دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الطحاوية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 03:05 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي قوله: (ونسمي أهل قبلتنا مسلمين ...)

وَنُسَمِّي أَهْلَ قِبْلَتِنَا مُسْلِمِينَ مُؤْمِنِينَ.
مَا دَامُوا بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَرِفِينَ، وله بِكُلِّ مَا قَالَهُ وَأَخْبَرَ مُصَدِّقِينَ.

  #2  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 05:17 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات على الطحاوية لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

[لا يوجد تعليق للشيخ]

  #3  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 05:18 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات المختصرة للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

(1) وَنُسَمِّي أَهْلَ قِبْلَتِنَا مُسْلِمِينَ مُؤْمِنِينَ.
(2) مَا دَامُوا بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَرِفِينَ، وله بِكُلِّ مَا قَالَهُ وَأَخْبَرَ مُصَدِّقِينَ.




(1) هذا من العقيدةِ، أَنَّهُ مَن نَطَقَ بالشهادتَيْنِ واستقامَ عليْهِمَا فإِنَّهُ مُسْلِمٌ، ولو صَدَرَ منهُ بعضُ المعاصِي، ولو كانتْ من الكبائرِ، وما دامَت المعاصي دُونَ الشِّرْكِ، ولكنْ يكونُ مُسْلِمًا ناقصَ الإسلامِ وناقصَ الإيمانِ وفاسِقًا، ولكنَّهُ لا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ إنْ كانتْ معاصِيهِ دونَ الشركِ، هذهِ عقيدةُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، لا يُكَفِّرُونَ بالمعاصِي التي هي دونَ الشركِ، ولكنْ يَنْقُصُ بها الإيمانُ، وصاحِبُهَا يُفَسَّقُ بها الفِسْقَ الأصغرَ الذي لا يُخْرِجُ من المِلَّةِ. خِلاَفًا للخوارجِ الذين يُكَفِّرُونَ بالكبائرِ ويُخْرِجُونَ بها من المِلَّةِ، ويُخَلِّدُونَ صاحِبَهَا في النارِ. وخِلاَفًا للْمُعْتَزِلَةِ الذين يُخْرِجُونَ صاحِبَ الكبيرةِ من الإسلامِ، ولكنْ لا يُدْخِلُونَهُ في الكفرِ، ويقولونَ: هو في منزلةٍ بينَ المَنْزِلَتَيْنِ، ولكنْ لو مَاتُوا على الكبيرةِ فالْمُعْتَزِلَةُ مثلَ الخوارجِ في الحُكْمِ عليهِم، وخلافَ عقيدةِ المُرْجِئةِ الذينَ يقولونَ: إِنَّهُ لا يَضُرُّ مع الإيمانِ معصيةٌ، مَن صَدَّقَ باللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فإِنَّهُ يكونُ مُؤْمِنًا، وإنْ فَعَلَ ما فَعَلَ، ولو تَرَكَ جميعَ أركَانِ الإسلامِ عندَهُم لا يكونُ كافِرًا، المُهِمُّ التصديقُ والاعتقادُ، أَمَّا الأعمالُ فلا تَزِيدُ في الإيمانِ ولا تَنْقُصُهُ وليستْ منهُ، فهو مؤمنٌ تامُّ الإيمانِ ما دامَ مُصَدِّقًا.
هذا مذهبُ المُرْجِئَةِ، وهو مذهبٌ ضالٌّ.

فهمْ مع الخوارجِ على طَرَفَيْ نقيضٍ؛ قومٌ تَشَدَّدُوا، وهم الخوارجُ، وقومٌ ذَابُوا وَمَاعُوا وقَالُوا: إنَّ هذهِ المعاصِيَ لا تَضُرُّ، وهم المُرْجِئَةُ، وأَمَّا أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ فَتَوَسَّطُوا، ومَذْهَبُهُم مأخوذٌ من الكتابِ والسُّنَّةِ، وهو العدلُ، وفيه الجمعُ بينَ الأَدِلَّةِ. أَمَّا الخوارجُ والْمُعْتَزِلَةُ فأَخَذُوا نصوصَ الوَعيدِ, وترَكوا نصوصَ الوَعْدِ، وأَمَّا المُرْجِئةُ فَأَخَذُوا بنصوصِ الوعدِ, وتَرَكُوا نصوصَ الوعيدِ، لكنَّ أهلَ السُّنَّةِ والجماعةِ أَخَذُوا بنصوصِ الوعدِ وبنصوصِ الوعيدِ، وجَمَعُوا بينَهَا، وهذا الحقُّ {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} (آل عِمْرَان: 7) فَيَرُدُّونَ هذا إلى هذا، ولا يَأْخُذونَ بِطَرَفٍ ويَتْرَكونَ الطرفَ الآخرَ كما هو مذهبُ أهلِ الزَّيْغِ {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} (آل عِمْرَان: 7) يَأْخُذُونَ بالمُتَشَابِهَ ويَتْرُكُونَ المُحْكَمَ الذي يُفَسِّرُ المُتَشَابِهَ.

وقولُ المُصَنِّفِ: (مُسْلِمِينَ مُؤْمِنِينَ) لَيْسَ على إطلاقِهِ؛ لأَنَّهُم قد يَكُونُونَ ناقِصِينَ في الإسلامِ والإيمانِ، ومُتَوَعَّدِينَ من اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.


(2) أَمَّا لو جَحَدُوا شيئًا مِمَّا جاءَ بهِ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يَعْتَرِفُوا، صَارُوا كُفَّارًا، ولو آمَنُوا ببعضِ ما جاءَ بهِ، فإنْ جَحَدُوا بَعْضَهُ فهم كافرونَ بجميعِ ما جاءَ بهِ، فالواجبُ الإيمانُ بهِ كُلِّهِ، سواءٌ وافقَ أهواءَنَا أو خَالَفَهَا؛ لِأَنَّهُ حقٌّ.

أَمَّا مَن كَذَّبَ ببعضِ الأحاديثِ الصحيحةِ فهو كافرٌ، فلورَدَّ حديثًا في البخاريِّ، والحديثُ صحيحٌ، وقَالَ: أَنَا لا أُؤْمِنُ بهذا الحديثِ ولا أُصَدِّقُهُ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ العِلْمَ الحديثَ، فسبحانَ اللَّهِ تَعالَى! كَلاَمُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُتَّهَمُ، وكلامُ البشرِ لا يُتَّهَمُ؟ أيضًا العلمُ الحديثُ قد لا يُخَالِفُ الأحاديثَ الصحيحةَ، والحمدُ للهِ، فمثلًا وَرَدَ في حديثِ الذُّبابِ الذي يُنْكِرُهُ هؤلاءِ أنَّ في أَحَدِ جَنَاحَيْهِ داءً وفي الآخرِ دواءً، والطِّبُّ يُقِرُّ بهذا، أنَّ السُّمَّ يُعَالَجُ بِضِدِّهِ، وبِمَا يُنَاقِضُهُ، والذبابُ فيهِ النَّقِيضانِ، فإِنَّهُ إذا وَقَعَ في الماءِ فإِنَّهُ يُرْفَعُ الجناحُ الذي فيهِ الدواءُ، ويُغْمَسُ الجناحُ الذي فيه السُّمُّ، فالنبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِغَمْسِهِ بِجَنَاحِهِ الذي فيهِ الدواءُ، فيُغَالِبُ السمَّ، فهذا يُقِرُّهُ الطِّبُّ ولا يَرُدُّهُ، ولكنَّهُ لَمَّا خَالَفَ أذواقَ هؤلاءِ الجُهَّالِ صَارُوا يتكَلَّمونَ بهذا الكلامِ، وهذا كُفْرٌ والعياذُ باللَّهِ، ولهم مقالاتٌ شنيعةٌ نحوَ السُّنَّةِ، يَرُدُّونَهَا ويُشَكِّكُونَ فيها، ويقولونَ: إنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ). يَقُولُونَ هذا وهم يَدَّعُونَ أَنَّهُم دُعَاةٌ للإسلامِ، وهذا مَوْقِفُهُمْ من سُنَّةِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهؤلاءِ الجُهَّالُ يقولونَ: هذهِ من أمورِ الدنيا، والنبيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ يقولُ: (أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ). فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُم يُجَهِّلُونَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وقولُهُ: (مُعْتَرِفِينَ) (مُصَدِّقِينَ) لا يَكْفِي الاعترافُ والتصديقُ إِلاَّ على مذهبِ المُرْجِئَةِ، بلْ لا بُدَّ مع ذلكَ من العملِ بِمَا جاءَ بهِ، ولا بُدَّ مِن الإخلاصِ في ذلكَ.


  #4  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 09:12 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي


قوله: ( ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين، ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين، وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين ).

ش: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا. ويشير الشيخ رحمه الله بهذا الكلام إلى أن الإسلام والإيمان واحد، وأن المسلم لا يخرج من الإسلام بارتكاب الذنب ما لم يستحله. والمراد بقوله: أهل قبلتنا، من يدعي الإسلام ويستقبل الكعبة وإن كان من أهل الأهواء، أو من أهل المعاصي، ما لم يكذب بشيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. وسيأتي الكلام على هذين المعنيين عند قول الشيخ: ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله. وعند قوله: والإسلام والإيمان واحد، وأهله في أصله سواء.

  #5  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 12:31 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لمعالي الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)


القارئ: بِسْمِ اللهِ الرَّحَمَنِ الرَّحِيمِ , الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين , نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قال العلامة الطحاوي رحمه الله تعالى:
ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين , ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين , ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين , وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين.

الشيخ: قال رحمه الله: "ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين , ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين , وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين"
يريد الطحاوي –رحمه الله- أن أهل السنة والجماعة يسمون أهل القبلة , وهم من توجه في صلاته إلى الكعبة , بيت الله الحرام , يسمونهم مسلمين مؤمنين؛ لأن هذا هو الأصل , فاستقبال القبلة دليل على تميز من استقبلها عن المشرك الوثني الأصلي؛ لأنه لا يستقبل القبلة , ما لا يصلي مثل مشركي قريش , وعن اليهودي والنصراني؛ لأنهم يستقبلون جهة الشرق , فالذي يستقبل الكعبة هذا يُسمى مسلماً كما جاء في الأحاديث الصحيحة: ((من أكل ذبيحتنا , واستقبل قبلتنا , فله ما لنا وعليه ما علينا)) .

لكن هذا ليس وصفاً مانعاً من خروجه من الدين , لهذا اشترط له شرطاً فقال: "ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين" يعني لو أنكروا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم , أو شيئاً مما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام , فإنهم لا يسمون مسلمين مؤمنين .
وقال: "وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين" يعني: إذا كانوا لم ينكروا شيئاً مما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام , ويريد بهذه الجملة أيضاً مخالفة الخوارج والمعتزلة ومن شابههم , ممن يكفرون بالذنوب , ويسلبون عن صاحب الكبيرة والمعصية , يسلبون عنه اسم الإسلام , أو اسم الإيمان .

وتحت هذه الجملة مسائل:

الأولى: قوله: "أهل قبلتنا" هذه الكلمة , أهل القبلة , لم ترد في النصوص في تحديد المراد بها , يعني في أن يكون لها اصطلاح شرعي , ولكن جاء بالنص في الأحاديث , أن ذكر من استقبل القبلة , لهذا جعل هذا الاسم أهل القبلة بمعنى من استقبل القبلة , فكل من استقبل القبلة يعني الكعبة في صلاته فهو من أهل القبلة , وسبب هذه التسمية أهل القبلة , هو ما جاء في الأحاديث في الصحيح في البخاري وفي غيره: ((من استقبل قبلتنا , وأكل ذبيحتنا , فله ما لنا وعله ما علينا)) , استقبل قبلتنا؛ لأنه تميز باستقبال القبلة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عن الكفار؛ إذ يصلون , وعن اليهود والنصارى؛ إذ قبلتهم مختلفة .

وأهل القبلة يشمل إذن كل أهل الأهواء , كل الفرق الثلاث وسبعين التي أخبر بها وعنها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ((وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة , كلها في النار إلا واحدة)) فهذه الفرق الثلاث وسبعين كلها تدخل عند أهل العلم تحت هذا الاسم: أهل القبلة , ويدخل تحت هذا الاسم أيضاً المنافقون؛ لأنهم كانوا يستقبلون القبلة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم , واسم الإسلام الظاهر ينطبق عليهم , لهذا اسم أهل القبلة كاسم المسلم , ينطبق على من استقبل القبلة بصلاته , ولو كان من أهل البدع أو من أهل الأهواء , أو ممن يعتقد في الباطن اعتقاداً مكفراً مناقضاً للدين , فالأصل فيه أنه من أهل القبلة .

وهذا يتضح بأن نقول: أهل القبلة هم أهل الإسلام الصحيح , الذين كانوا على مثل ما كان عليه محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه , وهذا يدخل فيه، يعني هذه الطائفة يدخل فيها دخولاً أوليا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم , والتابعون وتبع التابعين , وكل من كان على منهجهم , فأولى الناس بهذا الوصف من كان على عقيدة الصحابة رضوان الله عليهم , وما أعظم قوله عليه الصلاة والسلام: ((من استقبل قبلتنا , وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم , فلا تخفروا الله في ذمته)) , ويدخل في هؤلاء من تبعهم بإحسان على عقيدة أهل السنة والجماعة من أهل التوحيد , الذين حققوا كلمة التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله , فلم يعبدوا إلا الله , ولم يحكموا إلا شرع محمد عليه الصلاة والسلام .

وهؤلاء في الحقيقة هم أهل القبلة؛ لأنهم أولياء البيت , وهم الحقيقون بوصف المتقين , قال جل وعلا لما ذكر المشركين في سورة الأنفال قال: ] وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ [ يعني أولياء البيت ] إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ [ , فأولياء البيت الحرام أولياء القبلة , يعني الذين يحبونها حقيقة وينصرونها , وثم ولاية هم أهل البيت , هم أهل القبلة.

الطائفة الثانية: هم كل منتسب إلى الإسلام , سواءٌ كان فيه مكفر باطناً أم ليس فيه مكفر , فيدخل في ذلك أهل البدع والأهواء من الفرق الضلال المعتزلة والخوارج والمرجئة والقدرية… وإلى آخره , وغلاة الصوفية , لكل من خالف عقيدة أهل السنة والجماعة , وكذلك يدخل فيه المنافقون .

فإذن اسم الإسلام , المسلم , واسم أهل القبلة يشمل المبتدعة وأهل الأهواء والعصاة , ويشمل المنافقين في دار الإسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يميز ما بين المنافق وغير المنافق في الولاية الظاهرة , يعني في كونه له ما له , وعليه ما عليه؛ لأن المنافق له حكم الإسلام ظاهراً؛ لأنه أظهر الإسلام , وكذلك أهل البدع والأهواء لهم حكم المسلم ظاهراً؛ لأنهم أظهروا الإسلام , واستقبلوا القبلة .

إذا تبين ذلك فإذن هذا الوصف أهل القبلة , ليس وصفاً لطائفة واحدة , بل هو وصف متميز ومتمايز أهله فيه , فالولاية لأهل القبلة والنصرة لأهل القبلة , والمحبة لأهل القبلة ليست على درجة واحدة , فكل من كان متحققاً بوصف الطائفة الأولى فله الولاية الخاصة لمن كان على مثل ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن كان من أهل البدع والأهواء , فله حكم الإسلام , وله حكم أنه من أهل القبلة , فلا يستباح دمه , ولا يكفر , ولا يخرج من الدين , إلا إذا أتى مكفراً .

فإذن هذا الاسم واللقب: أهل القبلة , هذا فيه نوع اختلاط , وتعلمون أن زمن المؤلف لم يكن فيه يعني وما قبله إلا ما ذكرنا لك من هاتين الطائفتين؛ طائفة من كان على منهاج أهل السنة والجماعة , والطائفة الثانية طائفة أهل البدع والأهواء والمنافقون , هؤلاء هم الذين كانوا في زمن المؤلف , لكن ظهر بعد زمانه المشركون الشرك الأكبر , الذين يعبدون مع الله غيره , ويدعون غير الله , ويستغيثون بغير الله , ويذبحون لغير الله , ويعبدون غير الله جل وعلا , فهل هؤلاء يصدق عليهم اسم أنهم من أهل القبلة , أم لا يصدق عليهم أنهم من أهل القبلة؟ على قولين لأهل العلم:

القول الأول: ليسوا من أهل القبلة؛ لأن صلاتهم باطلة؛ لأن المشرك لا تقبل صلاته , فيكون استقباله للقبلة لغواً , يعني ليس من أهلها كما كان المشرك من قريش ومن العرب يتوجه إلى الكعبة بالطواف , ويؤدون عندها بعض العبادات ونحو ذلك , ولكنهم لم يكونوا موحدين , فلم يتصفوا بوصف أنهم يستقبلون القبلة في الأحاديث.

والقول الثاني: أن الأصل في المسلم الإسلام حتى يثبت عنه , أو منه ما يخرجه من الدين , وهؤلاء إن أطلق عليهم أنهم كفروا يعني صار عليهم اسم الكفر سلب عنهم اسم أهل القبلة , وإن لم يطلق عليهم الكفر , يعني ليسوا بكفار , فإنهم يبقون في الطائفة الثانية من التقسيم الأولى , يعني في أهل البدع والأهواء والمنافقين وأشباه هؤلاء؛ لأنه لا يكفر أحد إلا بعد أن تقوم عليه الحجة الرسالية , التي يكفر جاحدها , أو يكفر منكرها , أو يكفر رادها .

وهذا القول الثاني هو الأولى؛ وذلك أن الأصل فيمن استقبل الكعبة أنه مسلم , حتى يثبت عنه ما يخرجه من الإسلام , العلماء بحثوا هنا خاصة بعض علماء الدعوة , بحثوا هنا في مسألة الكافر الأصلي , يعني من نشأ , بلغ وهو يعبد الأوثان , وهو يعبد الأضرحة , وهو يعبد غير الله جل وعلا , ومن كان قد كانت هذه الأمور عارضة له , بحثوا في هذه المسألة , في بعض الردود , لكن ليس بحثها مؤثراً على التقسيم الذي قلناه .

المقصود أن اسم أهل القبلة مثل اسم المسلم , يعني لا يترتب على هذا اللفظ أهل القبلة , لا يترتب عليه حقوق إلا حقوق المسلم , فما دام أنه مسلم فله حق الإسلام , له حقوق المسلم , إذا كان مسلماً مطيعاً فله حق المسلم المطيع , مسلم عاص صاحب كبيرة , مسلم مبتدع , مسلم ظاهراً , منافق باطناً , هذا له حقوقه… إلى آخره .

قال بعدها أو المسألة الثانية , أما الأولى , هذه المسألة الثانية: قوله: "مسلمين مؤمنين" "نسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين" هذا الوصف مسلم مؤمن هذا بناءً على أن الإسلام والإيمان عند الطحاوي واحد , وأنه لا فرق ما بين الإسلام والإيمان , وهذا القول ليس بجيد , بل مخالف للأدلة , ويأتي بحثه في الكلام على الإيمان , وهناك وجهة أخرى ظهرت يعني لي أثناء تأمل كلمته , أنه وإن قال ذلك لكن هذه الكلمة ليست ملزمة له بهذا القول , يعني لا نفهم منها أنه يسوي ما بين المسلم والمؤمن؛ لأن من جهة التسمية نسميهم مسلمين , أو نسميهم مؤمنين , فالإسلام والإيمان إذا تفرقا (إيش؟) اجتمعا , فإذا قلنا: هو مؤمن مع كونه مسلماً , صحيح , وحتى صاحب الكبيرة نقول: هو مؤمن بإيمانه , فاسق بكبيرته .

فإذاً هذه الكلمة "مسلمين مؤمنين" لا تدل بنفسها على أنه يجعل الإسلام والإيمان واحد , وأن المسلم هو المؤمن . ويأتي بيان أن قول أهل السنة والجماعة يعني جمهور أهل السنة والجماعة , والراجح عندهم أن الإسلام غير الإيمان , والله جل وعلا فرق بينهما في كتابه فقال جل وعلا: ] قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا [ وهذا دليل واضح على التفريق , ويأتي بقية الأدلة في موضعها.

المسألة الثالثة: أن هذا الاسم: أهل القبلة , واسم المسلم والمؤمن لا بد من بقاء ما دل عليه , وهذا هو ما ذكره بعد ذلك بقوله: "ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين , وله بكل ما قال وأخبر مصدقين" يعني: أنه لو ارتكب مكفراً فإنه يخرج من اسمه مسلم , ومن اسمه مؤمن , ولو استقبل القبلة , ولو كان السجود في جبهته؛ فإنه ما دام أنه ثبت عنه بيقين ما حكم عليه عالم وقاض بكفره , فإنه يكون حينئذٍ ليس له حكم المسلم المؤمن , ولو كان مستقبل القبلة .

قال: "ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين" معنى الاعتراف هنا هو الإقرار بأن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في كل مسألة حق , لكن فرقٌ هنا ما بين الجحد وما بين التأويل؛ فإن من جحد أمراً جاء به النبي صلى الله عليه وسلم , وكانت دلالته ..كان ثابتاً , يعني عن النبي صلى الله عليه وسلم , وكانت دلالته قطعية , فإنه يكفر بذلك , مثل: عثمان في الجنة , هذا دلالته قطعية , عثمان في الجنة , ما تحتمل معنى آخر , فإذا قال: لا , هذا ما يدل على أنه يحكم له بالجنة , لا ,أنا ما أحكم لعثمان بالجنة , مع أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم له أنا أرد كون عثمان -t- في الجنة , لا أدري هو من أهل الجنة , أو من أهل النار , فهذا ردٌ لخبر دلالته قطعية .

فإذاً قوله: "ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين" هنا الاعتراف بمعنى الإقرار بهذا الخبر , وبما جاء به عليه الصلاة والسلام , وهذا الإقرار فيما كانت دلالته قطعية , أما إذا كانت دلالته محتملة , وصار ثم للتأويل مسرح , فإنه لا يسلب عنه اسم الإسلام والإيمان , ولهذا نص أهل العلم من أئمة الدعوة ومن غيرهم على أن متأولة الصفات , متأولة الصفات ليسوا كمنكري الصفات , يعني ليس الأشاعرة مثل الجهمية , ليس المعتزلة مثل الجهمية في هذا الباب , الصفاتية الذين أثبتوا أصل الصفات , وتأولوا بعضاً هؤلاء لهم شبهة التأويل , فلم يكفرهم أهل السنة والجماعة في هذا الباب؛ لأنهم معترفون بأصل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب , لكن تأولوا , تأولوه إلى جهة , جهة أخرى .

فإذن يفرق هنا ما بين الرد وما بين التأويل , فالاعتراف هو الإقرار , كذلك يفرق هنا ما بين الإقرار الذي يقابله الجحد , وما بين الالتزام الذي يقابله الامتناع , فالاعتراف الذي هو الإقرار يقابله الجحد , يقال: أقر واعترف , أو جحد , أقر بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكذا , أو جحد أن الصلاة واجبة , جحد أن الزكاة واجبة , جحد أن أكل نوع من المأكولات المباحة أنه حلال , جحد أن الخمر محرم , فهذا جحد يناقض الاعتراف , يعني أصلاً ما يقر بالتحريم أصلاً.

الثاني: هو الفرق ما بين الالتزام والامتناع , فإنه قد يُقر ولكنه لا يلتزم , وقد لا يجحد ولكنه يمتنع , والالتزام واجب , والامتناع مكفر، ما معنى الامتناع؟ الامتناع أن يقول: إن لا أدخل في هذا الخطاب , وهذا معنى قول العلماء: الطائفة الممتنعة , وقول: إذا امتنع أحدٌ عن كذا يعني لم يلتزم , فجعل فعله غير داخل في هذا الخطاب , مثل حديث أبي بردة بن نيار المعروف , أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في رجل نكح امرأة أبيه , فأمره أن يقتله , وأن يُخمِّس ماله , هذا رجل نكح امرأة أبيه , الفعل (إيش؟) الفعل معصية كبيرة , كبيرة بشعة , أن ينكح امرأة أبيه , لكن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقتله , وأن يخمس ماله , يعني جعله مرتداً , لم؟ لا لكونه جحد , ولكن لكونه امتنع .

فإذن هنا في الاعتراف ما داموا معترفين فيه الإقرار , ويقابله الجحد , وفيه الالتزام , وأن يعتقد أنه مخاطب , والامتناع , أنا غير مخاطب بذلك , مثل فعل مانع الزكاة (اللي) يؤدون الزكاة، الزكاة واجبة , وأدوها , ولكن نحن بذاتنا , لا , نحن لسنا داخلين في هذا الخطاب , فالرجل ظن هذا الرجل أنه لا يدخل في هذا الخطاب في قوله جل وعلا: ] وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً [ فهو مقر بوجوبها , بدخوله في الإسلام أصلاً , مقر بهذه الآية , بدخوله , لكنه امتنع من الدخول , امتنع من الالتزام بها؛ لأجل أن هذه كانت فعلة أهل الجاهلية , فكان من إكرام الرجل من إكرام الرجل لأبيه أن ينكح امرأة أبيه؛ لأن هذا يدل على بره , ويدل على صلته , ويدل على شرفه , ويدل على أشياء عندهم , فلما أنه امتنع يعني كان أخذه إذن مأخذ الحكم الجاهلي , ما دام أنه لم يلتزم , إذن في هذه الصورة لم يلتزم , هو مقر , معترف , لكنه لم يلتزم بمعنى امتنع وليست المسألة مسألة تكفير بالعمل أو أن فعله دل على استحلاله ليست من هذا الباب , إنما هي من باب الامتناع , فمن عرف واقع الجاهلية في نكاح امرأة الأب… إلى آخره وسبب نزول الآية ودلالة ذلك عرف .

المقصود من هذا أن قوله , قول الطحاوي: "ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين" الاعتراف: الإقرار , والإقرار يقابله الجحد , وبيأتي الكلام على الاستحلال في قوله: "ولا نكفر أحداً بذنب ما لم يستحله" .

فإذاً صارت عندك هنا أن النسبة إلى الإسلام , النسبة إلى أهل القبلة يأتي الخروج منها بأشياء , وأما العمل فيأتي الكلام عليه، "ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله"؛ لهذا هنا علقها بالاعتقادات , فقال: "ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين , وله بكل ما قاله وأخبر به مصدقين" .

المسألة الرابعة والأخيرة: هذا الباب باب الإيمان , والخروج من اسم الإسلام واسم الإيمان , ومن معنى أهل القبلة , هذا من المواضع التي تزل فيها الأقدام، لهذا الذي يجب على كل طالب علم أن يعلم ما قاله أهل السنة والجماعة في بيان الإيمان , وبيان ضده , وأن الإيمان والإسلام إذا قامت بالشخص , يعني وصف أحد بالإسلام والإيمان , المسلم والمؤمن لا يخرج من إسلامه وإيمانه , حتى يأتي بمكفر واضح , مثل وضوح ما أدخله في الإيمان , فهو دخل باعتقاد واضح , دخل بكلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله , دخل أيضاً بعمل بالأركان , فلا بد أن يكون الاعتقاد مضادا للأصل , الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله… إلى آخره . كذلك القول يكون مضادا للأصل , يعني مواجها للأصل , مضادا للتوحيد , لكلمة التوحيد , يعني من الأقوال الشركية , كذلك العمل يكون مضادا لما دل عليه العمل من الاستسلام لله جل وعلا .
وهذه مسألة يأتي لها مزيد تفصيل فيما نستقبل إن شاء الله تعالى .
فإذن معتقد أهل السنة والجماعة في هذه المسألة , أن من ثبت في حقه اسم الإسلام والإيمان فإنه يبقى على هذا الاسم , ما لم يأت بشيء من الأقوال أو الأعمال أو الاعتقادات ترد هذا الأصل بوضوح , لا باحتمال؛ لأن الواضح البين اليقيني لا يزيله إلا يقين .


  #6  
قديم 5 ربيع الأول 1430هـ/1-03-2009م, 10:43 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية للشيخ: يوسف بن محمد الغفيص (مفرغ)


أسماء أهل الكبائر عند أهل السنة
قال المصنف رحمه الله: [ونسمِّي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين، وله بكل ما قال وأخبر مصدقين] .
ذكر المصنف مسألة الأسماء، ونعني بها اسم أهل الكبائر والمخالفين من أهل الظلم والفسوق والعصيان والمخالفين للسنة والشريعة، هل يسمون مؤمنين أو مسلمين، أو كفاراً، أو فاسقين؟ والأحكام: أي حكم هؤلاء في الآخرة. فابتدأ المصنف بمسألة الأسماء، فقال: (ونسمِّي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين)، ثم يذكر بعد ذلك الإيمان، فيقول: (والإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان)، ثم يذكر بعد ذلك حكم أهل الكبائر في الآخرة، وهذا لا إشكال فيه، لكن كان الأصل في الترتيب أن يبدأ بمسألة الإيمان، ثم مسألة الأسماء والأحكام لأنها نتيجة لها. وقوله: (ونسمِّي أهل قبلتنا) مراده بأهل القبلة أهل الإسلام، وهم من يستقبل القبلة ويصلي إليها. وقوله: (مسلمين مؤمنين)، شرط لهذه التسمية أن يتحقق عندهم أصل الإيمان، ولهذا قال: (ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين، وله بكل ما قال وأخبر مصدِّقين). وهذه جملة مجملة، وتُفسَّر بأن أبا جعفر رحمه الله يقصد أنهم محققون لأصل الإيمان، ومن حقق أصل الإيمان فإنه يستحق عنده هذه التسمية، مع أنه قد يكون في هذا التفسير بعض التردد؛ لأن من المعلوم أن أبا جعفر وأمثاله لا يكفِّرون بالعمل المأمور به على الأعيان كمسألة الصلاة، بل لهم قول حتى في جنس العمل الظاهر كما سيأتي تفصيله. لكن إذا فسر مراده بقوله: (ما داموا) أي: محققين لأصل الإيمان، فهذا معنىً مناسب، ثم يرجع إلى تسميته، وهو قوله: (ونسمِّي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين) فإنه إذا كان كذلك، فإن هذه التسمية عنده تكون مستحقةً لكل مسلم، سواء كان براً أو فاجراً، وسواء كان من الظالمين لأنفسهم أم من المقتصدين أم من السابقين بالخيرات، ومعنى هذا أن أهل الكبائر عنده يُسمون مسلمين ويُسمون مؤمنين. أما أن سائر أهل الإسلام سواء كانوا أبراراً أو فجاراً، من أهل الكبائر أو غيرها، يُسمون مسلمين، فهذا بالإجماع، ولم يخالف فيه أحد إلا الخوارج والمعتزلة. وأما جمهور طوائف الأمة -فضلاً عن إجماع أهل السنة والجماعة المحكم- فهم على أن الأصل في أهل الإسلام أن يسموا مسلمين، وكل واحد بعينه مهما كانت كبائره فإنه يسمى مسلماً، فاسم الإسلام لا إشكال فيه بوجه، ولا يُنازع في إطلاقه على أهل الكبائر بأعيانهم إلا متأثر بالخوارج. فقول من يقول: نقول عنهم مسلمين على الإطلاق لكن لا نسمي أعيانهم مسلمين، فهذا من أثر الخوارج. وإذا قلنا: إنهم يُسمون مسلمين بالأعيان فلا يعني هذا أنه لا يصح فيهم إلا هذا الاسم. وأما قول أبي جعفر : (مؤمنين) فإن هذا فرع عن رأيه في مسمى الإيمان؛ فإنه لما كان العمل عنده ليس داخلاً في مسمى الإيمان، والإيمان واحد، وأهله في أصله سواء، صار أهل الكبائر الذين يقصرون في العمل مؤمنين عنده بناءً على أصله. ولهذا نقول: هذه النتيجة -وهي قوله: (مؤمنين)- مناسبة لقوله في مسمى الإيمان. وإذا قلت على طريقة السلف: إن الإيمان قول وعمل، فإن اسم الإيمان لا يكون مقامه في أهل الكبائر كمقام اسم الإسلام، وهذا ليس معناه أن أهل الكبائر لا يسمون مؤمنين بحال، وإنما معناه أنه لا يطلق عليهم هذا الاسم في سائر الموارد، وهذه مسألة وقع فيها تنازع بين أهل السنة -وإن كان أصلها مجمعاً عليه بينهم-: هل يسمى أهل الكبائر مؤمنين أو لا يسمون؟ - فمنهم من قال: إنهم يسمون مسلمين ومؤمنين. - ومنهم من قال: إنهم يسمون مؤمنين على الإطلاق دون التعيين. وهذه أقوال يذكرها بعض أهل السنة والجماعة من أصحاب الأئمة. والذي تدل عليه آثار السلف وجواباتهم في هذه المسألة، بل الذي دل عليه القرآن والسنة، أن اسم الإيمان في حق أهل الكبائر تارة يذكر مطلقاً بدون قيد، وتارة يذكر مقيداً، وتارة لا يذكر. وإذا كان لا يذكر فإما أن يكون منتقلاً عنه وإما أن يكون منفياً.

إطلاق اسم الإيمان على أهل الكبائر وأحواله
وعليه فيكون لإطلاق الإيمان في حق أهل الكبائر أربعة أحوال:
الحال الأولى: أن يذكر مطلقاً، أي: بدون قيد، وهو المذكور في مثل قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء:92] في الكفارة، فإن قوله: (مؤمنة) يدخل فيه الفاسق، بمعنى أنه لو أعتق فاسقاً فإن عتقه صحيح بالإجماع، وهو المذكور في مثل قوله صلى الله عليه وسلم للجارية في حديث معاوية بن الحكم : (أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة) .
الحال الثانية: ألا يذكر مطلقاً بل يذكر مقيداً، كما إذا سئل عن حكم الفاسق واسمه وقدره من الإيمان، فإنه يقال: مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فيسمى مؤمناً بالتقييد. الحال الثالثة: ألا يذكر على الإطلاق، إما انتقالاً إلى غيره أونفياً له عنه، فانتقاله إلى غيره هو المذكور في حديث سعد رضي الله عنه، في الصحيحين قال: (قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسماً، فقلت: يا رسول الله، أعط فلاناً فإنه مؤمن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو مسلم) ، فانتقل النبي صلى الله عليه وسلم بحق هذا الرجل إلى اسم الإسلام، فهذا انتقال عن اسم الإيمان إلى اسم الإسلام، مع أن الرجل لا شك أنه ممن يؤمن بالله ورسوله، ولا شك أنه ممن يؤمن بأن الله في السماء وأن محمداً رسول الله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجارية: إنها مؤمنة، لما أخبرت بهذين الأمرين، لكنه صلى الله عليه وسلم لم يقر سعداً لما قال هذا عن الرجل، قيل: لأن المقام والحال مختلف، فـسعد إنما ذكر ذلك على جهة المدح والثناء، وإذا قصد مقام المدح والثناء فإنه لا يسمى بالإيمان إلا من استفاض هذا الأمر فيه، وإنما يستعمل في الإطلاق وبين عامة المسلمين اسم الإسلام. وأما في حديث معاوية وفي قوله تعالى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء:92] فإن المقام مقام عتق، وفي مقام الأحكام الدنيوية كالعتق والمواريث وغيرها فإن الفساق يسمون مؤمنين. فإذا قيل: قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء:92] فلو كان فاسقاً؟ قيل: الفاسق مؤمن في هذا المقام؛ لأن معه أصل الإيمان، وقد ينفى الإيمان عن شخص في مقام، كقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) ، فحال الزنا لا يسمى مؤمناً، بل يسمى زانياً، أو يسمى فاسقاً، مع أنه في مقام العتق لو أعتق الزاني فإنه يقال: أعتق مؤمناً. فاسم الإيمان لا يقع على وجه واحد، ولهذا في الأحكام الدنيوية والمخاطبة بالشريعة فإن سائر أهل القبلة من العصاة والفساق وغيرهم يدخلون في اسم الإيمان، ولهذا جاءت في القرآن خطابات كثيرة: (يا أيها الذين آمنوا)، ولا شك أنه يُخاطب بها سائر أهل الإسلام، حتى الفاسق منهم فإنه داخل في هذا، وكذلك يسوغ للخطيب في الجمعة أن يقول: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله، ولو كان من بين يديه من هو من أهل الفسق. ففي مقامات المخاطبة بأحكام الشريعة وفي مقامات أحكام الدنيا كالعتق والمواريث ونحوها فإنهم يسمون مؤمنين، ويدخلون في هذا الاسم، وعليه فأهل الكبائر المجاهرون بها والمظهرون لها يُسمون فساقاً، وهذا مجمع عليه بين السلف. فأصحاب الكبائر تارة يسمون مؤمنين، وتارة مسلمين، وتارة فساقاً. فإن قيل: ما الأصل في أهل الكبائر؟ هل هم فساق أم مؤمنون أم مسلمون؟ يقال: إن الأصل فيهم أنهم مسلمون، فلا يكون الاسم المطلق لهم في سائر الأحوال والموارد هو الفسق فإن هذا شبهٌ بالمعتزلة، وكونه شبهاً بالمعتزلة ليس من جهة كون مرتكب الكبيرة لا يسمى فاسقاً، فإنه يسمى فاسقاً بإجماع السلف وبصريح الكتاب والسنة، ولكن لا يلتزم معه هذا الاسم في سائر الموارد، بل يكون هذا الاسم مناسباً لبعض أحواله، كما أن اسم الإيمان قد يناسب بعض أحواله، ويكون الاسم المطلق له هو اسم الإسلام فإنه الأصل فيه. ومعلوم أن حسنة التوحيد والإيمان الذي عنده، أعظم مما معه من الكبائر، فهي أولى بالاختصاص به. هذا هو محصل قول أهل السنة والجماعة في مسألة الأسماء.

قول الخوارج والمعتزلة في أهل الكبائر
جمهور الخوارج يقولون: إن أهل الكبائر كفار كفر ملة، وقال عبد الله بن إباض وأصحابه الأباضية: إنهم كفار كفر نعمة، ويقول: إنهم مخلدون في النار. وهذا تناقض، فإنهم إن كانوا مخلدين في النار لزم أن يكونوا كفاراً كفر ملة. وقالت المعتزلة: إنهم ليسوا كفاراً وليسوا مؤمنين أو مسلمين، بل هم فساق، ويريدون بالفسق هنا الفسق المطلق الذي لا يصاحبه من الإيمان شيء، وعن هذا قيل: إن من التزم في أهل الكبائر اسم الفسق في سائر الموارد ففيه شبه بالمعتزلة، والمراد بذلك من نفي اسم الإسلام أو اسم الإيمان في بعض موارده عنهم، فإنهم {خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى الله أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة:102] .. {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ الله إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} [التوبة:106] .

قول المرجئة في أهل الكبائر
والمرجئة تقول: إنهم مؤمنون، وجمهور المرجئة مع قولهم بأنهم مؤمنون يقولون: إنهم مؤمنون بإيمانهم فاسقون بكبائرهم، وهذه الجملة وإن كانت صحيحة إلا أنها لا تميز مذهب السلف عن مذهب أكثر المرجئة، فالأشعرية في كتبهم يقولون: إن مرتكب الكبيرة مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، ويكون التحصيل للتمييز هو في الجملة الأخرى التي يستعملها من يستعملها من أهل السنة والجماعة، وهي قولهم: إنه مؤمن ناقص الإيمان، فجملة النقص في إيمانه هي المحصلة للتمييز بين قول السلف وقول جماهير المرجئة، وإلا فالقول بأنه مؤمن مع فسقه يقر به جماهير المرجئة.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ونسمي, قوله

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:27 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir