881- وعن جَابِرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ ـ قالَ: كُنَّا مَعَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في غَزْوَةٍ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ، فقالَ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلاً ـ يَعْنِي عِشَاءً ـ لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وتَسْتَحِدَّ المُغِيبَةُ)). مُتَّفَقٌ عليهِ.
وفي روايةٍ للبُخاريِّ: ((فَإِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الْغَيْبَةَ، فَلاَ يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلاً)).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مُفرداتُ الحديثِ:
- أَمْهِلُوا: انْتَظِرُوا، ولا تَسْتَعْجِلُوا.
- عِشَاءً: بكسرِ العينِ: الظلامُ، أو مِن صلاةِ المَغْرِبِ إلى العَتَمَةِ.
- تَمْتَشِطَ: مَشَطَتِ المرأةُ شَعَرَها بالمِشْطِ: سَرَّحَتْهُ، والمِشْطُ بالكسرِ: آلةٌ يُمْشَطُ بها، جَمْعُها أمشاطٌ.
- الشَّعِثَةُ: بفتحِ الشينِ، وكسرِ العينِ، معناه: التي انْتَشَرَ شَعَرُها وتَفَرَّقَ.
- تَسْتَحِدَّ: بسينٍ وحاءٍ مُهْمَلَتَيْنِ، أي: تُزِيلَ المَرْأَةُ الشَّعَرَ المَرْغُوبَ في إزالتِه بالحديدةِ، أو بأيِّ وسيلةٍ أُخْرَى.
- المُغِيبَةُ: بضمِّ الميمِ، وكسرِ المُعْجَمَةِ، ثمَّ مُثنَّاةٍ تَحْتيَّةٍ ساكنةٍ، فمُوحَّدَةٍ مَفْتوحةٍ، هي التي غابَ عنها زَوْجُها.
- فلا يَطْرُقْ أَهْلَهُ ليلاً: قالَ أهلُ اللُّغَةِ: الطُّرُوقُ المَجِيءُ بالليلِ من سَفَرٍ وغيرِه على غَفْلَةٍ، فذَكَرَ الليلَ من بابِ التَّبْيِينِ والتأكيدِ.
* ما يُؤْخَذُ من الحديثِ:
1- هذا الحديثُ فيه تَوْجِيهٌ نَبَوِيٌّ كريمٌ، في كَيْفِيَّةِ مُقابَلَةِ الزوجةِ لزوجِها والحالِ التي يَحسُنُ أنْ يَرَاها عليها.
وذلك أنَّ الزوجةَ إذا غَابَ عنها زَوْجُها قدْ تُهْمِلُ نَفْسَها، فتَكُونُ شَعِثَةَ الرأْسِ، قَلِيلَةَ العنايةِ بنَظافَةِ بَدَنِها، فتَكْرَهُ أنْ يُفاجِئَها زَوْجُها على هذا الحالِ، وتَوَدُّ أنْ تَسْتَعِدَّ لمَقْدَمِه عليها على أحْسَنِ هَيْئَةٍ، فأمَرَ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الغُزاةَ مَعَه إذا قَرُبوا من المدينةِ المُنوَّرَةِ، وعُلِمَ بقُربِهم ألاَّ يَدْخُلوا بُيوتَهم حتى تَسْتَعِدَّ لهم نِساؤُهم لاستقبالِهم بالحالةِ اللائقةِ بمُقابَلَةِ الزوجةِ لزَوْجِها الغائِبِ.
2- وهذا التوجيهُ الكريمُ، والتعظيمُ الحكيمُ، معَ ما في أَثَرِه من مُتْعَةٍ حِسِّيَّةٍ بينَ الزوجيْنِ، فإنَّ فيه بقاءً للعِشْرَةِ الكريمةِ، وتمامَ انسجامٍ ووئامٍ، فإنَّ كُلاًّ من الزوجيْنِ إذا رَأَى مِن الآخَرِ ما يَسُرُّه، ويُمَتِّعُ نَفْسَه، تَزْدَادُ رَغْبَتُه، وتَنْمو مَحَبَّتُه، فتَطُولُ الحياةُ الزوجيةُ بسعادةٍ وهناءةٍ، وقدْ أباحَ لها الشارِعُ من اللِّباسِ ما هو مُحَرَّمٌ على الرجالِ، وهو لُبْسُ الحريرِ، والتحلِّي بمَصاغِ الذهَبِ والفِضَّةِ.
3- الأفضلُ للرجُلِ الغائِبِ أنْ يُعْلِمَ أهلَه بقُدومِه عليهم، بوَعْدٍ مُحدَّدٍ من ليلٍ أو نهارٍ، والآنَ ـ والحمدُ للهِ ـ سَهُلَتِ الاتصالاتُ، فبإمكانِه تَحْدِيدُ الساعةِ التي سَيَقْدَمُ فيها، بوَاسِطَةِ الهَواتِفِ، وغيرِها مِن وسائلِ الاتصالاتِ.
4- إنَّ هذهِ الآدابَ النبوِيَّةَ هي مِن حُسْنِ العِشْرَةِ، ومُراعاةِ الأحوالِ، والإشعارِ بمَدَى الاهتمامِ، مِمَّا يَزِيدُ في المَحَبَّةِ والمَوَدَّةِ.
5- ظاهِرُ الرِّوايَتَيْنِ التَّعارُضُ، وجَمَعَ بينَهما الحافظُ في (فتحِ الباري) فقالَ: الجَمْعُ بينَهما: أنَّ الأمرَ بالدخولِ ليلاً لمَن أَعْلَمَ أهلَه بقُدومِه فاسْتَعَدُّوا له، والنهْيَ لمَن لَمْ يَفْعَلْ ذلك.