دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الطحاوية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 04:04 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي قوله: (والله يستجيب الدعوات ويقضي الحاجات...)

واللهُ تَعَالى يَسْتَجِيبُ الدعواتِ، وَيَقْضِي الحاجاتِ.
وَيَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلاَ يَمْلِكُهُ شَيْءٌ.
ولاَ غِنَى عَن اللهِ تعالى طَرْفَةَ عَيْنٍ.
ومَنِ اسْتَغْنَى عن اللهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ فقد كَفَرَ وَصَارَ مِن أَهْلِ الحَيْنِ.

  #2  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 08:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات على الطحاوية لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

[لا يوجد تعليق للشيخ]

  #3  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 08:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات المختصرة للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

(1) واللهُ تَعَالى يَسْتَجِيبُ الدعواتِ، وَيَقْضِي الحاجاتِ.
(2) وَيَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلاَ يَمْلِكُهُ شَيْءٌ.
(3) ولاَ غِنَى عَن اللهِ تعالى طَرْفَةَ عَيْنٍ.
(4) ومَنِ اسْتَغْنَى عن اللهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ فقد كَفَرَ وَصَارَ مِن أَهْلِ الحَيْنِ.



(1) هذهِ من صفاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ يُجِيبُ مَن دَعَاهُ، قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (البقرة: 186).
وَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِدُعَائِهِ فقَالَ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (غافر: 60)، وقَالَ سُبْحَانَهُ: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} (النمل: 62) إلى غيرِ ذلكَ من الآياتِ التي فيها الأمرُ بالدعاءِ وإجابةِ الدعاءِ، وهذا من كَرَمِهِ وجُودِهِ وإِحْسَانِهِ، يَأْمُرُ عبادَهُ بدعائِهِ لِيَسْتَجِيبَ لهمْ، مع أَنَّهُ غَنِيٌّ عنهم، ولكنْ لِعِلْمِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِحَاجَتِهِم أَمَرَهُم بدعائِهِ، وفي الحديثِ: (مَنْ لاَ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ).
والدعاءُ أعظمُ أنواعِ العِبَادةِ؛ لقولِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: (الدعاءُ هوَ العِبَادةُ).
وكَمَا أَنَّهُ أَمَرَ بدعائِهِ، نَهَى عن دعاءِ غيرِهِ والإشراكِ بهِ في الدعاءِ، فقَالَ: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } (الجِنّ: 18)، { قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} (الجِنّ: 20)، { وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلُحُ الْكَافِرِونَ} (المؤمنون: 117).
فلا يَجُوزُ دُعَاءُ غَيْرِ اللَّهِ، وَمَنْ دَعَا غَيْرَ اللَّهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ، سواءٌ كَانَ المَدْعُو مَلَكًا أو نَبِيًّا أو وَلِيًّا، فقدْ أَشْرَكَ الشِّرْكَ الأكبرَ{ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْدُعَائِهِمْغَافِلُونَ} (الأحقاف:5)،{إِنْ تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَو سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (فاطِر: 14) فَسَمَّاهُ شِرْكًا، وقَالَ سُبْحَانَهُ:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَزَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الْأَرْضِ وَمَالَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَالَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} (سبأ: 22، 23).
فالدُّعَاءُ لا يكونُ إِلاَّ للهِ، فلا يُدْعَى أَحَدٌ من دُونِهِ من الأحياءِ أو الأمواتِ، أَيًّا كَانَ هذا المَدْعُو.
والدعاءُ على قِسْمَيْنِ:
الأَوَّلُ: دُعَاءُ عِبَادَةٍ، وهو الثناءُ على اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ في أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، فالذي يُسَبِّحُهُ وَيُكَبِّرُهُ وَيَحْمَدُهُ وَيُثْنِي عَلَيْهِ قَدْ دَعَاهُ دُعَاءَ عِبَادَةٍ.
الثاني: دُعَاءُ مَسْأَلَةٍ، وهو طَلَبُ الحوائجِ من اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلاَهُمَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الفاتِحَةِ، فَأَوَّلُهَا إلى نِصْفِهَا دُعَاءُ عِبَادَةٍ، إلى قَوْلِهِِيَّاكَ نَعْبُدُ} وآخرُ السورةِ دُعَاءُ مَسْأَلَةٍ.
والعلماءُ يقولونَ: دُعَاءُ العِبَادةِ مَسْتَلْزِمٌ لِدُعَاءِ المسألةِ، ودعاءُ المسألةِ مُتَضَمِّنٌ لِدُعَاءِ العِبَادةِ.
واللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَ مَن دَعَاهُ أنْ يَسْتَجِيبَ لَهُ، وقدْ يَقُولُ قائلٌ: أَنَا دَعَوْتُ ولمْ يُسْتَجَبْ لِي.
والجوابُ أنْ يُقَالَ: المَانِعُ مِن عِنْدِكَ أَنْتَ، الدعاءُ سَبَبٌ من الأسبابِ، والنتيجةُ لا تَحْصُلُ إِلاَّ إِذَا انْتَفَت الموانعُ، فقدْ يكونُ مانِعٌ من الموانعِ مَنَعَ استجابةَ دَعْوَتِكَ، إِمَّا أنْ تكونَ دَعَوْتَ بِقَلْبٍ غافلٍ لاَهٍ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِقَلْبٍ غافِلٍ لاَهٍ؟ كَمَا في الحديثِ، أو أَنَّكَ تَأْكُلُ الحرامَ وتشربُ الحرامَ وتَلْبَسُ الحرامَ، قَالَ عليهِ الصلاةُ السلامُ في الذي: (يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حرامٌ، وَغُذِّيَ بالحرامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ؟!)
أو يَدْعُو بِإِثْمٍ أو قَطِيعَةِ رَحِمٍ، فلا يُسْتَجَابُ لَهُ، هذا مِن ناحيةٍ.
وَمِن ناحيةٍ ثانيةٍ: أنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ بِمَصَالِحِكَ، قد يُعَجِّلُ لكَ الإجابةَ وقد يُؤَخِّرُهَا، وقد يَصْرِفُ عَنْكَ مِن السوءِ مِثْلَهَا، وأنتَ لا تَدْرِي، كما في الحديثِ: (مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلاَ قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلاَّ أَعْطَاهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاَثٍ؛ إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ دَعْوَتَهُ، وَإَمَّا أَنْ يُؤَخِّرَهَا لَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا).
أهلُ الضلالِ يقولونَ: لا حَاجَةَ للدعاءِ؛ لأَنَّ الأَمْرَ إذا كَانَ قُدِّرَ فلا يُحْتَاجُ إلى دعاءٍ؛ لِأَنَّهُ إذا كَانَ الأمرُ قُدِّرَ لكَ فإِنَّهُ سَيَأْتِيكَ، ولو لم تَدْعُ، وإِنْ كَانَ لم يُقْضَ لكَ ويُقَدَّرْ فإنَّكَ لو دَعَوْتَ لم يَحْصُلْ لكَ ولا يُقَدَّرُ، وهذا ضلالٌ، والعياذُباللَّهِ، ومُخَالِفٌ لكلامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
والجوابُ: أَنَّهُ لا تَعَارُضَ بينَ الدعاءِ والقضاءِ والقدرِ، الذي قَضَى وَقَدَّرَ هو الذي أَمَرَ بالدعاءِِ، والدعاءُ سَبَبٌ مِن الأسبابِ، والمُسَبِّبُ هو اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وهناكَ بعضُ الأشياءِ قُدِّرَتْ على أسبابٍ، إذا وُجِدَتْ أَسْبَابُهَا وُجِدَتْ مُسَبَّبَاتُهَا، والدعاءُ سَبَبٌ.
(2) مِن صفاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَّهُ يَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ، فَكُلُّ مَا فِي الكونِ فهوَ مُلْكٌ لَهُ (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (المُلْك: 1)، وقَالَ تَعَالَى: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (الحديد: 2).

فلا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ مُلْكِهِ، والناسُ وما يَمْلِكُونَ فهم مُلْكُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُوَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (آل عِمْرَان: 26).
فلا أَحَدَ يَفْرِضُ وَيُلْزِمُ وَيُمْلِي على اللَّهِ شيئًا؛ لأَنَّ الناسَ عِبَادٌ للهِ فقراءُ إليهِ، كما قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} (القصص: 68)، وقَالَ سُبْحَانَهُ: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (الحج: 18).
وإِنَّمَا هو سُبْحَانَهُ يُدَبِّرُ الأمرَ بِمُفْرَدِهِ، وَيُجْرِيهِ على حِكْمَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

(3) اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ هو الغَنِيُّ الحميدُ، والخلقُ كُلُّهُمْ فُقَرَاءُ إلى اللَّهِ، وَمَا أَحَدٌ مِنْهُمْ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَغْنِيَ عن اللَّهِ.
قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (فاطِر: 15) فَلاَ أَحَدَ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَغْنِيَ عن اللَّهِ، ولو كَانَ عِنْدَهُ مُلْكُ الدنيا، فالمُلُوكُ فُقَرَاءُ إلى اللَّهِ، وكذلكَ الأغنياءُ، فلا أَحَدَ يَسْتَغْنِي عن اللَّهِ، لا المَلاَئِكَةُ المُقَرَّبُونَ ولا مَنْ دُونَهُم من الخلقِ.

(4) مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ في غِنًى عناللَّهِ، وأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عن اللَّهِ، فَقَدْ كَفَرَ وخَرَجَ من المِلَّةِ، فالواجبُ على العبدِ أنْ يُظْهِرَ للهِ ضَعْفَهُ، ولا يُعْجِبُهُ ما هو فيهِ من القوَّةِ والصِّحَّةِ والغِنَى؛ لأَنَّ الأمورَ بِيَدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فلا يُمْكِنُ الاستغناءُ عن اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.


  #4  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 10:48 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي


[قوله]: ( والله تعالى يستجيب الدعوات، ويقضي الحاجات ).

ش: قال تعالى: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم. وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان. والذي عليه أكثر الخلق من المسلمين وسائر أهل الملل وغيرهم -: أن الدعاء من أقوى الأسباب في جلب المنافع ودفع المضار، وقد أخبر تعالى عن الكفار أنهم إذا مسهم الضر في البحر دعوا الله مخلصين له الدين، وأن الإنسان إذا مسه الضر دعاه لجنبه أو قاعداً أو قائماً. وإجابة الله لدعاء العبد، مسلماً كان أو كافراً، وإعطاؤه سؤله -: من جنس رزقه لهم، ونصره لهم. وهو مما توجبه الربوبية للعبد مطلقاً، ثم قد يكون ذلك فتنة في حقه ومضرة عليه، إذ كان كفره وفسوقه يقتضي ذلك. وفي سنن ابن ماجه من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يسأل الله يغضب عليه. وقد نظم بعضهم هذا المعنى، فقال:
الرب يغضب إن تركت سؤاله = وبني آدم حين يسأل يغضب
قال ابن عقيل: قد ندب الله تعالى إلى الدعاء، وفي ذلك معان: أحدها: الوجود، فإن ليس بموجود لا يدعى. الثاني: الغنى، فإن الفقير لا يدعى. الثالث: السمع، فإن الأصم لا يدعى. الرابع: الكرم، فإن البخيل لا يدعى. الخامس: الرحمة، فإن القاسي لا يدعى. السادس: القدرة، فإن العاجز لا يدعى. ومن يقول بالطبائع يعلم أن النار لا يقال لها: كفي ! ولا النجم يقال له: أصلح مزاجي ! ! لأن هذه عندهم مؤثرة طبعاً لا اختياراً، فشرع الدعاء وصلاة الاستسقاء ليبين كذب أهل الطبائع.
وذهب قوم من المتفلسفة وغالية المتصوفة [ الى ] أن الدعاء لا فائدة فيه ! قالوا: لأن المشيئة الإلهية إن اقتضت وجود المطلوب فلا حاجة إلى الدعاء، وإن لم تقتضه فلا فائدة في الدعاء ! ! وقد يخص بعضهم بذلك خواصن العارفين ! ويجعل الدعاء علة في مقام الخواص ! ! وهذا من غلطات بعض الشيوخ. فكما أنه معلوم الفساد بالاضطرار من دين الإسلام - فهو معلوم الفساد بالضرورة العقلية، فإن منفعة الدعاء أمر أنشئت عليه تجارب الأمم، حتى إن الفلاسفة تقول: ضجيج الأصوات في هياكل العبادات، بفنون اللغات، يحلل ما عقدته الأفلاك المؤثرات ! ! هذا وهم مشركون.
وجواب الشبهة بمنع المقدمتين: فإن قولهم عن المشيئة الإلهية: إما أن تقتضيه أولا - [فـ] ثم قسم ثالث، وهو: أن تقتضيه بشرط لا تقتضيه مع عدمه، وقد يكون الدعاء من شرطه، كما توجب الثواب مع العمل الصالح، ولا توجبه مع عدمه، وكما توجب الشبع والري عند الأكل واثرب، ولا توجبه مع عدمهما، وحصول الولد بالوطء، والزرع بالبذر. فإذا قدر وقوع المدعو به بالدعاء لم يصح أن يقال لا فائدة في الدعاء، كما [لا] يقال لا فائدة في الأكل والشرب والبذر وسائر الأسباب. فقول هؤلاء - كما أنه مخالف للشرع، فهو مخالف للحس والفطرة.
ومما ينبغي أن يعلم، ما قاله طائفة من العلماء، وهو: أن الإلتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ! ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب كالكلية قدح في الشرع. ومعنى التوكل والرجاء، يتألف من وجوب التوحيد والعقل والشرع.
وبيان ذلك: أن الإلتفات إلى السبب هو اعتماد القلب عليه ورجاؤه والإستناد إليه. وليس في المخلوقات ما يستحق هذا، لأنه ليس بمستقل، ولا بد له من شركاء وأضداد مع هذا كله، فإن لم يسخره مسبب الأسباب لم يسخر.
وقولهم: إن اقتضت المشيئة المطلوب فلا حاجة إلى الدعاء ؟ قلنا: بل قد تكون إليه حاجة، من تحصيل مصلحة أخرى عاجلة وآجلة، ودفع مضرة أخرى عاجلة وآجلة. وكذلك قولهم: وإن لم تقتضه فلا فائدة فيه ؟ قلنا: بل فيه فوائد عظيمة، من جلب منافع، ودفع مضار، كما نبه عليه النبي صلى الله عليه وسلم، بل ما يعجل للعبد، من معرفته بربه، وإقراره به، وبأنه سميع قريب قدير عليم رحيم، وإقراره بفقره إليه واضطراره إليه، وما يتبع ذلك من العلوم العلية والأحوال الزكية، التي هي من أعظم المطالب. فإن قيل: إذا كان إعطاء الله معللاً بفعل العبد، كما يفعل من إعطاء المسؤول للسائل، كان السائل قد أثر في المسؤول حتى أعطاه ؟ ! قلنا: الرب سبحانه هو الذي حرك العبد إلى دعائه، فهذا الخير منه، وتمامه عليه. كما قال عمر رضي الله عنه: إني لا أحمل هم الإجابة، وإنما أحمل هم الدعاء، ولكن إذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه. وعلى هذا قوله تعالى: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون. فأخبر سبحانه أنه يبتدىء بتدبير [ الأمر ]، ثم يصعد إليه الأمر الذي دبره، فالله سبحانه هو الذي يقذف في قلب العبد حركة الدعاء، ويجعلها سبباً للخير الذي يعطيه إياه، كما في العمل والثواب، فهو الذي وفق العبد للتوبة ثم قبلها، [ وهو الذي وفقه للعمل ثم أثابه ]، وهو الذي وفقه للدعاء ثم أجابه، فما أثر فيه شيء من المخلوقات، بل هو جعل ما يفعله سبباً لما يفعله. قال مطرف بن عبد الله بن الشخير، أحد أئمة التابعين: نظرت في هذا الأمر، فوجدت مبدأه من الله، وتمامه على الله، ووجدت ملاك ذلك الدعاء.
وهنا سؤال معروف، وهو: أن من الناس من قد يسأل الله فلا يعطى شيئاً، أو يعطى غير ما سأل ؟ وقد أجيب عنه بأجوبة، فيها ثلاثة أجوبة محققة -:
أحدها: أن الآية لم تتضمن عطية السؤال مطلقاً، وإنما تضمنت إجابه الداعي، والداعي أعم من السائل، وإجابة الداعي أعم من إعطاء السائل. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول: من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟. ففرق بين الداعي والسائل، وبين الإجابة والإعطاء، وهو فرق بين العموم والخصوص، كما أتبع ذلك بالمستغفر، وهو نوع من السائل، فذكر العام ثم الخاص ثم الأخص. وإذا علم العباد أنه قريب، يجيب دعوة الداعي، علموا قربه منهم، وتمكنهم من سؤاله -: وعلموا علمه ورحمته وقدرته، فدعوه دعاء العبادة في حال، ودعاء المسألة في حال، [ وجمعوا بينهما في حال ]، إذ الدعاء اسم يجمع العبادة والإستعانة، وقد فسر قوله. وقال ربكم ادعوني أستجب لكم - بالدعاء، الذي هو العبادة، والدعاء الذي هو الطلب. وقوله بعد ذلك: إن الذين يستكبرون عن عبادتي - يؤيد المعنى الأول.
الجواب الثاني: أن إجابة دعاء السؤال أعم من إعطاء عين السؤال، كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من رجل يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه بها إحدى ثلاث خصال. إما أن يعجل له دعوته، أو يدخر له من الخير مثلها، أو يصرف عنه من الشر مثلها، قالوا: يا رسول الله، إذاً نكثر، قال: الله أكثر. فقد أخبر الصادق المصدوق أنه لا بد في الدعوة الخالية عن العدوان من إعطاء السؤال معجلاً، أو مثله من الخير مؤجلاً، أو يصرف عنه من السوء مثله.
الجواب الثالث: أن الدعاء سبب مقتض لنيل المطلوب، والسبب له شروط وموانع، فإذا حصلت شروطه وانتفت موانعه حصل المطلوب، وإلا فلا يحصل ذلك المطلوب، بل قد يحصل غيره. وهكذا سائر الكلمات الطيبات، من الأذكار المأثورة المعلق عليها جلب منافع أو دفع مضار، فإن الكلمات بمنزلة الآلة في يد الفاعل، تختلف باختلاف قوته وما يعنيها، وقد يعارضها مانع من الموانع. ونصوص الوعد والوعيد المتعارضة في الظاهر-: من هذا الباب. وكثيراً ما تجد أدعية دعا بها قوم فاستجيب لهم، ويكون قد اقترن بالدعاء ضرورة صاحبه وإقباله على الله، أو حسنة تقدمت منه، جعل الله سبحانه إجابة دعوته شكر الحسنة، أو صادف وقت إجابة، ونحو ذلك - فأجيبت دعوته، فيظن أن السر في ذلك الدعاء، فيأخذه مجرداً عن تلك الأمور التي قارنته من ذلك الداعي. وهذا كما إذا استعمل رجل دواء نافعاً في الوقت الذي ينبغي، فانتفع به، فظن أخر أن استعمال هذا الدواء بمجرده كاف في حصول المطلوب، وكان غالطاً. وكذا قد يدعو باضطرار عند قبر، فيجاب، فيظن أن السر للقبر، ولم يدر أن السر للاضطرار وصدق اللجأ إلى الله تعالى، فإذا حصل ذلك في بيت من بيوت الله تعالى كان أفضل وأحب إلى الله تعالى. فالأدعية والتعوذات والرقي بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه، لا بحده فقط، فمتى كان السلاح سلاحاً تاماً والساعد ساعداً قوياً، والمحل قابلاً، والمانع مفقوداً -: حصلت به النكاية في العدو، ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير. فإذا كان الدعاء في نفسه غير صالح، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء، أو كان ثم مانع من الإجابة -: لم يحصل الأثر.

قوله: ( ويملك كل شيء، ولا يملكه شيء. ولا غنى عن الله تعالى طرفة عين، ومن استغنى عن الله طرفة عين، فقد كفر وصار من أهل الحين ).

ش: كلام حق ظاهر لا خفاء فيه. والحين، بالفتح: الهلاك.

  #5  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 04:12 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لمعالي الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)


القارئ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين , نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال العلامة الطحاوي رحمه الله تعالى:
والله تعالى يستجيب الدعوات ويقضي الحاجات، ويملك كل شيء ولا يملكه شيء، ولا غنىً عن الله تعالى طرفة عين، ومن استغنى عن الله طرفة عين فقد كفر وصار من أهل الحين , والله يغضب ويرضى، لا كأحدٍ من الورى.

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , أما بعد..،
فيقول الطحاوي رحمه الله: "والله تعالى يستجيب الدعوات ويقضي الحاجات" , يريد بذلك بيان بعض آثار ربوبية الله جل وعلا على خلقه، وأنه I خلق الخلق وهو ربهم مالكهم وسيدهم والمتصرف فيهم، وهو الذي يفيض عليهم من خيراته جل وعلا , وينزل عليهم من رحماته، فإذا احتاجوا فإليه الملجأ، وكما أنه جل وعلا يبتدئهم بالعطايا وينعم عليهم بأنواع النعم، فإنهم إذا سألوه ودعوه فإنه I يجيبهم؛ لأن ربوبيته لهم , وخلقه لهم يقتضي أن ييسر ما يحتاجون إليه.

وخصّ هنا إجابة الدعوات وقضاء الحاجات؛ لأجل خلاف طائفة من الفلاسفة وغلاة الصوفية ومن شابههم، لأجل خلافهم في هذا الأصل، وهو أنه لا حاجة للدعاء ولا حاجة للسؤال ولا طلب الحاجات؛ لأن كل شيء إما أن يكون مقدرًا من عند الله كقول الصوفية، فلا يؤثر فيه شيء، وإما أن يكون أثرًا لمؤثرٍ ومنفعلاً لفعلٍ كقول الفلاسفة أو غلاة الفلاسفة.

وههنا مسائل:

الأولى:
الله جل وعلا في القرآن ذكر كثيرًا إجابته للدعاء وللسؤال وإعطاءه، كقوله جل وعلا: ] وَقَالَ رَبُّكُـمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [ وأثنى الله جل وعلا على الأنبياء بأنهم يدعون الله جل وعلا خوفًا وطمعًا، وبيّن جل وعلا أنه يجيب دعوة المضطر فقال سبحانه: ] أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ [ , بل بيّن جل وعلا أنه أجاب دعاء إبليس؛إذ قال سبحانه: ] قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ [ , وبيّن جل وعلا أنه ربما أجاب دعاء أولياء الشيطان والكفرة فقال سبحانه: [فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الْفُلْكِ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ له الدين فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ]· ونحو ذلك من الآيات كقوله: ] وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ [.

وهذا منوع في القرآن كثيرًا، في أن الله سبحانه خلق الخلق جميًعا , [فهو] رب المؤمن ورب الكافر، وربوبيته للكافر تقتضي إعطاءه، وربوبيته للمؤمن تقتضي إعطاءه، وهكذا , فربما أعطى المؤمن فكان في حقه نقمة، وربما أعطى الكافر فكان في حقه عذابًا ونعمة، فهم يسألون والله جل وعلا يجيب الداعي، ويجيب المضطر إذا دعاه.
وقضاء الحاجات أيضًا يبتدئه الرب جل وعلا ويعطي عبده إذا سأله قضاء حاجة، قال سبحانه: ] يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ [ , وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال من حديث سلمان: ((إن الله حيي ستير، يستحيي من [عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صغرًا خائبين)) رواه أبوداود] والإمام أحمد وجماعة بإسناد صحيح، وأيضًا جاء في سنن ابن ماجه وعنده غيره [أنه r قال]: ((من لم يسأل الله يغضب عليه)) وفي إسناده نظر، وأيضًا صح عنه r أنه قال: ((إن الله ينزل آخر كل ليلة [إلى السماء الدنيا فينادي: هل من داع فاستجيب له؟]* هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟)) , وهذا يدل على أن الرب Y يقضي حاجات العباد، ويفيض عليهم من الخيرات، وهو سبحانه الذي دعا إلى دعائه وهو الذي يجيب، وهذا يدل كما سيأتي على أن الدعاء سبب من الأسباب العظيمة النافعة، التي جعلها الله جل وعلا سببًا.

المسألة الثانية:
مخالفة من خالف، ولأجلها أورد الطحاوي هذه الجملة من غلاة المتصوفة، وطائفة من الفلاسفة، هؤلاء يقولون: الدعاء لا حاجة إليه , وسؤال الرب جل وعلا قضاء حاجة العبد، لا حاجة إليها , وعللوا ذلك بأمرين:

الأول: أنه سبحانه قدر الأشياء وجعل لكل أمرٍ سيحصل قدرًا مقدورًا، فإذا كان مقدرًا فسيقع، وإن لم يكن مقدرًا، قالوا: فلن يقع، فإذًا لا حاجة إلى الدعاء، ولا فائدة منه.

والثاني: أنهم قالوا: إن الله جل وعلا عوّد خلقه وسنة الله فيهم، على أنه يعطيهم ما يحتاجون، ولم يجعل قلوبهم معلقة بـ هل يأتي الأمر أم لا يأتي؟ فتمام إخلاص القلوب عندهم أن ترضى بما هي عليه من الحال، وأن تنتظر إفاضة الله جل وعلا لما يريده، ولما يعطيه. وهذا عندهم هو مقام الصديقين والعارفين والأولياء.

وهذا الذي [ذكروه لاشك أن باطل وأن أهله انقرضوا] إلا ما ندر , بحيث إنه لا يوجد الآن فئة تنسب إليهم هذه المقالة، وسبب ذلك أن الرد عليهم وبيان بطلان ما قالوا واضح بيّن، في أن التعليل الأول الذي ذكروه، وهو أنه لا حاجة إلى الدعاء؛ لأنه إما أن يكون مقدرًا [أو لا يكون مقدرًا] , فيجاب عليهم ويرد على ما قالوا بأن الله جل وعلا أناط أشياء كثيرة جداً، بل أناط أكثر ما يوجده في خلقه بالأسباب المقتضية لمسبباتها، فأناط إخراج الولد وانعقاد الحمل بأن (غير مسموع) الرجل على المرأة: ] يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ [ , لكن لا يهب إلا بسبب.
وكذلك قدر جل وعلا أن فلانًا يمرض , لكنه لم يقدر هذا المرض إلا غالبا بسبب , وكذلك هو جل وعلا جعل فلانا عالمًا وقدّر ذلك، لكن لا يكون إلا بسبب هو أن يتعلم، كما قال عليه الصلاة والسلام: ((إنما العلم بالتعلم)).

فإذًا قول غلاة الصوفية هو مصير منهم إلى نفي الأسباب ونفي النظر إليها، وأن الأمور بجبر وليست منوطة بأسباب، بل الله جل وعلا يُجبر الأشياء على أن تكون على وفق ما يراد , دون أن يرتبط شيء بسببه , وهذا لا شك قدح في العقل؛ لأنه إلغاء لما يدركه كل عقل من أن الشيء منوط بسببه في جملة الأسباب التي أناط الله جل وعلا بها إيقاع ما قدّر الدعاء، وكون العبد يدعو الله جل وعلا يكون الدعاء سببًا في حصول ما قدّر الله جل وعلا، فيكون ما قدره الله جل وعلا لا يقع إلا بعد وجود السبب، كما أن الحمل لا ينعقد إلا بعد وجود السبب.
بل الدعاء في الحقيقة أعظم أنواع الأسباب؛ لأن به يحصل إمداد الله جل وعلا في كل شيء , ونفع الرب جل وعلا بكل سبب يعمله العبد , فالدعاء أعظم أنواع الأسباب.

أما الثاني: فإن [قولهم] ذاك مبني على أن حالة [النبي] عليه الصلاة والسلام وحالة الصحابة رضوان الله عليهم ليست هي الحالة الكاملة، بل كيف ينظرون إلى فعل النبي عليه الصلاة والسلام في أحواله كلها؟ وأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يترك الدعاء لنفسه ولأهله ولأمته عليه الصلاة والسلام، بل أرشد الصديق وعمر إلى أن يعظموا الرجاء والدعاء، وهذا يدل على أن حال الكاملين، يعني يتعرضوا بدعاء الله جل وعلا , فكم دعا النبي عليه الصلاة والسلام من دعاء في صلاته في آخر الليل، وفي أوقات الإجابة عليه الصلاة والسلام , [وهذا الآن] أعرف الناس وأعلم الناس بربه Y وتقدست أسماؤه.

أما قول الفلاسفة، فالفلاسفة أنواع: منهم من يوقن بنفع الدعاء، لكنهم يقولون: إن الدعاء ينفع؛ لأنه يؤثر فيما عقدته الأفلاك؛ لأن عندهم أن الأثر للفلك الثامن الذي يؤثر في مجموعة الأفلاك، فينقل فيها التأثيرات التي تؤثر على سلوك أهل الأرض وما يكون في الأرض , ومنهم من يقول: الدعاء أصلاً لا ينفع؛ لأن الأمور بنظام وكل شيء يقع على مقتضى الطبيعة، والدعاء ليس سببًا طبيعيًا , وهذا قول الملاحدة منهم، وظاهر فيه أنهم لا يؤمنون بحال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

المسألة الثالثة:
دعاء العبد لله جل وعلا وتضرع العبد عند الله جل وعلا فيه أمور:

الأول: أنه تعرض لرحمة الله جل وعلا ولآثار ربوبيته، فهو I يعطي من سأله ويجيب من دعاه جل وعلا؛ لأنه هو الرب , ولهذا قد يعطي الله جل وعلا الكافر، كما أجاب دعاء إبليس، قد يمرض الكافر فيسأل الله جل وعلا فيشفى، وقد يتعرض الكافر لمصيبة فيسأل الله جل وعلا أن يكفيه شرها فيجاب، بل يأتي المشرك والخرافي والمشرك المتعلق بالأموات، فيأتي عند القبر بقلبٍ مضطر , فيسأل الله جل وعلا بصاحب هذا القبر، أو يسأل الله جل وعلا ثم يسأل صاحب القبر، فيجاب الدعاء لما قام في قلبه من الاضطرار لله جل وعلا , ويكون في حقه في ابتلاء ويكون أيضًا فتنة للآخرين.

فإذًا العطاء لا يقتضي الرضا عن المُعْطَى، وإجابة الدعاء لا تقتضي الرضا عمن أجيب دعاه، فهذا إبليس أجيب دعاه وقد دعا بأعظم دعوة عنده، وهي أن يطول عمره حتى يكون إلى يوم القيامة: قَالَ رَبِّ أَنظِرْنِي، يعني أمد في عمري ] إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [: إلى أن ينتهي تكليف ابن آدم وأبنائه، فأعطاه الله جل وعلا هذا السؤال الذي لم يعطه نبيًا من الأنبياء في إطالة العمر إلى هذا الحد , وهذا كما أعطى الكفار بعض ما سألوا، وكما يعطي بعض من يعبدون المسيح، أو يعبدون عزيراً، أو يعبدون غير الله , فيعطيهم لأمر لا لأجل كفرهم، ولكن لحكمة يعلمها الله، أو لأجل اضطرارهم , أو لأن هذا الإعطاء أصلاً من مقتضيات ربوبيته جل وعلا لهم، وهم بحاجة إليه , والله هو الذي خلقهم وجعل لهم قدرًا مقدورًا.

الأمر الثاني: أن الدعاء فيه إثبات لصفات كثيرة من صفات الرب جل وعلا، فمن دعا الله جل وعلا بحق فإنه يستحضر إذ دعا، ولو لم يستحضر فإن هذا متضمن لدعائه؛فإنه موقن بوجود الرب جل وعلا , هذه صفة، والثانية بأنه I يسمع دعاءه مع أنه في عليائه جل وعلا، وهو يهمس همسًا لا يجهر , وهو يعتقد أن الرب جل وعلا سميع لدعائه، ويوقن أنه جل وعلا وهي الصفة الثالثة , أنه قدير على إجابة دعاه، ويوقن أيضًا وهي الصفة الرابعة أنه I غني يعطي بغير حساب، ويوقن أيضًا وهي الصفة الخامسة أنه جل وعلا رحيم بعباده؛فإن سؤال الرب جل وعلا تعرض لآثار رحمته I، وكذلك يوقن وهي الصفة التي بعدها بأنه I حي، وهكذا.
فمن تأمل دعاء العبد نظر في أن في دعاء العبد أنواعًا من إثبات الكمالات للرب جل وعلا، ولذلك يضعف التوحيد إذا ترك العبد دعاء ربه جل علا، فكلما قلّ الدعاء قلّ تعلق العبد بالله جل وعلا؛ لأن آثار التوحيد على النفس والنور الذي يقذف في القلب من آثار التعلق بالله جل وعلا يضعف شيئًا فشيئًا.

الثالث مما يتعلق بالدعاء: الله جل وعلا في إجابة الدعاء، وفي إعطاء الحاجة التي سُئلت جعل لذلك شروطًا وجعل لذلك موانع؛ فإن العبد قد يسأل ولا يُعطى، وقد يدعو دعاء سؤال ولا يُستجاب له في عين ما سأل؛ لأنه لم تكتمل الشروط في حقه أو قام مانع من الموانع، وهذا يتضح بمسألةٍ تأتي.

الرابع من المسألة الثالثة: أن إجابة الدعوات وقضاء الحاجات ليس دليلاً على شيء، وإنما هو من جنس مطلق الإعطاء، فكما أن الله جل وعلا جعل هذا على صفة، وهذا على صفة، وهذا على صفة، فإنه سبحانه يعطي هذا ويعطي هذا ويعطي هذا، فقد - كما ذكرت لك - يعطي الكافر ويعطي المبتدع ويعطي الفاسق ويجيب دعاء هذا وهذا، وربما هذا بأكثر وهذا بأكثر , لكن يمتاز المؤمن والعبد الصالح وولي الله جل وعلا أن يكون جواب الله جل وعلا له وإعطاؤه لسؤاله، يعني إعطاءه لما سأل، عن محبة ورضا، فيكون في حقه نعمة , ولا يكون في حقه نقمة أو ابتلاء، وهذا هو الذي جاء في حديث الولي حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((قال الله تعالى: وما....
الشيخ:... رده عليه)) , إلى أن قال: ((ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به , وبصره الذي يبصر به , ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه)) هذا عطاء محبة , ((ولئن استعاذني لأعيذنه)) هذه إعاذة محبة ورضى.

المسألة الرابعة:
قال بعضهم: إن الله جل وعلا ربما لم يعط العبد سؤاله , فيدعو العبد ولا يُعطى. وهذا الكلام صحيح، لكن له أسباب:

الأول: أن الله I قال: ] وَقَالَ رَبُّكُـمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [، وقال: ((من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له)). وإجابة الدعاء عام يشمل إجابة دعاء العبادة وإجابة دعاء المسألة، أما إجابة دعاء العبادة فهو بالإثابة، وأما إجابة دعاء المسألة فهو بالإعطاء , ولهذا في آية سورة غافر قال جل وعلا: ] وَقَالَ رَبُّكُـمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [ , ورجح طائفة من أهل العلم أنها في الدعاء الذي هو العبادة , ] ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ يعني اعبدوني أثبكم , ] إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [.

والنوع الثاني: الذي هو دعاء المسألة , ويكون استجابة دعاء المسألة بإعطاء العبد ما سأل , وهذا يعم إجابة الدعاء، يعم إعطاء العبد ما سأل , أو ما هو في مقام إعطائه ما سأل من صرف السوء عنه , ولهذا قال العلماء: إن العبد إذا دعا الله جل علا ولم يُعط ما سأل فإن لهذا عدة تعليلات.

الأول منها: أنه يُصرف عنه من الشر بمثل ما سأل؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام كما روى مسلم في الصحيح قال: ((ما من عبد مسلم يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يصرف عنه من الشر مثلها، وإما أن تدخر له يوم القيامة))، وهذا يعني أن دعاء العبد المؤمن لا يضيع، بل يستجاب، لكن ربما استجيب بثوابٍ يوم القيامة، وربما استجيب بعطاء، وربما استجيب بصرف الشر عنه.
والله جل وعلا أعلم بما يصلح العبد في دنياه وفي آخرته , قد يكون حاجته، حاجة العبد المؤمن للحسنات في الآخرة أعظم من حاجته لما سأل في هذه الدنيا، فيدخر له ما سأل يوم القيامة، وهذا من أعظم لطف الله جل وعلا ورحمته بعبده، وعنايته بعبده Y وتقدست أسماؤه , سبحان ربنا لا نحصي ثناءً عليه.

التعليل الثاني: أنه كما ذكرنا , أن الدعاء يكون له شروط وله موانع، فقد يكون العبد في دعائه أتى بمانع من الموانع من إجابة الدعاء، كما قال عليه الصلاة والسلام: ((ما من عبدٍ مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم)) قطيعة الرحم معروفة، والإثم قد يكون منه الاعتداء في الدعاء؛ لأن الله جل وعلا نهى عن الاعتداء في الدعاء فقال سبحانه: ] ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [، يعني: المعتدين في الدعاء وأيضًا المعتدين في غيره , فالاعتداء لا يحبه الله جل وعلا، فالاعتداء في الدعاء إثم وله صور كثيرة؛ فقد يدعو العبد ويعتدي في الدعاء ويزيد في أدعيته , أو يأتي بأشياء ليست من الأدب مع الرب Y، فيكون مانعًا من إجابة الدعاء لإثم وقع فيه في الدعاء , أو لإثمٍ وقع فيه في سلوكه؛ فإنه صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه))، وهذا يكون مانع، أيضًا هناك شروط للدعاء من الآداب فيه فلابد من توفرها.

التعليل الثالث: أن حديث النبي عليه الصلاة والسلام في نزول الرب جل وعلا آخر الليل، أو في النصف الأخير من الليل، أو في الثلث الأخير من الليل على اختلاف الروايات، رتب مسألة الدعاء على ثلاث درجات، فقال عليه الصلاة والسلام: ((إن الله ينادي، هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مُستغفرٍ فأغفر له؟)) , ومغفرة الذنب أخص من إعطاء السؤال، وإعطاء السؤال أخص من إجابة الدعاء , فلهذا رتبها عليه الصلاة والسلام على هذه الثلاث درجات، يعني في الحديث، فالله جل وعلا جعلها ثلاث مراتب، ينادي من يدعو، والدعاء يعم السؤال ويعم غيره كما أوضحت لك، أو من يسأل , ثم من يستغفر، فهذه مراتب ثلاث.

فإذًا ليس كل سؤال استغفار، وليس كل دعاء سؤال، وهذا يعني أن إجابة الدعاء التي وعد الله جل وعلا بها عباده ] وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [، هذا يعم كل ما يحتاجه العبد في عبادته وفي دنياه , وأيضًا ما يحتاجه ثوابًا على العبادة، وإعطاءًا للسؤال.

المسألة الأخيرة الخامسة:
إذا كان الله جل وعلا يستجيب الدعاء ويقضي الحاجة ويعطي السائل، فإن مما ينبغي على العبد أن يتأدب به أن يعد للدعاء عدته، وأن يجتهد في حسن المسألة , ولهذا أحسن أمير المؤمنين عمر t أيما إحسان إذ أرشد الأمة إلى قوله: "إني لا أحمل هم الإجابة، ولكن أحمل هم الدعاء، فإذا وفقت للدعاء جاءت الإجابة" , وهذا من أعظم الكلام الذي قاله عمر t، ومن أحسنه؛ لأنه لا يدل عليه في بيانه ولا في تصويره لهذه المسألة من كلام الصحابة بمثله.
لهذا ينبغي على العبد إذا أراد أن يدعو أن يعلم أنه إنما يدعو مالك الملك الذي خلقه، الذي هذه الأرض قبضته يوم القيامة، ] وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [ , الذي عنده مفاتح الغيب , لا يعلمها إلا هو , فيعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها , ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ مبين، الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، الذي يعلم السر وأخفى، الذي يطلع على خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

لهذا ينبغي على العبد المؤمن أن يعد للدعاء عدته , كما قال عمر t: "إني لا أحمل هم الإجابة، ولكن أحمل هم الدعاء , فإذا وفقت للدعاء جاءت الإجابة" , لهذا يحسن بالداعي أن يجتهد في دعائه وأن يُحضِّر له، أن يستعد في تحسينه؛ لأنه سيدعو ويرفع يديه لله جل وعلا , وخاصة إذا كان الدعاء في موقعٍ من مواقع العبادة العظيمة، كحال السجود , إذا لم يدع بما أثر عن النبي r الذي هو جوامع الكلم في الدعاء، فإنه لابد أن يستعد ولا يدعو بإثم، أو يجتهد فيتساهل في هذا الأمر.

كذلك في موقع خطبة الجمعة؛ فإنه ينبغي له أن يعد العدة فيما يدعو به، إذا دعا بشيء لم يؤثر , وكذلك في قنوته كل ليلة، أو في سجوده، أو في صلاة التراويح , من الأئمة الذين يقنتون بالناس؛ فإنهم ينبغي لهم أن يعلموا أن إجابة الدعاء منوطة بحسن الدعاء، فمن أحسن الدعاء رجي له الإجابة، أما أنه يدعو بما خطر على باله ويتعدى في ذلك وهو ليس بمحسن ويأتي بكلامٍ كثير، ربما يكون فيه اعتداء في الدعاء وهو لا يشعر فيأثم، ويأثم من خلفه , وربما لم تستجب دعواتهم بعموم أنواع الاستجابة التي ذكرنا، فهذا مما ينبغي التنكب عنه والبعد عنه.

لهذا هذه المسألة عظيمة , فالدعاء أثر من آثار الإيمان وبه تستمطر الرحمات من الرب Y , ولهذا أعدوا له عدته، ولا يكن المرء متسغنيًا عن فضل الله جل وعلا، لابد من الإلحاح في الدعاء، الاضطرار في أوقات الإجابة، كل أحد له حاجة , كل أحد له حاجة , فإذا أحسن السؤال جاءت الإجابة , أسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم ممن تجاب دعواتهم وتغفر زلاتهم، إنه سبحانه جواد كريم.

قال بعد ذلك: "ويملك كل شيء ولا يملكه شيء" , يريد بذلك أنه I هو المتفرد بأنه يملك كل شيء، فما من شيء إلا والله جل وعلا ربه وهو مالكه وهو سيده المتصرف في شؤونه، وكذلك هو I لا يملكه شيء ولا يؤثر في ملكه شيء I إلا بإذنه، فهو الواحد الأحد في ملكه الرب وحده , والعباد محتاجون إليه في ذلك , وهذه الجملة واضحة في تقرير بعض أفراد الربوبية التي تجهل العبد يقبل على ربه في الدعاء، فهو سبحانه يقضي الحاجات؛ لأنه يملك كل شيء ولا يملكه شيء I، والعبد يدعو ربه؛ لأنه يعلم أن الله يملك كل شيء ولا يملكه شيء I.
وهذا يدلك على عظم شأن الرب Y , وعلى أنه هو المتفرد بتصريف الأحوال على التفصيل والإجمال.

قال بعدها: "ولا غنى عن الله تعالى طرفة عين، ومن استغنى عن الله طرفة عين فقد كفر وصار من أهل الحين" , لا غنى عن الله تعالى طرفة عين: يعني أن العبد في طرف عينه وحركة عينه لا يستغني فيها عن الله جل وعلا؛ لأنه إنما حرك عينه برحمة الله وبفضله وبإمداده وبإعطائه I، فلا يستغني عن الله طرفة عين، هذا مأخوذ من قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين))، وهذا إذا وكله إلى نفسه طرفة عين فمعناه أنه استغنى , قال: "ومن استغنى" هذا حكم "عن الله طرفة عين فقد كفر وصار من أهل الحين"؛ لأنه استغنى عن الله جل وعلا , ورأى أنه يقتدر وأنه ليس بحاجة إلى الله جل وعلا , وهذا كما صنع إبليس اللعين؛ فإنه استغنى فكفر وتكبر، فاستحق الكفر والخلود في النار , استغنى عن الله , استغنى معناها كان في غنى، وليس معنى استغنى طلب الغنى، فاستغنى يعني من كان في غنى عن الله طرفة عين فقد كفر؛ لأن كلمة استغنى ليس فيها الطلب، فالأصل في السين والتاء الطلب، إلا في مسائل.

ومن أهل العلم من يقول: إنه لا قاعدة في السين والتاء أنها للطلب، لكن يقال: الأكثر في مجيئها أنها للطلب , وقد تأتي لبيان تمكن الصفة من الموصوف، فقول الله جل وعلا في سورة التغابن: [ وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ هو الغَنِيّ الحمِيد ]* استغنى الله: يعني غني الله فصارت صفة الغنى له صفة كمال له , الغنى الكامل الذي لا نقص فيه من وجه من الوجوه؛ لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى , وهنا في قوله: "ومن استغنى" يعني ليس معناه من طلب الغنى، معناه كان في غنى. من استغنى عن الله، يعني: كان في غنى عن الله طرفة عين، فقد كفر وصار من أهل الحين.
والحين هنا بمعنى الهلاك؛ لأنه صار متوعدًا، بل صار من أهل العذاب؛ لأنه كفر والعياذ بالله.
هذه كلها يريد منها الطحاوي رحمه الله بيان آثار ربوبية الله جل وعلا , وتعلق القلب بالله I.
نقف عند هذا، والجملة القادمة تحتاج إلى تفصيل طويل، "والله يغضب ويرضى لا كأحدٍ من الورى"؛ لأن لها تعلق بالصفات الاختيارية وبمسائل كثيرة فيما ذهب إليه أهل البدع، في الصفات الاختيارية وصفات الأفعال، يأتي بيانها إن شاء الله تعالى. نجيب على بعض الأسئلة، سؤالين أو ثلاثة:

سؤال: يقول: ما الفرق بين قيام الحجة وبين فهم الحجة؟ وهل من لم يفهم الحجة يؤاخذ على ما لم يفهمه؟ أفدني.
جواب: ذكرنا الفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة في أجوبة أسئلة، وكذلك فصلناه في كشف الشبهات، فأنا أريد الأخ السائل أنه يرجع إلى شرح (كشف الشبهات)؛ ليستفيد أولاً، ثم ينظر إلى هذا الموضع.

وخلاصة الكلام أن فهم الحجة ليس بشرط، وأما قيام الحجة فهو شرط في التكفير ووقوع العذاب , وفهم الحجة يراد منها يعني الذي ليس بشرط , يراد منه أن يفهم أن هذه الحجة أرجح مما عنده من الحجج، المهم أن يفهم الحجة ودلالة الحجة من كلام الله جل وعلا وكلام رسوله r، وأن يبيّن له بطلان الشبهة التي عنده، وليس من شرط قيام الحجة أن يفهم فهم الحجة، أن يفهم الحجة كفهم أبي بكر وعمر والصحابة الذين نور الله قلوبهم، ولا من نور الله قلبه ممن تبعهم بإحسان؛ لأنه لو قيل بفهم الحجة هنا صار لا يكفر إلا من عاند، يعلم أن هذه الحجة , ويفهم الحجة ويفهم أنها صحيحة ويفهم أنها راجحة، ومع ذلك لا يستجيب , فهذا يعني أنه معاند.

والله جل وعلا بيّن في القرآن أن منهم من لم يفقه أصلاً، كقوله جل وعلا: ] وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ [، يعني: أن يفهموه، فهم الحجة كما فهمها من أراد الله جل وعلا هدايته , وهناك قسم آخر من فهم الحجة (اللي) هو فهم اللسان، فهم اللسان هذا لا بد منه ] وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [، فلابد أن يفهم وجه الحجة باللسان الذي يتكلم به، لكن يفهم إن حجته هذه أرجح من الحجة هذه أرجح من الحجة التي عنده، أو أنها أقوى من الشبهة التي عنده ونحو ذلك، هذا ليس بلازم، المهم أن توضح بشروطها الكاملة , وهذا يقوم به العلماء.

وتختلف مسألة قيام الحجة وفهم الحجة بحسب نوع الشبهة التي تعرض، فمسائل مثلاً الاستغاثة بالله جل وعلا ليست في قيام الحجة، الاستغاثة بالله جل وعلا وحده، وأن الاستغاثة بغيره شرك أكبر ليست في قيام الحجة , وفي مسألة فهمها مثل مسألة طلب الشفاعة من النبي عليه الصلاة والسلام، هذه مسألة ربما حصل فيها نوع اشتباه عند من لم يعلم، وتلك واضحة بيّنة.
فإذًا مسألة قيام الحجة تختلف باختلاف نوع قيام الحجة , وكيف تقام الحجة؟ وبما تقام , تختلف بما يبيّن المسألة إلى آخره.

سؤال: هل يستدل بفعل العالم لفعلٍ معين في مسألة ما على أن ذلك الفعل هو مذهبه الذي يقول به؟
جواب: لا يدل على ذلك، فالفعل له احتمالات كثيرة , وأيضًا الفعل قد يكون عن غفلة، لكن إذا لازم الفعل , إذا لازمه فإن هذا يدل على أنه مذهب له، لكنه إذا فعله أحيانًا فربما - العالم بشر - ربما يأتيه من الشواغل ما يجعله لا يلتزم بالسنة في بعض المواضع، أو يعمل شيئًا , وهو لا يستحضر الحكم فيه تمامًا، يعني وهو يفعل ذاهل ونحو ذلك، فهذا يعرض لكل أحد، فالعالم فعله ليس بحجة إلا إذا التزمه، إذا التزمه يدل يعني لا نقول ليس بحجة , لكن ليس بمذهب له، إلا إذا التزمه فإذا التزمه دل على أنه يذهب إلى هذا القول.

سؤال: هل يجوز أن يدعى بقول قائل: يا مجيب دعوة نوح أجب دعائي؟
جواب: هو سأل الله جل وعلا وتعرض لذلك، فلا بأس.

سؤال: وهل يجوز نحو ذلك بقول القائل: يا مجيب دعوة إبليس أجب دعائي؟
جواب: هذا خلاف الأدب، فكونه ما يدعو إلا بهذا، هذا يدل على سوء أو على جهل أن هو يتعرض لما يناسب أن يجيب الدعاء، ودعوة إبليس أجيبت ابتلاء وامتحان وضلال له، ليعظم إثمه وإضلاله للخلق , فيكون أعظم في عذابه، هذا من الاعتداء في الدعاء ومن عدم الأدب مع الله جل وعلا.

سؤال: هل القول: إن العمل شرط في صحة الإيمان صحيح؟ وإذا كان غير صحيح نرجو ذكر السبب , وكذلك قول: إن العمل شرط في كمال الإيمان؟
جواب: ينبغي إيضاح مسألة، وأنا أوضحتها لكم عدة مرات وفي شرح الطحاوية أيضًا فصلنا الكلام فيها.. في الواسطية , كلمة شرط لا يدخلها أهل السنة في الكلام على مسمى الإيمان، الإيمان له حقيقة، وحقيقته التي يقوم عليها هي أركانه، وليست شروطًا، الشرط يسبق المشروط، الشرط يسبق , أما الأركان فهي ما تقوم عليه حقيقة الشيء، إذا ما قامت الأركان ما قامت حقيقة الإيمان، فالإيمان قول وعمل، قول اللسان، تصديق الجنان، عمل الأركان، هذه أركان للإيمان؛ القول والعمل والاعتقاد، وليست شروطًا؛ لأن الشروط خارجة عن المسمى.

والسلف أجمعوا على أن مسمى الإيمان الاعتقاد والقول والعمل، وبه تميزوا عن باقي الفرق الأخرى , لهذا إدخال كلمة شرط تدل على عدم فهم حقيقة معنى الركن وحقيقة معنى الشرط قبل أن يبحث هل هو شرط كمال أو شرط صحة؟ هذا ليس بحثًا صحيحاً؛ لأنه عندنا أن الإيمان، العمل ركن الإيمان، عند الخوارج العمل شرط في صحة الإيمان، عند المعتزلة أنه شرط في الصحة، عندنا ليست كذلك، بل العمل ركن من الأركان , إذا نظرت إلى أنواع الحكم التكليفي والحكم الوضعي، وماهية الأسماء، ماهية المسميات التي تدل على الأسماء، بان لك أن الركن هو ما يقوم عليه الشي، يعني لا يمكن أن يتصور الشيء إلا به، والشرط هو مصححٌ للأركان، كيف؟

الآن خذ مثلاً البيع، البيع , ما أركان البيع؟ هل تحفظها؟ أركانه كذا وكذا حفظًا، لا هي متصورة؛ لأن الركن هو ما تقوم عليه حقيقة الشيء , بدونه لا يمكن أن يقوم هذا الشيء، يعني يقوم مسماه، في البيع مثلاً إذا قيل لك: ما أركان البيع؟ ماذا نقول؟ نقول: أركان البيع (إيش؟) لابد من بائع وإلا كيف من (اللي) يبيع؟ ولا بد من مشتري، صحيح! ولا بد من مثمن، شيء يقع عليه البيع، ولا بد من صيغة تبادل، بعتك، شريت… إلى آخره، لكن الأخ قال: ثمن، هل الثمن من الأركان؟

ممكن أن يقع البيع، يعني صورة البيع تقع بلا ثمنٍ موجود، يكون الثمن غير موجود، أو يكون… إلى آخره، فالثمن من مقتضيات البيع، لكن ليس ركناً، المهم المثمن الذي يقع عليه البيع , السلعة التي تبايعوها , إذا أتينا للشرط؛ شروط البيع، شروط البيع (إيش؟) هي مصححات هذه الأركان.
يعني مثلاً تقول: البائع، إذا قلنا الشرط، الشرط ما معناه عند أهل العلم؟ شرط يصحح أن يكون هذا الركن شرعياً , فالبائع ما شرطه ليكون تصرفه شرعياً؟ أن يكون أهلي التصرف إلى آخره , طيب المثمن، السلعة ما شرط هذا الركن ليكون هذا ما لم يقع عليه المعاملة، يقول لك: اشترطوا (إيش) له؟ أن يكون (إيش؟) معلوماً أن يكون له مالية , ما يكون محرما… إلى آخره، أن يكون مباح النفع من غير حاجة… إلى آخره.
إذاً فالشروط خارجة عن حقيقة الشيء , وإنما هي لتصحيح الشيء.

خذ مثالاً آخر: الصلاة الآن حقيقة الصلاة تقع بالأركان، أركان الصلاة هل هي خارجة عنها أو فيها؟ هل فيه ركن للصلاة خارج عنها؟ كل الأركان في داخله ابتداءً من تكبيرة الإحرام وانتهاءً بالتسليمة، كلها في داخل مسمى الصلاة , لكن الشروط؟ فيجيء لاستقبال القبلة قبل نأتي (إيش) للطهارة، قبل نجيء للبقعة، يعني فيه أشياء قبل، وهناك النية تكون مستصحبة… إلى آخره.
فإذاً في مسألة الإيمان , وأنا أوضحت لكم هذه فيما سبق، لكن تأكيداً عليه، الذي يتكلم في الإيمان وإذا تكلم عن العمل أتى بكلمة شرط، فإنه لم يفهم مذهب السلف؛ لأن الشرط لا يمكن أن تقول: الإيمان قول وعمل، وتقول: العمل شرط، كيف يكون الإيمان قول وعمل، ويكون العمل شرطا؟ الشرط خارج عن الحقيقة , فإذا كانت حقيقة الإيمان قول وعمل باتفاق السلف بالإجماع، بإجماع السلف، حتى إن البخاري رحمه الله ذكروا عنه أنه لم يرو في كتابه لمن لم يقل: الإيمان قول وعمل، إذا كان الإيمان قول وعمل، معنى هذه حقيقة الإيمان، فكيف يجعل العمل شرطا؟ فإذا جعلنا العمل شرطاً معناه، أخرجناه من كونه ركناً وجعلناه شرطاً للقول، أو شرطاً للاعتقاد , فإما أن ندخل في مذهب المرجئة، أو ندخل في مذهب الخوارج والمعتزلة.
وهذه مسائل مهمة , وتبين لك ضرورة الاتصال بعلم الأصول، أصول الفقه وتعريفات الأشياء حتى يفهم معنى اللفظ ودلالته، وهذا كتفصيل للإجمال الذي به غلَّطنا المحشي الطحاوية على حاشيته.

سؤال: بينوا لنا الفرق بين المشيئة والإرادة , وهل تعلقهما واحد؟ أم ثم تفريق بين الكوني والشرعي؟
جواب: هذا سؤال جيد، ويدل على إدراك في العلم إن شاء الله تعالى. المشيئة مشيئة الله جل وعلا غير الإرادة من جهة أن الإرادة تنقسم إلى قسمين، والمشيئة نوع واحد، فمشيئة الله جل وعلا في النصوص واحدة، وتفسر بما يشاؤه كوناً، يعني بما يريده كوناً، بما يأذن به جل وعلا أن يحدث في ملكوته كوناً، أما الإرادة فلها قسمان في ألفاظ أخر جاءت في الشريعة , مثل الإذن والكتابة والقضاء والأمر... إلى آخره، فالإرادة منها إرادة كونية، ومنها إرادة شرعية.
الإرادة الكونية لا تعلق لها , وهي المشيئة , لا تعلق لها بمحبة الله جل وعلا وبرضاه، يعني يريد كوناً ويشاء كوناً مما شاءه أشياء يحبها جل وعلا ويرضاها، ومما شاءه أيضاً وأراده كوناً أشياء يكرهها الله جل وعلا , لكن أذن بها في ملكه لحكمة.
أما الإرادة الشرعية فهو جل وعلا لا يريد شرعاً، لا يأذن شرعاً، إلا بما يحبه ويرضاه، فالله I لا يرضى لعباده الكفر، ولذلك لا يريد الكفر شرعاً، وإن أراده وشاءه كوناً وهكذا.

سؤال: يقول: هل تعلقهما واحد؟ أم ثم تفريق بين الكوني والشرعي؟
جواب: تعلق مختلف؛ لأن الإرادة الكونية تعلقها بما يكون، يعني تعلقها بالحكم، بالخلق والإرادة الكونية , تعلقها بالأمر وبما شرع، والله I فرق ما بين الخلق والأمر، فقال: ] أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [ فالخلق هذا تعلق المشيئة والإرادة الكونية به , والأمر تعلق الإرادة الشرعية به، ولهذا يختلف هذا عن ذاك.
نكتفي بهذا القدر وأسأل الله جل وعلا لكم العلم والعمل والتوفيق لكل خير، ولأحبابنا جميعاً إنه جواد كريم.
سائل: السؤال والدعاء أحدهما أخص والثاني عام؛ لم أنتبه.
الشيخ: للدعاء.. الدعاء أعم؛ لأنه ينقسم إلى دعاء عبادة ودعاء مسألة، أما السؤال خاص بسؤال المسألة.

سؤال: هذا سؤال يقول: ما الفرق بين الدعاء والمسألة؟
جواب: الدعاء قسمان: دعاء عبادة ودعاء مسألة، معنى دعاء العبادة أنه يتعبد الله جل وعلا؛ ليرجو ثوابه، سميت العبادة دعاءً؛ لأن كل متعبدٍ يطلب بعبادته الثواب فهو طالبٌ ضمناً، من صلى هو في عبادة،كل مصلٍ سائل؛ لأنه يسأل الثواب ورضى الله جل وعلا عنه… إلى آخره، وإن لم يقل: اللهم ارض عني، اللهم أثبني… إلى آخره.
أما دعاء المسألة، وهو السؤال , فهو أن يرفع يديه ويقول: اللهم أعطني كذا، اللهم أسألك كذا، هذا يسمى دعاء المسألة.

والدعاء في القرآن فيما ورد في النصوص في القرآن والسنة تارةً يأتي بمعنى دعاء العبادة، وتارة يأتي بمعنى دعاء المسألة، وتارة يكون بما يحتمل هذا وذاك، فمما يحتمل هذا وهذا، أو يشمل الأمرين معاً كقوله في الآية التي ذكرتها لكم: ] وَقَالَ رَبُّكُـمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [، وكذلك قوله: ] وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [ ودعاء المسألة كقوله: ] فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الْفُلْكِ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [ دعوا هنا يعني (إيش؟) (مو) بعبدوا، معنى سألوا الله مخلصين في سؤاله، والسؤال من الدين وما خص به العبادة كقوله جل وعلا ] وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ [ فقوله هنا في الأولى {يدعون} وفي الثانية: {يعبدون} دل على أن معنى الدعاء هنا هو العبادة.

فإذاً في النصوص الدعاء ينقسم إلى قسمين: دعاء العبادة، ودعاء المسألة، ومعنى دعاء العبادة، يعني العبادات بأنواعها، ودعاء المسألة يعني السؤال، ] وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَداً [ هذا يشمل دعاء العبادة، ودعاء المسألة، وهكذا , وفقكم الله.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. نجيب عن بعض الأسئلة التي تأتي:

سؤال: يقول: سمعت حديثا: أنه لا يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة لم يذكروا الله تعالى فيها. فهل هذا التحسر مما ينافي النعيم , أو غير ذلك؟
جواب: (غير مسموع) لا يحضرني الحديث في تخريجه، وعلى القول أو على فرض ثبوته فإن التحسر في فوات المراتب العالية نقص، ولكنه ليس عذاباً؛ لأن الذي مُنع أهل الجنة من أن يكون عليهم هو العذاب , أما النقص في النعيم بأنواعه هذا حاصل؛ فإن نعيم أهل الجنة ليس بمرتبة واحدة ولا بمنزلة واحدة، يتفاوتون في النعيم البدني وفي النعيم البصري والسمعي، وكذلك في النعيم النفسي , يتفاوتون في ذلك بحسب مراتبهم، فإذا وجد تحسر فهذا نقص، يعني بمعنى فوت بعض النعيم، يعني يقولون: ليتنا عملنا، ذكرنا الله جل وعلا في كل ساعة؛ حتى تزيد أو ترتفع درجاتنا.

سؤال: يقول: عندما يتكلم العلماء على مسألة الزيادة والنقص في الإيمان يأتون بعبارات , مثل: إنه متبعض , وإنه متفاضل، وإنه يذهب بعضه ولا يذهب أصله، وأنه يذهب بعضه ولا يذهب كله، فهل هذه العبارات مقصودة؟ أم أنها تدل على مسألة الزيادة والنقص؟ أم أنها تدل على معنى زائد على الزيادة والنقص؟
جواب: الذي ينبغي على طالب العلم، إذا درس مسألة من مسائل العلم أن يبتدئ بأصول المسألة، ويستوعبها جيداً؛ لأن الأصول والمسائل الأولى في العلم أو في أي مسألة من المسائل، قبل الدخول في التفصيلات , هي التي عليها بناء هذا الباب، أو بناء هذه المسألة.
ولذلك قد يكثر طالب العلم من القراءة، فتدخل عليه مسائل في مسائل خاصة في العقيدة، ويشتبه عليه التأصيل بالتفريع، ويشتبه عليه المسائل التي هي عُقد، ويبنى عليه العلم من المسائل التي هي من الإيضاح، أو من اللوازم أو من الاستطرادات وأشباه ذلك.
الإيمان عند جمهور أهل السنة والجماعة يزيد وينقص، وزيادته دل عليها القرآن كما هو معلوم في قوله: ] زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [ , وفي قوله: ] زَادَهُمْ إِيمَاناً [ وفي قوله: [ ليَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُواْ إِيمَاناً ] *ونحو ذلك , وهذه الزيادة قال بها جميع أهل السنة , بأن الإيمان يزيد , هذا إجماع من أهل السنة، لكن هل ينقص؟ أم أنه يزيد ويقف ثم يزيد مرة أخرى؟
عامة أهل السنة، جمهور أهل السنة إلا ما ندر، يقولون: ما زاد فإنه ينقص؛ وذلك لأن سبب الزيادة وعلة الزيادة هي الإيمان، فدل على أن النقص علته، على أن النقص وسببه هو ضد شعب الإيمان التي هي المعاصي، فإذا عصى الله جل وعلا نقص إيمانه، وإذا عبد الله جل وعلا وتقرب إليه زاد إيمانه، وهذا يدل عليه أيضاً جمع من الأحاديث الصحيحة، منها قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)) , وفي لفظٍ عند الإمام أحمد: ((إذا زنى الزاني خرج منه الإيمان، فكان على رأسه كالظلة، فإذا ترك ونزع عاد إليه))، وهذا يدل على أن فعل المعاصي سبب في زوال بعض الإيمان، وهذا هو معناه النقص، فإذن...

الـوجـه الـثـانـي

... الإيمان يزيد وينقص، هذا هو قول أهل السنة، يعني عامة أهل السنة، أكثر أهل السنة، أو تقول: كل أهل السنة، إلا من ندر.
أما مسألة التبعض فهذه متصلة، يقولون: الإيمان متبعض , هذه متصلة بمسائل الزيادة والنقصان , ومسائل الأسماء والأحكام، يعني أن الإيمان ليس شيئاً واحداً , إما أن يأتي ويثبت كله، وإما أن يذهب ويزول كله؛ لأن هذا هو قول الخوارج ومن شابههم، في أن الإيمان شيء واحد، إما أن يوجد وإما أن يزول، هو شيء واحد , لا يقبل التفاضل، وكذلك المعين هذا من جهة الحكم، ومن جهة الأسماء؛ فإن من ارتكب المعصية فليس بمؤمن عندهم؛ لأنه ارتكب ما يذهب معه أصل الإيمان , فليس بمؤمن.
فإذاً مسألة التبعض أن الإيمان يزيد وينقص، يتبعض يذهب بعضه , لا يذهب أصله، هذه مسائل متعلقة بمذهب أهل السنة والجماعة في الإيمان، ثم التبعض له علاقة بالأحكام والتكفير والأسماء التي تطلق على مرتكب المعصية والكبيرة , فإذاً قولك في الأخيرة: هل تدل على مسألة الزيادة والنقص، أم تدل على معنى زائد على الزيادة والنقص؟ لا , هي تدل على معنى زائد، على الزيادة والنقص، لكن لها صلة بالزيادة والنقص؛ لأن منبع الزيادة والنقص ومنبع التبعض واحد، وهو أن الإيمان ليس شيئاً واحداً، وإنما الإيمان قد يأتي وقد يذهب، قد يزيد وقد ينقص بحسب الحال.

سؤال: يقول: قرأت كتاباً لأحد العلماء المعاصرين، يقول فيه: إن الوجه , وجه الرحمن صفة ذاتية زائدة فما المقصود بقوله: زائدة؟
جواب: لا أعلم، لكن أحياناً تستعمل مقصود بها زائدة على الذات، يعني للذهاب عن قول من يقول: الوجه هو الذات , ] وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [ يعني: وتبقى ذات ربك، فقد يكون مراده أنه زائدة، يعني عن الذات , ليست هي الذات، صفة زائدة , يوجد ذات ويوجد وجه للرب Y، لكنها ليست من العبارات المستعملة عند السلف.

سؤال: لم ميّزت نصوص الوعيد بميزة أنها تمر كما جاءت؟ وهل تلحق بها نصوص الرحمة في هذا الوصف؟
جواب: الوعيد الذي هو توعد من الله جل وعلا للكافر، أو للفاسق بالعذاب هذا حق , والله جل وعلا خبره صدق، لكن وعيده جل وعلا مع كونه حقاً وصدقاً كما أخبر Y فإنه في حق المسلم الموحد على رجاء الغفران، وعلى رجاء العفو , ولذلك ألا يطبق الوعيد في حق المعين، بل نقول: هذا الوعيد يمر كما جاء، ولا ندخل في تفصيلاته من حيث إن هذا الوعيد لمن فعل كذا بالنار في تفصيلات هذا الوعيد، أو في تفصيلات المعين الذي ارتكب شيئاً مما ينطيق عليه هذا الوعيد.
الأصل أن نمرر ذلك كما جاء , ونبقيه وعيداً للتخويف والجزاء عند رب العالمين، ولهذا يقول العلماء: إخلاف الوعيد فضل وكرم , وأما إخلاف الوعد فكذب، ولهذا الله جل وعلا لا يخلف وعده، لا يخلف الله وعده , وعد الله مفعول لا بد منه، ما وعد به عباده فلا بد منه، أما وعيده I فإنه قد يتخلف في حق المعين لفضلٍ منه وكرم، وكما جاء في الحديث الذي في الصحيحين أنه يوم القيامة يكون آخر من يخرج من النار أقوام يخرجون من النار وقد امتحشوا , فيلقون في نهر يقال له: نهر الحياة , فينبتون كما تنبت الحِبَّة أو الحَبَّة في جانب السيل , وهذا لفضله جل وعلا , يخرج من النار أقوام لم يعملوا خيراً قط، ويغفر الله جل وعلا لمن يشاء I.
فإذاً الوعيد يبقى كما هو بدون تفصيل , يمر كما جاء من جهة معناه ومن جهة من يتعلق به.

ثم وعيد الله جل وعلا بالعذاب ووعيده جل وعلا في الكتاب والسنة بالعذاب في الدنيا، أو العقوبة في الدنيا، هذا متعلق بحكمته I , وحكمة الله جل وعلا غالبة , لهذا يثبت الوعيد في حق الكافر من جهة الجنس , لا من جهة المعين، حتى يموت على الكفر، فإذا مات على الكفر فإنه يقال فيه ما أوعده الله جل وعلا؛ لأنه قد جاء في الحديث الصحيح: ((حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار)) , وهو في بعض السنن بإسناد جيد.

وهناك قسم ثان من الوعيد، وهو وعيد الحكم، وليس وعيد العذاب , وهو مثل: ((من أتى كاهناً لم تقبل له صلاة)) , ((من أتى كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد))، ((من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد)) , ((لا يدخل الجنة قاطع رحم)) , ((لا يدخل الجنة قتات)) ونحو ذلك , هذا وعيد في الاسم، في الحكم , وليس وعيداً في نوع العذاب وأشباه ذلك، وهذا الوعيد هو الذي يكثر كلام السلف فيه، بأنه يمر كما جاء، لماذا؟ لأن الدخول في نوعية حكمه، يعني هل هو كافر كفرا أكبر أو أصغر؟ هل هو لا يدخل الجنة؟ يعني نقول له: لأن الغرض من الوعيد هو التخويف من هذه الأفعال حتى يرتدع العباد، فإذا دخل الناس في تفصيلاتها ولم يمروها كما جاءت كأنه يضعف جانب الوعيد فيها، لكن لها تفصيل مع كونه يمر كما جاء فإنه له تفصيل بحسب ما عند أهل العلم من الأدلة , فمثلاً نقول في ((لا يدخل الجنة قتات)) , نفرق بين الدخول الأول والدخول المتأخر مثلاً ((من أتى كاهناً فصدقه كفر)) نقول: هذا مثلاً كفر أصغر، وليس بالكفر الأكبر، وأشباه ذلك من الأدلة التي فيها الوعيد بالحكم.

وهذا يحتاج إلى أدلة أخرى لبيان معنى هذا الحديث، أو معنى هذه الآية وإلا فالأصل أن يمر، بمعنى لا يدخل العالم أو طالب العلم في تفصيله أو في تفسيره؛ لأن الغرض منه التخويف , لهذا مثلاً في حديث: ((من أتى كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد))، سئل عنه الإمام أحمد: هل هو كفر أكبر أو أصغر؟ فتوقف عن ذلك وقال كما هي الرواية الثالثة أو القول الثالث توقف وقال: أقول كفر و (بس)، يعني وسكت؛ وهذا لأجل أن النص أطلق والمقصود منه التخويف.

وفي القول الأول أنه كفر أكبر كما ينحو إليه قلة من أهل العلم، والقول الثاني أنه كفر أصغر , مع أن النص نص وعيد، لكن دخل العلماء في تفسيره لأجل ورود الأدلة الأخرى كما جاء في مسند الإمام أحمد بإسناد صحيح ثابت، أنه عليه الصلاة والسلام قال: ((من أتى كاهناً أو عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)) فدل.. وهذا من رواية الإمام أحمد , وهي زيادة مقبولة قوية زائدة عما على ما في صحيح مسلم ((من أتى كاهناً أو عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة)) بدون زيادة ((فصدقه)) فقد جاءت بإسناد ثابت صحيح، بل هي أرجح في الزيادة من رواية مسلم , ولذلك اعتمدها إمام الدعوة رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد.

المقصود أنه قال: ((فصدقه لم تقبل له صلاة))، فكونه عليه الصلاة والسلام حدّ عدم قبول الصلاة بأربعين ليلة دلّ على بقاء الإسلام؛ لأن الكافر إذا كفر من بعد إيمانه فإنه لا تقبل له صلاة مطلقاً، أما عدم قبول الصلاة أربعين ليلة فهذا يدل على أنه مسلم، لكن عدم القبول لأجل عظم ما فعل، ثم لأجل الشبهة في حقه، الشبهة في حق من يسأل الكاهن فإنه قد يقول: أنا لا أقول: إنه يعلم الغيب , ولا أعتقد أنه يعلم. ولكن قد يخبر بالشيء الذي تخبره به الشياطين، أو من يسترق السمع، فتوجد شبهة تمنع من مأخذ التكفير، أما الساحر فيختلف عن الكاهن، الساحر (ده) شيء آخر؛ لأنه لا يسحر إلا بالاستعاذة والاستغاثة بشياطين الجن.

سؤال: هل دعاء الله "انصر جميع المستضعفين من المسلمين" أو دعاء "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" من باب التعدي في الدعاء؟ بحيث إن الأول قد كتبه الله في الأرض والثاني قال الله سبحانه كما في الحديث: ((قد فعلت)).
السؤال الثاني: هل اعتقاد القبوريين أو الصوفية في الأولياء، وأنهم يملكون الشفاعة ونحوه ناشئ من الغلو في الدعاء؟ أم ما هو سبب هذا الاعتقاد لديهم؟
جواب: مسألة الاعتداء في الدعاء بحثنا فيها باختصار في الدرس في الماضي، وهي مسألة مهمة جداً، ينبغي لطلاب العلم أن يعتنوا بها؛ لأن الداعي إذا اعتدى في الدعاء فإنه يأثم، والاعتداء في الدعاء سبب لرده، بل من أعظم أسباب رد الدعاء أن يدعو العبد ربه الجليل العظيم ويعتدي ولا يتأدب وهو يدعو، وبعض البشر وهم من هم في ضعف في شأنهم وقلة حيلتهم، لكنهم إذا رأوا من يسألهم ويعتدي في السؤال فإنهم لا يصبرون، وربما عاقبوا وربما نفروا؛ لأن من حسن أو من أسباب الإجابة حسن السؤال، حتى في حق المخلوق , والله جل وعلا هو المستحق لكل أدب من عبده، وتذلل من عبده وحسن سؤال وحسن الدعاء.

ولهذا مبحث الاعتداء في الدعاء مما ينبغي على كل طالب علم أن يعتني به، وخاصة خطباء المساجد والأئمة الذين يدعون لأنفسهم وللمسلمين في القنوت وفي غيره , لهذا جاء مثل هذا السؤال لأجل الاهتمام بهذا الموضوع قول القائل: اللهم انصر جميع المستضعفين من المسلمين , هل هذا فيه اعتداء في الدعاء أم لا؟ هذا فيه حسن رجاء وظن بالله جل وعلا وليس فيه اعتداء، والنبي عليه الصلاة والسلام دعا بنجاة المستضعفين فقال: ((اللهم أنجي المستضعفين، اللهم أنجي فلان وفلان)).

والدعاء بنجاة جميع المستضعفين من المسلمين، أو بنصر المسمين جميعاً، هذا طلب والطلب قد يجاب بنحوه، يعني قد يجاب بنفس المطلوب، وقد يجاب بصورة أخرى، كما أوضحنا في الدرس الماضي ((ما من عبدٍ يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يخبئها له يوم القيامة , وإما أن يصرف عنه من الشر مثلها)) , وهذا يدل على أن العبد إذا أعظم في الطلب، فإنه هذا مع عظم الرجاء الاعتداء في الدعاء لا يدخل في هذه اللفظة؛ لأنه لم يسأل سؤالا فيه إثم، ولم يسأل سؤالاً ويدعو بدعاء فيه قطيعة رحم، ولا بشيء مضادٍ لأمر الله جل وعلا في القرآن والسنة، ولم يدع بدعاءٍ فيه مناقضة لحكمة الله جل وعلا.

مثاله، مثال ما يناقض الحكمة مثلاً يقول القائل: اللهم دمّر اليهود والنصارى أجمعين، اللهم اجعلهم كذا واجعل اللهم، اجعل … إلى آخره وهذا تدميرهم بأجمعهم هذا ينافي الحكمة التي أخبرنا الله جل وعلا بها أنه يؤخر هؤلاء حتى ينزل المسيح u فيسلم النصارى ويقتُل اليهود، فمثل هذا الدعاء العام، هذا فيه مناقضة بما أُخبرنا من الحكمة، وفيه مثل ما ذكرت اعتداء في الدعاء، ولهذا كان من دعاء عمر t وهو الخليفة الراشد، والفقيه الأعلم في دعائه، أنه لم يكن يدعو على جميع الكفار، على جميع الكفار بأصنافهم من اليهود والنصارى وغيرهم، وإنما كان يدعو دعاءً مقيداً في القنوت، فيقول: t في دعاء القنوت: "اللهم عليك بكفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن دينك ويقاتلون أوليائك" , وهذا مما يوافق قول الله جل وعلا في سورة الممتحنة: ] * لاَّ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [.

ومن البر في حقهم عدم الدعاء عليهم، ومن البر في حقهم لهم الدعاء لهم بالهداية ونحو ذلك، ثم قال جل وعلا: ] إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ [ هؤلاء هم الذين يدعى عليهم، وهم الذين ينتصر عليهم... إلى آخره.

أما الشق الثاني في: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا , هل هو من باب الاعتداء في الدعاء؟ عدّه بعض العلماء من الاعتداء في الدعاء كالقرافي في الفروق وغيره، وسبب ذلك أنه الله جل وعلا قال: قد فعلت , فالله جل وعلا أجرى في هذا حكماً في أن من نسي أو أخطأ، فإنه لا يؤاخذه ولا يجعل عليه وزراً Y , فإذا دعوت وأنت عالم بأن الله أعطى هذا فيقول: هذا اعتداء؛ لأنه أنت تدعو بشيء قد تكفل الله به، فكأنك تقول: إن الله لم يتكفل به، أو تشك في تكفل الله به، هذه وجهة القرافي ومن معه، وربما مال إليه بعض أهل العلم الآخرين.

والقول الثاني وهو الصحيح، أن هذا ليس من الاعتداء في الدعاء؛ لأن الذي عفا الله جل وعلا عنه أن يؤاخذه بالنسيان والخطأ هو المؤمن الموحد، فهذا السائل لا يسأل بما يتعلق بإعطاء الله جل وعلا ولا بفعل الله جل وعلا، وإنما يسأل أن يكون هو ممن أكرمه الله جل وعلا بالدخول في زمرة المؤمنين الذين أعطاهم هذا الفضل والإحسان، فكأنه قال: اللهم ثبتني على الإيمان، اللهم لا تزغ قلبي؛ حتى لا يؤاخذ بنسيانه أو بخطئه، وهذا هو المعتمد في مثل هذه المسألة. اقرأ:


· الآية الصحيحة: {وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} لقمان (32) ,


* ما بين المعقوفتين غير مسموع في الشريط ,


* الآية الصواب: ] وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [ التغابن: (6) ,

* الآية الصواب: ] وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُواْ إِيمَاناً [ المدثر: (31) ,

  #6  
قديم 5 ربيع الأول 1430هـ/1-03-2009م, 12:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية للشيخ: يوسف بن محمد الغفيص (مفرغ)


الدعاء سبب لحصول المقدور
قال: [والله تعالى يستجيب الدعوات ويقضي الحاجات] . الدعاء من قدر الله، وهو سبب لحصول المقدور، وليس كما قال طوائف من الصوفية وبعض المتكلمين، إن الدعاء يقع على جهة التعبد المحض، أي أنه لا أثر له في حصول المقدور، وحجتهم في ذلك أنه قد سبقت الكتابة. والجواب: أن يقال: نعم قد سبقت الكتابة، ولكن كما أن الله كتب المقدر أو المسبب فقد كتب السبب، فالدعاء هو سبب من الأسباب، كما أن صلاة العبد قد قدرها الله وكتبها، فكذلك دعاؤه قد قدره الله وكتبه، فكما أن الصلاة سبب لدخول الجنة، فكذلك الدعاء سبب لحصول المقدور والمدعو به. ......

افتقار الخلق إلى الله
قال: [و يملك كل شيء، ولا يملكه شيء] . أي: لأنه سبحانه وتعالى له الملك.
قال: [ولا غنى عن الله تعالى طرفة عين، ومن استغنى عن الله طرفة عين فقد كفر وصار من أهل الحين] . هذا مما ينبغي تأديب المسلمين بفقهه، ولاسيما في التعبيرات والألفاظ، كتعليق المشيئة على مشيئة العبد ومشيئة الرب، فمن شرك الألفاظ قول: (ما شاء الله وشئت) والحلف بغير الله، فإن الإنسان عند حلفه إنما يريد التعظيم، أو العزم ونحو ذلك من المقاصد، فيشيع في كثير من المسلمين الحلف بالنبي أو بالأمانة، أو بغير ذلك، فهذا مما ينبغي تأديب المسلمين في فقهه، وهذا من فقه التوحيد. ......

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
والله, قوله

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:18 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir