المجموعة الخامسة:
س1: ما الحكمة من اقتران اسمي "الرحمن" و"الرحيم"؟
اختلف العلماء في سبب اقتران هذين الاسمين على أقوال أحسنها وأجمعها:
- أنّ (الرحمن) دالٌّ على الصفة القائمة به سبحانه؛ أيّ دال على أن الرحمة صفته، و(الرحيم) دال على تعلقها بالمرحوم؛ أيّ أنه يرحم خلقه برحمته.وهذا خلاصة قول لإبن القيّم رحمه الله.
ومن حيث الدلالة اللغوية: على أنّ الرحمن وصف ذات، والرحيم وصف فعل:
- أنّ صيغة "فعلان" تدل على قيام الصفة بالموصوف بل وبلوغ الغاية بـهذه الصّفة, مثل "شبعان وغضبان".
- أمّا صيغة "فعيل": تدلّ على الفعل, مثل "السميع بمعنى السامع".
وقيل في هذه المسألة أقوال أخرى فيها نظر, منها: أن المراد الإنباء عن رحمة عاجلة ورحمة آجله.
س2: ما متعلّق الجار والمجرور المحذوف في {بسم الله}، وما الحكمة من حذفه؟
الجار والمجرور متعلق بمحذوف مؤخَّر، يقدّر في كلّ موضع بما يناسبه.
قال أبو البقاء العكبري: (عند البصريين المحذوف مبتدأ، والجار والمجرور خبره، والتقدير: ابتدائي بسم الله، أي كائن باسم الله؛ فالباء متعلقة بالكون والاستقرار. وقال الكوفيون: المحذوف فعلٌ تقديره ابتدأت، أو أبدأ، فالجار والمجرور في موضع نصب بالمحذوف)ا.ه..
وقد ورد في القرآن تعلّق الجارّ والمجرور في مثل هذا الموضع بالاسم وبالفعل:
- في قول الله تعالى: {وقال اركبوا فيها باسم الله مجريها ومرساها} متعلّق بالإسم.
- في قول الله تعالى: {اقرأ باسم ربك} متعلّق بالفعل.
س3: فسّر بإيجاز قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين}.
** معنى {الحمد لله}
- الحمد هو ذكر محاسن المحمود عن رضا ومحبة.
- والحمد له معنيان:
المعنى الأول: استغراق الجنس، أي كلّ حمد فالله هو المستحقّ له، فكلّ ما في الكون مما يستحقّ الحمد؛ فإنما الحمد فيه لله تعالى حقيقة لأنه إنما كان منه وبه.
والمعنى الثاني: التمام والكمال، أي الحمد التامّ الكامل من كلّ وجه وبكلّ اعتبار لله تعالى وحده؛ فهو المختصّ به؛ فالله تعالى لا يكون إلا محموداً على كلّ حال، وفي كلّ وقت، ومن كلّ وجه، وبكلّ اعتبار.
والله تعالى له الحمد بالمعنيين كليهما, والنّوع الثاني مختصٌّ بالله تعالى لا يُطلق على غيره.
- معنى اللام في قوله تعالى: {لله}
الحمدَ معنىً أُسند إلى ذاتٍ, فـتكون اللام للاختصاص على الراجح من أقوال أهل العلم.
** معنى (الرَّبّ)
(الرَّبُّ) هو الجامع لجميع معاني الربوبية من الخلق والرزق والملك والتدبير والإصلاح والرعاية.
_ وربوبية الله تعالى لخلقه على نوعين:
1- ربوبية عامة لكل المخلوقات: بالخلق والملك والإنعام والتدبير.
2- ربوبية خاصة لأوليائه جل وعلا: بالتربية الخاصّة والهداية والنصرة والتوفيق والتسديد والحفظ.
والله تعالى هو الرب بهذه الاعتبارات كلها, وتأمُّلَ معاني الربوبية والتفكر في آثارها في الخلق والأمر يورث اليقين بوجوب التوحيد، وأنَّ العالم لا صلاح له إلا بأن يكون ربه واحدا.
** معنى (العالمين):
العالمون جمع عالَم، وهو اسم جمعٍ لا واحد له من لفظه، يشمل أفراداً كثيرة يجمعها صِنْفٌ واحد.
فالإنس عالَم، والجنّ عالَم، وكلّ صنف من الحيوانات عالَم، وكلّ صنف من النباتات عالم، وغيرها من العوالم الكثيرة والعجيبة ممّا لا يحصيه إلا الله تعالى. ثمَّ كلُّ صنفٍ من هذه العوالم ينقسم إلى عوالَم في كلّ قرن؛ فأهل كلّ قرن من ذلك الصنف عالَم, قال ابن كثير: (.... والعوالم أصناف المخلوقات في السّماوات والأرض في البرّ والبحر، وكلّ قرنٍ منها وجيلٍ يسمّى عالمًا أيضًا)ا.هـ.
وهذا القول قال به جمهور المفسّرين وهوَ الراجح, وهناك قولٌ ثانٍ: قيل أنّ العالمين: الإنس والجنّ، وهذا القول مشتهر عن ابن عباس رضي الله عنه, وهناك قول ثالث: وهو أن المراد بالعالمين "أصناف الخلق الرّوحانيّين، وهم الإنس والجن والملائكة، كلّ صنف منهم عالم"، وهذا قول ابن قتيبة الدينوري.
- معنى {ربّ العالمين}
ربوبيّة الله تعالى للعالمين ربوبيّة عامّة.
س4: بيّن معنى العبادة لغة وشرعا.
** لغةً -تعريف لها باعتبار أصل معناها الملازم لها، واعتبار هذا المعنى مهم- :
قال ابن جرير رحمه الله: (العبودية عندَ جميع العرب أصلُها الذلّة، وأنها تسمي الطريقَ المذلَّلَ الذي قد وَطِئته الأقدام، وذلّلته السابلة (معبَّدًا), ... ومنه سمي العبْدُ عبدًا لذلّته لمولاه). وقال أبو منصور الأزهري: (ومعنى العبادة في اللغة: الطاعة مع الخضوع...).
** شرعًا:
العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة. وهذا تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
فـ حقيقة العبادة لا تكون إلا بتذلل وخضوع, ويصحب هذه الذلة في العبادات الشرعية ثلاثة أمور: المحبة، والانقياد، والتعظيم.
والعبادةُ تكونُ بالقلبِ واللسانِ والجوارحِ، وقد أمَرَ اللهُ تعالى بإخلاصِ العبادةِ له وَحْدَه لا شَريكَ له.
س5: بيّن معنى الاستعانة وكيف يكون تحقيقها؟
● معنى الاستعانة: طلب العون؛ والاعتماد على المستعان به في جلب المنافع ودفع المضارّ.
فالاستعانة بمعناها العام تشمل الدعاء والتوكل والاستعاذة والاستغاثة وغيرها؛ لأن كل ما يقوم به العبد من قول أو عمل يرجو به تحصيلَ منفعة أو دفع مفسدة فهو استعانة. وحاجة العبد إلى الاستعانة بالله تعالى لا تعدلها حاجة، بل هو مفتقر إليه في جميع حالاته لأنّ العبدَ حارثٌ همَّامٌ يجد في قلبه كلَّ وقت مطلوباً من المطلوبات يحتاج إلى الإعانة على تحقيقه, والله خيرُ معين فالضر والنّفع بأمره وحده
● كيفيّة تحقيق الاستعانة: (بأمرين -من حقّقهُما أعانه الله، والله لا يخلف وعده-).
1- التجاء القلب إلى الله تعالى بصدق, وطلب العون منه, والإيمان بأن النفع والضر بيده جل وعلا.
2- الأخذ بالأسباب, فيبذل في كل مطلوب ما أذن الله تعالى به من الأسباب.
س6: ما الحكمة من الإتيان بضمير الجمع في فعلي {نعبد} و{نستعين}؟
قال ابن كثير في تفسيره عدة أقوال:
1- أن "المراد الإخبار عن جنس العباد" والمصلّي فرد منهم.
2- ضمير الجمع "للتعظيم بشرف العبادة"، وهذا القول ذكره الرازي في تفسيره، وفيه نظر.
3- ضمير الجمع "ألطف في التواضع" لما في صيغة الإفراد من تعظيم النفس.
ويضاف إلى الوجه الثالث أن جملة {إيَّاك نعبد} خبرية، وجملة {إيَّاك نستعين} خبرية بها معنى الطلب؛ فالإتيان بضمير الجمع في مقام الإخبار أبلغ في التعظيم، وضمير الجمع في مقام الطلب أبلغ في التوسّل؛ كأنّ المعنى (أعنّي كما أعنتهم)؛ فأضاف إلى التوسّل بالتوحيد التوسّل بكرمه تعالى في إعانة إخوانه المؤمنين, وهي في معنى (اهدني فيمن هديت) .
تمّ بحمد الله.