دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #14  
قديم 23 ربيع الأول 1438هـ/22-12-2016م, 03:55 AM
مريم أحمد أحمد حجازي مريم أحمد أحمد حجازي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
المشاركات: 308
افتراضي

*بسم الله الرحمن الرحيم *
قال تعالى : } بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيْرَةٌ * وَ لَوْ أَلْقَى معاذيره { ] القيامة:11[
إن الحمد لله، نحمده و نستعينه ،ونستغفره ،ونستهديه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا، و من سيئات أعمالنا ،من يهده الله فلا مضل له، و من يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له . و أشهد أن محمدًا عبده و رسوله .....................أما بعد :
لنسمع و نتأمل قول الله جلّ و علا في هذه الآية الكريمة ‘ التي تتضمن مع قلة الكلمات المذكورة فيها معانٍ عظيمة ؛ قال تعالى : } بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَو أَلقَى مَعَاذِيرَهُ {
الإنسان على نفسه بصيرة ، كل إنسان منا على نفسه بصيرة ، ليس هذا فحسب بل قال بعدها
و لو ألقى معاذيره . سنذكر بمشيئة الله :
*ما المراد بالبصيرة ؟ كيف يكون الإنسان على نفسه بصرة ؟ ما المراد بالمعاذير ؟
مع ما ييسره الله من المعاني المندرجة تحت هذه النقاط
أولاً : ذكر أهل العلم في المراد ( بالبصيرة ) عدة أقوال :
- سمعه و بصره و يداه و رجلاه و جوارحه ، رواه الطبري و غيره عن ابن عباس
وقال ابن قتيبة : فلما كانت جوارحه منه أقامها مقامه . فالمعنى : جوارحه تشهد عليه بما عمل ، كما قال تعالى : } يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم و أرجلهم بما كانوا يعملون { - أن يكون (بصيرةٌ) بمعنى : مبصر شديد المراقبة ؛ أي : الإنسان شاهد على نفسه وحده بعمله عدي بحرف (على) لتضمنه معنى المراقبة ، و هو معنى قوله تعالى : } اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا { و هاء (بصيرة ) للمبالغة مثل هاء : علامة ،و نسابة أي :الإنسان عليمٌ بصيرٌ قويُّ العلم بنفسه يومئذ . رواه الطبري عن ابن عباس و ابن زيد و قتادة و غيرهم وروى الشوكاني عن الأخفش قال : جعله هو البصيرة كما تقول للرجل : أنت حجة على نفسك . و ما أجمل ما ذكره القاسمي في محاسن التأويل عن القاشاني : ( بصيرةٌ) حجّة بينة ، يشهد بعمله ، لبقاء هيئات أعماله المكتوبة في نفسه ، و رسوخها في ذاته ، فلا حاجة أن ينبأ من خارج . و جعل الحجة بصيرة لأن صاحبها يبصرها .أي كما قال الحسن : بصير بعيوب نفسه . -و قيل : الكاتبان اللذان يكتبان ما يكون منه من خير و شر , رواه ابن عطية عن ابن عباس و ذكره الشوكاني في تفسيره .
و نلاحظ أن المراد بالبصيرة يحتمل جميع المعاني المذكورة :
إن هذه الآية جاءت في سياق الكلام عن وصف يوم القيامة ، هذا اليوم العظيم الذي سيحاسب الله تعالى فيه عباده لتمام حكمته و عدله و رحمته و قدرته ، فلو تأمل من ينكر البعث و الجزاء قليلاً بعقله لعلم أن هذا اليوم حق ، و أن هذا الكون البديع في خلقه و صنعته بما اشتمل من المخلوقات الكثيرة المبهرة ؛ لم يكن ليوجد عبثًا بدون حكمة أو غاية ، يظلم الظالم و يقتل القاتل و يسرق السارق ثم يموتون و يموت المظلومون المقهورون ؛ و لا حساب و لا جزاء. و الله إن العقول لتأبى ذلك و ترده و لا ينكره إلا جاحد مكابر معاند للحق .إذًن : إذا علمنا يقينًا أنّا مبعوثون محاسبون على أعمالنا و أقوالنا ، بل في هذا اليوم سيكون علينا بصائر من أنفسنا تشهد علينا ، من أنفسنا قبل أي شئ آخر ؛ جوارحنا ، جلودنا ،فتأمل قوله تعالى في سورة فصلت : } حتّى إذَا ما جآءُوها شَهدَ عَلَيهِمْ سَمْعُهُمْ و أبْصَارُهُمْ و جُلُودُهُمْ بِما كانوا يَعمَلُونَ *و قَالوا لِجُلُدِهمْ لِمَ شَهِدتُّم عَلَيْنَا قَالوا أنْطَقَنَا اللهُ الَّذِى أَنْطَقَ كُلَّ شيءٍ و هُوَ خَلَقَكُم أوَّلَ مَرَّةٍ و إلَيْهِ تُرْجَعُونَ { فالله تعالى يختم على الأفواه عندما ينكر الإنسان عمله بل و يحلف على ذلك و يطلب شاهد فيختم الله على أفواههم و ينطق عزّ و جلّ يده التي بطش بها ، و رجله التي مشى بها ، ينطق جلده ، فلا يستطيع بعدها أن يتكلم أو يكذّب ، فيقول كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم : عنكن كنت أناضل ، فتأمل قوله تعالى في تتمة الآيات السابقة : } وَ مَا كُنْتُم تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُم سَمْعُكُمْ ولآ أَبْصَارُكُم و لاَ جُلُودُكُمْ و لَكِنْ ظَنَنْتُمْ أنَّ اللهَ لا يَعلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ{
(ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون) إن الله عزّ و جلّ عدلٌ سبحانه ، ما عذّب الكافرين إلا لاستحقاقهم العذاب ، طلبوا شهودًا و نسوا أن الله العظيم كامل الصفات الذي يعلم السرّ و أخفى ، الذي يتساوى في علمه الخفي و الجلي سبحانه ، أنه رآهم و سمعهم و علم ما في سرائرهم و جميع أحوالهم ، و أنّه كفى به شهيدًا سبحانه و تعالى . نسوا بل تناسوا أنهم هم يعلمون في داخل أنفسهم حقّ العلم عندما يكذبون و يحلفون أنهم ما فعلوا و ما فعلوا.... أنهم كاذبون
فتأمل يا رعاك الله كيف يخبرنا تعالى و يحذرنا مما سيكون يوم القيامة حتى نتذكر و نحيي القلوب بآياته العظيمة فنستشعر مراقبة الله تعالى و أنه يرانا و يعلم جميع أحوالنا و أنّا ميتون و مبعوثون ليوم نحاسب فيه و يكون هذا المشهد الذي ذكر حقيقة ، و هي قريبة قادمة ....... فعلينا التبصر بما يصلح دنيانا و آخرتنا و تسخير ما رزقنا الله من أجسادنا و أرواحنا و كل طاقاتنا وأملاكنا لما خلقنا لأجله ألا و هو طاعة الله عزّ و جلّ . إن ما سبق في التعامل مع أنفسنا لتكون لنا بصيرة شاهدة لنا لا علينا يوم لا ينفع مال و لا بنون و وليّ و لا حميم
*و لنا فائدة و وقفة أخرى في هذه الآية و هي : قول قتادة في تفسير هذه الآية فيما رواه الطبري
قال : إذا شئت – والله- رأيته بصيرًا بعيوب الناس و ذنوبهم غافلاً عن ذنوبه ، و كان يقال : إن في الإنجيل مكتوبًا : يا ابن آدم ،تبصر القذاة في عين أخيك، و تترك الجِذل في عينك لا تبصره .و الجذل : الجذع
و هذه في التعامل مع الغير ، فياله من معنى رائع و مفيد لمن تأمله : بصيرًا بعيوب الناس و غافل عن عيوبه" فكم يحدث هذا الخلق الذميم من مساوئ في المجتمع الإسلامي ؛ من تفرقة ،و بغض يحصل بين الناس بسبب: تتبع عيوبهم و مساوئهم و الكلام عليهم و قد يصل إلى الاستهزاء بهم والكثير من التبعات السيئة لهذا الفعل ، وخاصة في زماننا مع كثرة وسائل الاتصالات الحديثة . و الحقيقة أنّ علينا أن نعكس ذلك فيكون : أن نبصر عيوبنا و نغفل عن عيوب غيرنا ؛ هذه الحقيقة و هذا ما أمرنا الله به ، فلو كلّ إنسان فعل ذلك اشتغل على نفسه يصلحا لكنا مجتمعًا صالحًا و متحابًا مترابطًا . و كم يوجد في السيرة و عن السلف ما يحمل الكثير من هذه المعاني التي لا يتسع المقام لذكرها ، فعلينا تدبر هذا و العمل به جاهدين سائلين الله التوفيق و السداد و الرشاد .
ننتقل الآن إلى الآية التالية و الكلام عن المراد بالمعاذير :
إن الإنسان عليه بصيرة على أفعاله فلن تقبل معاذيره و قيل في المعاذير أقوال :
الأول : الأعذار ، جمع عذر ؛ أي : و لو اعتذر و جادل عن نفسه بالقول مما قد أتى من المآثم ، و ركب من المعاصي ، و جادل بالباطل فعليه من يكذب عذره و لن ينفعه ذلك و هو قول أكثر السلف مثل : مجاهد و قتادة و سعيد ابن جبير و ابن زيد و أبو العالية و مقاتل وغيرهم و عليه أكثر المفسرين و هو اختيار الطبري و ابن كثير
و مثله قوله تعالى : }يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم { و قوله : } و لا يؤذن لهم فيعتذرون {و قول الشاعر : فما حسن أن يعذر المرء نفسه و ليس له من سائر الناس عاذر
الثاني : المعاذير جمع معذار ، و هو الستر ، و المعاذير الستور ، و الستر بلغة اليمن يقال له : معذار قاله الضحاك و السدي فيما رواه الطبري ، أي : و لو أرخى الستور و غلّق الأبواب . فيخرج في معنى (ألقى) قولان : 1-قال ، و منه : } فألقوا إيهم القول{ على القول الأول
2- أرخى ، على القول الثاني
قال الطبري أولى الأقوال معناه : و لو اعتذر لأن ذلك أشبه المعاني بظاهر التنزيل .
فإن الإنسان لو جادل عن نفسه يوم القيامة و اعتذر بغير الحق ، فشهادة نفسه عليه أحق من اعتذاره بالباطل . قال القاسمي في محاسن التأويل : فيه إشارة إلى أن ما عليه المشركون من الشرك و عبادة الأوثان و إنكار البعث منكر باطل ، تنكره قلوبهم ، و أنهم في دفاعهم يجادلون بالباطل ، و لا غرو أن ينكر القلب ما تدفعه الفطرة السليمة ، و الدين دين الفطرة . الكافر يعلم يومئذٍ أعماله التي استحق العقاب عليها ، و يحاول أن يعتذر و هو يعلم أن لا عذر له و لو أفصح عن جميع معاذيره .
من فائد هذه الآية العظيمة :
*اسعى في تفتيش عيوبك و التخلص منها على قدر طاقتك ‘ فإن هذا من جهاد النفس المحمود و لا تركن إلى عيوبك أو أخطائك بأن يزينها الشيطان لك بحجة أنك نشأت عليها ، أو اعتدت عليها ، فلا أحد من الناس أعرف منك بنفسك و ما فيها من العيوب .
* عليك أن تدرك حقيقة أنه لا أحد يعرفك أكثر من نفسك ؛ فإن مدحك المادحون و أثنى عليك المثنون ، فهل ستجد في نفسك شيئًا من المسّرة و ليس فيك ما مدحت به ؟ أم أنك لن تغتر بمدحهم بما ليس فيك؟ و هل يا ترى إن ذمك أحدهم أو انتقصك و لو شيئًا يسيرًا ،فهل ستجد في نفسك ضيق و حزن؟ إن من عرف نفسه لم يغتر بمدح ، و لن يتضرر بذم .*ومن أعظم الفوائد اعتراف العبد بالذنب و الخطأ فإنه مقام الأنبياء و الصديقين و الصالحين فمن اعترف بذنبه تاب منه و تركه و لم يستكبر . # و ختامًا : اجعل لنفسك بصيرة في الدنيا تهديك و ترشدك إلى الصراط المستقيم الذي يحبه الله تعالى و رسوله الموصل لرضى الله و جنات النعيم . نسأل الله سبحانه التوفيق و الهداية و البصيرة في الخير كله .
هذا و الله أعلم و الصلاة و السلام على نبينا محمد
**المراجع :
*جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ت(310 هـ)
*المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية ت(542هـ)
*التحرير و التنوير لابن عاشور ت ( هـ13903)
*معاني القرآن و إعجازه للزجاج ت (311 هـ)
*تفسير القرآن العظيم لابن كثير ت(774 هـ)
*فتح القدير للشوكاني ت (1250هـ)
*فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق بن حسن القنوجي البخاري
*زاد المسير لابن الجوزي
*محاسن التأويل للقاسمي ت (1332هـ)
*موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور (المجلد الرابع)
*أضواء البيان للشنقيطي
*تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للعلامة عبد الرحمن السعدي
*التفسير الموضوعي
*الدر المصون في علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبي ت(756هـ)

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:02 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir