دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الطحاوية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 03:08 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي قوله: (ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله)

ولا نُكَفِّرُ أَحَدًا من أهلِ القِبْلَةِ بِذَنْبٍ، مَا لَمْ يَسْتَحِلَّهُ.

  #2  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 05:24 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات على الطحاوية لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله([1]).



([1]) قوله: (ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله)
مراده رحمه الله: أن أهل السنة والجماعة لا يكفرون المسلم الموحد المؤمن بالله واليوم الآخر بذنب يرتكبه، كالزنا وشرب الخمر والربا وعقوق الوالدين وأمثال ذلك ما لم يستحل ذلك، فإن استحله كفر لكونه بذلك مكذبا لله ورسوله خارجا عن دينه أما إذا لم يستحل ذلك فإنه لا يكفر عند أهل السنة والجماعة بل يكون ضعيف الإيمان، وله حكم ما تعاطاه من المعاصي في التفسيق وإقامة الحدود وغير ذلك حسبما جاء في الشرع المطهر، وهذا هو قول أهل السنة والجماعة خلافا للخوارج والمعتزلة ومن سلك مسلكهم الباطل، فإن الخوارج يكفرون بالذنوب والمعتزلة يجعلونه في منزلة بين المنزلتين يعني بين الإسلام والكفر في الدنيا وأما في الآخرة فيتفقون مع الخوارج بأنه مخلد في النار، وقول الطائفتين باطل بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وقد التبس أمرهما على بعض الناس لقلة علمه، ولكن أمرهما بحمد الله واضح عند أهل الحق كما بينا وبالله التوفيق.


  #3  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 05:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات المختصرة للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

(1) ولا نُكَفِّرُ أَحَدًا من أهلِ القِبْلَةِ بِذَنْبٍ، مَا لَمْ يَسْتَحِلَّهُ.



(1) (ولا نُكَفِّرُ أَحَدًا مِن أهلِ القبلةِ بِذَنْبٍ ما لَمْ يَسْتَحِلَّهُ) هذا كَمَا سَبَقَ أنَّ الذنبَ إذا لمْ يَكُنْ كُفْرًا أو شِرْكًا مُخْرِجًا من المِلَّةِ، فإِنَّنَا لا نُكَفِّرُ بهِ المسلمَ، بل نَعْتِقُدُ أَنَّهُ مؤمنٌ ناقصُ الإيمانِ، مُعَرَّضٌ للوعيدِ وتحتَ المشيئةِ. هذه عقيدةُ المسلمِ، ما لمْ يَسْتَحِلَّهُ، فإذا اسْتَحَلَّ ما حَرَّمَ اللَّهُ فإِنَّهُ يَكْفُرُ، كَمَا لو اسْتَحَلَّ الرِّبَا أو الخمرَ أو المَيْتَةَ أو لَحْمَ الخِنْزِيرِ أو الزِّنَا، إذا اسْتَحَلَّ ما حَرَّمَ اللَّهُ كَفَرَ باللَّهِ، وكذلكَ العكسُ: لو حَرَّمَ ما أَحَلَّ اللَّهُ كَفَرَ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} (التوبة: 31).

وجاءَ تفسيرُ الآيةِ بأَنَّهُم أَحَلُّوا لَهُم الحرامَ وَحَرَّمُوا عليهم الحلالَ فَأَطَاعُوهُم.

أَمَّا لو فَعَلَ الذنبَ وهو لم يَسْتَحِلَّهُ بل يَعْتَرِفُ أَنَّهُ حَرَامٌ فهذا لا يَكْفُرُ, ولو كَانَ الذنبُ كبيرةً دونَ الشركِ والكُفْرِ لكنَّهُ يكونُ مُؤْمِنًا ناقصَ الإيمانِ أو فاسِقًا بِكَبِيرَتِهِ مُؤْمِنٌ بإيمانِهِ.

وقولُهُ: (لا نُكَفِّرُ بِذَنْبٍ) لَيْسَ على إطلاقِهِ، فتارِكُ الصلاةِ مُتَعَمِّدًا يُكَفَّرُ، كما دَلَّ على ذلكَ الكتابُ والسُّنَّةُ.

  #4  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 09:14 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي


قوله. (ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب، ما لم يستحله، ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله).

ش: أراد بأهل القبلة الذين تقدم ذكرهم في قوله: ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين، [ما داعموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين، وله بكل ما قال وأخبر مصدقين]، يشير الشيخ رحمه الله [بهذا الكلام] إلى الرد على الخوارج القائلين بالتكفير بكل ذنب.
واعلم - رحمك الله وإيانا - أن باب التكفير وعدم التكفير، باب عظمت الفتنة والمحنة فيه، وكثر فيه الإفتراق، وتشتت فيه الأهواء والآراء، وتعارضت فيه دلائلهم. فالناس فيه، في جنس تكفير أهل المقالات والعقائد الفاسدة، المخالفة للحق الذي بعث الله به رسوله في نفس الأمر، أو المخالفة لذلك في اعتقادهم، على طرفين ووسط، من جنس الاختلاف في تكفير أهل الكبائر العملية.
فطائفة تقول: لا نكفر من أهل القبلة أحداً، فتنفي التكفير نفياً عاماً، مع العلم بأن في أهل القبلة المنافقين، الذين فيهم من هو أكفر من اليهود والنصارى بالكتاب والسنة والإجماع، وفيهم من قد يظهر بعض ذلك حيث يمكنهم، وهم يتظاهرون بالشهادتين. وأيضاً: فلا خلاف بين المسلمين أن الرجل لو أظهر إنكار الواجبات الظاهرة المتواتره، والمحرمات الظاهرة المتواترة، ونحو ذلك، فإنه يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل كافراً مرتداً. والنفاق والردة مظنتها البدع والفجور، كما ذكره الخلال في كتاب السنة، بسنده إلى محمد بن سيرين، أنه قال: إن أسرع الناس ردة أهل الأهواء، وكان يرى هذه الآية نزلت فيهم: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره. ولهذا امتنع كثير من الأئمة عن إطلاق القول بأنا لا نكفر أحداً بذنب، بل يقال: لا نكفرهم بكل ذنب، كما تفعله الخوارج. وفرق بين النفي العام ونفي العموم. والواجب إنما هو نفي العموم، مناقضة لقول الخوارج الذين يكفرون بكل ذنب. ولهذا - والله أعلم - قيده الشيخ رحمه الله [بقوله]: ما لم يستحله. وفي قوله: ما لم يستحله إشارة إلى أن مراده من هذا النفي العام لكل ذنب [من] الذنوب العملية لا العلمية. وفيه إشكال فإن الشارع لم يكتف من المكلف في العمليات بمجرد العمل دون العلم، ولا في العلميات بمجرد العلم دون العمل، وليس العمل مقصوراً على عمل الجوارح، بل أعمال القلوب أصل لعمل الجوارح، وأعمال الجوارح تبع. إلا أن يضمن قوله: يستحله بمعنى: يعتقده، أو نحو ذلك.

  #5  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 12:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لمعالي الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)



القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين , نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال العلامة الطحاوي رحمه الله تعالى:
ولا نكفرُ أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله , ولا نقول: لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله.

الشيخ: (بس) يكفي. الحمد لله وبعد..، هذه الجملة من كلام العلامة الطحاوي –رحمه الله- من الأصول العظيمة في معتقد أهل السنة والجماعة؛ أنهم لا يكفرون أحداً من أهل القبلة بمجرد حصول الذنب منه , إلا إذا استحله باعتقاد كونه حلالاً له، أو حلالاً مطلقاً , وكذلك أنهم لا يخففون أمر الذنوب , بحيث يجعلون الذنب غير مؤثر في الإيمان , لهذا قال تقريراً لهذا الأصل العظيم: "ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنبٍ ما لم يستحله , ولا نقول: لا يضر مع الإيمان ذنبٌ لمن عمله"
وهذه الجملة من كلامه أراد بها أن حصول الذنب من أهل القبلة لا يعني تكفيره , كما ذهبت إلى ذلك الخوارج , وحصول الذنب من أهل القبلة لا يعني أن هذا المؤمن لم يتأثر بحصول الذنب منه , كما تقوله المرجئة , فخالف بهذا القول الخوارج والمعتزلة , وخالف أيضاً المرجئة، وهذه المسألة لا شك أنها من المسائل العظيمة جداً , وهي مسألة التكفير , تكفير المنتسب إلى القبلة الذي ثبت إسلامه وإيمانه , إذا حصل منه ذنب فإن قاعدة أهل السنة والجماعة أن من دخل في الإسلام والإيمان بيقين , لم يخرجه منه مجرد ذنب حصل منه , ولا يخرجه منه كل ذنب حرمه الشارع , بل لا بد في الذنوب العملية من الاستحلال؛ بأن يعتقد أن هذا الذنب , أن هذا العمل منه حلالٌ له وليس بذنب , وأنه ليس بمحرم , وهذه هي طريقة أهل السنة والجماعة؛ لأنهم لا يكفرون بل يخطئون , أو يضللون , أو يفسقون فتقول: مؤمن بإيمانه , فاسقٌ بكبيرته , مسلم بما معه من التوحيد ولكنه فاسق لما ارتكب من الكبيرة التي أظهرها ولم يتب منها.
فهذه الجملة فيها تقرير لعقيدة أهل السنة , ومخالفتهم للخوارج والمعتزلة , وكذلك مخالفتهم , وكذلك فيها مخالفة أهل السنة للمرجئة.
إذا تبين هذا فتحت هذه الجملة مسائل:

المسألة الأولى:
في الدليل , دليل أهل السنة والجماعة على أن من أصاب ذنباً من أهل القبلة فإنه لا يُكفَّر , دل عل ذلك جملة أدلة من الكتاب والسنة , منها قول الله جل وعلا: ] يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى [. ومعلوم أن القاتل داخلٌ في هذا الخطاب , في النداء بالإيمان و وقال جل وعلا بعدها: ] فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [ فسماه أخاً له , فدل على أن حصول القتل على عظمه لم ينفِ اسم الإيمان , وكذلك قوله جل وعلا: ] وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُواْ الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [ فسماهم مؤمنين , وسماهم إخوة أيضاً , ووصفهم بالإخوة , فدل على أن وقوع القتل منهم لم ينف اسم الإيمان مع قوله جل وعلا: ] وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ [ فأثبت له جهنم وعيداً وغضب الله جل وعلا عليه , واللعنة ومع ذلك لم ينف عنه اسم الإيمان , فدل على أن وقوع الكبيرة من المسلم لا يسلب عنه الإيمان , ووقوع الذنب ليس مبيحاً لإخراج هذا المذنب من أصل الإسلام إلى الكفر.

ويدل على ذلك أيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه البخاري وغيره , حينما أتي برجل من الصحابة يقال له: حمار , شرب الخمر , فجلده , ثم شربها ثانية , فأُتي به فجلده , ثم لما أُتي به الثالثة قال رجل: لعنه الله؛ ما أكثر ما يؤتى به. فقال نبينا عليه الصلاة والسلام: ((لا تقولوا ذلك؛ فإنه يحب الله ورسوله)).

فدل على أن وجود المحبة الواجبة لله جل وعلا ولرسوله صلى الله عليه وسلم مع حصول الكبيرة مانع من لعنه , وهذا يعني أنها مانعٌ من تكفيره ومن إخراجه من الدين من باب الأولى، كذلك قال الله جل وعلا: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ [ فناداهم باسم الإيمان , مع حصول الذنب منهم , وهو الإلقاء بالمودة إلى عدو الله جل وعلا , وعدو رسوله صلى الله عليه وسلم , فدل على أن إلقاء المودة لأمر الدنيا ليس مخرجاً من اسم الإيمان, بل يجتمع معه , قال تعالى في آخر الآية: ] وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ [.

وفي قصة حاطب بن أبي بلتعة في إسراره للكفار بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على وقوع الذنب منه, وعلى مغفرة الذنب له؛ لأنه من أهل بدر , قال عليه الصلاة والسلام في حقه: ((لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم))، في رواية ثانية: ((إن الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)).
والأدلة على هذا الأصل عند أهل السنة والجماعة كثيرة , ومما يدل عليه من جهة النظر أن الكبائر كالسرقة والزنى، شرب الخمر والقتل , ونحو ذلك شرعت فيها ولها الحدود , كذلك القذف شرعت لها الحدود، والحدود مطهرة , والمرتد يقتل على كل حال , ووجود الحدود هذه دليل ظاهر على أنه ارتكب فعلاً لم يخرجه من الملة؛ لأن النبي r قال: ((من بدل دينه فاقتلوه)) , وقال: ((والتارك لدينه المفارق للجماعة)) يعني: ممن يحل دمه , فدل على أن وقوع هذه الذنوب من العبد تظهر بهذه الحدود وليست كفراً؛ لأنها لو كانت كفراً لكان يقتل ردةً لقوله: ((من بدل دينه فاقتلوه)).

ويدل عليه أيضاً أن ولي الدم في القتل يعفو فإذا عفى، له السلطان إن شاء عفى , وإن شاء أخذ , قال جل وعلا: ] وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً [ , قال: ] فقد جعلنا لوليه سلطاناً [ وهذا يدل على أن الحق هنا للمخلوق , وأما الردة فهي حق لله , يعني أما الردة فجزاؤها حق لله جل وعلا , ليس لولي القتل.. لولي المقتول , فدلت هذه الأدلة ودل غيرها على بطلان قول الخوارج , وعلى ظهور قول أهل السنة والجماعة في هذه المسألة , في أن صاحب الذنب من الكبائر العملية التي ذكرنا بعضاً منها , أنه لا يخرج من الإسلام بحصول الذنب منه , يعني بحصول ذنب منه , أو بحصول كل ذنب , أو أي ذنب منه , يعني ليس كل ذنب مخرجاً له من ذلك , بل الكبائر العملية ليست كذلك يعني مخرجة له من الإسلام , خلافا لقول الخوارج والمعتزلة في التخليد في النار.
وأما الجملة الثانية , وهي قوله: "ولا نقول: لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله" فهذه أيضاً فيها مخالفةً للمرجئة , الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب , كما لا ينفع مع الكفر طاعة. والأدلة دلت على أن الذنوب تؤثر في الإيمان , قال جل وعلا في ذكر القائل: ] وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا [ , وقال جل وعلا في الربا: ] الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُالشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [ , وقال جل وعلا في المرابين: ] فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ [ , وشرع الله جل وعلا الحد في السرقة ] وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا [ , وشرع الجلد في القذف وفي الزنى... إلى آخر ذلك.
وهذا يدل على أن هذه الأمور أثرت في الإيمان , هذه الكبائر أثرت في الإيمان , والأحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الباب كثيرة؛ ((لا يدخل الجنة قتات)) , ((لا يدخل الجنة قاطعُ رحم))، وهذا تأثير في الإيمان بسبب هذه الكبيرة.

المسألة الثانية:
هذه الجملة اشتملت على معتقدٍ فيه النهي عن التكفير , والتكفير تكفير أهل القبلة بأي ذنب حرام , والخوض في مسائل التكفير بلا علم أيضاً حرام , وقد يكون من كبائر الذنوب , بل هو من كبائر الذنوب؛ وذلك لأوجه:

الأول: أن الإسلام والإيمان ثبت في حق الشخص , في حق المعين , بدليل شرعي , فدخل في الإسلام بدليل , فإخراجه منه بغير حجة من الله جل علا , أو من رسوله صلى الله عليه وسلم من القول على الله بلا علم، ومن التعدي , من تعدي حدود الله، ومن التقدم بين يدي الله جل وعلا , وبين يدي رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه التحذير من هذا الأمر الجلل , وهو مخالفة ما ثبت بدليل إلى الهوى أو إلى غير دليل , لهذا يقول العلماء: من ثبت إيمانه بدليل أو بيقين لم يزل عنه اسم الإيمان بمجرد شبهة عرضت , أو تأويل تأوله , بل لا بد من حجة بينة لإخراجه من الإيمان , كما يقول ابن تيمية: ولا بد من إقامة حجة تقطع عنه المعذرة.

الثاني من الأوجه في خطر التكفير , وما تضمنته هذه الكلمة من معتقد أهل السنة والجماعة: أن التكفير خاض فيه الخوارج , وهم أول الفئات التي خاضت في هذا الأمر. والصحابة رضوان الله عليهم أنكروا عليهم أبلغ الإنكار , بل عدّوهم رأس أهل الأهواء، وأول مسألة خاض فيها الخوارج , وسببت التوسع في التكفير هي مسألة الحكم بغير ما أنزل الله , حيث احتجوا على علي رضي الله عنه بأنه حكم الرجال , وكانوا من جيش علي بأنه حكم الرجال على كتاب الله لما حصلت واقعة التحكيم بين أبي موسى الأشعري وبين عمرو بن العاص –رضي الله عنهما- فقال: حكم الرجال على كتاب الله , فهو كافر , فكفروا علياً رضي الله عنه وأرضاه؛ استدلالاً بقوله جل وعلا: ] وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [ فذهب إليهم ابن عباس يناظرهم , حتى احتج عليهم بقول الله جل وعلا: ] فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [ الآية , فرجع ثلث الجيش , وبقي طائفة منهم على ضلالهم.
وظهرت فرق كثيرة من الخوارج , فيدلك على قبح الخوض في هذه المسألة بلا علم , أنها شعار أهل الأهواء , أعني الخوارج , وهم أول فرقة خرجت في هذه الأمة وخالفت الجماعة، ولا شك أن التزام نهج أتقى أهل الأرض بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المتعين.

السبب الثالث , أو الوجه الثالث من أوجه بيان خطر التكفير , والخوض فيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((من قال لأخيه: يا كافر , فقد باء بها أحدهما)) يعني: إن كان كافراً فهو كما ادعي عليه , وإلا عادت إلى الآخر , وهذا وعيدٌ شديد، وقد يكون التكفير مبعثه الهوى، وقد يكون مبعثه الجهل، وقد يكون مبعثه الغيرة , فهذه ثلاثة أسباب لمنشأ التكفير , قد يكون الهوى يعني التكفير بلا علم الهوى , وقد يكون منشؤه الجهل، وقد يكون منشؤه الغيرة، أما الأول والثاني فواضح , يعني الهوى والجهل فواضح , وأمثلة أهل الأهواء فيه كثيرة.

وأما الثالث وهو أن التكفير قد يحمل المرء عليه الغيرة على الدين قصة عمر -رضي الله عنه- مع حاطب بن أبي بلتعة , حيث لما حصل من حاطب ما حصل قال عمر لنبينا عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله , دعني أضرب عنق هذا المنافق. والحكم عليه بالنفاق حكم عليه بإبطانه للكفر , والنبي عليه الصلاة والسلام لم يؤاخذ عمر -رضي الله عنه- بذلك؛ لأنه من أهل بدر , ولأنه قالها على جهة الغيرة وخطؤه مغفورٌ له؛ لأنه من أهل الجنة، يعني لسبق كونه من أهل بدر , فدل هذا على أن الغيرة غيرُ حجةٍ شرعية في التوسع أو في ابتداء القول في هذه المسائل بلا علم , أو في التكلم فيها , الغيرة ليست عذراً , لهذا النبي صلى الله عليه وسلم ما عذر عمر بالغيرة , وإنما عُذر عمر -رضي الله عنه- لاشتباه المقام أولاً في حق حاطب , ثم لأن النبي عليه الصلاة والسلام ما بين عذره , يعني ما بين الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم عذره , فقال عمر لما أخذ بتلابيب حاطب قال: ((أرسله يا عمر , أو دعه يا عمر. يا حاطب ما حملك على هذا؟)) فلما استفصل منه رجع الأمر إلى الوضوح فيه.

المسألة الثالثة:
افترقت هذه الأمة في هذه المسألة العظيمة , وهي مسألة التكفير , إلى ثلاث طوائف، طائفتان ضلتا , وطائفة هي الوسط , وهي التي على سبيل الجماعة , وهذه الطوائف الثلاث هي الأولى: من كفر بكل ذنب , وجعل الكبيرة مكفرةً وموجبة للخلود في النار , وهؤلاء هم الخوارج والمعتزلة وطوائف من المتقدمين , ومن أهل العصر أيضاً ممن يشركهم في هذا الأصل والعياذ بالله.
الثاني: الطائفة الثانية: من قالت: إن المؤمن لا يمكن أن يخرج من الإيمان إلا بانتزاع التصديق منه القلبي , وحصول التكذيب , وهؤلاء هم المرجئة , وهم درجات وطوائف أيضاً , وهذا مبنيٌ على أصلهم في أن الإيمان هو تصديق القلب , فلا ينتفي الإيمان عندهم إلا بزوال ذلك التصديق , وهذا أيضاً غلط؛ لأدلة ربما تأتي إن شاء الله تعالى.
والفئة الثالثة أو الطائفة الثالثة: وهم الوسط , الذين نهجوا ما دلت عليه الأدلة , وأخذوا طريقة الأئمة التي اقتفوا فيها هدي الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين , فقالوا: إن الملي والواحد من أهل القبلة قد يخرج من الدين بتبديله الدين ومفارقته للجماعة بقولٍ أو عملٍ أو اعتقادٍ أو شك , وهذا هو الذي أورده الأئمة في باب حكم المرتد , وقالوا: إن هذا يدخل في تبديل الدين الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام: ((من بدل دينه فاقتلوه)) , ويدخل في قول الله جل وعلا [من يرتدد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه]* الآية، ونحو ذلك آية البقرة.
فدل ذلك على أن المؤمن المسلم قد يحصل منه ردة , وهذه الردة لها شروطها ولها موانعها بتفصيل لهم في كتب الفقه في باب حكم المرتد , فعند عند أهل السنة والجماعة لا يتساهل في أمر التكفير , بل يحذر منه ويخوف منه , وأيضاً لا يمنعون تكفير المعين مطلقاً , بل من أتى بقولٍ كفري يخرجه من الملة , أو فعل كفري يخرجه من الملة , أو اعتقاد كفري يخرجه من الملة , أو شك وارتياب يخرجه من الملة , فإنه بعد اجتماع الشروط وانتفاء الموانع يحكم عليه العالم أو القاضي بما يجب من الردة ومن القتل بعد الاستتابة في أغلب الأحوال.

المسألة الرابعة:
دل القرآن والسنة على أن الناس ثلاثة أصناف , لا رابع لهم , وهم: المؤمنون، الكفار، المنافقون. والمؤمن المسلم هو من دخل في الإسلام , وشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله , وأتى بلوازم ذلك. والكافر الأصلي قد يكون كتابياً وقد يكون مشركاً وثنياً , فأهل الكتاب مثل اليهود والنصارى , قد يكون وثنياً مثل المجوس وعبدة الكواكب والأوثان ومشركي العرب وأشباه ذلك. والثالث من الأنواع التي في القرآن المنافقون , والمنافق هو من يبطن الكفر ويظهر الإسلام , فيحكم بإسلامه ظاهراً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع المنافقين , حتى إنه باعتبار الحكم الظاهر ورثهم وورث الصحابة من آبائهم المنافقين , وهم في الباطن كفار أشد من اليهود والنصارى لقوله: ] إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [.
فمن حصل منه ذنب ووقع في ذنب من الذنوب , فإنه لا يخلو إما أن يكون من أهل الإيمان , وإما أن يكون من أهل الكفر , وإما أن يكون ممن أظهر الإسلام وأبطن الكفر , فمن كان من أهل الإيمان فإنه ليس كل ذنب يخرجه من الإيمان، فلما شهد شهادة الحق بيقين وظهور فإنه لا يخرجه منها إلا يقين مماثل لذلك مع إقامة الحجة ودرء الشبهة , وهذا التفصيل تنتفعوا به في مسائل تدل على هذا أو ذاك يعني على أحد الأقسام.

المسألة الخامسة:
من أصول أهل السنة والجماعة في هذا الباب وما خالفوا به الخوارج والمعتزلة والمرجئة في باب الإيمان والتكفير: أنهم فرقوا بين التكفير المطلق , وما بين التكفير المعين , أو ما بين تكفير المطلق من الناس دون تحديد , وما بين تكفير المعين , فأهل السنة والجماعة أصلهم أنهم يكفرون من كفره الله جل وعلا , وكفره رسوله صلى الله عليه وسلم من الطوائف أو من الأفراد , فيكفرون اليهود , يكفرون النصارى , ويكفرون المجوس , ويكفرون أهل الأوثان من الكفار الأصليين؛ لأن الله جل وعلا شهد بكفرهم , فنقول: اليهود كفار , والنصارى كفار , وأهل الشرك كفار , يعني أهل الأوثان عباد الكواكب , عباد النار , عباد فلان … إلخ، هؤلاء كفار وهؤلاء كفار أصليون , نزل القرآن بتكفيرهم , كذلك نقول بإطلاق القول في تكفير من حكم الله جل وعلا بكفره في القرآن , ممن أنكر شيئاً في القرآن , فنقول: من أنكر آية من القرآن أو حرفاً فإنه يكفر , نقول: من استحل الربا المجمع على تحريمه فإنه يكفر , من استحل الخمر فإنه يكفر , من بدل شرع الله جل وعلا فإنه يكفر , من دعا الناس إلى عبادة نفسه فإنه يكفر , وهكذا، فيطلقون القاعدة.

وأما إذا جاء التشخيص على معين فإنهم يعتبرون هذا من باب الحكم على المعين، فيرجعونه إلى من يصلح للقضاء أو الفتيا , فالأول وهو التكفير المطلق أو تكفير المطلق دون تحديد هذا مما يلزم المؤمن أن يتعلمه؛ ليسلم لأمر الله جل وعلا وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم , ويعتقد ما أمر الله جل وعلا به , وما أخبر به , فإن تكفير من كفره الله جل وعلا بالنوع واجب , والامتناع عن ذلك من الامتناع عن شرع الله جل وعلا، وأما المعين فإنهم لا يكفرونه , إلا إذا اجتمعت الشروط وانتفت الموانع , وعند من تجتمع الشروط وتنتفي الموانع , عند من يحسن إثبات البيانات ويحسن إثبات الشرط , وانتفاء المانع , وهو العالم بشرع الله الذي يصلح للقضاء أو للفتيا , فيحكم على كل معين بما يستحقه.

فإذن من أصولهم التفريق ما بين الحكم على المعين وما بين القول المطلق، وهذا الأصل دلت عليه أدلة من فعل أئمة السلف ومن أقوالهم؛ فإن الإمام الشافعي مثلاً حكم على قول حفص الفرد لما ناقشه بأنه كُفْر , ولم يحكم عليه بالردة , وكذلك من حكموا على من قال بخلق القرآن , أو أن الله لا يُرى في الآخرة بأنه كافر , لم يطبقوه في حق المعين , لهذا الإمام أحمد لما حكى، أو قال بتكفير من قال بخلق القرآن لم يكفر عيناً أمير المؤمنين في زمانه الذي دعا إلى ذلك , بل أمراء المؤمنين الثلاثة: المأمون ثم المعتصم ثم الواثق , حتى جاء عهد المتوكل فاستدل منه أئمة الإسلام كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية على أن إطلاق الكفر غير تعيين الكافر , ووجه ذلك ما ذكرته لك من أن التعيين يحتاج إلى أمور؛ لأنه إخراج من الدين , والإخراج له شروطه وله موانعه.

المسألة السادسة:
نرجع إلى قول الطحاوي هنا: "ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله" أُخذ عليه على الطحاوي أنه قال: "بذنب" وهذا يفيد أنه لا يكفر بأي ذنب , قال: "لا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله" يعني أن أي ذنب لا يُكفَّر به حتى يستحله , وهذا ليس هو معتقد أهل السنة والجماعة على هذا الإطلاق، وإنما يعبرون بتعبير آخر, وهو مراد الطحاوي , يقولون: ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بمجرد ذنب , كما يقوله طائفة من أئمة الدعوة، أو: لا نكفر أحداً من أهل القبلة بكل ذنب , كما يقوله طائفة أيضا من العلماء المتقدمين , ومنهم شارح الطحاوية تبعاً لغيره.
فإذن قول الطحاوي: "لا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب" المقصود به الذنوب العملية من الكبائر , كالخمر والزنى والسرقة وقذف المحصنات والتولي يوم الزحف , ونحو ذلك من كبائر الذنوب العملية التي كفر الخوارج بها , ويدل على هذا أن العقيدة المصنفة لبيان ما يخالف به أهل السنة أهل البدع والخوارج , وما تميزت به الجماعة , ومعلوم أن الخوارج خالفوا في تكفير مرتكب الكبيرة مثل القتل والزنى وشرب الخمر والسرقة وأشباه ذلك , فخالفهم بهذا القول يعني: لا نكفر بهذه الذنوب بذنب يعني من الذنوب العملية التي كفر بها الخوارج , أو خلد أصحابها في النار المعتزلةُ , ويدل عليه أنه قال بعدها: "ما لم يستحله" والاستحلال غالبه في الذنوب العملية.

المسألة السابعة:
قوله: "ما لم يستحله" الاستحلال معه يكون مرتكب الكبيرة كافراً , والاستحلال هو اعتقاد كون هذا الفعل حلالاً , قال ابن تيمية –رحمه الله- في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم: والاستحلال أن يعتقد أن الله جعله حلالاً , أو أن الله لم يحرمه , فإذا اعتقد أن هذا الشيء حلال , أو أن الله لم يحرم هذا , سواءٌ كان حلالاً على الأمة جميعاً، أو حلالاً عليه هو , وسواء كان عدم التحريم على الجميع أو عليه هو؛ لأنها صورتان , فإن هذا هو الاستحلال.
فإذن ضابط الاستحلال المكفر هو الاعتقاد؛ وذلك أن...

الـوجـه الـثـانـي

[الاستحلال فيه جحد لكون هذا الذنب محرماً؛ لأنه إذا قال]* الخمر حلال فإنه جحد تحريمها. ويأتي الصلة ما بين الجحد والتكذيب والاستحلال في المسألة التي تليها إن شاء الله تعالى.
فإذن ضابط الاستحلال المكفر أن يعتقد كون هذا المحرم حلالاً. وله صورتان: أن يعتقد كونه حلالاً له دون غيره , وهذه تُسمى بالامتناع، الصورة الثانية: أن يعتقد كونه حلالاً مطلقاً له ولغيره , وهذه تسمى التكذيب أو الجحد المطلق , فالاستحلال المكفر هو الاستحلال بالاعتقاد، قال بعض أهل العلم: وأما ما جاء في حديث أبي مالك الأشعري الذي في البخاري معلقاً , بل موصولاً , وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ((ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الحِرَّ – يعني الزنى - والحرير والخمر والمعازف)) هل هذا الاستحلال من الاستحلال العملي أو الاستحلال المكفر؟ قال طائفة كما ذكرت لك وهو ظاهر: إن هذا الاستحلال عمليٌ وليس باعتقاد كون هذه الأشياء حلالاً , فلم يخرجهم من الإيمان إلى الكفر , ولم يخرجهم من كونهم من هذه الأمة؛ لقوله: ((ليكونن من أمتي)) فجعلهم بعض هذه الأمة , وهذا يلمح إليه كلام لابن تيمية وكذلك للحافظ ابن حجر ولجماعة , وهو ظاهر في أن المدمن للذنوب , المدمن للذنوب يكون فعله فعل المستحل , لكن ليس اعتقاده اعتقاد المستحل , فقال: ((يستحلون)) يعني: يستحلون عملاً لا اعتقاداً؛ لأجل ملازمتهم لها وإدمانهم على هذه الذنوب , فضابط الكفر في الاستحلال الذي ذكره هنا ما لم يستحله , يعني: ما لم يعتقد أن الله لم يحرم هذا , أو أن الله أباح هذا , أو أن هذا الأمر حلال , أو ليس بحرام.
وهذا القدر له ضابطٌ أصلي عام؛ وهو أن الذي ينفع فيه ضابط الاستحلال هي الذنوب المجمع على تحريمها , المعلومة من الدين بالضرورة , أما إذا كان الذنب مختلفاً فيه , إما في أصله أو في صورة من صوره , فإنه لا يكفر من اعتقد حل هذا الأصل المختلف فيه , يعني في أصله , أو الصورة المختلف فيها.
يوضح ذلك النبيذ الذي أباحه طائفة من التابعين من أهل الكوفة , وأباحه طائفة من الحنفية , أو من أباح ما أسكر كثيره ولم يسكر قليله؛ فإن أهل العلم من أهل السنة لم يكفروا الحنفية الذين قالوا بهذا القول , وكذلك لم يكفروا من قال به من أهل الكوفة أو غيرهم , وكذلك من لم يقل بتحريم ربا الفضل؛ لأنه فيه اختلاف , وكذلك بعض صور الربا , وكذلك بعض مسائل النظر إلى المحرمات , يعني إلى الأجنبيات , أو إلى الغلمان ونحو ذلك , فإذا كان هناك أصل مجمع على تحريمه معلوم من الدين بالضرورة , يعني الضرورة ما لا يحتاج معه إلى استدلال فإننا نقول: من اعتقد إباحة هذا أو حله فإنه يكفر , مثل الخمر المعروفة , يعني في زمن النبي صلى الله عليه وسلم التي تُسكر من شربها تخامر عقله , مثل السرقة , مثل الزنى , والعياذ بالله مثل نكاح ذوات المحارم , إلى آخر هذه الصور.

المسألة الثامنة:
مما له صلة بلفظ الاستحلال , واشتبه على كثيرين أيضاً الجحد والتكذيب , وطائفة من أهل العلم يجعلون التكذيب والجحد شيئاً واحداً , وهذا ليس بجيد , بل هما شيئان مختلفان , قد يجتمعان وقد يفترقان , ويدل على ذلك قول الله جل وعلا في سورة الأنعام: ] فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [ فنفى عنهم التكذيب وأثبت لهم الجحد , فدل على أن التكذيب والجحد متغيران , فما صلتها بالاستحلال؟ الاستحلال اعتقاد كون هذا الأمر حلالاً , لا يعني هذا المحرم حلالاً، والجحد أن يرد الحكم بأنه حلال , أو أنه حرام , جحد وجوب الصلاة يعني رد هذا الحكم , يعني قال: لا , الصلاة ليست واجبة , جحد حرمة الخمر , قال: الخمر غير محرم.

فإذن الاستحلال , وهو اعتقاد كون الشيء حلالاً، الشيء المحرم، معه جحدٌ قلبي , ولكن ليس معه جحد لساني, قد يكون معه وقد لا يكون؛ لأن ظاهر آية الأنعام: ] فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ [ يعني: في الباطن ] وَلَـكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [ , يعني في الظاهر , فالجحد قد يكون في الظاهر وقد يكون في الباطن , والتكذيب قد يكون في الباطن وقد يكون في الظاهر , والتكذيب هو عدم اعتقاد صدق الخبر أو الأمر أو النهي , ولهذا أرجع كثيرٌ من أهل العلم من أهل السنة , أرجعوا أكثر مسائل التكفير إلى التكذيب؛ وذلك لأن التكذيب في أصله مناقض للتصديق الذي هو أصل الإيمان , والمرجئة ومن شابههم قصروا الكفر على التكذيب فضلوا , وأهل السنة والجماعة جعلوا الخروج من الإسلام والردة يكون بتكذيبه , ويكون بغيره كما ذكرت لك.
فإذن من الكلمات التي لها صلة بالاستحلال وتلازم الاستحلال أيضا الجحد والتكذيب , ومن الكلمات أيضا التي لها صلة بالاستحلال الالتزام والامتناع , التزم وامتنع , ومن الكلمات القبول والرد , وهذه تحتاج في بيانها إلى مزيد وقت , وسبق أن أوضحنا لكم بعض هذه المسائل.

التاسعة:
من أهل العلم من جعل التكفير في الاعتقادات , أو جعله في المسائل العلمية , فقال: العملية لا نكفر فيها إلا بالاستحلال , وأما المسائل العلمية التي دخل فيها أهل الأهواء والبدع فإننا نكفر المخالف فيها. وهذا قال به بعض المنتسبين إلى السنة , ولكنه مخالف لقول أئمة أهل الإسلام , وما تقرر من اعتقاد أهل السنة والجماعة , فإن الخطأ والاجتهاد والغلو ونحو ذلك يدخل في المسائل العلمية , فأهل البدع لا يُكفرون بإطلاق , فليس كل من خالف الحق في المسائل العلمية يعد كافراً , بل قد يكون مذنباً , وقد يكون مخطئاً , وقد يكون متأولاً , وعلى هذه الثلاث حكم أهل السنة وأئمة الإسلام بأن هذه البدعة قد تكون ذنب يوصله إلى الكفر , وقد تكون ذنبا فيما دونه , وقد يكون سلك البدعة عن جهة الغلط منه والخطأ أو الجهل , وقد يكون تأول في ذلك.

ويستدلون على هذا بقصة الرجل الذي أوصى إذا مات بأن يحرق , ثم يُذر رفاته , وقال: لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً لم يعذبه أحداً من العالمين. فجمع الله جل وعلا رفاته وقال له: ما حملك على هذا؟ فقال: إنما فعلته خشية عذابك. أو كما جاء , ففعل هذا الفعل الذي أنشأه عنده الجهل أو عدم اعتقاد الحق في صفة من صفات الله جل وعلا , وهي صفة تعلق القدرة برفاته هو , وبقدرة الله جل وعلا على بعثه , وعفا عنه رب العالمين؛ لأجل عظم حسناته الماحية أو لجهله؛ لأنه قال: فعلته من خشيتك , أو خوفاً من عذابك , أو نحو ذلك.
وهذا اعتقاد عظيم , وهو حسنة عظيمة قابلت ذلك الاعتقاد السيئ , فدل على أن الاعتقادات البدعية والمخالفة للحق قد يعفى عن صاحبها.
فإذن قول من قال: إن أهل البدع والضلالات والمخالفين في التوحيد , أو في الصفات , أنهم يكفرون إذا خالفوا ما دل عليه الكتاب والسنة , فهذا قول غلط وليس بصواب عند أئمة أهل السنة والجماعة , بل الصواب تقسيمه , فمنهم من يكون كافراً إذا قامت عليه الحجة الرسالية , ودفعت عنه الشبهة , وبين له , ومنهم من يكون مذنباً؛ لأنه مقصر في البحث عن الحق , ومنهم من يكون متأولاً , ومنهم من يكون مخطئاً , فمنهم له حسنات ماحية يمحو الله جل وعلا بها سيئاته.
المسألة العاشرة:
نطول عليكم؛ لأن المسائل هذه مهمة، أن التكفير يشترط تكفير المعين يشترط فيه إقامة الحجة وإقامة الحجة شرط بأمرين:
الأول: في العذاب الأخروي , يعني استحقاق العذاب الأخروي.
والثاني: في استحقاق الحكم الدنيوي , والدليل على ذلك قول الله جل وعلا: ] وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً[ , وكذلك قوله: ] وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى [ , فشرط لتولية المشاق ما تولى وجعل جهنم له وساءت مصيراً أن يكون تبين له الهدى , واتبع غير سبيل المؤمنين ] وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً [ , وكذلك قوله جل وعلا: ] وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ [ وكذلك قوله جل وعلا: ] وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ [ , وكذلك قوله جل وعلا: ] وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ [ , فهذه كلها فيها اشتراط العلم وإقامة الحجة , وكل رسول بعث لإقامة الحجة على العباد.
إذا تبين هذا فإن إقامة الحجة تحتاج إلى مقيم , وإلى صفة , أما المقيم فهو العالم بمعنى الحجة , العالم بحال الشخص واعتقاده , وأما صفة الحجة فهي أن تكون حجةً رسالية بينةً , قال جل وعلا: ] وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [ اشترط أهل العلم أن تكون الحجةُ رسالية , يعني أن تكون قول الله جل وعلا وقول رسوله صلى الله عليه وسلم , يعني أما أن كانت عقلية وليس المأخذ العقلي من النص فإنه لا يكتفى فيه في إقامة الحجة , بل لابد أن تكون الحجة رساليةً.
لهذا يعبر ابن تيمية ويعبر ابن حزم وجماعة بأن تكون الحجة رسالية؛ لأنها يرجع فيها من لم يأخذ بالحجة إلى رد ما جاء من الله جل وعلا , ومن رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما فهم الحجة فإنه لا يشترط في الأصل , ومعنى عدم اشتراطه أننا نقول: ليس كل من كفر كفر عن عناد بل , وربما كفر بعد بلاغ الحجة إبلاغه الحجة وإيضاحها له؛ لأن عنده مانعٌ من هوى أو ضلال منعه من فهم الحجة , قال جل وعلا: ] وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ [ , والآيات في هذا المعنى متعددة , ما معنى فهم الحجة؟ يعني أن يفهم وجه الاحتجاج , أن يفهم وجه الاحتجاج بقوة هذا الحجة على شبهته , هو عنده شبهة في عبادة غير الله , عنده شبهة في استحلاله لما حُرّم مما أُجمع على تحريمه , لكن يبلغ بالحجة الواضحة بلسانه؛ ليفهم معنى هذه الحجة , فإن بقي أنه لم يفهم كون هذه الحجة راجحة على حجته , فإن هذا لا يشترط يعني في الأصل , لكن في بعض المسائل جُعل عدم فهم الحجة يعني كون الحجة راجحة على ما عنده من الحجج , جعل مانعاً من التكفير كما في بعض مسائل الصفات , يعني أن أهل السنة والجماعة من حيث التأصيل اشترطوا إقامة الحجة , ولم يشترطوا فهم الحجة من الأصل , لكن في مسائل اشترطوا فيها فهم الحجة , وهذا الذي يعلمه من يقيم الحجة , وهو العالم الراسخ في علمه الذي يعلم حدود ما أنزل الله جل وعلا على رسوله صلى الله عليه وسلم.

المسألة الحادية عشرة:
قوله: "ولا نقول: لا يضر مع الإيمان ذنب لمن علمه" هذا فيه مخالفة للمرجئة , والمرجئة جعلوا أصل الإيمان التصديق , وجعلوا هذا التصديق لا يتأثر زيادةً ولا نقصاً , وإنما هو شيء واحد , لذلك لم يجعلوا الإيمان يزيد وينقص , ولم يجعلوا التصديق أيضاً واليقين يزيد وينقص , بل جعلوه شيئاً واحداً , لهذا لم يجعلوا ذنباً يضر مع الإيمان , والمرجئة في هذا على درجات مختلفة , يأتي بيانها -إن شاء الله تعالى- عند قول المؤلف , والإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان.

المسألة الثانية عشرة والأخيرة:
أن هاتين المسألتين وهي ما خالف فيه أهل السنة الخوارج , وما خالفوا فيه المرجئة فرعٌ لأصل , ومثال لقاعدة , وهي قاعدة الوسطية لأهل السنة والجماعة بين فرق أهل الضلال , فهم وسطٌ في باب الأسماء والأحكام , يعني في أبواب الإيمان والكفر , ما بين الخوارج والمعتزلة الوعيدية , وما بين المرجئة , في قول أولئك وقول هؤلاء , فهم يحذرون من الذنوب, ويتوعدون بها , ويتوعدون بالكفر , ولكن لا يخرجونه من الإيمان إلا بعد تمام الشروط , وانتفاء الموانع , فهم , أعني أهل السنة والجماعة , ثبتني الله وإياكم على طريقتهم ـ لهم في ذلك الطريق الوسط في هذا الباب , وفي باب الأسماء والصفات , وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وفي جميع أبواب الدين , بل وجميع أبواب الشريعة , يعني في أصولهم.
لهذا فالطريقة المثلى هي أن يكون المرء بين طرفي الغلو والجفاء , فالغلو مذموم بأنواعه , والجفاء مذموم أيضاً؛ لأنه قصور عن أمر الله , والغلو أيضاً مذموم؛ لأنه زيادة على أمر الله جل وعلا , والحق فيما بينهما.
أسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم من الهداة المهتدين , وأن يعلمنا ما ينفعنا , وأن يزيدنا من الفقه في الدين , ومن متابعة سنة المرسلين , وأن يغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا , وأن يشفي قلوبنا من الأدواء والأهواء , وأن يشفي أبداننا من الأمراض , نحن وجميع أحبابنا , إنه سبحانه كريم جواد كثير النوال , وصلى الله على نبينا محمد. فيه شيء يتعلق بالدرس؟
نجيب على سؤالين مما يتعلق بالدرس:

سؤال: ما حكم الحكم بغير ما أنزل الله؟
جواب: مسألة الحكم بغير ما أنزل الله ذكرها الشارح ضمن الكلام في المسألة على اعتبار أنها ذنب من الذنوب , والكلام في هل يكفر أو لا يكفر نقل فيها كلام ابن القيم –رحمه الله- ولم أتطرق لها , مع علمي بما ذكره الشارح؛ لأجل أنها مسألة طويلة الذيول , تحتاج إلى بحث وتفصيل فيها , لعل لها مقام آخر إن شاء الله تعالى.

سؤال: يقول: كان من المفترض , قول القائل: كان من المفترض أن يحل الله هذا؟
جواب: بعض الناس يستعمل هذه الكلمة وما يقصد ظاهر الكلام , وإلا ظاهر الكلام شنيع بشع؛ لأنه يكون الشيء حرمه الله جل وعلا , ويقول: هو من المفترض أن يكون حلالاً , هذا اعتراض واعتقاد وتثبيت أنه حلال، لكن بعض الناس يستعمل هذه العبارة من جهة رأيه وما عنده , يقول في المسائل إذا تجادل اثنان أو أكثر يقول: من المفترض أن هذا يصير مباحا؛ لعدم علمه , لا لأجل مثلاً ما يقوله مثلاً في الخمر من المفترض أنه يكون مثلا الخمر حلالا والزنى، إنما المسائل المشتبهة التي لا يعرف وجهتها , فإذن هذه الكلمة لا بد فيها من التفصيل قالها في أي ذنب؟ وما السياق؟ ولكنها من الكلمات الوخيمة.

سؤال: هل هناك فرق بين عدم فهم الحجة وعدم الاقتناع بالحجة؟
جواب: نعم فيه فرق , هذا نعيده الأسبوع القادم أحسن.

سؤال: هل يحكم على اليهودي المعين الذي مات على اليهودية بأنه من أهل النار؟
جواب: نعم يحكم على المعين الذي مات على اليهودية , أو على النصرانية بأنه من أهل النار؛ وهذا لأنه كافر أصلي , والنبي صلى الله عليه وسلم لما زار اليهودي الغلام اليهودي وقال له: ((قل لا إله إلا الله , أو قل أشهد أن لا إله الله وأن محمداً رسول الله)) فجعل الغلام ينظر إلى أبيه ولم يقلها , فقال له والده اليهودي: أطع أبا القاسم. فقال الغلام , وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فقال عليه الصلاة والسلام: ((الحمد لله الذي أنقذه الله بي من النار)) , وقال عليه الصلاة والسلام: ((والله لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني , ثم لا يؤمن بي إلا كبه الله في النار))، وقال أيضاً كما في صحيح مسلم: ((حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار)) , وقال أيضاً جل وعلا: ] وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [ , وهذا لا يدخل في قول أهل السنة والجماعة: ولا نشهد على معين من أهل القبلة بجنة ولا نار إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم , هذا في حق المعين من أهل القبلة , أما من مات على كفره من اليهودي والنصراني أو مات , ونحن نعلم أنه يهودي أو نصراني , فهذا كافرٌ يشهد عليه بأنه من أهل النار ((حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار)).

سؤال: هل من كفر بغير علم يصبح مرتداً فيقتل , أو أن عمله هذا يقتل به؟
جواب: من كفر بغير علم يلحقه الوعيد , ((من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهم)) هذا واحد، ويلحقه الوعيد مشابهة الخوارج؛ لأن الخوارج كفروا بغير علم , ويلحقه الوعيد أيضاً من جهة ثالثة؛ وهو أنه تعدى على الدليل من القرآن والسنة؛ لأنه كما ذكر لك في الأسباب أن إثبات الإيمان جاء بدليل , فنفي الإيمان عن المعين لابد فيه من دليل , فمن حكم بكفر أحدٍ هوًى , أو لقصور , أو لغلو أو لقصور عنده في العلم فإنه تعدى ما أذن له به إلى أمرٍ إنما هو لأهل العلم , فهو يؤاخذ بذلك كما ذكرت لك في قصة عمر -t- وهي قصة تحتاج منك إلى اعتبار في أنه قد يطلق المرء التكفير من جهة الغيرة , وقد يؤاخذ , وقد لا يؤاخذ , والواجب على العبد أن يحترز من فلتات لسانه , ويخاف أشد الخوف؛ فرب كلمةً قالها العبد لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاً.
ومن منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم , الذي قرره أئمة أهل السنة , أن أهل العلم من أهل السنة يخطئون أو يضللون ولا يكفرون، يقول: هذا القول بدعة، هذا ضلال، هذا فسق، هذا خطأ، ونحو ذلك، وقد يحكمون على المعين إذا كان الحكم من الأئمة والعلماء، ولكن لا يكفرون إلا ببينة ووضوح.
وهذه المسائل مع الأسف شاعت عند الشباب في هذا العصر، وصاروا يتداولونها حتى في المجالس، وهو يعلم من نفسه أن مسائل الطهارة ما يعرفها، وكثير من مسائل الصلاة لا يعرفها، ومسائل يمكن معاشرة الزوجية (يجي) فيها بحكم الطبيعة أو بحكم ما ألف من حياة أبوه وأمه... إلى آخره، ما يعرف حدود ما أنزل الله على رسوله في هذه المسائل، ومع ذلك تجد أنه يقتحم هذه المسألة العظيمة، وهي مسألة التكفير، وهي إنما لأهل العلم ذكرت لك أن لها قسمين:
القسم الأول: اعتقاد المسائل، اعتقاد المسائل، اعتقاد مسائل التكفير، مثلما ذكرت لك.
والثاني: التطبيق، التطبيق ليس إليك , إنما هو لأهل العلم والقضاء والفتيا، ونحو ذلك، أما الاعتقاد هذا واجب أن نعتقد ما أمر الله جل وعلا به , أو ما أخبر به جل وعلا لإيمان المؤمن وكفر الكافر , وكذا ما أخبر به عليه الصلاة والسلام.
في هذا القدر كفاية، ونلتقي إن شاء الله بكم الأسبوع القاددم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

مـجـلـس آخـر

بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله (غير مسموع) وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً , أما بعد..,
نجيب على بعض الأسئلة , بودي لو الإخوة كتبوا الأسئلة في ورق لأن بقاء الأسئلة أيضا مفيد [كلام ليس له فائدة علمية]:

سؤال: هل عدم اشتراط فهم الحجة ألا يفهموا مقصود الشارع؟
جواب: ذكرنا لكم مراراً أن العلماء الذين نصوا على أن فهم الحجة ليس بشرط في قيام الحجة بنوا على الدليل , وهو قول الله جل وعلا: ] وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ [ , فالله جل وعلا جعل على القلوب أكنة لئلا يفهموه , فدل على أن الفهم والفقه , فقه الحجة ليس بشرط؛ لأن إقامة الحجة بالقرآن , تلاوة القرآن عليهم , وهم أهل اللسان كافٍ في قيامها , فصار إذن الحال مشتمل على أن إقامة الحجة شرط , ومعنى إقامة الحجة أن تكون الحجة من الكتاب أو من السنة , أو من الدليل العقلي الذي دله عليه القرآن أو السنة , وأن فهم اللسان العربي فهم معنى الحجة بلسان من أقيمت عليه هذا لا بد منه؛ لأن المقصود من إقامة الحجة أن يفهم معاني هذه الكلمات , أن يفهم معنى الحديث , أن يفهم معنى الآية , وأما ما لا يشترط وهو فهم الحجة فيراد به أن تكون هذه الحجة أرجح من الشبه التي عنده؛ لأن ضلال الضالين ليس كله عن عناد , وإنما بعضه ابتلاء من الله جل وعلا , وبعضه للإعراض , وبعضه لذنوب منهم , ونحو ذلك لهذا.
فإن الحجة على قسمين: يراد بفهم الحجة فهم معاني الأدلة , هذا لابد منه , فلا يكتفى في إقامة الحجة على أعجمي لا يفهم اللغة العربية أن تُتلى عليه آية باللغة العربية , وهو لايفهم معناها , ويقال: قد بلغه القرآن , والله جل وعلا يقول: ] لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ [ هذا ليس بكافٍ لا بد أن تكون الحجة بلسان من أقيمت عليه ليفهم المعنى , قال سبحانه: ] وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [.
المعنى الثاني لفهم الحجة: أن يفهم كون هذه الحجة أرجح من شبهته التي عنده , المشركون كما قررنا لكم في شرح كشف الشبهات عندهم علم , وعندهم كتب , وعندهم حجج كما أخبر الله جل وعلا في كتابه , فهم حجة الرسول عليه الصلاة والسلام , فهم القرآن , فهم حجة النبي عليه الصلاة والسلام العقلية التي أدلى بها عليهم بعد الوحي هذه معناها أن يفهموا المعنى , إذا كانوا هم فهموا المعنى , لكن مثلما يقول القائل بعد ما اقتنع: إن هذه الحجة أقوى من الشبهة التي عنده , فهذا ليس بشرط.
فإذن ما يشترط من فهم الحجة هو القسم الأول , وهو فهم المعنى , فهم دلالة الآية باللغة العربية ونحو ذلك، أما فهم الحجة بمعنى كون هذه الحجة أرجح في المقصود , وأدل على بطلان عبادة غير الله , أو على بطلان الباطل هذا ليس بشرط , المهم يفهم معناها ودلالتها , ثم بعد ذلك الله جل وعلا يضل من يشاء ويهدي من يشاء.

سؤال: يقول: إذا كان الإمام أحمد أقام الحجة على أحمد بن أبي دؤاد والمعتصم , فلم لم يكفرا مع إصرارهم على البدعة؟ وإن كان لم يقم عليهما الحجة فلماذا لم يقم عليهما الحجة , مع أنه في موقف يجب عليه إقامة الحجة؟
جواب: هذا سؤال يحتاج إلى تفصيل , وتفصيله ينبني على فهم واقع فتنة خلق القرآن. وفي الجملة منهج أهل السنة وأهل العلم أنهم يجعلون هذه الفتنة فيها شبهة , فلم يكفروا بحصول الفتنة , لا من جهة الوالي ولا من جهة من أجاب من المسلمين، لكن من أهل العلم من كفر ابن أبي دؤاد وكفر أمثاله العلماء؛ لأن العالم يفهم حجة القرآن , وإذا كان بقيت عليه الشبهة في مثل هذا الأمر العظيم فإنه إما أن يكون مقصراً , وإما.. يعني مقصراً في البحث عن الحق , وإما ألا يكون , فإن كان مقصراً في البحث عن الحق مع قربه منه فلا يلومن إلا نفسه، وهذا لا يمنع من الحكم عليه بالكفر عيناً , وإذا كان غير مقصر في البحث عن الحق , ولكن بقيت الشبهة عنده فهذا لابد من أن تزال عنه الشبهة , مع اختلاف المسائل في ذلك.
لكن هذا الكلام بخصوص القول بخلق القرآن , فمن أهل العلم من كفَّر ابن أبي دؤاد , ومنهم من لم يكفره عيناً؛ لأجل الشبهة التي عنده , كما ذكرنا لكم مسائل المعتزلة والخوارج في مثل مسألة خلق القرآن , ونفي رؤية الله جل وعلا في الآخرة , ونحو ذلك , أئمة أهل السنة يُكفِّرون بالنوع , يكفرون بالمطلق يعني التكفير المطلق , ولا يكفرون الأعيان إلا بعد اجتماع الشروط وانتفاء الموانع , وهذه كما ذكرنا يقيمها من يصلح لإقامتها من أهل القضاء أو الفتيا.

سؤال: ذكرت أن منهج أهل السنة عدم الحكم على أحد بالتكفير إلا بعد إقامة الحجة , وحكم العلماء عليه , كيف نجمع بينه وبين من يقول ويصف أن الأمة الإسلامية غائبة؟
جواب: يعني كيف نجمع بينه وبين.. بين منهج أهل السنة ومنهج أهل البدع ما يجمع بينهما , كلٌ له وجهة فهو موليها ] وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ [.

سؤال: هل من فعل الذنب من الكبائر وجهر به , وأصبح يتاجر فيه كالغناء , نقول: إنهم لا يؤمنون بتحريمها , واستخفوا بها , ونحكم بردتهم عن الإسلام؟
جواب: الكبائر لها حد , يعني بمعنى لها تعريف وذكرنا تعريفها عدة مرات , ويأتينا إن شاء الله تعالى في موضعه من شرح الطحاوية بتفصيل , فالحكم على الغناء بأنه من الكبائر هذا فيه نظر؛ لأن الغناء , التغني بالصوت التغني بالصوت قد يكون معه , قد يكون مشتملاً على كلام قبيح كفر أو نفاق أو دونه من التشبيب بالنساء أو باستباحة المحرمات أو نحو ذلك , وقد يكون الكلام لا يشتمل على ذلك , ثم هو قد يكون مُصاحَبا بمعازف , وقد لا يكون مصاحباً بمعازف , فقول القائل: إنه أصبح يُتاجر فيه كالغناء , أن هذا من الكبائر لا يختلف الحال فيه , فلهذا من جهة إثبات الكبيرة لابد فيه من تفصيل ما هو الغناء كله كبيرة ليس بصحيح , يعني بهذا الإطلاق , طالب العلم لازم يكون يدقق في ألفاظه , إذا قال الواحد: الغناء من الكبائر. ليس صحيحا هذا الكلام , فلا بد من التفصيل فيه , وهذا يرتبط بتفصيل الكبيرة.
المسألة الثانية المعازف من حيث هي , والغناء المشتمل على المعازف لم يجمع العلماء على تحريمه , فمن أهل العلم وهم نوادر من قالوا بإباحته , وجمهور أهل العلم كما دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة وهي كثيرةٌ جداً قالوا بحرمة ذلك، وهذا هو الحق الواضح الذي لا يجوز العدول عنه , لكن معرفة خلاف طائفة من أهل العلم من فقهاء المدينة في زمن الإمام مالك ومن بعدهم مثل ابن حزم والسمعاني طائفة من الناس من قالوا بإباحة السماع , واستعمال المعازف فهو خلافٌ في المسألة , ولا تكفير إلا بما أجمع العلماء على تحريمه , والمسألة إذا أجمع العلماء على تحريمها، من قال بخلافها , ففي القول بخلافها كفر.
ثم تكفير المعين يحتاج أيضاً إلى البيان، المسائل التي أجمع العلماء على حرمتها المخالف فيها يختلف؛ لأن المسألة قد تكون من المسائل التي يُعلم بالاضطرار بدين الإسلام أنها محرمة , مثل الخمر , مثل الزنى , الربا المتفق على تحريمه ونحو ذلك، هذا ما يحتاج له , ينشأ الناشئ بين المسلمين وهو يعلم أن هذه الأمور محرمة باتفاق أهل العلم، لكن ثمَّ مسائل خفية تحتاج إلى استدلال , ومثلاً لو قيل , لو قيل: إن الخمر , إن المعازف مجمع على تحريمها فإن هذا الإجماع ليس طبعاً هي لم يجمع على تحريمها , لكن هذا الإجماع غير معروف , لن يكون معروفاً عند الناس.
إلا بما أجمع عليه, ثم هنا ما أجمع أهل العلم عليه على قسمين؛ منه ما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام, يعني: لا يحتاج فيه العالم إلى بيان الأدلة, ومنه ما فيه خفاء, يحتاج فيه إلى بيان الأدلة, حتى غير المسائل هذه, مثل مسائل السحر، السحر لا شك أنه من كبائر الذنوب, بل لا يكون السحر إلا.. إلا بشرك لله جل وعلا, لكن منه من أصناف السحر ومن أحوال السحرة ما قد يخفى في بعض الأزمنة, فيحتاج إلى بيان وإيضاح, فالمسألة في نفسها قد تكون في زمان, مما يُعلم بالاضطرار, يعني: الدليل فيها لا يحتاج إلى إقامته؛ لأن كل الناس يعلمون هذا, وقد يكون في زمان أو مكان, يخفى الدليل على طائفة, فيحتاج في الحكم على المعين إلى بيان, وإن كانت عند طائفة أخرى مما يضطر, يعني: مما يُعلم بالاضطرار, العلماء يذكرون مثال ذلك, مثلاً من قال: الزناغير محرم, وهو ممن نشأ ببادية بعيدة عن دار الإسلام, ومثله يجهل, وهذا أسلم,وعايش مثلما حصل في زماننا الحاضر في بعض من يسكنون في بعض الأماكن, يقول: ما نعلم يفعل الفاعل الزنى, وما يعلم أنه حرام؛ لأنه ما مر عنده, مع أن حرمة الزنى مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام, فالمقصود من هذا أن المسائل التي يقال فيها هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام,نعني بها: ما لا يحتاج معه إلى إقامة دليل؛ لأنه ينشأ الناشئ وهو يعرف هذا, ولا يعرف غيره من دين الإسلام, هذه المسائل تختلف باختلاف الزمان والمكان؛ فلهذا يحتاج من يريد هذه المسائل - يعني: البحث في هذه المسائل- إلى استفصال آخر. السؤال يقول: نقول:إنهم لا يؤمنون بتحريمها, واستخفوا بها, فنحكم بردتهم عن الإسلام؟! ليس كذلك, من فعل الكبيرة مستخفاً بها لا يعني ذلك أنه مرتد, بل الذين يفعلون الكبائر منهم من يفعل الكبيرة لشهوة, غلبت عليه شهوة طارئة, هو مؤمن صالح, لكن غالب عليه أمر, فأخذ مالاً من غير حله, سرق لشهوة غلبت عليه, ثم رجع, فهذا نقول فيه: مؤمن بإيمانه, فاسق بكبيرته. أو غلب عليه.. رأى مرأة, أو خلى بمرأة ثم فعل معها الكبيرة عن غلبة شهوة,فهذا لا يخرجه, ما فعل عن كونه مؤمناً إذا تاب وأناب, فغلبة الشهوة تنقص من الإيمان إذا تاب وأناب, الحالة الثانية: فعل الكبيرة الذي يخرج معه المؤمن من الإيمان إلى الإسلام, وهو إذا استخف بالكبيرة, يعني: تهاون بها,وهو يعلم أنها كبيرة, ويعلم أنه عاصٍ, أقام عليها, واستمر على فعل الكبيرة, فهذا يخرج من اسم الإيمان إلى اسم الإسلام؛ لأن الإيمان الحق؛ الإيمان بالله, وملائكته, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر, وبالقدر، الإيمان الحق بهذه.
الإيمان الكامل لا يجتمع مع صاحبه في مداومة الكبائر, وفي هذا يروى الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند, أن العبد إذا فعل المعصية ارتفع عنه الإيمان, فصار على رأسه كالظلة, فإذا ترك عاد إليه، وهذا الحديث في إسناده ضعف, لكن يستدل به أهل العلم على أصلهم, من أن المؤمن حال مواقعته للكبيرة التي كانت عن غلبة شهوة لا استمرار واستخفاف؛ فإنه يبقى عليه اسم الإيمان, لكن ينتزع منه ما دام فاعلاً لهذا المنكر, فإذا ترك هذه الكبيرة وأناب إلى الله جل وعلا رجع, فيقال: مؤمن بإيمانه, فاسقٌ بكبيرته, لكن المصر على الربا, المصر على الزنى, المصر على شرب الخمر, لا يخرجه أهل السنة من اسم الإسلام,ويجعلونه مرتداً, كذلك أصحاب المعازف والغناء المحرم, وبيع مثل هذه آلات اللهو ونحو ذلك, إذا كان ممارساً لها وهو يعتقد حرمة ذلك فيما أجمع عليه؛ فإنه يخرج من الإيمان, إذا كان مداوماً عليها إلى الإسلام؛ لأن الإسلام هو العمل الظاهر, إذا كان... جاء بأمور الإسلام, وهذه فيها أيضاً مزيد تفاصيل تأتي في موضعها إن شاء الله من شرح الطحاوية.

سؤال:الأخيركم النصاب الواجب في زكاة الريالات السعودية؟
جـواب: نصاب الزكاة في الذهب والفضة جاء في السنة واضحاً, وفي الذهب النصاب عشرين مثقال من الذهب, والفضة مائتي درهم من الفضة, لما يعني: كان في الزمن المتأخر هنا, مثلا في المملكة كان الناس يستعلمون ريالات فضة, ريالات الفضة هذه, والجنيه الذهب, ريالات الفضة كم تقابل من الدراهم الفضة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام؟! وكذلك الذهب كم يقابل من المثاقيل؟! فجعلوا ريال العربي الذي تجب فيه الزكاة طبعاً بالوزن بالمقابلة جعلوه ستة وخمسين ريالاً فضة عربي, وبالنسبة للجنيه جنيه الذهب المعروف جعلوه أحد عشر جنيهاً, وثلاثة أسباع الجنيه طبعاً, هذا يختلف باختلاف الذهب, أو الفضة من حيث الصفاء والغش, يعني: أن المثقال الذهب هل هو صافي ولا مغشوش؟! الفضة هل هي صافية ولا مغشوشة؟! فيختلف النصاب باختلاف الغش (اللي) فيه, إذا قلنا مثلاً:إن النصاب الآن للخالص خمس وثمانين جرام في الذهب، الذهب الخالص النصاب الزكوي فيه خمس وثمانين جرام, خمس وثمانين جرام, هذه للخالص, يعني:(اللي) هو الحد للعشرين مثقال, الخالص منها خمس وثمانين جرام, لكنه الآن الجنيهات الذهب هذه ليست خالصة, داخلها شيء, لذلك تجد أن المشايخ يعني: أهل الإفتاء, يقولون: النصاب اثنين وتسعين جرام.إيش؟! بعضهم يقول: خمس وثمانين. والآخر يقول: اثنين وتسعين.من قال: خمس وثمانين باعتبار الأصل, يعني: شيء نظري, المطلق بدون الوجود اثنين وتسعين على اعتبار واحد, وعشرين جرام إذا صار الذهب ثمانية عشرة عيار, ثمانية عشرة تزيد النسبة, تصير بدل اثنين وتسعين, يمكن خمس وتسعين, ست وتسعين, ممكن تدركها بالحساب, إذا كان الذهب أربعة عشر عيار أربعة عشر, يزيد النصاب,يصير مثل مائة أومائة وخمسة, يعني: بالحساب ممكن تحسبها, وهكذا الفرق، لما جاء تحويل الريالات من ريالات عربي فضة إلى الريال السعودي أوّل الأمر كان الريال السعودي الورق يقابل ريال فضة تماماً, هذا يقابل هذا, ولهذا كان يكتب عليه أول ما صدر, أن مؤسسة النقد تتعهد لحامل هذا السند بدفع ريال عربي واحد, يعني: فضة, صار أول ما جاء النصاب ست وخمسين ريال ورق مثل ست وخمسين ريال فضة؛ لأن هذا وهذا واحد, بعد ذلك صارت التغطية وأمور المال مختلفة, فصار هناك انفصال ما بين الريال الورقي والريال الفضة, هذا الانفصال جعل النصاب الزكوي يختلف, فيصبح الأمر راجعاً إلى تقويم الريال العربي الفضة بما يعادله من الريالات, فيبحث هنا ست وخمسين ريال فضة إيش يعادلها من الريال الورق؟! هذا يختلف باختلاف الوقت, يعني: مثلاً في سنة قد يكون أقل, سنة أكثر, فقد يكون ثلاثمائة ريال, أربعمائة ريال, يعني: الآن بحسب سعر الريال الفضة, نعم. اقرأ


*الآية هكذا خطأ ، والصواب {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك} الآية . سورة البقرة (217) / أو {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} الآية . سورة المائدة (54).
*ما بين المعقوفتين غير مسموع في الشريط .


  #6  
قديم 5 ربيع الأول 1430هـ/1-03-2009م, 10:52 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية للشيخ: يوسف بن محمد الغفيص (مفرغ)


من عقيدة أهل السنة والجماعة: أنهم لا يكفرون أحداً بذنب -غير الكفر والشرك وما ورد فيه الدليل- إلا أن يستحله، فإذا استحل العبد ذنباً فإنه يكفر بذلك، ولا يرون أنه لا يضر مع الإيمان ذنب، كما هي عقيدة غلاة المرجئة. ومن عقيدتهم: الرجاء للمحسنين، والخوف على المذنبين، وعدم الشهادة لأحد من أهل القبلة بجنة ولا بنار إلا من شهد له الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بذلك.

حكم التكفير بالذنوب التي دون الكفر
قال المصنف رحمه الله: [ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله] . هذه الجملة يستعملها بعض أصحاب السنة والجماعة، وهي جملة مجملة، يمكن أن تفسرها فيكون تفسيرك لها صحيحاً بأن تقول: (ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب) أي: أن أهل السنة والجماعة لا يكفرون بآحاد الكبائر، ولا بالكبائر، ومراده بالذنب هنا ما دون الكفر، فإن أهل السنة والجماعة لا يكفرون بالكبيرة إلا إن استحل العبد ذلك. لكن هذه الجملة ليست محكمة على التمام، فإن العبد قد يكفر بالذنب وهو غير مستحل له، ولهذا جاء في حديث عبد الله بن مسعود كما في الصحيحين قال: (قلت: يا رسول الله! أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: أن تدعو لله نداً وهو خلقك) فسماه ذنباً، فهذا الإطلاق ليس حسناً على كل حال، لكن يعبر به بعض أصحاب السنة والجماعة، وإذا عبروا به فسر مرادهم بأن المقصود بذلك الذنوب التي دون الكفر بالله. ......

معنى الاستحلال الذي يكفر به صاحب الذنب
والمقصود بالاستحلال مقام من القول وليس مقاماً من الحال، فإذا أقام شخص على ذنب أو كبيرة من الكبائر مهما كانت إقامته عليها والتزامه لها لا يصح أن يقال: إنه مستحل، إلا إذا أظهر المعتقد وصرح بأنه أحل ما حرم الله سبحانه وتعالى أو العكس، فإنه يسمى مستحلاً، وأما الملازمة للكبيرة وعدم الاستجابة لنصح الناصحين؛ فإنه حتى لو نصحه من نصحه واستفاض النصيحة له ولم يستجب بل بقي مصراً على الكبيرة، ولا حجة له في البقاء على هذه الكبيرة، فإنه مع هذا كله لا يجوز أن يسمى مستحلاً.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ولا, قوله

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:30 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir