دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > مكتبة علوم الحديث الشريف > جامع متون الأحاديث > جامع الأصول من أحاديث الرسول

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 جمادى الأولى 1431هـ/3-05-2010م, 07:55 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي كتاب الإيمان والإسلام

حرف الهمزة
الكتاب الأول: في الإيمان والإسلام
الباب الأول: في تعريفهما حقيقة ومجازا
الفصل الأول: في حقيقتهما وأركانهما
1 - (خ م ت س) عبد الله بن عمر: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنّ محمدًا عبده ورسوله، وإقام الصلاة وإيتاء الزّكاة، وحجّ البيت، وصوم رمضان».
وفي رواية أنّ رجلاً قال له: ألا تغزو؟ فقال له: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنّ الإسلام بني على خمسٍ..» وذكر الحديث.
وفي أخرى: «بني الإسلام على خمسةٍ: على أن يوحّد الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحجّ»، فقال رجل: الحجّ وصيام رمضان؟ قال: «لا، صيام رمضان والحجّ»، هكذا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وفي أخرى «بني الإسلام على خمس: [على] أن يعبد الله ويكفر بما دونه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت، وصوم رمضان» أخرج طرقه جميعها مسلمٌ، ووافقه على الأولى: الترمذي، وعلى الثانية: البخاريّ والنسائيّ.
2 - (م ت د س) يحيى بن يعمر: قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة: معبد الجهنيّ، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميريّ حاجّين، أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحدًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر؟ فوفّق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - داخلاً المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله، فظننت أنّ صاحبي سيكل الكلام إليّ، فقلت: أبا عبد الرحمن ! إنه قد ظهر قبلنا أناسٌ يقرؤون القرآن، ويتقفّرون العلم، وذكر من شأنهم، وأنّهم يزعمون أن لا قدر، وأنّ الأمر أنفٌ، فقال: إذا لقيت أولئك فأخبرهم: أنّي بريءٌ منهم، أنّهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر: لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبًا فأنفقه، ما قبل الله منه حتّى يؤمن بالقدر، ثم قال: حدّثني أبي عمر بن الخطّاب، قال: بينما نحن جلوسٌ عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يومٍ، إذ طلع علينا رجلٌ شديد بياض الثّياب، شديد سواد الشّعر، لا يرى عليه أثر السّفر، ولا يعرفه منّا أحدٌ، حتّى جلس إلى النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفّيه على فخذيه وقال: يا محمّد، أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمّدًا رسول الله، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلاً». قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدّقه، قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشرّه». قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك». قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: «ما المسؤول عنها بأعلم من السّائل». قال: فأخبرني عن إماراتها؟قال: «أن تلد الأمة ربّتها، وأن ترى الحفاة العراة، العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان»، قال: ثم انطلق، فلبث مليًّا ثم قال لي: «يا عمر، أتدري من السّائل؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنّه جبريل أتاكم يعلّمكم دينكم»، هذا لفظ مسلمٍ.
قال الحميديّ: جمع مسلمٌ فيه الروايات، وذكر ما أوردنا من المتن، وأنّ في بعض الرّوايات زيادةً ونقصانًا.
وأخرجه الترمذيّ بنحوه، وتقديم بعضه وتأخيره.
وفيه: قال عمر: فلقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ثلاثٍ، فقال لي: «يا عمر، هل تدري من السائل؟...» الحديث.
وأخرجه أبو داود بنحوه، وفيه «فلبث ثلاثًا».
وفي أخرى له: قال: فما الإسلام؟ قال: «إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت، وصوم شهر رمضان، والاغتسال من الجنابة».
وفي أخرى لأبي داود: عن يحيى بن يعمر، وحميد بن عبد الرحمن قالا: لقينا عبد الله بن عمر، فذكرنا له القدر، وما يقولون فيه؟ فذكر نحوه، وزاد: قال: وسأله رجل من مزينة، أو جهينة، فقال: يا رسول الله، فيم نعمل؟ في شيء خلا ومضى، أو شيء يستأنف الآن؟ قال: «في شيء خلا ومضى». فقال الرّجل- أو بعض القوم - ففيم العمل؟ قال: «إن أهل الجنّة ميسّرون لعمل أهل الجنة، وإنّ أهل النار ميسّرون لعمل أهل النار».
وأخرجه النّسائي مثل رواية مسلم، إلا أنّه أسقط حديث يحيى بن يعمر، وذكر معبدٍ، وما جرى له مع ابن عمر في ذكر القدر - إلى قوله: «حتى تؤمن بالقدر».
وأوّل حديثه قال ابن عمر: حدّثني أبي - وسرد الحديث إلى قوله - «البنيان». ثم قال: قال عمر: فلبث ثلاثًا، ثم قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أتدري من السائل؟...» الحديث.
وزاد هو والترمذي وأبو داود بعد «العراة» - «العالة».
[شرح الغريب]
القدر: القدر: مصدر قدر يقدر، وقد تسكّن داله، وهو ما قضاه الله تعالى، وحكم به من الأمور.
اكتنفه: كنفت الرّجل واكتنفته، أي صرت مما يليه، وكذلك إذا قمت بأمره.
سيكل: وكلت الأمر إليه أكله: إذا رددته إليه، واعتمدت فيه عليه، واستكفيته إياه.
يقتفرون: الاقتفار، والتقفر، والاقتفاء، والاقتداء: الاتباع، يقال: اقتفرت الأرض والأثر، وتقفرت.
الأنف: أنف: أي مستأنف، من غير أن يسبق له سابق قضاء وتقدير، وإنما هو مقصور على الاختيار.
الإحسان: قال الخطابي: إنما أراد بالإحسان هنا: الإخلاص، وهو شرط في صحة الإيمان، والإسلام معًا، وذلك أن من تلفظ بالكلمة، وجاء بالعمل من غير نية وإخلاص لم يكن محسنًا، ولا كان إيمانه صحيحًا.
ربتها، وربها: الرب: السيد، والمالك، والصاحب، والمدبر، والمربي، والمولى، والمراد به في الحديث: السيد، والمولى، وهي الأمة تلد للرجل فيكون ابنها مولى لها، وكذلك ابنتها، لأنها في الحسب كأبيها، والمراد: أن السبي يكثر، والنعمة تفشو في الناس وتظهر.
رعاء الشاء: الرعاء: جمع راع، والشاء: جمع شاة.
مليّاً: المليّ: طائفة من الزمان طويلة، يقال: مضى مليٌّ من النهار، أي: ساعة طويلة منه.
العالة: الفقراء: جمع عائل، والعيل: الفقر.
3 - (خ م د س) أبو هريرة وأبو ذر - رضي الله عنهما -: قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا بارزًا للناس، فأتاه رجل فقال: يا رسول الله، ما الإيمان؟ قال: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتابه، ولقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث الآخر» قال: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: «الإسلام أن تعبد الله، لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان». قال: يا رسول الله ما الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإنك إن لم تره فإنّه يراك». قال: يا رسول الله، متى السّاعة؟ قال: «ما المسؤول عنها بأعلم من السّائل، ولكن سأحدّثك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربّتها، فذاك من أشراطها، وإذا كانت العراة الحفاة رؤوس النّاس، فذاك من أشراطها، وإذا تطاول رعاء البهم في البينان، فذاك من أشراطها، في خمسٍ لا يعلمهنّ إلا الله، ثم تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {إن اللّه عنده علم الساعة، وينزّل الغيث، ويعلم ما في الأرحام} - إلى قوله: {إنّ الله عليمٌ خبيرٌ} [لقمان: 34]. قال: ثم أدبر الرجل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ردّوا عليّ الرّجل»، فأخذوا ليردّوه، فلم يروا شيئًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هذا جبريل جاء ليعلّم النّاس دينهم».
وفي رواية قال: «إذا ولدت الأمة بعلها» يعني السّراري.
وفي أخرى نحوه: وفي أوّله: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «سلوني» فهابوه أن يسألوه، فجاء رجلٌ، فجلس عند ركبتيه، فقال: يا رسول الله، ما الإسلام - وذكر نحوه- وزاد: أنّه قال له في آخر كل سؤال منها: صدقت - وقال في الإحسان: «أن تخشى الله كأنك تراه». وقال فيها: «وإذا رأيت الحفاة العراة الصّمّ البكم ملوك الأرض، فذاك من أشراطها» - وفي آخرها - «هذا جبريل أراد أن تعلّموا، إذ لم تسألوا». هذا لفظ البخاري ومسلم عن أبي هريرة وحده.
وأخرجه أبو داود عن أبي هريرة وأبي ذرٍّ، بمثل حديثٍ قبله، وحديث يحيى ابن يعمر، وهذا لفظه:
قال أبو هريرة وأبو ذر: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجلس بين ظهراني أصحابه، فيجيء الغريب، فلا يدري: أيّهم هو حتى يسأل، فطلبنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نجعل له مجلسًا، يعرفه الغريب إذا أتاه، قال: فبنينا له دكّانًا من طين يجلس عليه، وكنا نجلس بجنبته - وذكر نحو حديث يحيى بن يعمر - فأقبل رجلٌ، وذكر هيأته، حتى سلّم من طرف السّماط، فقال: السلام عليك يا محمد، فردّ عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأخرجه النسائي عن أبي هريرة وأبي ذر بمثل حديث أبي داود، إلى قوله: من طين كان يجلس عليه، ثم قال: وإنّا لجلوسٌ ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذ أقبل رجلٌ أحسن الناس وجهًا، وأطيب الناس ريحًا، كأن ثيابه لم يمسّها دنس، حتى سلّم من طرف السّماط، قال: السلام عليك يا محمّد، فردّ عليه السلام، قال: أدنو يا محمّد؟ قال: «أدنه». قال: فما زال يقول: أدنو مرارًا، ويقول: «أدنه» حتى وضع يده على ركبتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال: يا محمد، أخبرني ما الإسلام، قال: «الإسلام أن تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحجّ البيت، وتصوم رمضان». قال: وإذا فعلت ذلك، فقد أسلمت؟ قال: «نعم». قال: صدقت، فلما سمعنا قول الرّجل: صدقت، أنكرناه. قال: يا محمّد، أخبرني عن الإيمان؟ قال: «أن تؤمن بالله والملائكة، والكتاب، والنبيين، وتؤمن بالقدر» قال: «فإذا فعلت ذلك، فقد آمنت؟» قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «نعم» قال: صدقت، قال: يا محمّد، أخبرني: ما الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك». [قال: صدقت]، قال: يا محمّد، أخبرني: متى الساعة؟ قال: فنكّس، فلم يجبه شيئًا، ثم عاد، فلم يجبه شيئًا، ثم رفع رأسه، قال: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن لها علاماتٌ تعرف بها: إذا رأيت رعاء البهم يتطاولون في البنيان، ورأيت الحفاة العراة ملوك الأرض، ورأيت الأمة تلد ربّها، في خمسٍ لا يعلمها إلا الله، {إنّ الله عنده علم الساعة} - ثم تلا إلى قوله -: {إنّ الله عليم خبيرٌ} [لقمان: 34]، قال: لا والذي بعث محمدًا بالحقّ هاديًا وبشيرًا، ما كنت بأعلم به من رجل منكم، وإنه لجبريل نزل في صورة دحية الكلبيّ».
[شرح الغريب]
البهم: جمع بهمة، وهي صغار الغنم.
أشراطها: الأشراط: جمع شرط، وهو العلامة.
رؤوس الناس: أراد: مقدّميهم، وسادتهم.
الصّمّ: جمع أصم، وهو الذي لا يسمع شيئًا.
البّكم: جمع أبكم، وهو الذي خلق أخرس، لا يتكلم.
ظهراني: يقال: أقام فلان بين أظهر قومه، وظهراني قومه: أي أقام بينهم، والأظهر: جمع ظهرٍ، وفائدة إدخاله في الكلام: أنّ إقامته بينهم على سبيل الاستظهار بهم، والاستناد إليهم.
وأما ظهرانيهم: فقد زيدت فيه الألف والنون على ظهر، عند التثنية للتأكيد، وكأنّ معنى التثنية: أنّ ظهرًا منهم قدّامه، وآخر وراءه، فكأنه مكنوف من جانبيه، هذا أصله، ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم، وإن لم يكن مكنوفًا بينهم.
دكانًا: الدكّان: الدكة المبنية للجلوس عليها.
السماط: السماطان من الناس والنخل: الجانبان، يقال: مشى بين السماطين، والمراد بالسماط: الجماعة من الناس الجلوس عنده.
دنس: الدنس: الوسخ، وقد دنس الثّوب إذا توسخ.
أدنه: أمر بالدنو، وهو القرب، والهاء فيه هاء السكت، جيء بها لبيان الحركة.
4 - (خ م ت د س) أنس بن مالك - رضي الله عنه -: قال: «بينما نحن جلوسٌ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، إذ دخل رجلٌ على جمل، ثم أناخه في المسجد، ثمّ عقله، ثم قال [لهم]: أيّكم محمدٌ؟ والنبي - صلى الله عليه وسلم - متّكئ بين ظهرانيهم، فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتّكئ، فقال له [الرجل]: ابن عبد المطّلب؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قد أجبتك». فقال الرّجل [للنبي]: إنّي سائلك فمشدّدٌ عليك في المسألة، فلا تجد عليّ في نفسك، قال: «سل عمّا بدا لك». فقال أسألك بربك وربّ من قبلك، آللّه أرسلك إلى الناس كلّهم؟ قال: «اللهم نعم». قال: أنشدك بالله: آللّه أمرك أن تصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال: «اللّهم نعم». قال: أنشدك بالله، آللّه أمرك أن تصوم هذا الشهر من السّنة؟ قال: [اللهم] نعم». قال: أنشدك بالله، آللّه أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا، فتقسمها على فقرائنا؟. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللّهم نعم». قال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، أنا ضمام بن ثعلبة، أخو بني سعد بن بكرٍ. هذا لفظ البخاري.
وأخرجه مسلم، وهذا لفظه، قال أنس - رضي الله عنه -: نهينا في القرآن أن نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرّجل من أهل البادية العاقل، فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية، فقال: يا محمد، أتانا رسولك، فزعم لنا أنك تزعم أنّ الله أرسلك، فقال: «صدق».قال: فمن خلق السماء؟ قال: «الله». قال: فمن خلق الأرض؟ قال: «الله». قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: «الله». قال: فبالذي خلق السماء وخلق الأرض، ونصب هذه الجبال، آللّه أرسلك؟ قال: «نعم». قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا؟ قال: «صدق». قال: فبالذي أرسلك، آللّه أمرك بهذا؟ قال: «نعم». قال: وزعم رسولك أن علينا زكاةً في أموالنا؟ قال: «صدق». قال: فبالذي أرسلك، آللّه أمرك بهذا؟ قال: «نعم»، قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا؟ قال: «صدق». قال: فبالذي أرسلك، آللّه أمرك بهذا؟ قال: «نعم»، قال: وزعم رسولك أنّ علينا حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً؟ قال: «صدق». قال: [فبالذي أرسلك. آللّه أمرك بهذا؟ قال: «نعم». قال]: ثم ولّى، وقال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهنّ، ولا أنقص منهن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لئن صدق ليدخلنّ الجنة».
وأخرجه الترمذي مثل رواية مسلم.
وأخرجه النسائي مثل رواية البخاري ومسلم.
وأخرج أبو داود منه طرفًا من أول رواية البخاري إلى قوله إنّي سائلك، ثم قال- وساق الحديث - ولم يذكر لفظه.
[شرح الغريب]
متكئ: قال الخطابي: كل من استوى قاعدًا على وطاءٍ فهو متكئ، والعامة لا تعرف المتكئ، إلا من مال في قعوده معتمدًا على أحد شقيه.
فلا تجد: يقال: وجدت عليه أجد موجدة - إذا غضبت عليه، يقول له: إني سائلك فلا تغضب من سؤالي.
أنشدك: يقال: نشدتك بالله، ونشدتك الله، أي سألتك به، وأصله من النشيد، وهو رفع الصوت، فكأن معناه: طلبت إليك بالله برفع نشيدي: أي صوتي بطلبها.
5 - (د) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: بعث بنو سعد بن بكر ضمام ابن ثعلبة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقدم إليه، فأناخ بعيره على باب المسجد، ثم عقله، ثم دخل المسجد - فذكر نحوه - قال: فأيّكم ابن عبد المطلب؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا ابن عبد المطلب».فقال: يا ابن عبد المطلب... وساق الحديث.
هكذا أخرجه أبو داود، ولم يذكر لفظ الحديث، وإنما أورده عقيب حديث أنس المذكور.
6 - (س) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه، جاءهم رجلٌ من أهل البادية، فقال: أيّكم ابن عبد المطلب؟ فقالوا: هذا الأمغر المرتفق - قال حمزة: الأمغر: الأبيض المشوب بحمرةٍ - قال: إنّي سائلك، فمشتدٌّ عليك في المسألة، قال: «سل عمّا بدا لك»، قال: أنشدك بربّ من قبلك، ورب من بعدك: آللّه أرسلك؟ قال: «اللّهمّ نعم». قال: أنشدك به: اللّه أمرك أن تصلّي خمس صلوات في كل يوم وليلة؟ قال: «اللّهمّ نعم». قال: فأنشدك به: آللّه أمرك أن تأخذ من أموال أغنيائنا فتردّه على فقرائنا؟ قال: «اللهم نعم». قال: فأنشدك به، آللّه أمرك أن تصوم هذا الشهر من اثني عشر شهرًا؟ قال: «اللهم نعم». قال: فأنشدك باللّه، آللّه أمرك أن يحجّ ذا البيت من استطاع إليه سبيلاً؟ قال: «اللهم نعم». قال: [فإني] آمنت وصدّقت، وأنا ضمام بن ثعلبة. أخرجه النسائي.
[شرح الغريب]
الأمغر: قد جاء تفسيره في الحديث: أنه الأبيض المشرب بالحمرة، وفي كتب الغريب: هو الأحمر، مأخوذٌ من المغرة، وقال الأزهري: أراد بالأمغر: الأبيض، كما أراد في موضع آخر بالأحمر: الأبيض، بدليل قوله العرب: امرأةٌ حمراء، يعنون: بيضاء، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة - رضي الله عنها -: «يا حميراء» والكل متقارب.
المرتفق: المتكئ على مرفقه.
7 - (خ م ط د س) طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنهما - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من أهل نجد، ثائر الرأس، نسمع دويّ صوته، ولا نفقه ما يقول، حتى دنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا هو يسأل عن الإسلام؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خمس صلوات في اليوم واللّيلة». فقال: هل عليّ غيرهن؟ قال: «لا، إلا أن تطّوّع». فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وصيام رمضان». فقال: هل عليّ غيره؟ قال: «لا، إلا أن تطوّع». قال: وذكر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزكاة، فقال: هل عليّ غيرها؟ قال: «لا، إلا أن تطوع». قال: فأدبر الرجل، وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أفلح إن صدق، أو دخل الجنّة إن صدق». أخرجه البخاري ومسلم و«الموطأ» وأبو داود والنسائيّ.
إلا أن أبا داود والنسائي قالا: «الصدقة» عوض «الزكاة».
وقال أبو داود: «أفلح وأبيه إن صدق».
وأخرجه النسائي أيضًا من رواية أخرى: «أنّ أعرابيّا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثائر الرأس، فقال: يا رسول الله، أخبرني ماذا فرض الله من الصلاة؟» قال: «الصلوات الخمس، إلا أن تطوّع، قال: أخبرني: ماذا فرض الله عليّ من الصوم؟» فذكر الحديث كما سبق.
[شرح الغريب]
الثائر الرأس: الشعث الشعر، البعيد العهد بالغسل والتسريح والدّهن.
الدوي: كصوت النحل وغيره.
نفقه: الفقه: الفهم والعلم، أي: لا يفهم كلامه.
أفلح وأبيه: كلمة جارية على ألسن العرب، تستعملها كثيرًا في خطابها، وتريد بها: التأكيد، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحلف الرجل بأبيه. فيحتمل أن يكون هذا القول منه قبل النهي، ويحتمل أن يكون جرى منه على عادة الكلام، والجاري على الألسن، وهو لا يقصد به القسم، كاليمين المعفوّ عنها من قبيل اللغو، أو أنه أراد به التوكيد، لا اليمين، فإن هذه اللفظة تجري في كلام العرب على ضربين: للتعظيم، وللتأكيد، والتعظيم هو المنهيّ عنه، وأمّا التوكيد فلا، كقوله:
لعمر أبي الواشين لا عمر غيرهم لقد كلّفتني خطّةً لا أريدها
فهذا توكيد؛ لأنه لا يقصد أن يقسم بأبي الواشين، وهذا في كلامهم كثير.
8 - (خ م ت د س) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أتته امرأةٌ تسأله عن نبيذ الجرّ، فقال: إنّ وفد عبد القيس أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من الوفد؟- أو من القوم -؟» قالوا: ربيعة، قال: «مرحبًا بالقوم، أو بالوفد، غير خزايا، ولا ندامى». قال: فقالوا: يا رسول الله، إنا نأتيك من شقة بعيدة، وإن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، وإنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام، فمرنا بأمرٍ فصلٍ، نخبر به من وراءنا، وندخل به الجنة، قال: فأمرهم بأربع، ونهاهم عن أربع، قال: أمرم بالإيمان بالله وحده، قال: «هل تدرون ما الإيمان؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «شهادة أن لا إله إلا الله، وأنّ محمّدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تؤدّوا خمسًا من المغنم»، ونهاهم عن الدّباء والحنتم، والمزفّت، النّقير - قال شعبة: وربما قال: المقيّر - وقال: «احفظوه» وأخبروا به من وراءكم».
وفي رواية نحوه، قال: «أنهاكم عما ينبذ في الدّبّاء والنّقير والحنتم والمزفّت».
وزاد في رواية قال: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأشجّ - أشجّ عبد القيس: «إنّ فيك خصلتين يحبّهما الله تعالى: الحلم والأناة».
وفي أخرى «شهادة أن لا إله إلا الله» وعقد بيده واحدةً.هذا لفظ البخاري ومسلم.
وأخرج الترمذي بعضه، وهذا لفظه: قال: لما قدم وفد عبد القيس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: إنّا هذا الحيّ من ربيعة، ولسنا نصل إليك إلا في الشهر الحرام، فمرنا بشيء نأخذه عنك، وندعو إليه من وراءنا، قال: «آمركم بأربع: الإيمان بالله (ثم فسرها لهم بـ:) شهادة أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدّوا خمس ما غنمتم».
وأخرجه النسائي وأبو داود بطوله.
وأول حديثهما: لمّا قدم وفد عبد القيس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يا رسول الله، إنّ هذا الحيّ من ربيعة، وقد حال بيننا وبينك كفّار مضر، وليس نخلص إليك إلا في شهر حرامٍ، فمرنا بشيء نأخذ به، وندعو من وراءنا.وذكر الحديث مثل البخاري ومسلم.وفي أخرى لأبي داود «النّقير والمقيّر» ولم يذكر «المزفت».
وفي أخرى له مختصرًا مثل الترمذي، إلا أن أولها: إن وفد عبد القيس لما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أمرهم بالإيمان بالله. قال: «أتدرون ما الإيمان بالله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «شهادة أن لا إله إلا الله..» وذكر الحديث، وقال في آخره: «وأن تعطوا الخمس من المغنم».
[شرح الغريب]
الجرّ: والجرار، جمع جرة، وهو من الخزّف، معروف، وقيل: هو ما كان منه مدهونًا.
خزايا: جمع خزيان، من الخزاية، وهي الاستحياء، وكذلك ندامى جمع ندمان، وهو فعلان من الندم، وهذا البناء من أبنية المبالغة.
شقّة: يقال: بيني وبينك شقّةٌ بعيدة، أي: مسافة بعيدة، والشقة: السفر البعيد.
فصل: أمر فصلٌ: أي: فاصل قاطع، لا رجعة فيه، ولا مردّ له.
الدّبّاء: القرع، واحدها: دبّاءة.
الحنتم: جرارٌ خضرٌ كانوا يخزنون فيها الخمر.
النقير: أصل خشبةٍ تنقر، وقيل: أصل نخلة.
المزفّت: الوعاء المطلي بالزّفت من داخل، وكذلك المقيّر، وهذه الأوعية تسرع بالشّدّة في الشّراب، وتحدث فيه القوة المسكرة عاجلاً.
وتحريم الانتباذ في هذه الظروف كان في صدر الإسلام، ثم نسخ وهو المذهب. وقال بعضهم: التحريم باقٍ، وإليه ذهب مالك، وأحمد بن حنبل.
9 - (ت) علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمن عبدٌ حتّى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله، وأني محمدٌ رسول الله، بعثني بالحق، ويؤمن بالموت، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر». أخرجه الترمذي.
10 - (ط) عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود - رضي الله عنه - قال: إنّ رجلاً من الأنصار جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجاريةٍ له سوداء، فقال: يا رسول الله، [إن] عليّ رقبةً مؤمنةً، أفأعتق هذه؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أتشهدين أن لا إله إلا الله»؟ قالت: نعم، قال: «أتشهدين أنّ محمّدًا رسول الله»؟ قالت: نعم. قال: «أتؤمنين بالبعث بعد الموت؟» قالت: نعم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اعتقها» أخرجه «الموطأ».
11 - (د س) الشريد بن سويد الثقفي - رضي الله عنه - قال: إنّ أمّه أوصته أن يعتق عنها رقبةً مؤمنةً، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، إنّ أمّي أوصت أن أعتق عنها رقبةً مؤمنةً، وعندي جاريةٌ سوداء نوبيّةٌ، أفأعتقها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ادع بها». فدعوتها، فجاءت، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من ربّك»؟ قالت: الله، قال: «فمن أنا»؟ قالت: رسول الله، قال: «اعتقها، فإنّها مؤمنة».أخرجه أبو داود والنسائي.
12 - (م ط د س) معاوية بن الحكم السلمي - رضي الله عنه - قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله، إنّ جاريةً كانت لي، ترعى غنمًا لي، فجئتها، وقد فقدت شاةً من الغنم، فسألتها عنها؟ فقالت: أكلها الذئب. فأسفت عليها، وكنت من بني آدم، فلطمت وجهها، وعليّ رقبةٌ، أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أين الله» فقالت: في السماء، فقال: «من أنا؟» فقالت: أنت رسول الله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اعتقها».هذا لفظ «الموطأ».
وقد أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي، في حديث طويل يتضمن ذكر الصلاة، وهو مذكور في كتاب الصلاة، من حرف الصاد، وزاد في آخره «فإنها مؤمنة».
وأخرجه أبو داود أيضًا مختصرًا، وأول حديثه، قال: قلت: يا رسول الله، جارية لي صككتها صكّةً، فعظّم ذلك عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: أفلا أعتقها؟.... وذكر الحديث.
وكلهم أخرجوه عن معاوية بن الحكم السّلمي، إلا مالكًا، فإنه أخرجه عن هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم.
قال بعض العلماء: هكذا قال مالك «عمر بن الحكم» ولم تختلف الرواة عنه في ذلك، وهو وهمٌ عند جميع أهل العلم، وليس في الصّحابة من يقال له: عمر ابن الحكم، وإنما هو معاوية بن الحكم. كذلك قال فيه كل من روى هذا الحديث عن هلال وغيره.
وأما «عمر بن الحكم» فهو من التابعين، وهو عمر بن الحكم بن أبي الحكم، من بني عمرو بن عامر، وقيل: هو حليفٌ لهم، وكان من ساكني المدينة، وتوفّي سبع عشرة ومائةٍ.
[شرح الغريب]
فأسفت: أسف الرجل يأسف أسفًا، فهو آسف: إذا غضب.
رقبة: الرقبة في الأصل: العنق، جعل عبارة عن ذات الإنسان الرقيق، ذكرا كان أو أنثى.
صككتها: الصّك: الضرب، أراد أنه لطمها، وقد جاء في بعض الروايات: «فلطمتها».
13 - (د) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: إن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بجارية سوداء، فقال: يا رسول الله، إنّ عليّ رقبةً مؤمنةً، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أين اللّه»؟ فأشارت إلى السّماء بإصبعها، فقال لها: «فمن أنا»؟ فأشارت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلى السماء - تعني: أنت رسول الله - فقال: «اعتقها، فإنها مؤمنة» أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
فإنها مؤمنة: قال الخطابي: إنما حكم بأنها مؤمنة بهذا القدر من قولها، وهو أنه لما سألها: أين الله؟ قالت: في السماء، وهذا القدر لا يكفي في ثبوت الإسلام والإيمان، دون الإقرار بالشهادتين، والتبرؤ من سائر الأديان؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - رأى منها أمارة الإسلام، وأنها في دار الإسلام، وبين المسلمين، وتحت رقّ المسلم، وهذا القدر يكفي علمًا لذلك.
ألا ترى أنا إذا رأينا رجلاً وامرأة مقيمين في بيت، فسألناه عنها، فقال: هي زوجتي، وصدّقته على ذلك، فإننا نقبل قولهما، ولا نكشف عن أمرهما ولا نطلب منهما شرائط العقد، فإذا جاءنا رجل وامرأة أجنبيان، يريدان ابتداء عقد النكاح، فإننا نطالبهما بشروط النكاح، من إحضار الولي، والشهود، وغير ذلك، وكذلك الكافر إذا عرض عليه الإسلام، لم نقتصر منه على قوله: إني مسلم، حتى يصف الإسلام بكماله وشرائطه.
وإذا جاءنا من يجهل حاله في الكفر والإيمان، فقال: إني مسلم، قبلناه، فإذا كان عليه أمارة الإسلام - من هيئةٍ وإشارةٍ ودارٍ - كان قبول قوله أولى، بل يحكم عليه بالإسلام، وإن لم يقل شيئًا.
14 - (م ت) العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - قال: إنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا وبمحمّدٍ رسولاً».. أخرجه مسلم والترمذي.
15 - (د) عبد الله بن معاوية الغاضري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثٌ من فعلهنّ فقد طعم طعم الإيمان: من عبد الله وحده، وعلم أنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيّبةً بها نفسه رافدةً عليه كلّ عامٍ، ولم يعط الهرمة، لا الدّرنة ولا المريضة، ولا الشّرط اللئيمة، ولكن من وسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره. ولم يأمركم بشرّه».أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
رافدة عليه: الرافدة: الفاعلة من الرّفد، وهي العطاء والإعانة، أي: معينة له على أداء الزكاة، غير محدّثة نفسه بمنعها، فهي ترفده وتعينه.
الهرمة: المسنّة، الكبيرة السنّ من كلّ حيوان.
الدّرنة: أراد بها: الرديئة، فجعل الرّداءة درنًا، والدّرن: الوسخ.
الشرط: الرذيلة من المال، كالصغيرة، والمسنة، والعجفاء، ونحو ذلك.
اللئيمة: أردأ المال وأرذله.
16 - (س) بهز بن حكيم - رضي الله عنه - عن أبيه عن جده قال: قلت: يا نبي الله، ما أتيتك حتى حلفت أكثر من عددهنّ - لأصابع يديه -: أن لا آتيك، ولا أتي دينك، وإني كنت امرءا لا أعقل شيئًا، إلا ما علّمني الله ورسوله، وإني سألتك بوجه الله، بم بعثك الله إلينا؟ قال: «بالإسلام» قال: وما آيات الإسلام؟ قال: «أن تقول: أسلمت وجهي لله، وتخلّيت، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة».
زاد في أخرى «كلّ مسلمٍ على مسلمٍ محرمٌ، أخوان نصيران، لا يقبل عن مشركٍ بعد ما أسلم عملٌ، أو يفارق المشركين إلى المسلمين». أخرجه النسائي.
[شرح الغريب]
تخلّيت: تبرأت من الشرك، وانقطعت عنه.
كل مسلم على مسلم محرم: يقال: أحرم الرجل: إذا اعتصم بحرمةٍ تمنع عنه، ويقال: إنه لمحرمٌ عنك: أي يحرم أذاك عليه، ويقال: مسلم محرم، وهو الذي لم يخلّ من نفسه شيئًا يوقع به، يريد: أن المسلم معتصم بالإسلام، ممتنع بحرمته ممن أراده، أو أراد ماله.
أخوان نصيران: أي هما أخوان نصيران، أي: يتناصران ويتعاضدان، والنصير: فعيل بمعنى فاعل، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول.
17 - (م) سفيان بن عبد الله الثقفي - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال: «قل: آمنت بالله، ثم استقم». أخرجه مسلم.
18 - (س) أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من صلّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فهو مسلم».أخرجه النسائي.
الفصل الثاني: في المجاز
19 - (خ م ت د س) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الإيمان بضع وسبعون شعبة».
وفي رواية «بضعٌ وستون، والحياء شعبةٌ من الإيمان».
زاد في رواية: «وأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق». أخرجوه، إلا «الموطأ».
وأسقط الترمذي من روايته «والحياء شعبةٌ من الإيمان».
وعنده في أخرى «الإيمان أربعة وستّون بابًا».
وعند النسائي في رواية أخرى «الحياء شعبة من الإيمان» مختصرًا.
[شرح الغريب]
بضع: البضع: القطعة من الشيء، وهو في العدد ما بين الثلاث إلى التسع؛ لأنه قطعة من العدد.
الحياء من الإيمان: جعل الحياء - وهو غريزةٌ - من الإيمان - وهو اكتسابٌ -؛ لأن المستحيي ينقطع باستحيائه عن المعاصي، وإن لم يكن له تقيّةٌ، فصار كالإيمان الذي يقطع بينها وبينه، وإنما جعله بعضًا من الإيمان؛ لأن الإيمان بمجموعه ينقسم إلى ائتمار بما أمر الله به، وانتهاءٍ عما نهى الله عنه، فإذا حصل الانتهاء بالحياء كان بعضه.
الشّعبة: الطائفة من كل شيء، والقطعةٌ منه.
إماطة الأذى: أماط الشيء: إذا أزاله عنه، وأذهبه، والأذى في هذا الحديث، نحو الشّوك والحجر وما أشبهه.
20 - (خ م ت س) أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثٌ من كنّ فيه وجد بهنّ طعم الإيمان: من كان اللّه ورسوله أحبّ إليه مما سواهما، ومن أحبّ عبدًا لا يحبّه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر - بعد أن أنقذه الله منه - كما يكره أن يلقى في النار».
وفي أخرى «من كان أن يلقى في النار أحبّ إليه من أن يرجع يهوديًا أو نصرانيًا..» أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
وللنسائي في رواية أخرى: «ثلاثٌ من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان وطعمه: أن يكون اللّه أحبّ إليه مما سواهما، وأن يحبّ في الله، ويبغض في الله، وأن توقد نارٌ عظيمةٌ فيقع فيها أحبّ إليه من أن يشرك بالله شيئًا».
[شرح الغريب]
أنقذه: الإنقاذ: التخليص والإنجاء.
21 - (خ م س) أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من والده وولده والنّاس أجمعين». أخرجه البخاري ومسلم والنسائي.
وللنسائي في أخرى «حتى أكون أحبّ إليه من ماله وأهله والناس أجمعين».
22 - (خ س) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده». أخرجه البخاري والنسائي.
23 - (خ م ت س) أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه».
وفي أخرى: «حتى يحبّ لأخيه» أو قال: «لجاره».
وفي أخرى قال: «والّذي نفسي بيده لا يؤمن عبدٌ...» الحديث. أخرجه البخاري ومسلم.
ووافقهما الترمذي والنسائي على الرواية الأولى.
والنسائي على الثالثة، وزاد «من الخير».
24 - (د) أبو أمامة الباهلي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أحبّ للّه، وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان».
أخرجه أبو داود.
25 - (ت) معاذ بن أنس الجهنيّ - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أعطى لله، ومنع لله، وأحبّ للّه، وأبغض لله، فقد استكمل إيمانه» أخرجه الترمذي. وقال: هذا حديث منكر.
26 - (ت س) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن: من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم». أخرجه الترمذي والنسائي.
27 - (خ م د س) عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «المسلم: من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهاه الله عنه».هذا لفظ البخاري وأبي داود والنسائي. إلا أنّ النسائي قال: «من هجر ما حرّم اللّه عليه».وأخرجه مسلم فقال: إنّ رجلاً سأل النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: أيّ المسلمين خيرٌ؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده».
[شرح الغريب]
المهاجر: أصل المهاجرة عند العرب: أن ينتقل الإنسان من البادية إلى المدن والقرى.
والمراد به في الشريعة: من فارق أهله ووطنه وجاء إلى بلد الإسلام، وقصد النبي - صلى الله عليه وسلم - رغبةً فيه وإيثارًا.
28 - (م) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: إنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده». أخرجه مسلم.
29 - (خ م ت س) أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، أيّ المسلمين أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده». أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
30 - (خ م س) عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: أيّ الإسلام خيرٌ؟ قال: «تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف». أخرجه البخاري ومسلم والنسائي.
31 - (ت) أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد، فاشهدوا له بالإيمان، فإنّ الله عز وجل يقول: {إنّما يعمر مساجد الله من آمن باللّه واليوم الآخر...} الآية [التوبة: 17].» أخرجه الترمذي.
32 - (د) أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاثة من أصل الإيمان: الكفّ عمّن قال: لا إله إلا الله، ولا نكفّره بذنبٍ، ولا نخرجه من الإسلام بعملٍ، والجهاد ماضٍ منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر هذه الأمّة الدّجّال، لا يبطله جور جائرٍ ولا عدل عادلٍ، والإيمان بالأقدار». أخرجه أبوداود.
33 - (م د) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء ناسٌ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسألوه: إنّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلّم به؟ قال: «وقد وجدتموه؟» قالوا: نعم، قال: «ذاك صريح الإيمان». وفي أخرى «الحمد لله الذي ردّ كيده إلى الوسوسة». أخرجه مسلم وأبو داود.
34 - (م) عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوسوسة؟ فقال: «تلك محض الإيمان».
وفي رواية قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوسوسة؟ فقالوا: إنّ أحدنا ليجد في نفسه ما لأن يحترق حتى يصير حممةً، أو يخرّ من السماء إلى الأرض، أحبّ إليه من أن يتكلّم به؟ قال: «ذلك محض الإيمان».أخرجه مسلم.
[شرح الغريب]
محض: المحض: الخالص من كل شيء، وكذلك الصريح مثله، ومنه الصريح الظاهر: وهو ضد الكناية، وإنما قال في هذا الحديث: «ذاك صريح الإيمان» يعني أن صريح الإيمان: هو الذي يمنعكم من قبول ما يلقيه الشيطان في أنفسكم، والتصديق به، حتى يصير ذلك وسوسة، لا تتمكن في قلوبكم، ولا تطمئن إليه نفوسكم، وليس معناه: أن الوسوسة نفسها صريح الإيمان، لأنها إنما تتولد من فعل الشيطان وتسويله، فكيف تكون إيمانًا صريحًا؟ !.
حممة: الحممة: الفحمة، وجمعها: حمم.
يخرّ: خرّ يخرّ: إذا وقع من موضعٍ عالٍ.
الباب الثاني: في أحكام الإيمان والإسلام
الفصل الأول: في حكم الإقرار بالشهادتين
35 - (خ م) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، أنّ محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم، إلا بحقّ الإسلام، وحسابهم على الله». أخرجه البخاري ومسلم، إلا أن مسلمًا لم يذكر «إلا بحق الإسلام».
[شرح الغريب]
عصموا: العصمة: المنع، والعصمة من الله تعالى: أن يدفع الشر عن العبد.
36 - (خ م ت د س) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، فقد عصم منّي نفسه وماله إلا بحقّه، وحسابه على الله».
وفي رواية «حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلا بحقّها، وحسابهم على الله». هذه رواية البخاري ومسلم والنسائي.ورواية الترمذي وأبي داود «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا...» الحديث.
وقال أبو داود: «منعوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقّها وحسابهم على الله». مثل حديث أبي هريرة.
37 - (م ت) جابر - رضي الله عنه - زيادة في آخره، وقرأ: {إنّما أنت مذكّر * لست عليهم بمسيطر} [الغاشية: 21، 22].وأخرجه الترمذي ومسلم من حديث جابر.
[شرح الغريب]
المسيطر: المتسلّط على الشيء ليتعهّد أحواله، ويكتب أعماله، ويشرف عليه، وأصله من السطر: الكتابة.
38 - (خ ت د س) أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا: لا إله إلا الله، وأنّ محمدًا رسول الله، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله، واستقبلوا قبلتنا، وأكلوا ذبيحتنا، وصلّوا صلاتنا، حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقّها».
زاد في رواية: «وحسابهم على الله».
وفي أخرى قال: سأل ميمون بن سياهٍ أنسًا: ما يحرّم دم العبد وماله؟ قال: ?«من شهد أن لا إله إلا الله، واستقبل قبلتنا، وصلّى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما للمسلم، وعليه ما على المسلم».
موقوفٌ، هذا لفظ البخاري، ووافقه الترمذي على الأولى، والنسائي على الروايتين، وأبو داود والنسائي أيضًا على الأولى. وزاد فيها - بعد قوله «بحقها» -: «لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين».
39 - (س) النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رجلٌ ذات يومٍ، فسارّه، فقال: «اقتلوه»، ثم قال: «أيشهد أن لا إله إلا الله؟» قال: قالوا: نعم، ولكنه يقولها تعوّذًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تقتلوه، فإني إنّما أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقّها، وحسابهم على الله». أخرجه النسائي.
[شرح الغريب]
تعوّذًا: تعوذت به، واستعذت به، أي: لجأت إليه، واعتصمت به، والمراد في الحديث: أنه يقرّ بالشهادة لاجئًا إليها، لتدفع عنه القتل، وليس بمخلصٍ، فلذلك قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ذره» أي اتركه ودعه.
40 - (س) أوس بن حذيفة - رضي الله عنه - قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وفد ثقيف، فكنت معه في قبّةٍ، فنام من كان في القبّة، غيري وغيره، فجاء رجل فسارّه، فقال: اذهب فاقتله. ثم قال: أيشهد أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله؟ قال: إنّه يقولها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ذره». ثم قال: «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها، حرمت دماؤهم وأموالهم إلا بحقّها».
وفي أخرى: دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونحن في قبّةٍ في مسجد المدينة، وقال: «إنّه أوحي إليّ أن أقاتل الناس حتّى يقولوا: لا إله إلا الله».وذكر نحوه. أخرجه النسائي.
41 - (ط) عبيد الله بن عدي بن الخيار - رضي الله عنه - قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، جالسٌ بين ظهري النّاس، إذ جاءه رجلٌ، فسارّه، فلم ندر ما سارّه، حتّى جهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا هو يستأذنه في قتل رجلٍ من المنافقين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حين جهر: «أليس يشهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمّدًا رسول الله؟» فقال الرّجل: بلى ! ولا شهادة له، قال: «أليس يصلّي؟» قال: بلى ! ولا صلاة له، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم». أخرجه «الموطأ».
42 - (م) طارق الأشجعي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله».وفي رواية «من وحّد الله» وذكر مثله. أخرجه مسلم.
الفصل الثاني: في أحكام البيعة
43 - (خ م ت س) عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: «كنّا مع رسول الله في مجلس، فقال: «تبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم الله إلا بالحقّ».
وفي رواية: «ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به في الدنيا فهو كفّارة له وطهر، ومن أصاب شيئًا من ذلك فستره الله عليه، فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذّبه». قال: فبايعناه على ذلك.
وفي أخرى، فتلا علينا آية النّساء: {ألآ يشركن بالله شيئًا...} الآية [الممتحنة: 11].
وفي أخرى: إنّي لمن النّقباء، الّذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بايعناه على ألا نشرك بالله شيئًا، وذكر نحوه.
وزاد: «ولا ننتهب ولا نعصي بالجنّة، إن فعلنا ذلك، فإن ٌغشينا من ذلك شيئًا، كان قضاء ذلك إلى الله عزّ وجلّ». هذا لفظ البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم قال: أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما أخذ على النساء: ألا نشرك بالله شيئًا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا يعضه بعضنا بعضًا» ثم ذكر نحوه، ووافقهما الترمذي على الرواية الأولى.
وأخرجه النسائي. قال: بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ليلة العقبة] في رهط، فقال: «أبايعكم على ألا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، [ولا تشربوا]، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببتهان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فأخذ به في الدنيا، فهو كفارةٌ له وطهور، ومن ستره الله، فذلك إلى الله، إن شاء عذّبه، وإن شاء غفر له».وله في أخرى نحو الرواية الأولى.
[شرح الغريب]
بهتان: البهتان: الكذب، وهو في الآية والحديث: كناية عن ولد الزنا، يريد: أنّ المرأة لا تأتي بولدٍ من غير بعلها، فتنسبه إلى بعلها.
تفترونه: الافتراء: الكذب.
معروفٍ: كل ما ندب إليه الشرع، أو نهى عنه من المحسّنات والمقبّحات.
البيعة: المعاقدة على الإسلام، والإمامة، والإمارة، والمعاهدة على كل ما يقع عليه اتفاق، والمراد بها في الحديث: المعاقدة على الإسلام، وإعطاء العهود به.
النقباء: جمع نقيب، وهو عريف القوم والمقدّم عليهم، الذي يتعرّف أخبارهم، وينقّب عن أحوالهم، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جعل ليلة العقبة كل واحدٍ من الجماعة الذين بايعوه نقيبًا على قومه وجماعته، ليأخذوا عليهم الإسلام، ويعرّفوهم شرائطه، وكان عبادة بن الصامت من جملتهم، وكان عدد النقباء ليلتئذ اثني عشر نقيبًا من الأنصار.
يعضه: عضهت الرجل: رميته بالعضيهة، وهي الكذب والبهتان.
العقبة: هي عقبة منى ترمى بها الحجرة في الحج، وهما ليلتان: ليلة العقبة الأولى، وليلة العقبة الثانية من قابل، وكانت البيعة في شعب قريب من العقبة، وبه الآن مسجدٌ يعرف بموضع البيعة.
الرّهط: الجماعة من الناس، من الثلاثة إلى التسعة، قال الجوهري: لا تكون فيهم امرأة.
فأخذ به: أخذ به فلان، يعني بذنبه: أي عوقب به وجوزي عليه.
الكفارة: الفعلة التي من شأنها أن تكفّر الخطيئة، أي تسترها، وهي فعّالة منه.
44 - (خ م ط س) عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة، في العسر واليسر، والمنشط، والمكره وعلى أثرةٍ علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنّا لا نخاف في الله لومة لائم.وفي رواية بمعناه، وفيه «ولا ننازع الأمر أهله».
قال: «إلا أن تروا كفرًا بواحًا، عندكم فيه من الله برهان».
وأخرجه البخاري ومسلم و«الموطأ» والنسائي.
[شرح الغريب]
المنشط: الأمر الذي تنشط له، وتخف إليه، وتؤثر فعله.
المكره: الأمر الذي تكرهه، وتتثاقل عنه.
الأثرة: الاستئثار بالشيء، والانفراد به، والمراد في الحديث: إن منعنا حقّنا من الغنائم، والفيء، وأعطي غيرنا، نصبر على ذلك.
كفرًا بواحًا: الكفر البواح: الجهار.
البرهان: الحجّة والدليل.
45 - (م د س) أبو إدريس الخولاني - رضي الله عنه - قال: «حدّثني الحبيب الأمين - أمّا هو فحبيب إليّ، وأمّا هو عندي فأمينٌ - عوف بن مالك الأشجعيّ، قال: كنّا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسعة، أو ثمانية، أو سبعة، فقال: ألا تبايعون رسول الله؟» وكنّا حديث عهدٍ ببيعةٍ، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: «ألا تبايعون رسول الله؟ قال: فبسطنا أيدينا، وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟ قال: «أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وتصلّوا الصلوات الخمس، وتسمعوا وتطيعوا» - وأسرّ كلمةً خفيّةً - قال: «ولا تسألوا النّاس شيئًا». فلقد رأيت بعض أولئك النّفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحدًا يناوله إياه».
وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي، إلا أن لفظ النسائي أخصر.
46 - (ط ت س) أميمة بنت رقيقة - رحمها الله - قالت: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نسوةٍ من الأنصار، نبايعه على الإسلام، فقلنا: نبايعك على ألا نشرك بالله شيئًا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتانٍ نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيك في معروف، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فيما استطعتنّ وأطقتنّ». فقلنا: «الله ورسوله أرحم بنا منّا بأنفسنا، هلمّ نبايعك يا رسول الله، فقال: إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأةٍ واحدةٍ».
هذه رواية «الموطأ» والنسائي.
ورواية الترمذي مختصرة، قالت: بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نسوة فقال: «فيما استطعتن وأطقتن». قلت: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، قلت: يا رسول الله: يايعنا - قال سفيان: تعني صافحنا - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدةٍ».
47 - (خ م د ت س) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: كنّا إذا بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السّمع والطّاعة يقول لنا: «فيما استطعت - أو قال: استطعتم».
اتّفق الستة على إخراجه.
48 - (خ م) مجاشع بن مسعود - رضي الله عنه - قال: إنه جاء بأخيه مجالد بن مسعود إلى النبي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: هذا مجالدٌ، يبايعك على الهجرة، فقال: «لا هجرة بعد فتح مكة، ولكن أبايعه على الإسلام والإيمان والجهاد».
وفي أخرى «ولكن أبايعه على الإسلام».
وفي أخرى: قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا وأخي، فقلت: بايعنا على الهجرة. فقال: «مضت الهجرة لأهلها» فقلت: علام تبايعنا؟ قال: «على الإسلام والجهاد».
وفي أخرى: قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أبايعه على الهجرة، فقال: «إنّ الهجرة قد مضت لأهلها، ولكن على الإسلام والجهاد والخير». أخرجه البخاري ومسلم.
49 - (س) الهرماس بن زياد - رضي الله عنه - قال: «مددت يدي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا غلام ليبايعني، فلم يبايعني»، أخرجه النسائي.
50 - (د) عبد الله بن هشام - رضي الله عنه - وكان قد أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذهبت به أمّه زينب بنت حميدٍ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - فقالت: يا رسول الله بايعه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هو صغير، ومسح رأسه». أخرجه أبو داود.
51 - (خ م د) عروة بن الزبير - رضي الله عنهما - أن عائشة - رضي الله عنها - أخبرته عن بيعة النساء قالت: ما مسّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده امرأةً قطّ، إلا أن يأخذ عليها، فإذا أخذ عليها وأعطته، قال: «اذهبي، فقد بايعتك». أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود.
الفصل الثالث: في أحكام متفرقة
52 - (ت) سليمان بن عمرو بن الأحوص - رحمه الله - قال: حدّثني أبي: أنه شهد حجّةً الوداع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فحمد الله وأثنى عليه، وذكّر ووعظ، ثم قال: «أيّ يوم أحرم؟ أي يوم أحرم؟ أي يوم أحرم؟» قال: فقال الناس: يوم الحج الأكبر يا رسول الله، قال: «فإنّ دماءكم وأموالم وأعراضكم عليكم حرامٌ كحرمة يومم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا لا يجني جانٍ إلا على نفسه، ولا يجني والد على ولده، ولا يجني ولدٌ على والده ألا إن المسلم أخو المسلم، فليس يحلّ لمسلمٍ من أخيه شيء إلا ما أحلّ من نفسه. ألا وإنّ كلّ ربًا في الجاهلية موضوعٌ، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، غير ربا العبّاس، فإنّه موضوعٌ كله، ألا وإن كلّ دمٍ كان في الجاهلية موضوعٌ، وأوّل دمٍ أضع من دم الجاهلية: دم الحارث بن عبد المطلب، وكان مسترضعًا في بني ليثٍ، فقتلته هذيلٌ، ألا واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنّهنّ عوانٌ عندكم، ليس تملكون شيئًا غيرذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبيّنة، فإن فعلن ذلك فاهجروهنّ في المضاجع، واضربوهن ضربًا غير مبرّحٍ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً، ألا وإن لكم على نسائكم حقًا، ولنسائكم عليكم حقًا، فأمّا حقّكم على نسائكم، فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وإن حقّهنّ عليكم: أن تحسنوا إليهنّ في كسوتهن وطعامهن».
وفي رواية قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في حجّة الوداع للناس: «أيّ يوم هذا؟» قالوا: يوم الحجّ الأكبر، قال: «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا، ألا لا يجني جانٍ على ولده، ولا مولودٌ على والده، ألا وإن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا أبدًا، ولكن سيكون له طاعةٌ فيما تحتقرون من أعمالكم، فسيرضى به». أخرجه الترمذي.
[شرح الغريب]
الحجّ الأكبر: هو يوم النحر، وقيل: يوم عرفة، وإنما سمي الحج الأكبر؛ لأنهم يسمّون العمرة: الحج الأصغر.
وأعراضكم: الأعراض، جمع عرض، وهو النفس، وقيل: الحسب.
لا يجني جانٍ: الجناية: الذّنب، وما يفعله الإنسان مما يوجب عليه الجزاء، إما في الدنيا وإما في الآخرة، فقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يجني جانٍ إلا على نفسه» يريد: أنه لا يطالب بجنايته غيره، من أقاربه وأباعده، وقد فسّره في الحديث بقوله: «لا يجني ولدٌ على والده، ولا يجني والدٌ على ولده» أي إذا جنى أحدهما، لا يطالب الآخر بجنايته، وقد كان ذلك معتادًا بين العرب.
عوان: جمع عانية، وهي مؤنثة العاني، وهو الأسير، شبه النساء بالأسرى عند الرجال، لتحكمهم فيهن، واستيلاءهم عليهن.
بفاحشة: الفاحشة: الفعلة القبيحة، وأراد هاهنا الزنا.
مبيّنة: ظاهرة واضحة.
مبرح: ضربته ضربًا مبرّحًا، أي: شديدًا شاقًا.
فلا تبغوا عليهن سبيلاً: أي إن أطعنكم فيما تريدون منهن، فلا يبقى لكم عليهنّ طريق ولا حكم فيما عداه، إلا أن يكون جورًا وتعسّفًا.
53 - (خ م) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجّة الوداع: «ألا أيّ شهرٍ تعلمونه أعظم حرمةً؟» قالوا: ألا شهرنا هذا، قال: «ألا أيّ بلد تعلمونه أعظم حرمةً؟» قالوا: ألا بلدنا هذا، قال: «ألا أيّ يومٍ تعلمونه أعظم حرمةً؟» قالوا: ألا يومنا هذا. قال: «فإن الله تبارك وتعالى قد حرّم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلّغت؟» ثلاثًا - كلّ ذلك يجيبونه: ألا نعم، قال: ويحكم، - أو ويلكم - لا ترجعنّ بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض».أخرجه البخاري، لمسلم نحوه.
54 - (خ) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس يوم النحر فقال: «يا أيّها الناس، أيّ يومٍ هذا؟» قالوا: يومٌ حرامٌ، قال: «وأيّ بلدٍ هذا؟» قالوا: بلد حرام، قال: «فأيّ شهر هذا؟» قالوا: شهر حرام، قال: «فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا»- فأعادها مرارًا - ثم رفع رأسه فقال: «اللهمّ هل بلغت؟ اللهم هل بلغت» قال ابن عباس: فوالذي نفسي بيده إنّها لوصيّته إلى أمّته، «فليبلّغ الشاهد الغائب، لا ترجعوا بعدي كفّارًا يضرب بعضكم رقاب بعض».أخرجه البخاري.
55 - (خ م د) أبو بكرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنّ الزّمان قد استدار كهيأته يوم خلق الله السموات والأرض، السّنة اثنا عشر شهرًا منها: أربعةٌ حرمٌ، ثلاثةٌ متواليات: ذو القعدة، وذو الحجّة والمحرّم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، أيّ شهر هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه، فقال: «أليس ذا الحجة؟» قلنا: بلى، قال: «أيّ بلد هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننّا أنّه سيسمّيه بغير اسمه، قال: «أليس البلدة الحرام؟» قلنا: بلى، قال: «فأيّ يومٍ هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: «أليس يوم النّحر؟» قلنا: بلى، قال: «فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربّكم فيسألكم عن أعمالكم ألا فلا ترجعوا بعدي كفّارًا، يضرب بعضكم رقاب بعضٍ، ألا ليبلّغ الشاهد الغائب، فلعلّ بعض من يبلغه أن يكون أوعى من بعض من سمعه» ثم قال: «ألا هل بلّغت؟ ألا هل بلغت؟» قلنا: نعم ! قال: «اللّهمّ اشهد».
وفي رواية: أنّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - قعد على بعيره، وأمسك إنسانٌ بخطامه، أو بزمامه، فقال: «أيّ شهرٍ هذا؟» - وذكر نحوه مختصرًا - أخرجه البخاري ومسلم.
وزاد مسلم في رواية «ثمّ انكفأ إلى كبشين أملحين، فذبحهما، وإلى جزيعةٍ من الغنم فقسمها بيننا».
وأخرج أبو داود طرفًا من أوله، إلى قوله «بين جمادى وشعبان».
قال الحميدي: قال الدارقطني: زيادة مسلم وهمٌ من ابن عونٍ عن ابن سيرين، وإنّما رواه ابن سيرين عن أنس.
وزاد في رواية «فلمّا كان يوم حرّق ابن الحضرميّ، حين حرّقه جارية بن قدامة، قال: أشرفوا على أبي بكرة، فقالوا: هذا أبو بكرة يراك، قال عبد الرحمن: فحدثتني أمّي عن أبي بكرة أنه قال: لو دخلوا عليّ ما بهشت لهم بقصبةٍ».
ووجدت في كتاب رزين بن معاوية العبدريّ - رحمه الله -، الجامع لهذه الصحاح زيادةً في آخر هذا الحديث لم أجدها في الأصول التي نقلت منها: وهي هذه:
«ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب مسلمٍ أبدًا: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم».
[شرح الغريب]
الزمان قد استدار: بمعنى: دار، وذلك أنّ العرب كانوا يؤخرون المحرم إلى صفر، وهو النّسيء، ويفعلون ذلك سنةً بعد سنةٍ، فينتقل المحرّم من شهر إلى شهرٍ، حتى جعلوه في جميع شهور السنة، فلما كان تلك السنة كان قد عاد إلى زمنه المخصوص به قبل أن ينقلوه.
رجب مضر: أضاف رجبًا إلى مضر؛ لأنهم كانوا يعظّمونه، فكأنهم اختصوا به، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «الذي بين جمادى وشعبان» ذكره تأكيدًا للبيان وإيضاحًا؛ لأنّهم كانوا ينسئونه، ويؤخّرونه من شهرٍ إلى شهر، فيحولونه عن موضعه، فبين لهم أن رجبًا هو الشهر الذي بين جمادى وشعبان، لا ما كانوا يسمون على حسب النّسيء.
أوعى: وعى يعي: إذا حفظ، وأوعى أفعل، مثله.
قوله: «لا ترجعنّ بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض» قال الهروي: قال الأزهري: فيه قولان: أحدهما: لابسين السلاح، يقال: كفر فوق درعه: إذا لبس فوقها ثوبًا، والثاني: أنه يكفّر الناس فيكفر، كما تفعله الخوارج إذا استعرضوا الناس، وذلك كقوله عليه الصلاة والسلام: «من قال لأخيه: يا كافر، فقد باء به أحدهما».
الانكفاء: الرجوع إلى الشيء والميل إليه.
أملحين: الأملح من الغنم: النّقيّ البياض، وقيل: هو المختلط سواده وبياضه، إلا أن البياض فيه أكثر.
جزيعة: القطعة من الغنم، هكذا ذكره الجوهري، وذكرها ابن فارس في المجمل: الجزيعة، بفتح الجيم وكسر الزاي.
بهشت: إذا ملت إليه، وأقبلت نحوه، يقال لكل من نظر إلى شيء فمال إليه، وأعجبه: بهش إليه، وقد يكون للمدافعة والذّبّ، والمراد به: ما دفعتهم بقصبةٍ، ولا قاتلتهم بها.
لا يغلّ عليهن قلب مؤمن: تروى هذه الكلمة بفتح الياء وكسر الغين، وهو من الغلّ: الحقد والضّغن، يقول: لا يدخله شيء من الحقد يزيله عن الحق، ويروى بضم الياء وكسر الغين من الخيانةٍ، والإغلال: الخيانة في كل شيء.
وقوله: «عليهن» في موضع الحال، أي: لا يغلّ كائنًا عليهن قلب مؤمن، وإنما انتصب على النكرة لتقدمه، والمعنى: أنّ هذه الحلال المذكورة في الحديث، تستصلح بها القلوب، فمن تمسك بها، طهر قلبه من الدغل والفساد.
56 - (خ م ط ت د) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من مولودٍ إلا يولد على الفطرة» ثم يقول: «اقرؤوا {فطرة اللّه التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق اله، ذلك الدّين القيّم} [الروم: 30]» كذا عند مسلم.
وزاد البخاري: فأبواه يهوّدانه، أو ينصّرانه، أو يمجّسانه، كما تنتج البهيمة بهيمةً جمعاء، هل تحسّون فيها من جدعاء، ثم يقول أبو هريرة: {فطرة الله الّتي فطر النّاس عليها، لا تبديل لخلق اللّه، ذلك الدّين القيّم}.
وزاد مسلم أيضًا من رواية أخرى.
وفي رواية لهما قال: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه وينصّرانه، كما تنتجون الإبل، فهل تجدون فيها جدعاء، حتّى تكونوا أنتم تجدعونها» قالوا: يا رسول الله، أفرأيت من يموت صغيرًا؟ قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين».
وفي أخرى لمسلم: «ما من مولودٍ إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصّرانه، ويشرّكانه». فقال رجل: يا رسول الله، أرأيت لو مات قبل ذلك؟ قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين».
وفي أخرى: «ما من مولود يولد إلا وهو على الملّة».
زاد في أخرى «على الملة، حتى يبيّن عنه لسانه».
هذه هي طرق البخاري ومسلم.
ووافقهما الموطأ والترمذي وأبو داود نحو ذلك وبمعناه.
[شرح الغريب]
الفطرة: الخلقة، أراد بقوله: «كل مولود يولد على الفطرة» أي يولد على ابتداء الخلقة في علم الله تعالى مؤمنًا أو كافرًا، وقيل: يولد على الخلقة التي فطر عليها في الرحم: من سعادة، أو شقاوة، فأبواه يهودانه، يعني في حكم الدنيا، وقيل: كل مولود يولد على الملة الإسلامية، والدين الحق، وإنما أبواه ينقلانه إلى دينهما، وقيل معناه: أن كل مولود من البشر إنما يولد في مبدأ الخلقة، وأصل الجبلة، على الفطرة السليمة، والطبع المتهيىء لقبول الدين الحق، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها، ولم يفارقها إلى غيرها؛ لأن هذا الدين الحق حسنه موجود في النفوس، وبشره في القلوب، وإنما يعدل عنه من يعدل إلى غيره لآفة من آفات الشر والتقليد، فلو سلم المولود من تلك الآفات لم يعتقد غيره، ثم تمثل بأولاد اليهود والنصارى في اتباعهم لآبائهم، والميل إلى أديانهم فيزلّون بذلك عن الفطرة السليمة.
الدين القيم: المستقيم لا زيغ فيه، ولا ميل عن الحق.
تنتج: نتجت الناقة تنتج، فهي منتوجة: إذا ولدت.
جمعاء: الجمعاء من البهائم وغيرها التي لم يذهب من بدنها شيء.
تحسّون: أحسست بالشيء: إذا شعرت به وعلمته.
جدعاء: أي: هل ترون فيها من جدعاء؟ والجدعاء: المقطوعة الأذن أو الأنف، أو الشّفة، أو اليد ونحو ذلك.
ومعنى هذا الحديث: أن المولود يولد على نوع من الجبلة، وهي فطرة الله تعالى، وكونه متهيئًا لقبول الحقيقة طبعًا وطوعًا، ولو خلّته شياطين الإنس والجن وما يختار، لم يختر إلا إياها، وضرب لذلك - الجمعاء والجدعاء- مثلاً، يعني: أن البهيمة تولد سوية الأطراف، سليمة من الجدع ونحوه، لولا الناس وتعرضهم إليها، لبقيت كما ولدت سليمة.
وقوله: «الله أعلم بما كانوا عاملين» إشارة إلى تعلق المثوبة والعقوبة بالعمل.
الباب الثالث: في أحاديث متفرقة تتعلق بالإيمان والإسلام
57 - (خ م ت) أبو هريرة - رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مثل المؤمن كمثل خامة الزّرع، من حيث أتتها الريح تفيئها، فإذا اعتدلت تلقّى بالبلاء، والفاجر كالأرزة صمّاء معتدلةً، حتّى يقصمها الله إذا شاء».
وفي أخرى: «مثل المؤمن مثل الزرع، لا تزال الريح تميله، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد».
أخرجه البخاري، والترمذيّ مثل الرواية الثانية، إلا أنّه ذكر فيها «الخامة من الزّرع».
[شرح الغريب]
خامة: الخامات من النبات: الغضّة الرطبة اللينة.
تفيئها: أي تميلها كذا وكذا، حتى ترجع من جانب إلى جانب.
كالأرزة: بفتح الراء: شجرة الأرزن، وهو خشب معروف، وبسكونها: شجرة الصنوبر، والصنوبر: ثمرها.
يقصمها: القصم: الكسر، يقال: قصمت الشيء قصمًا: كسرته حتى يبين وينفصل.
تستحصد: الاستحصاد: التهيؤ للحصد، وهو القطع.
صماء: الصماء المكتنزة التي لا تخلخل فيها.
58 - (خ م) كعب بن مالك - رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مثل المؤمن: كمثل الخامة من الزّرع، تفيئها الريح، تصرعها مرةً، وتعدلها أخرى، حتى تهيج».
وفي أخرى: «حتّى يأتيه أجله، ومثل المنافق: مثل الأرزة المجذية على أصلها، لا يفيئها شيءٌ، حتّى يكون انجعافها مرّةً واحدةً». أخرجه البخاري، ومسلم.
[شرح الغريب]
تصرعها: أي ترميها وتلقيها، من المصارعة.
تهيج: هاج النبات هيجًا: إذا أخذ في الجفاف والاصفرار، بعد الغضاضة والاخضرار.
المجذية: الثابتة، يقال: جذا يجذو، وأجذى يجذي لغتان.
انجعافها: الانجعاف: الانقلاع، وهو مطاوع: جعفت الشيء: إذا قلعته.
59 - (خ م) ابن عمر - رضي الله عنهما -: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مثل المؤمن كمثل شجرة خضراء، لا يسقط ورقها، ولا يتحاتّ». فقال القوم كذا، هي شجرة كذا، فأردت أن أقول: هي النّخلة، وأنا غلام شاب، فاستحييت، فقال: «هي النّخلة». أخرجه البخاريّ، ومسلم، وأخرجاه من طرقٍ أخرى، أطول من هذا بزيادةٍ أوجبت ذكره في غير هذا الموضع.
[شرح الغريب]
يتحاتّ: تحاتّ ورق الشجر: إذا انتثر وتساقط بنفسه.
60 - (ت) النواس بن سمعان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ الله ضرب مثلاً صراطًا مستقيمًا، على كنفي الصّراط، زوران لهما أبوابٌ مفتّحةٌ، على الأبواب ستورٌ، وداعٍ يدعو على رأس الصّراط، وداعٍ يدعو فوقه: {والله يدعو إلى دار السّلام ويهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم} [يونس: 25]، والأبواب التي على كنفي الصراط حدود الله، فلا يقع أحدٌ في حدود الله حتى يكشف السّتر، والذي يدعو من فوقه واعظ ربّه». أخرجه الترمذي.
[شرح الغريب]
كنفي: كنف الشيء: جانبه.
حدود: جمع حدٍّ، وهي أحكام الشرع، وأصل الحد: الفاصل بين الشيئين، فكأن حدود الشرع فواصل بين الحلال والحرام.
وهذا حديثٌ وجدته في كتاب رزين بن معاوية، ولم أجده في الأصول.
61 - ابن مسعود - رضي الله عنه -: قال: إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ضرب الله مثلاً صراطًا مستقيمًا، وعن جنبتي الصّراط سوران فيهما أبوابٌ مفتّحةٌ، وعلى الأبواب ستورٌ مرخاةٌ، وعند رأس الصّراط داع يقول: استقيموا على الصراط ولا تعوجّوا، وفوق ذلك داعٍ يدعو كلّما همّ عبدٌ أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب، قال: ويحك، لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه. ثم فسّره فأخبر: أنّ الصّراط: هو الإسلام، وأن الأبواب المفتّحة، محارم الله، وأنّ السّتور المرخاة: حدود الله، والدّاعي على رأس الصراط: هو القرآن، وأنّ الدّاعي من فوقه: هو واعظ الله في قلب كلّ مؤمنٍ».
62 - (م) أبو هريرة - رضي الله عنه -: قال: إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء». أخرجه مسلم.
63 - (ت) عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: قال: إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الإسلام بدأ غريبًا؛ وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء». أخرجه الترمذيّ

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الإيمان, كتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:01 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir