دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الطحاوية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 03:51 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي قوله: (وأن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق وخلق لهما أهلاً...)

وَأَنَّ اللهَ تعالى خَلَقَ الجنَّةَ والنارَ قبلَ الخَلْقِ، وَخَلَقَ لَهُما أَهْلًا؛ فَمَنْ شاءَ منهم إلى الجنةِ فَضْلًا منهُ، ومَن شاءَ منهم إلى النارِ عَدْلًا منهُ.
وَكُلٌّ يَعْمَلُ لِمَا قد فُرِغَ لَهُ، وَصَائِرٌ إلى مَا خُلِقَ لَهُ.
والخيرُ والشرُّ مُقَدَّرَانِ على العبادِ.

  #2  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 07:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات على الطحاوية لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

[لا يوجد تعليق للشيخ]

  #3  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 07:52 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات المختصرة للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

(1) وَأَنَّ اللهَ تعالى خَلَقَ الجنَّةَ والنارَ قبلَ الخَلْقِ، وَخَلَقَ لَهُما أَهْلًا.
(2) فَمَنْ شاءَ منهم إلى الجنةِ فَضْلًا منهُ، ومَن شاءَ منهم إلى النارِ عَدْلًا منهُ.
(3) وَكُلٌّ يَعْمَلُ لِمَا قد فُرِغَ لَهُ، وَصَائِرٌ إلى مَا خُلِقَ لَهُ.
(4) والخيرُ والشرُّ مُقَدَّرَانِ على العبادِ.



(1) اللَّهُ قَدَّرَ للجنَّةِ أَهْلًا، وكذلكَ للنارِ أَهْلًا، فَعَلَى حَسَبِ عَمَلِهِم يُجَازَوْنَ.

(2) الجَنَّةُ لا تُنَالُ بالعملِ، إِنَّمَا هو سَبَبٌ، وإِنَّمَا الجنَّةُ تُنَالُ بِفَضْلِ اللَّهِ، فَمَهْمَا عَمِلَ ابنُ آدَمَ مِن الأعمالِ الصالحةِ, وإنْ كَثُرَتْ, فإنَّهَا لا تُقَابِلُ الجنَّةَ، إِنَّمَا تُنَالُ بفضلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، والعملُ الصالحُ سَبَبٌ {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
(النحل: 32) أي: بِسَبَبِ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.

ودخولُ النارِ بسببِ الكفرِ، عَدْلًا مِن اللَّهِ، أَدْخَلَهُ النارَ، لا بِظُلْمٍ، إِنَّمَا أَدْخَلَهُ بسببِ عَمَلِهِ.

(3) إنْ كَانَ من أهلِ السعادةِ فإِنَّهُ يَعْمَلُ بِعَمَلِ أهلِ السعادةِ، وَمَنْ كَانَ مِن أهلِ الشَّقاوَةِ فَسَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهلِ الشقاوةِ، قَالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: (اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ).
وقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (الليل: 4 – 10).
فالأعمالُ هي التي تَحْكُمُكَ، إنْ كانتْ صالحةً فَأَنْتَ مُيَسَّرٌ لِليُسْرَى، وإنْ كانتْ سَيِّئَةً فأنتَ مُيَسَّرٌ للعُسْرَى.

(4) سَبَقَ بَحْثُ هذا في القَدَرِ، والإيمانُ بالقدرِ – كما سَبَقَ – هو أَحَدُ أركَانِ الإيمانِ السِتَّةِ، كما قَالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: (الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ).
وَالمُؤَلِّفُ أَخَذَ هذا المعنى من نَصِّ الحديثِ.
فالخيرُ والشرُّ بتقديرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّهُ لا يَقَعُ شَيْءٌ في هذا الكونِ إِلاَّ بقضاءِ اللَّهِ وقَدَرِهِ، لا بُدَّ مِن الإيمانِ بذلكَ.
فاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الخيرَ والشرَّ لِحِكْمَةٍ { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (الأَنْبِيَاء: 35) يَتَمَيَّزُ بِذَلِكَ أَهْلُ الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ وَالِانْقِيَادِ لِلَّهِ، وَأَهْلُ الكُفْرِ وَالشِّرْكِ والإلحادِ، ولو لمْ يَكُنْ هُنَاكَ خَيْرٌ لَمَا حَصُلَ التَّمْيِيزُ.
فالخيرُ يُحِبُّهُ اللَّهُ ويَخْلُقُهُ ويُقَدِّرُهُ، والشرُّ يُبْغِضُهُ اللَّهُ ويَسْخَطُهُ، ولَكِنْ يَخْلُقُهُ ويُقَدِّرُهُ لِحِكْمَةٍ، للابتلاءِ والامتحانِ، لوْ لَمْ يُوجَد الشرُّ ما ظَهَرَ الكُفْرُ وعداوةُ الأَنْبِيَاءِ والرُّسُلِ، ولو لمْ يُوْجَد الخيرُ لَمَا ظَهَرَ الجِهَادُ والأمرُ بالمعروفِ والنَّهْيُ عن المُنْكَرِ والمُوَالاَةُ والمُعَادَاةُ، ولا تَمَيَّزَ الناسُ.
قد يَعْتَرِضُ مُعْتَرِضٌ ويَقُولُ: اللَّهُ يُبْغِضُ الشِّرْكَ وَالْكُفْرَ، فَكَيْفَ يُقَدِّرُ ذَلِكَ؟ ونقولُ: قَدَّرَ ذلكَ لحكمةٍ؛ لِيَتَمَيَّزَ الناسُ{مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} (آل عِمْرَان: 179) فَنَحْنُ لا نَعْلَمُ المُطِيعَ من العاصي إِلاَّ بالأعمالِ، فهي تُمَيِّزُ الشقيَّ مِن السعيدِ.
فالأمورُ لا تَصْلُحُ إِلاَّ إذا وُجِدَت المُتَضَادَّاتُ.

  #4  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 10:39 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي


وقوله: ( والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان أبداً ولا تبيدان، فإن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق، وخلق لهما أهلاً، فمن شاء منهم إلى الجنة فضلاً منه، ومن شاء منهم إلى النار عدلاً منه، وكل يعمل لما [قد] فرغ له، وصائر إلى ما خلق له، والخير والشر مقدران على العباد ).

ش: أما قوله: إن الجنة والنار مخلوقتان، فاتفق أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، ولم يزل أهل السنة على ذلك، حتى نبغت نابغة من المعتزلة والقدرية، فأنكرت ذلك، وقالت: بل ينشئهما الله يوم القيامة ! ! وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة لما يفعله الله، وأنه ينبغي أن يفعل كذا، ولا ينبغي له أن يفعل كذا ! ! وقاسوه على خلقه في أفعالهم، فهم مشبهة في الأفعال، ودخل التجهم فيهم، فصاروا مع ذلك معطلة ! وقالوا: خلق الجنة قبل الجراء عبث ! لأنها تصير معطلة مدداً متطاولة ! ! فردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب تعالى، وحرفوا النصوص عن مواضعها، وضللوا وبدعوا من خالف شريعتهم.
فمن نصوص الكتاب: قوله تعالى عن الجنة: أعدت للمتقين. أعدت للذين آمنوا بالله ورسله. وعن النار: أعدت للكافرين. إن جهنم كانت مرصادا * للطاغين مآبا. وقال تعالى: ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى. وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى، ورأى عندها جنة المأوى. كما في الصحيحين، من حديث أنس رضي الله عنه، في قصة الإسراء، وفي آخره: ثم انطلق بي جبرائيل، حتى أتى سدرة المنتهى، فغشيها ألوان لا أدري ما هي، قال: ثم دخلت الجنة، فإذا هي جنابذ اللؤلؤ، واذا ترابها المسك وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة. وتقدم حديث البراء بن عازب، وفيه: ينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها. وتقدم حديث أنس بمعنى حديث البراء. وفي صحيح مسلم، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت الحديث، وفيه: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدتم به، حتى لقد رأيتني آخذ قطفاً من الجنة حين رأيتموني تقدمت ولقد رأيت النار يحطم بعضها بعضاً حين رأيتموني تأخرت. وفي الصحيحين، واللفظ للبخاري، عن عبد الله ابن عباس، قال: انخسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث، وفيه: فقالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئاً في مقامك، ثم رأيناك تكعكعت ؟ فقال: إني رأيت الجنة، وتناولت عنقوداً، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار، فلم أر منظراً كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء، قالوا: بم، يا رسول الله ؟ قال: بكفرهن، قيل: أيكفرن بالله ؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئاً، قالت: ما رأيت خيراً قط ! ! وفي صحيح مسلم من حديث أنس: وايم الذي نفسي بيده، لو رأيتم ما رأيت، لضحكتم قليلاً وبكيتم كثيراً. قالوا: وما رأيت يا رسول الله ؟ قال: رأيت الجنة والنار وفي الموطأ والسنن، من حديث كعب ابن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما نسمة المؤمن طير تعلق في شجر الجنة، حتى يرجعها الله إلى جسده يوم القيامة. وهذا صريح في دخول الروح الجنة قبل يوم القيامة. وفي صحيح مسلم و السنن و المسند. من حديث أبي هريرة رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما خلق الله الجنة والنار، أرسل جبرائيل إلى الجنة، فقال: اذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فذهب فنظر إليها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها، فرجع فقال: وعزتك، لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فأمر بالجنة، فحفت بالمكاره، فقال: ارجع فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فنظر إليها، ثم رجع فقال: وعزتك، لقد خشيت أن لا يدخلها أحد، قال: ثم أرسله إلى النار، قال: اذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فنظر إليها، فإذا هي يركب بعضها بعضاً، ثم رجع فقال: وعزتك، لا يدخلها أحد سمع بها، فأمر بها فحفت بالشهوات، ثم قال: اذهب فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها، فذهب فنظر إليها، فرجع فقال: وعزتك، لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها.
ونظائر ذلك في السنة كثيرة.
وأما على قول من قال: إن الجنة الموعود بها هي الجنة التي كان فيها آدم ثم أخرج منها، فالقول بوجودها الآن ظاهر، والخلاف في ذلك معروف.
وأما شبهة من قال: إنها لم تخلق بعد، وهي: أنها لو كانت مخلوقة الآن لوجب اضطراراً أن تفنى يوم القيامة وأن يهلك كل من فيها ويموت، لقوله تعالى: كل شيء هالك إلا وجهه. و كل نفس ذائقة الموت، وقد روى الترمذي في جامعه، من حديث ابن مسعود رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال: يا محمد، أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، قال: هذا حديث حسن غريب. وفيه أيضاً من حديث أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: من قال سبحان الله وبحمده، غرست له نخلة في الجنة، قال: هذا حديث حسن صحيح، قالوا: فلو كانت مخلوقة مفروغاً منها لم تكن قيعاناً، ولم يكن لهذا الغراس معنى. قالوا: وكذا قوله تعالى عن امرأة فرعون أنها قالت: رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة فالجواب: إنكم إن أردتم بقولكم إنها الآن معدومة بمنزلة النفخ في الصور وقيام الناس من القبور، فهذا باطل، يرده ما تقدم من الأدلة وأمثالها مما لم يذكر، وإن أردتم أنها لم يكمل خلق جميع ما أعد الله فيها لأهلها، وأنها لا يزال الله يحدث فيها شيئاً بعد شيء، وإذا دخلها المؤمنون أحدث الله فيها عند دخولهم أموراً أخر- فهذا حق لا يمكن رده، وأدلتكم هذه إنما تدل على هذا القدر. وأما احتجاجكم بقوله تعالى: كل شيء هالك إلا وجهه، فأتيتم من سوء فهمكم معنى الآية، واحتجاجكم بها على عدم وجود الجنة والنار الآن - نظير احتجاج إخوانكم على فنائهما وخرابهما وموت أهلهما ! ! فلم توفقوا أنتم لا إخوانكم لفهم معنى الآية، وإنما وفق لذلك أئمة الاسلام. فمن كلامهم: أن المراد كل شيء مما كتب [الله] عليه الفناء والهلاك هالك، والجنة والنار خلقتا للبقاء لا للفناء، وكذلك العرش، فإنه سقف الجنة. وقيل: المراد إلا ملكه. وقيل: إلا ما أريد به وجهه. وقيل: إن الله تعالى أنزل: كل من عليها فان، فقالت الملائكة: هلك أهل الأرض، وطمعوا في البقاء، فأخبر تعالى عن أهل السماء والأرض أنهم يموتون، فقال: كل شيء هالك إلا وجهه، لأنه حي لا يموت، فأيقنت الملائكة عند ذلك بالموت. وإنما قالوا ذلك توفيقاً بينها وبين النصوص المحكمة، الدالة على بقاء الجنة، وعلى بقاء النار أيضاً، على ما يذكر عن قريب، إن شاء الله تعالى.
وقوله: لا تفنيان أبدا ولا تبيدان - هذا قول جمهور الأئمة من السلف والخلف. وقال ببقاء الجنة وبفناء النار جماعة من السلف والخلف، والقولان مذكوران في كثير من كتب التفسير وغيرها. قال بفناء الجنة والنار الجهم بن صفوان إمام المعطلة، وليس له سلف قط، لا من الصحابة ولا من التابعين لهم بإحسان، ولا من أئمة المسلمين، ولا من أهل السنة. وأنكره عليه عامة أهل السنة، وكفروه به، وصاحوا به وبأتباعه من أقطار الأرض. وهذا قاله لأصله الفاسد الذي اعتقده، وهو امتناع وجود [ما] لا يتناهى من الحوادث ! وهو عمدة أهل الكلام المذموم، التي استدلوا بها على حدوث الأجسام، وحدوث ما لم يخل من الحوادث، وجعلوا ذلك عمدتهم في حدوث العالم. فرأى جهم أن ما يمنع من حوادث لا أول لها في الماضي، يمنعه في المستقبل ! ! فدوام الفعل عنده على الرب في المستقبل ممتنع، كما هو ممتنع عنده عليه في الماضي! ! وأبو الهذيل العلاف شيخ المعتزلة، وافقه على هذا الأصل، لكن قال: إن هذا يقتضي فناء الحركات، فقال بفناء حركات أهل الجنة والنار، حتى يصيروا في سكون دائم، لا يقدر أحد منهم على حركة ! ! وقد تقدم الإشارة إلى اختلاف النار في تسلسل الحوادث في الماضي والمستقبل، وهي مسألة دوام فاعلية الرب تعالى، وهو لم يزل رباً قادراً فعالاً لما يريد، فإنه لم يزل حياً عليماً قديراً. ومن المحال أن يكون الفعل ممتنعا عليه لذاته، ثم ينقلب فيصير ممكناً لذاته، من غير تجدد [شيء]، وليس للأول حد محدود حتى يصير الفعل ممكناً له عند ذلك الحد، ويكون قبله ممتنعاً عليه. فهذا القول تصوره كاف في الجزم بفساده.
فأما أبدية الجنة، وأنها لا تفنى ولا تبيد، فهذا مما يعلم بالضرورة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر به، قال تعالى: وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ، أي غير مقطوع، ولا ينافي [ذلك] قوله: إلا ما شاء ربك. واختلف السلف في هذا الإستثناء: فقيل: معناه إلا مدة مكثهم في النار، وهذا يكون لمن دخل منهم إلى النار ثم أخرج منها، لا لكلهم. وقيل: إلا مده مقامهم في الموقف. وقيل: إلا مدة مقامهم في القبور والموقف. وقيل: هو استثناء الرب ولا يفعله، كما تقول: والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك، وأنت لا تراه، بل تجزم بضربه. وقيل: إلا بمعنى الواو، وهذا على قول بعض النحاة، وهو ضعيف. وسيبويه يجعل إلا بمعنى لكن، فيكون الاستثناء منقطعاً، ورجحه ابن جرير وقال: إن الله تعالى لا خلف لوعده، وقد وصل الاستثناء بقوله: عطاء غير مجذوذ. قالوا: ونظيره أن تقول: أسكنتك داري حولاً إلا ما شئت، أي سوى ما شئت، ولكن ما شئت من الزيادة عليه. وقيل: الاستثناء لإعلامهم، بأنهم مع خلودهم في مشيئة الله، لأنهم يخرجون عن مشيئته، ولا ينافي ذلك عزيمته وجزمه لهم بالخلود، كما في قوله تعالى: ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلًا، وقوله تعالى: فإن يشإ الله يختم على قلبك، وقوله: قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به. ونظائره كثيرة، يخبر عباده سبحانه أن الأمور كلها بمشيئته، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. وقيل: إن ما بمعنى من أي: إلا من شاء الله دخوله النار بذنوبه من السعداء. وقيل غير ذلك. وعلى كل تقدير، فهذا الاستثناء من المتشابه، وقوله: عطاء غير مجذوذ، محكم. وكذلك قوله تعالى: إن هذا لرزقنا ما له من نفاد. وقوله: أكلها دائم وظلها. وقوله: وما هم منها بمخرجين. وقد أكد الله خلود أهل الجنة بالتأبيد في عدة مواضع من القرآن، وأخبر أنهم: لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى، وهذا الاستثناء منقطع، وإذا ضممته إلى الإستثناء في قوله تعالى: إلا ما شاء ربك - تبين أن المراد من الآيتين استثناء الوقت الذي لم يكونوا فيه في الجنة من مدة الخلود، كاستثناء الموتة الأولى من جملة الموت، فهذه موتة تقدمت على حياتهم الأبدية، وذلك مفارقة للجنة تقدمت على خلودهم فيها.
والأدلة من السنة على أبدية الجنة ودوامها كثيره: كقوله صلى الله عليه وسلم: من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس ويخلد ولا يموت. وقوله: ينادي مناد: يا أهل الجنة، إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وأن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وأن تحيوا فلا تموتوا أبداً. وتقدم ذكر ذبح الموت بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل الجنة، خلود فلا موت، ويا أهل النار، خلود فلا موت.
وأما أبدية النار ودوامها، فللناس في ذلك ثمانية أقوال: أحدها: أن من دخلها لا يخرج منها أبد الآباد، وهذا قول الخوارج والمعتزلة. والثاني: أن أهلها يعذبون فيها، ثم تنقلب طبيعتهم وتبقى طبيعة النارية يتلذذون بها لموافقتها لطبعهم ! وهذا قول إمام الاتحادية ابن عربي الطائي ! ! الثالث: أن أهلها يعذبون فيها إلى وقت محدود، ثم يخرجون منها، ويخلفهم فيها قوم آخرون، وهذا القول حكاه اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم، وأكذبهم فيه، وقد أكذبهم الله تعالى، فقال عز من قائل: وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون * بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون. الرابع: يخرجون منها، وتبقى على حالها ليس فيها أحد. الخامس: أنها تفنى بنفسها، لأنها حادثة وما ثبت حدوثه استحال بقاؤه !! وهذا قول الجهم وشيعته، ولا فرق عنده في ذلك بين الجنة والنار، كما تقدم. السادس: تفنى حركات أهلها ويصيرون جماداً، لا يحسون بألم، وهذا قول أبي الهذيل العلاف كما تقدم. السابع: أن الله يخرج منها من يشاء، كما ورد في الحديث، ثم يبقيها شيئاً، ثم يفنيها، فإنه جعل لها أمداً تنتهي إليه. الثامن: أن الله تعالى يخرج منها من شاء، كما ورد في السنة، ويبقى فيها الكفار، بقاء لا انقضاء له، كما قال الشيخ رحمه الله. وما عدا هذين القولين الأخيرين ظاهر البطلان.
وهذان القولان لأهل السنة ينظر في أدلتهما. فمن أدلة القول الأول منهما: قوله تعالى: قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم. وقوله تعالى. فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق * خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد. ولم يأت بعد هذين الاستثناءين ما أتى بعد الاستثناء المذكور لأهل الجنة، وهو قوله: عطاء غير مجذوذ. وقوله تعالى: لابثين فيها أحقابا. وهذا القول، أعني القول بفناء النار دون الجنة - منقول عن عمر، و ابن مسعود، و أبي هريرة، و أبي سعيد، وغيرهم. وقد روى عبد بن حميد في تفسيره المشهور، بسنده إلى عمر رضي الله عنه، أنه قال: لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج، لكان لهم على ذلك وقت يخرجون فيه، ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى: لابثين فيها أحقاباً. قالوا: والنار موجب غضبه، والجنة موجب رحمته. وقد قال صلى الله عليه وسلم: لما قضى الله الخلق، كتب كتاباً، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي. وفي رواية: تغلب غضبي. رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قالوا: والله سبحانه يخبر عن العذاب أنه: عذاب يوم عظيم. و أليم. و عقيم. [ ولم يخبر ولا في موضع واحد عن النعيم أنه نعيم يوم. وقد قال تعالى: عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء. وقال تعالى حكاية عن الملائكة: ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً. فلا بد أن تسع رحمته هؤلاء المعذبين، فلو بقوا في العذاب لا إلى غاية لم تسعهم رحمته. وقد ثبت في الصحيح تقدير يوم القيامة بخمسين ألف سنة، والمعذبون فيها متفاوتون في مدة لبثهم في العذاب بحسب جرائمهم، وليس في حكمة أحكم الحاكمين ورحمة أرحم الراحمين أن يخلق خلقاً يعذبهم أبد الآباد عذاباً سرمداً لا نهاية له. وأما أنه يخلق خلقاً ينعم عليهم ويحسن إليهم نعيماً سرمداً، فمن مقتضى الحكمة. والإحسان مراد لذاته، والانتقام مراد بالعرض. قالوا: وما ورد من الخلود فيها، والتأبيد، وعدم الخروج، وأن عذابها مقيم، وأنه غرام -: كله حق مسلم، لا نزاع فيه، وذلك يقتضي الخلود في دار العذاب ما دامت باقية، وإنما يخرج منها في حال بقائها أهل التوحيد. ففرق بين من يخرج من الحبس وهو حبس على حاله، وبين من يبطل حبسه بخراب الحبس وانتقاضه.
ومن أدلة القائلين ببقائها وعدم فنائها: قوله: ولهم عذاب مقيم. لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون. فلن نزيدكم إلا عذاباً. خالدين فيها أبداً. وما هم منها بمخرجين. وما هم بخارجين من النار. لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط. لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها. إن عذابها كان غراماً، أي مقيماً لازماً. وقد دلت السنة المستفيضة أنه يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله: وأحاديث الشفاعة صريحة في خروج عصاة الموحدين من النار، وأن هذا حكم مختص بهم، فلو خرج الكفار منها لكانوا بمنزلتهم، ولم يختص الخروج بأهل الإيمان. وبقاء الجنة والنار ليس لذاتهما، بل بإبقاء الله لهما. (مكرر)
وقوله: وخلق لهما أهلاً - قال تعالى: ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس، الآية. وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة صبي من الأنصار، فقلت: يا رسول الله، طوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل سوءاً ولم يدركه، فقال: أو غير ذلك يا عائشة، إن الله خلق للجنة أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم. رواه مسلم و أبو داود و النسائي. وقال تعالى: إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً * إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً. والمراد الهداية العامة، وأعم منها الهداية المذكورة في قوله تعالى: الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. فالموجودات نوعان: أحدهما مسخر بطبعه، والثاني متحرك بإرادته فهدى الأول لما سخره له طبيعة، وهدى الثاني هداية إرادية تابعة لشعوره وعلمه بما ينفعه ويضره. ثم قسم هذا النوع إلى ثلاثة أنواع: نوع لا يريد إلا الخير ولا يتأتى منه إرادة سواه، كالملائكة، ونوع لا يريد إلا الشر ولا يتأتى منه إرادة سواه، كالشياطين، ونوع يتأتى منه إرادة القسمين، كالإنسان. ثم جعله ثلاثة أصناف: صنفاً يغلب إيمانه ومعرفته وعقله هواه وشهوته، فيلتحق بالملائكة. وصنفاً عكسه، فيلتحق بالشياطين. وصنفاً تغلب شهوته البهيمية عقله، فيلتحق بالبهائم. والمقصود: أنه سبحانه أعطى الوجودين: العيني والعلمي، فكما أنه لا موجود إلا بإيجاده، فلا هداية إلا بتعليمه، وذلك كله من الأدلة على كمال قدرته، وثبوت وحدانيته، وتحقيق ربوبيته، سبحانه وتعالى.
وقوله: فمن شاء منهم إلى الجنة فضلاً منه، ومن شاء منهم إلى النار عدلاً منه، إلخ - مما يجب أن يعلم: أن الله تعالى لا يمنع الثواب إلا إذا منع سببه، وهو العمل الصالح، فإنه: من يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما. وكذلك لا يعاقب أحداً إلا بعد حصول سبب العقاب، فإن الله تعالى يقول: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير. وهو سبحانه المعطي المانع، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع.
لكن إذا من على الإنسان بالإيمان [والعمل] الصالح، فلا يمنعه موجب ذلك أصلاً، بل يعطيه من الثواب والقرب ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وحيث منعه ذلك فلانتفاء سببه، وهو العمل الصالح. ولا ريب أنه يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، لكن ذلك كله حكمة منه وعدل، فمنعه للأسباب التي هي الأعمال الصالحة من حكمته وعدله. وأما المسببات بعد وجود أسبابها، فلا يمنعها بحال، إذا لم تكن أسباباً غير صالحة، إما لفساد في العمل، وإما لسبب يعارض موجبه ومقتضاه، فيكون ذلك لعدم المقتضي، أو لوجود المانع. وإذا كان منعه وعقوبته من عدم الإيمان والعمل الصالح، وهو لم يعط ذلك [ ابتلاء ] وابتداء [ إلا ] حكمة منه وعدلاً. فله الحمد في الحالين، وهو المحمود على كل حال، كل عطاء منه فضل، وكل عقوبة منه عدل، فإن الله تعالى حكيم يضع الأشياء في مواضعها التي تصلح لها، كما قال تعالى: وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته. وكما قال تعالى: وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين. ونحو ذلك. وسيأتي [ لذلك ] زيادة، إن شاء الله تعالى.

  #5  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 02:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لمعالي الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)


المسألة الثالثة:
قال في ذكر خلق الجنة والنار: "خلق الجنة والنار قبل الخلق" وهذا مأخذه قول الله جل وعلا: {ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} , وهذه الجنة معناه أنها موجودة بعد أن نفخ الروح في آدم , وهذا يعني أنها تقدمت قبل خلق آدم.

وهذه الجنة التي سكنها آدم للعلماء فيها أقوال , أشهرها أنها جنة مخلوقة في الأرض، الثاني.. وليست بجنة الخلد، والثاني: أنها الجنة المعروفة دار الكرامة عند رب العالمين , ويرجح جماعة منهم ابن القيم , وكثير من المفسرين من المعتزلة ومن أهل السنة , أن الجنة هذه ليست هي جنة الخلد , ولهم في ذلك أدلة طول عليها ابن القيم في أول مفتاح دار السعادة بأكثر من أربعين صحيفة في ذكر هذه المسألة.

والصحيح أن الجنة هي الجنة المعهودة لأسباب كثيرة وأدلة من القرآن , ومن السنة من أعظمها قوله جل وعلا في وصف الجنة: {إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى...} إلى آخر الآيات.

هذه الصفات {إن لك فيها...}إلى آخره , وهذه ليست مناسبة للأرض؛ فالأرض وإن كان فيها مكان مرتفع جنة إلى آخره، مختلف عن بقية الأرض , فلا يوصف من فيه بهذه الصفات , أنه لا يظمأ ولا يضحى يعني ما يأتيه شمس فيها ولا يجوع ولا يعرى ونحو ذلك من الصفات , فهذه صفات تدل على أن المكان مغاير للأرض , ومن الأدلة أن الله جل وعلا قال في ذكرها لما عصى آدم:{اهبط منها} وهذا الإهباط والخروج يقتضي أن يكون من جهة عالية , والمكان الذي هو من جنسه , وإنه وإن هبط منه فإنه ليس خارجاً إلى غيره , بل هو منه إلى جنسه , ولا تحصل العقوبة بالإهباط , وإنما العقوبة بالإخراج , والله جل وعلا جعل في القرآن هذا , وهذا الإخراج والإهباط إلى أدلة أخرى معروفة.

المقصود أن قوله: "خلق الجنة والنار قبل الخلق" الجنة واحدة هي معروفة , وكل الأدلة التي فيها ذكر الجنة الغيبية فهي دار الكرامة التي أعدها الله لعباده , قال "وخلق لهما أهلا" , "خلق لهما أهلا" يعني به قبل خلق السماوات والأرض؛فإن الله جل وعلا كتب أنه سيخلق هؤلاء وهؤلاء , وأن الجنة لها أهلها , وأن النار لها أهلها , ولما خلق آدم أيضا نشر ذريته من ظهره , ثم قبض قبضة فقال: هؤلاء إلى الجنة , وقبض أخرى فقال: هؤلاء إلى النار.
فالله جل وعلا خلق الجنة وجعل لها أهلاً سيدخلونها , فضلاً منه وتكرما , وخلق النار وجعل لها من يملؤها , عدلاً منه وحكمة.
ولهذا قال بعدها: "فمن شاء منهم إلى الجنة فضلاً منه , ومن شاء منهم إلى النار عدلاً منه" ,
وهنا مسألتان:

الأولى:
الفضل هو الإكرام , والله جل وعلا علق دخول الجنة بالعمل الصالح:{ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} , وعلق دخول النار بالعمل السيئ وبالكسب السيئ:{جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون} ونحو ذلك من الآيات , وهذه الباء في المقامين هي باء السبب؛
فإن الله جل وعلا جعل الأعمال الصالحة وأعظمها التوحيد سبباًَ في دخول الجنة , وجعل الأعمال السيئة وأعظمها الشرك بالله سببا لدخول النار , ولكن هذا السبب ليس كافياً في تحقيق المراد , بل لا أحد يدخل الجنة إلا برحمة الله جل وعلا , لهذا صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((لن يدخل أحدكم عمله الجنة)) , قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟قال: ((ولا أنا , إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل)).

فدل على أن أصل دخول الجنة برحمة الله وفضله؛وذلك لأن الفضل هنا هو الامتنان , الفضل هنا هو الإعطاء والإكرام.
والأعمال وإن كان للعبد فيها أجور , فلو قوبلت بالنعم لصارت القسمة , أو لصار الشأن واضحاًً في أن العبد قوبلت أعماله بالنعم التي كرمه الله جل وعلا بها , وأيضا لو نظرت إلى أن العمل الصالح أصلاً ما كان من العبد إلا بإعانة وتوفيق من الله جل وعلا , فأصلا نشوء العمل الصالح هو بفضل من الله , وهدى من الله, وإعانة وتوفيق , فما يكون ناشئا عن ما يكون نتيجة فلا بد أنه فضل أيضا من الله جل وعلا.

والمسألة الثانية:
العدل، العدل معناه أن يعامل المرء بما يستحقه دون تفضل عليه ,
يعني: أن ينظر ويناقش الحساب , ويعطى ما يستحق , وأهل النار دخلوا النار بما يستحقون عدلاً من الله جل وعلا؛لأنه سبحانه لما علم بما في صدورهم لم يعنهم إعانة خاصة , ولم يوفقهم للعمل الصالح , بل خذلهم ,
يعني: لم يوفقهم , ترك إعانتهم على أنفسهم , فوكلوا إلى أنفسهم , وهذا عدل أن تعمل بما لديك وبما عندك من الاستعدادات والآلات... إلى أخره.

ولهذا قال الله جل وعلا في بيان منته على أهل الإيمان:{ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون} , فدل على أن الله جلا وعلا منّ على هؤلاء بشيء , ولم يتفضل على أولئك , بل عاملهم بالعدل؛وذلك بسبب أن هؤلاء في قلوبهم الخير , وهم يريدونه , وأقبلوا عليه , وأولئك لا يريدون الخير ولا يحبون سماعه , ولم يريدوا الاهتداء أصلاً , فعاملهم الله جل وعلا بعدله , قال جل وعلا: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرههم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم} الآية , فقوله:{إن الذين كفروا} يعني: أن الكفر وجد منهم , الكفر أصلا في قلوبهم , ولهذا قال في آية النساء: {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خالدين فيها...} الآية.
فدل هذا على أن المعاملة بالعدل , أن يوكل إلى نفسه , وهو أصلاً لم يعن ويتفضل عليه؛لأنه لم يسع إلى الخير , لم يوفق؛لأنه لم يسع , وفي قلبه حب للشر , ونوع بغض للخير , فلذلك لم يعنه الله جل وعلا على نفسه.

قال بعدها: "وكل يعمل لما قد فرغ له , وصائر إلى ما خلق له" يعني: أن من خلقهم الله جل وعلا كل يعمل لما كتب في الكتاب , أنه سيؤول إليه , فإن الله جل وعلا عالم بما العباد يفعلون إذا خلقهم , فهذا سيفعل الخير على تفاصيله فكتب عليه ذلك , وهذا سيعمل الشر على تفاصيله فكتب عليه ذلك , وقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام:((اعملوا فكل ميسر لما قد خلق له)) يعني: أن الله جل وعلا خلق الجنة وخلق لها أهلاً , وهذا سيعمل حتى يصل إلى ما خلقه الله جل وعلا له , وخلق النار... إلى آخره.
وهذا سيأتي مزيد بيان له في القدر في المسائل القريبة إِنْ شَاءَ اللَّهُ الله تعالى.
قال: "والخير والشر مقدران على العباد" يعني: أن ما يفعله العبد من الخير أو يفعله من السوء فهو لم يحصل ابتداء منه دون قدر سابق , بل الله جل وعلا قدر عليه ذلك , ومعنى قدر عليه ذلك أي: أنه سبحانه علم ذلك منه , وكتبه عليه , وأنه أعانه بالأدوات والقدرة والإرادة, بحيث فعل الخير وفعل الشر , ما شاء الله كان , وقع الخير ووقع الشر بمشيئته , وهو سبحانه خالق كل شيء.
وذكره هنا بأن الخير والشر مقدران؛لأجل قوله عليه الصلاة والسلام في جوابه لجبريل ((وأن تؤمن بالقدر خيره وشره)) , والثاني: لأن الفرق في مسألة القدر والخير والشر , وأفعال العباد , ونحو ذلك طرفان: الفرق المخالفة الطرف الأول الجبرية , والطرف الثاني القدرية والجبرية ,
يقولون: العبد مجبر على كل شيء , فهو كالريشة في مهب الريح , وكحركة الأمعاء في داخل البطن , ليس له فيها اختيار؛بل هو يجري كما يشاء الله جل وعلا , دون أن يكون العبد مختاراً للخير أو مختارا للشر , ويقابلهم القدرية بقولهم: الخير والشر ليسا مقدرين , بل العبد يعملهما , وهما عمل العبد وخلق العبد لفعله , والله جل وعلا يحاسب الناس على ما فعلوا , ليس الخير خلقا له في فعل العبد , وليس الشر خلقاً له في فعل العبد , ولم يقدرهما على العباد فعلاً وتركا؛وذلك لأنه عندهم ينافي العدل الواجب فيما قاسوا به أفعال الله جل وعلا , على أفعال قاسوا فيه أفعال العباد على أفعال الله جل وعلا نذكر عدة مسائل هنا:

الأولى: أن الخير والشر المقدرين على العباد يعني بهما ما يصيب العبد من خير ومن شر عليه , أما في فعل الله جل وعلا فليس في أفعاله سبحانه إلا الخير , كما قال عليه الصلاة والسلام في دعائه في صلاته: ((والشر ليس إليك)) , يعني: أن أفعال الله جل وعلا لا توصف بالشر؛بل كلها عدل أو فضل وخير بما فيها من الغايات المحمودة , لكن ما يضاف للعبد يكون شراً بالنسبة له , لكن بالنسبة للقدر هو خير يعني مثلاً مصيبة أصيب فلان بفقد والده , أصيب , أصيب بفقد ماله , هو بالنسبة له سوء وشر , لكن بالنسبة إلى القدر وفعل الله جل وعلا هو خير؛لأنه لا ينظر إلى المسألة بمجردها؛بل إلى الغاية المحمودة من ورائها , والغاية المحمودة من ورائها أن يبتلي العباد بذلك , يبتلي الحي ولا يبتلى الميت {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا}.
فإذن أفعال الله جل وعلا كلها خير , وأما ما يضاف إلى العبد فينقسم إلى الخير والشر , فقوله: "والخير والشر مقدران على العباد" يعني: الخير والشر الذي يحصل للعبد مقدر.

المسألة الثانية:
القدر هنا في قوله: "مقدران على العباد" يعني: أنهما لم يقعا استئنافاً , بل الله جل وعلا يعلم ما سيحصل على العبد, وكتب ذلك , وذكرت لك أن الفرق المخالفة في هذه المسألة في القدر ترى أنها طرفان , الجبرية والجبرية صنفان: جبرية غلاة وهم الجهمية الذين يقولون: الله جل وعلا يجبر العبد على كل شيء , وعلى الخير , على الشر , وإنما هو كالريشة في مهب الريح... إلى آخره، ويستدلون على ذلك بقوله جل وعلا: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} يقولون: إن الذي رمى في الحقيقة هو الله جل وعلا , ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ما رمى.وهذا قول الغلاة منهم غلاة الجبرية.
ويرد عليهم في هذا الاستدلال على وجه الاختصار بجوابين:
الأول: أن الله جل وعلا قال: {وما رميت إذ رميت} يعني: حين رميت فإن الله جل وعلا هو الذي رمى , وظاهر الآية كما هو واضح أنه أثبت للنبي صلى الله عليه وسلم رمياً فقال:{إذ رميت} ونفى عنه رمياً بقوله:{وما رميت} والنظر الصحيح يدل على أنه لابد من الجمع ما بين الرمي المنفي والرمي المثبت , وهذا يتضح بأن العبد إذا فعل الفعل فإن الفعل الذي يفعله سبب في حدوث المسبب , ولا يحصل المسبب , لا تحصل النتيجة بفعل العبد وحده في أكثر أو في جل المسائل , بل لابد من إعانة من الله جل وعلا , وهذا ظاهر في الرمي بخصوصه؛لأن الرمي عن بعد له ابتداء وله انتهاء , فابتداء الرمي من النبي عليه الصلاة والسلام , لكن الانتهاء بأن يصيب رمي النبل أو رمي الحصاة , أن يصيب فلاناً مشركا ويموت منه , هذا من الله جل وعلا؛لأن العبد ما يملك أن تكون رميته ماضية فتصيب.

ولهذا فيكون العبد هنا متخلصاً من رؤيته لنفسه ومن حوله وقوته مع فعله , فأراد جل وعلا أن يعلم نبيه والمؤمنين , أن يتخلصوا من إعجابهم ورؤيتهم لأفعالهم وأنفسهم فقال: افعلوا , ولكن الذي يمن عليكم ويسدد رميكم هو الله جل جلاله ,فيكون إذن معنى أصاب: أعان على التسديد.

الجواب الثاني: أنه لو قيل: إن.. على قول الجبرية: إن الله هو الذي يفعل الأشياء.لكان تقدير الآية كما قاله جماعة أن يقال: في كل فعل فعله العبد ما فعله , ولكن الله فعله , كأن تقول: ما صليت إذ صليت ولكن الله صلى , وما زكيت إذ زكيت ولكن الله زكى، وما مشيت إذ مشيت ولكن الله مشى... وهكذا في الأعمال القبيحة المشينة التي ينزه الله جل وعلا عنها بالإجماع كقول القائل (أعوذ بالله): وما سرقت إذ سرقت ولكن الله سرق، وما زنيت إذا زنيت ولكن الله... إلى آخره، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

والقول إذا كان يلزم منه اللازم الباطل يدل على فساده وعدم اعتباره؛لأن القول الحقيق , القول الصحيح قول الحق لا يلزم منه لوازم باطلة , والقول الباطل هو الذي ينشأ عنه لوازم باطلة , ما الفرق بين هذه وهذه؟الفرقة الثانية من الجبرية هم الجبرية المتوسطة , والجبرية المتوسطة أو (اللي) يعني الذين هم ليسوا بالغلاة هم الذين يتوسطون , فيقولون: العبد مجبور باطنا , لكنه في الظاهر مختار , يعني ظاهراً هو يختار يمشي ويروح ويأتي المسجد , ويذهب إلى المكان الثاني باختياره , لكنه في الباطن مجبر. وهذا قول كثير من أهل الكلام والأشاعرة والماتريدية , وجماعة ممن ينحون هذا المنحى , بأن الإنسان مجبور , لكنه في الظاهر ليس بمجبور.

وإذا كان كذلك فإنهم يجعلون أفعال الإنسان له , ولكنها عديمة الفائدة لا معنى لها , هؤلاء هم الذين يقال عنهم: نفاة الأسباب , يعني يقولون: إن الإنسان جامع زوجته فحملت يقولون: لم يحدث الحمل بالجماع , إذن كيف حدث الحمل؟يقولون: أحدث الله الحمل عند التقاء الرجل بالمرأة , لكن إن ماء الرجل يلتقي بماء المرأة أو بويضة المرأة ويحدث منها حمل بما أجرى الله الأسباب عليه فينفون ذلك , ويطردون هذا في كل شيء , يقولون: إن فعل الإنسان فيما يفعله كحركة السكين في قطعها للورق أو قطعها للخبز أو قطعها لما تقطع فيقولون بالتمثيل: إن الله هو الذي كأنه يحمل السكين والسكين تتحرك , هي التي تقطع , لكن في الواقع هي مجبورة على القطع , وإن كانت ظاهراً تتحرك وقطعت.

وهذا القول وهو قول هؤلاء مع زعمهم أنهم عقلاء , وأنهم متكلمون , وأنهم فلاسفة... إلى آخره , هؤلاء قولهم هذا ينفيه العقل البسيط , فضلاً عن العقل الرصين , وأحدثوا قولاً على هذا يسمى الكسب , سيأتي بيانه في موضعه , فالماء عندهم لم ينبت الأرض , الله جل وعلا يقول:{فأنبتنا به جنات وحب الحصيد} يعني أنبتنا (بإيش؟) بالماء , أنبتنا به جنات وحب الحصيد، يعني: أن النبات خرج (بإيش؟) بالماء , الماء سبب , والتراب سبب , لكن هل هذا يعني أن الله لم يفعل؟لم يخلق؟لم ينم؟ لا , الجماع سبب , الباء معناها أن الله لم يفعل؟ لا.

فإذن إثبات الأسباب هو سبيل العقلاء في أن السبب ينتج عنه المسبب , وأن الشيء تنتج عنه نتيجته , الفعل ينتج عنه نتيجته , الأثر يقتضي أن يوجد مؤثر , وهكذا , فإذا صار هنا هواء بارد لابد أن فيه مصدر , لهذا الهواء البارد الذي يأتينا يقول هؤلاء من الأشاعرة ونحوهم من نفاة الأسباب يقولون: لا , الهواء أرسله الله جل وعلا عند تشغيل الجهاز , وهذا مما يقتضي العقل أن ينفيه؛لأنه غير مطابق للعقل أصلاً , وهؤلاء تجد ذكرهم في كثير من كتب أهل العلم بعنوان: نفاة الأسباب , نفاة الأسباب , إذا قيل لك: نفاة الأسباب يعني الجبرية المتوسطة من الأشاعرة ونحوهم , عمل العبد بين فعل الله جل وعلا؛لأنهم يقولون بخلق الله للأفعال , وبين الفعل العبد الحاصل يسمونه كسباً.

ويأتي عند قوله: "وأفعال العباد خلق الله وكسب من العباد" الفرقة الثانية هم القدرية , والقدرية أيضا صنفان: قدرية غلاة , وهم الذين ينكرون علم الله السابق , ويقولون: الأمر مستأنف جديد , الخير والشر مقدر؟ لا , إنما هو مستأنف جديد , لا يعلم الله الخير حتى يقع , ولا يعلم الشر حتى يقع , تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً , وكان الله بكل شيء عليما سبحانه وتعالى , فهؤلاء هم الذين صاح بهم السلف وكفروهم , وقال فيهم الشافعي: ناظروا القدرية بالعلم , فإن أقروا به خصموا , وإن أنكروا العلم , يعني علم الله جل وعلا (إيش؟) كفروا.
هؤلاء فرقة كانت موجودة وانتهت.

الفرقة الثانية: المعتزلة وأشباه المعتزلة , وهم الذين يسمون القدرية , وهم الذين يقولون: إن الإنسان يخلق فعل نفسه , وأن الله جل وعلا لا يضاف إليه خلقا كل ما هو سيئ , لا يضاف إليه خلقا الشر ولا القتل... ولا إلى آخره , ويقولون أيضا: إن فعل العبد واستطاعة العبد وقدرة العبد هذه ليس لله جل وعلا فيها مأخذ , بل قدرة المطيع وقدرة العاصي , وقدرة المؤمن وقدرة الكافر , إرادة المؤمن , إرادة الكافر للعمل واحد.

وهذا الأصل الذي قالوه وذهبوا إليه؛لأجل شبهة عندهم وضلال عندهم , وهو أنهم قالوا: إن العدل يوجب على الله جل وعلا أن يساوي بين العباد , والظلم بالتفريق ما بين هذا وهذا , ما بين المؤمن والكافر , المطيع والعاصي , هذا ظلم , فحكموا عقولهم وآراءهم في فعل الله جل وعلا , وفي تصرفه وصفاته جل وعلا , والله سبحانه وتعالى يقول: {فعال لما يريد} , ويقول جل وعلا:{لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} , وقوله: {لا يسأل عما يفعل} لجهتين:

الأولى: أن الله جل وعلا له التصرف في ملكه كيف يشاء.

والجهة الثانية: أن الله جل وعلا له الحكمة البالغة فيما يفعل , وفيما يجريه في ملكوته ويشاء , والعباد قاصرون عن معرفة الحكم في أنفسهم , فكيف بالحكم في أفعال الله جل وعلا وصفاته , وتصرفه في ملكوته؟!
وهؤلاء المعتزلة هم الذين يكثر رد الأشاعرة عليهم في مسائل القدر , وهم كالأشاعرة في مخالفة لما دلت عليه الأدلة.

الخلاصة أن هؤلاء وهؤلاء كل نزع بأدلة مختلفة , فهدى الله جل وعلا أهل السنة ومن عليهم بأنهم لم يفرقوا بين الكلم ولم يفرقوا بين الكتاب , بل أخذوا بكل الأدلة فقالوا بخلق الله جل وعلا لفعل العبد , وأن العبد يفعل حقيقة , وقالوا أيضا بأن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء , فأعلموا كل النصوص , أعلموا كل النصوص والأدلة , وقالوا: {إن ربك فعال لما يريد} سبحانه وتعالى , لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه , ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن , جرى الأمر على ما يريده الرب جل جلاله , وتقدست أسماؤه , ثم أعملوا العقل الصحيح في أن الإنسان يحس من نفسه أنه مختار , يحس من نفسه أنه يذهب إلى الخير ويذهب إلى الشر , يذهب إلى الخير فينشرح صدره له , ويذهب إلى الشر , فيقتل ثم يندم وتعاقبه نفسه , وتؤنبه نفسه على ذلك , ففي الإنسان ما يحس به بأنه يختار ويختار , يختار الشر ويختار الخير , وهذه ضرورة في قلب كل أحد لا مفر منها , فالإنسان مختار لهذا ومختار لهذا.

ثم ثالثا يقال: إن أهل السنة نظروا إلى المسألة في قولهم في القدر , في أن الخير والشر مقدران على العباد , بأن من احتج على القدر فإنه يناقض نفسه , لماذا؟ لأنه كل من قال في القدر قولاً يقول مثلا: إن الله جل وعلا أعطاني.. إن الله جل وعلا كتب علي السيئات , وجعلني أفعل الشر وكذا , ثم يعذبني بالنار , لكنهم لا يتجاسرون أن يحكموا القضية المقابلة لذلك , وهي أن يقول القائل كذلك إذا جعلني أصلي , جعلني أطيع الله جل وعلا , وجعلني أفعل من الخيرات , فلماذا يثيبني؟

والمسألة هذه بمقابل هذه , فإذا كان قال القائل: كتب علي السيئات فلماذا يعذب؟ فكذلك لابد أن يقول: وكتب علي الخير فلماذا يثيب؟ والإنسان بطبيعته يهرب مما هو عليه , فلا يقر على نفسه بما فيه مصلحته بأن الخير الذي هو مصلحة له فيذهب ويسكت عنه؛
لأن فيه مصلحة له , لكن يأتي بما فيه مضرة عليه , أو بما فيه تبرير لفعله ليهرب من الواقع.
والحقيقة أن العقل الصحيح , وإدراك الإنسان لنفسه وفطرته وضرورياته يجد أنه يفعل الخير اختيارا , ويفعل الشر اختياراً , يفعل الخير فتنشرح نفسه له , ويفعل الشر فتنكره عليه؛لأنه مفطور على حب الخير وعلى كراهة الشر , فإذن اختياره دليل فطري في كل إنسان , مثل إحساس الإنسان , تحس بالشيء , الأعمى يحس ويقول: هذا كذا , ويستدل به ويكون متيقناً؛لأن دليله صار ضروريا , وكذلك يحس بالأمر الآخر فيكرهه لنفسه؛لأن دليله صار ضروريا.
نكتفي بهذا القدر [كلام ليس له فائدة علمية] وفقكم الله لما فيه رضاه وصلى الله وسلم على نبينا محمد. اقرأ , سم الله , اقرأ:

القارئ: بِسْمِ اللهِ الرَّحَمَنِ الرَّحِيمِ، الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين , نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن.

قال العلامة الطحاوي رحمه الله تعالى:
والخير والشر مقدران على العباد , والاستطاعة التي يجب بها الفعل من نحو التوفيق الذي لا يجوز أن يوصف المخلوق به فهي مع الفعل , وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع والتمكن وسلامة الآلات فهي قبل الفعل , وبها يتعلق الخطاب , وهو كما قال تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} , وأفعال العباد خلق لله وكسب من العباد , ولم يكلفهم الله تعالى إلا ما يطيقون , ولا يطيقون إلا ما كلفهم , وهو تفسير لا حول ولا قوة إلا بالله.

نقول: لا حيلة لأحد ولا حركة لأحد , ولا تحول لأحد عن معصية الله إلا بمعونة الله , ولا قوة لأحد على إقامة طاعة الله والثبات عليها إلا بتوفيق الله , وكل شيء يجري بمشيئة الله تعالى وعلمه وقضائه وقدره , غلبت مشيئته المشيئات كلها , وغلب قضاؤه الحيل كلها , يفعل ما يشاء , وهو غير ظالم أبدا تقدس عن كل سوء وحين , وتنزه عن كل عيب وشين , لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

الشيخ: بِسْمِ اللهِ الرَّحَمَنِ الرَّحِيمِ، الحمد لله حق حمده , وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله , صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما , أما بعد..,
مضى معنا طائفة من الكلام على الإيمان بقدر الله جل وعلا وشره , وأن الخير والشر مقدران من الله جل وعلا , فما يصيب العبد من خير فهو من الله جل وعلا تقديراً وتدبيراً , وما يصيب العبد من شر وسوء فإنه من الله جل وعلا تقديراً وتدبيراً , ومرمعنا مراتب الإيمان بالقدر , وما يتصل بهذا المبحث مما فيه تقرير لعقيدة أهل السنة والجماعة في هذه المسألةالعظيمة التي أمر الله جل وعلا بالإيمان بها , والتسليم لما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم فيها.
ومر معنا أيضا أن القدر سر الله جل وعلا في خلقه , لم يعط حقيقته لملك مقرب , ولا لنبي مرسل , وإنما هو سبحانه وتعالى الذي يعلم كل شيء , وهو جل وعلا الخالق لكل شيء , وهو سبحانه ذو الحكمة البالغة , لا يسأل عما يفعل وهم يسألون , ونحو ذلك من المباحث والموضوعات التي سبق الحديث عنها وسبق تقريرها على ما جاء في كتاب الله جل علا , وفي سنة نبيه عليه الصلاة والسلام.

ومبحث القدر من المباحث العظيمة في الملة؛ولأجل كونه سراً من أسرار الله جل وعلا , وإدراك كنهه , والحكمة, وإدراك كنهه وحكمة الله جل وعلا في عباده غير متحققة من كل وجه , فلذلك صار الخائض في القدر بلا دليل عرضة لمزلة القدر , بل لم يخض في القدر أحد بغير حجة وبرهان إلا وزلت قدمه وتنكب سواء الصراط ,
ولهذا ينبغي أن يتكلم في القدر بما جاء في النص دون زيادة؛لأنه أمر غيبي, ولا يمكن للعبد أن يخوض في الأمور الغيبية إلا مع الدليل , ودون الدليل فهو كالذي يسير في الظلمات , ليس بخارج منها.

والمخالفون في القدر كثيرون , ولهذا الطحاوي رحمه الله لم يرتب الكلام على مسائل القدر في موضع واحد؛حتى يمكن الناظر أن يبسط الكلام فيه بتقرير قول أهل السنة وقول المخالفين , وما يترتب على ذلك , بل فرق فأتى في آخر رسالته هذه بشيء من الكلام على القدر.
لكن من جهة النظر إلى خلاف المخالفين لهذا هذه الجمل التي معنا من قوله: "والخير والشر مقدران على العباد" إلى قوله: "وفي دعاء الأحياء وصدقاتهم منفعة للأموات" هذه كلها لأجل خلاف المخالفين من الجبرية والقدرية.

وقبل أن نخوض في بيان كلامه , وما فيه من المسائل , نلخص شيئا من أسباب الضلال في القدر , والذي به خرج القدرية , سواء الغلاة أم المعتزلة أو الجبرية أو من ضل في مسألة أو في مسائل في هذا الباب:

السبب الأول: هو عدم الاقتصار , أو ترك الاقتصار على ما جاء في الكتاب والسنة من الواضحات المحكمات التي تبين حقيقة القدر , والأخذ بما فيهما من المتشابهات , وجعل ذلك أصلاً.
ومعلوم أن الواجب على العبد أن يأخذ بالمحكم , وأن يرد المتشابه إلى المحكم , قد أمر الله جل وعلا بذلك , وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم مرة على الصحابة وهم يتنازعون في القدر , كل ينزع إلى قوله بآية , فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان عليه الصلاة والسلام ,
يعني احمر وجهه عليه الصلاة والسلام؛وهذا لأجل أن الواجب على العباد أن يسلموا للمحكمات والأصول العامة , وأن يردوا المتشابه إلى المحكم على ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم.

وبالتالي فإن كل تفسير لآيات القدر لم يكن معروفاً في زمن الصحابة رضوان الله عليهم , فإنه باطل وضلال؛لأنه من الأخذ بالمتشابه , وترك المحكم.

السبب الثاني والمنشأ الثاني للضلال في القدر: أن العباد لم يعرفوا حكمة الله جل وعلا في الأشياء , ولا حكمته فيما يقدر ويخلق من الخير ومن الشر , أو من المخلوقات بعامة , ولما لم يدركوا الحكمة فعارضوا فعل الله جل وعلا في ملكوته بما يرون من ظاهر رأيهم , فعارض الجاهل العالم واقتنع بجهله , فصار على شعبة ضلاله , ومعلوم أن حكمة الله جل وعلا في خلقه منها ما هو مدلل عليه , ومنها ما ليس بمعروف , ولذلك إذا جهلت الحكمة فإن المرء يسلم ولا يعترض.
الشيخ: في خلقه , منها ما هو مدلل عليه , ومنها ما ليس بمعروف.
ولذلك إذا جهلت الحكمة فإن المرء يسلم ولا يعترض, وقد ذكر جماعة من أهل العلم أن سبب الضلال في القدر هو الجهل بحكمة الله فيما يخلق ويقدر , ثم الخوض في ذلك , قد لخصها شيخ الإسلام بقوله فيما ذكرته لكم مراراً في تائيته , حيث يقول:

وأصل ضلال الخلق من كل فرقة هو الخوض في فعل الإله بعلة
فإنهم لم يفهموا حكمة له فصاروا على نوع من الجاهلية

وهذا حق؛ لأن حكمة الله غير معلومة , بل جعل الله جل وعلا مثالاً لمن جهل حكمته في أنه حرم العلم , في قصة موسى مع الخضر عليه السلام , وهذا ظاهر بين لمن يتأمل سورة الكهف , فإن موسى عليه السلام عارض الخضر بظاهر رأيه, والخضر يعمل على ما أمر الله جل وعلا بما يوافق حكمته , وهي الغاية المحمودة من وراء الأفعال , فلما عارض كان ممن لم يستطع صبرا , فحرم العلم {قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا}.

والسبب الثالث للضلال في القدر: هو قياس أفعال الله جل وعلا على أفعال العباد فيما هو من قبيل العدل والظلم , فنظروا إلى أفعال الرب جل وعلا , فجعلوا ما هو عدل في تصرفات البشر واجبًا وعدلاً في تصرفات الرب جل جلاله , وجعلوا ما هو ظلم من تصرفات البشر محرماً أو منفيا وظلماً في تصرف الرب جل جلاله , وهذا هو ضلال القدرية المعروف, حيث جعلوا العدل والظلم في تفسيرها في حق الله جل وعلا كتفسيرها في حق المخلوق , فقاسوا هذا على هذا , وضلوا في هذا الباب؛ لأن الخالق جل وعلا لا يقاس على المخلوق في أفعاله , وفي تدبيراته في ملكوته.

والسبب الرابع: إحداث ألفاظ ومصطلحات جعلت أصلاً في هذا الباب , ثم حمل الكتاب والسنة عليها , مثل لفظ الاستطاعة في تفسيرهم , والطاقة وما لا يطاق والتكاليف وأشباه ذلك , ومنها أيضا عند الجبرية الكسب ونحوه.
ومن المعلوم أن هذه الأمور الغيبية, كالقدر , الاصطلاح عليها بألفاظ وأسماء لمسميات لم يأت عليها برهان أنه يجعل المرء يؤصل ويقعد بشيء لا أساس له , ولهذا لما فهموا وظنوا من الشريعة أنه يقال: كذا مثلاً الاستطاعة لا تكون إلا مع الفعل , أو قالوا: الاستطاعة لا تكون إلا قبل الفعل , كما سيأتي , أو قالوا: الكسب هو الاقتران , أو قالوا: كذا وكذا في تكليف ما لا يطاق , كما سيأتي الآن في هذا الموضع , فسروها بتفسيرات تخصهم , ولهذا ضلوا في أصل يجب الرجوع فيه إلى الدليل؛ لأن إحداث لفظ وإحداث مصطلح لا شك أنه سيترتب عليه أشياء كثيرة.

وسيأتي الكلام على الكسب مثلا , وهو أن الكسب مع وروده في الدليل في قوله مثلًا: {لها ما كسبت} ,{جزاء بما كانوا يكسبون} ونحو ذلك , مع ورود لفظ كسب يكسب والكسب , فإن تفسيرات تنوعت فيه وأحدثوا له فهما جديداً غير المراد في الكتاب والسنة , فصار ثم كسب عند الجبرية , وصار ثم كسب عند القدرية , وصار كسب عند أهل السنة , ولأجل أن هذا اللفظ في أصله , وإن كان واردًا , ولكن جعل مصطلحا على فكرة جديدة توافق ما هم عليه.

فإذن مسائل القدر المصطلحات الجديدة فيها هي سبب الافتراق فيه والضلال فيه , ولو ألغيت هذه المصطلحات , وبقي الناس على ما دل عليه الدليل , فإنه كثير من الخلاف فيه سيذهب , ولهذا عند النقاش والحوار مع المخالف في هذه المسائل , فيبحث معه أصلاً في اللفظ , وفي نشأته , ومن أين أتوا بهذه الألفاظ والتعريفات , لهذا العلم بالقرآن والسنة حجة على كل مخالف أحدث المصطلحات؛ لأن إحداث المصطلحات عقلي , واتباع الكتاب والسنة نقلي , ولهذا يغلب النقل العقل الحادث والمصطلح عليه في هذه المسائل.

الخامسة المسألة الخامسة: من الأسباب التي أنشأت الخلاف والفرقة في أبواب القدر ما يصلح أن يقرر بأن نقول: إن التساوي بين العباد في فعل الله جل وعلا , وادعاء أنهم سواء في كل شيء , يعني: فيما يفعل الله جل وعلا بهم هذا , مع كونه مخالفة , لكنه سبق مخالفة للدليل – لكنه نشأ عن تفريعات وأقوال جعلت الأقوال المخالفة في القدر كثيرة , أو أعيد صياغة هذا السبب بأن نقول: من أسباب ومنشأ الضلال في القدر الحكم على أفعال الله جل وعلا بأحكام من جهة النظر إلى الخلق , فجعلوا فعلا جل وعلا واجبا عليه بالنسبة للجميع , وجعلوا فعلاً لله جل وعلا ممتنعا عليه بالنسبة للجميع.

وسيأتي فيما سنذكر اليوم , إِنْ شَاءَ اللَّهُ , أن خلاف القدرية في مسألة الاستطاعة ناشئ عن أنهم قالوا: الواجب على الله جل وعلا أن يجعل الناس سواسية فيما يعطيهم , فكون هذا يوفق وهذا يخذل هذا غير سائغ؛ لأنه تفريق فإذا جعلنا الأصل هو: أن يكون الناس سواسية , فإن هذا قاعدة نبني عليها غيرها من مسائل القدر.

وهذا التقعيد أو هذه المقدمة نشأ عنها كثير من الخلاف خاصة عند المعتزلة , وبهذا نشأت أقوال كثيرة محدثة في القدر وخلاف متنوع في المسائل العقلية وما يجب على الرب جل وعلا وما لا يجوز عليه , وهذه تتضح أكثر ببحثنا في الاستطاعة إِنْ شَاءَ اللَّهُ... إذا تبين هذا , فالواجب إذن في مسائل الغيب بعامة ألا يتجاوز القرآن والحديث , وأن يسلم للدلالة , وإذا أشكل على المرء شيء فواجب عليه أن يقول: آمنا به كل من عند ربنا , كما يقول الراسخون في العلم مع أنهم يعلمون التأويل في كثير , لكن قد لا يعلمون التأويل في بعض , يعني: طائفة من الراسخين قد لا يعلمون ويعلمه غيرهم , فيقولون: آمنا به كل من عند ربنا , أما ضرب النصوص بعضها ببعض , أو الأخذ بالمتشابه وترك المحكمات , أو قياس أفعال الله جل وعلا على أفعال خلقه , ونحو ذلك من المسائل التي ذكرنا , أو الخوض في الحكم والمصطلحات , فإن هذا ينشئ الافتراق والضلال في هذا الباب؛ لأنه أمر غيبي بحت.
ولهذا ما أحسن قول من قال: القدر-قول علي رَضِي اللهُ عَنْهُ وقول غيره-:"القدر سر الله فلا تكشفه" يعني: لا تحاول كشفه , فإن من حاول كشفه لا شك أنه سيضل؛ لأنه سر من الأسرار اختص الله جل وعلا. هذه مقدمة للمسائل التي سيأتي بيانها إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

  #6  
قديم 5 ربيع الأول 1430هـ/1-03-2009م, 11:49 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية للشيخ: يوسف بن محمد الغفيص (مفرغ)


دخول الجنة فضل ودخول النار عدل من الله
قال رحمه الله: [فإن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق، وخلق لهما أهلاً، فمن شاء منهم إلى الجنة فضلاً منه، ومن شاء منهم إلى النار عدلاً منه] . من دخل الجنة فهو بفضل الله تعالى ورحمته، خلافاً للمعتزلة الذين قالوا بأن هذا على طريقة المجازاة المحضة، وأنه واجب على الله. وكذلك من دخل النار فإنه يدخلها بعدله سبحانه وتعالى، فإن العبد إنما كفر بعد ما جاءته البينات والهدى.

قدّر الله سبحانه وتعالى كل شيء من الأحوال الكونية والأوامر الشرعية، فإن الكون كله بيد الله، والخلق كله لله، وكل شيء يجري بمشيئة الله سبحانه وعلمه وقضائه.
أعمال العباد مقدرة
قال رحمه الله: [وكل يعمل لما قد فُرغ له، وصائر إلى ما خلق له] . أي أن العبد يعمل ما يسره الله سبحانه وتعالى له، كما في الحديث: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) ، وقوله: (قد فرغ له) أي ما مضى به القدر. ......

الخير والشر من تقدير الله
قال: [والخير والشر مقدران على العباد] . قدر الله سبحانه وتعالى متعلق بكل شيء من الأحوال الكونية والأوامر الشرعية، فإن الأمر كله لله، والخلق كله لله، كما في قوله تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}[الأعراف:54] ، وقدره سبحانه متعلق بسائر أمره وخلقه. ......

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
وأن, قوله

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:48 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir