المقال الثاني
مقتطف من مقال : ( المحرومون من السعادة )
الكاتب : د. محمد فريد .
*~*~*~*~*~*~*
وسائل للحصول على السعادة :
1- ابحث عن أسباب مشكلتك .. لتصل إلى حلها :
لا علاج دون معرفة الأسباب .. ولهذا فاجعل سلاحك في كل مشكلة أن تسأل :ماذا : وصف المشكلة بوضوح .
لماذا : البحث عن الأسباب بتجرد .
كيف : معرفة الكيفية التي تظهر بها المشكلة من جوانبها المختلفة .
متى : تحديد الزمن الذي تظهر فيه المشكلة .
أين : تحديد المكان الذي تظهر فيه المشكلة .
2- إذا كنت أنت المسئول عن إشقاء نفسك .. فأنت المسئول عن إسعادها :
إذا كانت السعادة والشقاء من عمل العقل ، فأنت القادر على إسعاد نفسك وإشقائها بتغيير وجهة تفكيرك في الظروف المحيطة بك . يمكنك أن تحزن أو تسعد لموقف واحد ، فقد سعد خبيب بن عدي رضي الله عنه بمقتله ، لأنه نظر إليه باعتباره شهادة في سبيل الله . بينما يشقى الكثيرون بثرائهم المادي .. وينتحرون .
ولكي تصل إلى ذلك : اكسر صندوق أفكارك الشقية .. فالعالم أرحب من كل تصوراتنا عنه .
3- ابحث عما تؤمن به :
لا حياة دون إيمان ، ومن ظن أنه يعمل دون أن يجد ما يؤمن به فهو واهم . وليس الإيمان ما وجدت عليه آباءك وإنما ما طلبته بنفسك فوفقك الله إليه .
لا تقنع بما وجدت عليه غيرك ، وابحث عن اليقين فيما تؤمن به .
" قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا " .
4- كل شيء يتغير .. إلا قانون التغير :
من أراد أن يوقف الحياة عند حده ستدوسه الحياة تحت أقدامها في مسيرتها الأبدية . ليس من شيء إلا وهو في حركة دائبة ، والسعيد من ساير في حركته حركة الحياة .
5- اقنع .. فالقناعة كنز :
ابحث عما ترضى عنه .. فإن لم تستطع ؛ فارضَ عن ما حصلت عليه .
قال سعد بن أبي وقاص لابنه : " يا بني ، إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة .. فإن لم تكن قناعة .. فليس يغنيك مال .. " .
وروى الطبري في تاريخه أن عمر بن عبد العزيز أمر - وهو في خلافته - رجلا أن يشتري له كساء بثمان دراهم ، فاشتراه له ، وأتاه به فوضع عمر يده عليه ، وقال : ما ألينه وأحسنه ! فتبسم الرجل الذي أحضره ، فسأله عمر : لماذا تبسمت ؟ فقال : لأنك يا أمير المؤمنين أمرتني قبل أن تصل إليك الخلافة أن أشتري لك ثوبا من الخز ، فاشتريته لك بألف درهم ، فوضعت يدك عليه فقلت : ما أخشنه ! وأنت اليوم تستلين كساء بثمانية دراهم؟ فقال عمر : يا هذا .. إن لي نفسا تواقة إلى المعالي ، فكلما حصلت على مكانة طلبت أعلى منها ، حصلت على الإمارة فتقت إلى الخلافة ، وحصلت على الخلافة فتاقت نفسي إلى ما هو أكبر من ذلك وهي الجنة .
6- سعادتك في سموك على شهواتك :
لن تنهي الرغبة .. ولن ينتهي سعيك إلى تحقيقها إلا بعبوديتك لها . فاقنع من رغبتك بما يكفيك ، لأنك إن لم تقنع به فليس شيء يكفيك . وإذا أنت سموت على شهوتك ملكت نفسك ، وإن استُعبِدت لها ملكتك .
ذُكِرَ عن أحد الملوك أنه زار عالما زاهدا ، فسلم عليه ، فرد الزاهد السلام بفتور ولم يحفل له . فغضب الملك وقال له : ألا تحفل بي وأنا ملكك ؟ فابتسم الزاهد وقال له : كيف تكون ملكي وعبيدي كلهم ملوكك . فقال الملك : ومن هم ؟ فقال : هم الشهوات .. هي ملوكك وهم عبيدي !!
7- اشكر النعمة .. يزدك الله :
دون النظر إلى النعمة لا يكون الشعور بالمنة ، والله تعالى تكفل بالزيادة لمن شكره .
يقول الدكتور مصطفى السباعي :
" زر المحكمة مرة في العام لتعرف فضل الله عليك في حسن الخلق ..
وزر المستشفى مرة في الشهر لتعرف فضل الله عليك في الصحة والمرض ..
وزر الحديقة مرة في الأسبوع لتعرف فضل الله عليك في جمال الطبيعة ..
وزر المكتبة مرة في اليوم لتعرف فضل الله عليك في العقل..
وزر ربك كل آن لتعرف فضل الله عليك في نعم الحياة " .
8- أنت مثاب على كل ابتلاء :
لا تحسب أن البلاء يمر بك ولا قيمة له . ربما كان بلاؤك خيراً من عافيتك ، ومرضُكَ أنفعَ لك من صحتك ، وإن لله عباداً بلَّغَهم الله منازل أوليائِه ، بصبرِهم على بلائِه .
قال صلى الله عليه وسلم " ما يصيب المؤمن من هم ولا غم ولا وصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه " .
9- لا تتعجل .. فكل شيء عند الله بقدر :
تغلبك نفسك فتطلب تحقيق مرادها في الزمن الذي تريد ، وتنسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث عشرين عاماً في الضيق حتى أوقف الله قريشاً أمامه في الفتح ليقولوا " أخ كريم .. وابن أخ كريم " ..
وأن نبي الله يوسف تنقل بين البئر والعبودية والسجن .. ليقف إخوته أمامه ويقولوا : "يا أيها العزيز مسَّنا وأهلَنا الضرُّ وجئنا ببضاعةٍ مزجاة ، فأوف لنا الكيل .. وتصدق علينا " .
ومن تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " إن المُنبَتَّ ؛ لا أرضاً قطعَ ولا ظهراً أبقى " .
10- عش يومك .. بعد أن تفهم أمسك ، وتخطط لمستقبلك :
الشقاء إنما يكون بالأسى على الماضي أو القلق من المستقبل . وكلاهما يصرف الإنسان عن الاهتمام بالحاضر .. وهو الحقيقة الوحيدة لأن الماضي لحظات في الذاكرة ، والمستقبل تهويمات في الخيال .افهم الماضي ؛ لأنك لن تُحسِنَ عيشَ يومِك وأنت مُثقَلٌ بأغلال أمسك .
وخطط للمستقبل ؛ فلن تصل إليه وأنت محتار في طرقه .
واعلم أنك مسئولٌ عن حاضرك فحسب .. فلا تشغل نفسك بغيره .
11- سلِّم بأسوأ الفروض :
وطن نفسك على أسوأ احتمال .. ثم سر في عملك ، فكل ما سيحدث لك سيكون دون ما وطنت عليه نفسك .
يقول الفيلسوف الصيني لين يوتانغ : إن طمأنينة النفس تنبثق من التسليم بأسوأ الفروض .
والتسليم بأسوأ الفروض ليس معناه توقعها .. وإنما تتوقع الخير .. وتوطن نفسك على الصبر على الشر إن أصابك .
12- عبر عن حبك .. واكتم غضبك :
لو نظرت إلى الوقت الذي تعبر فيه عن غضبك من الآخرين ، لوجدته أضعاف أضعاف الوقت الذي تعبر فيه عن حبك لهم .. رغم ان النبي صلى قال لصاحبه : " لا تغضب " . وقال : إذا أحب أحدكم أخاه فليًعْلِمه أنه يحبه " .. لِمَ لا تعيد الميزان إلى حقيقته .
13- إما أن تأكل الفراغ بالعمل .. أو يأكلك بالهموم :
قالوا : إن قرحة المعدة لا تأتي مما تأكل ، وإنما مما يأكلك ( أي الهم ) .
وقال أبو العتاهية :
إن الشباب والفراغ والجِدَه مفسدةٌ للمرء أيَّ مفسده
وكثير من آلام النفس منشأها الفراغ ، وعجيب أن يشعر المرء بالفراغ وعمره محدود .. وأعماله غير محدودة .
14- صاحب نفسك .. فهي أول وأدوم صديق لك :
سلوكك مع الآخرين انعكاس لسلوكك مع نفسك . فإن كنت متقبلاً لما فيك ، متفهماً له ، فستتفهم أخطاء الآخرين وتقبلها . ولهذا كان أشفَقَ الخلق على الخلق الأنبياء .. لأنهم أكثر الخلق كمالاً .
وإذا لم تفهم نفسك وتتقبلها .. فلن تقبل الآخرين .
ولا تشغل نفسك بالآخرين قبل أن تفرغ من نفسك .
يقول الفيلسوف الصيني كونفشيوس : لا تتبرم من الجليد المتراكم على عتبة جارك ، قبل أن تزيل ما تراكم على عتبة دارك .
15- كن إيجابياً .. وانظر إلى الجانب المضيء :
كل حدث في الحياة له جانبان : مضيء ومظلم . وأنت تنظر من الجانب الذي عودت نفسك عليه .
يرى طالب السعادة فرصة في الألم .
ويرى الشقي ألماً .. في الفرصة .
16- اعرف مصادر قوتك .. واستثمرها :
كثير منا يعيش ويموت دون أن يستثمر من طاقاته الحقيقية إلا القليل ، لأنه لم يعرفها .
يقول شكسبير : ليس المهم ما تملك ، وإنما المهم " ما الذي تفعله بما تملك " .
فكر .. وسل الآخرين .. وجرب نفسك .. بحثاً عن معرفة أعمق بما تملكه ، ثم أحسن توظيفه واستثماره ، وستجني نتائجه .
وإياك أن تغفل عن قدراتك .. وهي معك . ولا تبحث عن نظارتك .. وهي فوق عينيك .
كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول.
17- فكر .. ثم فكر .. ثم فكر .. ثم اعمل .. ولا تتوقف :
لا تعمل دون أن تخطط لعملك .
ولكن .. لا تفكر ثم تقف دون عمل .
حديثٌ يتكرر بين الناس جزء منه .. وينسون كلمة واحدة في بدايته .
يردد الناس قول النبي صلى الله عليه وسلم " كلٌ ميسر لما خُلِق له " . وينسون أوله ، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم : " اعملوا ؛ فكلٌ ميسر لما خُلِق له" .
اعمل .. وستسير فيما يسره الله لك .. ولكن .. لا تتوقف وتنتظر ما يسره الله تعالى لك أن يأتِيَك .
وليس المقصود من العمل جلب المال فحسب .. وإنما تقدير ذاتك .
سئل جمهور من الناس في دراسة مسحية : لماذا سيواصلون العمل ما دامت ليس هناك حاجة مادية ؟ وكانت أكثر الإجابات شيوعاً : لتجنب الملل . سأتضايق إذا لم أعمل . سأجن إذا لم أعمل .
18- روِّح عن نفسك .. بعد العمل :
السعيد ليس من يعمل دائماً .. وإنما يعرف متى يعمل .. ومتى يريح بدنه ونفسه من العمل . وقد قال صلى الله عليه وسلم " ساعة وساعة " وكان يتخول أصحابه بالموعظة مخافة السأم .
19- لن تسعد .. حتى تحب لأخيك ما تحب لنفسك :
لا وجود للسعاة الفردية .. فأصل السعادة أن تسعى إلى إسعاد غيرك ، وأقرب الناس إليك أولاهم بإسعادك .
20- تلطف إلى ما تريد الحصول عليه :
ختم ربنا جل وعلا قصة يوسف عليه السلام بقوله :" إن ربي لطيف لما يشاء " .
وقد اقتضى لطف الله لإيصال يوسف عليه السلام إلى سدة الحكم في مصر أن يرمى ، ويسجن ، ويستعبد .
تلطف إلى ما تريد حتى ولو طال الطريق .. فكل طريق أطول من طريق اللطف.
يقول ابراهام لنكولن : إن نقطة عسل واحدة تصيد من الذباب أكثر مما يصيد برميل من العلقم .
21- تواضع .. لأنك بعد مائة عام لن تكون موجوداً :
لا يقبل بقلوب الناس عليك شيء أكثر من التواضع ولين الجانب .
والمتكبر أحمق .. لأنه يتكبر بما ليس له ، فكل ما يملك نعمة منحه الله إياها.
ولهذا .. " يحشر المتكبرون يوم القيامة كأمثال الذر .. يطأهم الناس " .
22- لا سعادة دون مجاهدة :
إذا كان كل ما مضى قوانين .. فإن هذا القانون هو شرح لطريقة الحصول عليها.
لن تسعد إلا بالمجاهدة " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " . ولا تظن أن رغبتك في السعادة تساوي السعادة نفسها .. رغبتك في السعادة أول الطريق ، ومجاهدتك في سبيلها منتصف الطريق ، ووصولك إليها خاتمة الطريق .
لا تجعل من هموم الأمة شماعة تعلق عليها تشاؤمك :
مهما كانت هموم الأمة ، ومعايشتك لمآسيها ، فهذا لا يعني أن تحول حياتك إلى "مندبة" .. هَمُّ الأمة يستدعي العمل الدؤوب للتخفيف منه ، وليس الاكتئاب من أجله. ولو وقف عمر بن عبد العزيز ، وصلاح الدين ، وابن تيمية على الرثاء لواقعهم لما صلح الماضي . ولن يصلح الحاضر بالرثاء ، وإنما بالعمل .اهـ