دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الطحاوية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 04:13 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي قوله: (وعلماء السلف... لا يُذكَرون إلا بالجميل...)

وعلماءُ السَّلَفِ من السابقينَ - ومَن بَعْدَهُم من التابعينَ أَهْلُ الخيرِ وَالأَثَرِ، وَأَهْلُ الفِقْهِ والنَّظَرِ - لا يُذْكَرُونَ إِلاَّ بِالجَمِيلِ، وَمَنْ ذَكَرَهُم بِسُوءٍ فهو على غيرِ السَّبِيلِ.

  #2  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 08:12 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات على الطحاوية لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

[لا يوجد تعليق للشيخ]

  #3  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 08:22 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات المختصرة للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

(1) وعلماءُ السَّلَفُ من السابقينَ - ومَن بَعْدَهُم من التابعينَ, أَهْلُ الخيرِ وَالأَثَرِ، وَأَهْلُ الفِقْهِ والنَّظَرِ - لا يُذْكَرُونَ إِلاَّ بِالجَمِيلِ، وَمَنْ ذَكَرَهُم بِسُوءٍ فهو على غيرِ السَّبِيلِ.




(1) لَمَّا فَرَغَ– رَحِمَهُ اللَّهُ– مِنْ حُقُوقِ الصحابةِ وأهلِ البيتِ، وَمَا يَجِبُ لهم من المَحَبَّةِ والمُوَالاَةِ، وعَدَمِ التَّنَقُّصِ لِأَحَدٍ مِنْهُم انْتَقَلَ إلى الذينَ يَلُونَهُمْ في الفضيلةِ وهم العلماءُ، فعلماءُ هذهِ الأُمَّةِ لهم مَنْزِلَةٌ وَفَضْلٌ بعدَ الصحابةِ؛ لأَنَّهُم وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ؛ لِقَوْلِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: (الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ) والمرادُ بهم: علماءُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، أهلُ العلمِ والنظرِ والفقهِ، وأهلُ الأثرِ، وهم أهلُ الحديثِ.
فالعلماءُ على قِسْمَيْنِ:
القسمُ الأَوَّلُ: علماءُ الأَثَرِ، وهم المُحَدِّثُونَ الذينَ اعْتَنَوْا بِسُنَّةِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحَفِظُوهَا وذَبُّوا عنها، وقَدَّمُوهَا للأُمَّةِ صافيةً نقيَّةً، كما نَطَقَ بها رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأَبْعَدُوا عنها كُلَّ دَخِيلٍ وكُلَّ كَذِبٍ، فَنَحُّوا الأحاديثَ الموضوعةَ وَبَيَّنُوهَا وحاصَرُوهَا، فهؤلاءِ يُسَمَّوْنَ: علماءَ الروايةِ.
القسمُ الثاني: وهم الفقهاءُ، وهم الذينَ اسْتَنْبَطُوا الأحكامَ، من هذهِ الأدِلَّةِ، وبَيَّنُوا فِقْهَهَا، وَشَرَحُوهَا وبَيَّنُوهَا للناسِ، فهؤلاءِ يُسَمَّوْنَ: علماءَ الدِّرايةِ.
وَمَنهم مَن جَمَعَ بينَ العِلْمَيْنِ، ويُسَمَّونَ: فقهاءَ المُحَدِّثِينَ، كالإمامِ أحمدَ، ومالكٍ، والشافعيِّ، والبُخَارِيِّ.
وكُلُّ هؤلاءِ العلماءِ لهم فَضْلٌ، والنبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا) فالنبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لَهُم ومَدَحَهُم.
فالعلماءُ قامُوا بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عليهم من حمايةِ الدينِ والعقيدةِ، فَبَيَّنُوا الأحكامَ، والمواريثَ، والحلالَ والحرامَ، وبَيَّنُوا أيضًا فِقْهَ الكتابِ والسُّنَّةِ، فجعلوا لِلْأُمَّةِ ثروةً عظيمةً يُسْتَفَادُ منها ويُقَاسُ عليها ما يَجِدُّ من مشاكلَ.
والفقهُ على قِسْمَيْنِ:
القسمُ الأَوَّلُ: الفقةُ الأكبرُ، وهو فِقْهُ العقيدةِ.
القسمُ الثاني: وهو فِقْهٌ عَمَلِيٌّ، لا يَقِلُّ عن الفقهِ الأكبرِ من حَيْثُ الْأَهَمِّيَّةُ، وهو فِقْهُ الأحكامِ العَمَلِيَّةِ.
وفي فضلِ العلماءِ جاءَ في الحديثِ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ على سَائِرِ الْكَوَاكِبِ) وذلكَ لأَنَّ نَفْعَهُم يَتَعَدَّى، وفي روايةٍ: (فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ) فَالْعُلَمَاءُ لَهُم احْتِرَامٌ وَمَنْزِلَةٌ.
فلا يَجُوزُ الطَّعْنُ فيهم وتَنَقُّصُهْم حتى لو حَصَلَ من بَعْضِهِم خَطَأٌ في الاجتهادِ، فهذا لا يَقْتَضِي تَنَقُّصَهم؛ لأَنَّهُم قد يُخْطِئُونَ ومع ذلكَ هم طالِبُونَ للحقِّ، قَالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ) وهذا في حقِّ العلماءِ ولَيْسَ المُتَعَالِمِينَ؛ لِأَنَّهُ لا يَحِقُّ لهم أنْ يَدْخُلُوا فيما لا يُحْسِنُونَ.


  #4  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 10:55 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي


قوله: ( وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من التابعين -أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر - لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل ).

ش: قال تعالى: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً. فيجب على [ كل ] مسلم بعد موالاة الله ورسوله موالاة المؤمنين، كما نطق به القرآن، خصوصاً الذين هم ورثة الأنبياء، الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم، يهتدى بهم في ظلمات البر والبحر. وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، إذ كل أمة قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم علماؤها شرارها، إلا المسلمين، فإن علماءهم خيارهم، فإنهم خلفاء الرسول من أمته، والمحيون لما مات من سنته، فبهم قام الكتاب وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا، وكلهم متفقون اتفاقاً يقيناً على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه -: فلا بد له في تركه من عذر. وجماع الأعذار ثلاثة أصناف:
أحدها: عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.
والثاني: عدم اعتقاده أنه أراد تلك المسألة بذلك القول.
والثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ. فلهم الفضل علينا والمنة بالسبق، وتبليغ ما أرسل به الرسول صلى الله عليه وسلم إلينا، وإيضاح ما كان منه يخفى علينا، فرضي الله عنهم وأرضاهم. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.

  #5  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 04:26 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لمعالي الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)


القارئ:الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين، قال العلامة الطحاوي –رحمه الله تعالى-: [وعلماء السلف من السابقين , ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر، لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل، ولا نفضل أحداً من الأولياء على أحدٍ من الأنبياء –عليهم السلام- ونقول: نبي واحد أفضل من جميع الأولياء , ونؤمن بما جاء من كراماتهم , وصح عن الثقات من رواياتهم].

الشيخ:الحمد لله، وبعد قال العلامة الطحاوي الحنفي –رحمه الله تعالى-:"وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين، أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر، لا يذكرون إلا بالجميل, ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل ". هذه الجملة من هذه العقيدة المباركة , قرر فيها الطحاوي منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع أهل العلم من أهل الأثر وأهل الفقه، فإنهم كما قال: لا يذكرون إلا بالجميل؛ لأنهم نقلة الشريعة، ولأنهم المفتون في مسائل الشرعية، ولأنهم المبينون للناس معنى كلام الله -جلا وعلا- في كتابه.
ومعنى حديث النبي (r،) وهم الذين يدفعون عن الدين , ويذبون عنه في تثبيت العقيدة الصحيحة , وتثبيت سنة النبي (r،) ورد الموضوعات والأحاديث المنكرة والباطلة التي أضيفت للنبي (r،) فهم إذن حماة الشريعة الحماية العلمية , ولهذا كان العلماء ورثة الأنبياء؛ لأن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم، والذين حمى هم الصحابة –رضوان الله عليهم- وهم التابعون من علماء السلف , وعلماء تابعي التابعين من أهل الحديث , ومن أهل الفقه، فهؤلاء منهج أهل السنة والجماعة أن يذكر الجميع بالجميل، وأن لا نقع في عالم من العلماء، لا من هؤلاء، لا من أهل الحديث , ولا من أهل الفقه. بل يذكرون بالجميل , ولا يذكرون بسوء , وإنما يرجى لهم فيما أخطأوا فيه، أنهم إنما اجتهدوا , ورجوا الأجر والثواب، والخطأ لا يتابع عليه صاحبه.

وهذا الأصل ذكره الطحاوي في هذا المقام؛ لأجل أن طائفة من غلاة أهل الحديث في ذاك الزمن كانوا يقعون في أهل الفقه، وطائفة من غلاة أهل الفقه كانوا يقعون في أهل الحديث , ويصفونهم بالجمود، وأهل السنة الذين تحققوا بالكتاب وبسنة النبي (r) وبهدي الصحابة، يعلمون أن الجميع محسن , وأن هؤلاء وهؤلاء ما أرادوا إلا نصرة الشريعة , والحفاظ على العلم والفقه، نعم هم درجات في مقامهم , وفي علمهم، لكنهم لا يذكرون إلا بالجميل , والله –جلا وعلا- سخر هؤلاء لشيء, وسخر هؤلاء لشيء، والوسط هو سمة أهل الاعتدال , وسمة أهل السنة والجماعة , كما كان عليه الإمام أحمد , والبخاري ومسلم، والشافعي ومالك , وأبي حنيفة وجماعات أهل العلم؛ فإنهم كانوا على هذا السبيل. ونذكر ههنا مسائل
الأولى:
أن ذكر العلماء بالجميل وعدم ذكرهم بأي سوء أو قدح، هذا امتثال لشيئين:
الأول: امتثال لقول الله -جلا وعلا-: ] وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [ ولقوله:{يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ والَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجاتٍ}، ولقوله -جلا وعلا-: ] وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [، فبيّن الله -جلا وعلا- منزلة أهل العلم، وبيّن فضل العلم وفضل أهله، وأنهم مرفوعون عن سائر المؤمنين درجات؛ لما عندهم من العلم بالله -جلا وعلا- وبيّن أن المؤمن للمؤمن موالٍ، أن المؤمن يوالي المؤمن , ومعنى هذه الموالاة في قوله: ]وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [.
هي من الولاية , وهي المحبة والنصرة , وهذه المحبة والنصرة عند أهل السنة والجماعة تتفاضل بتفاضل تحقق وصف الإيمان، فالمؤمن يحب ويوالي المؤمن الآخر إذا كان كامل الإيمان أكثر من نصرته ومحبته لمن كان دونه، ومعلوم أن العلماء هم الذين أثنى الله -جلا وعلا- عليهم، وأثنى عليهم رسول الله r، فواجب إذن بنص الآية أن يوالوا، وأن يذكروا بالجميل وأن يحبوا وأن ينصروا وأن لا يذكروا بغير الحسن والجميل.
الأصل الثاني، أو الشيء الثاني لما قاله هنا:
إن القدح في أهل العلم فيما أخطأوا فيه -وسيأتي مسألة مستقلة لذلك إن شاء الله- إن القدح فيهم يرجع في الحقيقة عند العامة إلى: قدح في حملة الشريعة , ونقلة الشريعة، وبالتالي فيضعف في النفوس محبة الشرع؛ لأن أهل العلم حينئذ في النفوس على مقام رفيع , وليسوا على منزلة رفيعة في النفوس , فحينئذ يشك فيما ينقلون من الدين , وفيما يحفظون به الشريعة , فتؤول الأمور حينئذ إلى الأهواء والآراء، فلا يكون ثم مرجعية إلى أهل العلم فيما أشكل على الناس , فتتفصم عرى الإيمان وتتناثر نجوم اليقين.
لهذا كان ذكر العلماء بسوء هو من جنس ذكر الصحابة بسوء، ولهذا أتبع الطحاوي ذكر العلماء، أتبع ذكر الصحابة بذكر العلماء، يعني: لما فرغ من ذكر الصحابة ذكر العلماء؛ لأن القدح في الصحابة والقدح في العلماء منشؤه واحد , ونهايته واحدة، فإن القدح في الصحابة طعن في الدين، والقدح في العلماء المستقيمين العلماء الربانيين فيما أخطأوا فيه، أو فيما اجتهدوا فيه، هذا أيضاً يرجع إلى القدح في الدين، فالبابباب واحد.
المسألة الثانية:
يشترط في العالم ألا يخطئ، فعلماء الحديث والأثر وأهل الفقه والنظر ربما حصل منهم أغلاط؛ لأنهم غير معصومين، وهذه الأغلاط التي قد تحصل منهم حصو لها من نعم الله –جلا وعلا-، ولما سئل بعض الأئمة عن غلط العالم، كيف يغلط العالم؟! كيف يخالف السنة؟! كيف يكون في سلوكه مقصر؟! كيف يغيب عن ذهنه في مسألة التدقيق ويتساهل؟! فقال: لئلا يشتبه العلماء، لئلا يشابه العلماء الأنبياء؛ لأن النبي هو الذي لا ينطق عن الهوى، هو الذي يصيب في كل شيء، وهو الذي يُتبع في كل شيء.
فإذا كان العالم على صوابٍ كثير وربما وقع في اجتهادٍ هو عليه مأجور، ولكنه أخطأ في ذلك , لم يكن عند الناس رفع للعالم في منزلة النبي فيتبع على كل شيء، فيحصل في التوحيد والبحث عن الحق من الكتاب والسنة والنظر فيما يُبرِّئ الذمة في ذلك , وهذه عبوديات في القلب , يسلكها الناس مع وجود هذا الخلاف بين أهل العلم، ولهذا إذا نظرت في هؤلاء الذين عناهم الطحاوي،أهل الخير والأثر , وأهل الفقه والنظر، هو عنى بهم أوليّا عنى بهم الأئمة الأربعة، أبوحنيفة, وهو من أهل الفقه والنظر , ليس هو من أهل الحديث والأثر، والإمام مالك والشافعي وأحمد وهؤلاء هم أئمة أهل الحديث، كما أنهم أئمة أهل الفقه في المذهب المتبوعة المعروفة، هؤلاء بينهم خلاف في مذاهبهم، أبوحنيفة يذهب إلى قول، مالك يذهب إلى قول، الشافعي يذهب إلى قول، الإمام أحمد يذهب إلى قول، هؤلاء منهم من يكون قوله هو الصواب , ومنهم من يكون قوله خلاف الأولى، أو يكون قوله مرجوحًا، وهكذا...
فالعالم يدقق ويتحرى من الأقوال , ولا يقلد عالمًا في كل ما قاله؛ لأن المسائل كثيرة جدًا , وهو بشر , فقد يتهيأ له في المسألة أن يدقق، وفي مسألة أخرى لا يدقق، وهكذا... لهذا وجب على أهل الإيمان أن يتولوا جميع العلماء , وأن يذكروهم بالخير، وألا يذكروا أحدًا منهم بسوء , وخلافهم فيما اختلفوا فيه راجع إلى أسباب , يأتي ذكرها إن شاء الله. فليس منهم أحد أراد المخالفة وإنما كلهم أراد المتابعة , وتحري الحق، ولكن ربما أصاب وربما لم يصب.

المسألة الثالثة:
قوله في أول الكلام: "وعلماء السلف من السابقين". الطحاوي –رحمه الله- توفي في أول القرن الرابع الهجري، وعاش أكثر حياته في القرن الثالث , ويعني بعلماء السلف السابقين من كان سلفًا له، يعني: من سبقه من أهل العلم، وهذا يصح أن يعتبر سلفًا باعتبار، فكلمة السلف أو علماء السلف أطلقت , وأريد بها من سَلَف العالم ومن سبقه.
وهذا الإطلاق فيه سعة، ولهذا استعملها أناس في القرن الرابع وفي القرن الخامس والسادس.. إلى آخره، ويعنون بالسلف من سبقهم؛ لأنهم كانوا سَلَفًا لهم، يعني كانوا سابقين لهم.
والاصطلاح الثاني: وهو المعتمد عند المحققين , أن كلمة علماء السلف يعنى بها: علماء القرون الثلاثة المفضلة من الصحابة والتابعين وتابع التابعين، ومن كان من الأئمة على هذا النهج , وإن لم يكن من تابع التابعين , فهؤلاء هم الذين شهد لهم النبي (r) بالخيرية: ((خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)). قال الراوي: أذكر بعد قرنه ثلاثة قرون أو أربعة قرون.
والقرن هنا المراد به الجيل من الناس، وليس القرن الزمني الذي هو مائة سنة، قرني يعني: الذين اقترنوا، اقترن زمانهم بي, وهم الجيل من الناس، انقضى الصحابة أتى التابعون، قضى التابعون أتى تابع التابعين وهكذا... وهؤلاء هم الذين قلت فيهم البدع , وقل فيهم الخلاف للسنة , وكثر فيهم الخير بشهادة النبي (r) وبشهادة الواقع أيضًا. فإذن كلمة السلف، علماء السلف يعنى بها هذا، وقد تطلق على من [سلف وسبق على ما] ذكرت لك [من الاصطلاح الخاص][1].
المسألة الرابعة:
الطحاوي في هذه الجملة قسم العلماء إلى قسمين:
قال: " أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر". فجعل العلماء على فئتين:
الفئة الأولى: أهل الأثر.
والفئة الثانية: أهل الفقه والنظر.
وأهل الأثر هم الذين اعتنوا بالحديث رواية ودراية، ويدخل فيه الدراية، ويعني به الفقه، ويدخل فيهم الإمام مالك والشافعي, وأحمد وإسحاق، وابن جرير وجماعات على هذا النحو. ويقصد بأهل الفقه والنظر الذين غلبوا القواعد المستنبطة الكلية على السنن المروية، وهم أصحاب الرأي والنظر في مدرستي الكبيرتين في المدينة , التي كان يتزعمها الإمام ربيعة، المشهور بربيعة الرأي، وفي الكوفة التي كان يتزعمها الإمام أبوحنيفة النعمان ابن ثابت –رحمهم الله تعالى أجمعين-. أهل الفقه والنظر يعتنون بالسنة، لكن عنايتهم بالسنة قليلة، وأهل الحديث والأثر يعتنون بالنظر، لكن عنايتهم بالأقيسة والتقعيد قليلة، ولهذا صار هناك في الأمة في الاجتهاد، صارت هناك مدرستان: مدرسة أهل الحديث والأثر، ومدرسة أهل النظر.

ولا تقابل بين أهل الحديث وأهل الفقه؛ لأن هذه المقابلة لا حقيقة لها، وإنما المقابلة بين أهل الحديث والأثر , وبين أهل الفقه والنظر، وكلمة النظر أرادها الطحاوي؛ لأن الجميع موصوفون بالفقه وبالعناية به، يعني: استنباط الأحكام من الأدلة، لكن من جهة النظر والقياس والعقليات والقواعد هذه اعتنى بها الحنفية وأهل الرأي , ولم يعتن بها أهل الحديث والأثر، وإنما اعتنوا باستخراج الفقه من الأدلة بدون تحكيم للأقيسة على الدليل، مثاله: مثلاً عند الحنفية مثلاً عند أهل النظر، الحديث المرسل أقوى من المسند , فإذا اجتمع حديثان مرسل ومسند حكم في الفقه بالمرسل, ولم يحكم بالمسند، لماذا؟ لدليلٍ عقلي عندهم، وهو أن المرسل من أهل الفقه، من علماء التابعين لا ينسب إلى النبي (r) شيئًا إلا وهو متحقق به؛ لأن من أهل الفقه.
وأما الرواية المجردة فإنها يدخلها الغلط , ويدخلها ما يدخله , ولا شك أن هذا تعليل عقلي، لكنه ليس بمنطقي، أيضًا ينظرون إلى القواعد أنها قطعية , والأدلة غير المتواترة أنها ظنية، فيقولون: إذا صار هناك قاعدة، أو قياس كلي؛ فإنه يكون قطعيًا في الدلالة على محتواه، وأما الدليل فيكون ظنيًا , إما ظني الرواية وإما –يعني: إذا كان من السنة- وإما أن يكون ظني الدلالة أيضًا غير قطعي الدلالة من الكتاب أو من السنة.
فيحكم بالقاعدة , ويترك ظاهر الدليل، لأجل أنه يحتمل الظن , والقاعدة قطعية، ونحو ذلك من الخلاف المؤسس على مشارب شتى , ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية وذكره شارح الطحاوية وجمع: إن العلماء فيما اختلفوا فيه من عدم الأخذ بالدليل من الكتاب والسنة يمكن أن يرجع إلى عدة أسباب.
من أهم هذه الأسباب أولاً: أن لا يثبت عند الإمام صحة الدليل.
الثاني: أن يكون منسوخًا أو مؤولاً.
الثالث: أن يكون معارضَا بما هو أقوى عند الإمام من ذلك الدليل، إما معارض بدليل آخر وإما معارض بقاعدة، كما عند الحنفية.
الرابع: أن يكون للإمام هذا شرط في الرواية , ليس هو شرط الإمام الآخر في الحديث، مثلاً عندك الإمام الشافعي يقول: حدثني الثقة , ويعني به إبراهيم بن أبي يحيى , فإذا عرف الإمام أحمد أو غيره إنها الرواية عن إبراهيم بن أبي يحيى هو عندهم ليس بثقة، بل هو ضعيف، بل ربما كان أدنى من ذلك، مما اتهم به بالكذب ونحو ذلك، فهو عند إمام ثقة فيما يرويه , يأخذ بروايته.
وهذا يبين لك أن اختلاف الأئمة من أهل الفقه والنظر، وأهل الحديث والفقه والأثر، أن اختلاف الأئمة في ذلك اختلاف ليس راجًعا إلى عدم الأخذ بالدليل، ولكنه راجع إلى فهم الدليل , وما هو الدليل الذي يستدل به؟ وكون الدليل راجحاً غير مرجوح. ولهذا لا يوجد في مسألة أن يقال: ليس للعالم هذا دليل
الشيخ: ليس للإمام أبي حنيفة فيها دليل، أو ليس للإمام أحمد فيها دليل، أو ليس للإمام مالك فيها دليل , كل منهم لا يقول قولاً ولا يذهب إلى مذهب إلا بدليل، والأدلة أعم من النصوص، أعم من النص من الكتاب والسنة؛ لأن جماع الأدلة عند أهل الأصول يرجع إلى ثلاثة عشر دليلاً... سقط... وتصير بالتفريع كما ذكره أهل الأصول , وذكره القرافي في الفروق إلى عشرين دليلاً.

فهذه الأدلة منها ما هو متفق على الاستدلال به , ومنها ما هو مختلف في الاستدلال به، فقد يكون الدليل دليلاً عند الإمام مالك وليس دليلاً عند الإمام أحمد، مثل عمل أهل المدينة، وقد يكون الدليل مرعيًّا عند الإمام أبي حنيفة , وهو القاعدة , ولا يكون مرعيا عند الشافعي؛ لورود دليلٍ من السنة في خلاف ذلك، وهكذا.
فإذًا مأخذ العلماء اجتهاد، وواجب حينئذ إذ كانت هذه مآخذهم، واجب حينئذ ألا يذكروا إلا بالجميل، وألا يذكر العالم حتى فيما أخطأ فيه وابتعد في الخطأ , حتى إباحة المالكية لأكل لحم الكلب , وحتى في إباحة الحنفية لشرب النبيذ, يعني غير المسكر لا يشنع عليهم في ذلك؛ لأنها اجتهادات فيما اجتهدوا فيه.

المسألة الخامسة... سقط...
الأخيرة هنا الواجب على طلبة العلم الذين يريدون أن يسلكوا هذا السبيل، أن يلزموا أنفسهم مع أهل العلم السابقين , والأئمة الذين أشادوا للدين بنيانًا وللعلم أركانًا، واجب عليهم أن يدفعوا عنهم , وأن يثنوا عليهم , وأن ينشروا في الناس سيرتهم؛ حتى يقتدى بهم، وحتى يقوى ركن علماء الشريعة، وهكذا أيضًا واجب على طلاب العلم ألا يقعوا في أحدٍ من العلماء بسوء، فمن أصاب من أهل العلم من أهل الحديث والأثر، أو من أهل الفقه والنظر , من أصاب فقد أحسن، ويثنى عليه ويتابع فيما أصاب فيه، ومن أخطأ فأيضًا قد أحسن؛ إذ اجتهد، لكن الصواب من الله تعالى.
وهذا لا يدخل في علماء، العلماء الذين نصروا الشرك والبدع والخرافات، ولم يكن لهم حظ , لا من الحديث والأثر , ولا من الفقه والنظر، وإنما سخروا جهدهم في مخالفة السنة في البدع، فأرادوا نشر البدعة ونشر الخرافة، ودافعوا عن الشرك , وعلقوا الناس بالموتى , وعلقوا الناس بالبدع والاحتفالات وأشباه ذلك، فهؤلاء لا يدخلون في هذا الكلام الذي ذكره؛ لأنهم أرادوا ما خالفوا به إجماع الأئمة الأربعة، هؤلاء يرد عليهم , وربما يُحتاج من باب التعزير إلى ذكرهم بما فيهم؛ حتى يحذرهم الناس.
تنبيه أخير إلى أن قول الطحاوي في أول الكلام , علماء السلف من السابقين. قال بعدها: ومن بعدهم من التابعين. كلمة: من بعدهم من التابعين، فيما أفهم أنه لا يريد بها تابعين أهل الاصطلاح، يعني التابعين الذين صحبوا الصحابة، وإنما يريد من تبع علماء السلف على اصطلاحه؛ لأن التابعين ما فيهم هذا التقسيم: أهل الحديث، وأهل النظر، والتابعون والصحابة ما فيهم هذا التقسيم: أهل الحديث وأهل النظر، وإنما هذا التقسيم فيمن بعدهم.


[1] ما بين المعقوفات غير موجود بالشريط


  #6  
قديم 5 ربيع الأول 1430هـ/1-03-2009م, 12:12 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية للشيخ: يوسف بن محمد الغفيص (مفرغ)


حفظ مقام أئمة السلف والثناء عليهم
قال المصنف رحمه الله: [وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين، أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر؛ لا يُذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوءٍ فهو على غير السبيل] . بعد أن ذكر المصنف رحمه الله تعالى قول أهل السنة والجماعة في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ذكر مقام أئمة السلف، وأن من الهدي المأثور حسن القول في هؤلاء الأئمة، والمصنف عبر هنا بعبارات فيها سعة، فقال: (وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من التابعين)، فإما أن يعني بالسابقين: الصحابة ومن بعدهم ممن اتبع الصحابة، وإما أن يعني بالسابقين: من أخذ عن الصحابة من التابعين ومن بعدهم في طبقة القرون الثلاثة الفاضلة، ولا يعني الصحابة لأنه قد ذكر الصحابة من قبل، ويعني بالتابعين: من اقتدى بأئمة السلف من أهل السنة والجماعة من أصحاب الأئمة، فهذا وهذا كلاهما مما يمكن أن يفسر به كلام المصنف. إلا أن قوله: (ومن بعدهم من التابعين) إلخ، يدل على أن مراده من جاء بعد القرون الثلاثة الفاضلة، وهم أتباع السلف من الفقهاء وأهل الحديث وغيرهم، وهذا التوجيه هو الأظهر في كلام المصنف؛ لأنه قد ذكر الصحابة من قبل. ......
أهل العلم فقهاء ومحدثون
وقوله: (أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر): أما أهل الأثر: فيراد بهم أهل الحديث، الذين يعتبرون الرواية ويستدلون بها ويشتغلون بها علماً. وأما أهل الفقه والنظر فمراده بالفقهاء من يختص بهذا الاسم، وإن كانوا مقتدين مقتفين، إلا أنهم اشتغلوا بالفقه ولم يشتغلوا بالرواية على جهة العلم المختص، وهذا تقسيم شائع معروف، فإن من أهل العلم من غلب عليه الاشتغال بالرواية علماً، ومنهم من غلب عليه التفقه، وإن كان هؤلاء وهؤلاء يقال: إنهم من أهل الحديث باعتبار أنهم مقتفون متبعون، ولفظ الفقه تعبير شرعي مستعمل زمن الأئمة ومستعمل في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وكلام الصحابة.

تسمية العلماء: (أهل النظر) اصطلاح حادث
وأما التعبير بلفظ النظر، فالنظر الذي ذكر في القرآن لم يوصف به أهل الإيمان في سائر الموارد، وإنما ذكر الله سبحانه وتعالى النظر في مقام الإثبات لبعض مقامات الربوبية أو بعض مقامات الألوهية، ومنه قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:185] . وكأن مراد المصنف بلفظ النظر، ليس اللفظ المذكور في القرآن، وإنما مراده بأهل النظر من اشتغل بهذا الوجه من التحصيل والاستدلال، وهذا المصطلح على هذا المعنى أضيف لكثير من علماء الكلام، والمتكلمون يسمون (أهل الكلام) ويسمون (النظار)، وإن كان مصطلح النظار أوسع من مصطلح المتكلمين، ولهذا يضاف إلى النظار كثيرٌ من الفقهاء، وكثيرٌ من الأصوليين إذ هم من اشتغلوا بالدلائل النظرية. بخلاف المتكلمين، فهم من اشتغلوا بالدلائل الكلامية، فسائر المتكلمين يسمون نظاراً ولا يلزم أن سائر النظار يسمون متكلمين، ومع هذا فإن الأصل أن هذا الإطلاق لم يكن معروفاً في كلام الأئمة إلا بعد حدوث الفرق والأهواء ولاسيما بعد ظهور علم الكلام، فإن هذه التسمية لم تكن مضافة لأئمة السنة والجماعة في مرحلةٍ من مراحل التاريخ، إنما كانوا يعرفون بأهل الحديث، أو يعرفون بالفقهاء أو نحو ذلك من الأسماء المأثورة. وأما (أهل النظر) فإنه من الأسماء المحدثة إذا أضيفت على هذا الوجه، ولو قال قائل: إن (أهل النظر) يفسر بما ذُكر على معنى النظر في القرآن، فيقال: حتى على هذا الوجه ليس مأثوراً، وما كان الصحابة يسمون أهل النظر ولا يسمون نظاراً، وإنما غلب هذا الاسم على من اشتغل بعلم الكلام أو انتحل شيئاً من طرقه.

عدم إشارة الطحاوي إلى ذم طريقة متكلمة الصفاتية
والمصنف في خاتم رسالته ذكر البراءة من الطرق البدعية، فذكر الطرق البدعية التي نص أئمة السلف على ذمها، كالجهمية والمعتزلة والقدرية والمشبهة كما سيأتي، لكنه لم يشر إلى ذم طريقة متكلمة الصفاتية كطريقة عبد الله بن سعيد بن كلاب و أبي الحسن الأشعري ، ومن وافقهم من النظار، وإن كان قد تحقق في جمهور الجمل التي ذكرها المصنف في رسالته أن المصنف ليس على جادة الكلابية أو جادة الأشعرية بل هو في الجملة على الاقتفاء والسنة، وإن كان غلط في بعض المسائل إما لفظاً وإما لفظاً ومعنى. وهذا يشير إلى مسألة نبَّه عليها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما ذكر أصحاب الأئمة؛ فقد بين أنهم من جهة الأخذ بعلم الكلام ينقسمون إلى أقسام؛ فأما من اشتغل بعلم الكلام فهذا قسم بيِّن، ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ذكر أن بعض الفضلاء من أصحاب الأئمة أحمد و مالك و الشافعي و أبي حنيفة ، كانوا يذمون البدع والأهواء وكانوا معرضين عن علم الكلام، فما كانوا يشتغلون به، وكانوا يرون أن طريق السلف والأئمة أهدى وأقوم، إلا أنهم يرون هذا الطريق الذي انتحله من انتسب إلى السنة والجماعة كـابن كلاب و الأشعري طريقاً مصححاً في الجملة، وإن كان عندهم ليس راجحاً ولا فاضلاً. ومن هذا ما قرره بعض أصحاب الأئمة من أن السلف إنما ذموا علم الكلام لما فيه من الألفاظ المحدثة، كلفظ الجسم والجوهر والعرض ونحو ذلك، بل بعضهم يقول: ومثل هذا الذم معتبر بالمصلحة، قالوا: فإن المتأخرين لما كثر شقاق أهل البدع وكثر شرهم، كان لا بد لأهل السنة والجماعة من الاشتغال بهذه الطرق من باب دفع صول المخالفين، وعن هذا سوغ أبو حامد الغزالي مثلاً -مع أنه ليس من هذا الصنف بل هو منتحل لعلم الكلام مستعملٌ له- الاشتغال بعلم الكلام من هذا الوجه، قال أبو حامد في الإحياء: (وإن كان السلف ذموه إلا أن ذمهم له لحدوث ألفاظه، ومثل هذا الوجه من الذم قد يزول بالمصلحة)، وضرب مثلاً لذلك بما لو أن الكفار غزوا بلاد المسلمين فما تمكن المسلمون من ردهم إلا أن ينتحل بعض المسلمين ما هو من لباس الكفار أو ما هو من لغتهم إلى غير ذلك، فيرى أن هذا مما يتعلق بمسألة المصلحة. فـأبو جعفر رحمه الله لم يعرف أنه اشتغل بعلم الكلام، ولكن فيما يظهر والله تعالى أعلم، أنه لم يكن ذاك المباين لسائر الطرق الكلامية، أعني أنه لم يكن له نزع بيّن في الرد أو إبطال طرق متكلمة الصفاتية، ولهذا لما ذكر من بعد القرون الثلاثة الفاضلة، قال: (أهل الفقه والنظر)، فجعل النظار يدخلون في هذا الاستعمال. وقد يقول قائل: إن مراده بالنظر هنا ما هو مستعمل في كلام بعض الأصوليين، أي: أهل الفقه وأهل الأصول، وهذا صحيح، فالأصوليون الذين اشتغلوا بعلم أصول الفقه يسمون نظاراً في الجملة، لكن مع هذا فظاهر أن أبا جعفر رحمه الله ما كان يقصد إلى إسقاط وإبطال مذهب متكلمة الصفاتية بالتصريح، وإنما يستعمل في ذلك الجمل المجملة غالباً.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
وعلماء, قوله

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:38 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir