دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الطهارة

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #5  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 07:45 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الشرح الممتع للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

قوله: «وإِن نَوى بتيمُّمِه أحداثاً» ،
أي: أجزأ هذا التَّيمُّم الواحد عن جميع هذه الأحداث، ولو كانت متنوِّعة؛ لأنَّ الأحداث إِمَّا أن تكون من نوع واحد؛ كما لو بال عِدَّة مرَّات فهذه أحداث نَوْعُها واحد وهو البول.

أو تكون من أنواع من جِنْس واحد كما لو بال، وتغوَّط، وأكل لحم جَزور، فهذه أنواع من جِنْس واحد وهو الحَدَث الأصغر.
أو تكون من أجناس كما لو بال، واحْتَلم، فهذه أجناس؛ لأن الأوَّل حَدَث أصغر والثَّاني أكبر.
فإِذا تيمَّم، ونَوَى كُلَّ هذه الأحداث، فإِنه يجزئُ، والدَّليل قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إِنَّما الأعمال بالنِّيَّات، وإِنما لكلِّ امرئ ما نَوَى»[(721)]، والتَّيمُّم عَمَل؛ وقد نَوَى به عِدَّة أحداث فله ما نَوى.

أَوْ نَجَاسَةً على بدنِه تضُرُّهُ إزالتُها، أوْ عَدِمَ ما يُزيلها،......

قوله: «أو نَجَاسة على بَدَنِه تضُرُّه إِزالتُها» ،
مثاله:
لو سقطتْ نقطةُ بَولٍ على جُرْحٍ طريّ لا يستطيع أن يغسلَه، ولا يمسَحَه؛ لأنَّه يضرُّه إِزالتها، فيتيمَّم على القول بالتَّيمُّم عن نجاسة البَدَن.

قوله: «أوْ عَدِمَ ما يُزيلها» ، مثاله: أصابه بول على بَدَنِه ولا ماء عنده يُزيلها به، فيتيمَّم.
وأفاد رحمه الله بقوله: «أو نجاسة على بَدَنِه»، أن النَّجاسة على البَدَنِ يتيمَّمُ لها إِذا لم يَقْدِر على إِزالتها، وأما النَّجاسة في الثَّوب، أو البقعة فلا يتيمَّم لها.
والصَّحيح: أنه لا يتيمَّم عن النَّجاسة مطلقاً، وقد سبق بيان ذلك[(722)].
ومثال نجاسة البُقْعة: كما لو حُبِسَ في مكان نَجِسٍ كالمرحاض، فيتوضَّأ ويصلِّي على حسب حاله، ولا يتيمَّم للنَّجاسة.

أوْ خَافَ بَرْداً، أَوْ حُبسَ في مِصْرٍ فَتَيَمَّم، أو عَدِم الماءَ والترابَ صلَّى، ولم يُعِدْ.
قوله: «أو خافَ برْداً» ، يعني: خاف من ضَرَرِ البرد لو تطهَّر بالماء، إِما لكون الماء بارداً ولم يَجِد ما يُسخِّن به الماءَ، وإِما لِوُجود هواء يتضرَّر به، ولم يَجِد ما يتَّقي به فَلَهُ أن يتيمَّم، لقوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16] .
فإِن وَجد ما يُسخِّن به الماءَ، أو يتَّقي به الهواء، وَجَبَ عليه استعمال الماء، وإِنْ خافَ الأذى باستعمال الماء دون الضَّررِ، وجب عليه استعمالُهُ.
قوله: «أو حُبِس في مِصْرٍ فَتَيَمَّم» ، «حُبس» أي: لم يتمكَّن من استعمال الماء.
والمِصْر: المدينة، وإِنما نَصَّ المؤلِّفُ رحمه الله على ذلك؛ لأن بعض العلماء قال: لا يتيمَّم[(723)]؛ لأنه ليس مسافراً، ولا عادماً للماء؛ لأنَّه في مِصْر.
ولكن يقال: إِن الماء الموجود في المِصْر بالنِّسبة له معدوم؛ لأنه حُبِس ولم يتمكَّن من استعمال الماء، وحينئذ تعذَّر عليه الماء فيتيمَّم.

وإِن حُبِس في مِصْر، ولم يَجِد ماء، ولا تُراباً صلَّى على حَسَب حاله، ولا إِعادة عليه، ولا يؤخِّر صَلاته حتى يقْدِر على إِحدى الطَّهارتين: الماء، أو التُّراب.
قوله: «أو عَدِمَ الماء، والتُّراب صلَّى، ولم يُعِد» ،
كما لو حُبِس في مكان لا تُراب فيه ولا ماء، ولا يستطيع الخروج منه، ولا يُجلب له ماء ولا تُراب؛ فإِنه يُصلِّي على حَسَب حاله، محافظة على الوقت الذي هو أعظم شروط الصلاة.

والدَّليل على ذلك قوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16] ، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إِذا أمَرْتُكم بأمرٍ فأْتوا منه ما استطعتم»[(724)]، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أيُّما رَجُل من أمَّتي أدْرَكَته الصَّلاةُ فلْيُصَلِّ»[(725)] لأنَّ هذا عام، ومن هنا نأخذ أهمِّية المحافظة على الوقت، وأنَّ الوقت أَوْلى ما يكون ـ من شروط الصَّلاة ـ بالمحافظة.

ويَجبُ التيمُّمُ بِتُرابٍ ............
قوله: «ويَجبُ التيمُّمُ بتُرابٍ» ، هذا بيان لما يُتيمَّم به.
وقد ذكر المؤلِّفُ له شروطاً:

الأول: كونه تراباً، والتُّراب معروف، وخرج به ما عداه من الرَّمل، والحجارة وما أشبه ذلك.
فإِنْ عَدِم التُّرابَ كما لو كان في بَرٍّ ليس فيه إِلا رَمْل، أو ليس فيه إِلا طِين لكثرة الأمطار فيصلِّي بلا تيمُّم، لأنَّه عادِم للماء والتُّراب. والدَّليل على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «وجُعِلت تربتُها لنا طَهُوراً»[(726)]، وفي رواية: «وجُعِل التُّراب لي طَهُوراً»[(727)].
قالوا: هذا يُخصِّص عُموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «وجُعِلتْ لي الأرض مسجداً وطَهُوراً»[(728)].
لأن الأرض كلمة عامَّة، والتُّراب خاصٌّ، فيُقيَّد العام بالخاص.

ورُدَّ هذا: بأنه إِذا قُيِّد اللفظ العام بما يوافق حُكْم العام، فليس بِقَيد.
وتقرير هذه القاعدة: أنَّ ذكر بعض أفراد العام بحُكم يوافق حُكم العام، لا يقتضي تخصيصه.
مثال ذلك: إِذا قلت: «أكرِم الطَّلَبَة» فهذا عام، فإِذا قلت: أكرم زيداً وهو من الطَّلبة؛ فهذا لا يُخصِّص العام، لأنك ذكرت زيداً بحُكْمٍ يوافق العام.
لكن لو قلت: لا تُكْرم زيداً، وهو من الطَّلبة صار هذا تخصيصاً للعام؛ لأنِّي ذَكرته بِحُكْم يُخالف العام.
ومن ذلك قول بعض العلماء في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «وفي الرِّقَةِ رُبع العُشرِ»[(729)]، أنه يخصِّص عموم الأدلَّة الدَّالة على وجوب الزكاة في الفضَّة مطلقاً[(730)]، لأنه قال: «وفي الرِّقَة»، والرِّقَة: هي السِّكَّة المضروبة.
فيقال: إِن سلَّمْنا أن الرِّقَة هي الفِضَّة المضروبة، فذِكْرُ بعض أفراد العام بِحُكْم يوافق العام لا يقتضي تخصيصه.
وهذه القاعدة ـ أعني أن ذكر أفرادٍ بِحُكْم يوافق العام لا يقتضي التخصيص ـ إِنَّما هو في غير التقييد بالوصف، أما إِذا كان التَّقييد بالوصف فإِنه يفيد التَّخصيص، كما لو قُلت: أكرِم الطَّلبة، ثم قلت: أكرِم المجتهد من الطَّلبة، فذِكْر المجتهد هنا يقتضي التَّخصيص؛ لأنَّ التَّقييد بِوَصْف. ومثل ذلك لو قيل: «في الإِبل صدقة»، ثم قيل: «في الإِبل السَّائمة صدقة». فالتَّقييد هنا يقتضي التَّخصيص فتأمَّل.
والصَّحيح: أنَّه لا يختصُّ التَّيمُّم بالتُّراب، بل بِكلِّ ما تصاعد على وجه الأرض، والدَّليل على ذلك:
1 ـ قوله تعالى: {{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}} [المائدة: 6] ، والصَّعيد: كلُّ ما تصاعد على وجه الأرض، والله سبحانه يَعْلَم أنَّ النَّاس يطْرُقون في أسفارهم أراضي رمليَّة، وحجريَّة، وتُرابيَّة، فلم يخصِّص شيئاً دون شيء.
2 ـ أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم، في غزوة تبوك مَرَّ برِمالٍ كثيرة، ولم يُنقل أنَّه كان يحمِل التُّراب معه، أو يصلِّي بلا تيمُّم.

طَهُورٍ ..........
قوله: «طَهُور» ، هذا هو الشَّرط الثَّاني لما يُتيمَّم به. وهو إِشارة إِلى أن التُّراب ينقسم إِلى ثلاثة أقسام:
1- طَهُور.
2- طاهر.
3- نجِس.
كما أن الماء عندهم ينقسم إِلى ثلاثة أقسام[(731)].
فخرج بقوله: «طَهُور» التُّراب النَّجس كالذي أصابه بَوْل، ولم يَطْهُر من ذلك البول، والدَّليل قوله تعالى: {{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}} [المائدة: 6] ، والطَّيب ضدُّ الخبيث، ولا نعلَم خبيثاً يُوصَف به الصَّعيد إِلا أن يكون نجساً.
وخرج أيضاً:
التُّراب الطَّاهر كالذي يتساقط من الوجه أو الكفَّين بعد التَّيمُّم، وكذا لو ضَرَبْتَ الأرضَ وغبّرت ومسَحْت وجهك، ثم أتى شخص وضَرب على يديك ومَسَح فلا يجزئ؛ لأن التُّراب الذي على اليدين مستعمل في طهارة واجبة، فيكون طاهراً غير مطهر.

أما لو تيمَّمت على أرض، ثم جاء آخر فضرب على موضع ضَرْب يديك فهذا طَهُور، وليس بطاهر، وقد نَصَّ الفقهاء على ذلك[(732)]، وهذا شبيه بما لو توضَّأ جماعة من بِرْكَة واحدة، فإِن ماء البِرْكة يبقى طَهُوراً.
والصَّحيح: أنه ليس في التُّراب قِسْم يُسمَّى طاهراً غير مطهِّر كما سبق في الماء[(733)].

غير محتَرقٍ له غُبار ..........
قوله: «غير محتَرِق» ، هكذا في بعض النُّسَخ، وهذا هو الشَّرط الثَّالث من شروط المتيمَّم به. فلو كان محترِقاً كالخَزَفِ والإِسمنت، فلا يجوز التَّيمُّم به.
وهذا ضعيف، والصَّواب:
أنَّ كلَّ ما على الأرض من تُراب، ورَمْل، وحجر محتَرِق أو غير محتَرِق، وطين رطب، أو يابس فإِنه يُتيمَّم به.

قوله: «له غبار» ، هذا هو الشَّرط الرَّابع من شروط المتيمَّم به.
فإِن لم يكن له غبار لم يصحَّ التَّيمُّم به كالتُّراب الرَّطب، وعلى هذا لو كنّا في أرض أصابها رَشُّ مطر حتى ذهب الغُبَار فلا نتيمَّم عليها، بل نصلِّي بلا تيمُّم.

والدَّليل على ذلك قوله تعالى: {{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}} [المائدة: 6] ، قالوا: «من» للتَّبعيض، ولا تتحقَّق البعضيَّة إِلا بغبار يَعْلق باليد، ويُمْسَح به الوجه واليدان.
والصَّحيح: أنه ليس بشرط، والدَّليل على ذلك:
1- عموم قوله تعالى: {{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}} [المائدة: 6] .
2- أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يسافر في الأرض الرمليَّة، والتي أصابها مطر، ولم ينقل عنه ترك التيمُّم.
وأما قولهم إِن «من» تبعيضيَّة فالجواب عنه أن «من» ليست تبعيضيَّة بل لابتداء الغاية فهي كقولك:
سرت من مكَّة إِلى المدينة، وهذا وإِن كان خلاف الظَّاهر إِلا أنَّه الموافق لِسُنَّة النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم حيث لم يكن يَدَعْ التيمُّم في مثل هذه الحال.

ومما يُبيِّن هذا أن آية «النِّساء»، ليس فيها «من»، قال تعالى: {{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ}} [النساء: 43] ، وآية «النساء» سبَقت آية «المائدة» بسنوات.
وأيضاً: في حديث عمَّار رضي الله عنه الذي رواه البخاري: أن النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لما ضَرَبَ بكفَّيهِ الأرض نَفَخَ فيهما[(734)]، والنَّفْخُ يُزيل الغبار، وأثر التُّراب.
واشترط الأصحاب أن يكون التُّراب مُبَاحاً، فإِن كان غير مباح فلا يصحُّ تيمُّمُه منه كما لو كان مسروقاً.
وهذه المسألة خِلافيَّة[(735)]، والخِلاف فيها كالخِلاف في اشتراط إِباحة الماء للوُضُوء والغُسْل.
أما لو كان التُّراب ترابَ أرضٍ مغصوبة، فإِنَّه يصحُّ التَّيمُّم منه، كما لو غَصب بئراً فإِنه يصحُّ الوُضُوء من مائها، ولكن قال الفقهاء ـ رحمهم الله ـ: يُكرَه الوُضُوء من ماء بئر في أرض مغصوبة.

وفُرُوضُه: مَسْحُ وَجْههِ، ويَديْه إِلى كُوعَيْه، ..........
قوله: «وفُرُوضُه: مَسْحُ وَجْهِه ويَديْه إِلى كُوْعَيْه» ، والدَّليل على ذلك قوله تعالى: {{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}} [المائدة: 6] ، وهو كقوله تعالى في الوُضُوء: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}} الآية [المائدة: 6] .
والكُوع: هو العَظم الذي يلي الإِبهام. وأنشدوا:
وعظمٌ يلي الإِبهامَ كوعٌ وما يلي
لخنصره الكرسوع، والرَّسغُ ما وَسَطْ
وعظمٌ يلي إِبهامَ رِجْلٍ مُلَقَّبٌ
ببوعٍ؛ فَخُذْ بالعِلْم واحذر من الغَلَطْ[(736)]
والدَّليل على أنَّ المسح إِلى الكُوعين:
1- قوله تعالى: {{وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}} [المائدة: 6] ، واليَدُ إِذا أُطلقت فالمراد بها الكَفُّ بدليل قوله تعالى: {{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيدِيَهُمَا}} [المائدة: 38] ، والقَطْع إِنما يكون من مِفْصَل الكَفِّ.
2- حديث عمار بن ياسر وفيه أن النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال:«إِنما يكفيك أن تقول بيَدَيْك هكذا، ثم ضَرَب بِيَدَيْه الأرض ضربة واحدة، ثم مَسَح الشِّمال على اليمين، وظاهرَ كفَّيه ووجهه»[(737)]، ولم يَمسَحِ الذِّراع.
وقال بعض العلماء: إِن التَّيمُّم إِلى المرفقين[(738)]؛ واستدلُّوا بما يلي:
1- ما رُويَ عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «التَّيمُّم ضربتان، ضربةٌ للوَجْه، وضربةٌ لليدين إِلى المرفقين»[(739)]، ورُدَّ هذا بأن الحديث ضعيف شاذٌ مخالف للأحاديث الصَّحيحة في صفة التَّيمُّم؛ وأنه ضربة واحدة، والمسْحُ إِلى الكُوع فقط.
2- قياس التَّيمُّم على الوُضُوء. ورُدَّ هذا القياس بأمرين:
الأول: أنه مقابل للنَّصِّ، والقِياس المقابل للنَّصِّ يُسمَّى عند الأصوليِّين فاسد الاعتبار.
الثاني: أنه قياس مع الفارق، والفرق من وجوه:
الوجه الأول:
أن طهارة التَّيمُّم مختصَّة بعضوَين، وطهارة الماء مختصَّة بأربعة في الوُضُوء، وبالبَدَنِ كُلِّه في الغُسْل.

الوجه الثَّاني:
أنَّ طهارة الماء تختلف فيها الطَّهارتان، وطهارة التَّيمُّم لا تختلف.

الوجه الثَّالث:
أنَّ طهارة الماء تنظيف حِسِّي، كما أن فيها تطهيراً معنويًّا، وطهارة التَّيمُّم لا تنظيف فيها.

3 ـ أن اليدَين في التَّيمُّم جاءت بلفظ مطلَق، فتُحمل على المُقيَّد في آية الوُضُوء. ورُدَّ هذا بأنَّه لا يُحْمَل المطلَق على المقيَّد إِلا إِذا اتَّفقا في الحُكْم، أمَّا مع الاختلاف فلا يُحْمَل المطلَق على المقيَّد.

وكذا التَّرتيبُ والمُوالاةُ في حَدَثٍ أصْغَر.
قوله: «وكذا التَّرتيبُ والموالاةُ في حَدَث أصغر» ، يعني: أنَّ من فروض التَّيمُّم في الحَدَثِ الأصْغَرِ التَّرتيب والموالاة.
فالتَّرتيب: أن يبدأ بالوَجْه قَبْل اليَدَين.
ودليله قوله تعالى: {{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ}} [المائدة: 6] ، فبدأ بالوجه قبل اليدين. وقد قال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «ابدؤوا بما بَدَأ الله به»[(740)].
والموالاة: ألاّ يُؤخِّر مسْحَ اليدين زمناً لو كانت الطَّهارة بالماء لَجَفَّ الوَجْه، قبل أن يطهِّر اليدين.
وعلَّلوا: أن التَّيمُّم بَدل عن طهارة الماء، والبَدَل له حُكْمُ المبدَل، فلما كانا واجبَين في الوُضوء، وَجَبَا في التَّيمُّم عن الحَدَثِ الأصغر. وأما بالنسبة للأكبر كالجنابة فلا يُشْتَرط التَّرتيب، ولا الموالاة، لِعَدم وجوبهما في طَهارة الجَنابة، وهذا هو المذهَب.
وقال بعض العلماء: إِن التَّرتيب والموالاة فَرْضٌ فيهما جميعاً[(741)].
واستدلُّوا بِقَوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث عَمَّار وهو جُنُب: «إِنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا»، ففعل التَّيمُّم مرتَّباً، متوالياً.
قالوا:
وقياس التَّيمُّم على طهارة الحَدَثِ الأكبر في عَدَم وُجوب التَّرتيب والموالاة قياس مع الفارق؛ لأن البَدَنَ كلَّه عُضْوٌ واحد في طهارة الحدث الأكبر بالماء وفي التَّيمُّم عُضْوان.

وقال بعض العلماء: إِنهما لَيْسا فرضاً في الطَّهارتين جميعاً[(742)].
والذي يظهر أن يقال: إِن التَّرتيب واجب في الطَّهارتين جميعاً، أو غير واجب فيهما جميعاً؛ لأن الله تعالى جعل التَّيمُّم بدلاً عن الطَّهارتين جميعاً، والعضوان للطهارتين جميعاً.
وبالنِّسبة للموالاة الأوْلَى أن يُقال:
إِنها واجبة في الطَّهارتين جميعاً، إِذ يبعد أن نقول لمن مَسَح وَجْهَه أوَّل الصُّبْح، ويدَيْه عند الظُّهر: إِن هذه صورة التَّيمُّم المشروعة!.

وتُشْتَرطُ النيةُ لما يَتَيَمَّمُ له مِنْ حَدَثٍ، أو غَيْرِه.
قوله: «وتُشْتَرطُ النيَّةُ» ، الشَّرط في اللُّغة: العلامة، ومنه قوله تعالى: {{فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا}} [محمد: 18] ، أي: علاماتها.
وفي اصطلاح الأصوليين: ما يَلزَمُ من عَدَمِه العَدَم، ولا يَلْزَم من وجوده الوُجود.
مثاله: الوُضُوء شرط لصحَّة الصَّلاة، يلزم مِن عَدَمِه عَدَمُ الصِّحة، ولا يلزم من وجوده وجود الصَّلاة؛ لأنه قد يتوضَّأ ولا يُصلِّي.
والسَّبب: ما يَلزَم من وجوده الوُجود، ويَلزَم من عَدَمِه العَدَم. فالفرق بينه وبين الشَّرط: أن السبب يَلزَم من وجوده الوُجود بخِلاف الشَّرط.
والمانع: ما يَلزَم من وُجوده العَدَم، ولا يَلزَم من عَدَمِه الوُجود، عكس الشَّرط.
وقوله: «النِّيَّة». سبق الكلام عليها[(743)].
قوله: «لما يَتَيَمَّم له من حَدَثٍ، أو غيره» ، «من حَدَثِ»: متعلِّق بـ«يَتَيَمَّم»، وليست بياناً للضَّمير في «له»، وذلك أن عندنا شيئين مُتَيَمَّماً له، ومُتَيَمَّماً عنه، والمؤلِّف جمَع بينهما.
فلا بُدَّ أن ينويَ نِيَّتَيْن:
الأولى: نِيَّة ما يتيمَّم له، لنعرف ما يستبيحه بهذا التَّيمُّم، وتعليل ذلك: أن التَّيمُّم مبيح لا رافع على المذهب[(744)]، ولا يُستباح الأعلى بنيَّة الأدنى، فلو نَوَى بِتَيَمُّمِهِ صلاة نافلة الفَجْر لم يُصَلِّ به الفريضة، ولو نوى الفريضة صلَّى به النافلة؛ لأنَّ النَّافلة أدنى والأدنى يُستباح بنيَّة الأعلى.
الثَّانية: نيَّة ما يتيمَّم عنه من الحَدَثِ الأصغر أو الأكبر.
وقول المؤلِّف رحمه الله: «أو غيره»، يعني به: النَّجاسة التي على البَدَنِ خاصَّة.
مثال ذلك: إِذا أحْدَث حَدَثاً أصغر، وأراد صلاة الظُّهر يُقال له: انْوِ التَّيمُّم عن الحَدَثِ الأصغر، وانْوِهِ لصلاة الظُّهر.
وأما بالنسبة لطهارة الماء، فلو نَوى الصَّلاة، ولم يطْرأ على باله الحدث ارتفع حَدَثُه، وكذا لو نوى رَفْع الحَدَث، ولم يطرأ على باله الصَّلاة ارتفع حَدَثُه وصلَّى به الفريضة.
وإِذا قلنا بالقول الرَّاجح:
إِن التَّيمُّم مُطَهِّر ورافع؛ فنجعل نيَّته حينئذٍ كنيَّة الوُضُوء.

فإِذا نوى رفع الحَدَث صَحَّ، وإِذا نوى الصَّلاة ـ ولو نافلة ـ صَحَّ وارتفع حَدَثُه وصلَّى به الفريضة.

فإِن نَوَى أحدَها لم يُجْزئه عَنْ الآخر،...........
قوله: «فإِن نَوَى أحدَها لم يُجْزئه عَن الآخر» ،
أي: إِن نَوَى أحدَ ما يتيمَّم عنه، فإِذا نَوى الأصغر لم يرتفع الأكبر، وإِذا نَوى الأكبر لم يرتفع الأصغر، وإِن نَوى عن نجاسة بَدَنِه لم يُجْزِئه عن الحَدَث، وإِن نوى الجميع الأصغر والأكبر والنَّجاسة فإِنه يُجْزِئه لِعُموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إِنَّما الأعمال بالنِّيَّات»[(745)].


وإِن نَوى نَفْلاً، أو أطلقَ لم يُصَلِّ به فَرْضاً، وإِن نواه صلَّى كُلَّ وقتِهِ فُرُوضاً ونَوافلَ...........
قوله: «وإِن نَوى نَفْلاً، أو أطلقَ لم يُصَلِّ به فَرْضاً» ،
مثاله: تيمَّم للرَّاتبة القبلية، فلا يُصلِّي به الفريضة، لأنه نَوى نَفْلاً والتَّيمُّم على المذهب استباحة، ولا يستبيح الأعلى بنيَّة الأدنى.

وقوله: «أو أطلقَ»، أي: نَوى التَّيمُّم للصَّلاة، وأطلق فلم يَنْوِ فرضاً ولا نَفْلاً، لم يُصَلِّ به فرضاً، وهذا من باب الاحتياط.
قوله: «وإِن نواه صَلَّى كُلَّ وقتِهِ فُروضاً ونَوافِلَ» ،
أي: إِذا نَوى التَّيمُّم لصلاة الفريضة، صلَّى كلَّ وقت الصَّلاة فَرائِض ونَوَافل.

فَلَه الجمع في هذا الوقت وقضاء الفَوائِت، ويُصلِّي النَّوافل الرَّاتبة وغير الرَّاتبة ما لم يكن الوقتُ وقتَ نَهْي.
وإِنما نَصَّ على ذلك؛ لأن بعض السَّلف قال:
يَتَيَمَّم لكلِّ صلاة[(746)]، فكلَّما سَلَّم من صلاة تيمَّم للأخرى. وهذا ضعيف، والصَّواب ما قاله المؤلِّف.


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أحكام, النية

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:04 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir