دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > بيان المُستشكل > تفسير آيات أشكلت لابن تيمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م, 07:39 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي قوله تعالى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا}....

فصل
في قوله تعالى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} الآية وقال تعالى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ}.
وقال تعالى {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
روى ابن أبي حاتم في هذه الآيات الثلاث ثنا أبو سعيد الأشج ثنى
[تفسير آيات أشكلت: 1/335]
ابن فضيل عن الحسن بن عبيد الله عن جامع بن شداد عن الأسود بن هلال عن عبد الله بن مسعود في قوله {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} قال هي لا إله إلا الله.
[تفسير آيات أشكلت: 1/336]
قال وروي عن عبد الله بن عباس وأبي هريرة وعلي بن الحسين
[تفسير آيات أشكلت: 1/337]
وسعيد بن جبير والحسن وعطاء ومجاهد وأبي صالح ذكوان ومحمد بن كعب القرظي
[تفسير آيات أشكلت: 1/338]
والنخعي والضحاك والزهري وعكرمة وزيد بن أسلم وقتادة مثل ذلك.
[تفسير آيات أشكلت: 1/339]
والسيئة قال ثنا محمد بن عُزيز الأيلي حدثني سلامة عن عُقيْل عن ابن شهاب قال قال عقبة بن
[تفسير آيات أشكلت: 1/340]
عامر تلقاني أصحابي فقالوا قال النبي صلى الله عليه وسلم {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} قال هي كلمة الإشراك وكذلك روى الوالبي عن ابن عباس قال هي الشرك.
قال وروي عن عبد الله بن مسعود وأنس بن
[تفسير آيات أشكلت: 1/341]
مالك وأبي وائل وعطاء والحسن وسعيد بن جبير وعكرمة والنخعي وأبي صالح والزهري وزيد بن أسلم
[تفسير آيات أشكلت: 1/342]
ومحمد بن كعب والسدي وقتادة والضحاك مثله.
وذكر في قوله {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فذكر بإسناده عن السدي من جاء بالسيئة فجزاؤها سيئة مثلها من جميع الذنوب وذلك عند الحساب إذا حوسب ألقِيَ بدل كل حسنة عشر سيئات فإن بقيت حسنة واحدة أضعفت له ودخل بها الجنة وإن كانت سيئاته عند المقاصة إذا ألقيت عشرًا بحسنة أكثر من حسناته فزادت سيئة
[تفسير آيات أشكلت: 1/343]
واحدة كان جزاؤه النار إلا أن يغفر الله سبحانه له.
وتضعيف الحسنة إلى عشر أمثالها وإلى سبعمائة ضعف قد ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس وأبي هريرة وأبي ذر
[تفسير آيات أشكلت: 1/344]
وأن السيئة لا يُجزى العبد إلا مثلها وأن الهمَّ بالحسنة حسنة والهمَّ بالسيئة لا يكتب حتى يعملها فتكتب سيئة واحدة وإن تركها لله وخوفًا منه كتبت له حسنة.
وجاء هذا التفصيل في أعمال كثيرة كقوله في حديث عبد الله بن عمرو وصم من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر الحسنة بعشر أمثالها
[تفسير آيات أشكلت: 1/345]
وفي حديث آخر صوم شهر الصبر وصيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر وقال من صام رمضان وأتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر الحسنة بعشر أمثالها.
[تفسير آيات أشكلت: 1/346]
فهذا لأن مجموع صيام رمضان والستة الأيام من بعده يعدل صيام الدهر فإنه صام ستة وثلاثين يومًا بثلاثمائة وستين يومًا وكذلك صيام ثلاثة أيام من كل شهر.
وفي أحاديث المعراج في الصلوات هي خمس وهي خمسون الحسنة بعشر أمثالها لا يبدل القول لدَيَّ فهي خمس في العمل وخمسون في الأجر.
فالذين قالوا إن الحسنة هي التوحيد والسيئة هي الشرك كما ذكر ذلك عن الصحابة والتابعين ولم يذكر في ذلك خلافًا دليله قوله تعالى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} وذلك لأن جميع أعمال البر هي داخلة في التوحيد.
فإن التوحيد وهو معنى قول لا إله إلا الله هو أن يُعبد الله وهو تعالى
[تفسير آيات أشكلت: 1/347]
إنما يُعبد بما أمر به فهو العمل لله بأمر الله كما قال تعالى {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
فكل عمل من عمل البر فهو جزء من التوحيد ومن العمل لله ومن عبادة الله توحيده ومن فروع ذلك قال الله تعالى {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} إلى قوله تعالى {مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}.
فالكلمة الطيبة هي التوحيد وهي كالشجرة والأعمال ثمارها في كل وقت فجميع الأعمال الحسنة تضاعف لصاحبها وجميعها من عبادة الله وحده وهي من فروع قول لا إله إلا الله بل الأعمال تحقق قول لا إله إلا الله فإن الإيمان قول وعمل قال النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق.
فمن قال الحسنة لا إله إلا الله لم يرد أن هذه الكلمة وحدها هي الحسنة
[تفسير آيات أشكلت: 1/348]
دون العمل بمقتضاها بل هي عنده الشجرة الجامعة والأعمال داخلة فيها وفروع لها.
وكذلك السيئة هي العمل لغير الله وهذا هو الشرك فإن الإنسان همَّام حارث لا بد له من عمل ولا بد له من مقصود معبود يعمل لأجله فالعمل لله هو الإخلاص والتوحيد له والعمل لغيره هو الشرك وإن عمل لله ولغيره فذلك أيضًا شرك.
والذنوب كلها جزء من الشرك وهي من فروعه فإنها جميعها طاعة للشيطان واتباع لخطواته قال الله تعالى {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}.
وقال الشيطان {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ}.
وقد قال أبو هريرة سأل أبو بكر الصِّدِّيق النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه دعاء يدعو به إذا أصبح وأمسى فقال قل اللهم فاطر والسماوات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك رواه
[تفسير آيات أشكلت: 1/349]
أبو داود والترمذي والنسائي من حديث عمرو بن
[تفسير آيات أشكلت: 1/350]
عاصم قال الترمذي حديث حسن صحيح.
لكن إذا كان الإنسان موحدًا وقد فعل بعض الذنوب نقص إيمانه وتوحيده بحسب ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ومن ليس بمؤمن فليس بمخلص فإن المخلص لله مؤمن.
وقد روى البخاري عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن
[تفسير آيات أشكلت: 1/351]
النبي صلى الله عليه وسلم قال تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار تعس عبد القطيفة تعس عبد الخميصة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش إن أعطِيَ رضي وإن مُنعَ سخط.
وقال من حلف بغير الله فقد أشرك.
[تفسير آيات أشكلت: 1/352]
وقال الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل فقال أبو بكر فكيف ننجو منه يا رسول الله قال قل اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم.
[تفسير آيات أشكلت: 1/353]
فهذا ما يخفى على الإنسان في نفسه فكيف بما لا يخفى لكن إذا لم يعدل بالله غيره فيحب غير الله مثل ما يحب الله بل كان الله أحب إليه وأخوف عنده وأرجى عنده من كل مخلوق فهذا قد خلص من الشرك الأكبر وأما الشرك الأصغر فلا يخلص منه إلا من خلص من الذنوب كلها.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل
[تفسير آيات أشكلت: 1/354]
الجنة ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة.
وقال أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصًا من قِبَلِ نفسه.
وقال من شهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما فيحجب عن الجنة.
وقال من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله حرم الله عليه النار.
وقال ما من أحدٍ يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صدقًا من قلبه إلا
[تفسير آيات أشكلت: 1/355]
حرمه الله على النار.
وحقيقة التوحيد انجذاب الروح إلى الله تعالى فمن شهد أن لا إله إلا الله خالصًا من قلبه وهو أن ينجذب بكليته إليه دخل الجنة لأن إخلاصه يجذب قلبه إلى الله فيتوب من الذنوب إليه فإذا مات على هذه الحال دخل الجنة.
وثبت عنه أنه قال اخرُج فمن لقيته يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه فبشره بالجنة.
[تفسير آيات أشكلت: 1/356]
وقال لا يشهد أحد أنه لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو قال فتطعمه النار.
وقال ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة وإن زنا وإن سرق إذا تاب وندم قبل الموت وقالا لا إله إلا الله.
وقال الموجبتان من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة ومن مات
[تفسير آيات أشكلت: 1/357]
يشرك بالله شيئًا دخل النار.
فهذه الأحاديث إنما هي فيمن قالها ومات عليها كما جاءت مقيدة فإنه قد تواترت الأحاديث بأنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة وما يزن خردلة وما يزن ذرة بل كثير ممن يقول لا إله إلا الله يدخل النار أو أكثرهم ثم يخرج منها.
وتواترت الأحاديث بأنه يحرم على النار من قال لا إله إلا الله ومن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ولكن جاءت مقيدة بالإخلاص
[تفسير آيات أشكلت: 1/358]
واليقين وبموتٍ عليها فكلها مقيدة بهذه القيود الثقال.
وأكثر من يقولها لا يعرف الإخلاص ولا اليقين ومن لا يعرف ذلك يُخشى عليه من أن يفتن عنها عند الموت فيحال بينه وبينها.
وغالب من يقولها إنما يقولها تقليدًا أو عادة ولم يخالط الإيمان بها بشاشة قلبه وغالب من يفتن عند الموت وفي القبور أمثال هؤلاء كما في الحديث الصحيح فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته.
وغالب أعمال هؤلاء إنما هي تقليد واقتداء بأمثالهم وهم أقرب الناس من
[تفسير آيات أشكلت: 1/359]
قوله تعالى {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يزال مدفوع عنهم بلا إله إلا الله ما لم يؤثروا الدنيا على الآخرة فإذا آثروا الدنيا على الآخرة ردها الله عليهم وقال كذبتم لستم من أهلها كما قد بسط هذا في مواضع وبين فيها أهل الإخلاص واليقين في توحيد الله من غيرهم.
وحينئذٍ فلا منافاة بين الأحاديث فإنه إذا قالها بإخلاص ويقين ومات على ذلك امتنع أن تكون سيئاته راجحة على حسناته بل كانت حسناته راجحة فيحرم على النار لأنه إذا قالها العبد بإخلاص ويقين تام لم يكن في هذه الحال مصرًّا على ذنب فإن كمال إخلاصه ويقينه يوجب أن يكون الله أحب إليه من كل شيء وأخوف عنده من كل شيء فلا يبقى في قلبه حينئذٍ إرادة لما حرم الله ولا كراهة لما أمر الله.
[تفسير آيات أشكلت: 1/360]
فهذا هو الذي يحرم على النار وإن كان له ذنوب قبل ذلك.
فهذا الإيمان وهذه التوبة وهذا الإخلاص وهذه المحبة وهذا اليقين وهذه الكراهة لا يتركون له ذنبًا إلا مُحِيَ عنه كما يمحي النهار الليل.
فإن قالها على وجه الكمال المانع من الشرك الأصغر والأكبر فهذا غير مصر على ذنب أصلًا فيغفر له ويحرم على النار.
وإن قالها على وجه خلص به من الشرك الأكبر دون الأصغر ولم يأت بعدها بما يناقض ذلك فهذه الحسنة لا يقاومها شيء من السيئات فيرجح بها ميزان الحسنات كما في حديث البطاقة فيحرم على النار ولكن تنقص درجته في الجنة بقدر ذنوبه.
[تفسير آيات أشكلت: 1/361]
وهذا خلاف من رجحت سيئاته على حسناته ومات على ذلك فإنه يستوجب النار وإن كان قال لا إله إلا الله وخلص بها من الشرك الأكبر لكنه لم يمت على ذلك بل قالها وأتى بعدها بسيئات رجحت على هذه الحسنات فإنه في حال قوله لها مخلصًا مستيقنًا بها قلبه تكون حسناته راجحة ولا يكون مُصِرًّا على سيئة فإن مات قبل ذلك دخل الجنة.
ولكن بعد ذلك قد يأتي بسيئات راجحة ولا يقولها بالإخلاص واليقين المانع من جميع السيئات ومن الشرك الأكبر والأصغر بل يبقى معه الشرك الأصغر ويأتي بعد ذلك بسيئاتٍ تنضم إلى ذلك الشرك فترجح سيئاته فإن السيئات تضعف الإيمان واليقين فيضعف بسبب ذلك قول لا إله إلا الله فيمتنع الإخلاص في القلب فيصير المتكلم بها كالهاذي أو النائم أو من يحسن صوته بآيةٍ من القرآن يُختبر بها من غير ذوق طعم ولا حلاوة.
فهؤلاء لم يقولوها بكمال الصدق واليقين بل قد يأتون بعدها بسيئات تنقص ذلك الصدق واليقين الضعيف وقد يقولونها من غير يقين وصدق تام ويموتون على ذلك ولهم سيئات كثيرة فالذي قالها بيقين وصدق تام إما أن لا يكون مُصِرًّا على سيئة أصلًا أو يكون توحيده المتضمن لصدقه ويقينه رجح
[تفسير آيات أشكلت: 1/362]
حسناته.
والذين دخلوا النار قد فات فيهم أحد الشرطين إما أنهم لم يقولوها بالصدق واليقين التام المنافي للسيئات أو لرجحانها على الحسنات أو قالوها واكتسبوا بعد ذلك سيئات رجحت على حسناتهم فضعف لذلك صدقهم ويقينهم فلم يقولوها بعد ذلك بصدق ويقين يمحو سيئاتهم أو يرجح حسناتهم.
فقول السلف في قوله {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} وقوله {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} هي قول لا إله إلا الله كما قالوا وكما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قالها بصدق ويقين ومات على ذلك فإن هذا يكون قائمًا بالواجب وتكون حسناته راجحة والسيئة التي من جاء بها كبَّ وجهه في النار هي الشرك فإن الله لا يغفر أن يشرك به والموجبتان من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة ومن يشرك به شيئًا دخل النار.
[تفسير آيات أشكلت: 1/363]
وكثير من الناس أو أكثرهم يدخل في الإيمان والتوحيد ثم ينافق من جهة كسب الذنوب ورينها على القلوب أو يدخل في نوع من الشرك والنفاق.
والشرك نوعان أكبر وأصغر فمن خلص منهما وجبت له الجنة ومن مات على الشرك الأكبر وجبت له النار ومن خلص من الأكبر وحصل له بعض الأصغر مع حسنات راجحة على ذنوبه دخل الجنة فإن تلك الحسنات هي توحيد كثير مع يسير من الشرك الأصغر ومن خلص من الشرك الأكبر ولكن كبر شركه الأصغر حتى رجحت به سيئاته دخل النار.
فالشرك يؤاخذ به العبد إذا كان أكبر أو كان كثيرًا أصغر فالأصغر القليل في جانب الإخلاص الكثير لا يؤاخذ به والخلاص من الأكبر ومن أكثر الأصغر الذي يجعل السيئات راجحة على الحسنات فصاحبه ناج ومن نجا من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله ورجحت حسناته على سيئاته دخل الجنة.
وأما قوله تعالى {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} الآية.
فقال أبو الفرج بن الجوزي السيئة هنا الشرك في قول عكرمة
[تفسير آيات أشكلت: 1/364]
وابن عباس وأبي وائل وأبي العالية ومجاهد وقتادة ومقاتل.
ولم يذكر خلافًا لأنه اعتقد أن القول الآخر يقتضي خلود أهل التوحيد في النار وليس هو قول أهل السنة فأعرض عنه كما أعرض في قوله {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} عن قول من قال تنظر إلى ثواب
[تفسير آيات أشكلت: 1/365]
ربها.
وكذلك البغوي أعرض في هذه الآية عن هذا القول.
فأما آية سورة البقرة {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً} يعني الشرك والإحاطة الإحداق بالشيء من جميع نواحيه.
قال ابن عباس وعطاء والضحاك وأبو العالية والربيع وجماعة هي الشرك يموت عليه.
[تفسير آيات أشكلت: 1/366]
وقيل السيئة الكبيرة والإحاطة يصر عليها فيموت غير تائب قال عكرمة والربيع بن خثيم.
وقال مجاهد هي الذنوب تحيط بالقلب كلما عمل ذنبًا ارتفعت حتى تغشى القلب وهي الرين.
وقال الكلبي أوبقته ذنوبه دليله قوله {إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ}
[تفسير آيات أشكلت: 1/367]
إلا أن تهلكوا.
قلت الصواب ذكر أقوال السلف وإن كان فيها مرجوح فهي أولى من ذكر أقوال المتأخرين وإن قدر أن ذلك القول ضعيف فالحجة تبين ضعفه فلا يعدل عن ذكر أقوالهم لكونها قد وافقها قول طائفة من أهل البدع فنذكر ضعفها ونبينه بالحجة.
وهو ينقلون عن بعض السلف أن هذه الآية أخطأ فيها الكاتب كما قالوا في قوله {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} إنما هي وَصَّى ربك
[تفسير آيات أشكلت: 1/368]
وكذلك قالوا في قوله {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} قالوا إنما هو ميثاق أهل الكتاب وكذلك هو في حرف عبد الله.
وقد أنكر بعضهم كثيرًا من القراءات وإن كانت هذه الأقوال خطأ.
[تفسير آيات أشكلت: 1/369]
ومن أنكر شيئًا من القرآن بعد تواتره استتيب فإن تاب وإلا قتل وأما قبل تواتره عنده فلا يستتاب لكن يبين له ذلك وكذلك الأقوال التي جاءت الأحاديث بخلافها فقهًا وتصوفًا واعتقادًا وغير ذلك مثل قول من قال إن الله لا يُرى ونحو ذلك.
هذا لو كانت أقوال السلف مصرحة بخلودٍ كخلود الكفار وليس ما يدل على ذلك فإنه تعالى قال {أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ولم يقل خالدون أبدًا.
[تفسير آيات أشكلت: 1/370]
وابن أبي حاتم ذكر الخلاف هنا ولم يذكره في آية الرؤية ولا في قوله {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} وأما عبد بن حميد وأمثاله من أئمة العلماء فذكروا أقوال السلف في هذا وهذا وهذا هو الصواب وهو إعطاء العلم حقه.
قال عبد الرحمن بن مهدي أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم.
[تفسير آيات أشكلت: 1/371]
قال ابن أبي حاتم ثنا أبو سعيد الأشج ثنا عبد الحميد الحِمَّاني ثنا رجل يعني النضر الخزاز عن عكرمة عن ابن عباس {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} قال الشرك.
قال أبو محمد وكذا رُوي عن أبي وائل وأبي العالية ومجاهد وعطاء وقتادة والحسن والربيع بن أنس وعكرمة.
[تفسير آيات أشكلت: 1/372]
وروي عن الحسن قول آخر قال السيئة الكبيرة من الذنوب الكبائر وروي عن السدي نحو ذلك.
وقال مجاهد أحاطت بقلبه وعن ابن عباس من رواية ابن إسحاق مثله وحدثني محمد بن أبي محمد عن سعد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} قال من عمل بمثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم به حتى يحيط به كفره فما له من حسنة.
[تفسير آيات أشكلت: 1/373]
وقال ثنا عبد الله بن إسماعيل البغدادي ثنا سريج بن يونس ثنا يحيى بن أبي بكر عن أبي بكر بن عياش عن يحيى بن أيوب عن أبي زرعة عن أبي هريرة {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} قال
[تفسير آيات أشكلت: 1/374]
أحاط به شركه.
قال ابن أبي حاتم وروي في تفسير هذا الحرف ثلاثة أقاويل:
أحدها ما تقدم روايتنا فيه وكذا فسره أبو وائل وعطاء والحسن في رواية عباد بن منصور.
والوجه الثاني ثنا أبو سعيد الأشج وأحمد بن سنان قالا ثنا
[تفسير آيات أشكلت: 1/375]
أبو يحيى الحماني ثنا الأعمش عن أبي رزين عن الربيع بن خثيم {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} قال الذي يموت على خطاياه قبل أن يتوب.
قال وروي عن السدي وأبي رزين والأعمش
[تفسير آيات أشكلت: 1/376]
نحو ذلك.
والوجه الثالث رواه من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال الكبيرة الموجبة قال وروي عن الحسن من رواية سَلام بن مسكين ومجاهد وقتادة والربيع بن أنس نحو ذلك.
[تفسير آيات أشكلت: 1/377]
قلت هؤلاء الذين جعلوا أصحاب الكبائر الذين يموتون عليها داخلين في هذا الوعيد لم يقولوا إنهم لا يخرجون من النار لا بشفاعة ولا غيرها كما ظنه من لم يجد أقوالهم.
بل الحسن البصري هو ممن قال ذلك وقد ثبت عنه في الصحيحين أنه روى حديث الشفاعة عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان.
[تفسير آيات أشكلت: 1/378]
فيكون عند هؤلاء {فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أي أن خلودهم فيها على قدر ذنوبهم ثم يخرجون منها.
وهو لم يقل أبدًا بل هذا خلود أهل الذنوب من أهل التوحيد.
وقد جاء لفظ التأبيد لأصحاب الذنوب في مثل قوله صلى الله عليه وسلم من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها
[تفسير آيات أشكلت: 1/379]
أبدًا الحديث.
وقد بسط الكلام على الفرق بين خلود أهل التوحيد وخلود المشركين في غير هذا الموضع وبين أن هؤلاء يخرجون من النار بالشفاعة وغيرها وأن أولئك لا يخرجون منها مع هؤلاء بل هم ماكثون فيها أبدًا.
لكن هل تفنى النار فيبقى عذابهم فيها على قولين كما قد روي عن غير واحد من الصحابة ما قد ذكر في غير هذا الموضع وبين ما دل عليه القرآن في نعيم الجنة وعذاب النار وما قاله الصحابة في هذا وهذا واختلاف الناس
[تفسير آيات أشكلت: 1/380]
هل يفنيان كما قاله الجهمية والهذيلية أو يدومان أبدًا أو يفنى العذاب دون النعيم كما قال كلا من هذين طائفة من السلف
[تفسير آيات أشكلت: 1/381]
والخلف.
وهذه الآية قال فيها {سَيِّئَةً} وقيدها بأن تحيط به خطيئته ولا نزاع أنه من أتى صغيرة ومات أنه غير مخلد في النار فإن هذا لم يقله أحد ممن تقدم ذكر قوله بل قالوا قولين قيل السيئة الشرك وقال الكبيرة الموجبة.
وحينئذ فيقال الوعيد في الآية متعلق بشيئين بكسب السيئة وإحاطة الخطيئة فإنه قال {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} وإحاطة الخطيئة تتضمن شيئين:
أحدهما أنها خطيئة موجبة وقد قرئ {خطيئاته} في القراءة المشهورة.
[تفسير آيات أشكلت: 1/382]
والثاني أنه مات عليها فإن أعظم الخطايا وهو الشرك لو تاب منه لتاب الله عليه ومجرد الإصرار على ذنب صغير لا يوجب هذا الوعيد فعلم أن إحاطة الخطيئة تتضمن أعظم الخطايا والموت عليها.
وقد فسرها السلف بهذا وبهذا ففسرها بالموت عليها كثيرون إما بالموت على الشرك وإما على غيره كما تقدم.
وقال مجاهد هي الذنوب تحيط بالقلب كلما عمل ذنبًا ارتفعت حتى تغشى القلب وهذا المعنى صحيح.
قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا أذنب العبد نكتت في قلبه نكتة سوداء فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وإن زاد زيد فيها حتى يعلو قلبه فذلك الران الذي قال الله تعالى {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} رواه الترمذي وغيره وهو صحيح.
[تفسير آيات أشكلت: 1/383]
والذي يغشى القلب يسمى رينًا وطبعًا وختمًا وقفلًا ونحو ذلك.
فهذا يراد به ما أصر عليه من الذنوب فلم يتب منها وهو معنى قول أولئك مات عليها وكذلك قول ابن السائب أوبقته ذنوبه أي أهلكته وإنما تهلكه إذا أصر عليها ولم يتب.
وإحاطة الخطيئة به إحداقها به بحيث لا يمكنه الخروج منها وهذا يكون لمن أصر عليها حتى مات وهذا هو البسل بما كسبته نفسه كما قال تعالى {وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} أي تحتبس عما فيه نجاتها في الدنيا والآخرة فإن المعاصي قيد لصاحبها وحبس له ومانع له عن الجولان في فضاء التوحيد وحائل بينه وبين أن يجني من ثمار الأعمال الصالحة فهو محبوس هاهنا وهناك في الآخرة.
قال أبو علي الفارسي
[تفسير آيات أشكلت: 1/384]
إما أن يكون المعنى أحاطت بحسنته خطيئته أي أحبطتها من حيث أن المحيط أكثر من المحاط به فيكون كقوله {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} وقوله {أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا}.
أو يكون معنى {وَأَحَاطَتْ بِهِ} أي أهلكته كقوله {إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ}.
قلت كلا المعنيين قد ذكرهما السلف.
فالأول قول مجاهد.
والثاني قول ابن السائب.
[تفسير آيات أشكلت: 1/385]
وهما متلازمان ولفظ أحاط به يدل على أنه مقهور مغلوب مع المحيط به لكن هلاكه يعرف من خصوص المادة فلما كان الذي يحيط به الذنوب فتغلب عليه أن يموت هالكًا قيل المعنى أوبقته ذنوبه.
وقوله في يوسف {إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} قيل إلا أن تهلكوا جميعكم وقيل إلا أن يحال بينكم وبينه فلا تقدرون على الإتيان به.
ويقال قد أحاط به العدو وقد أحيط به وقد أحاطت الديون بماله فاجتاحته والمعنى في الجميع الاستيلاء والقهر.
والخطيئة والخطايا إنما تحيط بصاحبها إذا لم يكن له منها مخرج بل وجب العذاب له لا محالة.
إذا تبين هذا فنقول أما من فسر ذلك بأن يأتي كبيرة ويموت عليها مُصرًّا فهو كقول من يقول إن صاحب الكبيرة مستحق للعذاب مطلقًا.
[تفسير آيات أشكلت: 1/386]
والذين قالوا هذا من السلف لم يقولوا إنه لا يخرج بشفاعة ولا غيرها لكن من المنتسبين إلى السنة من يقول إن صاحب الكبيرة المصر عليها مستوجب للعذاب مطلقًا كما يقولون إنه يفسق بالكبيرة التي يُصِر عليها.
وكذلك قاله طائفة من الخوارج والمعتزلة لكن يقولون إنه لا يخرج من النار لا بشفاعة ولا غيرها.
والأكثرون على خلاف هذا القول وأن الله سبحانه يزن حسنات العبد وسيئاته فقد ترجح الحسنات وإن كان في السيئات كبيرة وقد لا ترجح الحسنات لكثرة السيئات وإن لم يكن فيها كبيرة.
وعلى هذا القول دَلَّ الكتاب والسنة وهذا معنى وزن الأعمال وقوله {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ}.
وكثير من الناس في أصحاب الذنوب يجوزون أن تغفر لصاحب الكبيرة السيئات الراجحة مع تعذيب صاحب الصغيرة والحسنات الراجحة فهذه ثلاثة أقوال مشهورة وأصحها الوسط.
وعلى هذا فعلى تفسير مجاهد وابن السائب وغيرهما السيئة يدخل فيها
[تفسير آيات أشكلت: 1/387]
الشرك وغيره لكن إحاطة الخطيئة أن تغلب السيئات الحسنات ويموت عليها.
وعلى هذا القول فالخلود مجمل خلود أهل الشرك نوع وخلود أهل القبلة نوع كما قد فسرت النصوص النبوية هذا وهذا.
وعلى تفسير الأكثرين فالسيئة الشرك وهذا أظهر الأقوال لأنه سبحانه غاير بين لفظ المكسوب والمحيط فقال {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} فو كان المراد بهذا هذا لم يغاير بين اللفظين فعلم أن المراد بالسيئة الشرك والمشرك له خطايا أخر غير الشرك فذكر أن خطاياه أحاطت به فلم يتب منها.
وعلى هذا فيكون الخلود في الآية خلود الكفار ولهذا قابله بخلود المؤمنين فقال {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
وأيضًا فقوله {سَيِّئَةً} نكرة وليس المراد جنس السيئات بالاتفاق فلو كسب شيئًا من السيئات الصغائر ومات مُصِرًّا على ذلك مع إيمانه وكثرة حسناته لم يستحق هذا الوعيد بالكتاب والسنة والإجماع.
وأيضًا فلفظ السيئة قد جاء في غير موضع وأريد به الشرك.
[تفسير آيات أشكلت: 1/388]
وأيضًا فقوله {سَيِّئَةً} أي حالًا سيئة أو مكانة سيئة ونحو ذلك كما في قوله {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً} ليس المراد حسنة ما بل حسنة تعم الخير كله وهذا اللفظ قد يكون صفة وقد ينقل من الوصفية إلى الاسمية وهو معدول عن السَّايء وقد يستعمل لازمًا ومتعديًا فيقال ساء هذا الأمر وهو سيئ كما يقال قبح فهو قبيح وخبث فهو خبيث ولهذا يقال في مقابلته الحسنة وهي ما كانت في نفسها حسنة جميلة.
وقد يقال ساءني هذا الأمر وهذا مما يسوء فلانًا ومنه قوله {لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} وقوله {سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} وقوله عن لوط {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ}.
فالسيئة هي في نفسها قبيحة خبيثة وهي تسوء صاحبها أي تضره كما أن الحسنة تسر وتحسن صاحبها والذي هو سيئة مطلقًا لا تمحوه حسنته
[تفسير آيات أشكلت: 1/389]
هو الكفر فكان وصف السوء لازمًا له أي هو في نفسه سيئ ويسوء صاحبه وأما ما دون الكفر فقد يغفر لصاحبه فلا يسوؤه.
ولما قال {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} دل على أن السيئة ساءته ودخلت في الخطايا التي أحاطت به فلا يمكنه الخروج منها لا بحسنات أخر ولا بغيرها فإن الكفر لا يقابله شيء من الحسنات إلا التوبة منه بالإيمان.
وأيضًا فقد قال تعالى {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ} إلى قوله {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
قال ابن عباس عملوا الشرك وذلك لأنه وصفهم بأنهم كسبوا السيئات فقط ولو كانوا مؤمنين لكان لهم حسنات وسيئات.
وكذلك هنا لما قال {كَسَبَ سَيِّئَةً} ولم يذكر حسنة وهو سبحانه لا يظلم مثقال ذرة دل على أنها سيئة لا حسنة معها وهذا لا يكون إلا سيئة الكفر.
[تفسير آيات أشكلت: 1/390]
وقال في قوم لوط {وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} وكانوا كفارًا من جهات من جهة استحلال الفاحشة ومن جهة الشرك ومن جهة تكذيب الرسل ففعلوا هذا وهذا ولكن الشرك والتكذيب مشترك بينهم وبين غيرهم والذي اختصوا به الفاحشة فلهذا عوقبوا عقوبة تخصهم لم يعاقب غيرهم بمثلها وجعل جنس هذه العقوبة وهو الرجم في شريعة التوراة والقرآن عقوبة لأهل الفاحشة وهم عوقبوا بقلب المدينة والرجم وطمس الأبصار لما راودوه عن ضيفه.
وأيضًا فقد يقال فلان جاء بالفاضحة والموبقة والمهلكة والداهية وقد كسب فاضحة وداهية وجاء بالشنعاء ونحو ذلك وهو اسم لما يعظم من الأفعال فتكون خارجة عما يعتاد فكذلك لفظ السيئة قد يكون عامًّا وقد يكون مطلقًا فيراد به السيئة المطلقة التي لا تقبل المحو عن صاحبها بل هي مهلكته وموبقته وهذا هو الكفر.
والعموم نوعان عموم الجميع لأفراده وعموم الكل لأجزائه مثل ما إذا قيل أحسن إلى فلان وأكرمه ونحو ذلك فإن الفعل نكرة فمقتضى
[تفسير آيات أشكلت: 1/391]
هذا الفعل افعل معه إحسانًا وليس المراد فردًا من الأفراد التي يسمى كل منها إحسانًا إليه بل المراد افعل معه الإحسان الذي يتناول جميع ما يحتاج إليه مطلقًا.
وقوله تعالى {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} أحسنوا أي فعلوا الحسنى وهو يتناول ما أمروا به مطلقًا فإذا كانت الحسنة تتناول المأمور فكذلك السيئة تتناول المحظور فيدخل فيه الشرك الذي هو رأس السيئات كما يدخل في الإحسان الإيمان الذي هو رأس الحسنات كما قد فسروا بذلك قوله {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} الآية.
وقول السلف السيئة الشرك لم يريدوا به أن سائر الذنوب لم تدخل في السيئة بل الشرك داخل فيها ويدخل معه سائر السيئات ولهذا قال {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} وفي القراءة الأخرى {خَطِيئَاته}.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
[تفسير آيات أشكلت: 1/392]


التوقيع :
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تعالى, قوله

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:40 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir