دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السابع ( المجموعة الأولى)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 ربيع الأول 1440هـ/19-11-2018م, 02:07 PM
صالحة الفلاسي صالحة الفلاسي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
المشاركات: 242
افتراضي

تفسير قوله تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾
كان المشركون يعيّرون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالفقر والضيقة حتى حتى ظنّ صلى الله عليه وسلم أنهم رغبوا عن الإسلام لافتقار أهله واحتقارهم ، فذكره سبحانه بما أنعم به عليه من نعمه العظيمة ثم قال:{ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.
ولمّا نزلت هذه الآية ، قال الحسن: خرج النبيّ ﷺ يوما مسرورا فَرِحا وهو يضحك، وهو يقول: "لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنَ، لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ ".أخرجه ابن جرير.
وأخرج ابن جرير عن قتادة ، قوله: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ ذُكر لنا أن رسول الله ﷺ بشَّر أصحابه بهذه الآية، فقال: "لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ".
فهي بشارة من الله للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ولأمته عامّة ، أن مع العسر العارض في شؤون دعوتك وضلالهم وإيذائهم لك وإخراجك من بلدك ، لك معه تيسيرا عظيما يغلب العسر ، ويظهر به أمرك على عدوك.
المسائل الواردة في الآية:
· القراءات الواردة للآية
· معنى الفاء في الجملة.
· معنى العسر واليسر.
· دلالة ذكر (مع) عوضا عن (بعد) كما في قوله {سيجعل الله بعد عسرا يسرا}.
· دلالة تعريف العسر وتنكير اليسر.
· هل الجملة الثانية {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} مكررة لما قبلها أم مستأنفة
· هل الآية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم أم عامة ودليل ذلك.
القراءات الواردة للآية:
قَرَأ الجُمْهُورُ بِسُكُونِ السِّينِ في العُسْرِ واليُسْرِ في المَوْضِعَيْنِ.
وقَرَأ يَحْيى بْنُ وثّابٍ، وأبُو جَعْفَرٍ، وعِيسى بِضَمِّها في الجَمِيعِ.

وقرأ ابن مسعود: "إن مع العسر يسرا" واحدة غير مكررة.
معنى الفاء في { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}
والفاء فصيحة تفصح عن كلام مقدر يدل عليه الاستفهام التقريري في السورة ، أي: إذا علمت هذا وتقرر (من شرح صدرك ووضع وزرك ورفع ذكرك)، تعلم أن اليسر مصاحب للعسر، فهي تسلية لقلب النبي صلى الله عليه وسلم بإحاطة العناية الإلهية به فيما سبق وفيما سيتقدم من أمره.


معنى العسر واليسر
العُسْرُ: المَشَقَّةُ في تَحْصِيلِ المَرْغُوبِ والعَمَلِ المَقْصُودِ.
واليُسْرُ ضِدُّهُ وهو: سُهُولَةُ تَحْصِيلِ المَرْغُوبِ وعَدَمُ التَّعَبِ فِيهِ.

دلالة ذكر (مع) بدلا عن (بعد) كما في قوله {سيجعل الله بعد عسرا يسرا}.
ذكر ابن عاشور: وكَلِمَةُ (مَعَ) هُنا مُسْتَعْمَلَةٌ في غَيْرِ حَقِيقَةِ مَعْناها؛ لِأنَّ العُسْرَ واليُسْرَ نَقِيضانِ فَمُقارَنَتُهُما مَعًا مُسْتَحِيلَةٌ، فَتَعَيَّنَ أنَّ المَعِيَّةَ مُسْتَعارَةٌ لِقُرْبِ حُصُولِ اليُسْرِ عَقِبَ حُلُولِ العُسْرِ أوْ ظُهُورِ بَوادِرِهِ، بِقَرِينَةِ اسْتِحالَةِ المَعْنى الحَقِيقِيِّ لِلْمَعِيَّةِ. وبِذَلِكَ يَنْدَفِعُ التَّعارُضُ بَيْنَ هَذِهِ الآيَةِ وبَيْنَ قَوْلِهِ تَعالى: (﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [الطلاق: ٧]) في سُورَةِ الطَّلاقِ.فَهَذِهِ الآيَةُ في عُسْرٍ خاصٍّ يَعْرِضُ لِلنَّبِيءِ ﷺ وآيَةُ سُورَةِ الطَّلاقِ عامَّةٌ، ولِلْبَعْدِيَّةِ فِيها مَراتِبُ مُتَفاوِتَةٌ. فالتَّعْرِيفُ في ”العُسْرِ“ تَعْرِيفُ العَهْدِ، أيِ: العُسْرُ الَّذِي عَهِدْتَهُ وعَلِمْتَهُ، وهو مِن قَبِيلِ ما يُسَمِّيهِ نُحاةُ الكُوفَةِ بِأنَّ (ألْ) فِيهِ عِوَضٌ عَنِ المُضافِ إلَيْهِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعالى: (﴿فَإنَّ الجَنَّةَ هي المَأْوى﴾ [النازعات: ٤١]) أيْ: فَإنَّ مَعَ عُسْرِكَ يُسْرًا، فَتَكُونُ السُّورَةُ كُلُّها مَقْصُورَةً عَلى بَيانِ كَرامَةِ النَّبِيءِ ﷺ عِنْدَ رَبِّهِ تَعالى.أه
إذن استعير لفظ "مع" لمعنى "بعد" لإشعار بسرعة مجيء اليسر وكأنه مقارن للعسر.


دلالة تعريف العسر وتنكير اليسر في الآيتين.
أورد المفسرون قولين في وجه تعريف العسر وتنكير اليسر:
الأول: التعريف في "العسر" تعريف العهد ، أي العسر الذي عهدته وعلمته، وتنكيره "يسرا" للتعظيم، والمعنى أن مع العسر العارض لك تيسيرا عظيما يغلب العسر.
الثاني: للدلالة على أن العسر المذكور واحد واليسر متعدد ، ومن عادة العرب إذا ذكرت اسما معرفا، ثم أعادته كان الثاني هو الأول إلا ما ندر، وإذا ذكرت نكرة ثم أعادته فالثاني غير الأول إلا ما ندر.
قال الفَرّاءُ: العَرَبُ إذا ذَكَرَتْ نَكِرَةً ثُمَّ أعادَتْها بِنَكِرَةٍ صارَتِ اثْنَتَيْنِ، كَقَوْلِكَ: إذا كَسَبْتَ دِرْهَمًا فَأنْفِقْ دِرْهَمًا، فالثّانِي غَيْرُ الأوَّلِ، وإذا أعادَتْها مَعْرِفَةً، فَهي كَقَوْلِكَ: إذا كَسَبْتَ دِرْهَمًا فَأنْفِقِ الدِّرْهَمَ، فالثّانِي هو الأوَّلُ.
وعلى هذا القول فالعسر محفوف بيسرين يسر قبله ،ويسر بعده ، وفيه تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يغلب عسر يسرين).

هل الجملة الثانية {
إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} مكررة لما قبلها أم مستأنفة
القول الأول: أنها مكررة لما قبلها للتوكيد والإطناب ومبالغة في حصول اليسر ، قال الفراء: كما قالوا في تكرار الجواب فيقال بلى بلي ، لا لا. ومنه قول الشاعر: هممت بنفسي بعض الهموم... فأولى لنفسي أولي لها.
القول الثاني: أنها جملة مستأنفة ، ، ودليل استئنافه : تعرية من الفاء والواو، فمع كل عسر يسران ، من حيث إن العسر معرف بالعهد واليسر منكر، فالأول غير الثاني. قيل: إن اليسر باعتبار المحل ،فيسر في الدنيا ويسر في الآخرة. وعلى هذا القول فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم (لن يغلب عسرا يسرين) أي لن يغلب عسر الدنيا ما يقابله من اليسر الذي وعده الله للمؤمنين في الدنيا ، واليسر الموعودين به في الآخرة ، فهو يغلب أحدهما لا محالة. ويجوز أن يكون اليسرين موعود به النبي صلى الله عليه وأمته، لأن ما يعرض له من عسر إنما يعرض له في شئون دعوته للدين ولصالح المسلمين.
وعلى القول الأول، إذا كانت الجملة مكررة ، فماذا عن قوله (لن يغلب عسرا يسرين)؟
ذكر ابن عاشور: ولا شَكَّ أنَّ الحُكْمَ المُسْتَفادَ مِن هَذِهِ الجُمْلَةِ هو ثُبُوتُ التِحاقِ اليُسْرِ بِالعُسْرِ عِنْدَ حُصُولِهِ، فَكانَ التَّأْكِيدُ مُفِيدًا تَرْجِيحَ أثَرِ اليُسْرِ عَلى أثَرِ العُسْرِ، وذَلِكَ التَّرْجِيحُ عُبِّرَ عَنْهُ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ في قَوْلِهِ“ يُسْرَيْنِ " فالتَّثْنِيَةُ هُنا كِنايَةٌ رَمْزِيَّةٌ عَنِ التَّغَلُّبِ والرُّجْحانِ، فَإنَّ التَّثْنِيَةَ قَدْ يُكَنّى بِها عَنِ التَّكْرِيرِ المُرادِ مِنهُ التَّكْثِيرُ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: (﴿ثُمَّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إلَيْكَ البَصَرُ خاسِئًا وهو حَسِيرٌ﴾ [الملك: ٤]) أيِ: ارْجِعِ البَصَرَ كَثِيرًا؛ لِأنَّ البَصَرَ لا يَنْقَلِبُ حَسِيرًا مِن رَجْعَتَيْنِ. ومِن ذَلِكَ قَوْلُ العَرَبِ: لَبَّيْكَ، وسَعْدَيْكَ، ودَوالَيْكَ. والتَّكْرِيرُ يَسْتَلْزِمُ قُوَّةَ الشَّيْءِ المُكَرَّرِ، فَكانَتِ القُوَّةُ لازِمَ لازِمِ التَّثْنِيَةِ، وإذا تَعَدَّدَتِ اللَّوازِمُ كانَتِ الكِنايَةُ رَمْزِيَّةً.

أما من قال بالقول الثاني فكيف يحتج إذا ثبت في مصحف ابن مسعود بعدم تكرار الجملة، وقوله (إنه لن يغلب عسر يسرين)؟ والذي يظهر كأنه قصد بثتنية اليسر هو التفخيم ، وتأوله بيسر الدارين.
هل الآية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم أم عامة ودليل ذلك.
قال الحسن: لما نزلت هذه الآية ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ قال رسول الله ﷺ: "أبْشِرُوا أتاكُمُ اليُسْرُ، لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ". رواه ابن جرير.
وفي المُوَطَّأِ ”أنَّ أبا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرّاحِ كَتَبَ إلى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ يَذْكُرُ لَهُ جُمُوعًا مِنَ الرُّومِ وما يَتَخَوَّفُ مِنهم، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: أمّا بَعْدُ: فَإنَّهُ مَهْما يَنْزِلْ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِن مَنزِلِ شِدَّةٍ يَجْعَلِ اللَّهُ بَعْدَهُ فَرَجًا، وإنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ“ .
فدلّ ذلك أن الآية غير خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم بل تعمّه وأمته.



المصادر:
جامع البيان – الطبري
التحرير والتنوير - ابن عاشور.
معالم التنزيل – البغوي.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز – ابن عطية
كتاب الكشاف للزمخشري.
فتح القدير للشوكاني

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11 ربيع الأول 1440هـ/19-11-2018م, 07:40 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صالحة الفلاسي مشاهدة المشاركة
تفسير قوله تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾
كان المشركون يعيّرون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالفقر والضيقة حتى حتى ظنّ صلى الله عليه وسلم أنهم رغبوا عن الإسلام لافتقار أهله واحتقارهم ، فذكره سبحانه بما أنعم به عليه من نعمه العظيمة ثم قال:{ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.
ولمّا نزلت هذه الآية ، قال الحسن: خرج النبيّ ﷺ يوما مسرورا فَرِحا وهو يضحك، وهو يقول: "لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنَ، لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ ".أخرجه ابن جرير. رواه ابن جرير.
وأخرج ابن جرير عن قتادة ، قوله: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ ذُكر لنا أن رسول الله ﷺ بشَّر أصحابه بهذه الآية، فقال: "لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ".
فهي بشارة من الله للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ولأمته عامّة ، أن مع العسر العارض في شؤون دعوتك وضلالهم وإيذائهم لك وإخراجك من بلدك ، لك معه تيسيرا عظيما يغلب العسر ، ويظهر به أمرك على عدوك.
المسائل الواردة في الآية:
· القراءات الواردة للآية
· معنى الفاء في الجملة.
· معنى العسر واليسر.
· دلالة ذكر (مع) عوضا عن (بعد) كما في قوله {سيجعل الله بعد عسرا يسرا}.
· دلالة تعريف العسر وتنكير اليسر.
· هل الجملة الثانية {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} مكررة لما قبلها أم مستأنفة
· هل الآية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم أم عامة ودليل ذلك.
القراءات الواردة للآية:
قَرَأ الجُمْهُورُ بِسُكُونِ السِّينِ في العُسْرِ واليُسْرِ في المَوْضِعَيْنِ.
وقَرَأ يَحْيى بْنُ وثّابٍ، وأبُو جَعْفَرٍ، وعِيسى بِضَمِّها في الجَمِيعِ.

وقرأ ابن مسعود: "إن مع العسر يسرا" واحدة غير مكررة.
معنى الفاء في { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}
والفاء فصيحة تفصح عن كلام مقدر يدل عليه الاستفهام التقريري في السورة ، أي: إذا علمت هذا وتقرر (من شرح صدرك ووضع وزرك ورفع ذكرك)، تعلم أن اليسر مصاحب للعسر، فهي تسلية لقلب النبي صلى الله عليه وسلم بإحاطة العناية الإلهية به فيما سبق وفيما سيتقدم من أمره.


معنى العسر واليسر
العُسْرُ: المَشَقَّةُ في تَحْصِيلِ المَرْغُوبِ والعَمَلِ المَقْصُودِ.
واليُسْرُ ضِدُّهُ وهو: سُهُولَةُ تَحْصِيلِ المَرْغُوبِ وعَدَمُ التَّعَبِ فِيهِ.

دلالة ذكر (مع) بدلا عن (بعد) كما في قوله {سيجعل الله بعد عسرا يسرا}.
ذكر ابن عاشور: وكَلِمَةُ (مَعَ) هُنا مُسْتَعْمَلَةٌ في غَيْرِ حَقِيقَةِ مَعْناها؛ لِأنَّ العُسْرَ واليُسْرَ نَقِيضانِ فَمُقارَنَتُهُما مَعًا مُسْتَحِيلَةٌ، فَتَعَيَّنَ أنَّ المَعِيَّةَ مُسْتَعارَةٌ لِقُرْبِ حُصُولِ اليُسْرِ عَقِبَ حُلُولِ العُسْرِ أوْ ظُهُورِ بَوادِرِهِ، بِقَرِينَةِ اسْتِحالَةِ المَعْنى الحَقِيقِيِّ لِلْمَعِيَّةِ. وبِذَلِكَ يَنْدَفِعُ التَّعارُضُ بَيْنَ هَذِهِ الآيَةِ وبَيْنَ قَوْلِهِ تَعالى: (﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [الطلاق: ٧]) في سُورَةِ الطَّلاقِ.فَهَذِهِ الآيَةُ في عُسْرٍ خاصٍّ يَعْرِضُ لِلنَّبِيءِ ﷺ وآيَةُ سُورَةِ الطَّلاقِ عامَّةٌ، ولِلْبَعْدِيَّةِ فِيها مَراتِبُ مُتَفاوِتَةٌ. فالتَّعْرِيفُ في ”العُسْرِ“ تَعْرِيفُ العَهْدِ، أيِ: العُسْرُ الَّذِي عَهِدْتَهُ وعَلِمْتَهُ، وهو مِن قَبِيلِ ما يُسَمِّيهِ نُحاةُ الكُوفَةِ بِأنَّ (ألْ) فِيهِ عِوَضٌ عَنِ المُضافِ إلَيْهِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعالى: (﴿فَإنَّ الجَنَّةَ هي المَأْوى﴾ [النازعات: ٤١]) أيْ: فَإنَّ مَعَ عُسْرِكَ يُسْرًا، فَتَكُونُ السُّورَةُ كُلُّها مَقْصُورَةً عَلى بَيانِ كَرامَةِ النَّبِيءِ ﷺ عِنْدَ رَبِّهِ تَعالى.أه
إذن استعير لفظ "مع" لمعنى "بعد" لإشعار بسرعة مجيء اليسر وكأنه مقارن للعسر.


دلالة تعريف العسر وتنكير اليسر في الآيتين.
أورد المفسرون قولين في وجه تعريف العسر وتنكير اليسر:
الأول: التعريف في "العسر" تعريف العهد ، أي العسر الذي عهدته وعلمته، وتنكيره "يسرا" للتعظيم، والمعنى أن مع العسر العارض لك تيسيرا عظيما يغلب العسر.
الثاني: للدلالة على أن العسر المذكور واحد واليسر متعدد ، ومن عادة العرب إذا ذكرت اسما معرفا، ثم أعادته كان الثاني هو الأول إلا ما ندر، وإذا ذكرت نكرة ثم أعادته فالثاني غير الأول إلا ما ندر.
قال الفَرّاءُ: العَرَبُ إذا ذَكَرَتْ نَكِرَةً ثُمَّ أعادَتْها بِنَكِرَةٍ صارَتِ اثْنَتَيْنِ، كَقَوْلِكَ: إذا كَسَبْتَ دِرْهَمًا فَأنْفِقْ دِرْهَمًا، فالثّانِي غَيْرُ الأوَّلِ، وإذا أعادَتْها مَعْرِفَةً، فَهي كَقَوْلِكَ: إذا كَسَبْتَ دِرْهَمًا فَأنْفِقِ الدِّرْهَمَ، فالثّانِي هو الأوَّلُ.
وعلى هذا القول فالعسر محفوف بيسرين يسر قبله ،ويسر بعده ، وفيه تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يغلب عسر يسرين).

هل الجملة الثانية {
إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} مكررة لما قبلها أم مستأنفة
القول الأول: أنها مكررة لما قبلها للتوكيد والإطناب ومبالغة في حصول اليسر ، قال الفراء: كما قالوا في تكرار الجواب فيقال بلى بلي ، لا لا. ومنه قول الشاعر: هممت بنفسي بعض الهموم... فأولى لنفسي أولي لها.
القول الثاني: أنها جملة مستأنفة ، ، ودليل استئنافه : تعرية من الفاء والواو، فمع كل عسر يسران ، من حيث إن العسر معرف بالعهد واليسر منكر، فالأول غير الثاني. قيل: إن اليسر باعتبار المحل ،فيسر في الدنيا ويسر في الآخرة. وعلى هذا القول فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم (لن يغلب عسرا يسرين) أي لن يغلب عسر الدنيا ما يقابله من اليسر الذي وعده الله للمؤمنين في الدنيا ، واليسر الموعودين به في الآخرة ، فهو يغلب أحدهما لا محالة. ويجوز أن يكون اليسرين موعود به النبي صلى الله عليه وأمته، لأن ما يعرض له من عسر إنما يعرض له في شئون دعوته للدين ولصالح المسلمين.
وعلى القول الأول، إذا كانت الجملة مكررة ، فماذا عن قوله (لن يغلب عسرا يسرين)؟
ذكر ابن عاشور: ولا شَكَّ أنَّ الحُكْمَ المُسْتَفادَ مِن هَذِهِ الجُمْلَةِ هو ثُبُوتُ التِحاقِ اليُسْرِ بِالعُسْرِ عِنْدَ حُصُولِهِ، فَكانَ التَّأْكِيدُ مُفِيدًا تَرْجِيحَ أثَرِ اليُسْرِ عَلى أثَرِ العُسْرِ، وذَلِكَ التَّرْجِيحُ عُبِّرَ عَنْهُ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ في قَوْلِهِ“ يُسْرَيْنِ " فالتَّثْنِيَةُ هُنا كِنايَةٌ رَمْزِيَّةٌ عَنِ التَّغَلُّبِ والرُّجْحانِ، فَإنَّ التَّثْنِيَةَ قَدْ يُكَنّى بِها عَنِ التَّكْرِيرِ المُرادِ مِنهُ التَّكْثِيرُ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: (﴿ثُمَّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إلَيْكَ البَصَرُ خاسِئًا وهو حَسِيرٌ﴾ [الملك: ٤]) أيِ: ارْجِعِ البَصَرَ كَثِيرًا؛ لِأنَّ البَصَرَ لا يَنْقَلِبُ حَسِيرًا مِن رَجْعَتَيْنِ. ومِن ذَلِكَ قَوْلُ العَرَبِ: لَبَّيْكَ، وسَعْدَيْكَ، ودَوالَيْكَ. والتَّكْرِيرُ يَسْتَلْزِمُ قُوَّةَ الشَّيْءِ المُكَرَّرِ، فَكانَتِ القُوَّةُ لازِمَ لازِمِ التَّثْنِيَةِ، وإذا تَعَدَّدَتِ اللَّوازِمُ كانَتِ الكِنايَةُ رَمْزِيَّةً.

أما من قال بالقول الثاني فكيف يحتج إذا ثبت في مصحف ابن مسعود بعدم تكرار الجملة، وقوله (إنه لن يغلب عسر يسرين)؟ والذي يظهر كأنه قصد بثتنية اليسر هو التفخيم ، وتأوله بيسر الدارين.
هل الآية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم أم عامة ودليل ذلك.
قال الحسن: لما نزلت هذه الآية ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ قال رسول الله ﷺ: "أبْشِرُوا أتاكُمُ اليُسْرُ، لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ". رواه ابن جرير.
وفي المُوَطَّأِ ”أنَّ أبا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرّاحِ كَتَبَ إلى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ يَذْكُرُ لَهُ جُمُوعًا مِنَ الرُّومِ وما يَتَخَوَّفُ مِنهم، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: أمّا بَعْدُ: فَإنَّهُ مَهْما يَنْزِلْ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِن مَنزِلِ شِدَّةٍ يَجْعَلِ اللَّهُ بَعْدَهُ فَرَجًا، وإنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ“ .
فدلّ ذلك أن الآية غير خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم بل تعمّه وأمته.



المصادر:
جامع البيان – الطبري
التحرير والتنوير - ابن عاشور.
معالم التنزيل – البغوي.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز – ابن عطية
كتاب الكشاف للزمخشري.
فتح القدير للشوكاني
أحسنتِ بارك الله فيكِ.
- احرصي وفقكِ الله على الربط بين عناصر الرسالة بأسلوبك لئلا تكون مجرد تلخيص لمسائلها.
الدرجة: ب+
تم خصم نصف درجة للتأخير

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:46 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir