أقسامُ الحديثِ
وأهْلُ هذا الشأنِ قَسَّمُوا السُّنَنْ = إلى صحيحٍ وضَعيفٍ وحَسَنْ
فالأوَّلُ الْمُتَّصِلُ الإسنادِ = بنَقْلِ عَدْلٍ ضابِطِ الفؤادِ
عن مِثْلِه مِن غيرِ ما شُذوذِ = وعِلَّةٍ قادِحَةٍ فتُوذِي
(وأهلُ هذا الشأْنِ) أيِ: الحديثِ؛ أيْ: مُعْظَمُ أهْلِه (قَسَّمُوا السُّنَنْ) الْمُضافَةَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ قولاً، أو فِعْلاً، أو تَقريرًا أو صِفةً أوَّلاً وبالذاتِ (إلى صحيحٍ وضَعيفٍ وحَسَنْ)؛ لأنها إنِ اشْتَمَلَتْ مِن أوصافِ القَبولِ على أَعْلاَهَا فالصحيحُ، أو على أدناها فالحسَنُ، أو لم تَشتمِلْ على شيءٍ منها فالضعيفُ.
وقَدَّمَه على الحسَنِ مع أنه مُؤَخَّرٌ عنه رُتبةً، بل لا يُسَمَّى سُنَّةً؛ لضَرورةِ النظْمِ عندَه، أو لرِعايةِ مُقابَلَتِه بالصحيحِ.
قالَ: وتَعبيرِي بالسنَّةِ أَوْلَى مِن تعبيرِ الْخَطَّابِيِّ وغيرِه بالحديثِ؛ لأنه لا يَخْتَصُّ عندَ بعضِهم بالمرفوعِ بل يَشمَلُ الموقوفَ، بخِلافِ السنَّةِ.
وبما قالَه عُرِفَ أنَّ بينَهما عُمومًا مُطْلَقًا.
(فالأوَّلُ) يَعنِي الصحيحَ المجمَعَ على صِحَّتِه عندَ الْمُحَدِّثِينَ هوَ: الْمَتْنُ (المتَّصِلُ الإسنادِ) الذي هو: حِكايةُ طريقِ الْمَتْنِ (بنَقْلِ عدْلٍ) وهو مَن له مَلَكَةٌ تَحْمِلُه على مُلازَمَةِ التَّقْوَى والْمُروءةِ؛ والمرادُ عَدْلُ الروايةِ لا عَدْلُ الشَّهادةِ، فلا يَخْتَصُّ بالذَّكَرِ الْحُرِّ (ضابطِ الفؤادِ) أيْ: جازِمِ القلْبِ (عن) أيْ: بنَقْلِ عدْلٍ عن (مِثْلِه) مِن أوَّلِ السنَدِ إلى آخِرِه.
بأنْ يَنتهيَ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ أخْذًا مما قالَه الناظِمُ آنِفًا، أو إلى الصحابِيِّ، أو إلى مَن دُونَه؛ ليَشمَلَ الموقوفَ وغيرَه كما قالَه غيرُه.
ولا يُنافِيهِ تَفسيرُ السنَّةِ بما مَرَّ؛ لأنَّ القِسْمَ قد يكونُ أَعَمَّ مِن الْمُقَسَّمِ؛ كقولِك: الحيوانُ إمَّا أبيضُ أو غيرُه، والأبيضُ إمَّا عاجٌ أو غيرُه.
(مِن غيرِ ما شُذوذِ) بزيادةِ ما (و) غيرِ (عِلَّةٍ قادِحَةٍ)؛ فهذه خَمسةُ قُيودٍ لا سِتَّةٌ؛ للاغتناءِ بقولِه: (بنقْلِ عدْلٍ) عن قولِه: (عن مِثْلِه).
فخَرَجَ بالأوَّلِ منها: المنقَطِعُ، والمرسَلُ، والمعْضَلُ؛ الآتي بيانُها في مَحَالِّهَا.
وبالثاني: ما في سَنَدِه مَن عُرِفَ ضَعْفُه، أو جُهِلَتْ عَيْنُه أو حالُه؛ كما سيأتِي.
وبالثالثِ: ما في سَنَدِه مُغَفَّلٌ كثيرُ الخطأِ، وإنْ عُرِفَ بالصدْقِ والعدالةِ لعَدَمِ ضَبْطِه.
والضبْطُ كما سيأتي ضَبْطُ صَدْرٍ، وهو: أنْ يُثْبِتَ الراوِي ما سَمِعَه بحيثُ يَتمكَّنُ مِن استحضارِه متى شاءَ.
وضَبْطُ كتابٍ، وهو: صِيانتُه عِنْدَه منذُ سَمِعَ فيه وصَحَّحَه إلى أنْ يُؤَدِّيَ منه.
والمرادُ بالضبْطِ: الضبْطُ التامُّ كما يَفهمُه الإطلاقُ المحمولُ على الكامِلِ، فيَخْرُجُ الحسَنُ لذاتِه المشتَرَطُ فيه مُسَمَّى الضبْطِ فقط.
لكنْ قد يُقالُ: يَلْزَمُ عليه خُروجُه إذا اعْتَضَدَ، وصارَ صَحيحًا لغيرِه.
ويُجابُ: بأنَّ التعريفَ للصحيحِ لِذاتِه.
وخَرَجَ بالرابعِ الشاذُّ. وهو: ما خالَفَ فيه الراوي مَن هو أَرْجَحُ منه. كما سيأتِي في بابِه مع زِيادةٍ.
ولا يَرِدُ عليه الشاذُّ؛ الصحيحُ عندَ بعضِهم؛ لأنَّ التعريفَ للصحيحِ المجمَعِ على صِحَّتِه - كما مَرَّ - لا مُطْلَقًا.
وبالخامسِ ما فيه عِلَّةٌ قادِحَةٌ كإرسالِه، وسيأتي بيانُها مع بيانِ غيرِ القادِحَةِ.
ومَن قَيَّدَها بكَوْنِها خَفِيَّةً لم يُرِدْ إخراجَ الظاهرةِ؛ لأنَّ الْخَفِيَّةَ إذا أَثَّرَتْ فالظاهِرَةُ أَوْلَى، وإنما قَيَّدَ بذلك؛ لأنَّ الظاهرةَ راجعةٌ إلى ضَعْفِ الراوِي أو عَدَمِ اتِّصالِ السنَدِ، وذلك مُحْتَرَزٌ عنه بما مَرَّ.
(فتُؤذِي) أيِ: العِلَّةُ القادحةُ صِحَّةَ الحديثِ؛ أيْ: تَمْنَعُ مِن الحكْمِ والعمَلِ به، وهذا تصريحٌ بما عُلِمَ.
واعلَمْ أنَّ الصحيحَ قِسمانِ كالحسَنِ؛ لأنَّ المقبولَ مِن الحديثِ إنِ اشتمَلَ مِن صِفاتِ القَبولِ على أعلاها فهو الصحيحُ لِذاتِه، أو لا، فإنْ وُجِدَ ما يَجْبُرُ قُصورَه ككَثرةِ الطُّرُقِ فهو الصحيحُ أيضًا، لكن لا لِذاتِه.
أو لم يُوجَدْ ذلك فهو الحسَنُ لِذاتِه.
وإنْ قامَتْ قَرينةٌ تُرَجِّحُ قَبولَ ما يُتَوَقَّفُ فيه، فهو الْحَسَنُ أيضًا، لكنْ لا لِذاتِه، كذا ذَكَرَه شيخُنا.
وبالصحيحِ والضعيفِ قَصَدُوا = في ظاهِرٍ لا القطْعَ والمعتَمَدُ
إمساكُنا عن حُكْمِنا على سَنَدْ = بأنه أَصَحُّ مُطْلَقاً وقَدْ
خاضَ به قومٌ فقيلَ مالِكُ = عن نافِعٍ بما رَواهُ الناسِكُ
مَوْلاَهُ واخْتَرْ حيث عنه يُسْنِدُ = الشافعِيْ قلْتُ وعنه أحْمَدُ
(وبالصحيحِ والضعيفِ) في قولِهم: هذا حديثٌ صحيحٌ أو ضعيفٌ (قَصَدُوا) الصحَّةَ والضعْفَ (في ظاهِرٍ) أيْ: فيما ظَهَرَ لهم عَمَلاً بظاهِرِ الإسنادِ (لا القَطْعَ) بصِحَّتِه أو ضَعْفِه في نفْسِ الأمْرِ؛ لجوازِ الخطأِ والنِّسيانِ على الثِّقَةِ، والضبْطِ والصدْقِ على غيرِه.
والقطْعُ إنما يُستفادُ مِن الْمُتواتِرِ، أو مما احْتَفَّ بالقرائنِ.
وخالَفَ ابنُ الصلاحِ فيما وُجِدَ في (الصحيحين) أو أحدِهما؛ فاختارَ القطْعَ بصِحَّتِه، وسيأتي بيانُه في حكْمِ الصحيحينِ.
فـ (بالصحيحِ والضعيفِ) متَعَلِّقٌ بـ(قَصَدُوا) و(في ظاهِرٍ) متَعَلِّقٌ بمحذوفٍ، و(القطْعَ) معطوفٌ على المحذوفِ، أو على مَحَلِّ (في ظاهِرٍ) أيْ: قَصَدُوا الصحَّةَ والضعْفَ ظاهِرًا لا قَطْعًا.
وسَكَتَ كغيرِه عن الحسَنِ: إمَّا لشمولِ الصحيحِ له بأنْ يُرادَ به المقبولُ، أو لأنه يُعْرَفُ بالمقايَسَةِ.
(والمعتمَدُ) عليه (إمساكُنا) أيْ: كَفُّنا (عن حُكْمِنا على سَنَدْ) مُعَيَّنٍ.
والسنَدُ: الطريقُ الْمُوَصِّلَةُ إلى الْمَتْنِ. وتَقَدَّمَ تعريفُ الإسنادِ.
وعَبَّرَ عنه البَدْرُ بنُ جماعةَ بأنه: الإخبارُ عن طريقِ الْمَتْنِ، وعن الإسنادِ بأنه: رفْعُ الحديثِ إلى قائلِه.
قالَ: والْمُحَدِّثُونَ يَستعملونَهما لشيءٍ واحدٍ.
(بأنه أصَحُّ) الأسانيدِ (مُطْلَقًا)؛ لأنَّ تَفاوُتَ مَراتِبِ الصحيحِ مُتَرَتِّبٌ على تَمَكُّنِ الإسنادِ مِن شُروطِ الصِّحَّةِ، ويَعْسُرُ الاطِّلاعُ على ارتقاءِ جميعِ رِجالِ تَرجمةٍ واحدةٍ إلى أعلى صِفاتِ الكَمالِ مِن سائِرِ الوُجوهِ.
(وقد خاضَ) أيِ: اقْتَحَمَ الغَمَراتِ (به) أيْ: بالحكْمِ بأنه أصَحُّ مُطْلَقًا (قومٌ) فتَكَلَّمُوا فيه، واضْطَرَبَتْ فيه أقوالُهم بحَسَبِ اجتهادِهم.
(فقيلَ) يَعنِي قالَ البخاريُّ: أصَحُّ الأسانيدِ (مالِكُ عن نافِعٍ بما) أيْ: بالذي (رَواهُ) له (الناسِكُ) أيِ: العابدُ (مَولاهُ) أيْ: مَوْلَى نافِعٍ؛ أيْ: مُعْتِقُه - بكسْرِ التاءِ - وهو عبدُ اللهِ بنُ عمرَ بنِ الْخَطَّابِ.
وكان جَديرًا بوَصْفِه بالنُّسُكِ؛ لشِدَّةِ تَمَسُّكِه بالأخبارِ النَّبَوِيَّةِ، وقد قالَ فيه النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: ((نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ))؛ فكانَ بعدَ ذلك لا يَنامُ مِن الليلِ إلاَّ قَليلاً.
وفي قولِ الناظِمِ في شَرْحِه: (أصَحُّ الأسانيدِ ما رواه مالِكٌ) تَجَوُّزٌ؛ لأنَّ ما رواه مَتْنٌ لا سَنَدٌ، فكانَ حَقُّه أنْ يَقولَ كابنِ الصلاحِ: أصَحُّ الأسانيدِ مالِكٌ إلى آخِرِه.
وكذا الكلامُ في نظائِره الآتيةِ.
(واخْتَرْ) إذا قُلتَ بذلك وزِدْتَ راويًا عن مالِكٍ (حيث عنه يُسْنِدُ) إمامُنا (الشافِعِيْ) بالإسكانِ للوزْنِ، أو لنِيَّةِ الوقْفِ- أنَّ أصَحَّ الأسانيدِ: الشافعِيُّ، عن مالِكٍ، عن نافِعٍ، عن ابنِ عمرَ، فقد قالَ الأستاذُ أبو مَنصورٍ التميميُّ: إنه أجَلُّ الأسانيدِ لإجماعِ أهْلِ الحديثِ على أنه لم يَكنْ في الرُّواةِ عن مالِكٍ أجَلُّ مِن الشافِعِيِّ.
فمفعولُ (اخْتَرْ) محذوفٌ، أو ما بعدَه بمعنى اخْتَرْ مَحَلَّ إسنادِ الشافعيِّ المذكورِ وهو سَنَدُه، أو مفعولُه الشافعِيُّ أو ضميرٌ يَعودُ إليه بطريقِ التنازُعِ.
(قلتُ: و) اخْتَرْ أيْضًا إذا قُلْتَ بذلك وزِدْتَ رَاوِيًا عن الشافعيِّ حيث (عنه) يُسْنِدُ الإمامُ (أَحمدُ) بنُ محمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ أنَّ أصَحَّ الأسانيدِ الإمامُ أحمدُ، عن الشافعِيِّ؛ عمَّنْ ذَكَرَ، لاتِّفاقِ أهْلِ الحديثِ على أنَّ أجَلَّ مَن أَخَذَ عن الشافِعِيِّ مِن أهْلِ الحديثِ أحمدُ.
ولم يَقَعْ مِن ذلك في مُسْنَدِه إلاَّ حديثٌ واحدٌ: قالَ أحمدُ: حَدَّثَنا الشافعيُّ، قالَ: حدَّثَنَا مالِكٌ، عن نافِعٍ، عن ابنِ عمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ قالَ: ((لاَ يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ))، ونَهَى عن النَّجْشِ، ونَهَى عن حَبَلِ الْحَبَلَةِ، ونَهَى عن الْمُزَابَنَةِ، والْمُزَابَنَةُ: بَيْعُ الثَّمَرِ بالتَّمْرِ كَيْلاً، وبَيْعُ الكَرْمِ بالزبيبِ كَيْلاً.
وأَخْرَجَه البخاريُّ مُفَرَّقًا مِن حديثِ مالِكٍ.
وجَزَمَ ابنُ حنْبَلٍ بالزُّهْرِي = عن سالِمٍ أيْ عن أبيهِ الْبَرِّ
وقيلَ: زَيْنُ العابِدِينَ عن أَبِهْ = عن جَدِّه وابنِ شِهابٍ عنه بِهْ
(20) أو فابْنُ سِيرينَ عن السَّلْمَانِي = عنه أو الأعمَشُ عن ذي الشانِ
النَّخَعِيْ عن ابنِ قَيْسٍ عَلْقَمَهْ = عن ابنِ مَسعودٍ ولُمْ مَن عَمَّمَهْ
(وجَزَمَ) الإمامُ أحمدُ بنُ محمَّدٍ هو (ابنُ حَنْبَلٍ)، وكذا إسحاقُ بنُ رَاهَوَيْهِ (بالزُّهْرِي) أيْ: بأنَّ أصَحَّ الأسانيدِ - وإنْ كانتْ عِبارةُ الأوَّلِ أَجْوَدَها - أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ عُبيدِ اللهِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ شِهابٍ الزُّهْرِيِّ (عن سالِمٍ) هو ابنُ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ (أيْ) رَاوِيًا (عن أَبيهِ) عبدِ اللهِ (الْبَرِّ) بفتْحِ الباءِ أيِ: المحسِنِ في جميعِ أعمالِ الْبِرِّ بكَسْرِها.
(وقيلَ:) يَعنِي: وقالَ عبدُ الرزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ: أصَحُّ الأسانيدِ (زَيْنُ العابدينَ) عليُّ بنُ الْحُسينِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالِبٍ (عن أَبِهْ) الحسينِ بحذْفِ الياءِ على لُغةِ النقْصِ على حَدِّ:
بأَبِهِ اقْتَدَى عَدِيٌّ في الكَرَمْ ومَن يُشَابِهْ أَبَهُ فَمَا ظَلَمْ
(عن جَدِّه) عليِّ بنِ أبي طالِبٍ (وابنِ شِهابٍ) أيْ: والحالةُ أنَّ الراوِي (عنه) أيْ: عن زَيْنِ العابدينَ ابنُ شِهابٍ الزُّهريُّ (به) أيْ: بالسنَدِ المذكورِ.
وحاصِلُه: أنَّ أصَحَّ الأسانيدِ: ابنُ شِهابٍ، عن زَيْنِ العابدينَ، عن أبيه، عن جَدِّهِ.
(أو فابنُ سِيرينَ) أو هنا وفيما يَأتِي ليستْ للتخييرِ ولا للشَّكِّ، بل لتنويعِ الْخِلافِ كما قالَ، فالمعنَى على الواوِ يَعْنِي.
وقالَ عمرُو بنُ عَلِيٍّ الفَلاَّسُ وغيرُه: أصَحُّ الأسانيدِ: أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ سِيرينَ الأنصاريُّ (عن) أبي عمرٍو عَبيدةَ بفتْحِ العينِ (السَّلْمَانِي) بإسكانِ اللامِ على الصحيحِ نِسبةً إلى سَلْمَانَ حَيٍّ مِن مُرادٍ، قالَ ابنُ الأثيرِ: والْمُحَدِّثُونَ يَفتحونَ اللامَ. (عنه) أيْ: عن جَدِّ زَيْنِ العابدينَ وهو عليُّ بنُ أبي طالِبٍ كما مَرَّ.
(أو) يَعنِي: وقالَ يحيى بنُ مَعِينٍ: أصَحُّ الأسانيدِ: سُليمانُ بنُ مِهرانَ (الأعمشُ عن ذي الشانِ) أيِ: الحالِ إبراهيمَ بنِ يَزيدَ بنِ قَيْسٍ (النَّخَعِيْ) بالإسكانِ للوزْنِ أو لِنِيَّةِ الوَقْفِ نِسبةً للنخَعِ قَبيلةٍ مِن اليمَنِ (عن ابنِ قَيْسٍ عَلْقَمَهْ، عن ابنِ مسعودٍ) عبدِ اللهِ.
فجُملةُ الأقوالِ التي في النظْمِ خَمسةٌ، وهي التي حكاها ابنُ الصلاحِ.
قالَ الناظمُ: وفي الْمَسأَلَةِ أقوالٌ أُخَرُ ذَكَرْتُها في (الشرْحِ الكبيرِ).
جُمْلَتُها على ما ذَكَرَه سِتَّةٌ، وتُمْكِنُ الزيادةُ عليها.
(ولُمْ مَن عَمَّمَهْ) مِن زِيادتِه، أيْ: واعْتِبْ مَن عَمَّمَ الحكْمَ بأَصَحِّيَّةِ الأسانيدِ في تَرجمةٍ واحدةٍ لصحابِيٍّ واحدٍ بأنْ جَعَلَه عامًّا لجميعِ الأسانيدِ؛ كأنْ يقولَ: أصَحُّ الأسانيدِ مالِكٌ عن نافِعٍ، عن ابنِ عُمرَ كما مَرَّ لشِدَّةِ الانتشارِ.
والحاكِمُ بذلك على خَطَرٍ مِن الخطأِ كما قِيلَ بِمِثْلِه في قولِهم: ليس في الرُّواةِ مَن اسْمُه كذا سِوى فُلانٍ.
بلْ - إنْ كان ولا بُدَّ - يَنبغِي له أنْ يُقَيِّدَ كلَّ تَرجمةٍ بصَحَابِيِّهَا، أو بالبَلْدَةِ التي منها أصحابُ تلك الترجمةِ، كما اختارَه الحاكِمُ؛ لأنه أقَلُّ انتشارًا، فيقولُ: أصَحُّ أسانيدِ عمرَ: الزُّهْرِيُّ، عن سالِمٍ، عن أبيه، عن جَدِّهِ.
وأصَحُّ أسانيدِ ابنِ عمرَ: مالِكٌ، عن نافِعٍ، عن ابنِ عُمرَ.
وأَصَحُّ أسانيدِ الْمَكِّيِّينَ: سُفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عن عمرِو بنِ دِينارٍ، عن جابِرٍ.
وأَصَحُّ أسانيدِ اليَمَانِيِّينَ: مَعْمَرٌ، عن هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ، عن أبي هُريرةَ.
وأَصَحُّ أسانيدِ الْمِصريِّينَ: الليْثُ، عن يَزيدَ بنِ أبي حَبيبٍ، عن أبي الخيرِ، عن عُقبةَ بنِ عامِرٍ. وهكذا.
قالَ النَّوَوِيُّ في (أَذكاره):
ولا يَلْزَمُ مِن هذه العِبارةِ صِحَّةُ الحديثِ؛ فإنهم يقولونَ: هذا أَصَحُّ ما جاءَ في البابِ, وإنْ كان ضَعيفًا، ومُرادُهم أَرْجَحُه أو أَقَلُّه ضَعْفًا. انتهى.
ومِن ذلك أَصَحُّ مُسلسلٍ؛ وسيأتِي في مَحَلِّهِ.
واقْتَصَرَ في النظْمِ على تَكَلُّمِهم - على اختلافِهم - في أَصَحِّيَّةِ الأسانيدِ؛ لأنها الأَهَمُّ، وإلا فقد تَكَلَّمُوا على أَوْهَاهَا؛ كما قالَ الحاكِمُ وغيرُه:
أَوْهَى أسانيدِ أبي هُريرةَ: السَّرِيُّ بنُ إسماعيلَ، عن دَاوُدَ بنِ يَزيدَ الأَوْدِيِّ، عن أبيه، عن أبي هُريرةَ.
وأَوْهَى أسانيدِ ابنِ مسعودٍ: شَريكٌ، عن أبي فَزارَةَ، عن أبي زَيدٍ، عن ابنِ مَسعودٍ.
وأَوْهَى أسانيدِ أَنَسٍ: داودُ بنُ الْمُحَبَّرِ، عن أبيه، عن أَبَانِ بنِ أبي عَيَّاشٍ، عن أَنَسٍ.
وفائِدَتُه: تَرجيحُ بعْضِها على بعضٍ، وتمييزُ ما يَصْلُحُ للاعتبارِ مما لا يَصْلُحُ له.