دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > ألفية العراقي

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 04:32 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي أقسام الحديث

أقسامُ الحديثِ

وأهْلُ هذا الشأنِ قَسَّمُوا السُّنَنْ = إلى صحيحٍ وضَعيفٍ وحَسَنْ
فالأوَّلُ الْمُتَّصِلُ الإسنادِ = بنَقْلِ عَدْلٍ ضابِطِ الفؤادِ
عن مِثْلِه مِن غيرِ ما شُذوذِ = وعِلَّةٍ قادِحَةٍ فتُوذِي
وبالصحيحِ والضعيفِ قَصَدُوا = في ظاهِرٍ لا القطْعَ والمعتَمَدُ
(15) إمساكُنا عن حُكْمِنا على سَنَدْ = بأنه أَصَحُّ مُطْلَقاً وقَدْ
خاضَ به قومٌ فقيلَ مالِكُ = عن نافِعٍ بما رَواهُ الناسِكُ
مَوْلاَهُ واخْتَرْ حيثُ عنه يُسْنِدُ = الشافعِي قلْتُ وعنه أحْمَدُ
وجَزَمَ ابنُ حنْبَلٍ بالزُّهْرِي = عن سالِمٍ أيْ عن أبيهِ الْبَرِّ
وقيلَ زَيْنُ العابِدِينَ عن أَبِهْ = عن جَدِّه وابنُ شِهابٍ عنه بِهْ
(20) أو فابْنُ سِيرينَ عن السَّلْمَانِي = عنه أو الأعمَشُ عن ذي الشانِ
النَّخَعِي عن ابنِ قَيْسٍ عَلْقَمَهْ = عن ابنِ مَسعودٍ ولُمْ مَن عَمَّمَهْ


  #2  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 01:13 PM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي شرح الناظم

أقسامُ الحديثِ


(11) وأهْلُ هذا الشأنِ قَسَّمُوا السُّنَنْ = إلى صحيحٍ وضَعيفٍ وحَسَنْ
(12) فالأوَّلُ الْمُتَّصِلُ الإسنادِ = بنَقْلِ عَدْلٍ ضابِطِ الفؤادِ
(13)عن مِثْلِه مِن غيرِ ما شُذوذِ = وعِلَّةٍ قادِحَةٍ فتُوذِي
أيْ: (وأَهْلُ) الحديثِ، قالَ الْخَطَّابِيُّ في (مَعالِمِ السُّنَنِ): اعْلَمُوا أنَّ الحديثَ عندَ أهْلِه على ثلاثةِ أقسامٍ، حديثٌ صحيحٌ، وحديثٌ حسَنٌ، وحديثٌ سَقيمٌ، فالصحيحُ عندَهم ما اتَّصَلَ سنَدُه وعَدَلَتْ نَقَلَتُه.
فلم يَشترِط الْخَطَّابِيُّ في الْحَدِّ ضَبْطَ الراوِي ولا سَلامةَ الحديثِ مِن الشُّذوذِ والعِلَّةِ، ولا شَكَّ أنَّ ضَبْطَ الراوي لا بُدَّ مِن اشتراطِه؛ لأنَّ مَن كَثُرَ الخطَأُ في حديثِه وفَحُشَ اسْتَحَقَّ الترْكَ، وإنْ كانَ عَدْلاً.
وأمَّا السلامَةُ مِن الشُّذوذِ والعِلَّةِ فقالَ الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ بنُ دقيقِ العيدِ في (الاقتراحِ): إنَّ أصحابَ الحديثِ زَادُوا ذلك في حَدِّ الصحيحِ. قالَ: وفي هذينِ الشَّرْطَيْنِ نَظَرٌ على مُقْتَضَى نَظَرِ الفُقهاءِ، فإنَّ كثيراً مِن العِلَلِ التي يُعَلِّلُ بها الْمُحَدِّثُونَ لا تَجْرِي على أصولِ الفُقهاءِ.
قلتُ: قد احْتَرَزْتُ بقولِي: (قَادِحَةٍ) عن العِلَّةِ التي لا تَقْدَحُ في صِحَّةِ الحديثِ فقَوْلِي: (الْمُتَّصِلُ الإسنادِ) احترازٌ عَمَّا لم يَتَّصِلْ وهو المنقَطِعُ والْمُرْسَلُ والْمُعْضَلُ، وسيأتي إيضاحُها.
وقولي: (بنَقْلِ عَدْلٍ) احترازٌ عما في سَنَدِه مَن لم تُعْرَفْ عَدالتُه، إمَّا بأَنْ يكونَ عُرِفَ بالضعْفِ أو جُهِلَ عَيْناً أو حالاً كما سيأتي في بيانِ المجهولِ.
وقولي: (ضَابِطِ) احترازٌ عما في سَنَدِه راوٍ مُغَفَّلٌ كثيرُ الْخَطأِ، وإنْ عُرِفَ بالصِّدْقِ والعَدالةِ.
وقولي: (غيرِ ما شُذوذِ وعِلَّةٍ قادِحَةٍ) احترازٌ عن الحديثِ الشاذِّ والْمُعَلَّلِ بعِلَّةٍ قادِحَةٍ، و(ما) ههنا مقْحَمَةٌ، ولم يَذْكُرِ ابنُ الصلاحِ في نفْسِ الْحَدِّ (قَادِحَةً) ولكنَّه ذَكَرَه بعدَ سطْرٍ فيما احْتُرِزَ عنه فقالَ: وما فيه عِلَّةٌ قادحةٌ. قالَ ابنُ الصلاحِ: فهذا هو الحديثُ الذي يُحكَمُ له بالصحَّةِ بلا خِلافٍ بينَ أهْلِ الحديثِ، وإنما قَيَّدَ نَفْيَ الْخِلافِ بأهْلِ الحديثِ لأنَّ بعضَ مُتَأَخِّرِي الْمُعْتَزِلَةِ يَشترِطُ العددَ في الروايةِ كالشَّهادةِ، حَكاهُ الحازِمِيُّ في شُروطِ الأئِمَّةِ، قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: ولو قيلَ في هذا الحديثِ الصحيحِ الْمُجْمَعِ على صِحَّتِه: هو كذا وكذا إلخ. لكان حَسَناً؛ لأنَّ مَن لا يَشترِطُ مِثلَ هذه الشروطِ لا يَحْصُرُ الصحيحَ في هذه الأوصافِ. قالَ: ومِن شَرْطِ الْحَدِّ أنْ يكونَ جامِعاً مانِعاً.

(14)وبالصحيحِ والضعيفِ قَصَدُوا = في ظاهِرٍ لا القطْعَ والمعتَمَدُ
(15) إمساكُنا عن حُكْمِنا على سَنَدْ = بأنه أَصَحُّ مُطْلَقاً وقَدْ
(16)خاضَ به قومٌ فقيلَ مالِكُ = عن نافِعٍ بما رَواهُ الناسِكُ
(17)مَوْلاَهُ واخْتَرْ حيث عنه يُسْنِدُ = الشافعِي ، قلْتُ: وعنه أحْمَدُ
أيْ: حيث قالَ أهلُ الحديثِ: هذا حديثٌ صحيحٌ، فمُرادُهم فيما ظَهَرَ لنا عَمَلاً بظاهِرِ الإسنادِ لا أنه مقطوعٌ بصِحَّتِه في نفْسِ الأمْرِ لِجَوازِ الْخَطَأِ والنِّسيانِ على الثقةِ.
هذا هو الصحيحُ الذي عليه أكثَرُ أهلِ العلْمِ خِلافاً لِمَن قالَ: إنَّ خَبَرَ الواحدِ يُوجِبُ العلْمَ الظاهرَ. كحُسينٍ الكَرابيسيِّ وغيرِه، وحكاهُ ابنُ الصَّبَّاغُ في (العُدَّةِ) عن قومٍ مِن أصحابِ الحديثِ ، قالَ القاضِي أبو بكرٍ الباقِلاَنِيُّ: إنه قَوْلُ مَن لاَ يُحَصِّلُ عِلْمَ هذا البابِ. اهـ.
نعمْ إنْ خَرَّجَه الشيخانِ أو أحَدُهما، فاختارَ ابنُ الصلاحِ القطْعَ بصِحَّتِه وخالَفَه الْمُحَقِّقُونَ كما سيأتي، وكذا قولُهم: هذا حديثٌ ضعيفٌ. فمُرادُهم: لم تَظْهَرْ لنا فيه شروطُ الصِّحَّةِ لا أنه كَذِبٌ في نفْسِ الأمرِ؛ لِجَوازِ صدْقِ الكاذِبِ وإصابةِ مَن هو كثيرُ الخطَأِ.
وقولُه: (والمعتَمَدُ إمساكُنا عن حُكْمِنا) إلى آخِرِه، أي القولُ المعتمَدُ عليه الْمُختارُ أنه لا يُطْلَقُ على إسنادٍ مُعَيَّنٍ بأنه أصَحُّ الأسانيدِ مُطْلَقاً؛ لأنَّ تَفَاوُتَ مَراتِبِ الصحَّةِ مُرَتَّبٌ على تَمَكُّنِ الإسنادِ مِن شُروطِ الصحَّةِ، ويَعِزُّ وُجودُ أعلى دَرجاتِ القَبولِ في كلِّ فَرْدٍ مِن ترجمةٍ واحدةٍ بالنسبَةِ لجميعِ الرُّواةِ.
قالَ الحاكِمُ في (علومِ الحديثِ): لا يَنبغِي أنْ يُقْطَعَ الحكْمُ في أصَحِّ الأسانيدِ لصحابِيٍّ واحدٍ. وسنَذْكُرُ تَتِمَّةَ كلامِه في آخِرِ هذه التَّرْجَمَةِ.
قالَ ابنُ الصَّلاحِ: على أنَّ جماعةً مِن أَئِمَّةِ الحديثِ خاضُوا غَمْرَةَ ذلك فاضطرَبَتْ أقوالُهم.
وقولِي: (فَقِيلَ مالِكُ) أيْ فقِيلَ: أَصَحُّ الأسانيدِ ما رواه مالِكٌ عن نافِعٍ عن ابنِ عُمرَ، وهو الْمُرادُ بقولِه: (مَولاهُ). أيْ سَيِّدُه ، وهذا قولُ البخارِيِّ.
وقولُه: (واخْتَرْ حَيْثُ عنه) أيْ: عن مالِكٍ (يُسْنِدُ) الشافعِيُّ، أيْ: فعلى هذا إذا زِدْتَ في الترجمةِ واحداً فأَصَحُّ الأسانيدِ ما أَسْنَدَهُ الشافَعِيُّ عن مالِكٍ بها، فقالَ الأستاذُ أبو منصورٍ عبدُ القاهِرِ بنُ طاهِرٍ التمِيمِيُّ: إنه أَجَلُّ الأسانيدِ لإجماعِ أصحابِ الحديثِ أنه لم يَكُنْ في الرُّواةِ عن مالِكٍ أَجَلُّ مِن الشافِعِيِّ.
قلتُ: وعنه ، أيْ: وعن الشافعِيِّ أحمدُ بنُ حَنْبَلٍ، يُريدُ وإنْ زِدْتَ في التَّرجمةِ واحداً آخَرَ فأَصَحُّ الأسانيدِ ما رواه أحمدُ عن الشافِعِيِّ عن مالِكٍ بها؛ لاتِّفاقِ أهْلِ الحديثِ على أنه أَجَلُّ مَن أَخَذَ عن الشافِعِيِّ مِن أهْلِ الحديثِ الإمامُ أحمدُ، ووَقَعَ لنا بهذه التَّرجمةِ حديثٌ واحدٌ:
أَخْبَرَنِي به أبو عبدِ اللهِ محمَّدُ بنُ إسماعيلَ بنِ الْخَبَّازِ بقِراءتِي عليه بدِمَشْقَ قالَ:
أخْبَرَنا المسلِمُ بنُ مَكِّيٍّ (ح) قالَ: وأَخْبَرَنِي عليُّ بنُ أحمدَ العَرَضِيُّ بقِراءتِي عليه بالقاهِرَةِ قالَ: أخْبَرَتْنَا زينبُ بنتُ مَكِّيٍّ قالاَ: أخْبَرَنا حَنْبَلٌ قالَ: أخْبَرَنا هِبةُ اللهِ بنُ محمَّدٍ، أنا الحسَنُ بنُ عَلِيٍّ التميميُّ، أنا أحمدُ بنُ جَعفرِ بنِ حَمدانَ، حدَّثَنا عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ قالَ: حَدَّثَني أبي رَحِمَه اللهُ قالَ: حَدَّثَنا محمَّدُ بنُ إدريسَ الشافعِيُّ قالَ: أنا مالِكٌ عن نافِعٍ عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما ، أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ قالَ: ((لاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ)).
ونَهَى عن النَّجَشِ، ونَهَى عن بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ، ونهى عن الْمُزَابَنَةِ، والْمُزَابَنَةُ بَيْعُ التمْرِ بالتمْرِ كَيْلاً، وبَيْعُ الكَرْمِ بالزَّبيبِ كَيْلاً. أخْرَجَه البُخارِيُّ مُفَرَّقاً مِن حديثِ مالِكٍ، رَحِمَه اللهُ تعالى.

(18) وجَزَمَ ابنُ حنْبَلٍ بالزُّهْرِي = عن سالِمٍ أيْ عن أبيهِ الْبَرِّ
أيْ وذَهَبَ أحمدُ بنُ حَنبلٍ، وكذلك إسحاقُ بنُ رَاهَوَيْهِ إلى أنَّ أصَحَّ الأسانيدِ ما رواه أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ مسلِمِ بنِ عُبيدِ اللهِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ شِهابٍ الزُّهريُّ، عن سالِمٍ عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ عن أبيه.


(19) وقيلَ زَيْنُ العابِدِينَ عن أَبِهْ = عن جَدِّه وابنُ شِهابٍ عنه بِهْ
أيْ: وقيلَ: أصَحُّ الأسانيدِ ما رواهُ ابنُ شِهابٍ المذكورُ عن زَيْنِ العَابدينَ وهو عليُّ بنُ الْحُسينِ، عن أبيهِ الْحُسينِ عن جَدِّهِ عليِّ بنِ أبي طالِبٍ، وهو قولُ عبدِ الرزَّاقِ، ورُوِيَ أيضاً عن أبي بكرِ بنِ أبي شَيبةَ ، فقولُه: (وابنُ شِهابٍ عنه بِهْ) أيْ: عن زَيْنِ العابِدِينَ بالحديثِ و(ابنُ) مرفوعٌ على الابتداءِ، والواوُ للحالِ، أيْ: في حالِ كَوْنِ ابنِ شِهابٍ راوياً للحديثِ عنه.

(20) أو فابْنُ سِيرينَ عن السَّلْمَانِي = عنه أو الأعمَشِ عن ذي الشانِ
(21)النَّخَعِي عن ابنِ قَيْسٍ عَلْقَمَهْ = عن ابنِ مَسعودٍ ولُمْ مَن عَمَّمَهْ
(أو) هنا في الْمَوْضِعَيْنِ ليستْ للتخييرِ ولا للشكِّ، ولكنَّها لتنويعِ الْخِلافِ، والضميرُ في عنه عائدٌ إلى قولِه في البيتِ الذي قَبْلَه: (جَدِّهِ). يُريدُ عليَّ بنَ أبي طالِبٍ، أيْ: وقيلَ: أصَحُّ الأسانيدِ ما رواه محمَّدُ بنُ سِيرينَ، عن عَبيدةَ السَّلمانِيِّ، عن عليٍّ.
وهو قولُ عمرِو بنِ عليٍّ الفَلاَّسِ وعليِّ بنِ الْمَدِينِيِّ وسليمانَ بنِ حرْبٍ، إلاَّ أنَّ ابنَ الْمَدِينِيِّ قالَ: أَجْوَدُها عبدُ اللهِ بنُ عَوْنٍ، عن ابنِ سِيرينَ، عن عَبيدةَ، عن عَليٍّ.
وقالَ سُليمانُ بنُ حَرْبٍ: أصَحُّها: أيُّوبُ عن ابنِ سِيرينَ عن عَبيدةَ عن عَلِيٍّ. وقيلَ: أصَحُّ الأسانيدِ ما رواه سليمانُ بنُ مِهرانَ الأعمشُ، عن إبراهيمَ بنِ يَزيدَ النَّخَعِيِّ، عن عَلقمةَ بنِ قَيْسٍ عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ. وهو قولُ يَحيى بنِ مَعينٍ، وهذه جُملةُ الأقوالِ التي حَكَاها ابنُ الصلاحِ، وفي الْمَسألةِ أقوالٌ أُخَرُ ذَكَرْتُها في (الشرْحِ الكبيرِ) وفيه فوائدُ مُهِمَّةٌ لا يَستغنِي عنها طالِبُ الحديثِ.
وقولُه: (ولُمْ مَن عَمَّمَهْ) أَعْنِي: وَلُمْ مَن عَمَّمَ الْحُكْمَ في أَصَحِّ الأسانيدِ في تَرجمةٍ لصحابِيٍّ واحدٍ، بل يَنبغِي أنْ نُقَيِّدَ كلَّ تَرجمةٍ منها بصحَابِيِّهَا، قالَ الحاكِمُ: لا يُمْكِنُ أنْ يُقْطَعَ الحكْمُ في أصَحِّ الأسانيدِ لصحابِيٍّ واحدٍ، فنقولُ وباللهِ التوفيقُ: إنَّ أصَحَّ أسانيدِ أهْلِ البيتِ جَعْفَرُ بنُ محمَّدٍ عن أبيه عن جَدِّه عن عليٍّ، إذا كان الراوِي عن جَعفرٍ ثِقَةً.
وأصَحُّ أسانيدِ الصِّدِّيقِ: إسماعيلُ بنُ أبي خالدٍ عن قَيْسِ بنِ أبي حازِمٍ عن أبي بكْرٍ رَضِيَ اللهُ عنه .
وأَصَحُّ أسانيدِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه: الزُّهْرِيُّ عن سالِمٍ عن أبيه عن جَدِّه.
وأصَحُّ أسانيدِ أبي هُريرةَ: الزُّهْرِيُّ عن سعيدِ بنِ الْمُسَيَّبِ، عن أبي هُريرةَ.
وأصَحُّ أسانيدِ ابنِ عمرَ: مالِكٌ عن نافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ.
وأصَحُّ أسانيدِ عائشةَ: عُبَيْدُ اللهِ بنُ عمرَ عن القاسِمِ عن عائشةَ، وقالَ يَحيى بنُ مَعِينٍ: هذه تَرجمةٌ مُشَبَّكَةٌ بالذَّهَبِ.
وأَصَحُّ أسانيدِ ابنِ مسعودٍ: سُفيانُ الثَّوْرِيُّ عن منصورٍ عن إبراهيمَ عن عَلْقَمَةَ عن ابنِ مسعودٍ.
وأصَحُّ أسانيدِ أنَسٍ: مالِكٌ عن الزُّهْرِيِّ عن أنَسٍ.
وأصَحُّ أسانيدِ الْمَكِّيِّينَ: سفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن عمرِو بنِ دِينارٍ عن جابِرٍ.
وأصَحُّ أسانيدِ اليَمَانِيِّينَ: معمَرٌ عن هَمَّامٍ عن أبي هُريرةَ.
وأَثْبَتُ أسانيدِ الْمِصْرِيِّينَ: الليْثُ عن يَزيدَ بنِ أبي حَبيبٍ عن أبي الخيْرِ عن عُقبةَ بنِ عامِرٍ.
وأَثْبَتُ أسانيدِ الشامِيِّينَ: الأوزاعِيُّ عن حَسَّانَ بنِ عَطِيَّةَ عن الصحابةِ.
وأَثْبَتُ أسانيدِ الْخُرَاسَانِيِّينَ: الْحُسينُ بنُ واقِدٍ عن عبدِ اللهِ بنِ بُريدةَ عن أبيه.


  #3  
قديم 23 ذو الحجة 1429هـ/21-12-2008م, 11:03 AM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي فتح الباقي لأبي زكريا الأنصاري

أقسامُ الحديثِ


وأهْلُ هذا الشأنِ قَسَّمُوا السُّنَنْ = إلى صحيحٍ وضَعيفٍ وحَسَنْ
فالأوَّلُ الْمُتَّصِلُ الإسنادِ = بنَقْلِ عَدْلٍ ضابِطِ الفؤادِ
عن مِثْلِه مِن غيرِ ما شُذوذِ = وعِلَّةٍ قادِحَةٍ فتُوذِي
(وأهلُ هذا الشأْنِ) أيِ: الحديثِ؛ أيْ: مُعْظَمُ أهْلِه (قَسَّمُوا السُّنَنْ) الْمُضافَةَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ قولاً، أو فِعْلاً، أو تَقريرًا أو صِفةً أوَّلاً وبالذاتِ (إلى صحيحٍ وضَعيفٍ وحَسَنْ)؛ لأنها إنِ اشْتَمَلَتْ مِن أوصافِ القَبولِ على أَعْلاَهَا فالصحيحُ، أو على أدناها فالحسَنُ، أو لم تَشتمِلْ على شيءٍ منها فالضعيفُ.
وقَدَّمَه على الحسَنِ مع أنه مُؤَخَّرٌ عنه رُتبةً، بل لا يُسَمَّى سُنَّةً؛ لضَرورةِ النظْمِ عندَه، أو لرِعايةِ مُقابَلَتِه بالصحيحِ.
قالَ: وتَعبيرِي بالسنَّةِ أَوْلَى مِن تعبيرِ الْخَطَّابِيِّ وغيرِه بالحديثِ؛ لأنه لا يَخْتَصُّ عندَ بعضِهم بالمرفوعِ بل يَشمَلُ الموقوفَ، بخِلافِ السنَّةِ.
وبما قالَه عُرِفَ أنَّ بينَهما عُمومًا مُطْلَقًا.
(فالأوَّلُ) يَعنِي الصحيحَ المجمَعَ على صِحَّتِه عندَ الْمُحَدِّثِينَ هوَ: الْمَتْنُ (المتَّصِلُ الإسنادِ) الذي هو: حِكايةُ طريقِ الْمَتْنِ (بنَقْلِ عدْلٍ) وهو مَن له مَلَكَةٌ تَحْمِلُه على مُلازَمَةِ التَّقْوَى والْمُروءةِ؛ والمرادُ عَدْلُ الروايةِ لا عَدْلُ الشَّهادةِ، فلا يَخْتَصُّ بالذَّكَرِ الْحُرِّ (ضابطِ الفؤادِ) أيْ: جازِمِ القلْبِ (عن) أيْ: بنَقْلِ عدْلٍ عن (مِثْلِه) مِن أوَّلِ السنَدِ إلى آخِرِه.
بأنْ يَنتهيَ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ أخْذًا مما قالَه الناظِمُ آنِفًا، أو إلى الصحابِيِّ، أو إلى مَن دُونَه؛ ليَشمَلَ الموقوفَ وغيرَه كما قالَه غيرُه.
ولا يُنافِيهِ تَفسيرُ السنَّةِ بما مَرَّ؛ لأنَّ القِسْمَ قد يكونُ أَعَمَّ مِن الْمُقَسَّمِ؛ كقولِك: الحيوانُ إمَّا أبيضُ أو غيرُه، والأبيضُ إمَّا عاجٌ أو غيرُه.
(مِن غيرِ ما شُذوذِ) بزيادةِ ما (و) غيرِ (عِلَّةٍ قادِحَةٍ)؛ فهذه خَمسةُ قُيودٍ لا سِتَّةٌ؛ للاغتناءِ بقولِه: (بنقْلِ عدْلٍ) عن قولِه: (عن مِثْلِه).
فخَرَجَ بالأوَّلِ منها: المنقَطِعُ، والمرسَلُ، والمعْضَلُ؛ الآتي بيانُها في مَحَالِّهَا.
وبالثاني: ما في سَنَدِه مَن عُرِفَ ضَعْفُه، أو جُهِلَتْ عَيْنُه أو حالُه؛ كما سيأتِي.
وبالثالثِ: ما في سَنَدِه مُغَفَّلٌ كثيرُ الخطأِ، وإنْ عُرِفَ بالصدْقِ والعدالةِ لعَدَمِ ضَبْطِه.
والضبْطُ كما سيأتي ضَبْطُ صَدْرٍ، وهو: أنْ يُثْبِتَ الراوِي ما سَمِعَه بحيثُ يَتمكَّنُ مِن استحضارِه متى شاءَ.
وضَبْطُ كتابٍ، وهو: صِيانتُه عِنْدَه منذُ سَمِعَ فيه وصَحَّحَه إلى أنْ يُؤَدِّيَ منه.
والمرادُ بالضبْطِ: الضبْطُ التامُّ كما يَفهمُه الإطلاقُ المحمولُ على الكامِلِ، فيَخْرُجُ الحسَنُ لذاتِه المشتَرَطُ فيه مُسَمَّى الضبْطِ فقط.
لكنْ قد يُقالُ: يَلْزَمُ عليه خُروجُه إذا اعْتَضَدَ، وصارَ صَحيحًا لغيرِه.
ويُجابُ: بأنَّ التعريفَ للصحيحِ لِذاتِه.
وخَرَجَ بالرابعِ الشاذُّ. وهو: ما خالَفَ فيه الراوي مَن هو أَرْجَحُ منه. كما سيأتِي في بابِه مع زِيادةٍ.
ولا يَرِدُ عليه الشاذُّ؛ الصحيحُ عندَ بعضِهم؛ لأنَّ التعريفَ للصحيحِ المجمَعِ على صِحَّتِه - كما مَرَّ - لا مُطْلَقًا.
وبالخامسِ ما فيه عِلَّةٌ قادِحَةٌ كإرسالِه، وسيأتي بيانُها مع بيانِ غيرِ القادِحَةِ.
ومَن قَيَّدَها بكَوْنِها خَفِيَّةً لم يُرِدْ إخراجَ الظاهرةِ؛ لأنَّ الْخَفِيَّةَ إذا أَثَّرَتْ فالظاهِرَةُ أَوْلَى، وإنما قَيَّدَ بذلك؛ لأنَّ الظاهرةَ راجعةٌ إلى ضَعْفِ الراوِي أو عَدَمِ اتِّصالِ السنَدِ، وذلك مُحْتَرَزٌ عنه بما مَرَّ.
(فتُؤذِي) أيِ: العِلَّةُ القادحةُ صِحَّةَ الحديثِ؛ أيْ: تَمْنَعُ مِن الحكْمِ والعمَلِ به، وهذا تصريحٌ بما عُلِمَ.
واعلَمْ أنَّ الصحيحَ قِسمانِ كالحسَنِ؛ لأنَّ المقبولَ مِن الحديثِ إنِ اشتمَلَ مِن صِفاتِ القَبولِ على أعلاها فهو الصحيحُ لِذاتِه، أو لا، فإنْ وُجِدَ ما يَجْبُرُ قُصورَه ككَثرةِ الطُّرُقِ فهو الصحيحُ أيضًا، لكن لا لِذاتِه.
أو لم يُوجَدْ ذلك فهو الحسَنُ لِذاتِه.
وإنْ قامَتْ قَرينةٌ تُرَجِّحُ قَبولَ ما يُتَوَقَّفُ فيه، فهو الْحَسَنُ أيضًا، لكنْ لا لِذاتِه، كذا ذَكَرَه شيخُنا.

وبالصحيحِ والضعيفِ قَصَدُوا = في ظاهِرٍ لا القطْعَ والمعتَمَدُ
إمساكُنا عن حُكْمِنا على سَنَدْ = بأنه أَصَحُّ مُطْلَقاً وقَدْ
خاضَ به قومٌ فقيلَ مالِكُ = عن نافِعٍ بما رَواهُ الناسِكُ
مَوْلاَهُ واخْتَرْ حيث عنه يُسْنِدُ = الشافعِيْ قلْتُ وعنه أحْمَدُ
(وبالصحيحِ والضعيفِ) في قولِهم: هذا حديثٌ صحيحٌ أو ضعيفٌ (قَصَدُوا) الصحَّةَ والضعْفَ (في ظاهِرٍ) أيْ: فيما ظَهَرَ لهم عَمَلاً بظاهِرِ الإسنادِ (لا القَطْعَ) بصِحَّتِه أو ضَعْفِه في نفْسِ الأمْرِ؛ لجوازِ الخطأِ والنِّسيانِ على الثِّقَةِ، والضبْطِ والصدْقِ على غيرِه.
والقطْعُ إنما يُستفادُ مِن الْمُتواتِرِ، أو مما احْتَفَّ بالقرائنِ.
وخالَفَ ابنُ الصلاحِ فيما وُجِدَ في (الصحيحين) أو أحدِهما؛ فاختارَ القطْعَ بصِحَّتِه، وسيأتي بيانُه في حكْمِ الصحيحينِ.
فـ (بالصحيحِ والضعيفِ) متَعَلِّقٌ بـ(قَصَدُوا) و(في ظاهِرٍ) متَعَلِّقٌ بمحذوفٍ، و(القطْعَ) معطوفٌ على المحذوفِ، أو على مَحَلِّ (في ظاهِرٍ) أيْ: قَصَدُوا الصحَّةَ والضعْفَ ظاهِرًا لا قَطْعًا.
وسَكَتَ كغيرِه عن الحسَنِ: إمَّا لشمولِ الصحيحِ له بأنْ يُرادَ به المقبولُ، أو لأنه يُعْرَفُ بالمقايَسَةِ.
(والمعتمَدُ) عليه (إمساكُنا) أيْ: كَفُّنا (عن حُكْمِنا على سَنَدْ) مُعَيَّنٍ.
والسنَدُ: الطريقُ الْمُوَصِّلَةُ إلى الْمَتْنِ. وتَقَدَّمَ تعريفُ الإسنادِ.
وعَبَّرَ عنه البَدْرُ بنُ جماعةَ بأنه: الإخبارُ عن طريقِ الْمَتْنِ، وعن الإسنادِ بأنه: رفْعُ الحديثِ إلى قائلِه.
قالَ: والْمُحَدِّثُونَ يَستعملونَهما لشيءٍ واحدٍ.
(بأنه أصَحُّ) الأسانيدِ (مُطْلَقًا)؛ لأنَّ تَفاوُتَ مَراتِبِ الصحيحِ مُتَرَتِّبٌ على تَمَكُّنِ الإسنادِ مِن شُروطِ الصِّحَّةِ، ويَعْسُرُ الاطِّلاعُ على ارتقاءِ جميعِ رِجالِ تَرجمةٍ واحدةٍ إلى أعلى صِفاتِ الكَمالِ مِن سائِرِ الوُجوهِ.
(وقد خاضَ) أيِ: اقْتَحَمَ الغَمَراتِ (به) أيْ: بالحكْمِ بأنه أصَحُّ مُطْلَقًا (قومٌ) فتَكَلَّمُوا فيه، واضْطَرَبَتْ فيه أقوالُهم بحَسَبِ اجتهادِهم.
(فقيلَ) يَعنِي قالَ البخاريُّ: أصَحُّ الأسانيدِ (مالِكُ عن نافِعٍ بما) أيْ: بالذي (رَواهُ) له (الناسِكُ) أيِ: العابدُ (مَولاهُ) أيْ: مَوْلَى نافِعٍ؛ أيْ: مُعْتِقُه - بكسْرِ التاءِ - وهو عبدُ اللهِ بنُ عمرَ بنِ الْخَطَّابِ.
وكان جَديرًا بوَصْفِه بالنُّسُكِ؛ لشِدَّةِ تَمَسُّكِه بالأخبارِ النَّبَوِيَّةِ، وقد قالَ فيه النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: ((نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ))؛ فكانَ بعدَ ذلك لا يَنامُ مِن الليلِ إلاَّ قَليلاً.
وفي قولِ الناظِمِ في شَرْحِه: (أصَحُّ الأسانيدِ ما رواه مالِكٌ) تَجَوُّزٌ؛ لأنَّ ما رواه مَتْنٌ لا سَنَدٌ، فكانَ حَقُّه أنْ يَقولَ كابنِ الصلاحِ: أصَحُّ الأسانيدِ مالِكٌ إلى آخِرِه.
وكذا الكلامُ في نظائِره الآتيةِ.
(واخْتَرْ) إذا قُلتَ بذلك وزِدْتَ راويًا عن مالِكٍ (حيث عنه يُسْنِدُ) إمامُنا (الشافِعِيْ) بالإسكانِ للوزْنِ، أو لنِيَّةِ الوقْفِ- أنَّ أصَحَّ الأسانيدِ: الشافعِيُّ، عن مالِكٍ، عن نافِعٍ، عن ابنِ عمرَ، فقد قالَ الأستاذُ أبو مَنصورٍ التميميُّ: إنه أجَلُّ الأسانيدِ لإجماعِ أهْلِ الحديثِ على أنه لم يَكنْ في الرُّواةِ عن مالِكٍ أجَلُّ مِن الشافِعِيِّ.
فمفعولُ (اخْتَرْ) محذوفٌ، أو ما بعدَه بمعنى اخْتَرْ مَحَلَّ إسنادِ الشافعيِّ المذكورِ وهو سَنَدُه، أو مفعولُه الشافعِيُّ أو ضميرٌ يَعودُ إليه بطريقِ التنازُعِ.
(قلتُ: و) اخْتَرْ أيْضًا إذا قُلْتَ بذلك وزِدْتَ رَاوِيًا عن الشافعيِّ حيث (عنه) يُسْنِدُ الإمامُ (أَحمدُ) بنُ محمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ أنَّ أصَحَّ الأسانيدِ الإمامُ أحمدُ، عن الشافعِيِّ؛ عمَّنْ ذَكَرَ، لاتِّفاقِ أهْلِ الحديثِ على أنَّ أجَلَّ مَن أَخَذَ عن الشافِعِيِّ مِن أهْلِ الحديثِ أحمدُ.
ولم يَقَعْ مِن ذلك في مُسْنَدِه إلاَّ حديثٌ واحدٌ: قالَ أحمدُ: حَدَّثَنا الشافعيُّ، قالَ: حدَّثَنَا مالِكٌ، عن نافِعٍ، عن ابنِ عمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ قالَ: ((لاَ يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ))، ونَهَى عن النَّجْشِ، ونَهَى عن حَبَلِ الْحَبَلَةِ، ونَهَى عن الْمُزَابَنَةِ، والْمُزَابَنَةُ: بَيْعُ الثَّمَرِ بالتَّمْرِ كَيْلاً، وبَيْعُ الكَرْمِ بالزبيبِ كَيْلاً.
وأَخْرَجَه البخاريُّ مُفَرَّقًا مِن حديثِ مالِكٍ.

وجَزَمَ ابنُ حنْبَلٍ بالزُّهْرِي = عن سالِمٍ أيْ عن أبيهِ الْبَرِّ
وقيلَ: زَيْنُ العابِدِينَ عن أَبِهْ = عن جَدِّه وابنِ شِهابٍ عنه بِهْ
(20) أو فابْنُ سِيرينَ عن السَّلْمَانِي = عنه أو الأعمَشُ عن ذي الشانِ
النَّخَعِيْ عن ابنِ قَيْسٍ عَلْقَمَهْ = عن ابنِ مَسعودٍ ولُمْ مَن عَمَّمَهْ
(وجَزَمَ) الإمامُ أحمدُ بنُ محمَّدٍ هو (ابنُ حَنْبَلٍ)، وكذا إسحاقُ بنُ رَاهَوَيْهِ (بالزُّهْرِي) أيْ: بأنَّ أصَحَّ الأسانيدِ - وإنْ كانتْ عِبارةُ الأوَّلِ أَجْوَدَها - أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ عُبيدِ اللهِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ شِهابٍ الزُّهْرِيِّ (عن سالِمٍ) هو ابنُ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ (أيْ) رَاوِيًا (عن أَبيهِ) عبدِ اللهِ (الْبَرِّ) بفتْحِ الباءِ أيِ: المحسِنِ في جميعِ أعمالِ الْبِرِّ بكَسْرِها.
(وقيلَ:) يَعنِي: وقالَ عبدُ الرزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ: أصَحُّ الأسانيدِ (زَيْنُ العابدينَ) عليُّ بنُ الْحُسينِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالِبٍ (عن أَبِهْ) الحسينِ بحذْفِ الياءِ على لُغةِ النقْصِ على حَدِّ:
بأَبِهِ اقْتَدَى عَدِيٌّ في الكَرَمْ ومَن يُشَابِهْ أَبَهُ فَمَا ظَلَمْ

(عن جَدِّه) عليِّ بنِ أبي طالِبٍ (وابنِ شِهابٍ) أيْ: والحالةُ أنَّ الراوِي (عنه) أيْ: عن زَيْنِ العابدينَ ابنُ شِهابٍ الزُّهريُّ (به) أيْ: بالسنَدِ المذكورِ.
وحاصِلُه: أنَّ أصَحَّ الأسانيدِ: ابنُ شِهابٍ، عن زَيْنِ العابدينَ، عن أبيه، عن جَدِّهِ.
(أو فابنُ سِيرينَ) أو هنا وفيما يَأتِي ليستْ للتخييرِ ولا للشَّكِّ، بل لتنويعِ الْخِلافِ كما قالَ، فالمعنَى على الواوِ يَعْنِي.
وقالَ عمرُو بنُ عَلِيٍّ الفَلاَّسُ وغيرُه: أصَحُّ الأسانيدِ: أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ سِيرينَ الأنصاريُّ (عن) أبي عمرٍو عَبيدةَ بفتْحِ العينِ (السَّلْمَانِي) بإسكانِ اللامِ على الصحيحِ نِسبةً إلى سَلْمَانَ حَيٍّ مِن مُرادٍ، قالَ ابنُ الأثيرِ: والْمُحَدِّثُونَ يَفتحونَ اللامَ. (عنه) أيْ: عن جَدِّ زَيْنِ العابدينَ وهو عليُّ بنُ أبي طالِبٍ كما مَرَّ.
(أو) يَعنِي: وقالَ يحيى بنُ مَعِينٍ: أصَحُّ الأسانيدِ: سُليمانُ بنُ مِهرانَ (الأعمشُ عن ذي الشانِ) أيِ: الحالِ إبراهيمَ بنِ يَزيدَ بنِ قَيْسٍ (النَّخَعِيْ) بالإسكانِ للوزْنِ أو لِنِيَّةِ الوَقْفِ نِسبةً للنخَعِ قَبيلةٍ مِن اليمَنِ (عن ابنِ قَيْسٍ عَلْقَمَهْ، عن ابنِ مسعودٍ) عبدِ اللهِ.
فجُملةُ الأقوالِ التي في النظْمِ خَمسةٌ، وهي التي حكاها ابنُ الصلاحِ.
قالَ الناظمُ: وفي الْمَسأَلَةِ أقوالٌ أُخَرُ ذَكَرْتُها في (الشرْحِ الكبيرِ).
جُمْلَتُها على ما ذَكَرَه سِتَّةٌ، وتُمْكِنُ الزيادةُ عليها.
(ولُمْ مَن عَمَّمَهْ) مِن زِيادتِه، أيْ: واعْتِبْ مَن عَمَّمَ الحكْمَ بأَصَحِّيَّةِ الأسانيدِ في تَرجمةٍ واحدةٍ لصحابِيٍّ واحدٍ بأنْ جَعَلَه عامًّا لجميعِ الأسانيدِ؛ كأنْ يقولَ: أصَحُّ الأسانيدِ مالِكٌ عن نافِعٍ، عن ابنِ عُمرَ كما مَرَّ لشِدَّةِ الانتشارِ.
والحاكِمُ بذلك على خَطَرٍ مِن الخطأِ كما قِيلَ بِمِثْلِه في قولِهم: ليس في الرُّواةِ مَن اسْمُه كذا سِوى فُلانٍ.
بلْ - إنْ كان ولا بُدَّ - يَنبغِي له أنْ يُقَيِّدَ كلَّ تَرجمةٍ بصَحَابِيِّهَا، أو بالبَلْدَةِ التي منها أصحابُ تلك الترجمةِ، كما اختارَه الحاكِمُ؛ لأنه أقَلُّ انتشارًا، فيقولُ: أصَحُّ أسانيدِ عمرَ: الزُّهْرِيُّ، عن سالِمٍ، عن أبيه، عن جَدِّهِ.
وأصَحُّ أسانيدِ ابنِ عمرَ: مالِكٌ، عن نافِعٍ، عن ابنِ عُمرَ.
وأَصَحُّ أسانيدِ الْمَكِّيِّينَ: سُفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عن عمرِو بنِ دِينارٍ، عن جابِرٍ.
وأَصَحُّ أسانيدِ اليَمَانِيِّينَ: مَعْمَرٌ، عن هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ، عن أبي هُريرةَ.
وأَصَحُّ أسانيدِ الْمِصريِّينَ: الليْثُ، عن يَزيدَ بنِ أبي حَبيبٍ، عن أبي الخيرِ، عن عُقبةَ بنِ عامِرٍ. وهكذا.
قالَ النَّوَوِيُّ في (أَذكاره):
ولا يَلْزَمُ مِن هذه العِبارةِ صِحَّةُ الحديثِ؛ فإنهم يقولونَ: هذا أَصَحُّ ما جاءَ في البابِ, وإنْ كان ضَعيفًا، ومُرادُهم أَرْجَحُه أو أَقَلُّه ضَعْفًا. انتهى.
ومِن ذلك أَصَحُّ مُسلسلٍ؛ وسيأتِي في مَحَلِّهِ.
واقْتَصَرَ في النظْمِ على تَكَلُّمِهم - على اختلافِهم - في أَصَحِّيَّةِ الأسانيدِ؛ لأنها الأَهَمُّ، وإلا فقد تَكَلَّمُوا على أَوْهَاهَا؛ كما قالَ الحاكِمُ وغيرُه:
أَوْهَى أسانيدِ أبي هُريرةَ: السَّرِيُّ بنُ إسماعيلَ، عن دَاوُدَ بنِ يَزيدَ الأَوْدِيِّ، عن أبيه، عن أبي هُريرةَ.
وأَوْهَى أسانيدِ ابنِ مسعودٍ: شَريكٌ، عن أبي فَزارَةَ، عن أبي زَيدٍ، عن ابنِ مَسعودٍ.
وأَوْهَى أسانيدِ أَنَسٍ: داودُ بنُ الْمُحَبَّرِ، عن أبيه، عن أَبَانِ بنِ أبي عَيَّاشٍ، عن أَنَسٍ.
وفائِدَتُه: تَرجيحُ بعْضِها على بعضٍ، وتمييزُ ما يَصْلُحُ للاعتبارِ مما لا يَصْلُحُ له.


  #4  
قديم 26 ذو الحجة 1429هـ/24-12-2008م, 02:26 PM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي فتح المغيث شرح ألفية الحديث للسخاوي

(أقسامُ الحديثِ)


وأهْلُ هذا الشأنِ قَسَّمُوا السُّنَنْ = إلى صحيحٍ وضَعيفٍ وحَسَنْ
فالأوَّلُ الْمُتَّصِلُ الإسنادِ = بنَقْلِ عَدْلٍ ضابِطِ الفؤادِ
عن مِثْلِه مِن غيرِ ما شُذوذِ = وعِلَّةٍ قادِحَةٍ فتُوذِي
وبالصحيحِ والضعيفِ قَصَدُوا = في ظاهِرٍ لا القطْعَ والمعتَمَدُ
(15) إمساكُنا عن حُكْمِنا على سَنَدْ = بأنه أَصَحُّ مُطْلَقاً وقَدْ
خاضَ به قومٌ فقيلَ مالِكُ = عن نافِعٍ بما رَواهُ الناسِكُ
مَوْلاَهُ واخْتَرْ حيثُ عنه يُسْنِدُ = الشافعِي قلْتُ وعنه أحْمَدُ
وجَزَمَ ابنُ حنْبَلٍ بالزُّهْرِي = عن سالِمٍ أيْ عن أبيهِ الْبَرِّ
وقيلَ زَيْنُ العابِدِينَ عن أَبِهْ = عن جَدِّه وابنُ شِهابٍ عنه بِهْ
(20) أو فابْنُ سِيرينَ عن السَّلْمَانِي = عنه أو الأعمَشُ عن ذي الشانِ
النَّخَعِي عن ابنِ قَيْسٍ عَلْقَمَهْ = عن ابنِ مَسعودٍ ولُمْ مَن عَمَّمَهْ
(أقسامُ الحديثِ) جَمْعُ قِسْمٍ، وهو والنوعُ، والصِّنْفُ، والضَّرْبُ، مَعانِيهَا مُتقارِبَةٌ، وربما تُسْتَعْمَلُ بمعنًى واحدٍ.
(وأهلُ هذا الشأنِ) أيْ: الحديثِ (قَسَّمُوا) بالتشديدِ السُّنَنَ المضافَةَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قولاً له أو فِعْلاً أو تقريراً وكذا وَصْفاً وأيَّاماً.
(إلى صحيحٍ وضعيفٍ وحَسَنْ) وذلك بالنظَرِ لِمَا استقَرَّ اتِّفاقُهم بعدَ الاختلافِ عليه، وإلا فمِنهم، كما سيأتي في الحسَنِ مما حَكاهُ ابنُ الصلاحِ في غيرِ هذا الْمَوْضِعِ مِن علومِه، مَن يُدْرِجُ الحسَنَ في الصحيحِ؛ لاشتراكِهما في الاحتجاجِ، بل نَقَلَ ابنُ تَيميةَ إجماعَهم إلا التِّرْمِذِيَّ خاصَّةً- عليه أو بالنظَرِ؛ لأنه لم يَقَعْ في مجموعِ كلامِهم التقسيمُ لأكثرَ مِن الثلاثةِ وإنْ اختَلَفُوا في بعضِها كما رَكِبَ القومُ دوابَّهموخُصَّتِ الثلاثةُ بالتقسيمِ لشُمُولِها لِمَا عَدَاها مما سَيَذْكُرُ مِن مَباحِثِ الْمَتْنِ دُونِ مُختَلِفِه وغريبِه ونَاسِخِه، بل ولأكثَرِ مباحِثِ السنَدِ؛ كالتدليسِ والاختلاطِ والعَنْعَنَةِ، والْمَزيدِ في مُتَّصِلِ الأسانيدِ، ومَن تُقْبَلُ روايتُه أو تُرَدُّ، والثقاتِ والضُّعفاءِ، والصحابةِ والتابعينَ، وطُرُقِ التَّحَمُّلِ والأداءِ والْمُبْهَمَاتِ.
والحاصِلُ شمولُها لكُلِّ ما يَتَوَقَّفُ عليه القَبولُ والردُّ منها، ولخروجِ ما يَخْرُجُ مِن الأنواعِ عنها أشارَ ابنُ الصلاحِ بقولِه في آخِرِ الضعيفِ: (والملحوظُ فيما نُورِدُه مِن الأنواعِ، أيْ: بعدَه، عمومُ أنواعِ علومِ الحديثِ، لا خُصوصُ أنواعِ التقسيمِ الذي فَرَغْنَا الآنَ مِن تَقسيمِه).
وأَدْرَجَ الضعيفَ في السنَنِ تَغليباً، وإلا فهو لا يُسَمَّى سُنَّةً، وكذا قُدِّمَ على الحسَنِ للضرورةِ، أو لِمُراعاةِ المقابَلَةِ بينَه وبينَ الصحيحِ، أو لملاحَظَةِ صَنيعِ الأكثرينَ، لا سيَّما والحسَنُ رُتبةٌ متوَسِّطَةٌ بينَهما، فأَعلاهَا ما أُطْلِقَ عليه اسمُ الحسَنِ لذاتِه، وأَدناهَا ما أُطْلِقَ عليه باعتبارِ الاِنْجِبَارِ.
والأوَّلُ صحيحٌ عندَ قومٍ، حسَنٌ عندَ قومٍ، والثاني حَسَنٌ عندَ قومٍ، ضعيفٌ عندَ قومٍ، وهم مَن لا يُثْبِتُ الواسِطَةَ، أو بالنظَرِ إلى الانفرادِ، والأوَّلُ أظهَرُ لتأخيرِه الضعيفَ حينَ تَفصيلِها. ولا يَخْدِشُ فيه تَيَسُّرُ تأخيرِه في نظْمِ بعضِ الآخذينَ عنِ الناظمِ، حيث قالَ:
علْمُ الحديثِ راجِعُ الصُّنوفِ إلى صحيحٍ، حسَنٍ، ضعيفِ
(فالأوَّلُ) أي: الصحيحُ، وقُدِّمَ لاستحقاقِه التقديمَ رُتبةً ووَضْعاً، وتَرْكُ تعريفَه لُغَةًّ بأنه ضِدُّ المكسورِ والسَّقِيمِ، وهو حقيقةٌ في الأجسامِ، بخِلافِه في الحديثِ والعِبادةِ والمعامَلَةِ وسائرِ المعاني فمَجازٌ، أو مِن بابِ الاستعارةِ بالتَّبعيَّةِ؛ لكونِه خُروجاً عن الغَرَضِ (المتَّصِلُ الإسنادِ) أي: السالِمُ إسنادُه -الذي هو كما قالَ شيخُنا في (شرْحِ النُّخبةِ): الطريقُ الْمُوَصِّلَةُ إلى الْمَتْنِ، مع قولِه في مَوْضِعٍ آخَرَ منه: إنه حكايةُ طريقِ الْمَتْنِ وهو أَشْبَهُ، فذاك تعريفُ السنَدِ، والأمرُ سهْلٌ- عن سَقْطٍ؛ بحيث يكونُ كلٌّ مِن رُواتِه سَمِعَ ذلك الْمَروِيَّ مِن شَيْخِه.
وهذا هو الشرْطُ الأوَّلُ، وبه خَرَجَ المنقَطِعُ، والمرسَلُ بقِسْمَيْهِ، والمعْضَلُ الآتي تعريفُها في مَحَالِّهَا، والمعَلَّقُ الصادِرُ ممن لم يَشترِطِ الصحَّةَ كالبخاريِّ؛ لأنَّ تَعاليقَه المجزومةَ الْمُسْتَجْمِعَةَ للشروطِ فيمَن بعدَ المعلَّقِ عنه لها حكْمُ الاِتِّصالِ، وإن لم نَقِفْ عليها مِن طريقِ المعلَّقِ عنه فهو لقُصورِنا وتقصيرِنا.
واتصالُه (بنَقْلِ عدْلٍ) وهو مَن له مَلَكَةٌ تَحْمِلُه على مُلازَمَةِ التَّقْوَى والْمُروءةِ، على ما سيأتي مع البَسْطِ في مَحَلِّه، وهذا هو ثاني الشروطِ، وبه خَرَجَ مَن في سَنَدِه مَن عُرِفَ ضَعْفُه أو جُهِلَتْ عينُه أو حالُه، حسبما يَجِيءُ في بيانِها (ضابِطِ) أيْ: حازمِ (الفؤادِ) بضَمِّ الفاءِ ثم واوٍ مهموزةٍ ثم مُهمَلَةٍ أي: القلْبِ، فلا يكونُ مغَفَّلاً غيرَ يَقِظٍ ولا مُتْقِنٍ، لئلا يَرْوِيَ مِن كتابِه الذي تَطَرَّقَ إليه الْخَلَلُ، وهو لا يَشْعُرُ، أو مِن حِفْظِه المختَلِّ فيُخْطِئَ؛ إذِ الضبْطُ ضَبطانِ: ضبْطُ صَدْرٍ، وضَبْطُ كتابٍ.
فالأوَّلُ: هو الذي يُثْبِتُ ما سَمِعَه؛ بحيث يَتمكَّنُ مِن استحضارِه متى شاءَ.
والثاني: هو صَوْنُه له عن تَطَرُّقِ الْخَلَلِ إليه مِن حينِ سَمِعَ فيه إلى أنْ يُؤَدِّيَ، وإنْ مَنَعَ بعضُهم الروايةَ مِن الكتابِ.
وهذا -أَعْنِي الضبْطَ- هو ثالثُ الشروطِ، على ما ذَهَبَ إليه الْجُمهورُ؛ حيث فَرَّقُوا بينَ الصَّدُوقِ والثِّقَةِ والضابِطِ، وجَعَلُوا لكلِّ صِفةٍ منها مَرتبةً دُونَ التي بَعْدَها، وعليه مَشَى الْمُصَنِّفُ، وقال: إنه احْتَرَزَ به عما في سَنَدِه راوٍ مُغَفَّلٌ، كثيرُ الخطأِ في رِوايتِه، وإنْ عُرِفَ بالصدْقِ والعدالةِ.
ويَتأيَّدُ بتفصيلِ شُروطِ العدالةِ عن شُروطِ الضبْطِ في مَعرِفَةِ مَن تُقبَلُ رِوايتُه، ولذلك تَعَقَّبَ الْمُصَنِّفُ الْخَطَّابِيَّ في اقتصارِه على العدالَةِ، وانْتَصَرَ شيخُنا للخَطَّابِيِّ؛ حيث كادَ أنْ يَجْعَلَ الضبْطَ مِن أوصافِها، لكنْ قالَ في مَوْضِعٍ آخَرَ: إنَّ تفسيرَ الثقةِ بِمَن فيه وَصْفٌ زائدٌ على العدالَةِ، وهو الضبْطُ، إنما هو اصطلاحٌ لبَعضِهمْ.
وعلى كُلِّ حالةٍ فاشتراطُه في الصحيحِ لابُدَّ منه، والمرادُ التامُّ كما فُهِمَ مِن الإطلاقِ المحمولِ على الكامِلِ، وحينئذٍ فلا يَدْخُلُ الحسَنُ لذاتِه المشتَرَطُ فيه مُسَمَّى الضبْطِ خاصَّةً هنا، لكن يَخْرُجُ إذا اعْتَضَدَ وصارَ صَحيحاً لغيرِه. وكأنَّه اكْتَفَى بذِكْرِه بعدُ، وإنْ تَضَمَّنَ كونَ الحدِّ غيرَ جامِعٍ.
ثم إنه لاَ بُدَّ أنْ يكونَ ناقِلاً له (عن مِثْلِهِ) يَعنِي: وهكذا إلى مُنتهاهُ؛ سواءٌ انتهى إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أو إلى الصحابِيِّ، أو إلى مَن دونَه حتى يَشْمَلَ الموقوفَ ونحوَه، ولكنْ قد يُدَّعَى أنَّ الإتيانَ بـ "عن مِثْلِهِ" تصريحٌ بما هو مُجَرَّدُ توضيحٍ، وأنه قد فُهِمَ مما قَبْلَه، ولذلك حَذَفَه شيخُنا في (نُخْبَتِه) لشِدَّةِ اختصارِها (مِن غيرِ ما) أيْ: مِن غيرِ (شذوذِ) وغيرِ (عِلَّةٍ قَادِحَةٍ)، وهذانِ: الرابعُ والخامسُ مِن الشروطِ، وسيأتي تعريفُهما، وهما سَلْبِيَّانِ بمعنى اشتراطِ نَفْيِهما، ولا يَخْدِشُ في ذلك عدَمُ ذكْرِ الْخَطَّابِيِّ لهما؛ إذ لم يُخَالِفْ أحَدٌ فيه.
بل هو أيضاً مُقْتَضَى توجيهِ ابنِ دقيقِ العيدِ قولَه: (وفيهما نَظَرٌ على مُقْتَضَى نظَرِ الفُقهاءِ؛ حيث قالَ: فإنَّ كثيراً مِن العِللِ التي يُعَلِّلُ بها الْمُحَدِّثونَ لا تَجْرِي على أُصولِ الفُقهاءِ).
إذ ظَاهِرُه أنَّ الْخِلافَ إنما هو فيما يُسَمَّى عِلَّةً، فالكثيرُ منه يَختلِفونَ فيه، والبعضُ المحتَمِلُ لأنْ يكونَ الأكثرَ أو غيرَه يُوافِقُ الفقيهُ الْمُحدِّثَ على التعليلِ به، ولذلك احْتَرَزَ بقولِه:(كثيراً).
ومِن المسائلِ المختَلَفِ فيها مما إذا أَثْبَتَ الراوي عن شيخِه شيئاً فنَفاهُ مَن هو أحْفَظُ، أو أكثرُ عَدداً، أو أكثرُ مُلازَمَةً منه، فإنَّ الفقيهَ والأُصُولِيَّ يَقولانِ: الْمُثْبِتُ مقَدَّمٌ على النافِي فيُقْبَلُ.
والْمُحَدِّثون يُسَمُّونَه شاذًّا؛ لأنهم فَسَّرُوا الشذوذَ الْمُشْتَرَطَ نَفْيُه هنا بمخالَفَةِ الراوي في روايتِه مَن هو أَرجَحُ منه، عندَ تَعَسُّرِ الجمْعِ بينَ الروايتينِ، ووَافَقَهم الشافعيُّ على التفسيرِ المذكورِ، بل صرَّحَ بأنَّ العددَ الكثيرَ أَوْلَى بالحفْظِ مِن الواحدِ، أيْ: لأنَّ تَطَرُّقَ السهْوِ إليه أقْرَبُ مِن تَطَرُّقِه إلى العددِ الكثيرِ، وحينئذٍ فَرَدُّ قولِ الجماعةِ بقولِ الواحدِ بعيدٌ.
ومِنها الحديثُ الذي يَرويهِ العدْلُ الضابطُ عن تابِعِيٍّ مَثلاً عن صحابِيٍّ، ويَرويهِ آخَرُ مِثلُه؛ سواءٌ عن ذلك التابعيِّ بعينِه، لكنْ عن صحابِيٍّ آخَرَ، فإنَّ الفقهاءَ أو أكثَرَ الْمُحَدِّثين يُجَوِّزُونَ أنْ يكونَ التابِعِيُّ سَمِعَه منهما معاً، إنْ لم يَمْنَعْ منه مانِعٌ، وقامَتْ قَرينةٌ له، كما سيأتي في ثانِي قِسْمَيِ المقلوبِ، وفي الصحيحين الكثيرُ مِن هذا.
وبعضُ الْمُحَدِّثينَ يُعِلُّونَ بهذا، متَمَسِّكينَ بأنَّ الاضطرابَ دَليلٌ على عدَمِ الضبْطِ في الجملةِ، والكلُّ مُتَّفِقُونَ على التعليلِ بما إذا كانَ أحَدُ المترَدَّدِ فيهما ضَعيفاً، بل تَوَسَّعَ بعضُهم فَرَدَّ بِمُجَرَّدِ العِلَّةِ ولو لم تَكُنْ قادحةً.
وأمَّا مَن لم يَتَوَقَّفْ مِن الْمُحَدِّثين والفُقهاءِ في تَسميةِ ما يَجمعُ الشروطَ الثلاثةَ صَحيحاً، ثم إنْ ظَهَرَ شُذوذٌ أو عِلَّةٌ [رَدُّه] ([1]) فشَاذٌّ، وهو استرواحٌ حيث يُحْكَمُ على الحديثِ بالصحَّةِ قَبلَ الإمعانِ في الفحْصِ، عن تَتَبُّعِ طُرُقِه التي يُعْلَمُ بها الشذوذُ والعلَّةُ نَفْياً وإثباتاً، فَضْلاً عن أحاديثِ البابِ كلِّه التي ربما احْتيجَ إليها في ذلك.
وربما تَطَرَّقَ إلى التصحيحِ متَمَسِّكاً بذلك مَن لا يُحْسِنُ، فالأحسَنُ سَدُّ هذا البابِ، وإنْ أَشْعَرَ تعليلُ ابنِ الصلاحِ ظُهورَ الحكْمِ بصِحَّةِ الْمَتْنِ مِن إطلاقِ الإمامِ المعتَمدِ صِحَّةَ الإسنادِ بِجَوازِ الحكْمِ قبلَ التفتيشِ، حيثُ قالَ: (لأنَّ عَدَمَ العِلَّةِ والقادحِ هو الأصْلُ الظاهرُ)، فتصريحُه بالاشتراطِ يَدفعُه، مع أنَّ قصْرَ الحكْمِ على الإسنادِ وإنْ كانَ أخَفَّ لا يَسْلَمُ مِن انتقادٍ.
وكذا لا يَنبغِي الحكْمُ بالانقطاعِ، ولا بِجَهالةِ الراوي المبهَمِ بمجَرَّدِ الوُقوفِ على طريقٍ كذلك، بل لا بُدَّ مِن الإمعانِ في التفتيشِ؛ لئلا يكونَ مُتَّصِلاً ومُعَيَّناً في طريقٍ آخَرَ، فيُعَطَّلَ بحكْمِه الاستدلالُ به، كما سيَجيءُ في المرسَلِ والمنقَطِعِ والمعضَلِ.
على أنَّ شيخَنا مالَ إلى النِّزاعِ في تَرْكِ تَسميةِ الشاذِّ صحيحاً، وقالَ: غايةُ ما فيه رُجحانُ رِوايةٍ على أُخْرَى، والْمَرجوحيَّةُ لا تُنافِي الصحَّةَ، وأكثرُ ما فيه أنْ يكونَ هناك صحيحٌ وأَصَحُّ، فيُعْمَلُ بالراجِحِ ولا يُعمَلُ بالمرجوحِ؛ لأجْلِ مُعارَضَتِهِ له، لا لكونِه لم تَصِحَّ طريقُه.
ولا يَلْزَمُ مِن ذلك الحكْمُ عليه بالضعْفِ، وإنما غايتُه أنْ يُتَوَقَّفَ عن العملِ به، ويَتأيَّدُ بِمَن يقولُ: (صحيحٌ شاذٌّ) كما سيأتِي في الْمُعَلِّ. وهذا كما في الناسخِ والمنسوخِ سواءٌ، قالَ: ومَن تَأَمَّلَ الصحيحينِ، وَجَدَ فيهما أمْثِلَةً مِن ذلك. انتهى.
ويُمْكِنُ توجيهُ تَنظيرِ ابنِ دقيقِ العيدِ الذي لم يُفْصِحْ به بهذا.
وهو أيضًا شبيهٌ بالاختلافِ في العامِّ قبلَ وُجودِ الْمُخَصِّصِ، وفي الأمْرِ قبلَ وُجودِ الصارِفِ له عن الوُجوبِ.
وبالجملةِ فالشذوذُ سببٌ للترْكِ إمَّا صِحَّةً أو عَمَلاً، بخلافِ العِلَّةِ القادحةِ؛ كالإرسالِ الْخَفِيِّ (فَتُوذِي) بوُجُودِها الصحَّةَ الظاهرةَ، ويَمْتَنِعُ معها الحكْمُ والعمَلُ معاً (و) إذا تَمَّ هذا فـ (بالصحيحِ) في قَوْلِ أهْلِ هذا الشأنِ: هذا حديثٌ صحيحٌ.
(وبالضعيفِ) في قولِهم: هذا حديثٌ ضعيفٌ (قَصَدُوا) الصحَّةَ والضعْفَ (في ظاهِرٍ) للحكْمِ، بمعنى أنه اتَّصَلَ سَنَدُه مع سائرِ الأوصافِ المذكورةِ، أو فَقَدَ شرْطًا مِن شُروطِ القَبولِ لِجَوازِ الخطَأِ والنِّسيانِ على الثقةِ، والضبْطِ والإتقانِ وكذا الصدْقُ على غيرِه، كما ذهَبَ إليه جُمهورُ العُلماءِ مِن الْمُحَدِّثينَ والفُقهاءِ والأُصُولِيِّينَ، ومِنهم الشافعيُّ، مع التعبُّدِ بالعمَلِ به، مَتَى ظَنَنَّاهُ صِدْقاً، وتَجَنُّبِه في ضِدِّه.
(لا) أنهم قَصَدُوا (القطْعَ) بصِحَّتِه أو ضَعْفِه؛ إذ القطْعُ إنما يُستفادُ مِن التواتُرِ، أو القرائنِ الْمُحْتَفِّ بها الخبرُ، ولو كانَ آحاداً كما سيأتي تحقيقُه عندَ حكْمِ الصحيحينِ.
وأمَّا مَن ذَهَبَ كحُسينٍ الكَرَابِيسِيِّ وغيرِه إلى أنَّ خبرَ الواحدِ يُوجِبُ العلْمَ الظاهرَ والعمَلَ جميعاً- فهو مَحمولٌ على إرادةِ غَلَبَةِ الظنِّ أو التَّوَسُّعِ، لا سيما مَن قَدَّمَ مِنهم الضعيفَ على القِياسِ كأحمدَ، وإلا فالعلْمُ عندَ الْمُحَقِّقِينَ لا يَتفاوَتُ.
فالجارُّ في "الصحيحِ" يَتعلَّقُ بـ "قَصَدُوا"، و"في ظَاهِرٍ" بمحذوفٍ، و"لا القْطَعَ" معطوفٌ على مَحَلِّ "في ظاهِرٍ" أو على المحذوفِ، والتقديرُ: قَصَدُوا الصحَّةَ ظاهِراً لا قَطْعاً. والحاصِلُ أنَّ الصحةَ والضعفَ مَرْجِعُهما إلى وجودِ الشرائطِ وعَدَمِها بالنسبةِ إلي غَلَبَةِ الظنِّ، لا بالنسبةِ إلى الواقِعِ في الخارجِ.
واعلَمْ أنه لا يَلْزَمُ مِن الحكْمِ بالصحةِ في سَنَدٍ خاصٍّ الحكْمُ بالأَصَحِّيَّةِ لفَرْدٍ مُطْلَقًا، بل (المعتمَدُ إمساكُنا) أيْ: كَفُّنَا (عن حكْمِنا على سَنَدٍ) مُعَيَّنٍ (بأنه أَصَحُّ) الأسانيدِ (مُطْلَقًا) كما صَرَّحَ به غيرُ واحدٍ مِن أئمَّةِ الحديثِ.
وقالَ النوويُّ: إنه المختارُ؛ لأنَّ تَفاوُتَ مراتِبِ الصحيحِ مُتَرَتِّبٌ على تَمَكُّنِ الإسنادِ مِن شُروطِ الصحَّةِ، ويَعِزُّ وُجودُ أعلى درجاتِ القَبولِ مِن الضبْطِ والعدالةِ ونحوِهما في كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِن رُواةِ الإسنادِ، مِن تَرجمةٍ واحدةٍ بالنسبةِ لجميعِ الرُّواةِ الْمَوجودينَ في عَصْرِه؛ إذ لا يُعْلَمُ أو يُظَنُّ أنَّ هذا الراويَ حازَ أعْلَى الصفاتِ حتى يُوَازَى بينَه وبينَ كلِّ فَرْدٍ مِنْ جَميعِ مَن عاصَرَه.
(وقد خاضَ) إذ اقْتَحَمَ الغمراتِ (به) أيْ: بالحكْمِ بالأَصَحِّيَّةِ المطلَقَةِ (قوْمٌ) فتَكَلَّموا في ذلك، واضطرَبَتْ أقوالُهم فيه لاختلافِ اجتهادِهم (فقيلَ) كما ذَهَبَ إليه إمامُ الصنعةِ البخاريُّ: أصَحُّ الأسانيدِ ما رواه (مالِكُ) نَجْمُ السنَنِ القائلُ فيه ابنُ مَهْدِيٍّ: لا أُقَدِّمُ عليه في صِحَّةِ الحديث أحَداً.
والشافعيُّ: إذا جاءَ الحديثُ عنه فاشْدُدْ يَدَكَ به، كان حُجَّةَ اللهِ على خَلْقِه بعدَ التابعينَ (عن) شيخِه (نافِعٍ) القائلِ في حَقِّه أحمدُ عن سفيانَ: أيُّ حديثٍ أوْثَقُ مِن حديثِه؟ (بما) أيْ: بالذي (رَواهُ) لَهُ (الناسِكُ) أي: العابِدُ (مَولاهُ) أيْ: مَوْلَى نافعٍ، وهو سيِّدُه عبدُ اللهِ بنُ عمرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهما، والْمَوْلَى يُطْلَقُ على كلٍّ مِن الْمُعْتِقِ والْمُعْتَقِ، وكانَ جَديراً بالوصْفِ بالنُّسُكِ؛ لأنه كانَ مِن التمسُّكِ بالآثارِ النَّبَويَّةِ بالسبيلِ الْمَتينِ.
وقالَ فيه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ))، فكانَ بعدُ لا يَنامُ مِن الليلِ إلاَّ قليلاً، وقالَ جابرٌ رَضِيَ اللهُ عنه: (ما مِنَّا أحَدٌ أدْرَكَ الدنيا إلاَّ مَالَتْ به ومالَ بها، إلاَّ هو).
(واخْتَرْ) إذا جَنَحْتَ لهذا أو زِدْتَ رَاوِياً بعدَ مالِكٍ (حيثُ عنه يُسْنِدُ) أمامُنا (الشافعِي) بالسكونِ أي: اخْتَرْ هذا فـ(حيثُ) وما بعدَه في مَوْضِعِ المفعولِ، فقد رُوِّينَا عن أحمدَ بنِ حَنبلٍ قالَ: (كنتُ سمعتُ (الْمُوَطَّأَ) مِن بِضعةَ عشَرَ رَجُلاً مِن حُفَّاظِ أصحابِ مالِكٍ، فأَعَدْتُه على الشافعيِّ؛ لأَنِّي وَجَدْتُه أَقْوَمَهم به). انتهى، بل هو أَجَلُّ مِن جميعِ مَن أَخَذَه عن مالِكٍ، رَحِمَهما اللهُ.
قالَ الأستاذُ أبو منصورٍ عبدُ القاهرِ بنُ طاهِرٍ التَّمِيمِيُّ: (إنه -أيْ: هذا الإسنادُ- أجَلُّ الأسانيدِ لإجماعِ أصحابِ الحديثِ)، أنه لم يكنْ في الرُّواةِ عن مالِكٍ أجَلُّ مِن الشافعيِّ (قلتُ و) اخْتَرْ كما قالَه الصلاحُ العلائيُّ شيخُ المصنِّفِ، إنْ زِدْتَ بعدَ الشافعيِّ أحداً حيث (عنه) يُسْنِدُ (أَحمدُ) وهو حَقيقٌ بالإلحاقِ.
فقد قالَ الشافعيُّ: إنه خَرَجَ مِن بغدادَ وما خَلَّفَ بها أَفْقَهَ ولا أزْهَدَ ولا أوْرَعَ ولا أعْلَمَ منه. ولاجتماعِ الأئمَّةِ الثلاثةِ في هذه الترجمةِ قيلَ لها:(سِلسةُ الذهَبِ).
فإنْ قِيلَ: فلِمَ أكثَرَ أحمدُ في مُسْنَدِه مِن الروايةِ عن ابنِ مَهْدِيٍّ، ويحيى بنِ سعيدٍ حيث أوْرَدَ حديثَ مالِكٍ؟ ولِمَ لَمْ يُخَرِّجِ البخاريُّ ومسلِمٌ وغيرُهما مِن أصحابِ الأصولِ ما أَوْرَدُوه مِن حديثِ مالِكٍ مِن جِهَةِ الشافعيِّ عنه؟
أمْكَنَ أنْ يُقالَ عن أحمدَ بخصوصِه: لعلَّ جَمْعَه المسنَدَ كانَ قبلَ سماعِه مِن الشافعيِّ، وأمَّا مَن عَداهُ فلِطَلَبِ العُلُوِّ، وقد أوْرَدْتُ في هذا الموضِعِ مِن النُّكَتِ أشياءَ مُهِمَّةً.
منها إيرادُ الحديثِ الذي أوْرَدَه الشارِحُ بهذه الترجمةِ بإسنادٍ كنتُ فيه كأَنِّي أخَذْتُهُ عنه، فأَحْبَبْتُ إيرادَه هنا تَبَرُّكاً،
أخْبَرَنِي به أبو زيدٍ عبدُ الرحمنِ بنُ عمرَ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنبليُّ في كتابِه، والعزُّ أبو محمَّدٍ عبدُ الرَّحيمِ بنُ محمَّدٍ الْمِصْرِيُّ الْحَنَفِيُّ سَمَاعاً.
قالَ الأوَّلُ: أخْبَرَنا أبو عبدِ اللهِ محمَّدُ بنُ أبي الفِداءِ بنِ الْخِيَارِ إِذْناً، أَنَا أبو الغنائمِ المسلِمُ بنُ محمَّدِ بنِ المسلِمِ بنِ مَكِّيٍّ القَيْسِيُّ الدِّمَشْقِيُّ.
وقالَ الثاني: أخْبَرَنا أبو العَبَّاسِ أحمدُ بنُ محمَّدِ بنِ الْجُوخِيِّ في كِتابِه، أَخْبَرَتْنا أمُّ أحمدَ زَينبُ بنتُ مَكِّيِّ بنِ عليِّ بنِ كامِلٍ الْحَرَّانِيَّةُ قالاَ: أخْبَرَنَا أبو عليٍّ حَنبلُ بنُ عبدِ اللهِ الرَّصَافِيُّ، أخْبَرَنا أبو القاسمِ هِبَةُ اللهِ بنُ الْحُصَيْنِ الشَّيْبَانِيُّ، أخْبَرَنَا أبو عَلِيٍّ الحسنُ بنُ عَلِيٍّ التَّميميُّ الواعظُ، أخْبَرَنا أبو بكرٍ أحمدُ بنُ جَعفرٍ القَطِيعِيُّ، أنا أبو عبدِ الرحمنِ عبدُ اللهِ ابنُ الإمامِ أحمدَ بنِ محمَّدِ بنِ حَنبلٍ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَني أبي، حَدَّثَنا محمَّدُ بنُ إدريسَ الشافعيُّ، أخْبَرَنا مالكٌ عن نافِعٍ عن ابنِ عمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: ((لاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ))، ونَهَى عن النَّجْشِ، ونهى عن حَبَلِ الْحَبَلَةِ، ونَهَى عنِ الْمُزَابَنَةِ، والْمُزابَنَةُ بَيْعُ التمْرِ بالتمْرِ كَيْلاً. وبَيْعُ الكرْمِ بالزبيبِ كَيْلاً.
وهو مما اتَّفَقَا عليه مِن حديثِ مالكٍ إلاَّ الجملةَ الثالثةَ، فهي مِن أفرادِ البخاريِّ، فوَقَعَ لنا بَدَلاً لهما مُساوياً.
(وجَزَمَ) الإمامُ أحمدُ (ابنُ حَنبلٍ) نِسْبَةً لِجَدِّه، فاسمُ أبيه محمَّدٌ، حينَ تَذَاكَرَ في ذلك معَ جَماعةٍ بأَجْوَدِيَّةِ روايةِ الإمامِ أبي بكرٍ محمَّدِ بنِ مسلِمِ بنِ عُبيدِ اللهِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ شِهابٍ القُرَشِيِّ (الزُّهْرِيِّ) المدنِيِّ القائلِ فيه الليثُ بنُ سعْدٍ رَحِمَهما اللهُ: ما رأيتُ عالِماً أجْمَعَ منه، ولا أَكثرَ عِلْماً، لو سمعتَه يُحَدِّثُ في الترغيبِ لقُلْتَ: لا يُحْسِنُ إلا هذا، أو الأنسابِ فكذلك، أو عن القرآنِ والسنَّةِ فحديثُه جامِعٌ.
(عن سالِمٍ) هو ابنُ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ الذي قالَ فيه ابنُ الْمُسَيِّبِ: إنه كان أَشبهَ ولَدِ أبيهِ به، ومالِكٌ: إنه لم يكنْ في زَمَنِه أَشْبَهُ بِمَن مَضَى مِن الصالحينَ في الزهْدِ والفضْلِ والعَيْشِ منه (أيْ) مما رَواهُ سالِمٌ (عن أَبيهِ) عبدِ اللهِ بنِ عمرَ (الْبَرِّ) بفَتْحِ الموحَّدَةِ؛ لأنه كانَ دَأَبَه العمَلُ الصالحُ.
ووافَقَ أحمدَ على مَذهبِه في ذلك إسحاقُ بنُ إبراهيمَ الْحَنْظَلِيُّ المعروفُ بابنِ رَاهَوَيْهِ، لكنْ مُعَبِّراً بالأَصَحِّيَّةِ، ولا فَرْقَ بينَ اللفظينِ اصْطِلاحاً، ولذا قَرَنَ شيخُنا تَبَعاً للشارِحِ بَيْنَ الرَّجُلينِ في حكايةِ الأَصَحِّيَّةِ، نَعَم الوصْفُ بجَيِّدٍ عندَ الْجِهْبِذِ أنْزَلُ رُتبةً مِن الوصْفِ بصحيحٍ.
(وقيلَ) كما ذَهَبَ إليه عبدُ الرزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ، وأبو بكرِ بنُ أبي شَيبةَ، إنْ صَحَّ عنه، والنَّسائيُّ لكنَّه أَدْرَجَه مع غيرِه: أصَحُّ الأسانيدِ ما رَواهُ (زَيْنُ العابدينَ) واسمُه: عَلِيُّ بنُ الحسينِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ الذي قالَ فيه مالِكٌ: بَلَغَنِي أنه كانَ يُصَلِّي في كلِّ يومٍ وليلةٍ ألْفَ رَكعةٍ حَتَّى ماتَ (عن أَبِهْ) بحذْفِ الْمُثَنَّاةِ التَّحتانيَّةِ على لُغَةِ النَّقْصِ؛ كقولِه:
بِأَبِهِ اقْتَدَى عَدِيٌّ في الكَرَمْ.
وهو السيِّدُ الحسينُ الشهيدُ سِبْطُ الرسولِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورَيحانتُه مِن الدنيا (عن) عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ (جَدِّهِ) أيْ: جَدِّ زَيْنِ العابدينَ (و) ذلك مما رواه (ابنُ شِهابٍ) الزُّهْرِيُّ (عنه) أيْ: عن زَيْنِ العابدينَ (به) أيْ: بالسنَدِ المذكورِ، فهذه أقوالٌ ثلاثةٌ.
ولأجْلِ تنويعِ الْخِلافِ في ذلك يُقالُ: أصَحُّ الأسانيدِ، إمَّا ما تَقَدَّمَ، (أو فـ) ما رواه (ابنُ سِيرينَ) أبو بكرٍ محمَّدٌ الأنصاريُّ البَصريُّ التابِعِيُّ الشهيرُ بكثرةِ الحفْظِ والعلْمِ والإتقانِ وتَعبيرِ الرُّؤْيَا، والَّذِي قالَ فيه مُؤَرَّقٌ: ما رأيتُ أفْقَهَ في وَرَعِه، ولا أوْرَعَ في فِقْهِه منه.
(عن) أبي عمرٍو عَبيدةَ بفتْحِ العينِ (السَّلْمَانِي) بسكونِ اللامِ على الصحيحِ، حَيٌّ مِن مُرادٍ، الكوفيِّ التابعيِّ الذي كادَ أنْ يكونَ صَحابيًّا، فإِنه أسْلَمَ قبلَ الوفاةِ النبويَّةِ، وكان فقيهاً يُوَازِي شُريحاً في الفضائلِ، بل كان شُريحٌ يُراسلُه فيما يُشْكِلُ عليه.
قالَ ابنُ مَعينٍ: (إنه ثِقةٌ لا يُسألُ عن مِثْلِه).
(عنه) يَعنِي عن عَلِيٍّ صحابِ الترجمةِ التي قَبْلَها. وهو قولُ عمرِو بنِ عَلِيٍّ الفَلاَّسِ، وكذا عليُّ بنُ الْمَدِينِيِّ وسليمانُ بنُ حرْبٍ بزيادةِ أيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ؛ حيثُ قالاَ: أصَحُّ الأسانيدِ: أيُّوبُ عنِ ابنِ سِيرينَ إلى آخِرِه.
وجاءَ مَرَّةً أُخْرَى عن أوَّلِهما بإبدالِ عبدِ اللهِ بنِ عَوْنٍ مِن السِّخْتِيَانِيِّ، وبأَجْوَدَ مِن أصَحَّ، وهما كما تَقَدَّمَ سواءٌ، وممن ذَهَبَ إلى أَصَحِّيَّةِ أيُّوبَ مع باقِي الترجمةِ النَّسائيُّ، لكنْ مع إدْراجِ غيرِه (أو) ما رواه أبو مُحَمَّدٍ سليمانُ بنُ مِهرانَ الكوفِيُّ (الأعمَشُ) الإمامُ الحافظُ الثِّقَةُ الذي كان شُعبةُ يُسَمِّيهِ لصِدْقِه (الْمُصْحَفَ) (عن) الفقيهِ الْمُتوفَّى الصالحِ.
(ذي الشَّانِ) أبي عِمرانَ إبراهيمَ بنِ يَزيدَ بنِ قَيْسٍ (النَّخَعِيِّ) بفتْحِ النونِ والْمُعْجَمَةِ، نِسبةً للنخَعِ، قَبيلةٌ مِن مَذْحَجَ، الكوفِيِّ (عن) راهبِ أهلِ الكوفةِ عِبادةً وعِلْماً وفَضْلاً وفِقْهًا.
(ابنِ قَيْسٍ عَلْقَمَهْ) أيْ: عن عَلقمةَ بنِ قَيْسٍ (عن ابنِ مسعودٍ) أبي عبدِ الرحمنِ عبدِ اللهِ، رَضِيَ اللهُ عنه، وهو قولُ ابنِ مَعِينٍ، وكذا قالَه غيرُه، لكنْ بإبدالِ منصورِ بنِ المعتَمِرِ مِن الأعمشِ.
فقالَ عبدُ الرزَّاقِ: (حَدَّثَ سفيانُ عن منصورٍ بهذه التَّرجمةِ، فقالَ: هذا المشرِفُ على الكَرَاسِيِّ)، بل سُئِلَ ابنُ مَعِينٍ أيُّهما أحَبُّ إليك في إبراهيمَ: الأعمَشُ أو منصورٌ؟، فقالَ: (منصورٌ).
ووافَقَه غيرُه على ذلك، فقالَ أبو حاتمٍ- وقد سُئِلَ عنهما-: الأعمشُ حافظٌ يُخَلِّطُ وَيُدَلِّسُ، ومنصورٌ أَتْقَنُ لا يُخَلِّطُ ولا يُدَلِّسُ، لكنْ قالَ وَكيعٌ: (إنَّ الأعمشَ أحْفَظُ لإسنادِ إبراهيمَ مِن منصورٍ).
وفي المسألةِ أقوالٌ أُخَرُ أَوْرَدْتُ منها في (النُّكَتِ) مما لم يُذْكَرْ هنا ما يُزَاحِمُ عِشرينَ قَوْلاً، والاعتناءُ بتَتَبُّعِها يُفيدُ أحَدَ أمْرَيْنِ: إمَّا ترجيحَ ما عُورِضَ منها بذلك على غيرِه، أو تَمَكُّنَ الناظِرِ الْمُتْقِنِ فيها مِن ترجيحِ بعضِها على بعضٍ بالنظَرِ لترجيحِ القائلينَ إنْ تَهَيَّأَ.
وقد أفْرَدَ الناظمُ في الأحكامِ كتاباً لطيفاً جَمَعَه مِن تَراجِمِ سِتَّةَ عشرَ قيلَ فيها: إنها أصَحُّ الأسانيدِ، إمَّا مُطْلَقاً أو مُقَيَّداً، وهي ما عدا الثالثةَ مما ذُكِرَ هنا، ومالِكٌ عن أبي الزِّنادِ عن الأعرَجِ، ومعمَرٌ عن هَمَّامٍ، والزُّهْرِيُّ عن سعيدِ بنِ المسيِّبِ، ويحيى بنُ أبي كثيرٍ عن أبي سَلَمَةَ، كلٌّ مِن الأربعةِ عن أبي هُريرةَ وعبدِ الرحمنِ بنِ القاسمِ، وعُبيدِ اللهِ بنِ عمرَ مما رواه يحيى بنُ سعيدٍ عنه، كلٌّ مِنهما عن القاسِمِ، والزُّهْرِيِّ عن عُروةَ، كلٌّ مِنهما عن عائشةَ، ومالِكٌ عن الزُّهْرِيِّ عن أَنَسٍ، والحسينُ بنُ واقِدٍ عن عبدِ اللهِ بنِ بُريدةَ عن أبيهِ، وابنُ عُيَيْنَةَ عن عمرِو بنِ دِينارٍ عن جابرٍ، والليثُ بنُ سَعْدٍ عن يَزيدَ بنِ أبي حَبيبٍ عن أبي الخيرِ عن عُقبةَ بنِ عامِرٍ، والزُّهْرِيُّ عن سالِمٍ عن أبيه عن جَدِّه عُمَرَ، وحينئذٍ فهو مِن أَصَحِّ الصحيحِ.
(و) على كلِّ حالٍ (لُمْ) كما زادَه الْمُصَنِّفُ، بضَمِّ اللامِ أي: اعْذِلْ واعْتِبْ (مَن عَمَّمَهْ) أي: الذي عَمَّمَ الحكْمَبالأَصَحِّيَّةِ لسنَدٍ مُعَيَّنٍ؛ لأنه حَصْرٌ في بابٍ واسعٍ جِدًّا شديدِ الانتشارِ، والحاكِمُ فيه على خَطَرٍ مِن الخطأِ والانتقاضِ.
كما قيلَ بمثلِه في قولِهم: ليس في الرُّواةِ مَن اسْمُه كذا سِوَى فُلانٍ، بل إنْ كانَ ولا بُدَّ فتُقَيَّدُ كلُّ تَرجمةٍ بصَحَابِيِّها، أو بالبلَدِ التي منها أصحابُ تلكَ الترجمةِ، فهو أقَلُّ انتشاراً أو أقْرَبُ إلى حَصْرٍ، كما قيلَ في أفضَلِ التابعينَ، وأصَحِّ الكتُبِ، وأحاديثِ البابِ، فيقولون: أصَحُّ أحاديثِ بابِ كذا أو مَسألةِ كذا، حديثُ كذا.
واعْلَمْ أنهم كما تَكَلَّمُوا في أَصَحِّ أسانيدِ فُلانٍ، مَشَوْا في أَوْهَى أسانيدِ فُلان ٍأيضاً، وفائدتُه تَرجيحُ بعضِ الأسانيدِ على بَعْضٍ، وتَمييزُ ما يَصْلُحُ للاعتبارِ مما لا يَصْلُحُ، ولكنَّ هذا المختَصَرَ يَضيقُ عن بَسْطِ ذلك وتَتِمَّاتِه، فلْيُرَاجَعْ أصْلُه بعدَ تحريرِه، إنْ شاءَ اللهُ تعالى.


[1] لعلها "ترده" يراجع


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أقسام, الحديث

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:53 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir