دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 2 جمادى الأولى 1441هـ/28-12-2019م, 12:59 PM
منيرة محمد منيرة محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: السعودية
المشاركات: 668
افتراضي

التطبيق السادس :
اختر ثلاث المفردات من المفردات التالية وبيّن معانيها وما يصحّ أن تفسّر به في الآيات المذكورة:
1 : معنى "الغاسق" في قول الله تعالى: {ومن شرّ غاسق إذا وقب}

لفظ "الغاسق" يستعمل في لسان العرب، وله معان متعددة صحيحة لها شواهد .
منها أنه الليل : قال به مجاهد بن جبر، وذكره جمع من المفسرين وعلماء اللغة .
قال ابن فارس : "غسق "الغين والسين والقاف أصل صحيح يدل على ظلمة، فالغسق: الظلمة. والغاسق: الليل.
وقال ابن منظور: وغسق الليل يغسق غسقا وغسقانا وأغسق؛ عن ثعلب: انصب وأظلم؛ ومنه قول ابن الرقيات:
إن هذا الليل قد غسقا، ... واشتكيت الهم والأرقا .
قال الفراء في قوله تعالى: إلى غسق الليل، هو أول ظلمته، وقال الأخفش: غسق الليل ظلمته. وقوله تعالى: ومن شر غاسق إذا وقب؛ قيل: الغاسق هذا الليل إذا دخل في كل شيء .
وقال شيخنا الفاضل عبدالعزبز الداخل في دورة تفسير المعوذتين :" غسق الليل فيه ثلاثة أقوال أيضاً: أول ظلمته عند غروب الشمس، وأول العشاء عند غياب الشفق، وحين اشتداد ظلمة الليل واجتماعها، وذلك نصف الليل.
وهذه الأقوال كلها صحيحة وهي تنتظم مواقيت الصلوات بَدْءًا وانتهاء سوى صلاة الفجر، فقال تعالى: ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً " (
وقيل سمي الليل غاسقاً لأنه مظلم، وكل ما يُظلِم فهو غاسق، والظلمة غسق.
وهذا قول الفراء وابن قتيبة وابن جرير الطبري وجماعة من اللغويين منهم: الأخفش واليمان البندنيجي وابن خالويه وغيرهم.
قال ابن جرير الطبري في تفسيره: (وقوله: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} يقول: ومن شرّ مظلم إذا دخل، وهجم علينا بظلامه) .
وقيل : سمي غاسقاً لأنه أبرد من النهار، قال به الزجاج ومن أتى بعده، وذلك لأنه أبرد من النهار، والغاسق: البارد ، والغسق: البرد .
مستدلين بقوله تعالى: ( هذا فليذوقوه حميم وغساق( وقوله: ( لا يذوقون فيها برداً ولا شرابا * إلا حميماً وغساقاً ) .
قال ابن القيم رحمه : وعليه حمل ابن عباس تفسيره للآية ، قال: هو الزمهرير يحرقهم ببرده. كما تحرقهم النار بحرها. وكذلك قال مجاهد ومقاتل: هو الذي انتهى برده.
ولا تنافي بين القولين. فإن الليل بارد مظلم. فمن ذكر برده فقط، أو ظلمته فقط: اقتصر على أحد وصفيه.
والظلمة في الآية أنسب لمكان الاستعاذة.
فإن الشر الذي يناسب الظلمة أولى بالاستعاذة من البرد الذي في الليل.
ولهذا استعاذ برب الفلق الذي هو الصبح والنور: من شر الغاسق، الذي هو الظلمة. فناسب الوصف المستعاذ به المعنى المطلوب بالاستعاذة.
وقال ابن منظور : الغسقان: الانصباب .
وغسق اللبن غسقا: انصب من الضرع.
وغسق الجرح غسقا وغسقانا أي سال منه ماء أصفر؛ وأنشد شمر في الغاسق بمعنى السائل:
أبكي لفقدهم بعين ثرة، ... تجري مساربها بعين غاسق
أي سائل وليس من الظلمة في شيء .
وجمع هذين القولين الشيخ الداخل بقوله :" والتحقيق إن شاء الله ،هو ما قاله الماوردي في تفسيره إذ قال: (أصل الغسق: الجريان بالضرر، مأخوذ من قولهم: غسقت القرحة إذا جرى صديدها).
الثاني : أنه " القمر" وذلك للحديث الذي رواه أحمد والنسائي في السنن الكبرى وغيرهما من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: قالت عائشة: (( أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدِي فأرانيَ القمر حين طلع ؛ فقال: (تعوَّذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب) .
وقال الرازي كون القمر في جرمه مظلم وغير مستنير، فهذا هو المراد من كونه غاسقا،
قال محمد جبل في المؤصل :" واللغة تجيز إطلاق الغاسق على القمر لأنه جرم لطيف يمذ من الأفق مخترقًا سواد الليل ،وبغيابه يعم الظلام وما فيه من شر يستعاذ منه"
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : هذا التفسير حق، ولا يناقض التفسير الأول، بل يوافقه، ويشهد لصحته. فإن الله تعالى قال: ﴿وَجَعَلْنا اللَّيْلَ والنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً﴾
فالقمر هو آية الليل، وسلطانه فيه.
فهو أيضا غاسق إذا وقب، كما أن الليل غاسق إذا وقب، وتخصيص النبي ﷺ له بالذكر لا ينفي شمول الاسم لغيره.
ونظير هذا: قوله في المسجد الذي أسس على التقوى - وقد سئل عنه -
فقال": «هو مسجدي هذا"
ومعلوم أن هذا لا ينفي كون مسجد قباء مؤسسا على التقوى مثل ذاك.
وقال الشيخ حفظه الله :والصواب أن يقال: إن القمر غاسق من جملة ما يغسق، ودلَّ الحديث على أن لغسوقه شرّا عظيماً لا نعلمه ولا ندركه بحواسنا؛ كما أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم من الشر في الليل والخلوة فيه ما لو علمناه ما سار راكب بليل وحده أبداً.
وهذا نظير ما صحَّ أن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان كما في صحيح مسلم وسنن أبي داوود من حديث عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه.
الثالث :أن الغاسق الكوكب :رواه ابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه، ورَوى عن ابن أسلم أنه قال: ( كانت العرب تقول: الغاسق سقوط الثريا، وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها وترتفع عند طلوعها. (
قال ابن القيم : فهذا يحتمل أن يدل اللفظ عليه بفحواه ومقصوده وتنبيهه. وأما أن يختص به اللفظ به فباطل.
وقيل :( النهار إذا دخل في الليل ) رواه ابن جرير عن القرظي .
وقيل : (الغاسق الشمس إذا غربت). رواه ابن وهب عن الزهري.
وقال الزمخشري: (ويجوز أن يراد بالغاسق : الأسود من الحيات، ووقبه: ضربه ونقبه).
ومن غريب ما ذكر في تفسير "الغاسق" ما ذكره أبو مظفر السمعاني عن النقاش بإسناده إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: من شر غاسق إذا وقب: من شر الذكر إذا دخل، قال النقاش: فذكرت ذلك لمحمد بن إسحاق بن خزيمة، وقلت: هل يجوز أن تفسر القرآن بهذا؟ ! قال: نعم، قال النبي: " أعوذ بك من شر منيى "، وهو خبر معروف، وهو أن النبي قال: " أعوذ بك من شر سمعي ومن شر بصري " فعدد أشياء، وقال في آخرها: ومن شر منيى ".)
والقول الذي يصح أن تفسر به الاية أنه يشمل كل غاسق ،وذلك لدلالة تنوين التنكير المفيد للعموم، أي: من شر كل غاسقٍ، وهذا يدل على أن الذي يغسق أشياء كثيرة.
قال ابن جرير: (الليلُ إذا دخل في ظلامه: غاسق، والنجم إذا أفل: غاسق، والقمر: غاسق إذا وقب، ولم يخصِّص بعضَ ذلك، بل عمَّ الأمرَ بذلك ، فكلُّ غاسق فإنه صلى الله عليه وسلم كان يؤمر بالاستعاذة من شرّه إذا وقب) .


2 : معنى "النحر" في قول الله تعالى: {فصلّ لربّك وانحر}
اختلف المفسرون في معنى "النحر" على أقوال :
القول الأول: نحر البدن ونحوها .
قال به ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والحسن، وكذا قال قتادة ومحمد بن كعب القرظي والضحاك والربيع وعطاء الخرساني وغير واحد من السلف .
القول الثاني : اجعل صلاتك ونحرك لله .
وذلك لأنه كان أقواماً يصلون وينحرون لغير الله،فقيل له اجعل صلاتك ونحرك لله .
رواه ابن جرير عن القرضي .
القول الثالث :رفع اليدين بالتكبير إلى النحر .
وذلك عند افتتاح الصلاة والدخول فيها،رواه ابن جرير من طريق جابر عن أبو جعفر محمد بن علي
القول الرابع : وضع اليمين على اليسرى في الصلاة.
يراد به الحض على الصلاة المكتوبة،والمحافظة على أوقاتها ، رواه ابن جرير من طريق عقبة عن علي بن طالب .
القول الخامس : استقبال القبلة بالنحر، حكاه الفراء مستشهداً بقول بعض العرب منازلهم تتناحر: أي هذا بنحر هذا: أي قبالته ،وذكر أن بعض بني أسد أنشده:
أبا حَكَمٍ هَلْ أنْتَ عَمُّ مُجَالِدٍ ... وَسَيِّدُ أهْلِ الأبْطَحِ المُتَنَاحِرِ .
أي ينحر بعضه بعضا :
وقيل : بوضع القبضة اليمنى على اليسرى، أعلى الصدر عند النحر،
وورد غيرها من الأقوال ممن هو داخل فيما سبق .
بعد عرض هذه الأقوال والنظر فيما يناسب السياق،يتبين أن الذي يصحّ أن تفسّر به الآية القول الأول وهو نحر البدن ونحوها، والذي يفسره قوله تعالى: (( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي ...) يعني: بالنسك: الذبيحة ، وهو الذي عليه عامة أهل العلم من السلف ومن بعدهم، وذلك كما قال ابن تيمة رحمه الله "والمقصود : أن الصلاة والنسك هما أجل ما يتقرب به إلى الله فإنه أتى فيهما بالفاء الدالة على السبب ; لأن فعل ذلك وهو الصلاة والنحر سبب للقيام بشكر ما أعطاه الله إياه من الكوثر والخير الكثير ..
وقال : وأمره أن يجمع بين هاتين العبادتين العظيمتين وهما الصلاة والنسك الدالتان على القرب والتواضع والافتقار وحسن الظن وقوة اليقين وطمأنينة القلب إلى الله وإلى عدته وأمره وفضله وخلفه عكس حال أهل الكبر والنفرة وأهل الغنى عن الله الذين لا حاجة في صلاتهم إلى ربهم يسألونه إياها والذين لا ينحرون له خوفا من الفقر وتركا لإعانة الفقراء وإعطائهم وسوء الظن منهم بربهم ولهذا جمع الله بينهما . في قوله تعالى { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين } والنسك هي الذبيحة ابتغاء وجهه .
وقد امتثل النبي صلى الله عليه وسلم أمر ربه فكان كثير الصلاة لربه كثير النحر حتى نحر بيده في حجة الوداع ثلاثا وستين بدنة وكان ينحر في الأعياد وغيرها".
ويدخل فيه سائر أنواع التقربات إلى الله وتعالى بالذبائح، وإن لم تكن من قبيل ما ينحر
وأورد هنا خلاصة ما ذكره د خالد السبت في شرحه لهذه السورة (أن من فسروا الآية بأمر يتصل بالصلاة لاعتمادهم على روايات وأحاديث مرفوعة، ذكر أنه لا يصح منها شيء ...
وكذا من فسر "وانحر" أي:استقبل القبلة بنحرك، أنه بعيد، وإن قاله بعض كبار أصحاب المعاني، وذلك لأنهم نظروا إلى أصل المعنى اللغوي،والمفترض أن ينظرو إلى تفسير القرآن بالقرآن، والسنة، وما نقل عن السلف -رضي الله عنهم، فهم أخذوا هذا من قول العرب: نتناحر يعني نتقابل.


: 3 معنى " العصر" في قول الله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر العصر }
وردت لفظة "العصر" في لسان العرب ولها معاني متعددة ، منها ما يصح أن تفسر به الآية لمناسبة السياق،ومنها من لا يوافقه وإن كان له شاهد من اللغة .
قال ابن فارس : عَصَرَ) الْعَيْنُ وَالصَّادُ وَالرَّاءُ أُصُولٌ ثَلَاثَةٌ صَحِيحَةٌ:
فَالْأَوَّلُ دَهْرٌ وَحِينٌ، وَالثَّانِي ضَغْطُ شَيْءٍ حَتَّى يَتَحَلَّبَ، وَالثَّالِثُ تَعَلُّقٌ بِشَيْءٍ وَامْتِسَاكٌ بِهِ.
الأول الْعَصْرُ،: هو الدهر ، روى عن ابن عباس ،وقول ابن أسلم ،والفراء ،ورجحه ابن جرير وذكر ابن القيم أنه قول أكثر المفسرين .
قال امرؤ القيس :
ألا عِمْ صَبَاحاً أيّهَا الطّلَلُ البَالي …وَهَلْ يَعِمَنْ مَن كَانَ فِي العُصُر الْخَالِي؟
الثاني : أنه العصران :الليل والنهار . نقله البغوي عن ابن كبسان .
قال حميد ابن ثور :
وَلَنْ يَلْبَثَ العَصْرَانِ يومٌ وَلَيْلَةٌ، ... إِذا طَلَبَا أَن يُدْرِكا مَا تَيَمَّما
الثالث : أنه الغداة والعشي ،قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ :
وأَمْطُلُه العَصْرَينِ حَتَّى يَمَلَّني، ... ويَرضى بنِصْفِ الدَّيْنِ، والأَنْفُ راغمُ .
الرابع : صلاة العصر،نسبه المارودي والقرطبي لمقاتل .
قال ابن فارس : وَبِهِ سُمِّيَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، لِأَنَّهَا تُعْصَرُ، أَيْ تُؤَخَّرُ عَنِ الظُّهْرِ.
الخامس :أنه عصر النبي صلى الله عليه وسلم،ذكره المارودي وابن عاشور .
وفي اللغة :مدة معلومة ،ويعين بالإضافة .
السادس :أنه عصر الإنسان أي عمره ذكره الشنقيطي ورجحه بدلالة السياق ولمناسبةالسورة .
الأصل الثاني العصارة: ما تحلب من شيء تعصره.
قال: عصارة الخبز الذي تحلبا وهو العصير .
وقال ابن السكيت: تقول العرب: " لا أفعله مادام الزيت يعصر ".
الأصل الثالث: العصر: الملجأ، يقال اعتصر بالمكان، إذا التجأ إليه. قال أبو دواد:
مسح لا يواري العير ... منه عصر اللهب .
وبعد النظر في الأقوال وما يصح أن يفسر به السياق نلحظ أن أقوال المفسرين تدور حول الأصل اللغوي الأول لمفردة "العصر"وهو الدهر .
وهو الذي رجحه ابن جرير لعمومه ولشتماله على باقي المعاني ،بقوله :والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إن ربنا أقسم بالعصر ﴿وَالْعَصْرِ﴾ اسم للدهر، وهو العشيّ والليل والنهار، ولم يخصص مما شمله هذا الاسم معنى دون معنى، فكلّ ما لزِمه هذا الاسم، فداخل فيما أقسم به جلّ ثناؤه.


* تطبيقات الدرس السابع :
بين المراد بالمفردات التاليات .
(1)الباقيات الصالحات .

ورد قوله تعالى:(والباقيات الصالحات) في كتاب الله في موضعين .
الأول :قوله تعالى في سورة الكهف (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) .
والثاني في سورة مريم قوله:( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا)
وقد اختلف المفسرون في المراد بالباقيات الصالحات على أقوال :

الأول :أنها قول "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر"
رواه جماعةٌ عن أبي عقيلٍ مولى عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- وصحّ عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما من عدّة وجوه منها:
مارواه سفيان الثّوريّ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ،وكذلك ما رواه عبد اللّه بن إدريس وزائدة عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ.
ورواه ابن جريجٍ عن مجاهدٍ عن نافع أنّه سأل ابن عمر -رضي اللّه عنهما- عن الباقيات الصّالحات فقال: "لا إله إلا اللّه واللّه أكبر وسبحان اللّه والحمد للّه ولا حول ولا قوّة إلا باللّه" قال ابن جريجٍ وقال عطاء بن أبي رباحٍ مثل ذلك.
وقال به سعيد بن المسيّب وسالمٍ ومجاهدٍ ومحمّد بن كعبٍ القرظيّ والحسن وقتادة وجمهور أهل التّفسير.
وكأن هذا القول هو الذي رجحه الحافظ صلاح الدين العلائي عند تفسيره لهذه الآية
مستشهداً بالحديث المروي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (خذوا جنّتكم) قلنا: يا رسول اللّه من عدوٍّ حضر؟ قال: ( لا بل جنّتكم من النّار قول: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر فإنّها تأتي يوم القيامة منجياتٍ ومقدّماتٍ وهنّ الباقيات الصّالحات) .... إلى أن قال :
"وإذا ثبت هذا الحديث فهو أولى ما رجع إليه تفسير الباقيات الصّالحات مع ما ثبت فيه عن عثمان وابن عبّاسٍ وغيرهما من الصّحابة رضي اللّه عنهم.
وقد أجاب ابن جريرٍ عن هذا الحديث بأنّ النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- لم يقل هنّ جميع الباقيات الصّالحات ولا كلّ الباقيات الصّالحات قال: وذلك جائزٌ أن تكون هذه باقياتٍ صالحاتٍ وغيرها من أعمال الخير باقياتٌ صالحاتٌ.

وقيل : هي الكلام الطّيّب وهذا القول راجع للّذي قبله لأنّ قول: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر وأعظم من الكلام الطّيّب لكنّه أعمّ منه من جهة عدم قصره
على هذه الكلمات بل يدخل فيه تلاوة القرآن وبقيّة الأذكار.
وهذا القول روي أيضًا عن ابن عبّاسٍ.
وقيل : هي الصّلوات الخمس.
رواه الثّوريّ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ،وعبد اللّه بن يزيد عن عبيد الله بن عتبة عن ابن عبّاسٍ أيضًا.
وقال به عمرو بن شرحبيل وإبراهيم النّخعيّ وأبو ميسرة ومسروقٌ وابن أبي مليكة.
وقيل : هي الأعمال الصّالحة كلّها من الأقوال والأفعال.
رواه ابن جريج عن عطاء عن ابن عبّاس،
وروى معاوية عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قال: هي ذكر اللّه قول: لا إله إلا اللّه واللّه أكبر وسبحان اللّه والحمد للّه ولا حول ولا قوّة إلا باللّه وتبارك اللّه وأستغفر اللّه وصلّى اللّه على رسول اللّه والصّيام والصّلاة والحجّ والصّدقة والعتق والجهاد والصّلة وجميع أعمال الحسنات وهنّ الباقيات الصّالحات الّتي تبقى لأهلها في الجنّة ما دامت السّماوات والأرض.
وقال به ابن زيدٍ أيضًا.
وقد رجح ابن جريرٍ هذا القول، بقوله :(وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: هنّ جميع أعمال الخير، كالذي رُوي عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، لأن ذلك كله من الصالحات التي تبقى لصاحبها في الآخرة، وعليها يجازى ويُثاب، وإن الله عزّ ذكره لم يخصص من قوله ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا﴾ بعضا دون بعض في كتاب، ولا بخبر عن رسول الله ﷺ ( واختاره ابن عطيّة وغيره لعموم اللفظ ولأنه أولى ما يفسر به .

2 : ناشئة الليل .
قال الله تعالى :( إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وطئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا)
قال ابن فارس : (نشأ) النون والشين والهمزة أصل صحيح يدل على ارتفاع في شيء وسمو.
ونشأ السحاب: ارتفع، وأنشأه الله: رفعه. ومنه: (إن ناشئة الليل( ، يراد بها والله أعلم القيام والانتصاب للصلاة.
وقد أورد المفسرون في المراد بناشئة الليل عدة اقوال :

-روى عبدالرزاق وابن جرير والهمذاني عن الحسن ومجاهد ،إن ناشئة الليل قال كل شيء بعد العشاء فهو ناشئة،وكذلك رواه ابن جرير عن عن أبي مجلزٍ،ووأبو رجاء ،والحسن في رواية أخرى له ،وقتادة .
-وروى الرملي عن الزنجي ،وابن جرير، من طريق ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في رواية أخرى له وردت من عدة طرق أنك متى ما قمت من اللّيل فهي ناشئة .
-وروى الرملي عن عطاء أن {ناشئة اللّيل} بدوّ اللّيل .
-وروى ابن جرير عن ابن عباس من عدة طرق عن أنّ اللّيل كلّه ناشئةٌ .
وكذلك رواه عن عكرمة ،وابن زيد ،والضحاك .
-وروى ابن جرير عن ابن عبّاسٍ من عدة طرق عن "ناشئة اللّيل " قال: بلسان الحبشة إذا قام الرّجل من اللّيل، قالوا: نشأ،وكذلك رواه عن ابي ميسرة ،و ابن أبي نجيحٍ،
ورواه النيسابوري في المستدرك .
وجماع ذلك أن من فسر اللفظة بالفعل،ومنهم من فسرها بالزمان، ومنهم من فسرها بالذات .
فمن فسرها بالزمن ؛ عنى به أوقاته وساعاته، لأن أوقاته تنشأ أولا فأولا،
فعلى هذا القول في أي ساعة صليت بين المغرب والعشاء باعتبار أن الليل يبدأ المغرب ، ام بعد العشاء،وسواء كان ذلك بعد نوم أو لم يسبق بنوم فهذا من ناشئة الليل .
قال ابن العربي: وهو الذي يعطيه اللفظ وتقتضيه اللغة، ورجحه ابن جرير،وقال ابن القيم :" والصحيح أنها لا تختص بالساعة الأولى بل هي ساعاته ناشئة بعد ناشئة كلما انقضت ساعة نشأت بعدها أخرى"
ومن فسرها بالفعل فهو كما قال ابن القيم رحمه الله :" أما من جعلها فعلا ينشأ بالليل، فالناشئة عندهم اسم لما يفعل بالليل من القيام"
وقال "وأما العبد فيطلق عليه الإنشاء باعتبار آخر وهو شروعه في الفعل وابتداؤه له يقول أنشأ يحدثنا وأنشأ السير فهو منشأ لذلك وهذا إنشاء مقيد "
و فسره بالنفس فقوله ليس ببعيد،لأن النفس الناشئة بالليل، أي التي تنشأ من مضجعها وتقوم للصلاة ،لأن السلف رضوان الله عليهم يستعملون جميع أنواع الدلالة؛ فيفسرون تارة بالمطابق، وتارة باللازم، وتارة بالتضمن، وتارة بالإشارة.

*تطبيقات الدرس الثامن :
بيّن أثر دلالة الإعراب على المفردات التالية:
(1) سبيل في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين }
قرئ "سبيل" بالرفع والنصب ، وهذه القراءات دائرة على ،تعدي الفعل >استبان< ولزومه، وتذكير "السبيل" وتأنيثه
فتميم تذكره، وأهل الحجاز تؤنثه ، كما في قوله تعالى :(وإن يروا سبيل الرشد ) مذكر ، وقوله :( لم تصدون عن سبيل الله ) مؤنث .

-فمن قرأ بتعدي الفعل "استبان" نصب السبيل (ولتستبين سبيلَ المجرمين) والتاء في "تستبين" للخطاب .
فأفاد المعنى ولتستبين وتستوضح يا محمد سبيل المجرمين فتعامل كل واحد منهم ما يستحق .
قال ابن جرير"وكان ابن زيد يتأول ذلك: ولتستبين، أنت يا محمد، سبيلَ المجرمين الذين سألوك طردَ النفر الذين سألوه طردهم عنه من أصحابه.
-ومن قرأ بالازم رفع السبيل (ولتستبين سبيلُ المجرمين) فالتاءوالسين تكون للمبالغة مثل استجاب .
فيفيد استبانة سبيل المجرمين ووضوحه عن سبيل المؤمنين فيكون الحق ظاهراً جليا لا لبس فيه ولا غموض.

(2) مرجع الضمير في "جعلناه" في قول الله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا}
اختلف المفسرون في مرجع الضمير في قوله تعالى ) جَعَلْنَاهُ) على ثلاثة أقوال :
القول الأول : عائد على القرآن، الذي هو المراد بقوله (روحاً ) والمعنى جعلنا هذا القرآن تحيا به القلوب وتستنير به العقول، وتعرف به الأحكام ،ويفرق به بين الحق والباطل .
القول الثاني : عائد على الإيمان ، لكونه أقرب المذكورين.
القول الثالث : عائد إلى الكتاب والإيمان معا؛ وذلك لأن مقصدهما واحد، نظير: قوله تعالى: ﴿والله ورسوله أحق أن يرضوه﴾ و كقوله ﴿وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها﴾
قال السمرقندي في "بحر العلوم" فإن قيل سبق ذكر الكتاب والإيمان ثم قال: وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً ولم يقل جعلناهما؟ قيل له: لأن المعنى هو الكتاب، وهو دليل على الإيمان.
ويقال لأن شأنهما واحد كقوله: ]وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً [ ولم يقل آيتين .
قال الفراء : وقال بعضهم: أراد القرآن والإيمان، وجاز أن يقول: جعلناه لاثنين؛ لأن الفعل في كثرة أسمائه يضبطه الفعل، ألا ترى أنك تقول: إقبالك وإدبارك يغمني، وهما اثنان فهذا من ذلك.

*الدرس التاسع:
-استخرج دلالات الصيغة الصرفية مما يأتي:
3: دلالات صيغ الأفعال في قول الله تعالى: { فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (49)}

• ﴿ءَامَنَ﴾ فعل ماض مزيد الرباعي باب (أَفْعَلَ)، من مادّة (أمن)
• ﴿أَصْلَحَ﴾ فعل ماض مزيد الرباعي باب (أَفْعَلَ)، من مادّة (أصلح)
من خصائص الفعل "فمن آمن وأصلح" أنه يدل على الحدث والتجدد ...
) فَمَنْ آمَنَ (بما يجب الإيمان به (وَأَصْلَحَ ) ما يجب إصلاحه والإيتان به على وفق الشريعة ،والفاء لترتيب مابعدها على ما قبلها
و(من) موصوله ولشبه الموصول بالشرط دخلت الفاء في قوله سبحانه :( فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ( من العذاب الذي انذر الرسل به (وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) لفوات الثواب الذي بشروا به.
قوله:( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)
﴿كَذَّبُ﴾ فعل ماض مزيد الرباعي باب (فَعَّلَ)، من مادّة (كذب) وصيغة الفعل تدل على الحصول والتحقق والتأكيد .
• ﴿يَمَسُّ﴾ فعل مضارع من الثلاثي مجرد، من مادّة (مسس)
• ﴿يَفْسُقُ﴾ فعل مضارع من الثلاثي مجرد، من مادّة )فسق)
والفعل المضارع يدل على تجدد العذاب عليهم واستمراره،بسب فسقهم المستمر الذي هو الإصرار على الخروج عن التصديق والطاعة .
وفي ذلك كناية عن قرب العذاب؛ كأنه حيٌ يفعل بهم ما يريد من الآلام .
قال ابن عاشور:( وجمع الضمائر العائدة إلى (من) مراعاة لمعناها، وأما إفراد فعل (آمن) و(أصلح) فلرعي لفظها.
والباء للسببية، و(ما) مصدرية، أي بسبب فسقهم. والفسق حقيقته الخروج عن حد الخير. وشاع استعماله في القرآن في معنى الكفر وتجاوز حدود الله تعالى. وتقدم تفصيله عند قوله تعالى ﴿وما يضل به إلا الفاسقين﴾.
وجيء بخبر (كان) جملة مضارعة للإشارة إلى أن فسقهم كان متجددا متكررا، على أن الإتيان بـ (كان) أيضا للدلالة على الاستمرار لأن (كان) إذا لم يقصد بها انقضاء خبرها فيما مضى دلت على استمرار الخبر بالقرينة، كقوله تعالى وكان الله غفورا رحيما.)

5: دلالة اسم الفاعل في قول الله تعالى: {إنّ الله بالغ أمره}
يدل اسم الفاعل (بالغ) على الثبوت والاستمرار،ويراد به الحال والمستقبل ،فالله عز شأنه قد جعل لكل شيئ وقتاً ومقداراً لايتعداه ولا يقصر عنه ،وهذا بيان لوجوب التوكل على الله تعالى وتفويض الأمر إليه،
قال أبو السعود :﴿إن الله بالغ أمره﴾ بالإضافة أي: منفذ أمره، وقرئ بتنوين بالغ ونصب "أمره" أي: يبلغ ما يريده لا يفوته مراد ولا يعجزه مطلوب، وقرئ برفع "أمره" على أنه مبتدأ و"بالغ" خبر مقدم والجملة خبر إن أو "بالغ" خبر إن و"أمره" مرتفع به على الفاعلية أي: نافذ أمره، وقرئ "بالغا أمره" على أنه حال وخبر إن قوله تعالى: ﴿قد جعل الله لكل شيء قدرا﴾ أي: تقديرا وتوقيتا أو مقدارا وهو بيان لوجوب التوكل عليه تعالى وتفويض الأمر إليه لأنه إذا علم أن كل شيء من الرزق وغيره لا يكون إلا بتقديره تعالى لا يبقى إلا التسليم للقدر والتوكل على الله تعالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26 ذو القعدة 1441هـ/16-07-2020م, 06:54 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منيرة محمد مشاهدة المشاركة
التطبيق السادس :
اختر ثلاث المفردات من المفردات التالية وبيّن معانيها وما يصحّ أن تفسّر به في الآيات المذكورة:
1 : معنى "الغاسق" في قول الله تعالى: {ومن شرّ غاسق إذا وقب}

لفظ "الغاسق" يستعمل في لسان العرب، وله معان متعددة صحيحة لها شواهد .
منها أنه الليل : قال به مجاهد بن جبر، وذكره جمع من المفسرين وعلماء اللغة .
قال ابن فارس : "غسق "الغين والسين والقاف أصل صحيح يدل على ظلمة، فالغسق: الظلمة. والغاسق: الليل.
وقال ابن منظور: وغسق الليل يغسق غسقا وغسقانا وأغسق؛ عن ثعلب: انصب وأظلم؛ ومنه قول ابن الرقيات:
إن هذا الليل قد غسقا، ... واشتكيت الهم والأرقا .
قال الفراء في قوله تعالى: إلى غسق الليل، هو أول ظلمته، وقال الأخفش: غسق الليل ظلمته. وقوله تعالى: ومن شر غاسق إذا وقب؛ قيل: الغاسق هذا الليل إذا دخل في كل شيء .
وقال شيخنا الفاضل عبدالعزبز الداخل في دورة تفسير المعوذتين :" غسق الليل فيه ثلاثة أقوال أيضاً: أول ظلمته عند غروب الشمس، وأول العشاء عند غياب الشفق، وحين اشتداد ظلمة الليل واجتماعها، وذلك نصف الليل.
وهذه الأقوال كلها صحيحة وهي تنتظم مواقيت الصلوات بَدْءًا وانتهاء سوى صلاة الفجر، فقال تعالى: ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً " (
وقيل سمي الليل غاسقاً لأنه مظلم، وكل ما يُظلِم فهو غاسق، والظلمة غسق.
وهذا قول الفراء وابن قتيبة وابن جرير الطبري وجماعة من اللغويين منهم: الأخفش واليمان البندنيجي وابن خالويه وغيرهم.
قال ابن جرير الطبري في تفسيره: (وقوله: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} يقول: ومن شرّ مظلم إذا دخل، وهجم علينا بظلامه) .
وقيل : سمي غاسقاً لأنه أبرد من النهار، قال به الزجاج ومن أتى بعده، وذلك لأنه أبرد من النهار، والغاسق: البارد ، والغسق: البرد .
مستدلين بقوله تعالى: ( هذا فليذوقوه حميم وغساق( وقوله: ( لا يذوقون فيها برداً ولا شرابا * إلا حميماً وغساقاً ) .
قال ابن القيم رحمه : وعليه حمل ابن عباس تفسيره للآية ، قال: هو الزمهرير يحرقهم ببرده. كما تحرقهم النار بحرها. وكذلك قال مجاهد ومقاتل: هو الذي انتهى برده.
ولا تنافي بين القولين. فإن الليل بارد مظلم. فمن ذكر برده فقط، أو ظلمته فقط: اقتصر على أحد وصفيه.
والظلمة في الآية أنسب لمكان الاستعاذة.
فإن الشر الذي يناسب الظلمة أولى بالاستعاذة من البرد الذي في الليل.
ولهذا استعاذ برب الفلق الذي هو الصبح والنور: من شر الغاسق، الذي هو الظلمة. فناسب الوصف المستعاذ به المعنى المطلوب بالاستعاذة.
وقال ابن منظور : الغسقان: الانصباب .
وغسق اللبن غسقا: انصب من الضرع.
وغسق الجرح غسقا وغسقانا أي سال منه ماء أصفر؛ وأنشد شمر في الغاسق بمعنى السائل:
أبكي لفقدهم بعين ثرة، ... تجري مساربها بعين غاسق
أي سائل وليس من الظلمة في شيء .
وجمع هذين القولين الشيخ الداخل بقوله :" والتحقيق إن شاء الله ،هو ما قاله الماوردي في تفسيره إذ قال: (أصل الغسق: الجريان بالضرر، مأخوذ من قولهم: غسقت القرحة إذا جرى صديدها).
الثاني : أنه " القمر" وذلك للحديث الذي رواه أحمد والنسائي في السنن الكبرى وغيرهما من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: قالت عائشة: (( أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدِي فأرانيَ القمر حين طلع ؛ فقال: (تعوَّذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب) .
وقال الرازي كون القمر في جرمه مظلم وغير مستنير، فهذا هو المراد من كونه غاسقا،
قال محمد جبل في المؤصل :" واللغة تجيز إطلاق الغاسق على القمر لأنه جرم لطيف يمذ من الأفق مخترقًا سواد الليل ،وبغيابه يعم الظلام وما فيه من شر يستعاذ منه"
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : هذا التفسير حق، ولا يناقض التفسير الأول، بل يوافقه، ويشهد لصحته. فإن الله تعالى قال: ﴿وَجَعَلْنا اللَّيْلَ والنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً﴾
فالقمر هو آية الليل، وسلطانه فيه.
فهو أيضا غاسق إذا وقب، كما أن الليل غاسق إذا وقب، وتخصيص النبي ﷺ له بالذكر لا ينفي شمول الاسم لغيره.
ونظير هذا: قوله في المسجد الذي أسس على التقوى - وقد سئل عنه -
فقال": «هو مسجدي هذا"
ومعلوم أن هذا لا ينفي كون مسجد قباء مؤسسا على التقوى مثل ذاك.
وقال الشيخ حفظه الله :والصواب أن يقال: إن القمر غاسق من جملة ما يغسق، ودلَّ الحديث على أن لغسوقه شرّا عظيماً لا نعلمه ولا ندركه بحواسنا؛ كما أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم من الشر في الليل والخلوة فيه ما لو علمناه ما سار راكب بليل وحده أبداً.
وهذا نظير ما صحَّ أن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان كما في صحيح مسلم وسنن أبي داوود من حديث عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه.
الثالث :أن الغاسق الكوكب :رواه ابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه، ورَوى عن ابن أسلم أنه قال: ( كانت العرب تقول: الغاسق سقوط الثريا، وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها وترتفع عند طلوعها. (
قال ابن القيم : فهذا يحتمل أن يدل اللفظ عليه بفحواه ومقصوده وتنبيهه. وأما أن يختص به اللفظ به فباطل.
وقيل :( النهار إذا دخل في الليل ) رواه ابن جرير عن القرظي .
وقيل : (الغاسق الشمس إذا غربت). رواه ابن وهب عن الزهري.
وقال الزمخشري: (ويجوز أن يراد بالغاسق : الأسود من الحيات، ووقبه: ضربه ونقبه).
ومن غريب ما ذكر في تفسير "الغاسق" ما ذكره أبو مظفر السمعاني عن النقاش بإسناده إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: من شر غاسق إذا وقب: من شر الذكر إذا دخل، قال النقاش: فذكرت ذلك لمحمد بن إسحاق بن خزيمة، وقلت: هل يجوز أن تفسر القرآن بهذا؟ ! قال: نعم، قال النبي: " أعوذ بك من شر منيى "، وهو خبر معروف، وهو أن النبي قال: " أعوذ بك من شر سمعي ومن شر بصري " فعدد أشياء، وقال في آخرها: ومن شر منيى ".)
والقول الذي يصح أن تفسر به الاية أنه يشمل كل غاسق ،وذلك لدلالة تنوين التنكير المفيد للعموم، أي: من شر كل غاسقٍ، وهذا يدل على أن الذي يغسق أشياء كثيرة.
قال ابن جرير: (الليلُ إذا دخل في ظلامه: غاسق، والنجم إذا أفل: غاسق، والقمر: غاسق إذا وقب، ولم يخصِّص بعضَ ذلك، بل عمَّ الأمرَ بذلك ، فكلُّ غاسق فإنه صلى الله عليه وسلم كان يؤمر بالاستعاذة من شرّه إذا وقب) .


2 : معنى "النحر" في قول الله تعالى: {فصلّ لربّك وانحر}
اختلف المفسرون في معنى "النحر" على أقوال :
القول الأول: نحر البدن ونحوها .
قال به ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والحسن، وكذا قال قتادة ومحمد بن كعب القرظي والضحاك والربيع وعطاء الخرساني وغير واحد من السلف .
القول الثاني : اجعل صلاتك ونحرك لله .
وذلك لأنه كان أقواماً يصلون وينحرون لغير الله،فقيل له اجعل صلاتك ونحرك لله .
رواه ابن جرير عن القرضي .[ القرظي]
القول الثالث :رفع اليدين بالتكبير إلى النحر .
وذلك عند افتتاح الصلاة والدخول فيها،رواه ابن جرير من طريق جابر عن أبو جعفر محمد بن علي [جابر الجعفي متروك الحديث ]
القول الرابع : وضع اليمين على اليسرى في الصلاة.
يراد به الحض على الصلاة المكتوبة،والمحافظة على أوقاتها [ هذا التوجيه فيه نظر، لأن دلالة الأمر بالصلاة نصية وتغني عنه، لكنه من إحسان الصلاة وأدعى للخشوع فيها]، رواه ابن جرير من طريق عقبة عن علي بن طالب .
القول الخامس : استقبال القبلة بالنحر، حكاه الفراء مستشهداً بقول بعض العرب منازلهم تتناحر: أي هذا بنحر هذا: أي قبالته ،وذكر أن بعض بني أسد أنشده:
أبا حَكَمٍ هَلْ أنْتَ عَمُّ مُجَالِدٍ ... وَسَيِّدُ أهْلِ الأبْطَحِ المُتَنَاحِرِ .
أي ينحر بعضه بعضا :
وقيل : بوضع القبضة اليمنى على اليسرى، أعلى الصدر عند النحر،
وورد غيرها من الأقوال ممن هو داخل فيما سبق .
بعد عرض هذه الأقوال والنظر فيما يناسب السياق،يتبين أن الذي يصحّ أن تفسّر به الآية القول الأول وهو نحر البدن ونحوها، والذي يفسره قوله تعالى: (( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي ...) يعني: بالنسك: الذبيحة ، وهو الذي عليه عامة أهل العلم من السلف ومن بعدهم، وذلك كما قال ابن تيمة رحمه الله "والمقصود : أن الصلاة والنسك هما أجل ما يتقرب به إلى الله فإنه أتى فيهما بالفاء الدالة على السبب ; لأن فعل ذلك وهو الصلاة والنحر سبب للقيام بشكر ما أعطاه الله إياه من الكوثر والخير الكثير ..
وقال : وأمره أن يجمع بين هاتين العبادتين العظيمتين وهما الصلاة والنسك الدالتان على القرب والتواضع والافتقار وحسن الظن وقوة اليقين وطمأنينة القلب إلى الله وإلى عدته وأمره وفضله وخلفه عكس حال أهل الكبر والنفرة وأهل الغنى عن الله الذين لا حاجة في صلاتهم إلى ربهم يسألونه إياها والذين لا ينحرون له خوفا من الفقر وتركا لإعانة الفقراء وإعطائهم وسوء الظن منهم بربهم ولهذا جمع الله بينهما . في قوله تعالى { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين } والنسك هي الذبيحة ابتغاء وجهه .
وقد امتثل النبي صلى الله عليه وسلم أمر ربه فكان كثير الصلاة لربه كثير النحر حتى نحر بيده في حجة الوداع ثلاثا وستين بدنة وكان ينحر في الأعياد وغيرها".
ويدخل فيه سائر أنواع التقربات إلى الله وتعالى بالذبائح، وإن لم تكن من قبيل ما ينحر
وأورد هنا خلاصة ما ذكره د خالد السبت في شرحه لهذه السورة (أن من فسروا الآية بأمر يتصل بالصلاة لاعتمادهم على روايات وأحاديث مرفوعة، ذكر أنه لا يصح منها شيء ...
وكذا من فسر "وانحر" أي:استقبل القبلة بنحرك، أنه بعيد، وإن قاله بعض كبار أصحاب المعاني، وذلك لأنهم نظروا إلى أصل المعنى اللغوي،والمفترض أن ينظرو إلى تفسير القرآن بالقرآن، والسنة، وما نقل عن السلف -رضي الله عنهم، فهم أخذوا هذا من قول العرب: نتناحر يعني نتقابل.
[ الصواب أنّ الأقوال المأثورة التي تصحّ لغة ولا تخالف نصاً ولا إجماعاً وتوافق دلالة النصوص الأخرى أنها مقبولة في التفسير ]


: 3 معنى " العصر" في قول الله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر العصر }
وردت لفظة "العصر" في لسان العرب ولها معاني متعددة ، منها ما يصح أن تفسر به الآية لمناسبة السياق،ومنها من لا يوافقه وإن كان له شاهد من اللغة .
قال ابن فارس : عَصَرَ) الْعَيْنُ وَالصَّادُ وَالرَّاءُ أُصُولٌ ثَلَاثَةٌ صَحِيحَةٌ:
فَالْأَوَّلُ دَهْرٌ وَحِينٌ، وَالثَّانِي ضَغْطُ شَيْءٍ حَتَّى يَتَحَلَّبَ، وَالثَّالِثُ تَعَلُّقٌ بِشَيْءٍ وَامْتِسَاكٌ بِهِ.
الأول الْعَصْرُ،: هو الدهر ، روى عن ابن عباس ،وقول ابن أسلم ،والفراء ،ورجحه ابن جرير وذكر ابن القيم أنه قول أكثر المفسرين .
قال امرؤ القيس :
ألا عِمْ صَبَاحاً أيّهَا الطّلَلُ البَالي …وَهَلْ يَعِمَنْ مَن كَانَ فِي العُصُر الْخَالِي؟
الثاني : أنه العصران :الليل والنهار . نقله البغوي عن ابن كبسان .
قال حميد ابن ثور :
وَلَنْ يَلْبَثَ العَصْرَانِ يومٌ وَلَيْلَةٌ، ... إِذا طَلَبَا أَن يُدْرِكا مَا تَيَمَّما
الثالث : أنه الغداة والعشي ،قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ :
وأَمْطُلُه العَصْرَينِ حَتَّى يَمَلَّني، ... ويَرضى بنِصْفِ الدَّيْنِ، والأَنْفُ راغمُ .
الرابع : صلاة العصر،نسبه المارودي والقرطبي لمقاتل .
قال ابن فارس : وَبِهِ سُمِّيَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، لِأَنَّهَا تُعْصَرُ، أَيْ تُؤَخَّرُ عَنِ الظُّهْرِ.
الخامس :أنه عصر النبي صلى الله عليه وسلم،ذكره المارودي وابن عاشور .
وفي اللغة :مدة معلومة ،ويعين بالإضافة .
السادس :أنه عصر الإنسان أي عمره ذكره الشنقيطي ورجحه بدلالة السياق ولمناسبةالسورة .
الأصل الثاني العصارة: ما تحلب من شيء تعصره.
قال: عصارة الخبز الذي تحلبا وهو العصير .
وقال ابن السكيت: تقول العرب: " لا أفعله مادام الزيت يعصر ".
الأصل الثالث: العصر: الملجأ، يقال اعتصر بالمكان، إذا التجأ إليه. قال أبو دواد:
مسح لا يواري العير ... منه عصر اللهب .
وبعد النظر في الأقوال وما يصح أن يفسر به السياق نلحظ أن أقوال المفسرين تدور حول الأصل اللغوي الأول لمفردة "العصر"وهو الدهر . [ هذا اختيار لأحد المعاني، والصواب أن الأقوال الصحيحة يُجمع بينها ]
وهو الذي رجحه ابن جرير لعمومه ولشتماله على باقي المعاني ،بقوله :والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إن ربنا أقسم بالعصر ﴿وَالْعَصْرِ﴾ اسم للدهر، وهو العشيّ والليل والنهار، ولم يخصص مما شمله هذا الاسم معنى دون معنى، فكلّ ما لزِمه هذا الاسم، فداخل فيما أقسم به جلّ ثناؤه.


* تطبيقات الدرس السابع :
بين المراد بالمفردات التاليات .
(1)الباقيات الصالحات .

ورد قوله تعالى:(والباقيات الصالحات) في كتاب الله في موضعين .
الأول :قوله تعالى في سورة الكهف (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) .
والثاني في سورة مريم قوله:( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا)
وقد اختلف المفسرون في المراد بالباقيات الصالحات على أقوال :

الأول :أنها قول "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر"
رواه جماعةٌ عن أبي عقيلٍ مولى عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- وصحّ عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما من عدّة وجوه منها:
مارواه سفيان الثّوريّ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ،وكذلك ما رواه عبد اللّه بن إدريس وزائدة عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ.
ورواه ابن جريجٍ عن مجاهدٍ عن نافع أنّه سأل ابن عمر -رضي اللّه عنهما- عن الباقيات الصّالحات فقال: "لا إله إلا اللّه واللّه أكبر وسبحان اللّه والحمد للّه ولا حول ولا قوّة إلا باللّه" قال ابن جريجٍ وقال عطاء بن أبي رباحٍ مثل ذلك.
وقال به سعيد بن المسيّب وسالمٍ ومجاهدٍ ومحمّد بن كعبٍ القرظيّ والحسن وقتادة وجمهور أهل التّفسير.
وكأن هذا القول هو الذي رجحه الحافظ صلاح الدين العلائي عند تفسيره لهذه الآية
مستشهداً بالحديث المروي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (خذوا جنّتكم) قلنا: يا رسول اللّه من عدوٍّ حضر؟ قال: ( لا بل جنّتكم من النّار قول: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر فإنّها تأتي يوم القيامة منجياتٍ ومقدّماتٍ وهنّ الباقيات الصّالحات) .... إلى أن قال :
"وإذا ثبت هذا الحديث فهو أولى ما رجع إليه تفسير الباقيات الصّالحات مع ما ثبت فيه عن عثمان وابن عبّاسٍ وغيرهما من الصّحابة رضي اللّه عنهم.
وقد أجاب ابن جريرٍ عن هذا الحديث بأنّ النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- لم يقل هنّ جميع الباقيات الصّالحات ولا كلّ الباقيات الصّالحات قال: وذلك جائزٌ أن تكون هذه باقياتٍ صالحاتٍ وغيرها من أعمال الخير باقياتٌ صالحاتٌ.

وقيل : هي الكلام الطّيّب وهذا القول راجع للّذي قبله لأنّ قول: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر وأعظم من الكلام الطّيّب لكنّه أعمّ منه من جهة عدم قصره
على هذه الكلمات بل يدخل فيه تلاوة القرآن وبقيّة الأذكار.
وهذا القول روي أيضًا عن ابن عبّاسٍ.
وقيل : هي الصّلوات الخمس.
رواه الثّوريّ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ،وعبد اللّه بن يزيد عن عبيد الله بن عتبة عن ابن عبّاسٍ أيضًا.
وقال به عمرو بن شرحبيل وإبراهيم النّخعيّ وأبو ميسرة ومسروقٌ وابن أبي مليكة.
وقيل : هي الأعمال الصّالحة كلّها من الأقوال والأفعال.
رواه ابن جريج عن عطاء عن ابن عبّاس،
وروى معاوية عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قال: هي ذكر اللّه قول: لا إله إلا اللّه واللّه أكبر وسبحان اللّه والحمد للّه ولا حول ولا قوّة إلا باللّه وتبارك اللّه وأستغفر اللّه وصلّى اللّه على رسول اللّه والصّيام والصّلاة والحجّ والصّدقة والعتق والجهاد والصّلة وجميع أعمال الحسنات وهنّ الباقيات الصّالحات الّتي تبقى لأهلها في الجنّة ما دامت السّماوات والأرض.
وقال به ابن زيدٍ أيضًا.
وقد رجح ابن جريرٍ هذا القول، بقوله :(وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: هنّ جميع أعمال الخير، كالذي رُوي عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، لأن ذلك كله من الصالحات التي تبقى لصاحبها في الآخرة، وعليها يجازى ويُثاب، وإن الله عزّ ذكره لم يخصص من قوله ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا﴾ بعضا دون بعض في كتاب، ولا بخبر عن رسول الله ﷺ ( واختاره ابن عطيّة وغيره لعموم اللفظ ولأنه أولى ما يفسر به .

2 : ناشئة الليل .
قال الله تعالى :( إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وطئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا)
قال ابن فارس : (نشأ) النون والشين والهمزة أصل صحيح يدل على ارتفاع في شيء وسمو.
ونشأ السحاب: ارتفع، وأنشأه الله: رفعه. ومنه: (إن ناشئة الليل( ، يراد بها والله أعلم القيام والانتصاب للصلاة.
وقد أورد المفسرون في المراد بناشئة الليل عدة اقوال :

-روى عبدالرزاق وابن جرير والهمذاني عن الحسن ومجاهد ،إن ناشئة الليل قال كل شيء بعد العشاء فهو ناشئة،وكذلك رواه ابن جرير عن عن أبي مجلزٍ،ووأبو رجاء ،والحسن في رواية أخرى له ،وقتادة .
-وروى الرملي عن الزنجي ،وابن جرير، من طريق ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في رواية أخرى له وردت من عدة طرق أنك متى ما قمت من اللّيل فهي ناشئة .
-وروى الرملي عن عطاء أن {ناشئة اللّيل} بدوّ اللّيل .
-وروى ابن جرير عن ابن عباس من عدة طرق عن أنّ اللّيل كلّه ناشئةٌ .
وكذلك رواه عن عكرمة ،وابن زيد ،والضحاك .
-وروى ابن جرير عن ابن عبّاسٍ من عدة طرق عن "ناشئة اللّيل " قال: بلسان الحبشة إذا قام الرّجل من اللّيل، قالوا: نشأ،وكذلك رواه عن ابي ميسرة ،و ابن أبي نجيحٍ،
ورواه النيسابوري في المستدرك .
وجماع ذلك أن من فسر اللفظة بالفعل،ومنهم من فسرها بالزمان، ومنهم من فسرها بالذات .
فمن فسرها بالزمن ؛ عنى به أوقاته وساعاته، لأن أوقاته تنشأ أولا فأولا،
فعلى هذا القول في أي ساعة صليت بين المغرب والعشاء باعتبار أن الليل يبدأ المغرب ، ام بعد العشاء،وسواء كان ذلك بعد نوم أو لم يسبق بنوم فهذا من ناشئة الليل .
قال ابن العربي: وهو الذي يعطيه اللفظ وتقتضيه اللغة، ورجحه ابن جرير،وقال ابن القيم :" والصحيح أنها لا تختص بالساعة الأولى بل هي ساعاته ناشئة بعد ناشئة كلما انقضت ساعة نشأت بعدها أخرى"
ومن فسرها بالفعل فهو كما قال ابن القيم رحمه الله :" أما من جعلها فعلا ينشأ بالليل، فالناشئة عندهم اسم لما يفعل بالليل من القيام"
وقال "وأما العبد فيطلق عليه الإنشاء باعتبار آخر وهو شروعه في الفعل وابتداؤه له يقول أنشأ يحدثنا وأنشأ السير فهو منشأ لذلك وهذا إنشاء مقيد "
و فسره بالنفس فقوله ليس ببعيد،لأن النفس الناشئة بالليل، أي التي تنشأ من مضجعها وتقوم للصلاة ،لأن السلف رضوان الله عليهم يستعملون جميع أنواع الدلالة؛ فيفسرون تارة بالمطابق، وتارة باللازم، وتارة بالتضمن، وتارة بالإشارة.

*تطبيقات الدرس الثامن :
بيّن أثر دلالة الإعراب على المفردات التالية:
(1) سبيل في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين }
قرئ "سبيل" بالرفع والنصب ، وهذه القراءات دائرة على ،تعدي الفعل >استبان< ولزومه، وتذكير "السبيل" وتأنيثه
فتميم تذكره، وأهل الحجاز تؤنثه ، كما في قوله تعالى :(وإن يروا سبيل الرشد ) مذكر ، وقوله :( لم تصدون عن سبيل الله ) مؤنث .

-فمن قرأ بتعدي الفعل "استبان" نصب السبيل (ولتستبين سبيلَ المجرمين) والتاء في "تستبين" للخطاب .
فأفاد المعنى ولتستبين وتستوضح يا محمد سبيل المجرمين فتعامل كل واحد منهم ما يستحق .
قال ابن جرير"وكان ابن زيد يتأول ذلك: ولتستبين، أنت يا محمد، سبيلَ المجرمين الذين سألوك طردَ النفر الذين سألوه طردهم عنه من أصحابه.
-ومن قرأ بالازم رفع السبيل (ولتستبين سبيلُ المجرمين) فالتاءوالسين تكون للمبالغة مثل استجاب .
فيفيد استبانة سبيل المجرمين ووضوحه عن سبيل المؤمنين فيكون الحق ظاهراً جليا لا لبس فيه ولا غموض.

(2) مرجع الضمير في "جعلناه" في قول الله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا}
اختلف المفسرون في مرجع الضمير في قوله تعالى ) جَعَلْنَاهُ) على ثلاثة أقوال :
القول الأول : عائد على القرآن، الذي هو المراد بقوله (روحاً ) والمعنى جعلنا هذا القرآن تحيا به القلوب وتستنير به العقول، وتعرف به الأحكام ،ويفرق به بين الحق والباطل .
القول الثاني : عائد على الإيمان ، لكونه أقرب المذكورين.
القول الثالث : عائد إلى الكتاب والإيمان معا؛ وذلك لأن مقصدهما واحد، نظير: قوله تعالى: ﴿والله ورسوله أحق أن يرضوه﴾ و كقوله ﴿وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها﴾
قال السمرقندي في "بحر العلوم" فإن قيل سبق ذكر الكتاب والإيمان ثم قال: وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً ولم يقل جعلناهما؟ قيل له: لأن المعنى هو الكتاب، وهو دليل على الإيمان.
ويقال لأن شأنهما واحد كقوله: ]وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً [ ولم يقل آيتين .
قال الفراء : وقال بعضهم: أراد القرآن والإيمان، وجاز أن يقول: جعلناه لاثنين؛ لأن الفعل في كثرة أسمائه يضبطه الفعل، ألا ترى أنك تقول: إقبالك وإدبارك يغمني، وهما اثنان فهذا من ذلك.

*الدرس التاسع:
-استخرج دلالات الصيغة الصرفية مما يأتي:
3: دلالات صيغ الأفعال في قول الله تعالى: { فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (49)}

• ﴿ءَامَنَ﴾ فعل ماض مزيد الرباعي باب (أَفْعَلَ)، من مادّة (أمن)
• ﴿أَصْلَحَ﴾ فعل ماض مزيد الرباعي باب (أَفْعَلَ)، من مادّة (أصلح)
من خصائص الفعل "فمن آمن وأصلح" أنه يدل على الحدث والتجدد ... [ الذي يدلّ على التجدد هو الفعل المضارع، ودلالة الماضي هنا على الثبات والمداومة ]
) فَمَنْ آمَنَ (بما يجب الإيمان به (وَأَصْلَحَ ) ما يجب إصلاحه والإيتان به على وفق الشريعة ،والفاء لترتيب مابعدها على ما قبلها
و(من) موصوله ولشبه الموصول بالشرط دخلت الفاء في قوله سبحانه :( فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ( من العذاب الذي انذر الرسل به (وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) لفوات الثواب الذي بشروا به.
قوله:( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)
﴿كَذَّبُ﴾ فعل ماض مزيد الرباعي باب (فَعَّلَ)، من مادّة (كذب) وصيغة الفعل تدل على الحصول والتحقق والتأكيد .
• ﴿يَمَسُّ﴾ فعل مضارع من الثلاثي مجرد، من مادّة (مسس)
• ﴿يَفْسُقُ﴾ فعل مضارع من الثلاثي مجرد، من مادّة )فسق)
والفعل المضارع يدل على تجدد العذاب عليهم واستمراره،بسب فسقهم المستمر الذي هو الإصرار على الخروج عن التصديق والطاعة .
وفي ذلك كناية عن قرب العذاب؛ كأنه حيٌ يفعل بهم ما يريد من الآلام .
قال ابن عاشور:( وجمع الضمائر العائدة إلى (من) مراعاة لمعناها، وأما إفراد فعل (آمن) و(أصلح) فلرعي لفظها.
والباء للسببية، و(ما) مصدرية، أي بسبب فسقهم. والفسق حقيقته الخروج عن حد الخير. وشاع استعماله في القرآن في معنى الكفر وتجاوز حدود الله تعالى. وتقدم تفصيله عند قوله تعالى ﴿وما يضل به إلا الفاسقين﴾.
وجيء بخبر (كان) جملة مضارعة للإشارة إلى أن فسقهم كان متجددا متكررا، على أن الإتيان بـ (كان) أيضا للدلالة على الاستمرار لأن (كان) إذا لم يقصد بها انقضاء خبرها فيما مضى دلت على استمرار الخبر بالقرينة، كقوله تعالى وكان الله غفورا رحيما.)

5: دلالة اسم الفاعل في قول الله تعالى: {إنّ الله بالغ أمره}
يدل اسم الفاعل (بالغ) على الثبوت والاستمرار [واللزوم]،ويراد به الحال والمستقبل ،فالله عز شأنه قد جعل لكل شيئ وقتاً ومقداراً لايتعداه ولا يقصر عنه ،وهذا بيان لوجوب التوكل على الله تعالى وتفويض الأمر إليه،
قال أبو السعود :﴿إن الله بالغ أمره﴾ بالإضافة أي: منفذ أمره، وقرئ بتنوين بالغ ونصب "أمره" أي: يبلغ ما يريده لا يفوته مراد ولا يعجزه مطلوب، وقرئ برفع "أمره" على أنه مبتدأ و"بالغ" خبر مقدم والجملة خبر إن أو "بالغ" خبر إن و"أمره" مرتفع به على الفاعلية أي: نافذ أمره، وقرئ "بالغا أمره" على أنه حال وخبر إن قوله تعالى: ﴿قد جعل الله لكل شيء قدرا﴾ أي: تقديرا وتوقيتا أو مقدارا وهو بيان لوجوب التوكل عليه تعالى وتفويض الأمر إليه لأنه إذا علم أن كل شيء من الرزق وغيره لا يكون إلا بتقديره تعالى لا يبقى إلا التسليم للقدر والتوكل على الله تعالى.

ب+

أحسنت بارك الله فيك، وآمل العناية بمسألة الجمع والترجيح؛ فلا يصار إلى الترجيح إلا عند تعذّر الجمع.


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الثاني

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:38 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir