دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 محرم 1440هـ/4-10-2018م, 07:58 AM
الصورة الرمزية هيا أبوداهوم
هيا أبوداهوم هيا أبوداهوم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 607
افتراضي

تعديل :
======

]اعداد درس:
عناصر الدرس:
المقدمة .
سبب نزول الآية .
مناسبة الآية .
معنى البسط .
معنى الرب في اللغة والإصطلاح .
أنواع الربوبية .
أنواع الرزق .
دلالة العموم في قوله ( الرزق) .
معنى العبودية في اللغة .
معنى العبودية في الشرع .
أنواع العبودية
ركائز العبودية
معنى البغي في اللغة .
الحكمة من البسط والقبض .
معنى بقدر .
المراد بالمشيئة .
أنواع الإرادة.
معنى الخبير .
معنى البصير .
فائدة اقتران الإسمين وختم الآية بهما .
أثر الذنب على الرزق .
الفوائد من الآية .
الخاتمة .

====================================
الدرس :

قال تعالى :((ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير))سورة الشورى آية 27

إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعين به ،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ،ومن يضلل فلا هادي له ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد ..
منذ أن يولد الإنسان في هذه الدنيا يجد نفسه معه أشياء ، ولكن في نفس الوقت لاتجد الشخص الآخر يكون معه الشيء نفسه !
فتجد هذا أبيض وهذا أسود ، وذاك طويل وآخر قصير ، أو ذاك غني وآخر فقير ، وتجد هناك إنسان هادي حنون وآخر عصبي المزاج قاسي الطباع ، أو تجد إنسان ولد مريضا وآخر ولد صحيحا معافى ، فتفاوت الناس فيما أعطاهم الله ، فلا تجد شخص يتساوى مع الآخر، فلماذا هذا التفاوت بين الناس ؟؟!!وهل هذا ظلم للعباد أم رحمة بهم ؟؟
فقال تعالى :((ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير)).
فهذه الآية نزلت في أصحاب الفاقة من المسلمين حين تمنوا سعة الدنيا والغنى ، فأنزل الله هذه الآيات .
وقوله ( ولو) جاءت هذه الآية معطوفة على الآية التي قبلها ، حيث ذكر استجابته للمؤمنين وأنه يزيدهم من فضله ؛ فقد يظن السامع لذلك أن هذه الاستجابة تقتضي أن يعطيهم الله كل طلباتهم في الدنيا وكل ما سألوه ، فذكر الله هذه الاية ليبين أنه لايكون ذلك على اطلاقه وبين سبب ذلك .
فهذا الذي يجده الإنسان من شكل وطبع وأبوين وأهل وأصدقاء، وعطايا ،..وغيره ، فهي من الله ،لأنه هو الرزاق ، كما قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) ) .
فالبسط هو التوسيع والتكثير في الرزق .
فالذي يبسط الرزق لهذا ويضيق على الآخر هو الله ، فقال تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا)
فمن هو الرب ؟
قال الراغب الأصفهاني : الرَّبُّ في الأصل: التربية، وهو إنشاء الشيء حالا فحالا إلى حدّ التمام، يقال رَبَّهُ، وربّاه ورَبَّبَهُ.
ففي لسان العرب الرَّبُّ يُطْلَق فِي اللُّغَةِ عَلَى المالكِ، والسَّيِّدِ، والمُدَبِّر، والمُرَبِّي، والقَيِّمِ، والمُنْعِمِ.
ويذكر السعدي في تفسيره لسورة الفاتحة لقوله تعالى : ( رب العالمين ) :
الرب, هو المربي جميع العالمين -وهم من سوى الله- بخلقه إياهم, وإعداده لهم الآلات, وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة.انتهى من كلامه .
فإذا من تربية الله لعباده الخلق والإعداد والإمداد بالرزق ، فإن الله سبحانه وتعالى لم يخلق الإنسان ويتركه ،بل خلقه وأعد له ما يصلح في معاشه وآخرته ، فكان إمداد الرزق له أيضا لما يصلح له في معاشه وآخرته ؛ لأنه سبحانه وتعالى المصلح المربي للعباد .
وتربية الله للعباد على نوعين ذكرها الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره لسورة الفاتحة :
أولا : تربية عامة : وفيه خلقه للمخلوقين, ورزقهم, وهدايتهم لما فيه مصالحهم, التي فيها بقاؤهم في الدنيا.
ثانيا : تربية خاصة : تربيته لأوليائه, فيربيهم بالإيمان, ويوفقهم له, ويكمله لهم, ويدفع عنهم الصوارف, والعوائق الحائلة بينهم وبينه.

ومن معرفة تربية الله يتبين لنا أن الرزق على أنواع .
فقال ابن القيم في نونيته :
وكذلك الرزاق من أسمائه ... والرزق من أفعاله نوعان
رزق على يد عبده ورسوله ... نوعان أيضا ذان معروفان
رزق القلوب العلم والإيمان ... والرزق المعد لهذه الأبدان
هذا هو الرزق الحلال وربنا ... رزاقه والفضل للمنان
فأنواع الرزق :
النوع الأول : رزق عام :هو رزق لجميع المخلوقات ، فسهل لها الأرزاق، ودبرها في أجسامها، وساق إلى كل عضو صغير وكبير ما يحتاجه من القوت، وهذا عام للبر والفاجر والمسلم والكافر.
النوع الثاني : رزق خاص :وهذا هو الرزق النافع ، فهو رزق القلوب بالعلم والإيمان .
فهذه الآية تشمل جميع أنواع الرزق ؛ لأن أل التعريف في قوله : ( الرزق ) تدل على العموم ، فتشمل الرزق العام والخاص والحسي والمعنوي .

فما معنى العبد ؟ ومن هم العباد ؟ وماهي العبودية ؟ وماهي ركائز العبودية ؟
فالعبد في اللغة: يطلق على الإنسان حرا كان أو رقيقا .
أما العبودية فأصله في اللغة من الخضوع والتذلل.
وفي الشرع : العبادة في الشرع أخص فتعرف بأنها فعل ما يرضي الرب من خضوع وامتثال واجتناب ، أو هي فعل المكلف على خلاف هوى نفسه تعظيما لربه، ذكره ابن عاشور

وذكر السعدي أن العبادة هو اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ، وهذا التعريف أشمل .
فلما قال الله في الآية : ( لعباده )، فهنا اللفظة عامة لجميع العباد .
فكل الناس خاضعين لله طوعا أو كرها وهذا هو العبودية العامة ، فلذلك يقول الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ) .سورة الحج آية 18 .
قال الشاعر :
ومـما زادني شـرفا وتيها *** وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن صيرت أحمد لي نبيا.

وأما العبودية الخاصة فهي تكون عبودية خاصة للمؤمنين المطيعين له فقط ، ولا يشاركهم فيه الكفار ، لذلك يقول الله تعالى : (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً).سورة الفرقان63 .
وركائز هذه العبودية ثلاثة :
الحبُّ والخوفُ والرجاء.
فلابد أن تجتمع هذه الثلاثة في العبد .
ولقد قال بعض السلف :
من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق،
ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ،
ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري.

فكما ذكرنا عن معنى العبادة التي تستلزم الذل والخضوع ، فإن الذل والخضوع تسلتزم غاية المحبة ،ويكون مع العبد خوف و رجاء لله تعالى ، كما قال تعالى ( أولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ) سورة الإسراء 57.

ولما قال الله تعالى في الآية : ( لبغوا في الأرض ) ، بين السبب في عدم البسط لكل العباد ،وهو حتى لا يحصل البغي .
فما معنى البغي هنا ؟
البغي لغة : هو مجاوزة الحد والتعدي والظلم والتكبر والعلو والفساد في الأرض، وكل هذا من معانيها في اللغة .
فقال تعالى : (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق)سورة الأعراف 33.
قال ابن عباس : بغيهم طلبهم منزلة بعد منزلة ودابة بعد دابة ومركبا بعد مركب وملبسا بعد ملبس . وقيل : أراد لو أعطاهم الكثير لطلبوا ما هو أكثر منه ، لقوله : ( لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليهما ثالثا ) وهذا هو البغي ، وهو معنى قول ابن عباس.
وقال القرطبي أيضا : لتكبروا في الأرض وفعلوا ما يتبع الكبر من العلو فيها والفساد.انتهى من كلامه.
ومثال على الذين أعطاه الله من الرزق الكثير، فكان ذلك سببا في بغيه وعلوه في الأرض هو قارون ، فقال تعالى :
(إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ .). سورة القصص .
فعطاء الله للعبد من ذلك الرزق اختبارا له فهل يشكر أو يكفر ، كما قال تعالى : (قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾ [الفجر: 15، 16]
وقد ذكر الله أيضا في القرآن قصص آخرين ابتلاءهم الله بالرزق ، مثل قصة أصحاب البستان .
فقال تعالى :
﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلاَ يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾ [القلم: 17 - 20].

فبسط االله للرزق هو توسعته للعبد في الرزق ، ولكن هل يبسط الله الرزق لجميع العباد ؟ لا ، فمن تربيته ورحمته أنه يبسط الرزق في بعض الامور لعباده ولا يبسط عليهم في الأمور الأخرى .
فما الحكمة من ذلك ؟:
الحكمة الأولى : حتى يلجأ العبد لربه ولا يستغني عن الدعاء واللجوء إليه سبحانه .
فعندما يكون العبد محتاجا ، يظل يقول يارب !يارب! ارزقني، فيحصل له الذل والإنكسار لخالقه ويتحقق بذلك التوحيد لله ، لأن لا إله إلا الله يقتضي أن لا ينكسر ولا يتذلل ولا يعظم إلا الله ، فكلما لجأ لله وحده حقق التوحيد ، وبعد أن يعطيه يرى رحمة الله به ولطفه ، كما قال تعالى : (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته ) فيزيد إيمانه .
وفي تفسير القرطبي ذكر قولا لطيفا في هذا فقال : لو أدام المطر لتشاغلوا به عن الدعاء ، فيقبض تارة ليتضرعوا ويبسط أخرى ليشكروا .
الحكمة الثانية : حتى لا يحصل الظلم والإعتداء على الآخرين ، وقبل ذلك يحصل ظلمه على نفسه وظلمه بينه وبين خالقه ،
الحكمة الثالثة : حتى يكون بذلك فائدة للمؤمن فلا يشغله هذا عن العبادة والعمل للآخرة .
قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تهلكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ) سورة المنافقون 8.
قال صلى الله عليه وسلم :( ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم )رواه الترمذي .
عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا قالوا وما زهرة الدنيا يا رسول الله قال بركات الأرض)رواه مسلم .
الحكمة الرابعة : حتى يحتاج الناس بعضهم بعضا ولا تتعطل الصنائع .
فقال تعالى : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) الزخرف 32.
لذلك قال الله في الآية : ( لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء ) :
فهذه الأرزاق يقسمها الله ويوزعها بين الناس بمقدار ،حسبها الله تعالى وقدره تقديرا ، فمعنى ( بقدر) : أي بمقدار معلوم عنده.
فقال الشنقيطي في أضواء البيان عن هذا : وهو - جل وعلا - أعلم بالحكمة والمصلحة في مقدار كل ما ينزله، وقد أوضح هذا في غير هذا الموضع ، كقوله - تعالى - : (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم )، وقوله - تعالى - : (وكل شيء عنده بمقدار).
فينزل الله هذه هذه الأرزق بمقدار معين ولكن كما يشاء الله ، لأن الأرزاق داخلة في مشيئة الله .
فمشيئة الله داخلة في الإرادة الكونية ، لأن الإرادة على نوعين :
1) إرادة كونية قدرية : وتشمل ما يحبه الله ومالا يحبه ، وتشمل الأرزاق ، وشؤون المخلوقات الشاملة ، فقال تعالى : (( وَلَوْ شَآءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ) سورة البقرة 253.
2) إرادة شرعية : وتشمل ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح ، فقال تعالى : (يريد الله بكم اليسر ولايريد بكم العسر ) سورة البقرة 158.
فمشيئة الله لعباده لأنه خبير بهم وبصير به، فالخبير والبصير من أسماء الله .
فالله تعالى له صفة البصر وهي من صفات الكمال له.
فالبصير في اللغة: يطلق على العلم وعلى الفطنة ، وأصله مبصر ، من قول القائل: أبصرت فأنا مبصر ، ويقال البصير العالم بخفيات الأمور ، وقد ورد ذكره في القرآن اثنتين وأربعين مرة .
قال السعدي : ( البصير ) الذي يبصر كل شيء وإن رق وصغر ، فيبصر دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء ، ، ويبصرما تحت الأرضين السبع كما يبصر ما فوق السموات السبع .
أما الخبير : ففي اللغة من الخبر ، وهو العالم بما كان وما يكون ، والخابر : المختبر الجرب .
قال الكسائي : الخبير الذي يخبر الشيء بعلمه .
وورد ذكر الخبير في القرآن خمسا وأربعين مرة .
،فاقتران الاسمين في هذه الآية للدلالة على أن خبرته سبحانه ناتج عن بصره لأنه يرانا ويعلم بنا ،وبخفايا أمورنا ومستقبلنا ، فهو خبير بما يصلح لعباده وما يفسدهم من الغنى والفقر وبقية المصالح .
فمنعه وعطاؤه من لطفه سبحانه ، كما قال تعالى : ( اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) سورة الشورى 19.
و هناك سبب أيضا للحرمان من الرزق وهو الذنوب .
فقد روى الإمام أحمد بسنده ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه).
لذلك يقول الله تعالى في سورة نوح : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) ، فالاستغفار من الذنوب سبب في الرزق ، لأن بسبب الذنوب تمنع الأرزاق .
وقال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)سورة الأعراف 96.
فيجب علينا محاسبة النفس والاستغفار من الذنوب مع حسن الظن بالله والرضا بقضاء الله وقدره .

الفوائد من الآية :
- الإيمان باسم الله الرزاق ، فالرزق بيد الله ، فهو المعطي وهو المانع ، فلذلك علينا الطلب منه سبحانه ، وتوحيد الطلب له .
- يجب علينا إحسان الظن بالله عندما يمنعنا الله من رزق ، لأن في منعة حكمة ومصلحة لنا ورحمة بنا ومن ألطافه .
- يجب علينا الاستغفار من الذنوب لأن لها تأثير في الرزق .
- أن من ضعف الإيمان اتهام الآخرين حين يمنع الرزق ويحرم منه .
- الرزق من تربية الله لعباده .
- تربية النفس على القناعة والرضا وعدم التسخط .

وختاما :
من يريد الرزق فليدعو الله ويلتجأ إليه بالدعاء ويسعى في طلبه ؛ لأنه الرزاق ،فقال تعالى : (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)،فيدعو ويسعى لطلب الرزق وقلبه متعلق بالله مع إحسان الظن بالله سبحانه ، ولكن لو لم يحصل على ذلك الرزق فعليه احسان الظن به سبحانه . فما أعطاه فهو الذي يصلح له وما منعه عنه فهو أيضا لمصلحته ، فهو الرب المصلح المربي فعطاءه تربية له ومنعه أيضا تربية له وتتجلى فيها ألطافه سبحانه وتعالى لمن يحسن الظن به .
فعلينا عدم النظر فيما عند الآخرين من رزق ، لأن النظر فيما عند الآخرين يتولد منه الحسد وعدم الرضا والقناعة ، فرزق الآخرين هو لما يصلح لهم وبه يختبرهم به سبحانه ، ولو كان ذلك الرزق يناسبك للجلب لذلك ولكن ما صرفه عنك إلا رحمة بك ، فارضى عن الله وعن قضاءه وقدره يأتيك الخير من الله بما يصلح لك .

فأسأل الله أن ينفعنا بالقول ، ويجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه ،ونسأله أن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا .


=========================
المراجع :
مفردات القرآن للراغب الأصفهاني.
لسان العرب لابن منظور
سنن الترمذي ،ص137.
تفسير السعدي .
تفسير الطبري .
تفسير القرطبي .
تفسير ابن عطية .
فتح القدير للشوكاني .
التحرير والتنوير لابن عاشور .
أسباب النزول للواحدي
. الصحيح المسند في أسباب النزول: 199، للوادعي .
أضواء البيان للشنقيطي .
النهج الأسمى في شرح الأسماء الحسنى ، تأليف محمد محمود النجدي ، مج1، ص235، 236، 267، 268، مكتبة الإمام الذهبي ، الكويت .
عقيدة التوحيد للشيخ صالح بن فوزان الفوزان ، دار العاصمة للنشر والتوزيع .
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي .
الحق الواضح المبين للسعدي .
نونية ابن القيم .

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيق, وضع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:47 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir