شرح دروس البلاغة لفضيلة الشيخ: محمد الحسن الددو الشنقيطي (مفرغ)
ثم قال الكلام على الإنشاء , انتهينا إذن من القسم الأول وهو الخبر , ونصل للقسم الثاني وهو الإنشاء قال: " الإنشاء إما طلبي أو غير طلبي" , "الإنشاء إما طلبي " معناه إنشاء يقصد به الطلب , يقصد به صاحبه طلب شيء له , " أو غير طلبي " وهو الإنشاءات الأخرى التي تسمى بالإيقاعات , الإيقاعات كالبيوع والعقود , أعطيتك ,وهبت لك ,اشتريت منك , ونحو هذا , فهذا النوع يسمى بالإيقاعات الصوتية.
القسم الأول: هو الذي يتكلم عنه البلاغيون حقيقة , وهو الإنشاء الطلبي , وهو أنواع كثيرة , قال: " فالطلبي ما يستدعي مطلوبا غير حاصل وقت الطلب " الطلبي: هو الذي يستدعي به صاحبه أي: المتكلم به.مطلوبا: أي أمرا يرغب فيه ،غير حاصل؛ لأن الحاصل لا يطلب تحصيله فهو تحصيل حاصل , وقت الطلب , وغير الطلبي ما ليس كذلك , ما لا يطلب به صاحبه شيئا وإنما يقبل به.. يحدث به أمرا , والأول يكون بخمسة أشياء , الواقع أنه أكثر من خمسة, كما سترون:
أولا: الأمر وهو طلب الأعلى من الأدنى {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} هذه أوامر من الأعلى , من العلي الأعلى سبحانه وتعالى لعباده , فهذا أمر , هذا النوع يسمى أمرا , وهو طلب الأعلى من الأدنى.
وضده الدعاء , وهو طلب الأدنى من الأعلى , {ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا} هذا طلب الأدنى وهو المخلوق من الأعلى وهو الخالق سبحانه وتعالى.
والثالث: الالتماس , وهو طلب المساوي من مساويه , إذا قلت لك: أعطني هذا القلم , فهذا ليس أمرا ولا دعاء , وإنما هو التماس؛ لأنه طلب الند من نده , والمساوي لمساويه.
والنهي: وهو ضد الأمر كذلك , فهو طلب الكف من الأعلى إلى الأدنى {فلا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا} , {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} , هذا طلب الكف , أي: طلب الترك من الأعلى إلى الأدنى, وعكسه كذلك من الدعاء؛لأن الدعاء ينقسم إلى قسمين: إثبات أو نفي ,فالدعاء بالإثبات:{ربنا اغفر لنا} ,والدعاء بالنفي:{ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} , فالدعاء يكون بالإثبات وبالنفي, فالدعاء إذن قسمان , والنهي قسم واحد , فالدعاء يقابل الأمر ويقابل النهي.
والاستفهام: وهو طلب الفهم , الاستفهام طلب الفهم ، بل أنت لماذا أتيت؟ ,متى أتيت ؟ هذا كلهطلب للفهم , فيسمى استفهاماً.
والتمني:وهو طلب حصول أمر لا يمكن حصوله أو يتعذر حصوله , ليت الشباب يعود , ليت زيدا يحيا بعد أن مات في الدنيا , فهذا طلب ميؤوس منه يسمى تمنيا.
أما طلب المرجو فيسمى توقعا أو رجاء.
والنداء: وهو طلب الإقبال بأحرف مخصوصة , يا زيد , يا عبد الله ، {يا أيها الذين آمنوا} , {يا أيها الناس} , {يا أيها الإنسان} هذا كله نداء.
كذلك التحضيض, مثل: هلا فعلت كذا.
والتوبيخ أيضا: وهو ضده , كلا لا تفعل , {كلا لا تطعه}.
والعرض أيضا: مثل: {ألا تأكلون} , { قال ألا تأكلون} هذا يسمى عرضاً , وهو قسم من أقسام الطلب , أقسام الإنشاء الطلبي , قد نظم بعضهم أكثر هذه الأقسام في بيت واحد فقال:
دعا نهيا استفهاما أمرا تمنيا ...... وعرضا وتحضيضا معا شمل الطلب
هذه سبعة أقسام ، وبقي عليه بعضها:
دعا نهيا استفهاما أمرا تمنيا ...... وعرضا وتحضيضا معا شمل الطلب