دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الواسطية

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #8  
قديم 22 ذو الحجة 1429هـ/20-12-2008م, 06:20 PM
فاطمة فاطمة غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 758
افتراضي نبيهات السنية للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الرشيد

( فصلٌ: وقَدْ دَخَلَ في ذلكَ الإِيمَانُ بأَنَّهُ قَريبٌ [ من خلقهِ ] مُجيبٌ؛ كَمَا جَمَعَ بينَ ذلكَ في قَوْلِهِ: ( وإِذا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فإِنِّي قَرِيبٌ … ) الآية.(143)
وقولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إِنَّ الَّذي تَدْعونَهُ أَقْرَبُ إِلى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ راحِلَتِه)).
وَمَا ذُكِرَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ مِنْ قُرْبهِ ومعيَّتِه لا يُنافي ما ذُكِرِ مِن عُلوِّهِ وفوقيَّتِه؛ فإِنَّهُ سبحانَهُ ليسَ كَمِثْلِهِ شيءٌ في جَميعِ نُعوتِه، وهُو عَليٌّ في دُنُوِّهِ، قريبٌ في عُلُوِّه ).(144)

(143) فَصلٌ
قولُه: (وقد دَخلَ في ذَلِكَ) أيْ: في الإيمانِ باللَّهِ بأنَّه قريبٌ مجيبٌ كما جمعَ بين ذَلِكَ في الآيةِ والحديثِ. وسببُ نزولِ الآيةِ أنَّ أعرابِيًّا قال: يا رسولَ اللَّهِ، أقريبٌ ربُّنا فنُناجِيه أَمْ بعيدٌ فنُنادِيه؟ فسَكَتَ النَّبيُّ –صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- فأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيةَ. رواهُ ابنُ أبي حاتمٍ وابنُ جريرٍ، وروى الإمامُ أحمدُ عن أبي موسى قال: كُنَّا مع رسولِ اللَّهِ –صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- في غزوةٍ، فجَعَلْنا لا نَصْعَدُ شَرَفاً ولا نَعْلُو شَرَفاً ولا نَهبِطُ واديًا إلا رَفَعْنا أصواتَنا بالتَّكبيرِ، قال: فدَنَا منا فقال: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ ولا غَائِباً، إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا، إنَّ الَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ، يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَةَ كُنُوزِ الجَنَّةِ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ)) خَرَّجاهُ في "الصَّحيحَيْنِ" وبقيَّةُ الجماعةِ.
قولُه: (ارْبَعُوا) بهمزةِ وصْلٍ وبفتحِ الباءِ الموحَّدةِ، معناه ارْفُقوا بأنْفُسِكم، واخفِضوا أصواتَكم، فإنَّ رَفعَ الصَّوتِ إِنَّما يَفعَلُه الإنسانُ لبُعدِ مَن يخاطِبُه ليَسمَعُه، وأنتم تَدْعُونَ اللَّهَ، وليس هُوَ بأصمَّ ولا غائبا، بل هُوَ سميعٌ قريبٌ. ففيه النَّدبُ إلى خفضِ الصَّوتِ بالذِّكْرِ إذا لم تَدْعُ حاجةٌ إلى رَفعِه، فإنَّه إذا خفَضَه كان أبلغَ في تَوقِيرِه وتعظيمِه، فإنْ دَعَت الحاجَةُ إلى الرَّفعِ رَفَعَ كما جاءتْ به أحاديثُ، كما في التَّلبِيةِ وغيرِها، فقد وَرَدَ الشَّرْعُ برَفعِه فيها.
قولُه: (هُوَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ) المرادُ به قُربُ الإحاطةِ والعِلمِ، كما في قولِه: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) انتهى. نَووِيٌّ.
ومِن أسمائِه -سُبْحَانَهُ- القريبُ، وقُربُه -سُبْحَانَهُ- نوعانِ:
قُربٌ عامٌّ، وهُوَ إحاطةُ عِلمِه بجميعِ الأشياءِ كما في الحديثِ المتقَدِّمِ، وقولُه سُبْحَانَهُ: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ). وقيل: إنَّ المرادَ قُربُ ملائكَتِه منه، وأضافَ ذَلِكَ إلى نَفْسِه بِصيغةِ الجمعِ على عادةِ العظماءِ في إضافةِ أفعالِ عَبيدِها إليها، ورَجَّحَه ابنُ القيِّمِ، واختارَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ.
الثَّاني: قُرْبٌ خاصٌّ، ويَنقَسِمُ إلى قِسمَيْنِ: قُربُه مِن داعِيه بالإجابةِ، وقُرْبُه مِن عابِدِه بالإثابةِ، فالأوَّلُ: كقولِه: (وإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي) الآيةَ. ولهَذَا نَزَلَتْ جوابًا للصَّحابةِ، وقد سألوا رسولَ اللَّهِ: أقريبٌ ربُّنا فنُناجيهِ أَمْ بعيدٌ فنُناديه؟ والثَّاني: كقولِه –صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: ((أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، وَأَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ عَبْدِهِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ)). فهَذَا قُربُه مِن أهلِ طاعَتِه، وأمَّا حديثُ أبي موسى المتقدِّمِ ففيه القُربُ الخاصُّ بالدَّاعِينَ دعاءَ العِبادةِ والثَّناءِ، وهَذَا القُربُ لا يُنافي كمالَ مبايَنَتِه –سُبْحَانَهُ- لخَلقِه واستوائِه على عرشِه، بل يجامِعُه ويُلازِمُه، فإنَّه ليس كقُربِ الأجسامِ بعضِها مِن بعضٍ، تعالى اللَّه عن ذَلِكَ عُلُواًّ كبيرًا، ولكنَّه نوعٌ آخَرُ.
قال ابنُ القيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في (المدَارجِ) على قولِه: وأنتَ الباطنُ فليسَ دُونَكَ شَيءٌ، قال: فهَذَا قُربُ الإحاطةِ العامَّةِ، وأمَّا القُربُ المذكورُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ فقُربٌ خاصٌّ مِن عابِديه وسائلِيه وداعِيه، وهُوَ مِن ثمرةِ التَّعبُّدِ باسِمه الباطنِ، قال تعالى: (وإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فإِنَّي قَرِيبٌ) الآيةَ، وفي الصَّحيحِ: ((أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وهُوَ سَاجِدٌ)). فهَذَا قُربٌ خاصٌّ غيرُ قُربِ الإحاطةِ وقُربِ البُطونِ. انتهى.
قولُه: (مجيبٌ) أي: المجيبُ لدُعاءِ الدَّاعِينَ وسؤالِ السَّائلِينَ، وإجابَتُه -سبحانَهُ وتعالَى- نوعانِ:
(الأوَّلُ) إجابةٌ عامَّةٌ لِكُلِّ مَن دَعاه دُعاءَ عِبادةٍ أو دُعاءَ مسألةٍ، كما قال: (وَقَالَ رَبُّكُـمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ). فهَذَا يَقعُ مِن البَرِّ والفاجرِ، ويَستجيبُ اللَّهُ –سُبْحَانَهُ- لِكُلِّ مَن دعاهُ بحسَبِ الحالِ المقتضِيَةِ، وبحسَبِ ما تقتضيه حِكمتُه سُبْحَانَهُ، وهَذَا مما يُستَدَلُّ به على كَرَمِ المَوْلَى –سُبْحَانَهُ- وشُمولِ إحسانِه، ولا يَدلُّ على حُسْنِ حالِ الدَّاعي إنْ لم يَقْتَرِنْ بِذَلِكَ ما يَدلُّ عليه، كسؤالِ الأنبياءِ ودُعائِهم على قَومِهم ولِقومِهم فيجيبُ –سُبْحَانَهُ- فإنَّه يدلُّ على صِدقِهم فيما أخَبْروا به، وكرامِتهم على اللَّهِ -سُبْحَانَهُ- وتعالى.
(الثَّاني) إجابةٌ خاصَّةٌ، ولها أسبابٌ عديدةٌ، منها دعوةُ المضْطرِّ، قال اللَّهُ –سُبْحَانَهُ-: (أمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) ومِن أسبابِها: طُولُ السَّفَرِ والتَّوسُّلُ إلى اللَّهِ -سُبْحَانَهُ- بأَحَبِّ أسمائِه وصِفاتِه ونِعَمِه، وَكَذَلِكَ دَعوةُ المريضِ والمظلومِ والصَّائمِ والوالدِ على ولَدِه أو له، وفي الأوقاتِ والأحوالِ الفاضِلةِ، وفيما تَقدَّمَ دليلٌ على أنَّ الدُّعاءَ مِن أقوى الأسبابِ في جَلْبِ المنافِعِ ودَفْعِ المَضارِّ، وفيه الرَّدُّ على مَنْ زَعَم مِن المتصوِّفَةِ وأتباعِهم أنَّ الدُّعاءَ لا يَنفعُ، وقولُهم باطلٌ مردودٌ بأدِلَّةِ الكِتابِ والسُّنَّةِ المتواتِرةِ، والعقلِ، وتجاربِ الأُمَمِ، وفيه أنَّ الدُّعاءَ يُطلَقُ على السُّؤالِ والطَّلَبِ، ويُطلَقُ على العِبادةِ، فالدُّعاء معناه لغةً: السُّؤالُ والطَّلَبُ، وينقسِمُ إلى قسمينِ: دُعاءُ عبادةٍ ودُعاءُ مسألةٍ، فدُعاءُ المسألةِ "هُوَ طَلَبٌ ما يَنفعُ الدَّاعي مِن جَلْبِ نفعٍ أو دَفعِ ضُرٍّ، وأمَّا دعاءُ العبادةِ فهُوَ سائرُ العباداتِ مِن تسبيحٍ وتهليلٍ وتكبيرٍ وصلاةٍ وغيرِ ذَلِكَ؛ لأنَّ العابِدَ سائلٌ في المعنى، فيكونُ داعيًا عابدًا.

(144) قولُه: (وما ذُكِرَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ مِن قُربِه لا يُنافي ما ذُكِرَ مِن عُلُوِّه وفوقِيَّتِه). فإنَّ عُلُوَّه -سُبْحَانَهُ- مِن لوازِمِ ذاتِه، فلا يكونُ قطُّ إلا عاليًا، ولا يكونُ فوقَه شيءٌ ألْبتَّة، كما قال أَعْلمُ الخَلقِ بربِّه: ((وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ)). فهُوَ -سُبْحَانَهُ- قريبٌ في عُلُوِّه عالٍ في قُربِه، فأخبَرَ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- أنَّه أَقْربُ إلى أحِدِهم مِن عُنُقِ راحلِتِه، وأخبَرَ أنَّه فوقَ سماواتِه على عرشِه مطَّلِعٌ على خَلقِه يرى أعمالَهم، وهَذَا حقٌّ لا يُناقِضُ أحدُهما الآخَرَ، والذي يُسَهِّلُ عليكَ فَهْمَ هَذَا معرفةُ عظمَتِه -سُبْحَانَهُ- وإحاطتِه بخَلقِه، وأنَّ السَّماواتِ السَّبعِ في يدِه كخَردلَةٍ في يدِ العبدِ، فكَيْفَ يَستحِيلُ في حقِّ مَن هَذَا بعضُ عظمَتِه أنْ يكونَ فوقَ عرشِه، ويَقُربُ مِن خَلقِه كَيْفَ شاءَ وهُوَ على العرشِ. انتهى. مِن "الصَّواعِقِ".
قولُه: (في دُنُوِّه) أي: قُرْبِهِ.
قولُه: (في نُعوتِه) أي: في صفاتِه، فالوصْفُ والنَّعتُ مترادِفانِ، وقيل متقارِبانِ، فالوصفُ للذَّاتِ والنَّعتُ للفِعِل.


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الإيمان, بقرب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:41 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir