَائِبِ مَفْعُولٌ به مَبْنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ نَصْبٍ، وجُمْلَةُ الفعلِ المَاضِي وفَاعِلِه ومَفْعُولِه في مَحَلِّ جَرٍّ بإضَافَةِ إِذْ إليهِ. (فَنِعْمَ) نِعْمَ: فعلٌ ماضٍ دَالٌّ على إِنْشَاءِ المَدْحِ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ. (مَا) يَجُوزُ أنْ تكونَ مَوْصُولَةً فهي حِينئذٍ فَاعِلُ نِعْمَ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ رَفْعٍ, وعليه يَكُونُ (نَجَلاَ) جملَةً مِن فعلٍ ماضٍ وفَاعِلِه لا مَحَلَّ لهَا مِن الإعرابِ، صِلَةُ المَوْصُولِ، والعَائِدُ ضَمِيرٌ مَنْصُوبٌ بنَجَلَ مَحْذُوفٌ، وتقديرُ الكلامِ على هذا: فَنِعْمَ الذي نَجَلاَهُ، ويجوزُ أنْ تكُونَ "ما" نَكِرَةً فتَكُونَ تَمْيِيزاً لفَاعِلِ نِعْمَ الذي هو – على هذا الوَجْهِ – ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجُوباً، وتَكُونَ جُمْلَةُ (نَجَلاَ) مِن الفِعْلِ المَاضِي وفَاعِلِه في مَحَلِّ نَصْبٍ صِفَةٌ لِمَا، والرَّابِطُ مَحْذُوفٌ والتَّقديرُ: فَنِعْمَ هو مَوْلُوداً نَجَلاَهُ.
الشَّاهِدُ فيه: قولُه: (أَنْجَبَ أَيَّامَ وَالِدَاهُ بِهِ إِذْ نَجَلاَهُ)؛ حيثُ فَصَلَ بينَ المضافِ وهو قَوْلُه: (أَيَّامَ) والمضافِ إليه وهو قَولُه: (إِذْ نَجَلاَهُ)؛ فإنَّ "إذْ" ظَرْفُ زَمَانٍ أُضِيفَ إليه أَيَّامَ، والفَاصِلُ بَيْنَهُما أَجْنَبِيٌّ لَيْسَ مَعْمُولاً للمُضَافِ، وهذا الفَاصِلُ هو قَوْلُه: (وَالِدَاهُ) وهو فَاعِلُ (أَنْجَبَ) ولا عِلاقَةَ له بالمضافِ. وأَصْلُ تَرْتِيبِ البَيْتِ هكذا: أَنْجَبَ وَالِدَاهُ بِهِ أَيَّامَ إِذْ [نَجَلاَهُ]، فَنِعْمَ مَا نَجَلاَ.
ومِثلُ هذا البيتِ قَوْلُ الآخَرِ:
تَمُرُّ عَلَى مَا تَسْتَمِرُّ وَقَدْ شَفَتْ = غَلاَئِلَ عَبْدُ القَيْسِ مِنْهَا صُدُورِهَا
فإنَّ قَوْلَه: (غَلائِلَ) مضافٌ إلى (صُدُورِهَا) وقد فَصَلَ بينَ المضافِ والمضافِ إليه بقَوْلِه: (عَبْدُ القَيْسِ) وهو فَاعِلُ شَفَتْ ولَيْسَ لهُ عِلاقةٌ إِعْرَابِيَّةٌ بالمضافِ الذي هو غَلائِلَ، وأصلُ نَظْمِ الكَلامِ: وَقَدْ شَفَتْ عَبْدُ القَيْسِ غَلائِلَ صُدُورِهَا مِنْهَا.

([12]) 357- هذا الشَّاهِدُ مِن قَصِيدَةٍ لجَرِيرِ بنِ عَطِيَّةَ يَمْدَحُ فيها يَزِيدَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرَوَانَ ويَذُمُّ آلَ المُهَلَّبِ وما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ ههنا صَدْرُ بَيْتٍ مِن البسيطِ، وعَجُزُه قَوْلُه:
*كَمَا تَضَمَّنَ مَاءَ المُزْنَةِ الرَّصَفُ*
اللُّغَةُ: (امتِيَاحاً) هو مَصْدَرُ امتَاحَ، وأَصْلُ مَعْنَاهُ غَرْفُ المَاءِ، وأَرَاد به ههنا الاستِيَاكَ، والنَّدَى: البَلَلُ، والسِّوَاكُ: العُودُ الذي يُسْتَاكُ به، والرِّيقَةُ، الرِّضَابُ، وهو مَاءُ الفَمِ، والرَّصَفُ – بالرَّاءِ والصَّادِ المُهْمَلَتَيْنِ – الحِجَارَةُ المَرْصُوفَةُ، ومَاءُ الرَّصَفِ – هو الماءُ الذي يَنْحَدِرُ مِن الجِبَالِ على الصَّخْرِ، وهو أَصْفَى ما يَعْرِفُ العَرَبُ مِن المَاءِ.
الإعرابُ: (تَسْقِي) فِعْلٌ مضارعٌ مَرْفُوعٌ بضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على الياءِ منعَ مِن ظهورِهَا الثِّقَلُ، وفاعِلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هي يعودُ إلى أُمِّ عَمْرٍو المَذْكُورَةِ في بَيْتٍ قَبْلَ بَيْتِ الشَّاهِدِ. (امْتِيَاحاً) يجُوزُ أنْ يَكُونَ حَالاً بتَأْوِيلِه بمُشْتَقٍّ, وكأنَّهُ قالَ: تَسْقِي هذهِ المَرْأَةُ حَالَ كَوْنِهَا مُمْتَاحَةً؛ أي: مُسْتَاكَةً، ويجوزُ أنْ يكونَ مَصْدَراً نَائِباً عَن اسمِ الزَّمَانِ فهو منصوبٌ على الظَّرْفِيَّةِ الزَّمَانِيَّةِ، وكأنَّهُ قالَ: تَسْقِي هذهِ المَرْأَةُ امتِيَاحاً؛ أي: وَقْتَ امتِيَاحِهَا؛ أي: وَقْتَ استِيَاكِهَا، فهو حينئذٍ نَظِيرُ قَوْلِهِم: أَزُورُكَ قُدُومَ الحَاجِّ. (نَدَى) مَفْعُولٌ ثانٍ لتَسْقِي تَقَدَّمَ على المفعولِ الأوَّلِ، منصوبٌ بفتحَةٍ مُقَدَّرَةٍ على الألفِ منعَ مِن ظهورِهَا التَّعَذُّرُ، ونَدَى مضافٌ ورِيقَةِ مِن (رِيقَتِهَا) مضافٌ إليه مجرورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهرَةِ، وهو مضافٌ وضميرُ الغَائِبَةِ العَائِدُ إلى أُمِّ عَمْرٍو مُضَافٌ إليه مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ جَرٍّ، وقولُهُ: (المِسْوَاكَ) مَفْعُولٌ أوَّلُ لتَسْقِي مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، وقد فَصَلَ به بَيْن المضافِ الذي هو قَوْلُه: نَدَى والمضافِ إليه الذي هو قَوْلُه: رِيقَتِهَا، وأَصْلُ الكَلامِ: تَسْقِي أُمُّ عَمْرٍو المِسْوَاكَ نَدَى رِيقِهَا، كما سيأتِي في بيَانِ الاستِشْهَادِ بالبَيْتِ. (كَمَا) الكافُ حَرْفُ جَرٍّ، ومَا: مَصْدَرِيَّةٌ. (تَضَمَّنَ) فعلٌ ماضٍ. (مَاءَ) مفعولٌ به لتَضَمَّنَ, وماءَ مُضَافٌ و(المُزْنَةِ) مضافٌ إليه مَجْرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهرَةِ. (الرَّصَفُ) فاعِلُ تَضَمَّنَ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهرَةِ، ومَا المَصْدَرِيَّةُ معَ ما دَخَلَت عليهِ في تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مجرُورٍ بالكافِ، والجَارُّ والمَجْرُورُ مُتعلِّقٌ بمَحْذُوفٍ صِفَةٌ لمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ يَقَعُ مَفْعُولاً مُطْلَقاً لتَسْقِي، وتَقْدِيرُ الكلامِ: تَسْقِي المِسْوَاكَ نَدَى رِيقَتِهَا سَقْياً مُشَابِهاً لتَضَمُّنِ الرَّصَفِ مَاءَ المُزْنَةِ. وسيأتِي في بيانِ الاستِشْهَادِ إعرَابٌ آخَرُ في العِبَارَةِ التي يُسْتَشْهَدُ بالبيتِ مِن أجلِهَا.
الشَّاهِدُ فيه: قولُه: (نَدَى المِسْوَاكَ رِيقَتِهَا)؛ حيثُ فَصَلَ بينَ المضافِ وهو قولُه: (نَدَى) والمضافِ إليه وهو قولُه: (رِيقَتِها) بأَجْنَبِيٍّ غَيْرِ مَعْمُولٍ للمضافِ وهو قولُه: (المِسْوَاكَ) فإنَّهُ مَفْعُولٌ لتَسْقِي.
واعْلَمْ أوَّلاً أنَّهُ يجوزُ في قولِه: (تَسْقِي نَدَى المِسْوَاكَ رِيقَتِهَا) وَجْهَانِ مِن وُجُوهِ الإعرابِ:
أَحَدُهُمَا: أنْ يكونَ قَوْلُه: (نَدَى رِيقَتِهَا) مَفْعُولاً ثَانِياً لتَسْقِي تَقَدَّمَ صَدْرُه على المَفْعُولِ الأوَّلِ، كما بَيَّنَّاهُ في الإعرابِ، وهو المُتَّجِهُ؛ فيَكُونُ – على هذا الوَجْهِ – قَدْ فَصَلَ بينَ المُضَافِ الذي هو مفعولٌ لتَسْقِي والمضافِ إليه بمَفْعُولٍ آخَرَ لتَسْقِي أَيْضاً.
الوَجْهُ الثَّانِي: أنْ يكونَ قَوْلُه: (نَدَى رِيقَتِهَا) هو فَاعِلُ تَسْقِي، فيكونُ قد فَصَلَ بينَ المُضَافِ الذي هو فَاعِلُ تَسْقِي والمُضَافِ إليه بمَفْعُولِ تَسْقِي.
وعلى كُلِّ حَالٍ فإنَّ الفَاصِلَ بينَ المُضَافِ والمضافِ إليه أَجْنَبِيٌّ مِن المُضَافِ، وإنْ كانَ عَامِلُ الفَاصِلِ والمفصولِ على الوَجْهَيْنِ وَاحِداً، وتقديرُ الكَلامِ على الوَجْهِ الأخيرِ غَيْرِ المَرْضِيِّ عِنْدَنَا: تَسْقِي نَدَى رِيقَتِهَا المِسْوَاكَ، وقَدْ أَنَّثَ الفِعْلَ معَ الفَاعِل – وهو (نَدَى) – [المُذَكَّرِ] لكَوْنِ هذا الفَاعِلِ مُضَافاً إلى مُؤَنَّثٍ، وهو رِيقَتِهَا – فاكْتَسَب مِنْهُ التَّأْنِيثَ.

([13]) 358-هذا الشَّاهِدُ بَيْتٌ مِن الوَافِرِ, وهو مِن كلامِ أَبِي حَيَّةَ النُّمَيْرِيِّ, واسمُ أَبِي حَيَّةَ الهَيْثَمُ بنُ الرَّبِيعِ بنِ زُرَارَةَ، ويُرْوَى صَدْرُ البَيْتِ هكذا:
*كَتَحْبِيرِ الكِتَابِ بِكَفِّ يَوْماً*
اللُّغَةُ: (تَحْبِيرِ الكِتابِ) كِتَابَتُه وتَنْمِيقُه، وخَصَّ اليَهُودِيَّ؛ لأنَّهُم أَهْلُ الكتابِ فيما يَعْرِفُ العَرَبُ. (يُقَارِبُ) يَجْعَلُ بَعْضَ كِتَابَتِه قَرِيباً مِن بَعْضٍ. (يُزِيلُ) مُضَارِعُ أَزَالَ الشَّيْءَ عَن الشَّيْءِ إذا مَيَّزَ أحَدَهُمَا عن الآخَرِ، فإذا امتَازَ أحَدُهُمَا عَن صَاحِبِه فقَد زَالَ، وأرَادَ أنَّهُ يُفَرِّقُ بَعْضَ كِتَابَتِه عَن بَعْضٍ.
الإعرابُ: (كَمَا) الكافُ حَرْفُ جَرٍّ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، ومَا مَصْدَرِيَّةٌ حَرْفٌ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ. (خُطَّ) فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمَجْهُولِ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ. (الكِتَابُ) نَائِبُ فَاعِلِ خُطَّ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهرَةِ. (بِكَفِّ) الباءُ حَرْفُ جَرٍّ مَبْنِيٌّ على الكَسْرِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، وكَفِّ: مجرورٌ بالباءِ وعلامَةُ جَرِّهِ الكَسْرَةُ الظَّاهِرَةُ، والجارُّ والمجرورُ متعَلِّقٌ بخُطَّ. (يَوْماً) ظَرْفُ زمَانٍ منصوبٌ بخُطَّ وعَلامَةُ نَصْبِه الفَتْحَةُ الظَّاهِرَةُ، وكَفِّ مضافٌ و(يَهُودِيٍّ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهرَةِ. (يُقَارِبُ) فعلٌ مُضَارِعٌ مَرْفُوعٌ لتَجَرُّدِه مِن النَّاصِبِ والجَازِمِ، وعلامَةُ رَفْعِه الضَّمَّةُ الظَّاهرَةِ، وفاعِلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جوَازاً تَقْدِيرُه هو يَعُودُ إلى يَهُودِيٍّ، والجُمْلَةُ مِن الفِعْلِ المُضَارِعِ وفَاعِلِه في مَحَلِّ جَرٍّ صِفَةٌ ليَهُودِيٍّ. (أَوْ) حَرْفُ عَطْفٍ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ. (يُزِيلُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهرَةِ، وفاعِلُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو يعودُ إلى يَهُودِيٍّ، والجملَةُ مَعْطُوفَةٌ بأو على جُمْلَةِ يُقَارِبُ.
الشَّاهِدُ فيه: قولُه: (بِكَفِّ يَوْماً يَهُودِيٍّ)؛ حيثُ فَصَلَ بينَ المضافِ وهو (كَفِّ) والمضافِ إليه وهو قولُه: (يَهُودِيٍّ) بأَجْنَبِيٍّ مِن المضافِ، وهو قولُه: (يَوْماً) فإنَّهُ ظَرْفٌ لقَوْلِه: (خُطَّ) وأصلُ نِظَامِ الكَلامِ: كَمَا خُطَّ الكِتَابُ يَوْماً بكَفِّ يَهُودِيٍّ.
ومِثْلُ هذا البيتِ قَولُ عَمْرِو بنِ قُمَيْئَةَ:
لَمَّا رَأَتْ سَاتِيدَمَا اسْتَعْبَرَتْ = لِلَّهِ دَرُّ اليَوْمَ مَنْ لاَمَهَا
فإنَّ قولَهُ: (دَرُّ) مضافٌ إلى (مَنْ لاَمَهَا) وقد فصَلَ بينَ المضافِ والمضافِ إليه بالظَّرْفِ – وهو قولُه: (اليَوْمَ) وأَصْلُ نَظْمِ الكَلامِ: للَّهِ دَرُّ مَن لاَمَهَا اليَوْمَ.
ونَظِيرُ هذا البيتِ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
كَأَنَّ أَصْوَاتَ مِنْ إِيغَالِهِنَّ بِنَا = أَوَاخِرِ المَيْسِ أَصْوَاتُ الفَرَارِيجِ
فإنَّ قولَهُ: (أَصْوَاتَ) في الشَّطْرِ الأوَّلِ مِن البيتِ مضافٌ إلى (أَوَاخِرِ المَيْسِ) وقد فصلَ بينَ المضافِ والمضافِ إليه بالجَارِّ والمَجرورِ – وهو قولُه: (مِن إِيغَالِهِنَّ بِنَا) وأَصْلُ نَظْمِ الكَلامِ: كَأَنَّ أَصْوَاتَ أَوَاخِرِ المَيْسِ أَصْوَاتُ الفَرَارِيجِ مِن إِيغَالِهِنَّ بِنَا.
ومِثْلُ ذلك قَوْلُ دُرْنَا الجَحْدَرِيَّةِ:
*هُمَا أَخَوَا فِي الحَرْبِ مَنْ لاَ أَخَا لَهُ*
فإنَّ قَوْلَهَا: (أَخَوَا) مضافٌ إلى (مَنْ لاَ أَخَا لَهُ) وقد فَصَلَ بينَ المضافِ والمضافِ إليه بالجَارِّ والمجرُورِ وهو قَوْلُه: (فِي الحَرْبِ)، وأَصْلُ نَظْمِ الكَلامِ: هُمَا أَخَوَا مَنْ لاَ أَخَا لَهُ فِي الحَرْبِ.

([14]) 359- لم أَقِفْ لهذا الشَّاهِدِ على نِسْبَةٍ إلى قائلٍ مُعيَّنٍ، ولا عَثَرْتُ له على سَوَابِقَ أو لَوَاحِقَ تَتَّصِلُ به، وما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ عَجُزُ بَيْتٍ مِن الرَّجَزِ، وصَدْرُه قَوْلُه:
*مَا إِنْ رَأَيْنَا لِلهَوَى مِنْ طَِبِّ*
اللُّغَةُ: (مَا إِنْ رَأَيْنَا) إِنْ: زَائِدَةٌ، ويُرْوَى (مَا إِنْ وَجَدْنَا) وهما بمَعْنًى، و(الهَوَى) العِشْقُ، أو مَحَبَّةُ الإنسانِ للشَّيْءِ حتَّى يَغْلِبَ على قَلْبِه، و(طَِبِّ) بفَتْحِ الطَّاءِ، وقد تُكْسَرُ أو تُضَمُّ، عِلاجُ الجِسْمِ والنَّفْسِ. و(عَدِمْنَا) فَقَدْنَا، و(قَهْرَ)؛ أي: غَلَبَةَ، و(وَجْدٌ) هو شِدَّةُ الحُبِّ، و(صَبِّ) وَصْفٌ مِن الصَّبَابَةِ، وهي رِقَّةُ الشَّوْقِ وحَرَارَتُه، يريدُ أنَّهُ لم يَجِدْ عِلاجاً يَنْفَعُ مَنْ بَرَحَ به العِشْقُ، وأنَّهُ كَثِيراً ما يَغْلِبُ الحُبُّ على العَاشِقِ فيَأْخُذُ بنَفْسِه وقَلْبِه.
الإعرابُ: (مَا) نَافِيَةٌ مُهْمَلَةٌ، حَرْفٌ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ. (إِنْ) حَرْفٌ زَائِدٌ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ. (رَأَيْنَا) فعلٌ ماضٍ وفَاعِلُه. (لِلهَوَى) جَارٌّ ومَجرورٌ مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ يَقَعُ مَفْعُولاً ثَانِياً لرَأَى تَقَدَّمَ على مَفْعُولِه الأوَّلِ، وكأنَّهُ قالَ: مَا رَأَيْنَا عِلاجاً نَافِعاً للهَوَى. (مِنْ) حَرْفُ جَرٍّ زَائِدٌ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ. (طَِبِّ) مَفْعُولٌ أَوَّلُ لرَأَى مَنْصُوبٌ بفَتْحَةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخِرِه مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا اشتِغَالُ المَحَلِّ بحَرَكَةِ حَرْفِ الجَرِّ الزَّائِدِ. (وَلاَ) الواوُ حَرْفُ عَطْفٍ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، ولا: حَرْفٌ زَائِدٌ لتَأْكِيدِ النَّفْيِ. (عَدِمْنَا) فعلٌ ماضٍ وفَاعِلُه. (قَهْرَ) مَفْعُولٌ بهِ لعَدِمَ مَنْصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، وهو مضافٌ و(صَبِّ) مضافٌ إليه مَجْرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهرَةِ، وهي مِن إضافَةِ المَصْدَرِ لمفعولِه، وقولُه: (وَجْدٌ) فَاعِلٌ لقَهْرَ الذي هو المَصْدَرُ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهرَةِ، وقد فَصَلَ به بينَ المضافِ والمضافِ إليه على ما ستَعْلَمُ.
الشَّاهِدُ فيه: قولُه: (قَهْرَ وَجْدٌ صَبِّ)؛ حيثُ فَصَلَ بين المضافِ وهو قولُه: (قَهْرَ) والمضافِ إليه وهو قَوْلُه: (صَبِّ) بفاعِلِ المضافِ، وذلك أنَّ المضافَ مَصْدَرٌ وهو قَوْلُه: قَهْرَ، والمضافَ إليه – وهو صَبِّ – مَفْعُولُ ذلك المَصْدَرِ، والفَاصِلُ – وهو وَجْدٌ – هو فَاعِلُ المَصْدَرِ.
فإنْ قُلْتَ: في المَسْأَلَةِ الأُولَى مِن مَسَائِلِ الجَوَازِ في السَّعَةِ كانَ المضافُ مَصْدَراً وكانَ المضافُ إليه فَاعِلُ هذا المَصْدَرِ والفَاصِلُ بينَهُمَا مَفْعُولُه، كما في الآيَةِ الكَرِيمَةِ التي تَلاهَا المُؤَلِّفُ في قِرَاءَةِ ابنِ عَامِرٍ، وكما في الشَّاهِدِ 353 وفي هذه المَسْأَلَةِ المُضَافُ مَصْدَرٌ، والمضافُ إليه مَفْعُولُ ذلك المَصْدَرِ، والفَاصِلُ بينَهُمَا فَاعِلُه، ونحن نَعْلَمُ أنَّ المَصْدَرَ تَجُوزُ إضافَتُه لفاعِلِه ولمفعُولِه، فلماذا كانَت المسأَلَةُ الأُولَى التي فيها إضافَةُ المَصْدَرِ إلى فاعِلِه جَائِزَةً في حَالِ السَّعَةِ، وكانَت هذه المسأَلَةُ التي هي إِضَافَتُه إلى مَفْعُولِه غَيْرَ جَائِزَةٍ في السَّعَةِ؟
قُلْتُ: في المَسْأَلَةِ الأُولَى – وهي إضافَةُ المَصْدَرِ إلى فاعِلِه والفَصْلُ بينَهُمَا بالمفعولِ – أَمْرٌ وَاحِدٌ مُخَالِفٌ للأصلِ، وهو الفَصْلُ بينَ المضافِ والمضافِ إليه لَيْسَ غَيْرُ، وقد جاءَ السَّمَاعُ مُصَحِّحاً لهذا الفَصْلِ، وفي هذه المسألَةِ أَمْرَانِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خِلافُ الأَصْلِ:
أَحَدُهُمَا: إِضَافَةُ المَصْدَرِ إلى مَفْعُولِه معَ ذِكْرِ الفَاعِلِ في الكلامِ؛ فإنَّ الأصلَ أنْ يُضَافَ المَصْدَرُ إلى فاعِلِه، سَوَاءٌ أذُكِرَ المَفْعُولُ أم لم يُذْكَرْ، أمَّا إِضَافَتُه إلى مفعولِه فإنْ لم يُذْكَرِ الفَاعِلُ؛ فلا خِلافَ في جوَازِ ذلك في السَّعَةِ معَ كَوْنِه غَيْرَ الأصلِ، وإنْ ذُكِرَ الفَاعِلُ فللنُّحَاةِ في هذه الصُّورَةِ خِلافٌ، حتَّى قالَ جَمَاعَةٌ مِن النَّحْوِيِّينَ: إِنَّ إِضَافَةَ المَصْدَرِ إلى مَفْعُولِه معَ ذِكْرِ الفَاعِلِ ممَّا لا يجوزُ، على ما سيأتِي في بابِ إِعْمَالِ المَصْدَرِ مُفَصَّلاً.
والأمْرُ الثَّانِي: الفَصْلُ بينَ المضافِ والمضافِ إليهِ، ولا شَكَّ أنَّ الأَصْلَ عَدَمُ الفَصْلِ، فلمَّا اجتمَعَ في هذه المَسْأَلَةِ الفَصْلُ بالفَاعِلِ معَ الإضافَةِ للمفعولِ، هذانِ الأمرَانِ لَمْ نُجَوِّزْها= في سَعَةِ الكَلامِ، فاعْرِفْ هذا.

([15]) 360-هذا الشَّاهِدُ مِن كَلامِ الأَحْوَصِ، وهو مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَاصِمِ بنِ ثَابِتٍ الأَوْسِيُّ, وما ذكرَهُ المؤلِّفُ عَجُزُ بَيْتٍ مِن الوَافِرِ، وصَدْرُه قَوْلُه:
*فَإِنْ يَكُنِ النِّكَاحُ أَحَلَّ شَيْءٍ*
وكانَ الأَحْوَصُ قَد هَوِيَ امْرَأَةً وشَبَّبَ به=، ثم زَوَّجَهَا أَهْلُها رَجُلاً اسمُهُ مَطَرٌ، ففي ذلك يقولُ القَصِيدَةَ التي منها بيتُ الشَّاهِدِ، وقَبْلَهُ قَوْلُه - وهو مِن شَوَاهِدِ بَابِ النِّدَاءِ-:
سلاَمُ اللَّهِ يَا مَطَرٌ عَلَيْهَا = وَلَيْسَ عَلَيْكَ يَا مَطَرُ السَّلاَمُ
وبَعْدَ البَيْتِ المُسْتَشْهَدِ بعَجُزِه قَوْلُه:
فَلاَ غَفَر الإِلَهُ لمُنْكِحِيهَا = ذُنُوبَهُمُ وَإِنْ صَلَّوْا وَصَامُوا
الإعرابُ: (إِنْ) حَرْفُ شَرْطٍ جَازِمٌ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ. (يَكُنِ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ نَاقِصٌ فِعْلُ الشَّرْطِ مَجْزُومٌ بإِنْ وعَلامَةُ جَزْمِه السُّكُونُ، وحُرِّكَ بالكَسْرِ لأجلِ التَّخَلُّصِ مِن التِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. (النِّكَاحُ) اسمُ يَكُنْ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهرَةِ. (أَحَلَّ) خَبَرُ يَكُن مَنصوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، وهو مضافٌ (وشَيْءٍ) مُضَافٌ إليه مَجْرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهرَةِ. (فَإِنَّ) الفاءُ حَرْفٌ وَاقِعٌ في جَوَابِ الشَّرْطِ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، إِنَّ: حَرْفُ تَوْكِيدٍ ونَصْبٍ. (نِكَاحَهَا) نِكَاحَ: اسمُ إنَّ منصوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، وهو مضافٌ وضَمِيرُ الغَائِبَةِ مضافٌ إليه مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ جَرٍّ، وهي مِن إِضَافَةِ المَصْدَرِ إلى مَعْمُولِه، فإِنْ رَوَيْتَ (مَطَرٍ) بالرَّفْعِ كانَت مِن إِضَافَةِ المَصْدَرِ إلى مَفْعُولِه، وإنْ رَوَيْتَ (مَطَرٍ) بالنَّصْبِ كَانَت مِن إضافَةِ المَصْدَرِ إلى فَاعِلِه، فأمَّا إِنْ رَوَيْتَ (مَطَرٍ) بالجَرِّ فإنَّ (نِكَاحَ) لا يَكُونُ مُضَافاً إلى الضَّمِيرِ, بل يكونُ مُضَافاً إلى (مَطَرٍ)، وتَحْتَمِلُ إِضَافَتُه إلى مَطَرٍ حينئذٍ الوَجْهَيْنِ، ويكونُ هذا الضَّمِيرُ مُحْتَمِلاً لأنْ يَكُونَ فَاعِلَ المَصْدَرِ إنِ اعتَبَرْتَ (مَطَرٍ) المَجْرُورَ مَفْعُولَ المَصْدَرِ، كما تَحْتَمِلُ إِضَافَتُه أن تَكُونَ إِضَافَةَ المَصْدَرِ لمفعولِه إنِ اعتَبَرْتَ (مَطَرٍ) المَجْرُورَ فَاعِلَ المَصْدَرِ، فتَأَمَّلْ ذلك وتَدَبَّرْهُ. (حَرَامُ) خَبَرُ إِنَّ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهرَةِ، وجُمْلَةُ إِنَّ واسمِه وخَبَرِه في مَحَلِّ جَزْمٍ جَوَابُ الشَّرْطِ.
الشَّاهِدُ فيه: قَولُه: (نِكَاحَهَا مَطَر) وهو يُرْوَى برَفْعِ مَطَرٍ ونَصْبِه وجَرِّهِ؛ فأمَّا رِوَايَةُ الرَّفْعِ فعلى أنَّ نِكَاحَهَا مَصْدَرٌ أُضِيفَ إلى مَفْعُولِه ومَطَرٌ فَاعِلُه، والتَّقْدِيرُ: فَإِنَّ نِكَاحَ مَطَرٌ إِيَاهَا، وأمَّا رِوَايَةُ النَّصْبِ فإنَّ تَأْوِيلَهَا أنْ يَكُونَ "نِكَاحَهَا" مَصْدَراً مُضَافاً إلى فَاعِلِه و"مَطَراً" مَفْعُولَهُ، والتَّقْدِيرُ، فإنَّ نِكَاحَ مَطَرٍ هِي، وأمَّا رِوَايَةُ الجَرِّ – وهي المُرَادَةُ هنا – فعَلَى أنَّ نِكَاحَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلى مَطَرٍ، ويُحْتَمَلُ أن يَكُونَ "مَطَرٍ" حِينئذٍ مَفْعُولاً، فيَكُونُ قد فَصَلَ بينَ المضافِ والمضافِ إليه بفَاعِلِ المُضَافِ فتُطَابِقُ رِوَايَةَ نَصْبِ مَطَرٍ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ "مَطَرٍ" في هذه الرِّوَايَةِ فَاعِلاً، فيَكُونُ قد فَصَلَ بينَ المُضَافِ والمضافِ إليه بالمَفْعُولِ، فتُطَابِقُ رِوَايَةَ رَفْعِ "مَطَرٍ".

([16]) 361- نَسَبُوا هذا الشَّاهِدَ إلى مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، [يَقُوْلُه] بَعْدَ أَنْ نَجَا مِن ضَرْبَةِ مَنْ أرَادَ قَتْلَهُ، وكانَ ابنُ مُلْجِمٍ – لَعَنَهُ اللَّهُ – قَدْ قَتَلَ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ! في مُؤَامَرَةٍ اتَّفَقَ فيها هو واثْنَانِ مِن الخَوَارِجِ على أنْ يَقُومَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُم بقَتْلِ وَاحِدٍ مِن الثَّلاثَةِ: عَلِيٍّ، ومُعَاوِيَةَ، وعَمْرِو بنِ العَاصِ، فكانَ مِن القَدَرِ الغَالِبِ أنْ يَنْفَذَ قَتْلُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وأنْ يَنْجُوَ مُعَاوِيَةُ مِن الطَّعْنَةِ، وأَنْ يَنْقَطِعَ عَمْرٌو لَيْلَةَ التَّنْفِيذِ عَن الخُرُوجِ، ويُنِيبُ عَنْهُ مَنْ يُصَلِّي بالنَّاسِ فيَقْتُلُ الخَارِجِيُّ نَائِبَهُ، ومَا ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ ههنا عَجُزُ بَيْتٍ مِن الطَّوِيلِ، وصَدرُه قَوْلُه:
*نَجَوْتُ وَقَدْ بَلَّ المُرَادِيُّ سَيْفَهُ*
اللُّغَةُ: (المُرَادِيُّ) المَنْسُوبُ إلى مُرَادٍ، والمُرَادُ بهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُلْجِمٍ قَبَّحَهُ اللَّهُ ولَعَنَهُ! وهو الذي آذَى الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ بقَتْلِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وابنِ عَمِّ رَسُولِ رَبِّ العَالَمِينَ.
الإعرابُ: (نَجَوْتُ) فعلٌ ماضٍ وفاعِلُه. (وقَدْ) الواوُ واوُ الحَالِ، قَدْ: حَرْفُ تَحْقِيقٍ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ. (بَلَّ) فعلٌ ماضٍ. (المُرَادِيُّ) فَاعِلُه مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهرَةِ. (سَيْفَهُ) سَيْفَ: مَفْعُولٌ به لبَلَّ منصوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، وَسَيْفَ مُضَافٌ، وضميرُ الغَائِبِ العَائِدُ إلى المُرَادِيِّ مضافٌ إليه مَبْنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ جَرٍّ (مِنَ) حَرْفُ جَرٍّ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، وحُرِّكَ لأجلِ التَّخَلُّصِ مِن التِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. (ابْنِ) مجرورٌ بمِن وعلامَةُ جَرِّهِ الكَسْرَةُ الظَّاهِرَةُ، والجارُّ والمجرورُ متعَلِّقٌ ببَلَّ، وابنِ مُضَافٌ و(أَبِي) مضافٌ إليه مَجْرُورٌ بالياءِ نِيَابَةً عَن الكَسْرَةِ لأنَّهُ مِن الأسماءِ السِّتَّةِ، وأَبِي مضافٌ و(طَالِبِ) مضافٌ إليهِ مَجْرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهرَةِ، وقولُهُ: (شَيْخِ الأَبَاطِحِ) مُرَكَّبٌ إِضَافِيٌّ يَقَعُ نَعْتاً لقَوْلِه: (أَبِي طَالِبِ) وتَقْدِيرُ الكلامِ: مِنَ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ شَيْخِ الأَبَاطِحِ، وقد فَصَلَ بَيْنَ المُضَافِ والمُضَافِ إليه بالنَّعْتِ كما تَرَى.
الشَّاهِدُ فيه: قولُه: (أَبِي شَيْخِ الأَبَاطِحِ طَالِبِ)؛ حيثُ فَصَلَ بينَ المضافِ وهو قولُه: (أَبِي) والمضافِ إليه وهو قولُه: (طَالِبِ) بنَعْتِ المضافِ وهو قولُه: (شَيْخِ الأَبَاطِحِ)، وأَصْلُ الكلامِ هكذا: مِنَ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ شَيْخِ الأَبَاطِحِ.

([17])([17]) مِن هذا القَبِيلِ قَوْلُ بُجَيْرِ بنِ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى المُزْنِيِّ لأخيهِ كَعْبٍ:
وِفَاقُ كَعْبُ بُجَيْرٍ مُنْقِذٌ لَكَ = مِن تَعْجِيلِ تَهْلُكَةٍ والخُلْدِ فِي [سَقَرِ]
فإنَّ قولَهُ: (وِفَاقُ) مُضَافٌ إلى (بُجَيْرٍ) وقد فَصَلَ بينَهُما بالمُنَادَى، وأَصْلُ نَظْمِ الكَلامِ: وِفَاقُ بُجَيْرٍ يا كَعْبُ مُنْقِذٌ لك مِن تَعْجِيلِ تَهْلُكَةٍ.
واعلَمْ أنَّ النِّدَاءَ ممَّا يَكْثُرُ وُرُودُه في الكَلامِ كالقَسَمِ، وقد فَصَلُوا به بينَ المَوْصُولِ وصِلَتِه كما في قَوْلِ الفَرَزْدَقِ يُخَاطِبُ الذِّئْبَ:
تَعَشَّ فَإِنْ عَاهَدْتَنِي لاَ تَخُونُنِي = نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يَا ذِئْبُ يَصْطَحِبَانِ
فَإِنَّ (مَن) اسمٌ مَوْصُولٌ، وصِلَتُه قولُه: (يَصْطَحِبَانِ) وقد فَصَلَ بَيْنَهُمَا بجُمْلَةِ النِّدَاءِ – وهي قولُه: (يَا ذِئْبُ)، وقد أجازَ جماعَةٌ مِن النُّحَاةِ الفَصْلَ بينَ إِذَن النَّاصِبَةِ والفِعْلِ المضارِعِ بالنِّدَاءِ، فكانَ مِن حَقِّ الفَصْلِ بين المضافِ والمضافِ إليه بالنِّدَاءِ أنْ يكونَ جَائِزاً في سَعَةِ الكَلامِ كالفَصْلِ بالقَسَمِ؛ لأنَّهُمَا بمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، لكنَّ النُّحَاةَ لم يُسَوُّوا بينَهُما في الحُكْمِ، وجعلَوُا الفَصْلَ بينَ المُضَافِ والمضافِ إليه بالقَسَمِ جَائِزاً في السَّعَةِ والفَصْلَ بالنِّدَاءِ مَقْصُوراً على ضَرُورَةِ الشِّعْرِ، والسِّرُّ في ذلك أنَّهُم وَجَدُوا في كلامِ العَرَبِ المَنْثُورِ الفَصْلَ بالقَسَمِ كالعِبَارَةِ التي أَثَرْنَاهَا لك عَن الكِسَائِيِّ، والعِبَارَةِ التي أَثَرْنَاهَا لك عَن أَبِي عُبَيْدَةََ، ولم يَجِدُوا مثلَ هذا في الفَصْلِ بالنِّداءِ، فوقَفُوا عندَ السَّمَاعِ؛ لأنَّهُ هو الأساسُ في كُلِّ ما أَصَّلُوهُ مِن قَوَاعِدَ، جزاهُم اللَّهُ أَحْسَنَ الجَزَاءِ.

([18]) 362- هذا بيتٌ مِن الرَّجَزِ، أو بيتانِ مِن مَشْطُورِه، ولم أَقِفْ لهذا الشَّاهِدِ على نِسْبَةٍ إلى قَائلٍ مُعيَّنٍ، ولا عَثَرْتُ له على سَوَابِقَ أو لَوَاحِقَ تتَّصِلُ به.
اللُّغَةُ: (البِرْذَوْنُ) – بكَسْرٍ فسُكُونٍ ففَتْحٍ فسُكُونٍ، بزِنَةِ جِرْدَحْلٍ – ضَرْبٌ مِن الخَيْلِ أبَوَاهُ لَيْسَا مِن الخَيْلِ العَرَبِيَّةِ. (أَبَا عِصَامٍ) كُنْيَةُ رَجُلٍ. (دُقَّ) – بضَمِّ الدَّالِ – زُيَّنَ وحُسِّنَ.
الإعرابُ: (كَأَنَّ) حرفُ تشبيهٍ ونَصْبٍ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ. (بِرْذَوْنَ) اسمُ كَأَنَّ منصوبٌ بالفَتحَةِ الظَّاهرَةِ. (أَبَا) مُنَادَى بحَرْفِ نِدَاءٍ محذوفٍ, والتَّقْدِيرُ: يَا أَبَا عِصَامٍ، وسيأتِي في بيانِ الاستِشْهَادِ بالبَيْتِ وَجْهٌ آخَرُ مِن وُجُوهِ الإعرابِ في هذه الكَلِمَةِ، وبيانُ رَأْيِنَا فيه، وأَبَا مُضَافٌ، و(عِصَامٍ) مُضَافٌ إليه مَجْرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهرَةِ، وبِرْذَوْنَ مُضَافٌ و(زَيْدٍ) مضافٌ إليه مَجْرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهرَةِ. (حِمَارٌ) خبَرُ كَأَنَّ مرفوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهرَةِ. (دُقَّ) فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمجهول مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، ونائِبُ فَاعِلِه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هو يعودُ إلى الحِمَارِ. (باللِّجَامِ) جَارٌّ ومَجرورٌ مُتعَلِّقٌ بدُقَّ، وجُمْلَةُ دُقَّ مِن الفِعْلِ المَاضِي المَبْنِيِّ للمَجْهُولِ ونائِبِ فاعِلِه المُسْتَتِرِ فيه في مَحَلِّ رفعٍ صِفَةٌ لحِمَارٍ.
الشَّاهِدُ فيه: قَوْلُه: (بِرْذَوْنَ أَبَا عِصَامٍ زَيْدٍ) حيثُ فَصَلَ بينَ المضافِ وهو قَوْلُه: (بِرْذَوْنَ) والمضافِ إليه وهو قَوْلُه: (زَيْدٍ) بالنِّدَاءِ وهو قَوْلُه: (أَبَا عِصَامٍ) وذلك كُلُّه على أنَّ أَبَا عِصَامٍ كُنْيَةُ رَجُلٍ مُنَادَى وهو غَيْرُ زَيْدٍ، فأمَّا إذَا كانَ أَبُو عِصَامٍ هو زَيْداً فإنَّ قولَهُ: (بِرْذَوْنَ) على ذلك مضافٌ وقَوْلَهُ: (أَبَا عِصَامٍ) مُرَكَّبٌ إِضَافِيٌّ أُضِيفَ إليه بِرْذَوْنَ على حَدِّ قَوْلِه: *إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا* ويكونُ قَوْلُه: (زَيْدٍ) بالجَرِّ بَدَلاً مِن أَبِي عِصَامٍ، ولا شَاهِدَ في البَيْتِ حينئذٍ، ذَكَرَ ذلك ابنُ هِشَامٍ مُؤَلِّفُ هذا الكتابِ، ونَقَلَهُ عنه الشَّيْخُ يس العُلَيْمِيُّ في حَوَاشِيهِ على (التَّصْرِيحِ)، وهذا الوَجْهُ غَيْرُ الظَّاهِرِ مِن البَيْتِ، وإنْ خَرَجَ بالبَيْتِ عن شُذُوذِ الفَصْلِ بين المضافِ والمضافِ إليه.



  #4  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 11:01 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


418 - فَصْلَ مُضَافٍ شِبْهِ فِعْلٍ مَا نَصَبْ = مَفْعُولاً او ظرفًا أَجِزْ وَلَمْ يُعَبْ
419 - فَصْلُ يَمِينٍ وَاضْطِرَارًا وُجِدَا = بِأَجْنَبِيٍّ أَوْ بِنَعْتٍ أَوْ نِدَا
(فَصْلَ مُضَافٍ شِبْهِ فِعْلٍ مَا نَصَبْ = مَفْعُولاً او ظرفًا أَجَزْ).
فصلَ: مفعولٌ بـ "أَجِزْ" مُقَدَّمٌ، وهو مصدرٌ مضافٌ إلى مفعولِه، وشبهِ فِعْلٍ: نعتٌ لمضافٍ، وما نَصَبْ: موصولٌ وصلتُه في موضع رفْعٍ بالفاعليةِ، وعائدُ الموصول محذوفٌ: أي نصبُه، ومفعولًا أو ظرفًا: حالانِ من "ما" أو مِنَ الضميرِ المحذوفِ، وتقديرُ البيتِ: أَجِزْ أَنْ يَفْصِلَ المُضَافُ منصوبَه حالَ كونِه مفعولاً أو ظرفًا.
والإشارةُ بذلك إلى أنَّ مِنَ الفصلِ بينَ المتضايفينِ مَا هو جَائِزٌ في السِّعَةِ، خلافًا للبصريينِ في تخصيصِهم ذلك بالشِّعْرِ مطلقًا، فالجائزُ في السِّعَةِ ثلاثُ مسائلَ:
الأُولَى: أنْ يكونَ المضافُ مصدرًا والمضافُ إليه فاعلَه والفاصلُ: إما مفعولُه كقراءةِ ابنِ عامرٍ (قَتْلُ أَوْلاَدَهُمْ شُرَكَائِهِمْ) وقولِ الشاعر [من الطويل]:
655 - عَتَوْا إِذْ أَجْبَنَاهُمْ إِلَى السَّلْمِ رَأْفَةً = فَسُقْنَاهُمُ سَوْقَ البُغَاثِ الأَجَادِلِ
وقولِهِ [من مشطور الرجز]:
656 - فَدَاسَهُمْ دَوْسَ الحَصِيدِ الدَّائِسِ
وقولِه [من الكامل]:
657 - فَزَجَّجْتُهَا بِمَزَجَّةٍ = زَجَّ القَلُوصِ أبِي مَزَادَهْ
وَإِمَّا ظرفُه، كقولِ بعضِهم: "تَرْكُ يَومًا نَفْسِكَ وَهَوَاهَا سَعْيٌ لَهَا فِي رَدَاهَا".
الثانيةُ: أن يكونَ المضافُ وصفًا والمضافُ إليه: إمَّا مفعولُه الأَوَّلُ، والفاصلُ مفعولُه الثاني كقراءةِ بعضِهم ( فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِهِ) وقولِ الشاعرِ [من الكامل]:
658 - مَا زَالَ يُوقِنُ مَنْ يَؤُمُّكَ بِالغِنَى = وَسِوَاكَ مَانِعُ فَضْلَهُ المُحْتَاجِ
أو ظرفُه كقولِه عليه الصلاةُ والسلامُ: ((هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي)) وقوله [من الطويل]:
659 - فَرِشْنِي بِخَيْرٍ لاَ أَكُونَنَّ وَمِدْحَتِي = كَنَاحِتِ يَوْمًا صَخْرَةً بِعَسِيلِ
وقد شملَ كلامُه في البيتِ جميعَ ذلك.
الثالثةُ: أن يكونَ الفاصلُ القَسَمَ وقد أشارَ إليه بقولِه: (وَلَمْ يُعَبْ فَصْلُ يَمِينٍ)، نحوُ: "هذا غلامٌ واللَّهِ زيدٍ"، حكى ذلك الكِسَائِيُّ وحكَى أبو عبيدةَ: "إنَّ الشاةَ لتَجْتَرُّ فتسمعُ صوتَ واللَّهِ رَبِّهَا".
تنبيهٌ: زادَ في (الكافية) الفصلُ بـ "إِمَّا" كقولِه [من الطويل]:
660 - هُمَا خُطَّتَا إِمَّا إِسَارٍ وَمِنَّةٍ = وَإِمَّا دَمٍ وَالقَتْلُ بِالحرِّ أجدرُ
ا هـ.
وما سوى ذلك فمختصٌّ بالشِّعرِ، وقد أشارَ إلى ثلاثِ مسائلَ من ذلك بقولِه:
(واضْطِرَارًا وُجِدَا) أي: الفصلُ والألفُ للإطلاقِ (بِأَجْنَبِيِّ أَوْ بِنَعْتٍ أَوْ نِدَا) أي: الأُولَى مِنْ هذه الثلاثِ: الفصلُ بأجنبيٍّ، والمرادُ به معمولُ غيرِ المضافِ: فاعلاً كانَ كقولِه [من المنسرح]:
661 - أَنْجَبَ أَيَّامَ وَالِدَاهُ بِهِ = إِذْ نَجَلاَهُ فَنِعْمَ مَا نَجَلاَ
أي: أَنْجَبَ وَالدَاه به أيامَ إذْ نَجَلاَه، أو مفعولاً كقولِه: من البسيط:
662 - تَسْقِي امْتِيَاحًا نَدَى المِسْوَاكَ رِيقَتِهَا = كَمَا تَضَمَّنَ مَاءَ المُزْنَةِ الرَّصَفُ
أي: تَسْقِي نَدَى ريقتِها المسواكَ أو ظَرْفاً كقولِه [من الوافر]:
663 - كَمَا خَطَّ الكِتَابُ بِكَفِّ يَوْمًا = يَهُودِيٍّ يُقَارِبُ أَوْ يُزِيلُ
الثانيةُ: الفصلُ بنعتِ المضافِ كقولِه [من الكامل]:
664 - وَلَئِنْ حَلَفْتُ عَلَى يَدَيْكَ لَأَحْلِفَنَّ = بِيَمِينِ أَصْدَقَ مِنْ يَمِينِكَ مُقْسِمِ
أي: بيمينِ مُقْسمٍ أَصْدقَ مِنْ يمينِك، وقولُه:
مِنَ ابْنِ أَبِي شَيْخِ الأَبَاطِحِ طَالِبِ
أي: مِنِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ شيخِ الأباطحِ.
الثالثة: الفصل بالنداء كقولِه [من الرجز]:
665 - كَأَنَّ بِرْذَوْنَ أَبَا عِصَامٍ = زَيْدٍ حِمَارٌ دُقَّ بِاللِّجَامِ
أي: كَأَنَّ برذونَ زيدٍ يا أبا عصامٍ، وقولِه [من البسيط]:
666 - وِفَاقُ كَعْبُ بُجَيْرٍ مُنْقِذٌ لَكَ مِنْ = تَعْجِيلِ تَهْلُكَةٍ وَالخُلْدِ فِي سَقَرَا
أي: وِفَاقُ بُجَيْرٍ يَا كَعْبُ.
تنبيهٌ: مِنَ المختصِّ بالضرورةِ أيضا الفصلُ بفاعلِ المضافِ، كقولِه [من الطويل]:
667 - نَرَى أَسْهُمًا لِلمَوْتِ تُصْمِي وَلا تُنْمِي = وَلاَ نَرْعَوِي عَنْ نَقْضِ أَهوَاؤِنَا العَزْمِ
وقولِه [من الرجز]:
668 - مَا إِنْ وَجَدْنَا لِلْهَوَى مِنْ طُبِّ = وَلاَ عَدِمْنَا قَهْرَ وَجْدٌ صَبِّ
و الأمرُ في هذا أسهلُ منه في الفاعلِ الأجنبيِّ كما في قولِه:
أَنْجَبَ أَيَّامَ وَالِدَاهُ بِهِ...... البيتَ
ويحتملُ أنْ يكونَ منه، وأنْ يكونَ مِنَ الفصلِ بالمفعولِ قولُه [من الوافر]:
669 - فَإِنْ يَكُنِ النِّكَاحُ أَحَلَّ شَيْءٍ = فَإِنَّ نِكَاحَهَا مَطَرٌٍ حَرَامُ
بدليلِ أنَّه يُرْوَى أيضًا بِنَصْبِ مَطَرٍ ورفْعِه، والتقديرُ: فإنَّ نِكَاحَ مَطَرٍ إِيَّاهَا أَوْ هِي:
ومنه الفصلُ بالفعلِ المُلْغَى كقولِه [من الوافر]:
670 - بِأَيِّ تَرَاهُمُ الأَرَضِينَ حَلُّوا = أَأَلدَّبَرَانَ أَمْ عَسَفُوا الكِفَارَا
أي: بِأَيِّ الأَرَضِينَ زَادَهْ في (التسهيل) وَزَادَ غَيْرَهُ الفصلَ بالمفعولِ لأجلِه، كقولِه [من الوافر]:
671 - مُعَاوِدُ جُرْأَةً وَقْتَ الهَوَادِي = أَشَمُّ كَأَنَّهُ رَجُلٌ عَبُوسُ
أرادَ: مُعَاوِدَ وَقْتِ الهَوَادِي جُرْأَةً.
وحكَى ابنُ الأَنْبَارِيِّ: "هذا غلامُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَخِيكَ" ففُصلَ: بإِنْ شاءَ اللَّهُ اهـ.
خاتمةٌ: قالَ في (شرحِ الكافيةِ): المضافُ إلى شيءٍ يتكمَّلُ بما أُضيفَ إليه تكمُّلَ الموصولِ بصلتِه، والصلةِ لا تعمَلُ في الموصولِ ولا فيما قبلَه، وكذا المضافُ إليه لا يعمَلُ في المضافِ ولا فيما قبلَه، فلا يجوزُ في نحوِ: "أنا مثلُ ضاربٍ زيدًا" أنْ يتقدَّمَ "زيدًا" على "مثلُ" وإنْ كانَ المضافُ "غيرًا" وقُصدَ بها النفيُ جازَ أن يتقدَّمَ عليها معمولُ ما أُضيفَتْ إليه، كما يتقدَّمُ معمولِ المنفيِّ بـ "لا" فأجازُوا "أنا زيدًا غيرُ ضاربٍ" كما يقالُ: أنا زيدًا لا أضربُ ومنه قوله [من البسيط]:
672 - إِنَّ امْرَأً خَصَّنِي عَمْدًا مَوَدَّتَهُ = عَلَى التَّنَائِي لعِنْدِي غيرُ مَكْفُورِ
فقدم "عندي" وهو معمولُ "مكفورٍ" مع إضافةِ "غيرِ" إليه لأنها دالَّةٌ على نفيٍ، فكأنَّه قال: لعِندِي لا يُكْفَرُ، ومنه قولُه تعالى {عَلَى الكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} فَإِنْ لَمْ يُقْصَدُ بغيرِ نفيٍ لم يتقدَّمْ عليها معمولُ ما أُضِيفَتْ إليه فلا يجوزُ في قولِك: "قامُوا غيرَ ضاربٍ زيدًا" "قامُوا زيدًا غيرَ ضاربٍ" لعدمِ قصْدِ النفيِ بغيرِ. هذا كلامُه واللَّهُ أعلمُ.

  #5  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 11:02 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


الفصْلُ بينَ المضافِ والمضافِ إليهِ
418- فَصْلَ مُضَافٍ شِبْهِ فِعْلٍ مَا نَصَبْ = مَفْعُولاً أوْ ظَرْفاً أجِزْ وَلَمْ يُعَبْ
419- فَصْلُ يَمِينٍ وَاضْطِرَاراً وُجِدَا = بِأَجْنَبِيٍّ أوْ بِنَعْتٍ أوْ نِدَا
مِنْ أحكامِ الإضافةِ أنَّهُ لا يَجوزُ الفصْلُ بينَ المضافِ والمضافِ إليهِ؛ لأنَّ المُتَضَايِفَيْنِ بِمَنزِلَةِ الكلمةِ الواحدةِ ذاتِ الْجُزْأَيْنِ.
غيرَ أنَّ هناكَ مَواضِعَ أجازَ النُّحاةُ الفصْلَ فيها بينَ المضافِ والمضافِ إليهِ في سَعَةِ الكلامِ؛ استناداً إلى ما وَرَدَ في القرآنِ وكلامِ العرَبِ، وجوازُ الفصْلِ فيها في الشِّعْرِ أَقْوَى. وهناكَ مَوَاضِعُ أُخرى يَجوزُ الفصْلُ فيها للضرورةِ الشِّعريَّةِ.
فيَجوزُ الفصْلُ في النثْرِ في ثلاثِ مَسائلَ:
الأُولَى: أنْ يكونَ المضافُ مَصدراً، والمضافُ إليهِ فاعِلَهُ، والفاصِلُ إمَّا مفعولَهُ أوْ ظَرْفَهُ، فالأوَّلُ كقولِهِ تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ}، فقدْ قَرأَ ابنُ عامِرٍ، وهوَ مِن السبعةِ: ( زُيِّنَ) بضمِّ الزايِ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، وَرَفَعَ (قَتْلُ) على أنَّهُ نائبُ فاعلٍ، وهوَ مضافٌ، ونَصَبَ ( أَوْلادَهُمْ) على أنَّهُ مفعولٌ للمَصدَرِ، وجَرَّ (شُرَكَائِهِمْ) على أنَّهُ مضافٌ إليهِ، ففَصَلَ بينَ المصدَرِ المضافِ إلى فاعلِهِ، وهوَ ( قَتْلُ )، وبينَ المُضافِ إليهِ (شُرَكَائِهِمْ)، والفاصِلُ هوَ مفعولُ المصدَرِ ( أَوْلادَهُمْ )، ومعنى الآيَةِ: أنَّ القتلَ مُضافٌ للشركاءِ؛ لأنَّهُم هم الفاعلونَ، والمقتولُ هم الأولادُ، واللَّهُ أعْلَمُ.
ومِثالُ الثاني، وهوَ كونُ الفاصِلِ ظَرْفاً، ما حُكِيَ عنْ بعضِ مَنْ يُوثَقُ بِعَرَبِيَّتِهِ: (تَرْكُ يَوْماً نَفْسِكَ وهَوَاهَا سَعْيٌ لها في رَدَاهَا)، فـ(تَرْكُ): مبتدأٌ، وهوَ مضافٌ، و(نَفْسِكَ): مضافٌ إليهِ مِنْ إضافةِ المصدَرِ إلى فاعلِهِ، والفاصِلُ (يَوْماً)، وهوَ ظرْفٌ للمصدَرِ، و(هَوَاهَا): مفعولٌ معهُ منصوبٌ، (سَعْيٌ لها): خبرُ المبتدأِ.
المسألةُ الثانيَةُ: أنْ يكونَ المضافُ وَصْفاً، والمضافُ إليهِ مفعولَهُ الأوَّلَ، والفاصِلُ إمَّا مفعولَهُ الثانيَ أوْ ظَرْفَهُ، فالأوَّلُ كقولِ الشاعرِ:
ما زَالَ يُوقِنُ مَنْ يَؤُمُّكَ بالْغِنَى = وسِواكَ مَانِعُ فَضْلَهُ المُحْتَاجِ
فقولُهُ: (مَانِعُ) وصْفٌ لأنَّهُ اسمُ فاعلٍ، وفِعْلُهُ (مَنَعَ) يَتَعَدَّى لمفعولَيْنِ، وقدْ أَضَافَ الشاعرُ هذا الوصْفَ العاملَ إلى مفعولِهِ الأوَّلِ، وهوَ قولُهُ: (المُحْتَاجِ)، وفَصَلَ بينَهما بالمفعولِ الثاني، وهوَ قولُهُ: (فَضْلَهُ)؛ أيْ: مانعُ المُحْتَاجِ فضلَهُ، والأصْلُ قَبلَ الإضافةِ: مَانِعٌ المُحْتَاجَ فضْلَهُ.
ومِثالُ الفصْلِ بالظرْفِ: قولُهُ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ في أبي بكرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْهُ: ((هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي؟))، ففيهِ إضافةُ الوصْفِ، وهوَ اسمُ الفاعلِ (تارِكُ)، إلى مفعولِهِ (صاحبِي)، والدليلُ على الإضافةِ حَذْفُ النونِ مِن المضافِ، والفاصِلُ هوَ الجارُّ والمجرورُ.
المسألةُ الثالثةُ: أنْ يكونَ الفاصِلُ قَسَماً؛ نحوُ: شَرُّ - واللَّهِ - المجالسِ مجالسُ الغِيبَةِ. وقدْ حَكَى الكِسائيُّ: هذا غلامُ - واللَّهِ - زَيْدٍ.
وأمَّا مَواضِعُ الفصْلِ التي تَخْتَصُّ بالشعْرِ، فمِنها:
1- أنْ يكونَ الفاصِلُ بينَ المضافِ والمضافِ إليهِ أَجْنَبِيًّا مِن المضافِ، والمرادُ بالأجنبيِّ معمولُ غيرِ المضافِ؛ كقولِ الشاعرِ:
كما خُطَّ الكِتَابُ بكفِّ يَوماً = يَهودِيٍّ يُقارِبُ أوْ يُزِيلُ
فقدْ فَصَلَ الشاعرُ بينَ المضافِ، وهوَ (بكَفِّ)، والمضافِ إليهِ، وهوَ قولُهُ: (يَهودِيٍّ)، بأجنبيٍّ مِن المضافِ، وهوَ قولُهُ: (يوماً)؛ فإنَّهُ ظَرْفٌ لقولِهِ: (خُطَّ)، والأصْلُ: كما خُطَّ الكتابُ يوماً بكفِّ يَهُودِيٍّ.
2- الفصْلُ بنَعْتِ المضافِ؛ كقولِ الشاعِرِ:
نَجَوْتُ وَقَدْ بَلَّ المُرَادِيُّ سَيفَهُ = مِن ابنِ أَبِي شَيخِ الأَبَاطِحِ طَالِبِ
فَقَدْ فَصَلَ بينَ المضافِ، وهوَ قولُهُ: (أبِي)، والمضافِ إليهِ، وهوَ قولُهُ: (طالِبٍ)، بنعْتِ المضافِ، وهوَ قولُهُ: (شيخِ الأباطِحِ)، والأصْلُ: مِنْ أبِي طالِبٍ شيخِ الأباطِحِ.
3- الفصْلُ بالنِّداءِ؛ كقولِ بُجَيْرِ بنِ أبي سُلْمَى لأخيهِ كَعْبٍ يَحُثُّهُ على الإسلامِ:
وِفَاقُ كَعْبُ بُجَيْرٍ مُنْقِذٌ لكَ مِنْ = تَعجيلِ تَهْلُكَةٍ والْخُلْدِ في سَقَرِ
فقدْ فَصَلَ بينَ المضافِ، وهوَ قولُهُ: (وفاقُ)، والمضافِ إليهِ، وهوَ قولُهُ: (بُجَيْرٍ)، بالمُنادَى، وهوَ قولُهُ: (كَعْبُ)، والأصْلُ: وفاقُ بُجَيْرٍ يا كعبُ.
وهذا معنى قولِهِ: (فَصْلَ مُضَافٍ شِبْهِ فِعْلٍ... إلخ)؛ أيْ: أَجِزْ فَصْلَ ما نَصَبَهُ المضافُ الذي يُشبِهُ الفعلَ، إذا كانَ ذلكَ المنصوبُ مَفعولاً أوْ ظَرْفاً.
وقولُهُ: (فَصْلَ) مفعولٌ مُقَدَّمٌ للفعْلِ (أَجِزْ)، و(ما نَصَبْ): اسمٌ موصولٌ مَبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رفْعٍ فاعلٍ للمَصدرِ (فَصْلَ)، وجملةُ (نَصَبْ) صِلةٌ، والعائدُ محذوفٌ؛ أيْ: (ما نَصَبَهُ)، ثمَّ قالَ: إنَّهُ لم يُعَبْ في الكلامِ الفصْلُ باليمينِ، وهوَ القَسَمُ، ثمَّ ذَكَرَ أنَّ الفصْلَ في حالةِ الضرورةِ الشِّعريَّةِ وُجِدَ بالأجنبيِّ.
(وهوَ ما ليسَ مَعمولاً للمضافِ كما تَقَدَّمَ ) أوْ بالنعْتِ أوْ بالنداءِ، والنعْتُ والنداءُ داخلانِ في الفصْلِ بالأجنبيِّ، لكنَّهُ خَصَّهما بالذكْرِ لِقَصْدِ الإيضاحِ، وتخصيصُ هذهِ المسائلِ الأخيرةِ بحالةِ الضرورةِ يُفيدُ أنَّ ما قَبْلَها جائزٌ في سَعَةِ الكلامِ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الفصل, بين

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:34 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir