دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > لمعة الاعتقاد

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 ذو القعدة 1429هـ/1-11-2008م, 12:19 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي وجوب الإيمان بكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم

فَصْلٌ

وَيَجبُ الإيمَانُ بِكُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَّ بِهِ النَّقْلُ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِيمَا شَاهَدْنَاهُ أَوْ غَابَ عَنَّا، نَعْلَمُ أَنَّهُ حَقٌ وَصِدْقٌ، سَواءٌ في ذَلِكَ مَا عَقَلْنَاهُ أَوْجَهِلْنَاهُ، وَلَمْ نَطَّلِعْ عَلَى حَقِيقَةِ مَعْنَاهُ.

  #2  
قديم 29 ذو القعدة 1429هـ/27-11-2008م, 10:41 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح الشيخ ابن عثيمين

السَّمْعِيَّاتُ: كُلُّ مَا ثَبَتَ بالسمْعِ؛ أيْ: بِطَرِيقِ الشَّرْعِ، ولمْ يَكُنْ لِلْعَقْلِ فيها مَدْخَلٌ.
وكلُّ ما ثَبَتَ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَخْبَارٍ فهيَ حَقٌّ يَجِبُ تَصْدِيقُهُ، سَواءٌ شَاهَدْنَاهُ بِحَواسِّنَا أوْ غَابَ عنَّا، وسواءٌ أدْرَكْنَاهُ بعُقُولِنا أمْ لَمْ نُدْرِكْهُ؛ لقولِهِ تعالَى:
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلاَ تُسْئَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ}[البقرة: 119].

------------------
حاشية الشيخ صالح العصيمي
................


  #3  
قديم 29 ذو القعدة 1429هـ/27-11-2008م, 10:55 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح الشيخ ابن جبرين

(1) هذا ممَّا يَتَعَلَّقُ بالعقيدةِ؛ وهوَ الإيمانُ بالغَيْبِ.
وأوَّلُ وَصْفٍ وَصَفَ اللهُ بهِ المُتَّقِينَ الإيمانُ بالغَيْبِ، قالَ تعالى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}[البقرة: 2- 3].

والغَيْبُ:
كلُّ ما غابَ عنَّا وأُخْبِرْنا عنهُ، وكانَ الخبرُ يَقِينًا؛ أَخْبَرَ اللهُ بهِ في القرآنِ، أوْ أَخْبَرَ بهِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديثِ.

لا شَكَّ أنَّ الأخبارَ الغَيْبِيَّةَ إخبارٌ عنْ أَمْرٍ ما شاهَدْنَاهُ ولا رَأَيْناهُ، فما هيَ طَريقتُنا في ذلكَ، وماذا نَفْعَلُ؟
علَيْنا أن نُصَدِّقَ بهِ وإنْ لمْ تُدْرِكْهُ عُقولُنا أوْ حَوَاسُّنا.
وكلُّ شيءٍ غابَ عنَّا وأُخْبِرْنا عنهُ بخبرٍ قدْ يَكونُ غَرِيبًا، وقدْ يَكونُ مُسْتَبْعَدًا، فإذا كانَ الخبرُ مِن اللهِ أوْ رسولِهِ وَجَب التَّصديقُ بهِ مَهْما كانَ، والأمثلةُ لِذلكَ كثيرةٌ.
فأوَّلاً:


الخبرُ عن اللهِ تعالى: هذا مِن الإيمانِ بالغيبِ، الخبرُ عنهُ بأنَّهُ فوقَ سَماواتِهِ على عَرْشِهِ، بائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، مُتَّصِفٌ بصفاتِ كَذا، مُنَزَّهٌ عنْ صِفاتِ كَذا وكذا، هذا مِن الإيمانِ.

ثانيًا:


الخبرُ عن الرُّسلِ: أَخْبَرَنا اللهُ، وأَخْبَرَنا الرَّسولُ عن الرُّسلِ بأخبارٍ منها مَثَلاً: أنَّ آدَمَ خُلِقَ مِنْ ترابٍ، وأنَّ اللهَ أسْجَدَ لهُ ملائكتَهُ، وأَسْكَنَهُ جنَّتَهُ، وأنَّ إبْلِيسَ احْتالَ عليهِ حتَّى أخْرَجَهُ.

هذا مِن الإيمانِ بالغيبِ


؛ لأنَّنا ما شَاهَدْنَاهُ لكنْ جاءَنا الخبرُ اليقينُ، فنُصَدِّقُ بهِ ونُؤْمِنُ بهِ.

ثالثًا:


الإخبارُ عن الملائكةِ؛ عنْ كَثْرتِهم، وعنْ عِبادتِهم، وعنْ أعمالِهم، وعنْ أماكِنِهم.

هذا أيضًا مِن الإيمانِ بالغيبِ نَقْبَلُهُ ولو اسْتَبْعَدَهُ مَن اسْتَبْعَدَهُ؛ فإنَّ الأمورَ الغَيْبِيَّةَ لا تُدْرَكُ بالعقولِ، وإنَّما تُدْرَكُ بالأخبارِ، فإذا كانَ المُخْبِرُ مِمَّن يَجِبُ تَصْدِيقُهُ فالتَّصديقُ بهِ داخلٌ في خِصالِ الإيمانِ، فلا يَجوزُ رَدُّ شيءٍ مِنْ خَبَرِهِ.
ويُقالُ هكذا في بَقِيَّةِ الأخبارِ، وبالأَخَصِّ ما يَكونُ في الدُّنيا؛ فإنَّ الإنسانَ قدْ يَعْجَزُ عنْ إدْراكِهِ، ولكنْ إذا كانَ خَبرًا صحيحًا ثابتًا فلا يَجوزُ رَدُّهُ ولوْ كَذَّبَ بذلكَ مَنْ كَذَّبَ.
ذَكَرَ ابنُ القَيِّمِ في كِتابِهِ (الرُّوحِ) عن الفلاسفةِ، أنَّهم أَنْكَروا عَذابَ القبرِ؛ وأنَّ القبرَ رَوْضةٌ مِنْ رِياضِ الجَنَّةِ، أوْ حُفْرةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ، وأنَّهُ يُفْسَحُ لِلمَيِّتِ في قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ، أوْ أنَّهُ يُضَيَّقُ عليهِ حتَّى تَخْتَلِفَ أضْلاعُهُ، وأنَّهُ يَأْتِيهِ المَلَكانِ فيُجْلِسانِهِ، وأنَّهما يَسْأَلانِهِ، وأنَّهُ إذا لمْ يَعْرِفْ يُضْرَبُ بِمِرْزَبَّةٍ مِنْ حَديدٍ فيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُها كلُّ شيءٍ إلاَّ الإنسانَ، ولوْ سَمِعَها الإنسانُ لَصَعِقَ، وأنَّهُ يُفْتَحُ لهُ بابٌ إلى الجَنَّةِ أوْ بابٌ إلى النَّارِ، وأنَّهُ يَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِها ورَيْحانِها.
فَهُمْ يُنْكِرُونَ ذلكَ ويَقولونَ: هذا لا نُحِسُّ بهِ؛ فإنَّنا كَشَفْنا عن المَيِّتِ فوَجَدْناهُ على هَيْئتِهِ لم يَتَحَرَّكْ ولمْ يَتَغَيَّرْ، فأينَ هذهِ الأشياءُ الَّتي تَزْعُمُونَها؟
الجوابُ:


أنَّكم في دارٍ، وهُمْ في دارٍ، أنْتُمْ في دارِ الدُّنيا، وهُمْ في دارِ البَرْزَخِ، ومَنْ ماتَ فقدْ قامَتْ قِيامتُهُ، وليسَ لكمْ أنْ تُنْكِروا الشَّيءَ الَّذي لا تُدْرِكُونَهُ؛ فإنَّ إدراكَ هذهِ الأشياءِ إنَّما هوَ خاصٌّ بمَنْ قدْ ماتَ، وأمَّا الأحياءُ فقدْ حُجِبَتْ عنهم؛ ولأجلِ ذلكَ أُخْبِرْنا أنَّ الإنسانَ لا يَسْمَعُ هذهِ الأصواتَ، وذلكَ أنَّهُ لوْ سَمِعَها لَتَكَدَّرَتْ عليهِ حَياتُهُ، ولمَا اطْمَأَنَّ في الدُّنيا، ولمَا رَكَنَ إلى مَلَذَّاتِهِ، بلْ لا يَعِيشُ عِيشةً هَنِيئةً؛ فلأجلِ ذلكَ حَجَب اللهُ عنَّا هذهِ الأشياءَ فلمْ نَرَها.

والأحكامُ في الآخِرةِ على الأرواحِ والأبْدَانِ،


وأمَّا البَرْزَخُ فالأحكامُ على الأرواحِ، والأبدانُ تَبَعٌ لها.

ونحنُ نَعْلَمُ أنَّ البَدَنَ جُثَّةٌ بعدَ الموتِ يَصِيرُ إلى الفَناءِ والعَدَمِ، وأمَّا الرُّوحُ فإنَّها هيَ الَّتي تَتَأَلَّمُ وتتَعَذَّبُ، ونَعْلَمُ أنَّ الرُّوحَ لا تُدْرِكُها أَبْصَارُنا كما أنَّنا لا نُدْرِكُ الجِنَّ ولا الشياطينَ ولا الملائكةَ ولا نَرَاهُمْ، فإذًا كيفَ تُكَذِّبُونَ بشيءٍ لا تُحِيطُ بهِ أبصارُكم ولا تَقْدِرُونَ على تَصَوُّرِهِ؟!
فعَرَفْنا بذلكَ أنَّ واجِبَ الإنسانِ أن يُصَدِّقَ بالغيبِ ممَّا أخْبَرَ اللهُ بهِ، أوْ أخْبَرَ بهِ الرَّسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كان يَقِينًا، وسواءٌ أدْرَكَتْهُ العُقولُ أمْ قَصُرَتْ عنهُ.
ويَدْخُلُ في هذا:


الإيمانُ بما وَقَعَ لِلنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن الوَقائعِ الَّتي قدْ يَسْتَبْعِدُها بعضُ النَّاسِ، وكذلكَ أيضًا ما وَقَعَ للأنبياءِ عليهم السَّلامُ قبلَهُ، وكذلكَ ما أَخْبَرَ بهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعةِ، وما أَخْبَرَ بهِ مِنْ عذابِ البَرْزَخِ وأمورِهِ، وما أَخْبَرَ اللهُ بهِ من البَعْثِ والنُّشورِ، والجَزاءِ على الأعمالِ، والجنَّةِ والنَّارِ، وما يَكونُ في يومِ القيامةِ.

كلُّ ذلكَ داخلٌ في الإيمانِ بالغيبِ؛ وما ذلكَ إلاَّ لأنَّهُ غائبٌ عن الأنظارِ، وإنَّما يُعْتَمَدُ فيهِ على الخبرِ.
والخبرُ إذا جاءَ عن الصَّادقِ المَصْدُوقِ وَجَبَ قَبولُهُ وتَقَبُّلُهُ ولو اسْتَبْعَدَتْهُ العقولُ وأَحالَهُ مَنْ أَحالَهُ.
وهذا هوَ مَذْهبُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، بلْ والمسلمينَ عامَّةً؛


فإنَّ المسلمينَ الَّذينَ صَدَّقُوا الرَّسولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْزَمُهم أنْ يُصَدِّقوهُ بما أخْبَرَ بهِ ولوْ لمْ تُدْرِكْهُ عُقولُهم.

أمَّا الَّذينَ لا يُصَدِّقُونَهُ مُطْلَقًا، أوْ يَقْبَلُونَ بعضَ ما جاءَ بهِ فهؤلاءِ لَيْسُوا حقًّا منْ أَتْباعِهِ.
فمثلاً؛ الفلاسفةُ الإلهيُّونَ يُكِذِّبُونَ بما أَخْبَرَ اللهُ بهِ مِنْ بَدْءِ الخَلْقِ، ويُنْكِرُونَ أنْ يَكونَ لهذا الخَلْقِ أوَّلٌ، أوْ يَكونَ لهُ آخِرٌ، فيُنْكِرُونَ أنَّ آدَمَ خُلِقَ مِنْ ترابٍ، بلْ يَعْتَقِدُونَ أنَّ هذا الجِنْسَ مِن النَّاسِ قَدِيمٌ لمْ يَبْدَأْ، ولمْ يَكُنْ لهُ أوَّلٌ، ولمْ يَزَلْ هكذا دائمًا وأَبَدًا، ليسَ لهُ مُبْتَدَأٌ وليسَ لهُ نِهايَةٌ، ويُنْكِرُونَ قِيامَ السَّاعةِ، ويُنْكِرُونَ بَعْثَ الأجسادِ، ويُنْكِرُونَ انْقِطاعَ هذا الجِنْسِ مِن النَّاسِ، ويَقولونَ: هكذا تَبْقَى هذهِ الدُّنيا دائمةً؛ أَرْحَامٌ تَدْفَعُ، وأَرْضٌ تَبْلَعُ مِنْ غيِر نِهايَةٍ، هكذا مُعْتَقَدُهم.
فكَذَّبوا بما أخْبَرَ اللهُ بهِ وبما أخْبَرَ بهِ رسولُهُ، وما ذاكَ إلاَّ أنَّهم لمْ تَصِلْ مَعْرِفتُهم إلى الإيمانِ الصَّحيحِ، فوَقَعُوا فيما وَقَعوا فيهِ مِنْ هذا الشَّكِّ، وهمْ مِثْلُ مَنْ قالَ اللهُ تعالى فيهم أنَّهم: {فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ}[التَّوبة: 45].
هذا الفَرْقُ بينَ المُسْلِمِينَ وبينَ الفَلاسِفةِ، وهُمْ يُقِرُّونَ بالإلَهِ، ويُقِرُّونَ بأنَّ هذا الخَلْقَ مَخْلوقٌ ولهُ خَالِقٌ مُدَبِّرٌ، وإنْ كانَ اعْتِرَافُهم بِذلكَ عنْ طَريقِ العَقْلِ لا عنْ طَرِيقِ النَقْلِ، اعْتَرَفَ بِذلكَ كَبِيرُهم الَّذي يَرْجِعُونَ إليهِ، والَّذي يُقالُ لهُ: أَرُسْطُو، ويُسَمَّى عندَهم (المُعَلِّمَ الأوَّلَ)، ولهُ مُؤَلَّفاتٌ مَوجودةٌ مَطْبوعةٌ تُباعُ بأَغْلَى الأَثْمانِ مُشْتَمِلةٌ على هذهِ العقائدِ السَّخِيفةِ.
وتَبِعَهُ مِن المسْلِمِينَ أَكابَرُ الفَلاسِفةِ، كابنِ سِينا، ومعَ الأَسَفِ لا يَزالُ مُقَدَّسًا عندَ كثيرٍ مِن المُنْتَمِينَ إلى الإسلامِ.
وكذلكَ الْفَارَابِيُّ، وسُمِّيَ عندَهم (المُعَلِّمَ الثَّانيَ)، وكلُّهم مِنْ غُلاةِ الفلاسفةِ الَّذين يُنْكِرُونَ الغيبَ.
وهناكَ طائفةُ (السُّمَنِيَّةِ)، ذَكَروا أنَّهم يُنْكِرُونَ ما لا يُدْرِكُونَ بإحْدَى الحَواسِّ، لا يُقِرُّونَ إلاَّ بما أدْرَكُوهُ بحاسَّةٍ مِن الحَواسِّ الخمسِ، وهم الَّذينَ ناظَرُوا جَهْمًا في رَبِّهِ؛ حيثُ لَقِيَ طائفةً من السُّمَنِيَّةِ، فَسَأَلُوهُ: هلْ لكَ رَبٌّ؟ قالَ: نَعَمْ، فقالوا لهُ: هلْ رَأَيْتَ ربَّكَ؟ قالَ: لا، قالوا: هلْ سَمِعْتَ صَوْتَهُ وكلامَهُ؟ قالَ: لا، قالوا: مَسَسْتَهُ بيدَيْكَ؟ قالَ: لا، قالوا: شَمَمْتَ رائحتَهُ؟ قالَ: لا، قالوا: إِذَنْ هوَ مَعْدومٌ.
فبَقِيَ مُتَحَيِّرًا، ثمَّ إنَّهُ تَذَكَّرَ وقالَ لأحدِهم، وهوَ رَئيسُهم: هلْ لكَ رُوحٌ، أوْ هلْ لكَ عَقْلٌ؟ فقالَ: نعمْ، قالَ: هلْ رَأَيْتَ عَقْلَكَ أوْ رُوحَكَ؟ قالَ: لا، قالَ: هلْ شَمَمْتَهُ، هلْ مَسَسْتَهُ أوْ ذُقْتَهُ، هلْ سَمِعْتَهُ؟ قالَ: لا، فقالَ: إذًا ليسَ لكَ عقلٌ، أوْ ليسَ لكَ رُوحٌ.
فعندَ ذلكَ رَجَعُوا إلى أنْ يَقولوا هذا القولَ المُبْتَدَعَ، فاعْتَرَفوا بالرَّبِّ، ولكنَّهم وَصَفُوهُ بِصِفاتٍ لا يَثْبُتُ معها إلهٌ مَعبودٌ أوْ ربٌّ معبودٌ.
هذهِ الطَّائفةُ يُنْكِرونَ ما سِوى المَحْسوساتِ، لكنَّ طائفةَ الفلاسفةِ أَخَصُّ مِنْ هؤلاءِ.
فالفلاسفةُ قِسمانِ:
أ-


فلاسفةٌ طَبِيعيُّونَ: وهُم الَّذينَ يُنْكِرونَ الخَلْقَ والخالِقَ ويَقولونَ: إنَّ هذهِ طبيعةٌ، وإنَّ هذا الوجودَ طبيعةٌ، وهكذا وُجِدَتْ ولا يَتَغَيَّرُ عن الطبيعةِ.

وقدْ أَنْشَد الشَّيخُ الْحَكَمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ في قَصِيدتِهِ (الجَوْهَرةِ الفريدةِ) قولَهُ:


ولا نــُصــِيــخُ لـِعـَصـــْرِيٍّ يـــَفُوهُ بما يــُنــَاقـِضُ الـشَّرعَ أوْ إيَّاهُ يــــَعـْتَقـِدُ


يَرَىالطَّبـيــعـةَ فـي الأَشْيــَا مُؤَثِّرةً أينَ الطَّبيعةُ يا مَخْذولُ إذْ وُجِدُوا


يَقولُ: أينَ الطَّبيعةُ قبلَ أنْ يُوجَدُوا؟! فهذا مِنْ عقائدِ الفلاسفةِ الطَبائِعيِّينَ الَّذينَ لا يُقِرُّونَ بِإِلَهٍ.
ب-


فلاسفةٌ إسلاميُّونَ: كابنِ سِينا وابنِ رُشْدٍ والفارابيِّ ونحوِهم، فهؤلاءِ يُقِرُّونَ بأنَّ هناكَ إلهًا، ولِهذا يُسَمَّوْنَ الفلاسفةَ الإلهيِّينَ، ولكنَّ مُعْتَقَدَهم أنَّهم لا يُؤْمِنونَ بالغيبِ.

فالمُسلِمونَ والحمدُ للهِ يَعْرِفُونَ ما يَعْتَقِدُونَهُ، ويَدِينُونَ بأنَّ الخَلْقَ لهُ خالِقٌ، وأنَّ الخالِقَ أَمَرَهم بالأعمالِ، وأنَّهُ يُجازِيهم على الأعمالِ، وإذا لمْ يُجَازَوْا في الدُّنيا فإنَّهم سوفَ يَلْقَوْنَ جَزاءَهم في الآخِرةِ، إنْ خيرًا فخيرٌ، وإنْ شرًّا فشرٌّ.



  #4  
قديم 29 ذو القعدة 1429هـ/27-11-2008م, 11:18 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح الشيخ صالح آل الشيخ

--------------------------

  #5  
قديم 29 ذو القعدة 1429هـ/27-11-2008م, 11:20 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح الشيخ:صالح الفوزان .حفظه الله (مفرغ)

المتن: فصل
ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم,وصح به النقل عنه.

الشرح:
لما عرف الإيمان,وذكر الأدلة على تعريفه عند أهل السنة والجماعة؛ ذكر أن من الإيمان: الإيمان بالغيب,وهو: ما غاب عن الناس ولم يشاهدوه، من الأمور الماضية والأمور المستقبلة ؛لأنه قد مضى وانقضى, أو لأنه لم يحدث بعد وسيأتي,فهذا ليس للعقل فيه دخل أبدا, وإنما الاعتماد فيه على النقل,وهو الخبر الصادق عن الله ورسوله.فكل ما أخبر الله عنه من الغيوب الماضية,والغيوب المستقبلة،وكل ما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغيوب الماضية، والغيوب المستقبلة؛فإنه يجب الإيمان به,والتسليم له,من غير تدخل بعقولنا وأفهامنا؛لأن هذا شيء لا تدركه عقولنا ولا أفكارنا,وإنما مبناه على التسليم والتصديق لخبر الله ورسوله.
والإيمان إنما هو الإيمان بالغيب,أما الإيمان بالشيء المشاهد؛ فهذا لا ميزة فيه لأحد, ولا يسمى إيماناً.
فالإنسان الذي لا يؤمن إلا بما يشاهده ويراه؛فإن هذا ليس إيماناً منه,ولهذا لا يُقبل الإيمان إذا قامت القيامة,أو إذا حضر الإنسانَ أجلُه، وشاهد ما كان يخبر عنه من الأمور الغائبة عنه,فإذا عاينها وأبصرها لا يُقبل إيمانه.
فلهذا جاء في الحديث: ((إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)) يعني: ما لم تبلغ روحه الغرغرة؛لأنها إذا بلغت روحه الغرغرة انتهى الإيمان، وانتهى العمل, ووقع الإنسان فيما أُخبر عنه في الماضي, وشاهده عياناً: {لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} هذا خطاب للإنسان: أنه عند نزع روحه يشاهد ما كان يخبر عنه في حياته,فحينئذ لا ينفعه الإيمان.
كذلك قوله تعالى: {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا}.
هذا إذا طلعت الشمس من مغربها,حينئذ لا يقبل الإيمان ممن آمن,ولا التوبة ممن تاب؛لأن هذا أصبح حساً ومشاهداً,لا غائباً.
ولهذا يقول جل وعلا: {بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين},ولهذا يقول جل وعلا في أول سورة البقرة: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة}.
فأول صفات المتقين :أنهم يؤمنون بالغيب,يعني: بما غاب عنهم، ولم يشاهدوه,ولكن اعتمدوا فيه على خبر الصادق,فآمنوا به ,كأنهم يشاهدونه عياناً؛لأنهم يصدقون بأخبار الله،وأخبار رسوله صلى الله عليه وسلم.
فالأمور الغائبة والمستقبلة, لا يعتمد فيها على العقول, ولا على الأفكار,وإنما يعتمد فيها على الأخبار الصحيحة الصادرة عن الله جل وعلا, عالم الغيب والشهادة,أو الصادرة عن نبيه,الذي لا ينطق عن الهوى: {إن هو إلا وحي يوحى}.
ويدخل في هذا الباب الكثير من الأخبار الماضية، كخبر آدم والملائكة,وخبر الأمم السابقة: قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم,وأصحاب مدين،وغيرهم من الأمم.
هذا كله أخبر الله عنه,فيجب الإيمان به,وهو غيب ماض.
وكذلك الغيوب المستقبلة، مثل: أشراط الساعة,وما يكون قبل قيام الساعة,وما يكون في آخر الزمان,وكذلك الإيمان بعذاب القبر ونعيمه,وما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم من ذلك,وكذلك الإيمان باليوم الآخر,وما يكون فيه,والإيمان بالبعث والنشور,والإيمان بالجنة والنار,كل ذلك داخل في الإيمان بالغيب,بل الإيمان بالله جل وعلا هو إيمان بالغيب؛لأننا لم نر الله جل وعلا,وإنما آمنا به؛اعتمادا على آياته الكونية,وآياته القرآنية,وأخبار رسله عليهم الصلاة والسلام.
فنحن نؤمن بالله وبأسمائه وصفاته,ووجوب عبادته؛اعتماداً على الأخبار الصادقة,والآيات البينة,والبراهين الساطعة أمام أعيننا, مما نشاهد من خلق الله، وملكوت الله سبحانه وتعالى, وأن هذا الكون لا يمكن أن يكون أوجد نفسه,أو أن يكون أحد أوجده غير الله سبحانه وتعالى:{أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون.أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون}.
من هو الذي ادعى أنه خلق ذرة,أو خلق حبة,أو خلق شعيرة,أو خلق شيئا من السماوات والأرض؟!ما أحد ادعى هذا من الكفار,مع شدة كفرهم وعنادهم. لا يستطيعون أن يدعوا أنهم خلقوا شيئا: {أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتاباً فهم على بينة منه}.
الله جل وعلا يتحداهم:هؤلاء الذين تعبدونهم من دون الله؛أروني ماذا خلقوا من الأرض.ما أحد ادعى أن معبوده خلق شيئاً؛ لأنه لا يمكنه أن يدعي هذا أبدا,والله جل وعلا أخبر أنه خلق السماوات والأرض,وأنه خلق الجن والإنس,وأنه خلق,وأنه يخلق,ولا أحد اعترض على الله في خبره سبحانه وتعالى؛ لأنه لا أحد يقدر على ذلك,لا أحد يقدر أن يعترض على الله فيقول: لا,هذا الشيء خلقه فلان,وهذا الشيء خلقه فلان.
ما أحد يدعي هذا,ما يستطيعون هذا.
والله! نتحداهم, نقول: أبرزوا براهينكم على أن أحدا يخلق غير الله سبحانه وتعالى: {أم لهم شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار}.
أخبر سبحانه أنه خلق ويخلق,ولا أحد يعترض ويقول: أبداً؛ إن هذا ما هو بصحيح.ما أحد يقدر على هذا,بل العقول استسلمت لهذا,ولا أحد ادعى أن أحداً يخلق مع الله سبحانه وتعالى.
فلذلك الله جل وعلا هو الخلاق وحده سبحانه وتعالى,وهو الخالق جل وعلا,هذا بتسليم العالم كله؛كفارهم ومؤمنيهم؛أن الله هو الخالق سبحانه وتعالى:{ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله،ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله}.
يعترفون بهذا؛ أن الخلق لله سبحانه وتعالى,وإذا كان له الخلق فله الأمر,هو الذي يأمر وينهى ويشرع: {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين}.
فالحاصل: أن هذه الغيوب لا تدخلها العقول والأفكار، ولا أحد يتدخل فيها بنفي أو إثبات,إلا بناء على ما جاء عن الله,وعن رسله عليهم الصلاة والسلام.

المتن: ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.

الشرح:
بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم,وأما الإيمان ببعضه والكفر ببعضه,فهذا كفر بالجميع,فنحن نؤمن بكل ما أخبر به؛ما تتصوره عقولنا وما لا تتصوره عقولنا,ليس لعقولنا دخل في هذا؛لأنها عاجزة,ولا تحيط بالأشياء,لا يحيط بالأشياء إلا الله جل وعلا.

المتن: وصح به النقل عنه.
الشرح:
صح به النقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم,فما دام صح السند فإنه يجب الإيمان بالحديث.
عندما يخبرنا الحديث الصحيح عن أمور غائبة فإنه يجب علينا التصديق والإيمان,أما ما لم يصح سنده؛فنحن غير مطالبين بالإيمان به.
فلا بد من صحة السند عند أئمة أهل الحديث,فإذا صح فلا كلام لأحد.

المتن: فيما شاهدناه,أو غاب عنا,نعلم أنه حق وصدق.
الشرح: يعني: لا فرق بين ما نشاهده وما لم نشاهده,يجب أن تؤمن بالجميع,كأنك تشاهد الغائب؛لأنه أخبرك عنه الصادق المصدوق,الذي لا ينطق عن الهوى,صلى الله عليه وسلم,فهو مثل الذي تشاهده سواء بسواء.

المتن: وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه.
الشرح: وسواء بذلك ما تصورته عقولنا,وما لم تتصوره عقولنا, العقول ليس لها دخل في هذا, أمور الغيب لا تتصورها العقول,مثلاً:القبر؛ أنه روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار,هذا الأمر عقول بعض البشر لا تتصوره,يقولون: الميت يصير ترابا, ولو حفرنا ما وجدنا عنده ناراً، ولا وجدنا عنده جنة.
نقول: هذا ليس من عالم المشاهدة ؛ عالم الدنيا , هذا من عالم الآخرة,الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى,وأنت لا تحس به,وليس من لازم صحة الشيء ووقوعه؛ أنك تشاهده، هناك أشياء موجودة، لكن أنت لا تراها,ولا تشاهدها,وهي موجودة,وأنت لا تدركها أبداً.
مثلا مما يقرب هذا: ينام اثنان بعضهم إلى جانب بعض,هذا ينام نوما هادئا ومريحاً ولذيذاً , وهذا ينام نوماً _ والعياذ بالله _ مقلقاً ومزعجا بالأحلام المزعجات، والمنغصات في نومه,وهذا إلى جانب هذا,فلا هذا يحس بهذا ولا هذا يحس بهذا.فإذا كان هذا في أمور الدنيا,فكيف في أمور الآخرة التي لا يعلمها إلا الله؟!
كذلك الأموات؛منهم من هو في نعيم,ومنهم من هو في عذاب,وإن كان بعضهم إلى جانب بعض,فلا هذا يحس بنعيم هذا,ولا هذا يحس بعذاب هذا,كل يتعلق به حكمه.
هذه قدرة الله جل وعلا التي لا يعجزها شيء.
والله حجب عنا أمور الآخرة,وعذاب القبر من أمور الآخرة,وإنما نحن نؤمن به؛ بناء على خبر الرسول صلى الله عليه وسلم,فنؤمن أن الميت يعذب,أو ينعم,وإن كنا لا نحس بهذا,ولا نراه,وفي حجبه عنا رحمة بنا,يقول صلى الله عليه وسلم: ((لولا أن لا تدافنوا لسألت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع)).
فالله جل وعلا حجب هذا عنا؛رحمة بنا.الميت يضرب في قبره فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين , ولو سمعها الإنسان لصَعِقَ,يعني: لمات, فمن رحمة الله أن حجب هذا عنا,ولا نسمعه ولا نراه؛رحمة بنا.
فأمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا,وأول أمور الآخرة عذاب القبر,فهو أول منزل من منازل الآخرة,وما يجري فيه فهو من عالم الغيب,الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.

المتن: سواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه, ولم نطلع على حقيقة معناه,مثل حديث الإسراء والمعراج.
الشرح:
من الأخبار التي أخبرنا الله عنها ورسوله: الإسراء والمعراج,قال الله جل وعلا: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام} يعني: من مكة المشرفة,{إلى المسجد الأقصى} في فلسطين, {الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا}.
وبين مكة وفلسطين مسافة تقطعها الإبل في الأشهر,والرسول صلى الله عليه وسلم أسري به وعاد؛في ليلة واحدةصلى الله عليه وسلم,جاءه جبريل عليه السلام وهو نائم في مكة,فاحتمله على البراق _ دابة يركبها الأنبياء _وذهب به إلى بيت المقدس؛خطوها عند مد بصرها.
ثم إنه صلى بالأنبياء في بيت المقدس, ثم إنه عرج به,يعني : صعد به إلى السماء بروحه وبجسمه,يقظة لا مناما, وهذا من آيات الله سبحانه وتعالى,ومن معجزات هذا الرسول صلى الله عليه وسلم.
وذلك مذكور في أول سورة النجم, والإسراء مذكور في أول سورة بني إسرائيل: {سبحان الذي أسرى بعبده} والسُّرى: هو السير ليلاً,والمعراج ذكر في أول سورة النجم: {والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى} يعني: جبريل عليه السلام,{ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى}... إلى آخر الآيات.
فالله جل وعلا يقول في الإسراء: { لنريه من آياتنا} فأراه من آياته في هذه الليلة الشيء العجيب في ملكوت السماوات والأرض,ورأى الجنة والنار,ورأى أهل النار فيها, ورأى أهل الجنة فيها,وكلمه الله من وحيه بما شاء,وفرض عليه الصلوات الخمس من فوق سبع سماوات,ثم نزل صلى الله عليه وسلم,نزل به جبريل إلى الأرض,ثم جاء إلى مكة في ليلة واحدة,فأصبح يخبر الناس,فأهل الإيمان ازدادوا إيماناً؛لأنهم صدقوه من أول الأمر,وما دام آمنوا أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم لا يكذبونه.
ولهذا لما قيل لأبي بكر: إن صاحبك يقول: كذا, ويزعم أنه سرى لبيت المقدس، وصعد إلى السماء، وجاء في ليلة واحدة؛قال: إن كان قد قاله فهو كما قال, أنا أصدقه في خبر السماء,أفلا أصدقه في هذا!
وأما الكفار فإنهم اتخذوا من هذه الحادثة وسيلة للتهكم بالرسول صلى الله عليه وسلم,ومن ضعاف الإيمان من ارتد عن الإسلام,والكفار فرحوا بذلك.
ولكن الإسراء والمعراج حق, وهو معجزة من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم,وهو من أعظم ما أكرم الله به هذه الأمة المحمدية,والإيمان به واجب,وهو يقظة لا منام؛لأن المنام لا أحد ينكره,قريش لا تنكر الرؤيا,فلو كان رؤيا ما أنكرته قريش؛لأنها تؤمن بالرؤيا ,وأيضاً؛ الله جل وعلا يقول:{أسرى بعبده},والعبد إنما يكون لمجموع الروح والجسد,الروح وحدها لا تسمى عبداً، والجسد وحده لا يسمى عبداً,وإنما مجموع الروح والجسد هو العبد,{ أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام} بمكة المشرفة, {إلى المسجد الأقصى} في بيت المقدس,مع بعد المسافة,وذاك الوقت ليس فيه وسائل النقل السريعة,ولكن فيه من خلق الله سبحانه ومن قدرة الله الذي أوجد هذه الوسائل السريعة الآن.
هذه قدرة الله جل وعلا,وهذا خلق الله,وهذا ملكوت الله,ما جاء أحد بشيء من عنده أبداً.
ألا يقدر سبحانه أن يسري برسوله,وأن يعرج به إلى السماء,وأن يأتي به في ليلة واحدة؟! الله جل وعلا لا يستعصي عليه شيء.
فالمدار على الإيمان,والتسليم لله ولرسوله,من غير تدخل بأفكارنا وعقولنا وقياساتنا.هذا هو الإيمان.


  #6  
قديم 29 ذو القعدة 1429هـ/27-11-2008م, 11:29 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post تيسير لمعة الاعتقاد للشيخ :عبد الرحمن بن صالح المحمود .حفظه الله ( مفرغ )


ثم انتقل رحمه الله تعالى إلى ذكر عدد من المسائل المتعلقة بالإيمان افتتحها بذكر هذه القاعدة العامة فقال :
(( فصل : ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وصح به النقل عنه فيما شاهدناه أو غاب عنا أنه حق وصدق وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه )).

وهذه مسألة كبرى من مسائل الإيمان, وهي الإيمان بكل ما أخبربه الرسول صلى الله عليه وسلم , ونحن قد عرضنا لهذه المسألة عندما قال الشيخ (( ويجب أن نصف الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله ))
وقلنا : إن كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في باب الصفات وغيره فهو حق يجب الإيمان به .
فذكر الشيخ هذا الأصل هناك في باب الصفات وذكره هنا في باب الإيمان, ومقتضاه أن كل ما ورد به النص الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من الخبر المشاهد او الغيببي سواء كان هذا الغيب سابقاً او سيأتي , فنحن نؤمن به ونصدق بشرط الثبوت , بأن يكون الحديث صحيحاً ولهذا قال : بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وصح به النقل عنه فيما شاهدناه او غاب عنا فما اخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم مما شاهدناه , مثل ما شاهده الصحابة في وقتهم , او شاهده من جاء بعدهم او نشاهده نحن من بعض اخباره ومعجزاته , (( او غاب عنا )) مثل خبره عن الله, أو عن الملائكة , أو عن السموات والكرسي والعرش , ومثل خبره عن عذاب القبر ونعيمه ومثل خبره عن اشراط الساعة التي تكون في أخر الزمان , ومثل خبره عن اليوم الآخر وماذا يكون فيه من الحساب والميزان والصراط , ومثل خبره عن أهل الجنة وأهل النار, كل هذه الأمور إذا صح الحديث بها فنحن نؤمن به نصدق .

وهذه مسألة إيمانية بدهية , لكن المؤسف حقاً هو انه وجد في المسلمين من يستهين بحديث الرسول عليه السلام ولا يصدق ما جاء به, ولعظمة هذا لأمر وخطره على الأمة حذر منه الرسول عليه الصلاة والسلام حين اخبر عن وقوعه في هذه الأمة فقال : (( يوشك رجل متكئ على اريكته ياتيه الأمر من امرنا فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله فما جاء من شئ دل عليه كتاب الله اخذنا به )) (1) وقال : الرسول عليه الصلاة والسلام : (( ألا وإِني اوتيت القرآن ومثله معه)) (2) , أي السنة, والسنة مشتملة على البيان للقرآن وعلى الأحكام , وهو وحي يوحى من الله تعالى , والله سبحانه وتعالى أخبر أنه أنزل القرآن ليبينه الرسول عليه الصلاة والسلام فقال تعالى : (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) (النحل: من الآية44) .
ولا يمكن أن نعمل بالقرآن إلا بالسنة , فكثير من نصوص القرآن عامة, وقد جاءت السنة بتخصيصها وبيانها , ولو لم نعمل بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام لوقعنا
في أعظم الضلال والإلحاد؛ كما هو مذهب القرآنيين , وهم طائف ضالة تركت العمل بالسنة واكتفت على زعمهم بالقرآن, وحجتهم في ذلك أن الحديث فيه صحيح وضعيف, ويلزمهم على مذهبهم ترك الكتاب والسنة. الكتاب والسنة جميعاً فمثلاً ربنا سبحانه وتعالى يقول : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) (المائدة: من الآية38) .
كيف نعمل بالآية ؟ ومن هو السارق ؟ هل السارق الذي سرق حبة شعير, أو السارق الذي سرق درهماً, او الذي سرق ثلاثة دراهم أو الذي سرق مليون درهم كلهم سرق . فإذا اخذنا بالعموم سنقطع كل سارق حتى ولو كان امراً دون النصاب, أو كان أمراً تافهاً جداً .
ثم إذا جئنا لننفذ القصاص لقوله : (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ) ما هي اليد ؟ هل اليد من الكف ؟ أو من المرفق ؟ أو من الكتف ؟ هل يمكن أن ننفذ هذا الحكم الشرعي إلا ببيان الرسول عليه الصلاة والاسلام ؟ وكذلك الأمر في بقية الأحكام الشرعية .
فالأحكام الشرعية والأخبار الغيبية التي وردت صحيحة عن النبي عليه الصلاة والسلام ناخذ بها, ونفعل بمافيها من أخبار ونعمل بمافيه من حكم وتشريع ؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام مبلغ عن ربه سبحانه وتعالى وما جاء به حق وصدق , فإذا جاء الخبر عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وصح عنه فليزمنا الأخذ به والعمل بمقتضاه ,مثل حديث الذباب , فهو حديث صحيح رواه البخاري وغيره وعمل به الأئمة ومع ذلك يأتي أناس فيردون هذا الحديث لأنه يخالف ما قاله بعض الأطباء على زعمهم , ولم يثبت أن هذا الحديث خالف شئ من الأبحاث العلمية بل على العكس من ذلك أثبتت الأبحاث أن في أحد جناحي الذباب داءً وفي الآخر دواء , كما ورد في بتض الدراسات العلمية الجطبية حول هذا الحديث نشرت منذ زمن طويل .
وعلى فرض أن هذا الحديث يخالف ما عليه بعض الأطباء او بعض الأبحاث الطبية, فإنه لايجوز لنا ردُّه لهذا السبب؛ لأن كلام الله وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام مقدمان على كل شئ , فإذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام : ((إذا وقع الذباب في اثناء الحكم فلنغمسه ثم لينزعه, فإِن في احد جناحيه داء وفي الآخر شفاء )) .
قلنا : سمعنا واطعنا ولانردُّ كلام رسول الله عليه الصلاة والسلام , وهكذا في بقية الأمور التي يخبر عنها الرسول , ولكون هذا اصلاً من أصول أهل السنة والجماعة مثل لـه الشيخ هنا بامثلة من الغيبيات


___________________
(1)اخرجه ابو داود رقم (4604/4605) كتاب السنة ، والترمذي رقم (2663/2664) كتاب العلم ، وابن ماجه رقم (12,13) في المقدمة ، وقال الترمذي عن الأول : حسن صحيح .
(2) اخرجه ابو داود رقم (4604) ، واحمد في المسند (4/431) وهو جزء من الحديث السابق وصححه الألباني كما في صحيح الجامع رقم (2643) .



  #7  
قديم 6 محرم 1430هـ/2-01-2009م, 03:36 AM
تيمية تيمية غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 256
افتراضي شرح لمعة الاعتقاد,الشيخ الغفيص

حكم الإيمان باليوم الآخر وما يتعلق به

قال الموفق رحمه الله:
[يجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وصح به النقل عنه] .

مراده بذلك: جميع ما جاء ذكره في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وإنما قال: بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يقل: بما جاء في كلام الله ورسوله.. لأن هذا من باب التجوز في العبارات، وإلا فإذا قيل: يجب الإيمان بما في كتاب الله؛ لزم من ذلك وجوب الإيمان بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومثله إذا قيل: يجب الإيمان بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن هذا التعبير يدل من باب اللزوم والضرورة على أنه يجب الإيمان بما أخبر به في كتاب الله سبحانه وتعالى.
أما ما يتعلق باليوم الآخر؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الإيمان به من أصول الإيمان، كما في حديث جبريل قال (... وتؤمن بالبعث الآخر) وفي رواية أخرى: (وتؤمن بلقائه) أي: بلقاء الله، وهو كثير في كلام الله سبحانه وتعالى في القرآن وفي كلام النبي صلى الله عليه وسلم. ويراد باليوم الآخر: ما يقع بعد الموت في القبر من الفتنة والسؤال والعذاب والنعيم، وذلك داخل في عموم هذا المقام.

حكم التفقه والاجتهاد في هذا الباب

هذا الباب وأمثاله لا يدخله التفقه ويقال فيه بالاجتهاد، فالناظر إلى دلائل الإسلام يجد أن منها ما هو تقرير لكليات من الأصول العلمية، وهذا لا يقال فيه بالتفقه القابل للاجتهاد والظن، واختلاف أقوال المجتهدين وما إلى ذلك، وإنما يوقف فيه على الصريح من الخبر، فما جاء عن الله أو صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه يقال به، ويكون الإيمان به واجباً ولازماً.
وأما ما كان من المعاني محتملاً؛ فإنه لا ينبغي القصد إلى الجزم به إثباتاً أو نفياً، وإن كان من يثبته أو ينفيه يمكنه أن يستدل على إثباته أو نفيه بنوع من الاستدلال، أي: أن الإثبات والنفي في هذه المقامات لا يكون إلا بدليل صريح، وأما إذا تعذر الدليل الصريح فإنه لا يصار إلى الإثبات أو النفي، فإن المقام هنا ليس مقام الأفعال التكليفية، فأنت إذا جئت إلى مسائل الصلاة والزكاة والحج أو إلى مسائل المعاملات والشهادات ونحوها؛ وجدت هذا النوع من المسائل أحياناً يستدل على مسائله بوجه من الاستدلال ليس لازماً، وإنما هو وجه ممكن محتمل، ومع ذلك فإن هذا النوع من الاستدلال إذا لم يمكن إلا هو فإنه يكون صحيحاً؛ لأن المسألة لا بد فيها من حكم؛ لأنها مسألة تكليفية.
فمثلاً: لحم الإبل هل ينقض الوضوء أو لا ينقض الوضوء؟
هذه المسألة ليس فيها نصوص صريحة قطعية، وإنما فيها نصوص محتملة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر بن سمرة لما قيل له: (يا رسول الله! أنتوضأ من لحم الغنم؟ قال: (لا) . قيل: أنتوضأ من لحم الإبل؟ قال: (نعم) ) وفي رواية أخرى: (إن شئت)، فهل قوله صلى الله عليه وسلم: (نعم). أراد به الوجوب أم الاستحباب؟ هذا محل نزاع بين الفقهاء، فذهب الشافعي و مالك و أبو حنيفة إلى عدم نقض الوضوء بلحم الإبل، وذهب الإمام أحمد رحمه الله في أصح الروايتين عنه وهي مذهبه إلى أن لحم الإبل ناقض للوضوء.
فالاستدلال بهذا الحديث ليس استدلالاً قطعياً، ولذلك لا بد من الترجيح، ولا يمكن
لقائل أن يقول: إن هذه المسألة لا نقول فيها بشيء، لأنه ليس عندنا دليل قاطع فيها، فمسائل التكليف يعتبر فيها التفقه والاجتهاد أخذاً بالعمومات أو الخصوصيات ترجيحاً أو جمعاً، أو غير ذلك من طرق الاستدلال والترجيح. لكن في باب أصول الإيمان والخبريات المحضة، كالإيمان باليوم الآخر ومسائله مما يكون في القبر من عذاب أو نعيم، أو ما بين يدي يوم القيامة كأحاديث عذاب القبر وأشراط الساعة، هذا لا يقال فيه بالتفقه والاجتهاد، بل يوقف فيه على صريح النص، فإذا ثبت صريح النص قيل به، وإذا لم يثبت أو لم يكن صريحاً لزم السكوت.
وعلى طالب العلم أن يفقه الأمور المتعلقة بما يكون بين يدي قيام الساعة، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حدث بأحاديث كثيرة أن بين يدي الساعة فتناً، وذكر جملةً من هذه الفتن على التفصيل، وذكر جملةً منها على الإجمال. وهذه الفتن منها ما هو ثابت بالسنة الصحيحة المتفق عليها أو المستفيضة الصحة عند الأئمة، كأحاديث اتفق عليها الشيخان، أو لم يتفقا عليها، ولكنها أحاديث انضبطت صحتها عند أئمة الحديث..
فهذا قدر. وثمة أحاديث في الفتن التي تكون بين يدي الساعة فيها أوصاف لبعض الأمصار أو لبعض الأعيان من الناس، أو لبعض الأفعال، أو لبعض الأحوال، وتجد أن هذه الأحاديث ليست من الأحاديث البينة صحتها، بل هي إلى الضعف أقرب، وإن كانت قد تقبل التحسين بوجه ما. وهنا إشكال: وهو أن بعض السالكين من طلبة العلم أو الباحثين في مسائل أحاديث الفتن يعنون بجبر هذه الأحاديث وتقويتها، كأنهم يبحثون في مسألة فقهية تكليفية، احتيج إلى تقرير هذا الدليل وإلى جبره فيها مع مجموع أدلة أخرى، فيصير تحت هذا التحصيل الجزم بثبوت مثل هذه الفتن، وأشد من ذلك حين يصار إلى تفصيل تحقيقها، فربما استقرئت بعض الحوادث القائمة أو المستشرفة القيام على أنها هي التي حدَّث بها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث كذا وحديث كذا، كاستشراف كثير من الناس
لأحاديث المهدي وما يتبعها، وما يقارن خروج المهدي من الأحوال والفتن وما إلى ذلك. وهذا ليس من الانضباط السليم في المنهج الشرعي العلمي. وأشد من ذلك حينما تستقرأ الفتن التي بين يدي الساعة من كتب بني إسرائيل التي أحسن ما يقال فيها كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم) فالشارع قد بين أن ما في كتبهم لا يصدق ولا يكذب، وإن قال عليه الصلاة والسلام: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) لكن التحديث ليس هو التصديق وبناء الأحوال أو الأقوال أو الأفعال على مثل هذه النصوص. هذا فضلاً عن أن مراده صلى الله عليه وسلم بما في كتب أنبيائهم أو المنسوبة إلى أنبيائهم التي دخلها التحريف، وليس مراده صلى الله عليه وسلم بذلك ما كتبه بعض أحبارهم ورهبانهم ورجال الدين عندهم من متأخريهم، فإن كثيراً من هذا الكلام اخترعه وابتدعه بعض متأخري رجال النصرانية واليهودية، وكذبوا على أنبيائهم وعلى أصحابهم المتقدمين في ديانتهم. فهذا الباب لا بد من ضبطه على هذا الاعتبار، ولا ينبغي لطالب العلم أن ينتظر التفصيل في غير ما صرح النص بتفصيله؛ ولهذا يوقف في هذه الأحاديث على قدرها التي ذكرت من التعبير، وأما ما فوق ذلك فإنه لا يقال فيه لا بإثبات ولا بنفي.

من أركان الإيمان: الإيمان باليوم الآخر، فيجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن اليوم الآخر وما يتعلق به، كالقبر وعذابه ونعيمه، وكالبعث و النشور، والحساب والجزاء، والجنة والنار، ونحو ذلك، وهذه الأمور من الغيبيات التي لا مجال للاجتهاد فيها؛ بل يجب الإيمان والتسليم بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها.

مسائل في الإيمان باليوم الآخر

قال الموفق رحمه الله:
[ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ، وصح به النقل عنه فيما شاهدناه، أو غاب عنا، نعلم أنه حق وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه، ولم نطلع على حقيقة معناه] .
كلام المصنف هنا يتعلق بما يسمى عند المتأخرين بالسمعيات، فإنهم إذا ذكروا مسائل اليوم الآخر وما يتعلق بالمغيبات سموا هذا القسم بالمسائل السمعية، وهذه التسمية مستعملة في كلام متكلمة أهل الإثبات، والصفاتية المنتسبين للسنة كالأشاعرة وأمثالهم، وهذه التسمية مستعملة أيضاً في كلام بعض أهل السنة المتأخرين، وأما المتقدمين من السلف فإنهم لم يخصوا هذا الباب بهذه التسمية، فإن هذه التسمية أحسن ما يقال فيها: إنها مما يتوسع في شأنه إذا بيّن المراد به على وجه صحيح، وإلا فإن هذه التسمية ليست مقصودةً لذاتها، ولا ينبغي القصد إليها، لأن القصد إليها ليس من التحقيق لذكر أصول السلف أو فصولهم في مسائل أصول الدين، بل التحقيق لمذهب السلف إنما يكون بذكر حقائق أقوالهم، المقولة في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وما أجمعوا عليه، وإن لم ينطق بمثل هذه التقاسيم التي قد تتضمن مفهوماً، وإن لم يكن مراداً إلا أنه قد يكون مشكلاً على كثير من الخاصة والعامة.
وهي تشابه تلك التقاسيم المقولة في باب الأسماء والصفات، فإنك تجد في كلام المتأخرين أن الصفات تنقسم إلى: ذاتية وفعلية، أو إلى صفات اختيارية وخبرية... وما إلى ذلك. إذاً: تسمية ما يتعلق بالمغيبات واليوم الآخر وأمثال ذلك بالسمعيات هي تسمية متأخرة، وهذا أحسن ما يقال فيها، وإلا فجميع أصول الدين معلومة بالسمع: (الكتاب والسنة). وإذا قيل: إن جملة الأصول يُعلم قدرها الكلي وبعض مقاماتها التفصيلية بالعقل، وأن هذا باب خبري محض فهذا ليس على اطراده، فإن دلائل العقل قد تذكر فيما هو من هذا المقام، فإن الله سبحانه وتعالى لما ذكر البعث ذكر له دليلاً من العقل، بمثل قول الله تعالى: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ) [يس:78-79].
فتخصيص هذا الباب بهذا الاسم فيه قدر من التحكم. ......


  #8  
قديم 6 محرم 1430هـ/2-01-2009م, 03:36 AM
تيمية تيمية غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 256
افتراضي

العناصر

وجوب الإيمان بكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم
- معنى السمعيات
- معنى الغيب
- عقيدة أهل السنة والجماعة في الأمور الغيبية
- مذهب السمنية
- أقسام الفلاسفة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

  #9  
قديم 6 محرم 1430هـ/2-01-2009م, 03:37 AM
تيمية تيمية غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 256
افتراضي

أسئلة
س1: من عقيدة أهل السنة والجماعة: (الإيمان بكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم) تحدث عن هذا الأصل باختصار مبيناً أهميته، وسبب إيراد المؤلف لهذا الباب في هذه المسالة.
س2: ما المراد بالسمعيات؟

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الإيمان, وجوب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:57 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir