دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الطحاوية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 02:55 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي قوله: (وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه...)

وَأَصْلُ القَدَرِ سِرُّ اللهِ تعالى في خَلْقِهِ، لم يَطَّلِعْ على ذلك مَلَكٌ مُقَرَّبٌ, ولا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، والتَّعَمُّقُ والنظرُ في ذلك ذَرِيعَةُ الخِذْلاَنِ، وَسُلَّمُ الحِرْمَانِ، وَدَرَجَةُ الطُّغْيَانِ.
فَالحَذَرَ كُلَّ الحَذَرِ مِن ذلكَ نَظَرًا وَفِكْرًا وَوَسْوَسَةً، فَإِنَّ اللهَ تَعَالى طَوَى عِلْمَ القَدَرِ عن أَنَامِهِ، وَنَهَاهُم عن مَرَامِهِ كما قالَ تعالى في كتابِهِ: {لاَ يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُم يُسْئَلُونَ}.
فَمَنْ سَأَلَ: لِمَ فَعَلَ؟ فقد رَدَّ حُكْمَ الكتابِ.
وَمَن رَدَّ حُكْمَ الكتابِ كانَ مِن الكافرينَ.

  #2  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 03:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات على الطحاوية لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز


[لا يوجد تعليق للشيخ]


  #3  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 03:42 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات المختصرة للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

(1) وَأَصْلُ القَدَرِ سِرُّ اللهِ تعالى في خَلْقِهِ.
(2) لم يَطَّلِعْ على ذلك مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ.
(3) والتَّعَمُّقُ والنظرُ في ذلك ذَرِيعَةُ الخِذْلاَنِ، وَسُلَّمُ الحِرْمَانِ، وَدَرَجَةُ الطُّغْيَانِ.
(4) فَالحَذَرَ كُلَّ الحَذَرِ مِن ذلكَ نَظَرًا وَفِكْرًا وَوَسْوَسَةً.
(5) فَإِنَّ اللهَ تَعَالى طَوَى عِلْمَ القَدَرِ عن أَنَامِهِ.
(6) وَنَهَاهُم عن مَرَامِهِ.
(7) كما قالَ تعالى في كتابِهِ: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُم يُسْئَلُونَ}.
(8) فَمَنْ سَأَلَ: لِمَ فَعَلَ؟ فقد رَدَّ حُكْمَ الكتابِ.
(9) وَمَن رَدَّ حُكْمَ الكتابِ كانَ مِن الكافرينَ.



(1) أيْ: لَنْ تَصِلَ إلى سِرِّهِ، مهما حاوَلْتَ التَّفتيشَ في القضاءِ والقدَرِ. فلا تُكَلِّفَ نفْسَكَ، ولكنْ آمِنْ بالقضاءِ والقدَرِ، واعْمَلِ الأعمالَ الصالحةَ واجْتَنِبِ الأعمالَ السيئةَ، وأَمَّا أنْ تبحثَ عن أسرارِ القدَرِ فهذا لَيْسَ من اخْتِصاصِكَ، ولا هو مِن شأنِكَ، وما كُلِّفْتَ به.

(2) هذا مِن شأنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِن الغيبِ الذي لا يَعْلَمَهُ إِلَّا اللَّهُ، ولا يعلمَهُ غيرُه، لا المَلَائِكَةُ ولا الأَنْبِيَاءُ ولا غيرُهُم، وأفضلُ الرُّسُلِ يقولُ: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ} (الأعْرافُ: 188).

(3) هذا كلامٌ عظيمٌ، أيْ: التعمقُ في القضاءِ والقدرِ ومسائلِهِ، وإشغالُ الوقتِ والنفسِ والقلبِ، مِمَّا يُورِثُ الشكوكَ ويَخْذُلُ عن العملِ، فهذا من اللعبِ والخِذْلَانِ.
إذا خَذَلَ اللَّهُ العبدَ شَغَلَهُ في هذهِ الأمورِ، وإذا أَكْرَمَ اللَّهُ العبدَ شَغَلَهُ في طاعتِهِ واغْتِنَامِ وَقْتِهِ.
فَنَحْنُ لَنَا حُدُودٌ لَا نَتَعَدَّاهَا، فاللَّهُ ما كَلَّفَنَا بالبحثِ في القضاءِ والقدرِ، ولكنْ كَلَّفَنا باعتقادِ ذلكَ وبالعملِ الصالحِ وتركِ العملِ السَّيِّئِ.

(4) أي: احْذَرْ من هذهِ الأمورِ، والنظرِ في هذهِ الأمورِ، والتفكيرِ فيها.
والوسوسةُ وهي: التردُّدُ والشكُّ، اتْرُكْ هذه الأمورَ، وَسُدَّ هذا البابَ أصلًا.

(5) هذا تأكيدٌ لِمَا سَبَقَ (القدرُ سِرُّ اللَّهِ تَعَالَى) ومعنى طَوَى: أَخْفَى، فَطَوَى اللَّهُ هذهِ المعلوماتِ عن خَلْقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُم فيها مَصْلَحَةٌ.

(6) عن مَرَامِ القدرِ أن يَبْحَثُوا فيهِ، والنبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضِبَ لَمَّا رأى الصحابةَ يَتَسَاءَلُونَ في هذا فقَالَ: (أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ؟ أَمْ لِهَذَا خُلِقْتُمْ؟ ).

(7) أنتَ لا تسألُ اللَّهَ ولا تُنَاقِشُهُ عن أفعالِهِ وعن قضائِهِ وقدرِهِ، تَأَدَّبْ مع اللَّهِ؛ لأنَّكَ عَبْدٌ، فلا تَتَدَخَّلْ في شؤونِهِ جلَّ وعَلَا، فاللَّهُ لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ؛ لأَنَّ اللَّهَ لا يَفْعَلُ شيئًا إِلَّا لِحِكْمَةٍ، والحكمةُ قد تَظْهَرُ وقد تَخْفَى علينا، فنُؤْمِنُ بأنَّ اللَّهَ لا يَفْعَلُ شَيْئًا عَبَثًا؛ إِنَّمَا يَفْعَلُهُ لِحِكْمَةٍ، سَوَاءٌ ظَهَرَتْ لَنَا أَوْ لَمْ تَظْهَرْ.
فالإنسانُ مَسْؤُولٌ عن عملِهِ، لَيْسَ مَسْؤُولًا عن أعمالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَاعْتَنِ بِمَا أنتَ مسؤولٌ عنهُ يومَ القيامةِ، وهو عَمَلُكَ، فعلى العبدِ التسليمُ للهِ.

(8) أي قَالَ: لِمَ فَعَلَ اللَّهُ كذا؟ لِمَ قَدَّرَ اللَّهُ كذا وكذا؟ فَمَن قَالَ هذا، فقد رَدَّ حُكْمَ الكتابِ؛ لأَنَّ اللَّهَ يقولُ: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} (الأَنْبِيَاء: 23).

(9) فَمَن رَدَّ حُكْمَ الكتابِ والسُّنَّةِ، وَاعْتَرَضَ على ذلكَ، وذَهَبَ إلى العقلِ والتفكيرِ صارَ من الكافرينَ؛ لأَنَّ الإيمانَ بالكتابِ والسُّنَّةِ هما رُكْنَانِ من أركَانِ الإيمانِ.


  #4  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 08:48 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي


وقوله: ( وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً وفكراً ووسوسة، فان الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى في كتابه: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. فمن سأل: لم فعل ؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب، كان من الكافرين ).

ش: أصل القدر سر الله في خلقه، وهو كونه أوجد وأفنى، وأفقر وأغنى، وأمات وأحيا، وأضل وهدى. قال علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه: القدر سر الله فلا نكشفه. والنزاع بين الناس في مسألة القدر مشهور.
والذي عليه أهل السنة والجماعة: أن كل شيء بقضاء الله وقدره، وأن الله تعالى خالق أفعال العباد. قال تعالى: إنا كل شيء خلقناه بقدر 9. وقال تعالى: وخلق كل شيء فقدره تقديراً. وأن الله تعالى يريد الكفر من الكافر ويشاؤه، ولا يرضاه ولا يحبه، فيشاؤه كوناً، ولا يرضاه ديناً.
وخالف في ذلك القدرية والمعتزلة، وزعموا: أن الله شاء الإيمان من الكافر، ولكن الكافر شاء الكفر، فردوا إلى هذا لئلا يقولوا: شاء الكفر من الكافر وعذبه عليه ! ولكن صاروا: كالمستجير من الرمضاء بالنار!. فإنهم هربوا من شياء فوقعوا فيما هو شر منه ! فإنه يلزم أن مشيئة الكافر غلبت مشيئة الله تعالى، فإن الله قد شاء الإيمان منه - على قولهم - والكافر شاء الكفر، فوقعت مشيئة الكافر دون مشيئة الله تعالى! ! وهذا من أقبح الاعتقاد، وهو قول لا دليل عليه، بل هو مخالف للدليل.
روى اللالكائي، من حديث بقية عن الأوزاعي، حدثنا العلاء بن الحجاج، عن محمد بن عبيد المكي: عن ابن عباس قال: قيل لابن عباس: إن رجلاً قدم علينا يكذب بالقدر، فقال: دلوني عليه، وهو يومئذ قد عمى، فقالوا له: ما تصنع به ؟ فقال: والذي نفسي بيده، لئن استمكنت منه لأعضن أنفه حتى أقطعه، ولئن وقعت رقبته بيدي لأدقنها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كأني بنساء بني فهر يطفن بالخرزج، تصطفق ألياتهن مشركات، هذا أول شرك في الإسلام، والذي نفسي بيده لينتهين بهم سوء رأيهم حتى يخرجوا الله من أن يقدر الخير، كما أخرجوه من أن يقدر الشر. قوله: وهذا أول شرك في الإسلام. إلى آخره، من كلام ابن عباس. وهذا يوافق قوله: القدر نظام التوحيد، فمن وحد الله وكذب بالقدر نقض تكذيبه توحيده. وروى عمرو بن الهيثم قال: خرجنا في سفينة، وصحبنا فيها قدري ومجوسي، فقال القدري للمجوسي: أسلم، قال المجوسي: حتى يريد الله فقال القدري: إن الله يريد ولكن الشيطان لا يريد ! قال المجوسي: أراد الله وأراد الشيطان، فكان ما أراد الشيطان ! هذا شيطان قوي ! ! وفي رواية أنه قال: فأنا مع أقواهما ! !. ووقف أعرابي على حلقة فيها عمرو بن عبيد، فقال: يا هؤلاء إن ناقتي سرقت فادعوا الله أن يردها علي، فقال عمرو بن عبيد: اللهم إنك لم ترد أن تسرق ناقته فسرقت، فارددها عليه ! فقال الأعرابي: لا حاجة لي في دعائك ! قال: ولم ؟ قال: أخاف - كما أراد أن لا تسرق فسرقت - أن يريد ردها فلا ترد ! !. وقال رجل لأبي عصام القسطلاني: أرأيت إن منعني الهدى وأوردني الضلال ثم عذبني، أيكون منصفا ؟ فقال له أبو عصام: إن يكن الهدى شيئاً هو له فله أن يعطيه من يشاء ويمنعه من يشاء.
وأما الأدلة من الكتاب والسنة: فقد قال تعالى: ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين. وقال تعالى: ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين. وقال تعالى: وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين. وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليماً حكيماً. وقال تعالى: من يشإ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم. وقال تعالى: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء.
ومنشأ الضلال: من التسوية بين: المشيئة، والإرادة، وبين: المحبة، والرضى، فسوى الجبرية والقدرية، ثم اختلفوا، فقالت الجبرية: الكون كله بقضائه وقدره، فيكون محبوباً مرضياً. وقالت القدرية النفاة: ليست المعاصي محبوبة لله ولا مرضية له، فليست مقدرة ولا مقضية، فهي خارجة عن مشيئته وخلقه. وقد دل على الفرق بين: المشيئة، والمحبة. الكتاب والسنة والفطرة الصحيحة. أما نصوص المشيئة والإرادة من الكتاب، فقد تقدم ذكر بعضها. وأما نصوص المحبة والرضى، فقال تعالى: والله لا يحب الفساد. ولا يرضى لعباده الكفر. وقال تعالى عقيب ما نهى عنه من الشرك والظلم والفواحش والكبر: كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروهاً. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال. وفي المسند: إن الله يحب أن يؤخذ برخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته. وكان من دعائه: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك. فتأمل ذكر استعاذته بصفة الرضى من صفة السخط، وبفعل المعافاة من فعل العقوبة. فالأول: الصفة، والثاني: أثرها المرتب عليها، ثم ربط ذلك كله بذاته سبحانه، وأن ذلك كله راجع إليه وحده لا إلى غيره، فما أعوذ منه واقع بمشيئتك وإرادتك، وما أعوذ به من رضاك ومعافاتك هو بمشيئتك وإرادتك، إن شئت أن ترضى عن عبدك وتعافيه، وإن شئت أن تغضب عليه وتعاقبه، فإعاذتي مما أكره ومنعه أن يحل بي، هي بمشيئتك أيضاً، فالمحبوب والمكروه كله بقضائك ومشيئتك، فعياذي بك منك، وعياذي بحولك وقوتك ورحمتك مما يكون بحولك وقولك وعدلك وحكمتك، فلا أستعيذ بغيرك من غيرك ولا أستعيذ بك من شيء صادر عن غير مشيئتك، بل هو منك. فلا يعلم ما في هذه الكلمات من التوحيد والمعارف والعبودية، إلا الراسخون في العلم بالله ومعرفته ومعرفة عبوديته.
فإن قيل: كيف يريد الله أمراً ولا يرضاه ولا يحبه ؟ وكيف يشاؤه ويكونه ؟ وكيف يجمع إرادته له وبغضه وكراهته ؟ قيل: هذا السؤال هو الذي افترق الناس لأجله فرقاً، وتباينت طرقهم وأقوالهم. فاعلم أن المراد نوعان: مراد لنفسه، ومراد لغيره.
فالمراد لنفسه، مطلوب محبوب لذاته وما فيه من الخير، فهو مراد إرادة الغايات والمقاصد. والمراد لغيره، قد لا يكون مقصوداً لما يريد، ولا فيه مصلحة له بالنظر إلى ذاته، وإن كان وسيلة إلى مقصوده ومراده، فهو مكروه له من حيث نفسه وذاته، مراد له من حيث قضاؤه وايصاله إلى مراده. فيجتمع فيه الأمران: بغضه، وإرادته. ولا يتنافيان، لاختلاف متعلقهما. وهذا كالدواء الكريه، إذا علم المتناول له أن فيه شفاءه، وقطع العضو المتأكل، اذا علم أن في قطعه بقاء جسده، وكقطع المسافة الشاقة، اذا علم أنها توصل إلى مراده ومحبوبه. بل العاقل يكتفي في إيثار هذا المكروه وإرادته بالظن الغالب، وإن خفيت عنه عاقبته، فكيف ممن لا يخفى عليه خافية. فهو سبحانه يكره الشيء، ولا ينافي ذلك إرادته لأجل غيره، وكونه سبباً إلى أمر هو أحب إليه من فوقه. من ذلك: أنه خلق إبليس، الذي هو مادة لفساد الأديان والأعمال والإعتقادات والإرادات، وهو سبب لشقاوة كثير من العباد، وعملهم بما يغضب الرب سبحانه تبارك وتعالى وهو الساعي في وقوع خلاف ما يحبه الله ويرضاه. ومع هذا فهو وسيلة إلى محاب كثيرة للرب تعالى ترتبت على خلقه، ووجودها أحب إليه من عدمها. منها: أنه يظهر للعباد قدرة الرب تعالى على خلق المتضادات المتقابلات، فخلق هذا الذات، التي هي أخبث الذوات وشرها، وهي سبب كل شر، في مقابلة ذات جبرائيل، التي هي من أشرف الذوات وأطهرها وأزكاها، وهي مادة كل خير، فتبارك خالق هذا وهذا. كما ظهرت قدرته في خلق الليل والنهار، والدواء والداء، والحياة والموت، والحسن والقبيح، والخير والشر. وذلك أدل دليل على كمال قدرته وعزته وملكه وسلطانه، فإنه خلق هذه المتضادات، وقابلها بعضها ببعض، وجعلها محال تصرفه وتدبيره. فخلو الوجود عن بعضها بالكلية تعطيل لحكمته وكمال تصرفه وتدبير ملكه. ومنها: ظهور آثار أسمائه القهرية، مثل: القهار، والمنتقم، والعدل، والضار، والشديد العقاب، والسريع العقاب، وذي البطش الشديد، والخافض، والمذل. فإن هذه الأسماء والأفعال كمال، لا بد من وجود متعلقها، ولو كان الجن والإنس على طبيعة الملائكة لم يظهر أثر هذه الأسماء. ومنها: ظهور آثار أسمائه المتضمنة لحلمه وعفوه ومغفرته وستره وتجاوزه عن حقه وعتقه لمن شاء من عبيده، فلولا خلق ما يكرهه من الأسباب المفضية إلى ظهور آثار هذه الأسماء لتعطلت هذه الحكم والفوائد. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم الى هذا بقوله: لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم. ومنها: ظهور آثار أسماء الحكمة والخبرة، فإنه الحكيم الخبير، الذي يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها اللائقة بها، فلا يضع الشيء في غير موضعه، ولا ينزله غير منزلته التي يقتضيها كمال علمه وحكمته وخبرته. فهو أعلم حيث يجعل رسالاته، وأعلم بمن يصلح لقبولها ويشكره على انتهائها إليه، وأعلم بمن لا يصلح لذلك. فلو قدر عدم الأسباب المكروهة، لتعطلت حكم كثيرة، ولفاتت مصالح عديدة، ولو عطلت تلك الأسباب لما فيها من الشر، لتعطل الخير الذي هو أعظم من الشر الذي في تلك الأسباب، وهذا كالشمس والمطر والرياح، التي فيها من المصالح ما هو أضعاف أضعاف ما يحصل بها من الشر. ومنها: حصول العبودية المتنوعة التي لولا خلق إبليس لما حصلت، فإن عبودية الجهاد من أحب أنواع العبودية إليه سبحانه. ولو كان الناس كلهم مؤمنين لتعطلت هذه العبودية وتوابعها من الموالات لله سبحانه [ وتعالى ] والمعاداة فيه، وعبودية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعبودية الصبر ومخالفة الهوى وإيثار محاب الله تعالى، وعبودية التوبة والاستغفار، وعبودية الاستعاذة بالله أن يجيره من عدوه ويعصمه من كيده وأذاه. إلى غير ذلك من الحكم التي تعجز العقول عن إدراكها.
فإن قيل: فهل كان يمكن وجود تلك الحكم بدون هذه الأسباب ؟
فهذا سوال فاسد! وهو فرض وجود الملزوم بدون لازمه، كفرض وجود الابن بدون الأب. والحركة بدون المتحرك، والتوبة بدون التائب.
فإن قيل: فإذا كانت هذه الأسباب مرادة لما تفضي إليه من الحكم، فهل تكون مرضية محبوبة من هذا الوجه، أم هي مسخوطة من جميع الوجوه ؟ هذا السؤال يرد على وجهين: أحدهما: من جهة الرب تعالى، وهل يكون محباً لها من جهة إفضالها إلى محبوبه، وإن كان يبغضها لذاتها ؟ والثاني: من جهة العبد، وهو أنه هل يسوغ له الرضى بها من تلك الجهة أيضاً ؟ فهذا سؤال له شأن.
فاعلم أن الشر كله يرجع الى العدم، أعني عدم الخير وأسبابه المفضية إليه، وهو من هذه الجهة شر، وأما من جهة وجوده المحض فلا شر فيه. مثاله: أن النفوس الشريرة وجودها خير من حيث هي موجودة، وإنما حصل لها الشر بقطع مادة الخير عنها، فإنها خلقت في الأصل متحركة، فإن أعينت بالعلم وإلهام الخير تحركت به، وإن تركت تحركت بطبعها إلى خلافه. وحركتها من حيث هي حركة: خير، وإنما تكون شراً بالإضافة، لا من حيث هي حركة، والشر كله ظلم، وهو وضع الشيء في غير محله، فلو وضع في موضعه لم يكن شراً، فعلم أن جهة الشر فيه نسبية إضافية. ولهذا كانت العقوبات الموضوعة في محالها خيراً في نفسها، وإن كانت شراً بالنسبة إلى المحل الذي حلت به، لما أحدثت فيه من الألم الذي كانت الطبيعة قابلة لضده من اللذة مستعدة له، فصار ذلك الألم شراً بالنسبة إليها، وهو خير بالنسبة إلى الفاعل حيث وضعه في موضعه، فإنه سبحانه لم يخلق شراً محضاً من جميع الوجوه والاعتبارات، فإن حكمته تأبى ذلك. فلا يكون في جناب الحق تعالى أن يريد شيئاً يكون فساداً من كل وجه، لا مصلحة في خلقه بوجه ما، هذا من أبين المحال، فإنه سبحانه الخير كله بيديه، والشر ليس إليه، بل كل ما إليه فخير، والشر إنما حصل لعدم هذه الإضافة والنسبة إليه، فلو كان إليه لم يكن شراً، فتأمله. فانقطاع نسبته إليه هو الذي صيره شراً.
فإن قيل: لم تنقطع نسبته إليه خلقاً ومشيئة ؟ قيل: هو من هذه الجهة ليس بشر، فإن وجوده هو المنسوب إليه، وهو من هذه الجهة ليس بشر، والشر الذي فيه من عدم إمداده بالخير وأسبابه، والعدم ليس بشيء، حتى ينسب إلى من بيده الخير.
فإن أردت مزيد إيضاح لذلك، فاعلم أن أسباب الخير ثلاثة: الإيجاد، والإعداد، والإمداد. فإيجاد هذا خير، وهو الى الله، وكذلك إعداده وإمداده، فإن لم يحدث فيه إعداد ولا إمداد حصل فيه الشر بسبب هذا العدم الذي ليس إلى الفاعل، وإنما إليه ضده.
فإن قيل: هلا أمده إذا أوجده ؟ قيل: ما اقتضت الحكمة إيجاده وإمداده، وإنما اقتضت إيجاده وترك إمداده. فإيجاده خير، والشر وقع من عدم إمداده.
فإن قيل: فهلا أمد الموجودات كلها ؟ فهذا سؤال فاسد، يظن مورده أن التسوية بين الموجودات أبلغ في الحكمة ! وهذا عين الجهل ! بل الحكمة في هذا التفاوت العظيم الذي بين الأشياء، وليس في خلق كل نوع منها تفاوت، فكل نوع منها ليس في خلقه تفاوت، والتفاوت إنما وقع لأمور عدمية لم يتعلق بها الخلق، وإلا فليس في الخلق من تفاوت. فإن اعتاص عليك هذا، ولم تفهمه حق الفهم، فراجع قول القائل:
إذا لم تستطع شيئاً فدعه = وجاوزه إلى ما تستطيع
فإن قيل: كيف يرضى لعبده شيئاً ولا يعينه عليه ؟ قيل: لأن إعانته عليه قد تستلزم فوات محبوب له أعظم من حصول تلك الطاعة التي رضيها له، وقد يكون وقوع تلك الطاعة منه يتضمن مفسدة هي أكره إليه سبحانه من محبته لتلك الطاعة. وقد أشار تعالى إلى ذلك في قوله: ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم.. - الآيتين. فأخبر سبحانه أنه كره انبعاثهم إلى الغزو مع رسوله، وهو طاعة، فلما كرهه منهم ثبطهم عنه، ثم ذكر سبحانه بعض المفاسد التي تترتب على خروجهم مع رسوله، فقال: لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً، أي فساداً وشراً، ولأوضعوا خلالكم، أي سعوا بينكم بالفساد والشر، يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم، أي قابلون منهم مستجيبون لهم، فيتولد من سعي هؤلاء وقبول هؤلاء من الشر ما هو أعظم من مصلحة خروجهم، فاقتضت الحكمة والرحمة أن أقعدهم عنه. فاجعل هذا المثال أصلاً، وقس عليه.
وأما الوجه الثاني، وهو الذي من جهة العبد: فهو أيضا ممكن، بل واقع. فإن العبد يسخط الفسوق والمعاصي ويكرهها، من حيث هي فعل العبد، واقعة بكسبه وإرادته واختياره، ويرضى بعلم الله وكتابه ومشيئه وإرادته وأمره الكوني، فيرضى بما من الله ويسخط ما هو منه. فهذا مسلك طائفة من أهل العرفان. وطائفة أخرى كرهتها مطلقاً، وقولهم يرجع إلى هذا القول، لأن إطلاقهم الكراهة لا يريدون به شموله لعلم الرب وكتابه ومشيئته. وسر المسألة: أن الذي إلى الرب منها غير مكروه، والذي إلى العبد مكروه.
فإن قيل: ليس إلى العبد شيء منها. قيل: هذا هو الجبر الباطل الذي لا يمكن صاحبه التخلص من هذا المقام الضيق، والقدري المنكر أقرب إلى التخلص منه من الجبري. وأهل السنة، المتوسطون بين القدرية والجبرية أسعد بالتخلص من الفريقين.
فإن قيل: كيف يتأتى الندم والتوبه مع شهود الحكمة في التقدير، ومع شهود القيومية والمشيئة النافذة ؟ قيل: هذا هو الذي أوقع من عميت بصيرته في شهود الأمر على غير ما هو عليه، فرأى تلك الأفعال طاعات، لموافقته فيها المشيئة والقدر، وقال: إن عصيت أمره فقد أطعت إرادته ! [و] في ذلك قيل:
أصبحت منفعلاً لما يختاره = مني، ففعلي كله طاعات !
وهؤلاء أعمى الخلق بصائر، وأجهلهم بالله وأحكامه الدينية والكونية، فإن الطاعة هي موافقة الأمر الديني الشرعي، لا موافقة القدر والمشيئة، ولو كان موافقة القدر طاعة لكان إبليس من أعظم المطيعين له، ولكان قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وقوم فرعون - كلهم مطيعين ! وهذا غاية الجهل، لكن إذا شهد العبد عجز نفسه، ونفوذ الأقدار فيه، وكمال فقره إلى ربه، وعدم استغنائه عن عصمته وحفظه طرفة عين: كان بالله في هذه الحال لا بنفسه، فوقوع الذنب منه لا يتأتى في هذه الحال البتة، فإن عليه حصناً حصيناً، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، فلا يتصور منه الذنب في هذه الحال، فإذا حجب عن هذا المشهد وبقي بنفسه، استولى عليه حكم النفس، فهنالك نصبت عليه الشباك والإشراك، وأرسلت عليه الصيادون، فاذا انقشع عنه ضباب ذلك الوجود الطبعي، فهنالك يحضره الندم والتوبة والإنابة، فإنه كان في المعصية محجوباً بنفسه عن ربه، فلما فارق ذلك الوجود صار في وجود آخر، فبقي بربه لا بنفسه.
فإن قيل: إذا كان الكفر بقضاء الله وقدره، ونحن مأمورون أن نرضى بقضاء الله، فكيف ننكره ونكرهه ؟!
فالجواب: أن يقال أولاً: نحن غير مأمورين بالرضى بكل ما يقضيه الله ويقدره، ولم يرد بذلك كتاب ولا سنة، بل من المقضي ما يرضى به، ومنه مايسخط ويمقت، كما لا يرضى به القاضي لأقضيته سبحانه، بل من القضاء ما يسخط، كما أن من الأعيان المقضية ما يغضب عليه ويمقت ويلعن ويذم.
ويقال ثانياً: هنا أمران: قضاء الله، وهو فعل قائم بذات الله تعالى. ومفضي: وهو المفعول المنفصل عنه. فالقضاء كله خير وعدل وحكمة، نرضى به كله. والمقضي قسمان: منه مايرضى به، ومنه ما لايرضى به.
ويقال ثالثاً: القضاء له وجهان: أحدهما: تعلقه بالرب تعالى ونسبته إليه، فمن هذا الوجه يرضى به. والوجه الثاني: تعلقه بالعبد ونسبته إليه، فمن هذا الوجه ينقسم إلى ما يرضى به وإلى ما لا يرضى به. مثال ذلك: قتل النفس، له اعتباران: فمن حيث قدره الله وقضاه وكتبه وشاءه وجعله أجلاً للمقتول ونهاية لعمره - يرضى به، ومن حيث صدر من القتل وباشره وكسبه وأقدم عليه باختياره وعصى الله بفعله - نسخطه ولانرضى به.
وقوله: والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان. آخره - التعمق: هو المبالغة في طلب الشيء. والمعنى: أن المبالغة في طلب القدر والغوص في الكلام فيه ذريعة الخذلان. الذريعة: الوسيلة. والذريعة والدرجة والسلم - متقاربة المعنى، وكذلك الخذلان والحرمان والطغيان متقاربة المعنى أيضاً. لكن الخذلان في مقابلة الظفر. والطغيان في مقابلة الإستقامة.
وقوله: فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً وفكراً ووسوسة. عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به ؟ قال: وقد وجدتموه ؟ قالوا: نعم، قال: ذلك صريح الإيمان. رواه مسلم، الإشارة بقوله: ذلك صريح الإيمان إلى تعاظم أن يتكلموا به. و لمسلم أيضاً عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة ؟ فقال: تلك محض الإيمان. فهو بمعنى حديث أبي هريرة، فإن وسوسة النفس أو مدافعة وسواسها بمنزلة المحادثة الكائنة بين اثنين، فمدافعة الوسوسة الشيطانية واستعظامها صريح الإيمان ومحض الإيمان. هذه طريقة الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان. ثم خلف من بعدهم خلف، سودوا الأوراق بتلك الوساسوس، التي هي شكوك وشبه، بل سودوا الاوراق بتلك الوساوس، التي هي شكوك وشبه، بل وسودوا القلوب، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق، ولذلك أطنب الشيخ رحمه الله في ذم الخوض في الكلام في القدر والفحص عنه. وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم. وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا داود ابن أبي هند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر، قال: فكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب، قال: فقال لهم: ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض ؟ بهذا هلك من كان قبلكم. قال: فما غبطت نفسي بمجلس فيه رسول الله لم أشهده، بما غبطت نفسي بذلك المجلس، أني لم أشهده. ورواه ابن ماجه أيضاً. وقال تعالى: فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا، الخلاق: النصيب، قال تعالى: وما له في الآخرة من خلاق، أي استمتعتم بنصيبكم كما استمتع الذين من قبلكم بنصيبهم وخضتم كالذي خاضوا، أي كالخوض الذي خاضوه، أو كالفوج أو الصنف أو الجيل الذي خاضوا. وجمع سبحانه بين الاستمتاع بالخلاق وبين الخوض، لأن فساد الدين إما في العمل وإما في الاعتقاد، فالأول من جهة الشهوات، والثاني من جهة الشبهات. وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لتأخذن أمتي مأخذ القرون قبلها شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، قالوا: فارس والروم ؟ قال: فمن الناس إلا أولئك. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليأتين على أمتي ما أتى على بني اسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية كان من أمتي من يصنع ذلك، وإن بني اسرائيل تفرقوا على اثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة. قالوا: من هي يا رسول الله ؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي. رواه الترمذي. وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تفرقت [اليهود] على إحدى وسبعين فرقة أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة. رواه أبو داود و ابن ماجه و الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
وعن معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة. يعني: الأهواء، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة.
وأكبر المسائل التي وقع فيها الخلاف بين الأمة: مسألة القدر. وقد اتسع الكلام فيها غاية الإتساع.
وقوله: فمن سأل: لم فعل ؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين.
اعلم أن مبنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله - على التسليم وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع. ولهذا لم يحك الله سبحانه عن أمة نبي صدقت بنبيها وآمنت بما جاء به، أنها سألته عن تفاصيل الحكمة فيما أمرها به ونهاها عنه وبلغها عن ربها، ولو فعلت ذلك لما كانت مؤمنة بنبيها، بل انقادت وسلمت وأذعنت، وما عرفت من الحكمه عرفته، وما خفي عنها لم تتوقف في انقيادها وتسليمها على معرفته، ولا جعلت ذلك من شأنها، وكان رسولها أعظم عندها من أن تسأله عن ذلك، كما في الإنجيل: يا بني اسرائيل لا تقولوا: لم أمر ربنا ؟ ولكن قولوا: بم أمر ربنا، ولهذا كان سلف هذه الأمة، التي هي أكمل الأمم عقولاً ومعارف وعلوماً - لا تسأل نبيها: لم أمر الله بكذا ؟ ولم نهى عن كذا ؟ ولم قدر كذا ؟ ولم فعل كذا ؟ لعلمهم أن ذلك مضاد للإيمان والإستسلام، وأن قدم الإسلام لا تثبت إلا على درجة التسليم. فأول مراتب تعظيم الأمر التصديق به، ثم العزم الجازم على امتثاله، ثم المسارعة إليه والمبادرة به، والحذر عن القواطع والموانع، ثم بذل الجهد والنصح في الإتيان به على أكمل الوجوه، ثم فعله لكونه مأموراً، بحيت لا يتوقف الإتيان به على معرفة حكمته - فإن ظهرت له فعله وإلا عطله، فإن هذا ينافي الانقياد، ويقدح في الإمتثال. قال القرطبي ناقلاً عن ابن عبد البر: فمن سأل مستفهماً راغباً في العلم ونفي الجهل عن نفسه، باحثاً عن معنى يجب الوقوف في الديانة عليه. فلا بأس به، فشفاء العي السؤال. ومن سأل متعنتاً غير متفقه ولا متعلم، فهو الذي لا يحل قليل سؤاله ولا كثيره. قال ابن العربي: الذي ينبغي للعالم أن يشتغل به هو بسط الأدلة، وإيضاح سبل النظرة، وتحصيل مقدمات الإجتهاد، وإعداد الآلة المعينة على الإستمداد. قال: فإذا عرضت نازلة، أتيت من بابها، ونشدت من مظانها، والله يفتح وجه الصواب فيها. انتهى. وقال صلى الله عليه وسلم: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. رواه الترمذي وغيره. ولا شك في تكفير من رد حكم الكتاب، ولكن من تأول حكم الكتاب لشبهة عرضت له، بين له الصواب ليرجع إليه، فالله سبحانه وتعالى لا يسأل عما يفعل، لكمال حكمته ورحمته وعدله، لا لمجرد قهره وقدرته، كما يقول جهم وأتباعه. وسيأتي لذلك زيادة بيان عند قول الشيخ: ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله.

  #5  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 11:43 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لمعالي الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)


قال: "وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه"، نقول: إنه تحتها مسائل هي مسائل بحث القدر جميعاً يمكن أن نجعلها في هذا الموضع.


المسألة الأولى:

في تعريف القدر، القدر يمكن أن يعرف بأنه تقدير الله للأشياء قبل وقوعها، وعلمه الأول بكل شيء , وكتابته لذلك , يعني للمقادير في اللوح المحفوظ , وأنه ما شاء كان , وما لم يشأ لم يكن , وعموم خلق الله للأشياء كلها، هذا لا ينطبق عليه حد التعاريف عند أهل التعريف , لكن هذا يعم ويضم كل مراتب الإيمان بالقدر الأربعة.

المسألة الثانية:

مراتب الإيمان بالقدر، والإيمان بالقدر إيمان بما دل القرآن والسنة عليه , مما يتصل بالقدر , وذلك إيمان بأربع مراتب:

المرتبة الأولى: العلم.
المرتبة الثانية: الكتابة.
المرتبة الثالثة: عموم المشيئة.
والمرتبة الرابعة: خلق الله جل وعلا للأشياء كلها.

أما المرتبة الأولى: (العلم). فأدلتها كثيرة , ذكرنا لكم بعضاً منها.

المرتبة الثانية: (الكتابة)، الكتابة , ثم أدلة كثيرة عليها منها قوله تعالى: ] أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [ , وفي قوله تعالى: ] وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ [ ودل عليه قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)).
ومعنى أن الله سبحانه كتب كل شيء في اللوح المحفوظ , سواء ما يتعلق بالمكلفين أو ما يتعلق بغير المكلفين؛ وذلك لعموم قوله: ] إِنَّ ذلِكَ فِي كِتَابٍ [ يعني ما في السماء والأرض , والكتابة هذه المقصود بها الكتابة في اللوح المحفوظ، كتابة مقادير الأشياء في اللوح المحفوظ، ومن هذه الكتابة ثم أنواع من الكتابة تفصيلية لها؛ منها الكتابة العمرية، والكتابة السنوية، والكتابة اليومية، وأشباه ذلك مما دلت عليه الأدلة في القرآن والسنة.

المرتبة الثالثة: (مرتبة المشيئة). ويعني بها أن ما شاء الله جل وعلا كان , لا ترد مشيئة الله جل وعلا , وأن الذي لا يشاؤه الله سبحانه ولو شاءه العبد ورغب فيه فإنه لا يقع , ودليلها قوله سبحانه: ] وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً [ , وقوله سبحانه: ] وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [، والمشيئة مرتبطة بالكون , يعني أن المشيئة كونية , فإذا شاء الله أن يقع هذا الشيء في هذا الوقت , على هذه الصفة , فإنه يقع على ما شاءه الله جل وعلا وأراده كونا، والمشيئة تساوي الإرادة الكونية , لهذا يبحث هنا في مرتبة المشيئة الفرق ما بين المشيئة والإرادة.

وأهل السنة على أن مشيئة الله جل وعلا هي إرادته الكونية , وأن الإرادة منقسمة إلى إرادة شرعية دينية وإلى إرادة كونية , وأن الله سبحانه قد يشاء الشيء كوناً , يعني يريده كوناً فيقع , ولا يريده ديناً وشريعة , فيجتمع إذن في بعض الحالات إرادة وعدم إرادة , فيكون الفعل المعين مراد وغير مراد , شاءه الله فوقع , وأراده فوقع , ولكن لم يرده سبحانه ديناً وشريعة , وهذا فيما يكرهه الله ولا يرضاه ديناً , مثل كفر الكافر , معصية العاصي , ضلال الضال... إلى آخره؛ فإن الله سبحانه شاء الكفر من الكافر؛ لأنه ما دام وقع فإنه قد شاءه وأراده كونا؛ لأنه لا يحصل في ملكوته إلا ما أراده جل وعلا كوناً , ولكن لم يرضه ولم يرده ديناً؛ لأن الله نهى في كتابه وعلى ألسنة رسله عن الكفر والفساد , وبين أنه لا يرضى ذلك ولا يحبه , كما قال: ] وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [ , وقال: ] وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ [. وهذه هي المسألة المعروفة لدى كثير منكم بالفرق ما بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية , وسيأتي لها مزيد بيان عند ذكر الرد على المخالفين في القدر إن شاء الله تعالى.

المرتبة الرابعة والأخيرة هي (عموم خلق الله تعالى للأشياء).
وأن الله سبحانه خالق كل شيء , وأن طاعة المطيع خلقها الله , ومعصية العاصي خلقها الله، وأن صلاة المصلي خلقها الله , كما خلق ذاته , يعني ذات المصلي فإنه يخلق أعماله، وهذه يستدل لها بقول الله سبحانه: ] اللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [ وبنحو قوله سبحانه: ] وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً [ ونحو ذلك من الآيات , وفي خصوص عموم خلق الله للعمل استدلوا بقوله سبحانه: ] وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [ في هذه الآية , دليل على أن عمل العامل خلقه الله؛ وذلك أن كلمة ما في الآية ] وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [ الأصح فيها أنها مصدرية , بمعنى أنها تقدر مع ما بعدها بمصدر , يعني يكون سبك الآية: والله خلقكم وعملكم، والوجه الثاني أن ما هنا موصولة بمعنى الذي فيكون المعنى والله خلقكم والذي تعملونه , وهي على كل من الوجهين دالة على المراد في عموم خلق الله جل وعلا للعمل. ووضوح الدليل الأول يعني في كونها مصدرية , وقد يكون ثم بعض الاعتراض على الاستدلال بالوجه الثاني.

سؤال: يجعل الله سره في أضعف خلقه، إذا رأى مثلاً شخصاً ضعيفاً؟
جواب: هذا المقصود به حكمته تعالى في الخلق لا بأس به.

سؤال: هل يدخل الغيب تحت القدر؟
جواب: نعم. كل مغيب فهو مقدر.

سؤال: قبل إرادة الله الخالق للشيء وعلمه به ماذا يسبقه , هل يسبقه جهل له استغفر الله وأتوب إليه؟
جواب: الله سبحانه علمه أول وعلمه مرتبط بإرادته وحكمته جل وعلا فلا يسبق علمه جهل جل جلاله وتقدست أسماؤه.


سؤال: ما معنى قول الله تعالى: ] وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ [ , ] وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ [ ونحو ذلك من الآيات؟
جواب: [كلام ليس له فائدة علمية] ذكرنا أن الرد على القدرية من وجهين: الوجه الأول: هو أن ذلك اتباع للمتشابه و وترك للمحكم , وذكرنا المحكمات. الوجه الثاني: أن معنى الآية ] إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ [ ومعنى قوله تعالى: ] وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ [، وقوله: ] الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً [ ونحو ذلك هو ظهور علم الله جل وعلا؛ لأن علم الله سبحانه وتعالى خفي ولا يحاسب العبد إلا على ما ظهر من علم الله جل وعلا , المتعلق بالعبد , وإلا فلو أنيط ذلك بعلم الله الباطن دون ظهور الشيء في الواقع متعلق بالمكلف , لكان للمكلف حجة في رد التكليف.

ولهذا الآيات التي فيها ذكر العلم اللاحق , أو ما سيأتي المقصود منه ظهور العلم، العلم الذي سيأتي العلم , الذي سيظهر , أما علم الله جل وعلا المشتمل على ما خفي وما ظهر , أو علم الله السابق واللاحق , فهذا تام بعلم الله جل وعلا للأشياء الذي هو مرتبة من مراتب القدر.

فإذن في قوله: ] إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ [ يعني إلا ليظهر علمنا في المكلفين , فيظهر علمنا فيمن اتبع الرسول ممن انقلب على عقبيه , فتكون حجة على هذا العبد، كذلك ] الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً [ هذا مرتبط بالتشريع , وعلم الله جل وعلا الشامل يعني الظاهر والباطن , هذا متصف الله جل وعلا به , لكن لا يكون معه التدرج في التشريع؛ فالله سبحانه وتعالى جعل العبد المؤمن يقاتل عشرة , ثم ظهر علمه فيهم أنهم ضعفاء فخفف.

فالتخفيف إذن مسألة شرعية , لما ظهر علم الله الباطن بحالهم , فهنا شرع لهم التخفيف , وهذا يعني: أن الآيات هذه تدل على ظهور علم الله جل وعلا , وظهور علم الله جل وعلا فيهم مناط بأمرين: الأول: أن تنقطع الحجة من العبد على التكليف والحساب. والثاني: أن يظهر أو أن يشرع وتظهر الشريعة أو تُسن الأحكام.
ردا على مداخلة غير مسموعة: كيف يعني؟
ـ...........................
ـ إيضاح (غير مسموع) ما دام واقع يعني ظهر , وعلم الله موجود لكن إذا وقع (إيش).
ـ..........................
ـ ظهر , ظهر للعبد (غير مسموع) علم الله جل وعلا موجود وواقع , ما علمه الله سبحانه فإنه سيقع إذا كان مقدرا أن يقع.

سؤال: نرجوا أن تملوا علينا الأبيات الميمية في القضاء والقدر.
جواب: الميمية (ولا) التائية , تائية شيخ الإسلام القدرية هذه مشهورة , وينبغي لطالب العلم أن يحفظ منها أو أن يحفظها؛ لأنها فيها ذكر كثير من مسائل القدر [كلام ليس له فائدة علمية ] هذه أبيات ذكرها ابن الوزير في كتاب إيثار الحق على الخلق , دون نسبة , وهي أبيات جميلة مهمة في مسألة تعليل الأفعال مطلعها يقول فيها:

تَسَلَّ عن الوفاقِ فربنا قد حكى بين الملائكة الخصام
كذا الخضر المكرمُ والوجيهُ المكلمُ إذ ألم به لماما
تكدر صفو جميعها مراراً فعجل صاحبُ السر الصرام
ففارقه الكلم كليم قلب وقد ثنى على الخضر الملام
وما سبب الخلاف سوى اختلاف العلوم هناك بعضاً أو تماما
فكان من اللوازم أن يكون الإله مخالفاً فيها الأنام
فلا تجهل لها قدراً وخذها شكوراً للذي يُحيي الأنام
هي قصة عظيمة قصة الخضر مع موسى وفيها من الفوائد ما لا يحصى.

درس جـديـد

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله الذي أنعم على عباده باتباع دينه , ثم أكرمهم بقبول ذلك منهم , فله الحمد في الأولى والأخرى , له الثناء الحسن لما له من الأسماء الحسنى والصفات العلا , تبارك ربنا عطيا كبيرا , وتقدس اسمه وعلت صفاته وجل جلاله , تعالى عن الأشباه والأنداد سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا , وأصلي وأسلم على محمد بن عبد الله , النعمة المهداة لهذه البشرية أجمعين , صلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم , اللهم تسليما كبيرا , أما بعد.., [كلام ليس له فائدة علمية]

سؤال: يقول: ما حكم فك السحر بالسحر؟ وقد نقل عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يرى به بأساً إذا كان الرجل سُحر أن يمشي إلى من يطلقه عنه , فقال: هو صلاح. قال قتادة: وكان الحسن يكره ذلك. قال: فقال: سعيد بن المسيب إنما نهى الله عن الذي يضر ولم ينه عما ينفع.
جواب: هذه المسألة من المسائل العظيمة في باب التوحيد وفي الفقه أيضاً , ألا وهي حكم فك السحر بسحر مثله.
ولابد من تقديم مقدمة في بيان حقيقة السحر , وهو أن السحر لا ينعقد إلا بأن يخدمه شيطان؛ لأن حقيقة السحر هي تسليط الشياطين على المسحور , إما على بدنه، وإما على جزء من بدنه , وإما على عقله.

والشيطان قد يتسلط بإذن الله جل وعلا , فيضر المسحور , وقد لا يضره فينفع غير المسحور كما في مسألة الصرف والعطف.
والله جل وعلا قال لما ذكر السحر: ] وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ [ وحقيقة السحر كما ذكرت لك راجعة إلى خدمة الشيطان لهذا السحر، والسحر يؤثر حقيقة في بدن المسحور , أو في عقله, يؤثر حقيقة لا تخيل، يؤثر في البدن , فيمرض حقيقة , يؤثر في العقل فينسي حقيقة , يصرف العقل عن الشيء حقيقة , وليس بالتخيل , وإنما قد يخيل إلى العين في بعض أحواله كما قال جل وعلا: ] يخيل إليه من سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [ هذا تخييل عن العين في بعض أحواله , أما فيما يصيب البدن أو يصيب العقل فهو حقيقة وليس توهماً من المسحور.

إذا تبين ذلك فإن الشيطان هذا الذي يخدم السحر لا يمكن أن يفعل ذلك ويخدم الساحر؛ حتى يتقرب إليه الساحر, فيستمتع الجني بهذا الساحر الإنسي استمتاعاً يرضيه , حتى يخدمه بعقد السحر , وبالتأثير في بدن المسحور، وهذا من جملة أنواع الاستمتاع التي ذكرها الله جل وعلا في قوله: ] رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا [ فيستمتع الإنسي بالجني , ويستمتع الجني بالإنسي؛ استمتاع الإنسي بالجني بأن الإنسي يطلب من الجني أشياء فيحققها له الجني، واستمتاع الجني بالإنسي في السحر بأن الإنسي يتقرب إلى الجني الشيطان الكافر , يتقرب إليه بأشياء يرضى بها عنه , ثم بعد ذلك يخدمه في السحر.

فحقيقة السحر إذن أنها لا يقوم السحر إلا على تقرب من الإنسي للجني بإرضائه , والجني يرضى في ذلك بالشرك بالله عز وجل , وبأنواع الشرك , إما بالذبح أو الدعاء , والتعلق بالجني , أو بالخوف من الجن , خوف السر أو نحو ذلك من التذلل لهم , أو تكون الخدمة بأن يجعل الجني الإنسي يكفر بالله جل وعلا , ويرتد؛ بأن يعمل أشياء من الردة , كإلقاء المصحف في قاذورات تعمداً , أو والعياذ بالله البول عليه , أو إلقاء النجاسات ونحو ذلك , مما هو معروف من حال السحرة قبحهم الله.

فإذن حقيقة السحر أنها لا تكون إلا بشرك وكفر من الساحر , ولهذا قال جل وعلا في حكمه قال: ] وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ [، وهذا يعم حالي التعلم؛ تعلم ما ينفع , وتعلم ما يضر , قال ] وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ [.
وهذا فيه عموم؛ لأن (ما) نافية , وأحد نكرة في سياق النفي , فتعم , ثم زادها تنصيصاً صريحاً في العموم مجيء (من) قبل النكرة فصار هذا لا يخرج عن شيء من الإفراد , فهو يعم حالتي ما يظن أنه ينفع أو يضر الصرف والعطف وأنواع السحر.

قال: ] وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ [، فإذا كان كذلك فالسحر إذن لا يقوم إلا على الكفر بالله جل وعلا من الساحر , أو على الشرك بالله جل وعلا من الساحر، وقد يكون من المتقدم للساحر بطلب السحر أو بطلب فكه.

إذا كان كذلك فإن فك السحر بالسحر إذن يكون إقرارا للشرك بالله جل وعلا , إقرارا للكفر بالله جل وعلا؛ إذ أنه في حقيقته إقرار للساحر على كفره وعلى شركه بالله جل وعلا؛ حتى تخدمه الشياطين الكفرة المردة.
هذا تقرير أصل هذه المسألة , فيكون إذن تعلم السحر كفر , واستعمال السحر كفر , ويكون إذن التقرب إلى الساحر بأنواع التقربات , إذا كان فيها كفر فهو أيضاً كفر من المتقرب إليه إن كان فيها ذبح، اذبح ديك , أو أعطني مالاً أشتري ذبيحة وأذبحها , أو نحو ذلك , فالراضي بالذنب كفاعله , وهذا يعلم أنه سيتقرب إلى الجن بهذه الأشياء.
فيكون إذن حل السحر بسحر حكمه حكم السحر...

الـوجـه الـثـانـي

...؛ لأنه لا يُحل السحر بحد إلا إذا فُعل السحر , فيكون إذن تم فعل للسحر حتى يُزال سحر هذا هو الذي تريده الشياطين , تريد الجن من الإنسي أن يكفر الإنس بالله جل وعلا , وأن يشرك الإنس بالله جل وعلا الجني , فيكون عابداً للجني , متقرباً للجني ومشركاً بالله جل وعلا، فإذن حل السحر بسحر مثله.
مع بيان هذا التأصيل تصل معه إلى نتيجة , أنه محرم وكفر وشرك بالله جل وعلا.

إذا تبين هذا فالعلماء من المتكلمين في الفقه , وفي الفتوى اختلفوا في هذه المسألة , حكم حل السحر بمثله هل يجوز أم لا يجوز؟

الجمهور , بل عامة أهل العلم على أن هذا محرم ولا يجوز، وقال جماعة من أهل العلم: إن يعني محرم ولا يجوز مطلقا دون تقييد , وقال جماعة من أهل العلم: إن حل السحر بمثله ضرورة جائز , وهذا هو مذهب الحنابلة , وهو المنصوص في كتب الفقه الحنبلي , يقولون: يجوز حل سحر بمثله ضرورة. لماذا جعلوه ضرورة؟ يعني جعلوا الضرورة مبيحة , مع أن الضرورة لا تبيح الشرك بالله جل وعلا , قالوا: لأن السحر لا يكون في جميع أقسامه شركاً، ليس كل السحر يكون عن كفر، تعلمون كلام الشافعي –رحمه الله تعالى- أيضاً حينما قال: السحر نوعان:

سحر بالتدخينات , كذا هذا يؤثر , وهذا لا يستعمل فيه الكفر , فليس بكفر وسحر , يكون عن طريق التقرب للشياطين (غير مسموع) فهذا كفر , فعند من قسم هذا التقسيم قال: إذا لم يتمحض الساحر للشرك فإن المحرم يباح عند الضرورة , فيكون استعمال الساحر لسحر بدون شرك محرم , والمحرمات تبيحها الضرورات , لكن هذا في الحقيقة تنظير لا حقيقة له في الواقع؛ فإنه في الواقع لا يكون السحر المؤثر إلا بخدمة جني , إلا بخدمة شيطان؛ لأن الشياطين هي التي تؤثر في ذلك.

وعند ذلك فيكون حل السحر بمثله ضرورة ليس بالقول الصواب؛ لأنه مبني على أن السحر منقسم، والسحر ليس بمنقسم , بل السحر لا يكون إلا عن شرك بالله جل وعلا. أما كلام سعيد بن المسيب –رحمه الله تعالى- ومن أجاز حل السحر بما ينفع فإنهم لا يعنون به الذهاب للساحر , قال: أما ما ينفع فلم ينه الله جل وعلا عنه. يعني من الأدعية والأوراد والأسباب والتلاوة ونحو ذلك , مما فيه حل السحر , هذا نافع , ولا يتقيد فيه أيضاً بما ورد؛ فإنه ما عرف الناس أنه نافع في حل السحر , ولم يشتمل على منكر أو محرم في نفسه , أو فيما يؤول إليه؛ فإنه لا بأس بتعاطيه.

ولذلك ذكر العلماء في شروح الأحاديث , أن مما يحل به السحر أن تُحمى حديدة حتى تكون جمرة حمراء , ثم يبول عليها المسحور , وهذا مما يكون بالتجربة , سواء كانت تجربة صادقة أم غير صحيحة , المقصود أنهم ذكروها , فالباب باب تجربة , إذا لم تشتمل هذه التجربة أو هذا الأمر على محرم في نفسه , أو يؤول إلى محرم فإنه يكون (إيش) يكون هذا العلاج جائز , هذا هو الذي يحمل عليه كلام من أجاز حل السحر , كسعيد بن المسيب وغيره؛ فإنهم يُبيحون حل السحر بغير الأدعية وبغير القرآن , لكن بما ينفع , والسحر معروف أنه يضر , السحر يضر ] وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ [ بنص الآية.

سؤال: الإيمان بالأركان الستة , منها ما لا يصح الإيمان إلا به , ومنها ما يجب على المسلم أن يعتقده إذا بلغه الدليل. أرجو أن تبينوا دليل التفريق في ذلك؟

(غير مسموع) لا هذا راجع للتجربة , القاعدة ما ليس بسبب بلا ضبط عالم جيد؛ لأن ربما أدخل فيها ما ليس منه, المقصود منه أن باب التجربة في هذا لكن يجيء يقول: والله السحر مثلا (غير مسموع) أو بوجود هذا يسير التعلقات (غير مسموع) ولو كان أنها قد تنفع لكان هنا يصير في تعلق في أمور أخرى.

جواب: السؤال ما هو واضح من كل جهة , لكن مقصود السائل أن أركان الإيمان هي الأركان الستة المعروفة , قال جل وعلا: ] آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ [ , وقال جل وعلا: ] وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [.

وقال جل وعلا في ذلك: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنَزلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً [ وقال جل وعلا: ] إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [.

فأركان الإيمان الستة دل الدليل على وجوب الإيمان بها , وأنها أركان الإيمان , وهذه الأركان هي التي جاءت في حديث جبريل -u- قال: ما الإيمان؟ قال: ((الإيمان أن تؤمن بالله , وملائكته , وكتبه , ورسله , واليوم الآخر , والقدر خيره وشره من الله تعالى)).

هذا الإيمان الواجب متوقف على العلم , فهذا القدر المجمل في كل؛ في الإيمان بالله، بالملائكة , بالكتب , بالرسل , القدر المجمل , هذا واجب على كل أحد؛ لأنه لا يصح الإيمان إلا بقدر منه , وهذا القدر هو الذي يتوقف عليه الإيمان بهذه الأمور الستة، لذلك ذكرنا لك التقيدات , (وإيش) ضابط الإيمان بالملائكة الذي يصح به الإيمان , ضابط الإيمان بالكتب؟ يعني القدر المجزء، ما القدر المجزئ من الإيمان باليوم الآخر؟ ما القدر المجزئ من الإيمان بالقدر المجزئ من الإيمان بالقدر ذكرناه لكم بالتفصيل ترجعون إليه، ما زاد على ذلك على القدر المجزئ فهو راجع إلى العلم , فمن علم شيئاً وجب عليه أن يؤمن به , من علم أن ثمة ملك اسمه جبريل وجب عليه أن يؤمن بجبريل , ثمة ملك اسمه ميكال في القرآن ] مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ [ وجب عليه أن يؤمن بميكال , من علم في السنة بعذاب القبر أو في القرآن ] سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ [ وجب عليه الإيمان بعذاب القبر.

فإذن ثمة قدر مجزئ من الإيمان , هذا شرط في صحة الإيمان , أو هو شرط في صحة الإيمان بهذا الركن الخاص من الأركان الستة , ما بعد ذلك ما هو زائد عن هذا القدر المجزئ فهو موقوف على العلم بالدليل , وهذه قاعدة الشريعة.

سؤال: كثيراً ما نقرأ ونسمع: هذا يدل على كذا بالمطابقة وعلى كذا بالالتزام وعلى كذا بالتضمن. فما معنى هذه الثلاث؟ وما الفرق بينها؟
جواب: المطابقة والتضمن والالتزام هي في أصلها من البحوث المنطقية , المطابقة والتضمن والالتزام يبحثها المناطقة في أول كتب المنطق , ونقلها اللغويون ونقلها الأصوليون في كتبهم , فأصبح الناس يستفيدون ممن لم يطلع على كتب المنطق يستفيدونها من كتب الأصول , سيما أن أئمة أهل السنة استفادوا منها في مباحث مباح الأسماء والصفات , كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وعدد من أئمة الدعوة.

معناها المطابقة هي دلالة اللفظ على كل معناه، التضمن دلالة اللفظ على بعض معناه , اللزوم دلالة اللفظ على شيء آخر يلزم لوجود هذه الصفة , وجود ذلك الشيء الآخر , مثاله في صفات الله جل وعلا: الرحيم، الرحيم: مطابقة هذا اللفظ يعني المعنى بالمطابقة: ذات متصفة بالرحمة، فجمعت المطابقة ما بين الذات وما بين صفة الرحمة , فإذن نقول: الرحيم دال على الرحمة بالمطابقة , صح أو غلط؟ هذا ليس بصحيح , نقول: دال على ذات متصفة بالرحمة , يعني الاثنين معاً هذا زائد هذا جميعا هذا معنى المطابقة.

يأتي التضمن على بعض المعنى , إذا قلنا: الرحيم دال على صفة الرحمة يكون بالتضمن.
يأتي اللزوم , الرحيم دال على صفة الحياة , هل هو يكون رحيماً بلا حياة يدل على الإرادة؟ هل يكون رحيماً بلا إرادة؟ يدل على الكرم هل ثم رحمة بلا كرم؟ ونحو ذلك من أدوات أو دلالات اللزوم المختلفة.

سؤال: سمعت من أحد زملائي أنكم أفتيتم بجواز العمل في البنوك الربوية إذا كان العامل لا يواجه الجمهور , فما مدى صحة ذلك؟
جواب: لا يواجه الجمهور!!، الأحكام الشرعية لا تتعلق بالمواجهة , هل هو يواجه أو لا يواجه؛ لأن المحاسب هو رب العالمين , رب العالمين هو الذي يحاسب العباد , سواء كان هذا مواجهاً أو ليس بمواجه. لكن المسألة فيها تفصيل.

الذي يعمل في بنك , في بنك يعمل بالربا تمحض للربا , أو غالب عليه الربا , أو فيه ربا غير متميز , يعني في جهة من جهاته، فإنه إن باشر الربا هذا محرم عليه عمله ومحرم عليه كسبه، ولا يجوز له أن يباشر الربا؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لعن كاتب الربا وموكله وشاهديه , وهذا في حالة المباشرة , سواء كان كاتب راصد له، شاهد عليه , مقرض , مقترض , كل هؤلاء يدخلون في هذا.
فالذي يعمل هذا العمل هذا محرم عليه , وما يكسبه من هذا كسب حرام , إذا كان متمحضا لهذا العمل.

هناك عمل آخر يكون غير مباشر للربا , ولا دخل بالربا , مثلاً يكون على الهاتف , سنترال هاتف , أو يكون يحاسب على الصندوق , يحاسب ويعطي ويأخذ أو يكون في الحسابات الجارية أو نحو ذلك , هذا لا يباشر الربا، فهنا نقول له: ابحث عن مكان آخر لكي لا تعين أولئك , ولكي يكون هنا أزكى لنفسك , والله جل وعلا يقول: ] وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [، لكن في هذه الحالة كسب هذا ليس بحرام عمله , لا يجوز , يأثم عليه إذا كان يعين البنوك التي تتعامل بالربا , لكن كسبه قام على عمل في نفسه مباح , حارس , سواق سيارة , ينقل فلوس... إلى آخره؛وذلك لأن البنوك ليست متمحضة للربا , فالبنوك فيها أعمال كثيرة تنفع وليست من الربا , وثم فيها قطاعات فيها ربا، فهذا هو التفصيل الذي قلته في أكثر من مكان.

سؤال: من قواعد أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات , أن الاسم من الأسماء الحسنى متضمن للصفة , ولا يشتق من الصفة الاسم , وقد أشكل عليّ بعض الأسماء التي ذكرها بعض العلماء مشتقة من الصفات , كالمعز والمذل , والمحيي والمميت , والخافض الرافع , القابض الباسط , والمعطي المانع.
جواب: هذه الأسماء كمالها في اجتماعها , في اقترانها , ومسألة الاشتقاق هذا في الانفراد , أما إذا كان الكمال في الاقتران فإنه لا بأس , ولذلك عدوها من الأسماء الحسنى؛ لأن الكمال في الاقتران والاسم هذا الأسماء من الأسماء الحسنى مع الاقتران , يعني المميت ليس من الأسماء الحسنى، لكن المحي المميت من الأسماء الحسنى، الخافض ليس من الأسماء الحسنى في نفسه , لكنه الرافع الخافض من الأسماء الحسنى , وهكذا.

فإذن هذه كمالها في اقترانها تدل على الكمال بالاقتران , لا على وجه الانفراد.

سؤال: هل يجوز الدعاء بـ "اللهم رب الأرواح الغائبة والأجساد البالية"؟
جواب: الأرواح الغائبة مخلوقة لله جل وعلا و وهو ربها , والأجساد البالية أيضاً الله جل وعلا ربها , وهو أعلم بها , وأين تفرقت أجزاؤها , فظاهر الدعاء أنه لم يشتمل على غلط , لكن مما ينبغي التنبيه عليه أن القاعدة أن الدعاء يتحرى فيه الصواب , وألا يكون معتدياً في الدعاء , والاعتداء في الدعاء إما أن يكون في الطلب , وإما أن يكون في المطلوب.
الاعتداء في الطلب على ناحيتين إما أن يكون في الطلب , يعني في صيغة الدعاء فيها اعتداء , ولكن يكون المطلوب طيبا , وإما أن يكون في المطلوب يعني في الشيء الذي سأله.

مثال الثاني معروف ( غير مسموع) وقال: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة... إلى آخره , فها اعتداء في الدعاء من جهة المطلوب , لكن من جهة الطلب نفسه أن يستعمل صيغاً ليست من الصيغ التي فيها تأدب , أو صيغ ليس له أن يستعملها هو من جهة المعنى , أو أن فيها نوع نزول في المخاطبة , مخاطبة الله جل وعلا ونحو ذلك , هذه تكون من الاعتداء في الدعاء ونحو ذلك.

ولذلك كلما اجتهد المرء في أن يكون دعاؤه مأثوراً كان أسلم وأعظم وأجمع للدعاء.

سؤال: لو قال قائل: هذا اليوم ما عندي حظ , أو حظي غير طيب , فهل في هذه المقولة تطير أو تشاؤم؟
جواب: لا , ليس فيها تطير ولاتشاؤم؛لأن الحظ موجود، الله جل وعلا يقول: ] وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [.
الحظ بمعنى النصيب، نصيبه وما قدر له في هذا اليوم يكون حظاً عظيماً , حظاً طيباً , يقول: أنا ليس لي حظ , يعني ليس لي نصيب حسن في هذا اليوم , أو حظي غير طيب , يعني نصيبي أو ما قدر علي اليوم ليس بطيب لي هذا لا بأس به , فالحظ قد يكون موافقاً لما يريده العبد، وقد لا يكون كذلك.

سؤال: ما صحة الزيادة في حديث الخاتمة: ((وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس))؟
جواب: إن هذه صحيحة.

سؤال: ما هي الحجة التقريرية , والحجة الفطرية في آية الميثاق؟
جواب: آية الميثاق أظنه يعني بها قوله تعالى: ] وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ * وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [، هذه عند بعض أهل العلم تسمى آية الميثاق , لكن في (غير مسموع) ليس فيها ذكر الميثاق كما ذكرنا لكم، وإنما فيها إشهاد , وهذا الإشهاد كما مر معنا تفسيره إنما هو بدليل الفطرة والربوبية , وآيات الله جل وعلا في الآفاق وفي الأنفس.

فإذن الحجة التقرير على حد سؤال السائل هي إقرار أولئك بما أقرهم الله جل وعلا عليه، وشهد بعضهم على بعض أن الله ربهم , وأنه لا إله إلا هو، والحجة الفطرية هي ما فطروا عليه , يعني منذ بداية خلقهم هم فطروا على الإسلام , فطروا على التوحيد , وهذه الحجة ليست حجة كافية في الحساب , بل لابد أن ينضم معها الحجة الرسالية , فالحجة الفطرية لا تكفي , بل لابد من الحجة الرسالية في الحساب والعقاب، إلا فيمن لم يبلغ؛فإن الفطرة تكفيه , الفطرة الأصلية تكفيه فيمن مات قبل البلوغ؛فإنه على الفطرة من أبناء المسلمين.

وأما أبناء المشركين فهم على الخلاف المعروف في شأنهم، والنبي عليه الصلاة والسلام سئل عن أطفال المشركين فقل: ((الله أعلم بما كانوا عاملين)) رواه البخاري وغيره.


سؤال: ما رأيكم في القول بأن الأموات يعرفون من يزورهم ويأتي إلى قبوره؟ ما رأيك في القول بأن الخير يصل للميت فيأتي بالشر؟
جواب: هذا قاله جمع من أهل العلم , وفيه أحاديث أن الأموات يعرفون من يزورهم , وأن المسلم إذا زار ميتاً في قبره وسلم عليه أنه يعرف من زاره ويرد عليه، ونحو ذلك مما جاء , وهذه فيها بحث عند أهل العلم , والأقوال فيها مختلفة , لكن على أي ليس في هذا تعلق بأن الميت يُسأل أو يطلب منه , فإذا كان يعلم أو يسمع أو نحو ذلك سماع الميت ثابت كما جاء في حديث الدفن , قال: ((وأنه ليسمع قرع نعالهم)) ويسمع الميت في بعض الأحوال بإسماع الله جل وعلا له , هذا لا يعني أن يُتعلق بع فالتعلق به بدعة وشرك في أكثر الأحوال، وانظر مثلاً إلى شهداء أحد أليسوا بأحياء؟ ومع ذلك لم يأت أحد إلى قبرهم في عهد النبي عليه الصلاة والسلام , ولا عهد الصحابة لم يأت أحد إلى قبور الشهداء ويسألهم ويطلب منهم أشياء , مع أنهم أحياء بنص القرآن.

فإذن الكلام في هل يسمع أو لا يسمع، إذا قلنا: لا يسمع انقطع الطريق من أوله , وإذا قلنا: يسمع في بعض الأشياء التي ورد فيها النص , وذلك متوقف على ثبوت النصوص في ذلك , يعني الأحاديث فإننا نقول: هذا لا يدل على أنه يخاطب سماعه شيء ومخاطبته شيء آخر , كذلك إعلامه بما يفعله أبناؤه من بعده أولاده , وكذا , فيفرح بما يسمع مما يفرح, ويحزن إذا سمع غير الخير , هذا كله من هذا الباب.

سؤال: شخص مصاب بمرض مزمن لا يُرجى برؤه , ويريد الزواج , ولكن يخاف أن يعذب الزوجة معه بهذا المرض, فهل يطلب الزواج؟ أم ماذا يفعل؟
جواب: إن صبر فهو خير له، وإن أراد أن يتزوج فيجب عليه أن يُعلم؛ لأن هذا عَيب , ويتعب المرأة ويكلفها , فلابد من الإعلام , أن يعلمها بهذا العيب الذي فيه وهذا المرض المستديم، فإن قبلت فيرجى لها إن شاء الله الثواب من الله جل وعلا على ما تبذل , وإن لم تقبل فلها ذلك , فإن دخل على غرة يعني لم يخبرها فهذا عيب , إن بان للمرأة بعد ذلك فلها الفسخ؛ لأنها لم تعلم به , فلها الخيار , لها أن تبقى أو تطلب الفسخ.

سؤال: لقد سمعت عن خروج كتاب فيه شرح وترتيب العقيدة الطحاوية.
جواب: لا أدري ماذا يعني، لكن فيه كتاب لأحد الأخوة في مكة , وأنا الآن أطالع فيه وما تكوَّن رأي فيه إلى الآن.

سؤال: نقل المرداوي في شرح اللامية عن السلف , أن تفسير آيات الصفات عندهم هو قراءتها من غير التعرض لمعناها , ونقل عن الفضيل بن عياض أن تفسير آيات الصفات قراءتها , فهل ذلك صحيح؟
جواب: السلف ربما قال بعضهم: أمروها كما جاءت، تفسيرها قراءتها , وربما قال بعضهم: لا كيف ولا معنى , يعنون بذلك أنه ليس ثم شيء غير الظاهر , لا كيف كما يقول المجسمة، ولا معنى غير الظاهر كما يقول المؤولة غير الظاهر. قراءتها تفسيرها يعني كما يتبادر للذهن؛ لأنها بكلمات عربية , فما تبادر للذهن من معناها , فهو الذي يجب الإيمان به مع قطع الطمع عن الإدراك.

سؤال: أشكل علينا قولكم: إن العلم يكون مع أول الإرادة , وما هي الإرادة المقصودة؟
جواب: هذه الكلمة أردت بها التوضيح , أشكلت على كثير من الإخوان وهي سليمة في نفسها , صحيحة , لكن لأجل عدم الاستيعاب اتركوها , وهي للإيضاح ليست للاعتقاد , وهي للإيضاح , كلمة لإيضاح فاحذفوها من كتاباتكم و وإن أمكن أيضا من التسجيل؛ لئلا يوقع الناس في اللبس.

سؤال: لما نقول: عموم المشيئة , ولا نقول: المشيئة , بدون ذكر كلمة العموم؟
جواب: لأن المشيئة ما تبين الفرق ما بين السني والقدري في مباحث القدر , نقول: عموم المشيئة؛لندخل طاعة المطبع ومعصية العاصي في مشيئة الله جل جلاله.

سؤال: ] إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [ في سورة التكوير ] إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [ إلى آخره , هل هذه الآيات بعد البعث وقيام أهل القبور , أم قبله , وكيف الجمع مع قوله:] وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ [ والعشار معناها الإبل التي قرب حملها , فهل هي لم تمت أم ماذا؟
جواب: إن هذه التغيرات التي تحدث في ملكوت الله جل وعلا في الأرض وفي السماء , وتفجير البحار , وانشقاق السماء وما يحدث مما في القرآن , أو ذكر كثير من الآيات في هذا الباب , هذا على الصحيح أنه يحدث بين النفختين؛بين النفخة الأولى التي هي نفخة الصعق , النفخة الثانية التي هي نفخة البعث , فبين النفختين تحدث هذه الأشياء ز

والنبي عليه الصلاة والسلام صح عنه أنه قال: ((بين النفختين أربعون)) , قالوا: يا أبا هريرة أربعون يوماً؟قال: أبيت.قال: أربعون شهراً؟قال: أبيت. قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((وكل شيء يبلى من ابن آدم إلا عجب الذَنَب , ومنه يركب الخلق يوم القيامة)) وذلك بأن السماء تمطر يوم القيامة في هذه الأربعين مطرا كمني الرجال (مشبه بذلك) تنبت منه الأجساد , أجساد الناس تنبت منه هذه الأجساد , فإذا نبتت الأجساد وانشقت الأرض وأخرجت أثقالها , يعني من المدفونين في هذه الفترة , الأرض تغيرت , الجبال سيرت , والسماء تغيرت وبدلت الأرض غير الأرض , والسماوات , صار الأمر أمراً جديداً , ليس هو المألوف، لا الأرض هي الأرض , ولا السماء هي السماء، السماء الآن تستعد لنزول الله جل وعلا لفصل القضاء , والأرض كذلك , فيستوي من دفن وراء الجبال , ومن دفع في ساحل البحر، كلهم يستوون , الأرض سيرت جبالها , وتغيرت , فيسيرون سيراً واحداً , ثم بعد ذلك ينفخ الله جل وعلا في الصور نفخة البعث , فتطاير الأرواح فتهتز الأجساد بالأرواح حية , ثم ينظرون يتلفتون؛ لأن الأرض مختلفة كما قال سبحانه: ] ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ [؛لأن انشقت بها الأرض ] يَنظُرُونَ [ يعني ينظرون ما حولهم , ويكرم الله جل وعلا أهل الإيمان بأن يأتي لهم بجوار قبورهم , بجوار أمكنتهم , بنجائب من نور من الجنة , فيحشرهم إليه وفداً , لا يتعبون في السير إلى أرض الحشر، وهذه أول البشائر لهم , ويذل الله جل وعلا أهل الكفر بأن يجعلهم يحشرون ويساقون إلى جهنم.
وهذا معنى قوله الله تعالى: ] يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَـنِ وَفْداً [ الوفد في اللغة هم الراكبون يقدمون راكبين مكرمين ] وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً [ والعياذ بالله.

فهذا بعض ما يتعلق بهذه المسألة، وهذه لابد أنك تعرفها طالب العلم , من المهم أن يعرف لإيمانه باليوم الآخر ماذا يحدث من حين الوفاة إلى دخول أهل الجنة الجنة , وأهل النار النار , حتى ما بعد ذلك ماذا يحدث، لابد تعرف نفخ في الصور , نفخة الصعق , ما الذي يحصل , ثم نفخة البعث ما الذي يحصل بعدها سيقوا، ترتيب الأشياء في عرصات القيامة (وإيش اللي) يحصل الأول؟ الميزان أولاً (ولا) الحوض (ولا) تطاير الصحف , يعني كل هذه الأشياء التي هي من جملة الإيمان باليوم الآخر لابد أن يتعلمها طالب العلم , فتكون عنده مرتبة من إحياء الله جل وعلا الموتى إلى دخول أهل الجنة الجنة , ودخول أهل النار النار، وهي مرتبة في كتب أهل العلم , وإذا كانت غير مرتبة فرتبها , وإذا فهمتها فهماً جيداً فإذن يكون بعد ذلك فهم القرآن ومعرفة تفسيره ومعرفة دلالات الآيات في ذلك واضحة في ذهنك مرتبة، إذا جاء مثلاً تطاير الصحف متى يكون؟ واضح زمنه عندك، إذا جاء عدم الكلام ] الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ [ متى يكون ذلك؟ واضح عندك أيضاً , وهكذا , فيتعلم المرء في ذلك العقيدة وعلم الجزاء , وهذا من العلوم الثلاث المهمة؛ لأن العلوم النافعة ثلاثة العلوم الشرعية؛ التوحيد، الفقه، وعلم الجزاء اليوم الآخر وهذا هو الذي ذكره ابن القيم في النونية حيث يقول:

والعلم أقسام ثلاث ما لها = من رابع والحق ذو تبيان
علم بأوصاف الإله وفعله = وكذلك الأسماء للديان

والأمر والنهي الذي هو دينه يعني الفقه وجزاؤه , يوم المعاد الثاني يعني علم الجزاء علم الحساب , قال:

والكل في القرآن والسنن التي = جاءت عن المبعوث بالفرقان

... إلى آخر كلامه.

سؤال: هل من كلام حول من قال: إنه يوجد في القرآن مجاز؟
جواب: هذه مسألة طويلة ذكرناها لكم مرارا , لكن الكلام يطول جدا.

سؤال: ورد في تفسير قوله تعالى: ] فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [ أي: أمالها عن الهدى , كما قدره في الأزل , فما هو الصواب في ذلك؟
جواب: ] فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [ الله جل وعلا يزيغ القلب , الذي بذل أسباب الزيغ , الذي فعل أسباب الزيغ، الله جل وعلا حكم عدل لا يظلم الناس شيئاً , فإذا كان العبد اختار الزيغ وبدأ فيه بعد ظهوره البينات والهدى له فإن الله جل وعلا يزيغ قلبه؛ لأنه هو الذي اختار ذلك , وجزاء فعله واختياره ذلك، إما قبل أن يعلم، فالله جل وعلا له الحكمة البالغة كما قال جل وعلا: ] وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ [ فإذن تفسير الزيغ بأن إمالها عن الهدى يعني لا بأس به , أو صرفهم عن الهدى , أو جزاهم من جنس فعلهم ] فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [.

سؤال: هل هناك فرق بين الأمر والقدر؟
جواب: الأمر أعم.

سؤال: في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله جميل يحب الجمال))، وقوله: ((إن الله وتر يحب الوتر)) ونحوها من الأحاديث , هل هذه النصوص من باب الإخبار عن الله جل وعلا بصفاته الذاتية والفعلية , أم المراد بها إثبات هذه الأسماء في الأسماء الحسنى؟
جواب: ذكرنا لك أن الشروط التي بها يكون الاسم من أسماء الله الحسنى ثلاث:

الشرط الأول: أن يكون وارداً في الكتاب أو السنة أو فيهما معاً، يعني قد جاء به النص؛ لأن باب الأسماء والصفات توقيفي ليست اجتهادية.

الشرط الثاني: أن يكون الاسم متضمناً لكمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه.

الشرط الثالث: أن يكون الاسم يدعى الله جل وعلا به كما قال سبحانه:] وَللَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [، ذكرنا لكم هذه الشروط الثلاثة في شرح العقيدة الأصفهانية.

سؤال: ما المقصود بالمقلد في العقيدة؟ وما هو حكمه؟
جواب: المقلد في العقيدة: الذي أخذ ما يصح به الدين , أو ما لا يصح الدين إلا به تقليداً , لا عن دليل , هذا لا يقبل منه , بل لابد لكل أحد أن يعلم دينه بدليله؛ ليعلم معنى الشهادتين بدليله، يعلم فرضية الصلاة بدليلها , يعلم فرضية الزكاة بدليلها، يعلم فرضية الصوم بدليله , يعلم فرضية الحج بدليله , هذه الأركان الخمسة , وهذه يكفي في تعلمها بدليلها مرة في العمر , بأن يتعلمها فيدخل في الإيمان عن علم بهذا الدليل , فلو نسيه بعد ذلك أو غاب عنه أو غفل لم يؤثر في استدامة وصحة إيمانه وإسلامه , هذا هو معنى التقليد وحكمه عند أهل السنة.

أما تقليد المتكلمين فهذا له بحث آخر؛فتقليدهم يعنون به التقليد في النظر أو في إثبات دليل الوجود عن طريق التأمل في آلاء الله جل وعلا , أو القصد إلى التأمل.

لعلنا نكتفي بذلك , وأسأل الله جل وعلا أن يجعل قلبي وقلوبكم جميعاً مخبتة له , خالصة له في أعمالها , قاصدة إياه دون غيره، كما أسأله سبحانه أن يبارك لي ولكم في القول والعمل , وأن يلهمنا رشدنا , وأن يقينا شر أنفسنا , وأن يغفر لنا جميعاً، وأن يلهمنا الرشد والسداد , كما أسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمورنا وعلماءنا لما فيه رضاه , وأن يجعلنا وإياهم من المتعاونين على البر والتقوى , إنه سبحانه جواد كريم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله , وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أسأل الله جل وعلا لي ولكم أن يجعلنا من الذين يتعلمون العلم فينتفعون به , وأن يقينا شر أنفسنا , وأن يغفر لنا وللذين سبقونا بالإيمان , اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا , واغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا ومن له حق علينا , وولاة أمورنا وعلماءنا وإخواننا المؤمنين.
اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه , أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب.

سؤال: يقول: يلاحظ أن كثيراً من طلبة العلم والمنتسبين إلى العلم يعرف المسائل معرفة عظيمة , ويدرسونها نظرياً , لكن تعاملاته مع غيره وأخلاقه مع أقرانه والمحيطين به تصد الناس كثيراً عما عنده من الخير , فهل من نصيحة وتذكير بأهمية أخلاق وسلوك طالب العلم مع إخوانه إلخ؟
جواب: لا شك أن هذه المسألة من المسائل العظيمة , والعلم لابد أن يكون مؤثراً على صاحبه , وخاصة في أمرين:

الأول: في تعبده لله جل وعلا بأنواع العبادة , التي أعظمها توحيده والإخلاص له جل وعلا , والإنابة إليه ونحو ذلك من أعمال القلوب والجوارح وأنواع العبادات المختلفة.

ثم أن يعطي الخلق حقوقهم، وحسن الخلق أعظم ما يوضع في الميزان يوم القيامة , وأثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة، ولهذا فإن العلم إذا صح عند العبد وكان متحققاً به , فإنه يظهر ولا شك عليه في تعامله مع ربه جل وعلا في عباداته وإخلاصه وتوحيده , وإذا أذنب استغفر، وفي تعامله مع الخلق في إعطائهم حقوقهم , وفي التخلق بالأخلاق الحسنة.

ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام بأن يخالق المؤمن إخوانه بخلق الحسن , فقال: ((وخالق الناس بخلق حسن)) , ((اتق الله حيثما كنت , واتبع السيئة الحسنة تمحها و وخالق الناس بخلق حسن)) وهذا الخلق الحسن الذي يتعامل به الناس أن يعطيهم حقهم , وأن يأخذ حقه , وأن يزيد في ذلك بأن يكون في تعامله معهم كما يحب أن يعاملوه به في البشر عن اللقاء وسرور الوجه ثم لين الكلام، وعدم الإغلاط والعفو عن الخطأ , وعدم إقصاء الأمور إلى آخرها في تعامله مع الناس , وأن يتغاضى وأن يعفو، ونحو ذلك , كما وصف الله جل وعلا عباده الصالحين بقوله: ] وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [.

وهؤلاء المتقون وصفهم الله جل وعلا بصفات و ومنها الصفات المتعلقة بالخلق ] وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [ العلم الذي لا يظهر أثره على صاحبه في أخلاقه وتعامله مع الناس، هذا لا خير فيه؛ لأن العلم له ثمرة في الإحسان إلى الخلق , الإحسان إلى الخلق بتعليمهم , بدعوتهم بحب الخير لهم , بأن يؤدي إليهم ما يجب أن يؤدوه إليه.

ولا شك أن المرء طالب العلم إذا علم ذلك فإنه سيصحح نفسه و ويصحح طريقته. بعض الناس عنده طبع يعني هو متطبع بطبيعة طبع عليها، والطبيعة إذا كانت موجودة لا يعذر صاحبها بها، لا يعذر صاحبها بأن يقول: أنا طبعي هكذا؛ لأن ثمرة التعبد والعلم أن يتطبع بالشريعة , ما يقول هذا طبعي، طبعي سيء الخلق , طبعي أني غليظ، طبعي , لابد أن يكون له أثر.

ولها جاء في الحديث الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام: ((من يتحر الخير يُعطه , ومن يتوق الشر يُوقه)) وجاء أيضاً: ((من يتصبر يصبره الله)) ونحو ذلك، وإذا رأيت سنة النبي صلى الله عليه وسلم في تعاملاته علمت منها مثلاً إغلاظ الناس في تعاملهم معه عليه الصلاة والسلام , وكيف قابلهم بالسماحة، كيف قابلهم بالعفو عمن أخطأ عليه , هذا الأعرابي يناديه: يا محمد ويجذب قميصه , حتى أثر في عنق النبي عليه الصلاة والسلام , يجذبه من خلفه , ومع ذلك يصبر عليه ويعامله باللين ويعامله بالإحسان إليه.

لا شك أن العلم له أثر , لهذا ينبغي علينا جميعاً , وأوصي نفسي وإياكم , بأن نكون متخلقين بالقرآن , متخلقين بالسنة , في الأمور العامة والخاصة , ومن قصر يستغفر الله جل وعلا.
الشيخ: بسم الله, والحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه, أسأل الله - جل وعلا- لي ولكم أن يجعلنا من الذين يتعلمون العلم فينتفعون به, وأن يقينا شر أنفسنا, وأن يغفر لنا وللذين سبقونا بالإيمان, اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا,واغفر لنا, ولأبائنا وأمهاتنا, ومن له حق علينا, وولاة أمورنا, وعلمائنا, وإخواننا المؤمنين, اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه, أولئك الذين هداهم الله, وأولئك هم أولو الألباب.
نأخذ بعض الأسئلة بين يدي هذه البداية.

س:يقول: يلاحظ أن كثيراً من طلبة العلم والمنتسبين إلى العلم يعرف المسائل معرفة عظيمة, ويدرسونها نظرياً, لكن تعاملاته مع غيره وأخلاقه مع أقرانه والمحيطين به تصد الناس كثيراً عما عنده من الخير, فهل من نصيحة وتذكير بأهمية أخلاق وسلوك طالب العلم مع إخوانه إلى آخره؟!
ج: لا شك أن هذه المسألة من المسائل العظيمة, والعلم لابد أن يكون مؤثراً على صاحبه, وخاصة في أمرين؛ الأول: في تعبده لله جل وعلا بأنواع العبادة التي أعظمها: توحيده, والإخلاص له جل وعلا, والإنابة إليه, ونحو ذلك من أعمال القلوب والجوارح, وأنواع العبادات المختلفة,ثم أن يعطي الخلق حقوقهم، وحسن الخلق أعظم ما يوضع في الميزان يوم القيامة, وأثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة؛ ولهذا فإن العلم إذا صح عند العبد, وكان متحققاً به؛ فإنه يظهر ولا شك عليه في تعامله مع ربه جل وعلا, في عباداته, وإخلاصه, وتوحيده, وإذا أذنب استغفر، وفي تعامله مع الخلق في إعطائهم حقوقهم, وفي التخلق بالأخلاق الحسنة؛ولهذا أمر النبي - عليه الصلاة والسلام- بأن يخالق المؤمن إخوانه بالخلق الحسن, فقال: ((وخالق الناس بخلق حسن)). ((اتق الله حيثما كنت, وأتبع السيئة الحسنة تمحها, وخالق الناس بخلق حسن)). وهذا الخلق الحسن الذي يعامل به الناس أن يعطيهم حقهم, وأن يأخذ حقه, وأن يزيد في ذلك, بأن يكون في تعامله معهم كما يحب أن يعاملوه به في البشر عند اللقاء وسرور الوجه, ثم لين الكلام، وعدم الإغلاق, والعفو عن الخطأ, وعدم إقصاء الأمور إلى آخرها في تعامله مع الناس, وأن يتغاضى, وأن يعفو، ونحو ذلك. كما وصف الله جل وعلا عباده الصالحين بقوله: [ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ][1] وهؤلاء المتقون وصفهم الله جل وعلا بصفات, ومنها: الصفات المتعلقة بالخلق:] وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [. العلم الذي لا يظهر أثره على صاحبه في أخلاقه وتعامله مع الناس، هذا لا خير فيه؛ لأن العلم له ثمرة, ثمرة في الإحسان إلى الخلق, الإحسان إلى الخلق بتعليمهم, بدعوتهم, بحب الخير لهم, بأن يؤدي إليهم ما يحب أن يؤدوه إليه. ولا شك أن المرء طالب العلم إذا علم ذلك؛فإنه سيصحح المرء نفسه, ويصحح طريقته. بعض الناس عنده طبع, يعني: هو متطبع بطبيعة, يعني: طبع عليها، والطبيعة إذا كانت موجودة لا يعذر صاحبها بها، لا يعذر صاحبها بأن يقول:أنا طبعي هكذا؛ لأن ثمرة التعبد والعلم أن يتطبع بالشريعة, ما يقول: هذا طبعي، طبعي سيء الخلق, طبعي أني غليظ، طبعي لابد أن يكون له أثر.

ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((من يتحر الخير, يُعطه. ومن يتوق الشر, يُوقه)) وجاء أيضاً: ((من يتصبر يصبره الله)) ونحو ذلك مما فيه، وإذا ما رأيت سنة النبي عليه الصلاة والسلام في تعاملاته علمت منها مثلاً:إغلاظ الناس في تعاملهم معه عليه الصلاة والسلام, وكيف قابلهم بالسماحة! كيف قابلهم بالعفو عمن أخطأ! كيف قابلهم بأشياء, هذا الأعرابي يناديه يا محمد, ويجذب قميصه؛ حتى أثر في عنق النبي عليه الصلاة والسلام, (سقط) يجذبه من خلفه, ومع ذلك يصبر عليه, ويعامله باللين, ويعامله بالإحسان إليه.

لا شك أن العلم له أثر؛ لهذا ينبغي علينا جميعاً - وأوصي نفسي وإياكم - بأن نكون متخلقين بالقرآن, متخلقين بالسنة في الأمور العامة والخاصة, ومن قصر يستغرق الله جل وعلا.

س: يقول: ما حكم الاستفادة من بطاقة فيزا, وماستر كارت, في المشاريع الخيرية؛ وذلك لأن بها خصم 50% أحياناً أو أقل أو أكثر, مع محاولة تسديد الرسوم أولاً بأول لكي لا يحصل للبنك أي فائدة؟
ج: ما أدري؟ هل الصورة صحيحة؟ الفيزا يعطى عليها خصم 50% ما أظن هذا, لكن هي أنواع: بطاقة فيزا, وماستر كارت, منها ما هو بطاقة ائتمان, وهذه يدخل في العقد الربا, أو أنه إذا تأخر لابد أن يسدد بفائدة, ومنها: بطاقة دفع, وهي التي يخصم مثلا إذا كان عنده حساب يخصم من حسابه فوراً, وإذا لم يكن عنده حساب تبقى في ذمته حتى يسدد كقرض حسن، فإذا كانت من النوع الثاني,فهذه لا بأس بها، وإذا كانت من النوع الأول, فأيضافيها تفصيل, لكن المسلم لا يدخل في عقود مشتملة على ربا, لكن إن احتاج إلى ذلك كما قد يحتاجه بعض المسلمين في مثل: أمريكا, وأروبا, وغير ذلك, ما عندهم إلا من نوع الائتماني, فقد يجوز لهم ذلك ببعض الشروط إذا سألوا عن ذلك, لكن استعمال بطاقة فيزا ونحوها إذا كان المقصود منها النوع نوع الدفع, يعني: بطاقة الدفع الفوري, أو التي ليست ائتمانية, يعني:ما يدخل فيها أرباح, إذا لم يسدد تضاعف عليه, أو يبدأ (غير مسموع) يأخذ قرض, وثم فائدة عليه، فهذا..فالنوع هذا لا بأس به, أما إذا كانت قرض يعني: إذا ما سدد يبدأ القرض وفائدة عليه, يعني: يكون المبلغ مثلاً صار عليه عشرة آلاف, يقولون: سددها بعد شهر, ما سدد؛ يبدأ حساب الفوائد, فهذه ربوية، أما إذا كان لم يسدد, يقال: يبقى في ذمتك سددها,أو يخصم من الحساب مباشرة؛ فهذا جائز بعد دراستي للموضوع.

نكتفي بهذا, اقرأ.

القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, قال العلامة الطحاوي رحمه الله تعالى:

[وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه, لم يطلع على ذلك ملك مقرب, ولا نبي مرسل, والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك, نظراً, وفكراً, ووسوسة؛ فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه, ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى في كتابه:] لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [ فمن سأل لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب, ومن رد حكم الكتاب؛ كان من الكافرين].

الشيخ:العياذ بالله,الحمد لله, وبَعْدُ فهذه الجمل من كلام العلامة الطحاوي –رحمه الله تعالى- فيها إشارة إلى القدر مع عدم ذكر معتقد أهل السنة والجماعة على وجه التفصيل فيه، وقد سبق أن ذكرنا بعض المسائل فيه, ولكن نعيد المسائل من أولها؛ حتى يرتبط الموضوع ببعد العهد بما سبق، قال: "وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه". يعني بقوله: "أصل القدر سر الله". يعني: أن القدر من الأسرار في كمال درجاته ومراتبه؛ فإن الله سبحانه وتعالى لم يكشف قدره على وجه التفصيل لأحد، بل هذا علمه عند الله جل وعلا؛ لهذا قال بعدها:"لم يطلع على ذلك ملك مقرب, ولا نبي مرسل". وإذا كان ملائكة الله المقربون لم يطلعوا على القدر على وجه التفصيل، وكذلك الأنبياء المرسلون الذين هم صفوة عباد الله, لم يطلعوا على ذلك على وجه التفصيل؛ فإن التعمق والنظر في ذلك ذريعة للخذلان, وذريعة الخذلان يعني: وسيلة من وسائل سلب التوفيق؛ لأن الله منع العباد عن ذلك, ولم يأمرهم بالبحث في هذا, ولا بالتعمق فيه، وإذا كان الصفوة لم يُطلعوا على ذلك, ولم يطلعوا عليه؛ فإذن الباب مغلق, وإذن لا تحاول كشفاً للقدر، ومعنى كشف القدر: ما ذكره في جمله, بأن يحذر المسلم من التفكير في تقدير الله جل وعلا للأشياء؛ نظراً في العلل, وفكراً في الحكم, ووسوسة, في لِمَ فعل ذلك؟! ولِمَ حصل؟! ولم قدّر كذا؟! ولم وفق هذا؟ ولم خذل ذاك؟ ولم حصل كَيْت وكَيْت؟

فإن الله سبحانه طوى علم القدر عن أنامه، ولذلك نهاهم عن تطلبه قال: ] لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [.فإذن إذا تبين ذلك, فإيماننا بقدر الله جل وعلا إيمان بما جاء في النصوص من تفصيل ما يجب علينا أن نؤمن به, ثم إيمان إجمالي, وهو ركن الإيمان, بأن كل شيء فإنه بتقدير الله جل وعلا؛ لأن من أركان الإيمان، الإيمان بالقدر خيره وشره، يعني: أن نؤمن بأن ما حصل من الخير والشر بالنسبة إلينا فإنه بتقدير الله جل وعلا, يعني: لم تحصل الأشياء ابتداء دون تقدير من الله, وعلم, وكتابة, ومشيئة, وخلق لله جل وعلا, بل الله الذي علمها, وكتبها, وقدرها, وشاءها, فلم يحصل شيء ولا يحصل شيء إلا بتقدير الله جل وعلا وإذنه الكوني.

إذا تبين ذلك؛ فإن الإيمان الإجمالي بما ذكرت, هذا ركن الإيمان, ما يصح إيمان أحد حتى يؤمن بهذا القدر, وهو أن كل شيء بقدر, وأن الأشياء مقدرها الله جل وعلا فيما سبق, ثم الإيمان التفصيلي بما علم تفصيلاً من نصوص الكتاب والسنة,بما يدخل في بحث القدر, فإذا جاءه الدليل أن من القدر علم الله السابق؛ فإنه يؤمن بذلك, إذا جاءه الدليل أن الله خالق كل شيء؛ فيؤمن بهذا العموم عموم خلق الله جل وعلا للأشياء, بما في ذلك طاعة المطيع, ومعصية العاصي، إذا علم عموم مشيئة الله جل وعلا, وأن مشيئة العبد لا تستقل بإحداث الأشياء, بل لابد من مشيئة الله جل وعلا, آمن ذلك على وجه التفصيل، فيكون ذلك من الإيمان الواجب؛ لأنه علم الدليل الذي يجب عليه الإيقان به، بحث القدر بحث طويل, وقد يحتاج الأمر لبسطه إلى مجالس عديدة, ودروس متنوعة, ولعلي أرتبه لك في مسائل فيها مزيد تفصيل عما سبق ذكره لك في الدروس السابقة, مثل: الواسطية, والشروح الأخر؛ ليحصل مزيد علم عما سبق إن شاء الله تعالى.

فنقول:

المسألة الأولى: في تعريف القدر:
والقدر.. القدر في اللغة: بمعنى ترتيب الشيء؛ ليكون على وجه ما, ترتيب شيء ليكون على وجه ما, يقال: قدرت, أو تقول: قدرت أن يكون الأمر كذا وكذا، إذا رتبت أنت أن يكون الأمر على هذا المنوال، فإذن القدر في معناه اللغوي يدخل فيه الفعل,ويدخل فيه الإرادة والمشيئة, ويدخل فيه العلم, ويدخل فيه أيضاً الحكمة بحسب من قدر.

وأما في الشريعة: فالقدر يجمع أربعة أشياء؛ يجمع العلم السابق، والكتابة السابقة، وعموم مشيئة الله جل وعلا, وعموم خلقه جل وعلا للأشياء، ولهذا عرف القدر بعض أهل العلم: بأن القدر هو علم الله بالأشياء قبل وقوعها، وكتابته لها في اللوح المحفوظ، وعموم مشيئته لما يقع, وخلقه جل وعلا للأشياء كلها, وهذا في الواقع تعريف من باب ليس حداً يعني: على صناعة الحدود، ولكنه تعريف يشمل مراتب الإيمان بالقدر الأربعة,وليدخل ذلك في تعريف القدر عند أهل السنة والجماعة.

المسألة الثانية: في الفرق ما بين القضاء والقدر:
القدر مر بك تعريفه, وأما القضاء فإنه في اللغة: بمعنى إنهاء الشيء, وقد يكون الإنهاء إنهاء عمل, وقد يكون إنهاء خبر, ولهذا جاء في القرآن تنوع معنى القضاء إلى عدة معان؛ الأول مما جاء في القرآن أن القضاء يكون بمعنى الإنهاء، كما قال سبحانه: ]فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ [. وقال: ] فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ [. ويكون القضاء بمعنى الوحي وذلك إذا عُدِّي بإلى, عدي بإلى قضينا إلى، قضى إلى, يكون إنهاء الخبر بالوحي, كما قال جل وعلا: ] وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ [. يعني: أوحينا إلى بني إسرائيل, وأعلمناهم, وأخبرناهم, وقال أيضاً جل وعلا: ] وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ [. وقضينا إليه يعني:أوحينا إليه, وأنهينا إليه ذلك الخبر بالوحي.

والثالث من معاني القضاء في القرآن: أن القضاء يكون بمعنى القدر, يكون القضاء بمعنى القدر, كما قال جل وعلا: ] فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ [. يعني: قدر ذلك وخلقه وفعله. وكما في قوله أيضاً ] فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ [. على أنه بمعنى القدر؛ لأن الإنهاء يدخل فيه القدر.

ولهذا المعنى قال جمع من أهل العلم:إن القضاء والقدر بمعنى واحد, إن القضاء والقدر بمعنى واحد؛ لأجل أنهم لحظوا أن معنى القضاء داخل في معنى القدر, وأن القدر والقضاء لا فرق بينهما، وومن ذهب إلى ذلك جماعة من أهل العلم, منهم: ابن الجوزي, وكثير من العلماء السابقين.

وأما فيما دلت عليه النصوص, فَإِنْ يعني من الكتاب والسنة, فإن القدر غير القضاء, وهذه الغيرية بمعنى أن القدر أعم من القضاء، والقضاء قد يكون.. القضاء قد يكون بعد مراتب القدر من حيث الإطلاق. ولهذا قال بعض أهل العلم في تبيين ذلك:إن القضاء هو القدر, إن وقع وقبل وقوع القدر لا يُسمى قضاءاً؛ لأن كلمة قضاء كما رأيت في معناها في اللغة وفي استعمالات القرآن أنها بمعنى الإنهاء، إنهاء الشيء، إنهاء الخلق إلى آخره، والقدر إذا وقع وانتهى؛ صار قضاءاً قُضيَ ] قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ [ يعني: انتهى ] فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ [. يعني: احكم بما شئت, وانهي الأمر على أي وجه شئت، فإذن يكون القضاء هو إنهاء القدر, وهذا يتبين بأن مراتب القدر الأربعة التي سيأتي بيانها منها مرتبتان سابقتان: وهي مرتبة العلم والكتابة، ومنها مرتبتان: وهي عموم المشيئة, وعموم خلق الله جل وعلا, هاتان المرتبتان مقارنتان لوقوع المقدر. ولهذا إذا نظر لوقوع المقدر من جهة عموم الخلق وعموم المشيئة؛ فإنه حينئذ يكون قضاءً لله جل وعلا لهذا الشيء، تقول: قضى الله جل وعلا الأمر على كذا وكذا, بمعنى خلقه وشاءه, ولهذا نظر من نظر في أن القضاء داخل في القدر,فلذلك قالوا: القضاء والقدر بمعنى واحد, لكن على التحقيق ليس القضاء والقدر بمعنى واحد، وإنما القضاء هو وقوع المقدر, فإذا وقع القدر السابق وانتهى, سمي قضاءاً قد قضي وانتهى, وهو المقدر، ولا شك أن الذي يقع مقدر ويكون قضاءاً لهذا نقول: القضاء والقدر بينهما فرق؛ فإن القدر أعم, والقضاء أخص، والقدر سابق والقضاء لاحق، والقدر فيه عدة صفات لله جل وعلا: العلم، والكتابة، والمشيئة، والخلق, وأما القضاء قضاء الله جل وعلا للشيء في نفسه يدل على خلقه سبحانه وتعالى للشيء, ومشئيته له، لهذا على الصحيح أن القضاء والقدر ليسا بمعنى واحد, ولا يتواردان, يعني: ما يستعمل أحدهما بمعنى الآخر, بل القدر أعم.

المسألة الثالثة:

في مراتب الإيمان بالقدر عند أهل السنة والجماعة.
وقد ذكرنا لكم شيئاً من هذا البحث, فنعيد ذلك مختصراً, فنقول: إن الإيمان بالقدر يشمل أربع مراتب, أما مرتبتان فسابقتان قبل خلق السماوات والأرض, قبل خلق الأشياء, يعني: قبل خلق السماوات والأرض, وهما علم الله جل وعلا السابق، وكتابته جل وعلا للأشياء في اللوح المحفوظ.

وعلم الله السابق بالأشياء علم أزلي، والله سبحانه وتعالى علمه صفة ذاتية له, فما شاء الله جل وعلا أو أراد أن يوقعه في ملكوته موقتاً بوقت مقدرا بزمان وصفة؛ فإنه سبحانه وتعالى علم ذلك على وجه التفصيل؛ لكمال علمه وأنه سبحانه بكل شيء عليم.

وأما الكتابة فإن الله كتب مقادير الخلائق مؤخراً, يعني: قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة, كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم وغيره:((قدَّر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)).
وقوله: ((قدر الله)) يعني: كتب؛ لأن المرتبة السابقة للعلم هي قبل ذلك، علم الله جل وعلا أول، علم الله أزلي يعني: لم يزل, فإذن نقول: إن مرتبة الكتابةهي كتابة الله جل وعلا للأشياء على وجه الإجمال والتفصيل في اللوح المحفوظ. كما قال سبحانه: ] وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ [] إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [
وقال جل وعلا: ] أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [ ونحو ذلك من الأدلة، والأدلة بهاتين المرتبتين كثيرة في القرآن والسنة, أما المرتبة الثالثة: فهي مرتبة عموم مشيئة الله جل وعلا, فإنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن, فطاعة المطيع وقعت بمشيئة الله, ومعصية العاصي وقعت بمشيئة الله، إحياء النفس وقع بمشيئة الله وقتل النفس وإزهاق روحها ظلماً وعدواناً وقع أيضاً بمشيئة الله جل وعلا, فالله سبحانه شاء كل ما وقع، فما وقع في ملكوته لا يمكن أن يوقعه العبد إلا إذا شاءه الله جل وعلا, بما في ذلك الأمور المحمودة عند الإنسان, والأمور المذمومة عند الإنسان، الخير بالنسبة للإنسان والشر بالنسبة للإنسان كل ذلك وقع بمشيئة الله جل وعلا, ولا يخرج أحد عن مشيئته، قال سبحانه: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}.
وقال سبحانه:] وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [
وقال سبحانه: ] مَن يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [
وقال سبحانه أيضاً: ] إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُصِيبُ بِهَا مَن تَشَاءُ [ فإذن ما يقع من الإضلال هو بمشيئة الله, لكن وقع بمشيئة الله لحكمة لله جل وعلا في وقوعه.

فإذن الله سبحانه شاء الخير, وشاء الشر، وأَذِنَ بوقوع الخير, وأَذِنَ بوقوع الشر كونا، وأما من جهة الشرع، من جهة الدين فإن الله سبحانه نهى عن الشر، نهى عن الكفر، نهى عن الكبائر, نهى عن المعصية، نهى عن الظلم, وأمر بالإيمان، وأمر بالعدل, وأمر بالطاعة، وأمر بالعبادة.

فإذنثم فرق بين الإرادة الكونية وبين الإرادة الدينية, فالإرادة الكونية لا يشترط لها -وهي المشيئة- أن يكون الشرط وقع, والله سبحانه وتعالى يحبه ويرضاه، بل قد يأذن الله جل وعلا ويشاء الشيء, وهو لا يحبه ويرضاه، يأذن به كونا, ويشاؤه ويقع وهو لا يحبه ويرضاه من عباده, وهو لا يحبه ويرضاه أن يقع, لكن أذن به وشاءه لحكمة له جل وعلا في ابتلاء العباد, لكنه لم يرضه ديناً, يعني: ما أراده شريعة، ما أراده ديناً, وهذا يحتم كما قال جل وعلا: ] وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [.
مع أنه ] مَن يَشَأ اللَّهُ يُضْلِلْهُ [. ولكنه لا يرضى لعباده الكفر, فإذن الأدلة دلت على التفريق ما بين الإرادة الكونية والإرادة القدرية، والإرادة الكونية هي المشيئة؛ لأن الإرادة تنقسم إلى: إرادة كونية, وإرادة دينية. وأما المشيئة فلا تنقسم، المشيئة هي الكونية, يعني: هي الإرادة الكونية، إذا تبين لك ذلك فمرتبة المشيئة هي المرتبة التي فيها الخلاف والضلال ما بين القدرية المتوسطة, وبين أهل السنة والجماعة, هي في مسألة المشيئة, والقدرية الذين ينفون القدر؛ كالمعتزلة, والرافضة, وأشباه هؤلاء والزيدية, كل هؤلاء ينزهون, ويقولون: إن المشيئة لا تدخل في معصية العاصي, ولا في كفر الكافر، فإن كفر الكافر ومعصية العاصي هذه لم يشأ الله جل وعلا أن تقع, وإنما شاءها العبد, وهي مكروهة لله جل وعلا استدلالاً بقوله: ] وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ[. والصواب في ذلك أنه ما من شيء يقع إلا بإذن الله، وإلا فيكون الله جل وعلا يقع في ملكه ما لم يأذن به وهذا وصف لله جل وعلا بالنقائص، بل عموم قدرة الله جل وعلا, وقوته, وملكوته, وجبروته, وقهره. وملكه لهذا الملكوت أنه لا يحصل شيء إلا بعلمه سبحانه, وبإذنه ومشيئته, لكن له حكمة في أنه يقع هذا الشيء.

فقتل القتيل ظلماً وقع بمشيئة الله الكونية, لكنه لم يأذن به شرعاً, بل نهى عنه، اقتحام الكعبة, والمسجد الحرام, وإسالة الدم فيه لم يقع بإذن الله الشرعي, ولكنه وقع بإذن الله الكوني, فإذن يجتمع في إذن الله الكوني الطاعات والمعاصي, المحمود والمذموم, الشر والخير، وأما إذن الله الشرعي إرادة الله الشرعية فهي ما أمر الله جل وعلا به, وأما ما نهى عنه فإنه لم يرده شرعاً، وهذا بيان مهم, والمسألة معروفة لأكثر طلبة العلم في التفريق ما بين الإرادة الشرعية, والإرادة الله الكونية. وسيأتي إن شاء الله مزيد بيان لهذه المسألة.

أما المرتبة الرابعة: فهي مرتبة عموم خلق الله جل وعلا للأشياء، وأما خلق الله للأشياء فجميع المنتسبين للإسلام بل وغير المسلمين يؤمنون بأن الله خالق الأشياء, لكن عموم خلق الله الأشياء بضابط وقيد العموم هذا مما تميز به أهل السنة والجماعة؛ إعمالا,ً وإيمانا,ً بقول الله جل وعلا: ] اللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [. وقوله سبحانه: ] وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً [. فإذن الأشياء التي خلقها الله جل وعلا داخلة في قدر الله سبحانه وتعالى, يدخل في ذلك في عموم الخلق خلق الله جل وعلا للأشياء، يدخل في ذلك الكفر, ويدخل في ذلك معصية العاصي، ويدخل في ذلك عمل الإنسان بجميع أنواعه من الخير والشر, وذلك لقوله سبحانه: ] وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [ يعني: خلقكم والذي تعملونه فتكون ما بمعنى الذي اسم موصول, بمعنى: الذي, أو تكون (ما) مصدرية, يعني: حرف مصدري, تقدر مع الفعل بعدها بمصدر, فيكون تقرير الآية والله خلقكم وعملكم، فما عمله الإنسان خلقه الله جل وعلا, كما خلق ذات الإنسان, فخلق عمله، والله خلقكم وعملكم, أو والله خلقكم والذي تعملونه, وهذا ظاهر، ويأتي في بيان شُبه الفرق والرد عليها مزيد تفصيل لعموم خلق الله جل وعلا للأشياء.

المسألة الرابعة:

(كلام ليس له فائدة علمية) المسألة الرابعةفي منشأ الضلال في القدر:
منشأ الضلال في القدر يرجع إلى عدة أسباب.
أما السبب الأول: فهو منشأ الضلال الفرق؛ الجبرية, والقدرية, ومنشأ ضلالهم ومخالفتهم لهدي الصحابة, أو لما دلت عليه النصوص في ذلك هو:
* قياس أفعال الله جل وعلا وتصرفاته سبحانه بأفعال الخلق، يجعلون ما كان محموداً في الخلق محموداً في فعل الله جل وعلا, وما كان مذموماً في الخلق فيكون مذموماً في فعل الله جل وعلا, فعندهم أن العدل محمود, والظلم مذموم, فيجعلون العدل بتفسيره في الخلق, والظلم بتفسيره في الخلق في حق الله جل وعلا، فما اقتضى العدل في المخلوق جعلوه لله, وما اقتضى الظلم في المخلوق جعلوه منفياً عن الله جل وعلا، ولذلك نفوا عموم المشيئة, ونفوا عموم الخلق؛ لأنهم جعلوا أن إذن الله جل وعلا بالكفر يقتضي الظلم؛ لأنه معناه الإلزام, وجعلوا خلق الله جل وعلا لمعصية العاصي ولكفر الكافر جعلوا ذلك ظلماً؛ لأنه في حق الإنسان, إذا جعل غيره يفعل ذلك الشيء فإنه قهره عليه, وأجبره عليه, أو أنه أذن له به, وهذا ظلم في حق الإنسان فيما بينهم, فيقولون: إذن ما كان عدلاً في الإنسان فهو عدل في الله, وما كان ظلماً في الإنسان فهو ظلم في الله؛ لأن تعريف العدل والظلم في النصوص بما جاء في النصوص هو التعريف اللغوي, وهو الذي يشمل الإنسان ويشمل الله جل وعلا.
وهذا في الحقيقة هو أعظم أسباب الضلال في هذه المسألة.

السبب الثاني:

عدم التفريق ما بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية, فيجعلون الإرادة والمشيئة شيء واحد, فما نفى مما لم يرده الله جل وعلا شرعاً جعلوه منفياً كوناً، فالله جل وعلا لم يرد الكفر, فجعلوه جل وعلا لم يشأ الكفر؛ لأن الإرادة عندهم قسم واحد، لم يرد المعصية فجعلوه لم يشأ المعصية، لم يرد الكبيرة جعلوه لم يشأ الكبيرة.

والإرادة كما ذكرنا منها: إرادة شرعية, ومنها: إرادة كونية، فالإرادة الكونية: هي المشيئة, وأما الإرادة الشرعية:فهي التي تدخل فيها صفة المحبة والرضا لله جل وعلا.

المنشأ الثالث للضلال في باب القدر:
دخول العقل في التحسين والتقبيح فيجعلون الأفعال التي تقع في الملكوت في ملكوت الله وتقدير الله جل وعلا للأشياء يدخل فيه العقل محسناً ومقبحاً؛ وذلك لأن العقل عندهم أصل, فقالوا: العقل يعمل في أفعال الله, فما حسنه العقل في أفعال الله صار حسناً, وما قبحه العقل في أفعال الله جل وعلا وجب نفيه عن الله جل وعلا، وهذه هي المسألة المشهورة بالتحسين والتقبيح العقليين التي لها صلة بالأصول وبالفقه يعني: والتكليف, ولها صلة أيضاً بمبحث القضاء والقدر.

منشأ الضلال أيضا وهوالرابع أو من أسباب نشأة الضلال في ذلك:

الدخول في أفعال الله جل وعلا وعدم التسليم لمراد الله جل وعلا,يعني: الخوض في أفعال الله سبحانه وتعالى. والخوض في أفعال الله جل وعلا كما ذكر لك الطحاوي في ذلك:‘‘ذريعة الخذلان, وسلم الحرمان, ودرجة الطغيان‘‘.‘‘ذريعة الخذلان‘‘ يعني: وسيلة لأن يُخذل العبد؛ لأنه معناه أنك تريد أن تصل إلى معرفة سر القدر، وهذا لا يمكن، سلم الحرمان، لا يمكن أيضاً أن تدخل في أفعال الله ستحرم؛ لأن هذا سلمه الحرمان, ستصل إلى أن تكون محروماً, وكذلك أنه درجة من درجات الطغيان؛ لأن الإنسان رفع نفسه فوق ماله، فطغى وجاوز حده, حده أن يتعبد الله جل وعلا بالإيمان والتسليم: ] لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [.
فإذن السؤال بلم هذا من منشأ الضلال فيمن ضل في الجبرية, وفي القدرية, وفي المتحيرين المتشككين الذين أنكروا الشريعة, وضلوا, وألحدوا بسبب الدخول في القدر.

معلوم أن القدر فيه العلم، والعلم يتفاوت فيه الناس, والله جل وعلا يعلم ما يوافق حكمته جل وعلا، الحكمة أين هي؟ ما يريده الله جل وعلا من الابتلاء لخلقه، الله سبحانه وتعالى يعلم ذلك, فأوقع في خلقه ما يوافق الحكمة له, يعني: ما يوافق مراداته في خلقه وحصول الابتلاء في ذلك، والإنسان قد ينظر فيكون علمه قاصراً, فلا يصل إلى حقيقة الإدراك؛ ولهذا قال بعض السلف, وتنسب إلى أبي بكر -t- قال: "العجز عن الإدراك إدراك". لم؟!

الوجه الثاني

إدراكات الذكي غير إدراكات البليد، فإذا اعترض البليد على الذكي بأن هذا الشيء ليس كذلك؛ لأن هذا ما يعقل وهذا ما يحصل, فيكون هذا اعتراض لا عن علم وإنما عن جهل فيرد على صاحبه؛ فيكون هو المحروم.

مثل: جهل بعض الناس مثلاً ببعض الأجهزة الكفار من النصارى, أول ما اخترع المسلمون الساعة, أنكروها وخافوا منها، ورجع الأمر إلى أن في بعض مخترعات الكفار في العصر الحديث رفضه بعض المسلمين, وخافوا منه؛ وذلك لأن فيه عجزاً عن إدراك حقيقتها, فرفضوا؛ لأنهم عجزوا عن الإدراك,وهذا إذا كان في المخلوق، فالله جل وعلا له العلم الكامل, وله العلم بكل شيء سبحانه وتعالى، يعلم الأشياء على تفاصيلها, والإنسان علمه قاصر، فإذن إذا خاض في القدر بعلمه القاصر فلا شك أنه سيعترض؛ لأنه لا يعلم, وإذا اعترض على الله جل وعلا؛ فإنه سيخذل, ويحرم, ويتيه, ويخذل, ويضل.
كما حصل أن أناسا كثيراً ضلوا؛ بسبب خوضهم في أفعال القدر، وهذه ذكرنا لكم كلمة شيخ الإسلام ابن تيمية فيها في تائيته القدرية قال:
وأَصْلُ ضَلاَلِ الخَلْقِ مِنْكُلِّ فِرْقَةٍ = هو الخَوْضُ فِي فِعْلِ الإلَهِ بِعِلَّةٍ
فإنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا حِكْمَةً لَهُ = فَصَارُوا عَلَى نَوْعٍ مِنَ الجَاهِلِيَّةِ

هذه بعض أسباب ومنشأ الضلال في باب القدر.

المسألة الخامسة:

أن الناس في القدر الذين خالفوا أهل السنة والجماعة لهم فرق كثيرة, وهذه الفرق ترجع إلى فرقتين؛ أما الأولى: فهم القدرية, وأما الثانية: فهم الجبرية.

ويُعْنَى بالقدرية: الذين أنكروا القدر، إما أنكروا كل المراتب, أو أنكروا بعض مراتب القدر التي ذكرنا لك.
والجبرية: هم الذين يزعمون أن الإنسان لا اختيار له, وأنه مجبور, القدرية فرق, يجمعهم أو يلخص اختلافهم في أن الفرقة الأولى منهم وهم الغلاة,الذين كانوا ينكرون علم الله جل وعلا السابق, فيقولون: إن الله جل وعلا لا يعلم الشيء إلا بعد وقوعه والأمر أنف, كما كان يقوله معبد الجهني، وغيلان الدمشقي، وجماعة من الأولين, وهؤلاء هم الذين أنكروا علم الله السابق, فقالوا: إن الله لا يعلم الأشياء حتى تقع والأمر أنف. يعني: مستأنف, جديد غير معلوم, وغير مقدر له قبل ذلك، وهؤلاء هم الذين كفّرهم السلف, وكفّرهم الصحابة؛ ابن عمر, وابن عباس, وغير أولئك؛ وذلك لأنهم أنكروا مرتبة العلم, والله جل وعلا ذكر علمه,فمعنى ذلك: أنهم ردوا حكم الكتاب, ومن رد حكم الكتاب؛ فهو من الكافرين، هؤلاء هم الذين قال فيهم السلف:"ناظروا القدرية بالعلم, فإن أقروا به خصموا, وإن جحدوه كفروا". وهذه الفرقة ذهبت, ولا يعرف أنها عقبت وارثاً في الأعصر المتأخرة.

أما الفرقة الثانية من القدرية وهم المتوسطة: المعتزلة, والشيعة, الرافضة, والزيدية, ومن نحا نحو أولئك، وهؤلاء لا ينكرون جميع المراتب, ولكن ينكرون بعض الأشياء في بعض المراتب، فيقولون: إن المشيئة ثابتة, لكن ليست عامة, ويقولون: إن الخلق ثابت, ولكن ليس عاماً، وسُموا بالقدرية؛ لأنهم ينفون بعض مراتب القدر, وهذه الفرقة باقية إلى الآن، المعتزلة موجودة الآن أقول: الفرق هذه الزيدية, والرافضة, وفرق موجودة في أمصار كثيرة من بلاد المسلمين, وهؤلاء هم الذين يأتي إن شاء الله ذكر بعض شبههم والرد عليها بإذنه تعالى.

أما الجبرية فهم أيضاً فرق, منهم الغلاة, وهم الذين يقولون:‘‘إن الإنسان مجبور على كل شيء, وحركاته كحركة الريشة في مهب الهواء، وكحركة الخشبة في البحر، فإن الأمواج تتقاذفها, وليس لها اختيار, كذلك الريشة يقلبها الهواء وليس لها اختيار‘‘. فالعبد يقولون: ليس له اختيار, وإنما هو مفعول به في كل أحواله سواء من ذلك الطاعات والمعاصي, فصلى مجبوراً, وصام مجبوراً, وسرق مجبوراً, وغش مجبوراً، ويقولون:‘‘إن أفعال الله جل وعلا غير معللة‘‘. فقد يدخل الله جل وعلا إبليس الجنة, وقد يدخل آدم النار, يعني: من لازم مذهبهم فإنه لا تعليل في أفعال الله، قد يعذب المطيع الصالح, وقد يعطي وينعم الكافر الطاغوت؛ لأنه يقول: هؤلاء فعلوا بغير اختيارهم, فالله سبحانه وتعالى هو الذي أجبر هذا, وأجبر هذا, فله أن يقلب الأمور؛ لأن هذا ما فعل أصلاً باختياره, نعوذ بالله من أقوال الضالين,وهؤلاء يمثلهم يعني: الجبرية, يمثلهم طوائف من الصلحاء في الزمن الأول, ممن رأوا الغناء في شهود الأمر الكوني, وممن قال أيضاً بهذا القول جهم ومن اتبعه, وأيضاً قال به طوائف من غلاة الصوفية, يرون أنه ليس لهم فعل البتة, فأفعالهم الظاهرة كحركة أمعائهم لا اختيار لهم فيها.

الفرقة الثانية من الجبرية: هم الأشاعرة والماتريدية, ومن نحا نحوهم, ممن غلوا في إثبات المشيئة مشيئة الله جل وعلا وخلقه, وقالوا: إن الإنسان ليس مجبوراً على كل حال, ولكن هو مجبور باطنا لا ظاهراً يعني: في الباطن مجبور, ما يتحرك بإرادته, ولكن في الظاهر تصرفاته بإرادته, فيحاسب على تصرفاته الظاهرة, وأما الذي دفعه في الحقيقة فهو أمر باطني مجبر عليه من الله جل وعلا, وهذا في الحقيقة قول بالجبر, ومشهور أن الأشاعرة جبرية؛ ولهذا لما عرض هذا الاعتراضات اعترض على الأشعري بالحساب والعقاب والثواب, قال: إن الأفعال يحاسب عليها العبد وينعم ويعذب؛ لأنه كسبها وكسبه لها من فعله, فإذن يعاقب ويثاب على ما كسب, والله جل وعلا يقول: ] لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ [ فأخذ من لفظ كسب في القرآن أن الفعل الظاهر كسبه العبد, يعني: عمله, فهو يحاسب على ما ظهر, وهذا الكسب عنده في الواقع ابتدأه أبو الحسن الأشعري دون سابق في هذه الأمة, فلهذا نظر أصحابه في تعريف الكسب,إيش معنى الكسب هذا الذي أحدثه الأشعري لقاء قوله بالجبر الباطن؟! يقول: إن الإنسان يُفْعل به, وهو يفعل, والأمر يحصل عند حركة الإنسان, مثل: قطع السكين للخبزة, أو تكسير العصا للحجر, فإذا ضرب الحجر بالعصا الإنسان يقول: إن الحجر تنكسر لا بالضرب ولكن عند الضرب يعني: كسر الله الحجر لا بضرب الإنسان ولكن عند ضربه, يعني: أن الحجر ليس له خاصية الانكسار بضرب العصا, والعصا ليست لها خاصية الكسر كسر الحجر, والإنسان ليس فيه خاصية أنه يحمل العصا على الحقيقة, ويكسر على الحقيقة؛ لهذا سماهم السلف: نفاة التعليل, ونفاة الأسباب, يعني: ليس ثم شيء ينتج شيئاً, ليس ثم سبب ينتج مسبباً عندهم, كل شيء يحصل بخلق له منعزل عن غيره, لا بأسباب غيره, فالماء إذا نزل على الأرض نبت العشب, لا بالماء ولكن عند الالتقاء, وما جاء في القرآن من ذكر حرف الباء:] وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ [ يعني: لفظ به هذا يفسرونه بعنده, هذا كثير في التفاسير فتنتبه له.

إذن خلصوا إلى أن الإنسان يكسب العمل, وتفسير الكسب كيف يجمع ما بين الجبر الظاهر والجبر الباطن بالكسب؟! اختلف فيه الأشاعرة على أقوال كثيرة, وخلاصتها أنه لا محصل لها, وأنه مجبور لا مختار.

ولهذا قال قائل في البيت المعروف في بعض كتب العقائد المطولة قال:
مما يقال ولا حقيقة تحته = معقولة تدنو لذي الأفهام.
الكسب عند الأشعري = والحال عند البهشمي وطفرة النظام.
هذه ثلاثة أشياء لا حقيقة لها = اخترعها أصحابها دون حقيقة.

إذا تبين لك ذلك فلفظ الكسب له عدة استعمالات, فيستعمل الكسب أو الكسب عند الناس له ثلاث استعمالات, أو الناس في الكسب لهم ثلاثة أقوال –يعني بما ترى- أما الأول: فإن الكسب عند الأشاعرة قد أوضحناه لك، والثاني: كسب بمعنى العمل، ما يعمله الإنسان باختياره ورغبته يكون كسباً له؛ لأنه حصله مثلما تقول مثلاً: كسبت كذا من المال؛ لأنه تعب عمل شيئاً فحصل هذا المال، كذلك الأعمال الصالحة كسب له؛ لأنه بذل فيها وعمل فكسب، كذلك الأعمال السيئة عليه؛ لأنه كسبها بجهده, وهذا هو المعنى الذي جاء في الكتاب والسنة, فمن استعمل الكسب في هذا المعنى فهو صحيح؛ لأنه قد جاء في القرآن والسنة مثل:] لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ [ ولفظ الكسب في القرآن كثير: ] ذَلِكَ بِمَا كَسَبَتْ أَنفُسُهُمْ[ ونحو ذلك.

فإذن هذا المعنى واضح وصحيح، ترجعون في تقسيم الكسب إلى الأقوال الثلاثة والحجج فيه؛ لأنه مهم إلى كتاب ابن القيم شفاء العليل.
إحنا طولنا عليكم نرجئ بقية المباحث إن شاء الله إلى الأسبوع القادم.
كم خدنا من مسألة؟
ـ أحد الحاضرين: خمس مسائل.
الشيخ: خمس مسائل نكتفي بهذا القدر؛ لأجل عدم الإطالة, وإن شاء الله نلتقي بكم على خير حال, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

(مجلس آخر)

الحمد لله حق حمده, وأثني عليه الخير كله, فله الحمد سبحانه على نعمه الكثيرة, وله الشكر على ما تفضل به وأولى ومَنَّ, تبارك ربنا, وتعالى وتقدس، وتعالى تعظيماً له جل وعلا وتكبيراً.

وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً… أما بعد.
فذكرنا بعض المسائل التي تتعلق بمذهب أهل السنة والجماعة في باب القدر.
كم ذكرنا من مسألة؟ (كلام غير مسموع) آخر ما تكلمنا عليه تفسير الكسب عند الناس, ونجعلها مسألة مستقلة أحسن تصير السادسة فنقول: المسألة السادسة في تفسير الكسب:

لفظ الكسب جاء في القرآن في ذكر ما للإنسان.. ما للمكلف وما عليه, فقال سبحانه: ] لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ[.
وقال جل وعلا: ] ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [ وقال جل وعلا: ] وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [. ونحو ذلك من الآيات.

ولما جاء لفظ الكسب في القرآن وفي السنة أيضاً جاء مذهب أهل السنة والجماعة بإثبات كسب المرء, وتفسير الكسب بما دلت عليه النصوص, وهو أن كسب المرء هو عمله، فالكسب هو العمل والفعل، فقوله سبحانه ] لَهَا مَا كَسَبَتْ [ يعني: لها ما عملت، فالعمل هو الكسب ودل على ذلك أنه جل وعلا قال: ] ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ [ وفي الآية الأخرى:{مَا كَسَبَتْ}. فدل على أن الكسب هو العمل.

والناس أعني: المذاهب الثلاثة المشهورة في الباب القدر وهي مذهب الجبرية، والقدرية، وطريقة أهل السنة والحديث كل فسر الكسب على حسب معتقده؛ ولهذا فسر القدرية وهم نفاة القدر اللي يقولون: إن العبد يخلق فعل نفسه وأن الله جل وعلا لا يخلق فعل العبد, من المعتزلة ومن شابههم قالوا: إن معنى الكسب في هذه الآيات هو إيجاد العبد للفعل, وشبهوه بكسب التجارة، فإن كسب التجارة فعل, كما قال جل وعلا:] يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ [ فذكر الكسب في معرض التجارة, فقالوا: كذلك هو في فعله يكسب العمل الصالح, كما يجتهد في كسب التجارة، فإذن جعلوا الكسب هو إيجاد العبد الفعل على مذهبهم في خلق أفعال العباد، وذلك أن لفظ الكسب فيه شيء من الاحتمال؛ ولهذا فسرته كل طائفة على مذهبها.
والجبرية كما ذكرنا لكم طرفاً من مذهبهم في قول الأشاعرة والجهمية، الجبرية فسروا الكسب بأشياء كثيرة لا.. وبعبارات متنوعة, لا حاصل معها على التحقيق، وذكرت لكم قول الشاعر أو قول أحد العلماء.
مما يقال ولا حقيقة تحته معقولة تدنو لذي الأفهام.

الكسب عن الأشعري = والحال عند البهشمي وطفرة النظامِ

فالكسب هذا فهمه لما اخترع الأشعري مذهبه الذي هو جبر متوسط جبر باطن, لا جبراً ظاهراً، لما أخذ مذهبه وجد في لفظ الكسب في الكتاب والسنة مخرجاً له, فقال: الأعمال كسب. كيف يتوافق هذا مع قوله في القدر؟! قال: الكسب عبارة عن تعلق القدرة بالحال أو غير ذلك من التفاسير, واختلف أصحابه في تفسير الكسب على هذا الاصطلاح الذي هو كسب الجبر، كيف يكون للإنسان كسب وهو مجبور؟! اختلفوا في تفسير الكسب على أوجه كثيرة أكثر من عشرة أوجه, وكلها راجعة إلى نوع من التعلق ما بين القدرة, والإرادة, والعمل, والتكليف. وهذا فيه صعوبة في الربط بينها, ولذلك أهل العلم حتى الأشاعرة قال محققوهم:إنه لا حصيلة تحتها, هذه العبارة التي هي عبارة الكسب على خلاف معنى العمل.

أما القول الثالث: في الكسب فهو قول أهل العلم والسنة والحديث من الصحابة رضوان الله عليهم, فمن بعدهم فإنهم قالوا: إن الكسب هو العمل، وهو الفعل، والله جل علا قال: ] لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ [. وفرق ما بين الكسب والاكتساب مع أن كثيراً من أهل العلم يجعلون الكسب والاكتساب بمعنى واحد, لكن في الآية قال: ] لَهَا مَا كَسَبَتْ [ يعني: في الخير ] وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ [ فجعل الاكتساب فيه زيادة في المبنى؛ لأن فيه نوع كلفة, فالخير موافق للفطرة فيكسبه الإنسان بموافقة لفطرته, مع أنه تكليف, وأما الشر والردى والضلال فإنه مخالف لفطرته، لذلك إتيان المحرمات وإتيان الموبقات ونحو ذلك على ما في الإنسان ربما من الشهوة لبعض ذلك، لكن يحتاج معه إلى أن يعمل نفسه, أن يتعب نفسه, ويخالف فطرته في أن يأتي تلك الموبقات؛ لذلك زاد المبنى ليدل على أنها فيها نوع كلفة ومشقة فيما يعمله المرء من الشر, قال: ] لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ [ يعني: من الشر، فجعل أهل السنة الكسب بمعنى العمل.

المسألة السابعة:

معنى خلق الله جل وعلا لفعلالعبد، وتحقيق مذهب أهل السنة والجماعة في ذلك.

قلنا: إن الإنسان عمله من خير أو شر يضاف إليه حقيقة فهو الذي عمل الخير حقيقة، وهو الذي عمل الشر حقيقة، ومع ذلك لا يقال:إنه خلق فعله، بلهو عمله, ويضاف إليه؛ لأنه كسبه وعمله, وأما خلق الفعل فالله جل وعلا هو الذي خلق سبحانه وتعالى، وبيان ذلك في الفرق ما بين مذهب أهل السنة والجماعة, وما بين مذهب القدرية والمعتزلة، وأشباه هؤلاء، أن العبد كسب العمل, وعمل العمل حقيقة؛ لأن ذلك العمل نتج عن شيئين فيه من الصفات لا يمكن له أن يحدث العمل إلا بوجود هاتين الصفتين؛فالصفة الأولى: هي صفة القدرة التامة، والصفة الثانية: هي الإرادة الجازمة، فإذا كان عند العبد قدرة تامة وإرادة جازمة حصل له الفعل, توجهت قدرته التامة, يعني: ليس بعاجز, وإرادته الجازمة يعني: ليس بمتردد، توجهت للشيء, فعمله فيكون الفعل حدث بقدرة العبد وبإرادته، بقدرته التامة, وبإرادته الجازمة, فالذي تكون قدرته ناقصة لا يحدث الفعل, والذي تكون إرادته مترددة لا يحدث الفعل، مثلاً: الإتيان إلى المسجد للصلاة, شخص ما يستطيع أن يأتي إما لمرض, أو لغير ذلك, فهذا ربما عنده إرادة, لكن ليس عنده قدرة؛ ولذلك لا يحصل منه الفعل, العمل, الكسب, وهو إتيان المسجد. آخر عنده قدرة تامة, ولكن ليس عنده إرادة البتة, ليس عنده إرادة لإتيان المسجد, فلا يمكن بالقدرة أن يحدث الإتيان, وقد يكون عنده إرادة لكن عنده تردد, ما جزم على الإتيان, فلا تتحرك جوارحه وآلاته؛ لأن إرادته ليست جازمة.

فإذن العمل فعل العبد عند أهل السنة والجماعة لا يمكن أن يحدث إلا بقدرة تامة وإرادة جازمة، وقدرة العبد صفة من صفاته, لم يقدر هو نفسه باتفاق الناس, وإرادة العبد صفة من صفاته, لم يحدث إرادة نفسه ويختار الإرادة, يعني: أن يكون مريداً بنفسه, وإنما الله جل وعلا هو الذي خلق فيه القدرة وآلات القدرة، وخلق فيه الإرادة, وله الإرادة ومقتضيات الإرادة فإذن ما نتج عن خلق الله جل وعلا في الأمرين فهو مخلوق لله جل وعلا، ففعل العبد نتج عن الإرادة والقدرة, وهما مخلوقان, فنتج شيء عن خلق الله جل وعلا؛ فإذن هو مخلوق لله جل وعلا؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل العمل نتيجة للقدرة والإرادة.

مثل النبات, أنزل الله جل وعلا من السماء ماءً, فأنبت به أزواجاً من نبات شتى، الماء نزل، الأرض موجودة، بالماء بسبب الماء، وبسبب الأرض؛ خرج النبات فهل يقال: إن النبات خلقه الماء والأرض؟! ليس كذلك باتفاق المسلمين، باتفاق الناس. لم؟! لأنه نتيجةلنزول الماء الذي هو مخلوق, باتفاق القدرية وأهل السنة, ونتيجة لنزول الماء على الأرض والتراب, والتراب والأرض مخلوق باتفاق أهل السنة والجماعة والقدرية والناس جميعاً، فإذا كان كذلك كان ما ينتج عنهما وهو النبات إيش؟! مخلوق؛ لأنه نتج عن شيئين اجتمعا, الماء والتراب, وما نتج عن مخلوقين فهو إذن له نفس الحكم.

إذا تبين ذلك, فإذن نقول: أهل السنة والجماعة في تقريرهم لخلق أفعال العباد استدلوا بالآية كم ذكرنا لكم من قبل: ] اللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ [
وبقوله تعالى: ] وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [.
وأيضاً استدلوا بهذه القاعدة وهو أن عمل العبد لا ينتج إلا عن هاتين الصفتين؛ لهذا الله جل وعلا إذا لم يعط العبد القدرة؛ فإنه يرفع عنه التكليف: ((صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً)).

] لَّيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ [ وإذا لم يعطه الإرادة كان مجنوناً لا يريد أو كان صغيراً, إرادته لا تتوجه إلى شيء بجزم عن عقل؛ فإنه أيضاً يكون التكليف مرفوعاً عنه؛ لأن الفعل لا يتوجه إليه. الحقيقة إذن أن العبد ابتلي بهذه الصفات التي فيه, ابتلي بالصفات الجسمانية. هذه كلها ومنها صفة القدرة, وصفة الإرادة, إذن فتحصل لك أن معنى خلق أفعال العباد والدليل عليها هو ما ذكرنا من الأدلة من القرآن، ومن السنة قوله عليه الصلاة والسلام: ((إن الله صانع كل صانعٍ وصنعته)) يعني: صنع الناس, وصنع أيضاً ما يصنعون، ولهذا نقول: إن الدليل على خلق أفعال العباد واضح من الكتاب والسنة, وأيضاً مما قررنا لك من صفات الإنسان, وما ينتج عن ذلك من الدليل العقلي.
وثم بسط كثير في الاستدلال على هذه المسألة محله المطولات.

المسألة الثامنة من مسائل القدر.. هذه ألفاظ ترد معك في مباحث القدر, فلابد أن تعرفها بوضوح, ثم بعد ذلك إذا قرأت ما شئت من الكتب في باب القدر ستكون واضحة إن شاء الله تعالى لك.

المسألة الثامنة:

معنى الاستطاعة التي وصف الله جل وعلا بها المكلف ونفاها عن بعض, فقال في النفي: ] وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً [ والعبد مستطيع:] فَاتَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ [ فالعبد أثبتت له استطاعة, ونفيت عنه استطاعة، والاستطاعة التي أثبتها ربنا جل وعلا للعبد غير الاستطاعة التي نفاها، وهذه المسألة مسألة الاستطاعة فيها بحث طويل مع القدرية والجبرية معاً، وسيأتي تفصيل الكلام عليها إن شاء الله تعالى في آخر شرح الطحاوية؛ لأنه تعرض لها الطحاوي في أواخر هذه العقيدة المختصرة.

المسألة التاسعة:

في معنى إضلال الله - جل وعلا- من أضل وهدايته من هدى.

إذا كنا نقول: إن الإنسان غير مجبور على الضلال وغير مجبور على الهدى فما معنى قوله: ] يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ[؟! وهذا من احتجاجات الجبرية ما معنى:{مَن يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ما معنى:[مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ][2] ما معنى:] مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي [ ما معنى:] مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [ ونحو ذلك من الآيات التي فيها نسبة الإضلال والاهتداء؟![إحداثاً لله جل وعلا وفق مشيئته][3] سبحانه وتعالى وإرادته. هذه المسألة ضل فيها الناس, ومن أجلها ضلت الجبرية والقدرية, وهي مرتبطة في بيانها بمسألة التوفيق والخذلان، الله جل وعلا علق الإضلال بمشيئته, وعلق الهداية بمشيئته, ونعلم أن ما شاء الله كان, وما لم يشأ لم يكن، فما شاء الله جل وعلا خلقه، الذي يشاءه سبحانه وتعالى أن يكون؛ فإنه يكون, والذي يشاء سبحانه وتعالى ألا يكون؛ فإنه لا يكون.

إذا كان كذلك, فإن حدوث الهداية وحدوث الضلال نتيجة لأشياء؛ ولذلك جاء لفظ التوفيق والخذلان في النصوص.

جاء لفظ التوفيق في القرآن في قوله تعالى: ] وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ [ ونحو ذلك,فالله جل وعلا يوفق من يشاء، ويخذل -سبحانه وتعالى- من يشاء، ما معنى وفق وخذل؟ وما صلتها بيهدي الله من يشاء ويضل من يشاء؟
إذا تبين لك معنى التوفيق والخذلان؛ فإنه سيتبين لك بوضوح معنى أن الله جل وعلا يضل من يشاء ويهدي من يشاء سبحانه وتعالى.

التوفيق عند أهل السنة والجماعة وإمداد الله جل وعلا العبد بعونه, يعني: بإعانته, وتسديده, وتيسير الأمر, وبذل الأسباب المعينة عليه. فإذن التوفيق فضل؛ لأنه إعانة، وأما الخذلان فهو سلب التوفيق، فهو سلب الإعانة, يعني: التوفيق إعطاء، مَنٌّ، كرم، وأما الخذلان فهو عدل وسلب؛ لأن العبد أعطاه الله جل وعلا القُدَر، أعطاه الصفات، أعطاه ما به يحصل الهدى، أعطاه الآلات, يسر له, أنزل عليه الكتب؛ فلذلك هو بالآلات التي معه قامت عليه الحجة, لكن الله جل وعلا ينعم على من يشاء من عباده بالتوفيق فيعينهم, ويسددهم, ويفتح لهم أسباب تحصيل الخير, ويمنع من شاء ذلك, فلا يسدده ولا يعينه ولا يفتح له أسباب الخير, بل يتركه ونفسه، وهذا معنى أنه جل وعلا يخذله, يعني: لا يعينه, يترك العبد وشأنه ونفسه, ومعلوم أن العبد عنده آلات يحصل بها الأشياء, لكن هناك أشياء ليست بيده, هناك أشياء لا يمكن له أن يحصلها, فهذه بيد من؟!

بيد الله جل وعلا؛ لأن الإنسان مرتبط قدره بأشياء كثيرة, من الأسباب التي تفتح له باب الخير مثل مثلاً أن يكون ذا أصحاب, أو أن ييسر له أصحاب يعينونه على الخير, مثل ألا يكون في طبعه الخلقي مزيد شهوة, إما شهوة كبر من كبائر القلوب, أو من كبائر البدن, هذه أشياء موجودة فيه خلقاً خارجة عن اختياره وتصرفه, فالله جل وعلا يوفق بعض العباد بمعنى: يعينهم, فييسر يعينهم على الأمر الذي يريدونه, إذا انفتح له باب خير وأراده فيحس العبد أنه أعين على ذلك، إذا أراد فعل أمر ما من الخير يسر الله جل وعلا له أسباباً تعينه, فانفتح له طريق الخير, وآخر لا حضرته الشياطين وغلبته على مراده وأطاعها؛ لأنه لم يزود بوقاية، بإعانة بتوفيق يمنعه من ذلك.

فإذن صار عندنا أن مسألة إضلال الله جل وعلا من يشاء هو بخذلان الله جل وعلا العباد. وهداية الله جل وعلا من يشاء بتوفيق الله جل وعلا بعض العباد، يعني: أعان هذا, وترك ذاك ونفسه, كونه جل وعلا أعان هذا, هو بمشيئته فإذن:{مَن يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ} من يشأ يضلله يعني: يسلب عنه التوفيق فيخذله, فينتج من ذلك أن الله جل وعلا خلق أو سلب عنه إعانته, سلب عنه تسديده, سلب عنه الأسباب أسباب الخير، سلب عنه غلق أبواب الشر من الكفر وما دونه، فإذن يكون ضالاً ضلاله هو بفعل نفسه؛ لأنه وكل إلى نفسه, لكن الله جل وعلا لم يمن على هذا بمزيد توفيق.

فإذن مسألة الإضلال في كلام أهل السنة والجماعة عدل, ومسألة الهداية إيش؟! فضل. ولهذا أعظم الفضل والنعمة والإحسان نعمة التوفيق الذي هو في الحقيقة نعمة الهداية، فإذن نقول: إن ربنا جل وعلا منَّ على عباده المؤمنين فوفقهم, أعانهم سددهم هيأ لهم الأسباب التي توصلهم إلى الخير, حبب لهم العلم، حبب لهم الجهاد، حبب لهم الحكمة، حبب لهم الأمر والنهي، حب لهم أهل الخير… إلى آخره، حبب لهم كتابه مثلما جاء, وهذا التوفيق درجات أيضا, ففي البداية يكون فتح باب, وبعض الناس إذا انفتح له باب التوفيق نفسه فيها خُبْث فتنازعه للشر, فيكون بين هذا وهذا, وآخر نفسه فيها خير, فمن الخير الذي معه أنه ينتقل من توفيق إلى توفيق أعظم منه, حتى يصل بسبب عمله أن الله جل وعلا ينعم عليه بتوفيق زائد, ثم بتوفيق زائد, ثم بتوفيق زائد, مثلما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره: ((وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه, فإذا أحببته كنت سمعه -يعني وفق في سمعه- كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به, ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها)). هذا كله توفيق, مزيد إعانة في هذه الجوارح، الجوارح هذه هي التي عليها الحساب, والتي يحاسب العبد على ما صنعت جوارحه، إذن فحقيقة إضلال الله جل وعلا من شاء ليست جبراً, وهداية الله جل وعلا من شاء سبحانه وتعالى ليست جبراً, وإنما العبد عنده آلات, خوطب بالتكليف وعنده الآلات، ولو كانت جبراً لصارت التكاليف بعد الرسل، إنزال الكتب, الأمر والنهي, الجهاد لكان كل ذلك عبثاً, والله جل وعلا منزه عن العبث؛ لأن العبث سلب الحكمة وشر. والله جل وعلا الشر ليس إليه, لا في ذاته, ولا في أفعاله, ولا في صفاته جل وعلا.

] لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ [ فالله سبحانه وتعالى منزه عن العبث، يضل جبراً ! ويسلب العبد الاختيار بالمرة ثم يحاسبه! وينزل عليه الكتب! ويرسل الرسل ويأمره بالتكاليف، كيف يكون ذلك؟! يكون كالغريق الذي يقال له.

الشيخ: وأما الخذلان فهو سلب التوفيق، هو سلب الإعانة , يعني التوفيق , إعطاء، مَنّ، كرم، وأما الخذلان فهو عدل وسلب؛لأن العبد أعطاه الله جل وعلا القُدَر، أعطاه الصفات، أعطاه ما به يحصل به الهدى، أعطاه الآلات , يسر له , أنزل عليه الكتب و فلذلك هو بالآلات التي معه , بالآلات التي معه قامت عليه الحجة , لكن الله جل وعلا ينعم على من يشاء من عباده بالتوفيق , فيعينهم ويسددهم ويفتح لهم أسباب تحصيل الخير , ويمنع من شاء ذلك , فلا يسدده ولا يعينه , ولا يفتح له أسباب الخير , بل يتركه ونفسه , وهذا معنى أنه جل وعلا يخذله , يعني لا يعينه , يترك العبد وشأنه ونفسه , ومعلوم أن العبد عنده آلات يحصل بها الأشياء , لكن هناك أشياء ليست في يده , هناك أشياء لا يمكن له أن يحصلها , فهذه بيد من؟

بيد الله جل وعلا؛ لأن الإنسان مرتبط قدره بأشياء كثيرة من الأسباب التي تفتح له باب الخير , مثل مثلاً أن يكون ذا أصحاب , أو أن ييسر له أصحاب يعينونه على الخير , مثل ألا يكون في طبعه الخلقي مزيد شهوة , إما شهوة كبر من كبائر القلوب , أو من كبائر البدن , هذه أشياء موجودة فيه خلقاً , خارجة عن اختياره وتصرفه , فالله جل وعلا يوفق بعض العباد , بمعنى يعينهم فييسر لهم , يعينهم على الأمر الذي يريدونه , إذا انفتح باب خير وأراده فيحس العبد أنه أعين على ذلك، إذا أراد فعل خير , فعل أمر ما من الخير , يسر الله جل وعلا له أسباباً تعينه , فانفتح له طريق الخير وآخر لا، حضرته الشياطين وغلبته على مراده وأطاعها؛ لأنه لم يزود بوقاية، بإعانة , بتوفيق يمنعه من ذلك.

فإذن صار عندنا أن مسألة إضلال الله جل وعلا من يشاء هو بخذلان الله جل وعلا العباد . وهداية الله جل وعلا من يشاء بتوفيق الله جل وعلا بعض العباد، يعني أعان هذا وترك ذاك ونفسه , كونه جل وعلا أعان هذا هو بمشيئته , فإذن من يشأ الله يضلله قيل: من يشأ يضلله يعني [يسلب عنه التوفيق]* فيخذله , فينتج من ذلك أن الله جل وعلا سلب عنه إعانته, سلب عنه تسديده , سلب عنه الأسباب، أسباب الخير، سلب عنه غلق أبواب الشر من الكفر وما دونه، فإذن يكون ضالاً ضلاله هو بفعل نفسه؛ لأنه وكل إلى نفسه , لأن الله جل وعلا لم يمن على هذا بمزيد توفيق.

فإذن مسألة الإضلال في كلام أهل السنة والجماعة عدل , ومسألة الهداية (إيش؟) فضل , ولهذا أعظم الفضل والنعمة والإحسان نعمة التوفيق الذي هو في الحقيقة نعمة الهداية، فإذن نقول: إن ربنا جل وعلا منّ على عباده المؤمنين , فوفقهم , أعانهم وسددهم , هيأ لهم الأسباب التي توصلهم إلى الخير , حبب لهم العلم، حبب لهم الجهاد، حبب لهم الحكمة، حبب لهم الأمر والنهي، حب لهم… إلى آخره، حبب لهم كتابه مثلما جاء .

وهذا التوفيق درجات أيضا , ففي البداية يكون فتح باب , وبعض الناس إذا انفتح له باب التوفيق نفسه فيها خُبْث فتنازعه للشر , فيكون بين هذا وهذا , وآخر نفسه فيها خير , فمن الخير الذي معه أنه ينتقل من توفيق إلى توفيق أعظم منه , حتى يصل بسبب عمله أن الله جل وعلا ينعم عليه بتوفيق زائد , ثم بتوفيق زائد , ثم بتوفيق زائد , مثلما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره: ((وما تقرب إليّ عبدي أحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه , فإذا أحببته كنت سمعه)) يعني وفق في سمعه ((كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به , ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها))، هذا كله توفيق , مزيد أعانه في هذه الجوارح، الجوارح هذه هي التي عليها الحساب , والتي يحاسب العبد على ما صنعت جوارحه، إذن فحقيقة إضلال الله جل وعلا من شاء ليست جبراً , وهداية الله جل وعلا من شاء سبحانه وتعالى ليست جبراً , وإنما العبد عنده آلات , خوطب بالتكليف وعنده الآلات، ولو كانت جبراً لصارت التكاليف، بعث الرسل، إنزال الكتب، الأمر والنهي، الجهاد، لكان كل ذلك عبثاً , والله جل وعلا منزه عن العبث؛ لأن العبث سلب الحكمة , وشر , والله جل وعلا الشر ليس إليه لا في ذاته ولا في أفعاله ولا في صفاته جل وعلا.

] لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ [ فالله جل وعلا منزه عن العبث، يضل جبراً ويسلب العبد الاختيار بالمرة , ثم يحاسبه وينزل عليه الكتب ويرسل الرسل , ويأمره بالتكاليف، كيف يكون ذلك؟! يكون كالغريق الذي يقال له: إياك أن تبتل بالماء، وهذا والعياذ بالله هو حقيقة قول الجبرية الذين قال قائلهم:

ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء

وهذا ينزه عنه الحكيم الخبير جل جلاله , من عرف صفات الله جل وعلا وعلم حكمته , فإن القول بالجبر في حقيقة الأمر إبطال للتكاليف , أو رجوع إلى أفعال الله جل وعلا بأنها لعب ولا حكمة فيها , ولا توافق غايات محمودة، والله جل وعلا منزه عن ذلك.

المسألة العاشرة: في إثبات الأسباب:

وأن أفعال الله جل وعلا معللة , وأن الله سبحانه وتعالى يفعل الفعل لعلة , ويأمر بالأمر لعلة، وهذه العلة هي حكمته جل وعلا لإيجاد ذلك الشيء، وهذا في الأمور الكونية وفي الأمور الشرعية، فما أحدثه الله جل وعلا في ملكوته أمراً فحدث فله حكمة جل وعلا من إيجاده , وما أمره جل وعلا في الشرع , من الأحكام التشريعية , أو نهي عنه فهو لعلة , فالله سبحانه يأمر في الشرع بما مصلحته راجحة , أو تامة , وينهى في الشرع عما مفسدته تامة أو راجحة .

فإذن أهل السنة والجماعة يثبتون التعليل في أفعال الله جل وعلا , وأن أفعال الله سبحانه وتعالى الكونية , وأوامره الكونية والشرعية , كلها مرتبطة بحكم عظيمة كما قال سبحانه: ] حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِـي النُّذُرُ [ .

إذا تبين ذلك ففي القرآن إثبات أفعال الله جل وعلا معللة , وتنزيه الله جل وعلا عن أن يفعل الفعل , لا لعلة , كما قال سبحانه: ] وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ [ وقال أيضاً جل وعلا في السماوات والأرض: ] مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ [، وقال جل وعلا ] ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [ وفي الأشياء الشرعية، الأوامر والنواهي الأدلة على التعليل كثيرة جداً جداً.

المقصود من هذا أن الله سبحانه وتعالى إذا كانت أفعاله معللة، فأفعاله جل وعلا لم يفعلها في مخلوقاته مباشرة دون وسائط , بل جعل الله جل وعلا إيصال الفعل إلى نهايته منوطاً بأسباب , وكل سبب يحدث مسبباً، ولهذا قال أهل السنة بإثبات التعليل في أفعال الله جل وعلا والأسباب , وأما أهل البدع من الجبرية وغيرهم فإنهم ينفون العلل , وبالتالي ينفون الأسباب , ولذلك يقال للجبرية الأشاعرة ومن نحا نحوهم نحوهم يقال لهم: نفاة الأسباب , وهم في الحقيقة نفاة التعليل , يقولون: أفعال الله جل وعلا غير معللة , فإذن السبب لا ينتج المسبب , ولكن يحدث المسبب عند الالتقاء . وهذا أيضاً قول يعني في نفي الأسباب والتعليل قول ابن حزم وجماعة من الذين ظاهرهم متابعة الحديث.

إذا تبين ذلك فإن حقيقة السبب بأن الله جل وعلا يخلق شيئاً , ويأمر بشيء أمراً كونياً , ويكون ذلك سبباً لأشياء كبيرة , فمثلاً إنزال المطر من السماء , الله جل وعلا أمر بإنزاله , وفي إنزاله لله جل وعلا حكمة , وأمره سبحانه وتعالى بأن ينزل هذا الماء على الأرض مرتبط بعلة؛ لأن الأرض حياتها بالماء، وأيضاً إنزال المطر على هذه الأرض المعينة مرتبط بعلة، الله جل وعلا يعلمها كما قال جل وعلا: ] وَلَقَدْ صَرَّفْنَاه بينهم ليذكروا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً [ .

إذا تبين ذلك، فالماء ينتج عن شيء آخر، نزول الماء، الماء سبب , والله سبحانه وتعالى بين أنه أنبت النبات بالماء ] فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ [ أنبتنا به ] فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ [ , ] فأخرجناه [ إذن صارت كلمة به هذه تدل على أن الإخراج بالماء , وأن الماء بسببه صار الإخراج , يعني الماء أنتج الإخراج , أما غير أهل السنة فماذا يقولون؟ يقولون: عند التقاء الماء بالأرض حصل النبات , فيفسرون حرف (ب) بكلمة عند , بنحو كلمة من الكلمات , فإذن عندهم عندية , ولذلك ينفون السبب , يقولون: لا , الماء لم ينبت إلا على المجاز العقلي , كما تقول: أنبت الماء البقل، والمنبت هو الله جل وعلا , لذلك يذكرون هذه القاعدة في كتب العقائد , وفي كتب البلاغة , ويسمونها المجاز العقلي , أنبت الربيع البقل (إيش) أو نحو ذلك.

فإذن نقول: إن الله جل وعلا من حكمته أنه خلق الأشياء وجعلها أسباباً لأشياء، خلق ماء الرجل وجعله سبباً لحمل المرأة , خلق اللباس وجعله سبباً للدفء , خلق السرابيل لعلة , خلق الأشياء لعلة , وهكذا فما من شيء تراه إلا وله حكمة حتى المؤذيات، حتى الهوام، حتى الحشرات، حتى ما تتأذى منه , وتظن أنه لا حكمة فيه، فإن فيه حكمة بالغة لله جل جلاله , وتقدست أسماؤه.

هذه كلها أسباب , والأسباب تحدث المسببات، إذن حقيقة قول نفاة الأسباب أنهم يقولون: إن السبب يحدث المسبب عند الالتقاء , لكن لا ينتجه بالاقتضاء، يعني لا ينتجه بما جعل الله جل وعلا فيه من التأثير , ويمثلون لذلك بالسكين التي يحملها الحامل لقطع الخبز، فيقولون: هذه السكين لما أمرها الحامل على الخبز قطعت الخبز؛ فإن في الواقع السكين ما قطعت الخبز عندهم حسب ما يقررون والعياذ بالله، يقولون: إن السكين (اللي) قطع في الواقع هو الحامل (اللي) حمل السكين، لكن صارت هذه لما التقت السكين بالخبز انقطع؛ لأجل أن الحامل أمرها فيقولون: لما التقى الرجل بالمرأة جامع الرجل المرأة , وأذن الله بالحمل , حملت سواء بماء أو بغير ماء، الماء عنده حصل الحمل لما نزل الماء على الأرض نبتت .

فإذن عندهم عندية , وهؤلاء نفاة الأسباب، وكثير من التفاسير مشحونة بهذا في مسائل القدر , وأنا يعني عرضت لمزيد من هذه التفاصيل؛ لأنك تنتبه للتفاسير، كثير من الناس يحذر من مسائل التأويل , ومعلوم أن مذهب أهل السنة والجماعة وما في النصوص ليست هي مسائل التأويل فقط، يعني المخالف خالف في التأويل، لكن مسائل القدر أهم، مسائل القدر في التفاسير أهم , لا لأنها أعظم من مسائل الصفات؛ ولكن لأجل خفائها على الناس , فهي خفية , الآيات؛ آيات الإضلال، الهداية، آيات الأسباب , آيات أفعال الله جل وعلا , الصفات كلها تجد عند في أكثر التفاسير فيها خلط وخبط وخروج عن طريقة أهل السنة والجماعة , رفع الله مراتبهم.
وأنت بعد ذلك تستفصل إن شاء الله وتزداد من هذه الأصول.

المسألة الحادية عشرة: في أنواع التقدير:

التقدير ذكرنا لك أنه أربع مراتب , ومنها مرتبة الكتابة، ومرتبة الكتابة جاء في الحديث أنها التقدير كما في قوله عليه الصلاة والسلام: ((قدّر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة , وكان عرشه على الماء)) يعني: كتب , ولهذا نقول: مراتب التقدير يعني مراتب الكتابة، الله جل وعلا جعل كتابته للأشياء لها خمس أحوال:

أولها: وأقدمها وأعظمها , كتابة الله جل وعلا مقادير الخلائق قبل أن خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة في اللوح المحفوظ، هذه هي الكتابة التي كانت قبل الخلق , وهذه الكتابة لا تتبدل ولا تتغير , رفعت الأقلام وجفت الصحف , سيجد العبد ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ من خير أو شر، وهذه مر معنا جمل أدلة عليها وبعض التفصيل لها.

الثانية: كتابة لمقادير الخلق من حيث الشقاوة والسعادة , ومن حيث الرزق والأجل , ونعني بالخلق خاصة المكلفين، وهذه التي تأتي فيها أحاديث الميثاق , وأن الله جل وعلا استخرج ذرية آدم من صلبه فنثرهم أمامه كهيئة الذر , وأخذ عليهم ألا يشركوا به شيئاً سبحانه وتعالى , وقبض قبضة إلى الجنة وقبضة إلى النار , وكتب أهل الجنة , وكتب أهل النار , ونحو ذلك مما جاء في السنة من بيان ذلك.

هذا تقدير بعد الأول , وهو قبل أن يخلق جنس المكلفين , يعني من الإنسان , لما خلق الله جل وعلا آدم حصل ذلك، حصل هذا التقدير العام لهم.

الثالثة: هي التقدير العُمري , والعمري هو الذي يكون والإنسان في بطن أمه , فإن النطفة إذا صارت في الرحم وبلغت ثنتين وأربعين ليلة أتاها ملك , فأمره الله جل وعلا بكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد , وهذه أيضاً جاءت في حديث ابن مسعود المشهور الذي فيه: أن الملك يأتي بعد أربعين وأربعين وأربعين , يعني بعد عشرين ومائة، فيأتي فيكتب رزق الإنسان وأجله وعمله وأجله وشقي أو سعيد , يؤمر بكتب هذه الكلمات الأربع , هذه كتابة عمرية , هذه الكتابة العمرية هي تفصيل لما في اللوح المحفوظ؛ لأن الذي في اللوح المحفوظ شامل لكل المخلوقات , وهذا متعلق بهذا المخلوق المعين وحده، لهذا قال العلماء: إن هذه تفصيل ذاك للجميع , وهذا للإنسان المعين بخصوصه، قالوا: تفصيل , ولك أن تقول: تخصيص.

الكتابة الرابعة: الكتابة السنوية , والكتابة السنوية هي التي تكون في ليلة القدر، قال جل وعلا: ] حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [ تكتب فيها المقادير في هذه الليلة من السنة إلى السنة، (إيش) معنى ذلك؟ معناها أن الله جل وعلا يوحي إلى ملائكته بأن يكتبوا أشياء مما في اللوح المحفوظ , فتكون بأيديهم مما سيحصل للناس.

والخامسة: التقدير الأخير هو التقدير اليومي , واستدل له أهل العلم بقوله سبحانه: ] كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [.
إذا تبينت هذه المراتب فإنه قد ثبت في السنة أن الله جل وعلا يزيد في العمر , ينسأ في الأثر , يبسط في الرزق , فقال عليه الصلاة والسلام: ((من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه)) , يعني الرزق صار يتغير , والأثر, العمر صار يتغير، وقال أيضاً في الحديث الآخر: ((إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)) فمعناه فيه حرمان لبعض الرزق، وهذا معنى قول الله جل وعلا في سورة الرعد: ] يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [ فنظر أهل العلم في ذلك فقالوا: إن المراتب الثلاث الأول هذه لا تتغير ولا تتبدل، يعني الأول، السابق، القديم الذي في اللوح المحفوظ , وهؤلاء إلى الجنة، وهؤلاء إلى النار , وكذلك كتب الملك للكلمات الأربع .

لهذا جاء في آخر الحديث مؤكداً عليه الصلاة والسلام على أنها لا تتغير: ((وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب , فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)).

الثلاث الأول هذه لا تتغير , (إيش اللي) يتغير ويتبدل ويحدث فيه المحو والإثبات والزيادة , إلى آخره، ويؤثر فيه الدعاء , وتؤثر فيه الأعمال الصالحة , هذا التقدير السنوي، والتقدير السنوي في الحقيقة هو من التقدير الأول , ومن اللوح المحفوظ , لكنه في اللوح المحفوظ وجد معلقاً , فصار بأيدي الملائكة معلقاً , وأما التقدير العمري فهو ما فيه النهاية , يعني ما كتبه الله جل وعلا بما فيه نهاية العبد , وما فيه نتيجة أثر الدعاء وأثر الأعمال , إلى آخره مما قد يكون متغيراً.
إذن فقوله جل وعلا: ] يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ [ يعني مما في أيدي الملائكة من الصحف , ] يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ [ وكذلك من التقدير اليومي.

إذا كان كذلك فهذا به تفهم الأحاديث التي فيها تغيير الرزق , وتغيير العمر والنسء في الأثر , أو حرمان الرزق بالذنب , ونحو ذلك , ومنه أيضاً تفهم قول عمر -t- فيما جاء عنه: "اللهم إن كنت كتبتني شقياً فاكتبني سعيداً" يعني فيما يتعلق بتلك السنة من الإضلال والهداية.
هذه إحدى عشرة مسألة لعل فيها بياناً لما تحتاج إليه في هذا الركن من أركان الإيمان.
[ردا على مداخلة غير مسموعة: نعم .
ـ ...........................
ـ (غير مسموع) أخرج الذرية هذا من ظهر آدم هؤلاء إلى الجنة , وهؤلاء إلى النار , هذا من جنس الخلق .
ـ (غير مسموع) أجل .
ـ كيف؟
ـ (غير مسموع) الشقاء والسعادة .
ـ لا من حيث الشقاء والسعادة والأجل والرزق ]

التقدير الثاني: الأخ نبهني جزاه الله خيراً , التقدير الثاني من حيث الشقاوة والسعادة قلت أنا والأجل والرزق تشطبون عليها، هي من حيث الشقاوة والسعادة , الأحاديث كلها فيها أهل الجنة وأهل النار، أما الرزق والأجل إلى آخره فهذه تحتاج إلى مزيد؛ لأنه لما أخرجت الذرية من ظهر آدم رأى آدم -u- ابنه داود فقال: ما لا بني هذا كذا فذكروا له أن عمره كذا فقال: أعطه يا ربي من عمري أربعين سنة . كذا (إيه) فربما فتراجع هل يدخل فيها الأجل أم لا؟ الأحاديث , جملة الأحاديث في الشقاوة والسعادة , وأهل الجنة وأهل النار , سواء أحاديث الميثاق أو غيرها.
لعل في هذه كفاية إن شاء الله .

وأسأل الله سبحانه أن ينور قلبي وقلبكم بعلم سلفنا الصالح , وأن يزيدنا من العلم النافع , وأن يوفقنا لحسن الظن به جل وعلا، وحسن التوكل عليه , وعظم العلم به , وحسن العمل , إنه سبحانه جواد كريم، سميع قريب , وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.


[1] الآية الصحيحة :{سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للمتقين} [الحديد: 21]
[2] هذه الآية خطأ والصواب{ومن يهد الله فهو المهتد}[الإسراء :97]

[3] هذا الجزء ساقط من الشريط
* ما بين المعقوفتين غير مسموع في الشريط .


  #6  
قديم 5 ربيع الأول 1430هـ/1-03-2009م, 10:27 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية للشيخ: يوسف بن محمد الغفيص (مفرغ)


يؤمن أهل السنة والجماعة بأن الله سبحانه وتعالى كتب مقادير كل شيء في اللوح المحفوظ، وأن ما كتبه كائن لا محالة، وأنه لو اجتمعت الأمة على تغيير شيء مما قدره الله ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، فعلى المسلم أن يلزم الطاعة ويؤمن بما قدره الله عليه؛ فإن ذلك خير له في عاجله وآجله.

مسائل في القدر
قال المصنف رحمه الله: [وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً وفكراً ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين] . لفظة: (وأصل القدر سر الله في خلقه)، فيها أثر عن علي ، ويؤثر عن علي رضي الله تعالى عنه أحرف كثيرة في القدر، وجمهور هذه الأحرف لا تصح عنه، وقد تنسب إليه المعتزلة والشيعة وحتى كثير من الصوفية أحرفاً في أحوالهم ومسائلهم التي يقررونها. وهذه الكلمة ليس عليها أثر من أثر الرسل والأنبياء، وعليه: فهذه الجملة إذا أطلقت وفسرت بمراد صحيح كان الأمر فيها واسعاً، وأما أن تعد من عبارات أهل السنة ومقالاتهم أو من آثار الصحابة فلا. وجمهور من يستعمل هذه الجملة هم الصوفية في كتبهم، والشارح مع جودته وإتقانه إلا أنه غلط فنقل عن بعض الصوفية في ذلك نقولاً ليست حسنة، ومما نقل عن بعضهم: أن من وقف عن الكشف في ذات الله وأسمائه لزم الأدب، وأن الله يقول: من كشفت له عن حقيقة ذاتي ألزمته العطب. فنقل هذا مستحسناً له قابلاً له، ولا شك أن هذا كله من كلام الصوفية وأغلاطهم؛ بل وترهاتهم. وقوله: (لم يطلع على ذلك) أي: على تمام هذا الأصل؛ لأنه من علم الله سبحانه وتعالى، وعلمه لا يحاط به. ......

التحذير من التعمق في القدر
وقوله: (والتعمق) يدل على قدر من الزيادة، وهو نوع من الغلو، وقد قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في الصحيح: (هلك المتنطعون) ، وقال: (إياكم والغلو في الدين) ، إلى غير ذلك.

التفصيل في حكم النظر
وقوله: (والنظر)، أقول: النظر ليس مذموماً في الشرع، وهو حرف لا يدل على تعدٍ على أمر الله أو دليل الشارع، وإن كان النظر ليس هو أول الواجبات، بل ولا يجب على كل أحد، وإنما ذكر الله سبحانه وتعالى النظر في حق من شاب توحيده أو معرفته شيء من الإشكال، فإنه يؤمر بالاعتبار والنظر حتى يصحح ما عرض له من الإشكال، كقوله سبحانه: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا}[الأعراف:184] {أَوَلَمْ يَنظُرُوا} [الأعراف:185] إلى غير ذلك. فالنظر ليس مذموماً على الإطلاق، وليس واجباً على كل أحد فضلاً عن أن يقال: إنه أول الواجبات، ولهذا قرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الأصل عدم الوجوب، ولكن من عرضت له حال لا تزول إلا بالنظر، فإنه يكون واجباً عليه من هذا الوجه، ويكون المشروع هنا هو النظر الشرعي. وفرق بين النظر الشرعي والنظر الذي يذكره علماء الكلام؛ فإنهم يذكرون النظر على مقدماتهم الكلامية، وأما النظر الشرعي فهو المذكور في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:185] ، ومن ذلك ما كان لإبراهيم عليه الصلاة والسلام في محاجته لقومه، فإنه أبطل ما هم فيه من الكفر والشرك بحجج من النظر، وهي المذكورة في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ}[الأنعام:75] .
وقوله: (فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً)؛ هذه الكلمة لو لم يعبر بها لكان أجود، فإن النظر في هذا الباب ليس مذموماً على الإطلاق، وإنما بالغ في ذم النظر بعض الصوفية الذين زعموا أن هذا باب لا يكشف إلا لبعض العارفين، والحق أن الله سبحانه وتعالى بيَّن أصول القدر وأصول العلم بهذا الباب في كتابه، وبيَّن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بياناً شرعياً موافقاً للعقل، وهذه أجوبته صلى الله عليه وسلم في ذلك، ولما خاصمت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر نزل قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:49] كما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه. وقد ثبت في السنن أن النبي عليه الصلاة والسلام خرج ذات يوم وطائفة من أصحابه يختصمون في القدر فنهاهم عن ذلك، فقول من قال: إن الصحابة خاصموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر، غلط بالإجماع، بل إن الذين خاصموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر هم المشركون، وإذا كان طائفة من الصحابة اختصموا فيما بينهم في بعض مسائل القدر، فلا يعني ذلك أنهم مخاصمون فيها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ثم إن مثل هذه الأحوال التي تعرض -كخصومة بعض الصحابة لبعض في القدر- لا تعرض لأئمة الصحابة كـأبي بكر و عمر و عثمان و علي رضي الله عنهم، وإنما هي حال تعرض لبعض من هو دونهم في الفقه والإمامة في العلم.

خفاء باب القدر مع العلم بأصوله
وقوله: (فإن الله طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23] ). كلامه من هذا الوجه صحيح، لكن معلوم أن القدر ليس مقصوراً على مسألة السؤال، كما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}[الأنبياء:23] ، لكن ثمة أصول من القدر معلومة، ومعلوم أن أبا جعفر رحمه الله لا يريد أن يثبت أن هذا الباب مجهول على الإطلاق، ولكنه استعمل هذه التعبيرات التي يعبر بها على هذا الوجه من الإطلاق طوائف من الصوفية، وهذا ليس بحسن، لكنه يختلف عنهم في المقصود.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
وأصل, قوله

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:08 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir