الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله والصلاة والسلام على محمد .
إن هذه الأحاديث تتعلق بأحكام الجنائز , فمن أحكامها اتباع النساء الجنائز , ورد النهي عن زيارتهن المقابر ولعنهن على ذلك , فقال صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله زائرات القبور)) وفي رواية: ((لعن الله زوارات القبور)) , ولا شك أن اللعن دليل على التحريم , فهذا يدل على أنه لا تشرع لهن زيارة القبور .
كذلك النهي عن اتباع المرأة للجنائز , معلوم أن اتباع الجنائز فيه فضل وأجر , ثبت فيه قوله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى على جنازة فله قيراط , ومن تبعها حتى تدفن فله قيراط)) قيل: يا رسول الله وما القيراط ؟ قال: مثل الجبل العظيم ..أو ((القيراطان مثل الجبلين العظيمين)) يعني من الأجر . وجعل النبي صلى الله عليه وسلم من حقوق المسلمين بعضهم على بعض اتباع الجنائز في قوله: ((للمسلم على المسلم ست بالمعروف: يسلم عليه إذا لقيه , ويشمته إذا عطس , ويعوده إذا مرض , ويتبع جنازته إذا مات , ويجببه إذا دعاه , ويحب له ما يحب لنفسه)) ومعنى من يتبع جنازته أنه إذا مات شيعه وتبعه إلى أن يدفن ؛ فإن ذلك من حقه ومن الدليل على بقاء المودة له ومن مواساة ذويه وأهله .
ولكن بالنسبة إلى النساء لا يحق لهن ذلك , وما هو السبب ؟ هو ضعف نفوسهن وقلة تحملهن وكثرة الجزع والفزع فيهن أكثر من الرجال , وكذلك الفتنة بهن , ثبت أنه صلى الله عليه وسلم رأى نسوة تبعن ميتا فقال لهن: ((هل تدلين فيمن يدلي)) - يعني تدلين الميت – قلن: لا , قال: ((هل تدهن فيمن يدهن)) , قلن: لا , فقال: ((ارجعن مأزورات غير مأجورات ؛ فإنكن تفتن الحي وتؤذين الميت)) علل بهذا , أمرهن بالرجوع ولم يمكنهن من الذهاب , تؤذين الأموات بالصراخ وبالنياحة ونحو ذلك , وتفتن الأحياء , النظر إلى المرأة حتى ولو كانت متحجبة قد يكون فتنة , فلأجل ذلك أمرهن بالرجوع ونهاهن عن الاتباع وأخبر بأنهن ليس لهن حظ في التشييع , وأن الجنائز يشيعها الرجال وهم الذين يتولون موراتها.
وثبت أيضا في السنن في سنن أبي داود والترمذي بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى فاطمة جاءت من قبل البقيع فقال: ((من أين أتيت)) ؟ فقالت: من أهل ذلك الميت عزيتهم في ميتهم , قال: ((لعلك بلغت معهم الكدى)) – الكدى: هو المكان الصلب الذي يعد للمقابر يعني حول المقابر – فقالت: معاذ الله وقد سمعتك تنهى عن ذلك , فقال: ((لو بلغتي معهم الكدى ما دخلت الجنة ..أو ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك)) يعني الذي مات كافرا , فهذا فيه وعيد شديد مع أنها فاطمة الزهراء ابنة النبي صلى الله عليه وسلم ...سقط...الذي هو زيارتها للقبر فيه هذا الوعيد الشديد .
لا شك أنه دليل على التحريم . وهو كما تقدم كما ذكرنا قريبا في درس التوحيد من أحاديث الوعيد التي يرد فيها الزجر , الزجر عن بعض الأعمال , فيستدل به العلماء على أنه حرام . فعلى هذا نقول: زيارة النساء للقبور حرام ما دام لعن عليه وتوعد عليه بأنهن مأزورات غير مأجورات , وتوعد (غير مسموع) أنها حتى ولو كانت فاطمة الزهراء , لا ترى الجنة حتى يحصل كذا وكذا , لا شك أن هذا دليل على أنه محرم , ولا يغتر بمن كتب في ذلك بمن كتب يؤيد أو يدعو النساء إلى الزيارة ويفتح لهن الأبواب ويرخي لهن الحجاب .
ولا شك أن الذين كتبوا في ذلك واشتهروا بهذا الكتاب قوم رأوا المرأة في تلك البلاد , المرأة شاركت الرجال وأصبحت كأنها مع الرجال إلى جنب الرجل فقالوا: نعطيها أيضا حريتها وحقها في أن تزور القبور كما يزورها الرجل , وأن تشيع الجنائز وأن تفعل كما يفعل الرجال . واستدلوا بأدلة ليس فيها مقنع , قالوا مثلا: إن عائشة زارت قبر أخيها , صحيح أنها زارت قبر أخيها عبد الرحمن ولكن لم يكن في مقبرة إنما كان مدفونا في مكان مرت عليه في الطريق وعدلت قريبا حتى اعتذرت عن ذلك وقالت: لو شهدتك -يعني عند موتك - ما زرتك , أرادت أن تأتي إلى قبره وتسلم عليه وتدعو له . أخوها عبد الرحمن مات في الطريق بين مكة والمدينة . فلا دلالة في هذا على زيارة القبور .
واستدلوا أيضا بأن عائشة قالت: يا رسول الله ما أقول إذا زرت القبور ؟ فقال: ((قولي السلام عليكم)) . نقول: هذا فيما إذا كانت عابرة الطريق فمرت , إذا مرت المرأة وهي تسير مثلا في سيارة أو راكبة أو ماشية والقبور إلى جنبها قريبا منها عابرة التفتت وقالت: السلام عليكم , أما كونها تدخل في داخل الأسوار وتقف عند القبور وتقول: هذا قبر فلان وهذا قبر فلان كما هو مشاهد فهذا ما فعله الصحابيات ولا فعله المؤمنون .
وبكل حال المسلم يتمسك بذلك , فليس في ذلك تنقص للمرأة , فالمرأة ما دامت أنها عارفة بالأحكام لا يضرها كونها ممنوعة من الخروج مثلا أو ممنوعة من زيارة القبور أو نحو ذلك , لا ينقصها ذلك بل يزيد ذلك في كرامتها وفي حشمتها وفي رفعة منزلتها متى عملت بالشريعة كما ينبغي .
وأما قول أم عطية في هذا الحديث: نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا , فالنهي لا بد أن يكون بقول: أنهاكنْ .. أنهاكنَّ , أو بقول: لا تزوروا المقابر , لا تأتوا المقابر ، لا تتبعوا الجنائز . وإذا كان كذلك فالأصل في النهي أنه للتحريم , ولكن فهمت ذلك أنه لم يكرر كأنه لما لم يكرر النهي ظنت أنه للكراهة لا للتحريم , لذلك قالت: لم يعزم علينا . ولكن الأصل أنه للتحريم . هذا يتعلق باتباع النساء الجنائز .