(1) يعني: تَنَاقَلُوها وتَوَارَثُوها، وهكذا مَن بعدَهم, شُبُهَاتِ المشركينَ الأوَّلِينَ، وشُبُهَاتِ الجَهْمِيَّةِ والمُعْتَزِلَةِ تَنَاقَلَها مَن بعدَهم، وتَوَارَثُوها وشبَّهوا بها. والعِصْمَةُ - مِثلَمَا تَقَدَّمَ - التَّمَسُّكُ بكتابِ اللَّهِ وسنَّةِ رسولِه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، والحَذَرُ مِن هذه التأويلاتِ والشُّبُهَاتِ التي أوْرَدَها هؤلاء، وشَبَّهوا بها على النَّاسِ حتى ضَلَّ بها كثيرٌ مِن النَّاسِ.
والواجبُ هو ما جاءَ به المُصْطَفَى عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ مِن وُجُوبِ إثباتِ صفاتِ اللَّهِ وأسمائِه، وإِمْرَارِها كما جاءَتْ في القرآنِ العظيمِ والسنَّةِ المُطَهَّرَةِ على الوجهِ اللائقِ باللَّهِ سبحانه وتعالى، مِن غيرِ تحريفٍ , ولا تعطيلٍ , ولا تَكْيِيفٍ , ولا تَمْثِيلٍ، بل على مُقْتَضَى قولِه سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
فجميعُ صفاتِه سبحانه لا يُشَابِهُه فيها خَلْقُه، بل هو مُنَزَّهٌ عن مُشابهةِ خَلْقِه، وهي حقٌّ , وتُثْبَتُ له سبحانه على وجهِ الكمالِ الذي لا يَعْتَرِيه نقصٌ بوجهٍ من الوجوهِ، خلافاً لما تَأَوَّلَتْه الجَهْمِيَّةُ والمُعْتَزِلَةُ وأشباهُهما.
(2) وما ذلك إلا لأنَّ هؤلاءِ تَكَلَّمُوا بكلامٍ يُخَالِفُ نصَّ كتابِ اللَّهِ وسنَّةِ رسولِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلهذا كَفَّرَهم الأئِمَّةُ، وضَلَّلُوهم وبَدَّعُوهم، وهمُ الجَهْمِيَّةُ نُفاةُ الصفاتِ، ونُفاةُ الأسماءِ، ولهذا كَتَبَ فيهم الأئمةُ كعثمانَ بنِ سعيدٍ الدَّارِمِيِّ، وأحمدَ بنِ حَنْبَلٍ، وغيرِهم ممَّن كَتَبَ في هذا البابِ للردِّ على هؤلاءِ المُجرمينَ، فالمقصودُ بهذا النصحُ للهِ ولعبادِه، وبيانُ ما أبْطَلُوا فيه، وما وَقَعُوا فيه مِن الفسادِ الذي أضَلُّوا به النَّاسَ.