دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > بيان المُستشكل > تفسير آيات أشكلت لابن تيمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م, 04:37 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ....}

فصل
في قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ونظيرها في المائدة.


بين سبحانه وصف أهل السعادة والنجاة من الأولين والآخرين وما يكون وإن كان قد حصل فيه نوع تبديل ونسخ بخلاف ما لم يكن ولهذا لما ذكر تعالى الأديان الستة في سورة الحج قال {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.
فأخبر أنه يفصل بينهم ولم يجعل في المشركين والمجوس من هو من
[تفسير آيات أشكلت: 1/239]
أهل السعادة في الآخرة كما جعل ذلك في الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين
[تفسير آيات أشكلت: 1/240]
حيث فيهم من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ولكن من الناس من لم يفهم هذه الآية فقالوا فيها أقوالًا ضعيفة وأصل معرفة معناها أن قوله {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ} هل هو خبر عن كل من دخل في هذه الأسماء وإن كانوا قبل مبعث محمد أو هو مختص بمن كان موجودًا بعد مبعثه كآيات الأمر والنهي التي بعث بها فإنه إنما يؤمر وينهى على لسانه من بعث إليهم وهم الذين
[تفسير آيات أشكلت: 1/241]
بلغتهم رسالته من حين بعث وإلى يوم القيامة كما قال {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} فكل من بلغه القرآن فقد أنذره به الرسول والإنذار به هو الإخبار بالعذاب لمن قامت عليه الحجة برسالته فلم يؤمن به.
فظن بعض الناس أن الذين أخبر عنه في الآية بالنجاة والسعادة ليسوا إلا ممن بعث محمد إليهم لم يخبر فيها بحال من كان موجودًا قبل مبعثه وغلطوا فيها في الفهم ثم افترقوا على أقوال متناقضة تخالف لفظ الآية ومعناها.
والصواب هو القول الآخر وأن الآية عامة تتناول من اتصف بما ذكر فيها قبل مبعث الرسول وهو الذي يدل عليه لفظ الآية ويعرف به معناها من غير تناقض وَيُعرَف به قدرها ويظهر به مناسبتها لما قبلها وما بعدها وهذا
[تفسير آيات أشكلت: 1/242]
هو القول المعروف عن السلف وجمهورهم وعليه يدل ما ذكروه من سبب نزول الآية.
فقد روى ابن أبي حاتم وغيره بالأسانيد الثابتة عن سفيان بن عيينة عن
[تفسير آيات أشكلت: 1/243]
ابن أبي نجيح عن مجاهد قال قال سلمان سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل دين كنت معهم فذكر من صلاتهم وعبادتهم فنزلت {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا} ولم يذكر في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيهم أولًا إنهم من أهل النار كما رُوِيَ ذلك بأسانيد ضعيفة وهذا هو الصحيح.
[تفسير آيات أشكلت: 1/244]
كما رُوِيَ في صحيح مسلم عن عياض بن حمار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب.
فدل على أنه حين بعثه الله كان في الأرض بقايا من أهل الكتاب لم يمقتهم الله وأيضًا فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليجيب بما لا علم عنده وما كان علم بأن هؤلاء من أهل النار فكيف يجيب بذلك أولًا وأيضًا فقد ثبت
[تفسير آيات أشكلت: 1/245]
عنه أنه أثنى على من مات في الفترة مثل زيد بن عمرو بن نفيل وغيره فكيف يقول عمن كان على الدين الذي لعله لم يُبدَّل ولم يُنسخ إنهم من أهل النار؟!
وقد ذكر السدِّي في تفسيره المعروف عن أشياخه تفسير هذه الآية كما ذكر والسدِّي وإن كان من العلماء بالتفسير وقد روى أحمد حدثنا أسود بن عامر حدثنا شريك عن سَلْم بن عبد الرحمن
[تفسير آيات أشكلت: 1/246]
النخعي قال سمع إبراهيم النخعي السدي يُفسِّر فقال تفسيره تفسير القوم.
قال شريك وكان إبراهيم شديد القول في المرجئة ولكن مجاهد
[تفسير آيات أشكلت: 1/247]
أرفع منه درجة في التفسير وغيره والعالم قد يغلط فيما يسنده فكيف بما يرسله وهذا لا بد له منه.
وفي تفسير السُّدِّي ما رواه الناس عنه كابن أبي حاتم وغيره.
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا عمرو بن حماد عن
[تفسير آيات أشكلت: 1/248]
أسباط عن السدي {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا} الآية قال نزلت في أصحاب سلمان الفارسي بينما هو يُحَدث النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذكر أصحابه فأخبره خبرهم فقال كانوا يصومون ويصلون ويؤمنون بك ويشهدون أنك ستبعث نبيًا فلما فرغ من ثنائه عليهم قال له النبي صلى الله عليه وسلم يا سلمان هم من أهل النار فاشتد ذلك على سلمان فأنزل الله الآية.
فكان إيمان اليهود أنه من تمسك بالتوراة وَسُنَّة موسى حتى جاء عيسى فلما جاء عيسى كان من تمسك بالتوراة وَسُنَّة موسى ولم يتبع عيسى كان هالكًا وكان إيمان النصارى من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنًا مقبولًا منه حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم فمن لم يتبع محمدًا صلى الله عليه وسلم كان هالكًا.
[تفسير آيات أشكلت: 1/249]
قال ابن أبي حاتم وروي عن سعيد بن جبير نحو هذا.
ولم يذكر ابن أبي حاتم في هذه الآية خلافًا عن السلف إلا ما ذكره من اختلافهم في الصابئين وذكَرَ عن ابن عباس في تفسيرها قال من وحَدَّ الله وآمن باليوم الآخر يقول أقرَّ بما أنزل الله ثم أنزل الله بعدها {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}
[تفسير آيات أشكلت: 1/250]
ذكره عن الوالبي عن ابن عباس والوالبي لم يسمع من ابن عباس
[تفسير آيات أشكلت: 1/251]
وسواء سمعه أو لم يسمعه فليست هذه الآية ناسخة لتلك بمعنى أن الله
[تفسير آيات أشكلت: 1/252]
أخبر بشيء ثم أخبر بخلافه كما يظنه بعض الناس أنه أراد ذلك بل المراد أن الله أنزل هذه الآية ليبين أنه لا يقبل دينًا غير دين الإسلام من الأولين والآخرين ولئلا يظن ظان أن من أرسل إليه رسول فكذبه كان من أهل السعادة ويكون من قامت عليه الحجة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يتبعه سعيدًا.
فالمقصود بذكر آية آل عمران بيان هذا المعنى وليس هو منافيًا لمقصود هذه الآية التي في البقرة بل هي موافقة لها فإن قوله {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} لا يتناول من كذب الرسول الذي أرسل إليه ولا من كذب واحدًا من الرسل وهذا مما قد بينه الله في القرآن في غير موضع فكيف تكون هذه الآية تناولت
[تفسير آيات أشكلت: 1/253]
من كذب محمدًا أو غيره مع أنه قد قال {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}؟
وأخبار الله يصدق بعضها بعضًا لا يكذب بعضها بعضًا وقد قال لما أهبط آدم من الجنة {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وقال {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}.
وهذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل أن من كذب رسولًا واحدًا فهو من قسم الكفار لا من قسم المؤمنين فلا يتناوله قوله {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا}.
والمنقول عن ابن عباس لفظ النسخ وإن كان غيره قد تكلم بلفظ النسخ فإن كثيرًا من السلف يريدون بلفظ النسخ رفع ما يظن
[تفسير آيات أشكلت: 1/254]
أن الآية دالة عليه ولا تكون دالة عليه فهو رفع لما يظن من دلالة النص عليه ومراد الرب لا رفع لما أنزل ثم رفع ولا رفع لما دل عليه النص.
[تفسير آيات أشكلت: 1/255]
قال أبو الفرج وهل هذه الآية محكمة أو منسوخة فيه قولان:
أحدهما أنها محكمة قاله مجاهد والضحاك في آخرين وقدَّروا فيها إن الذين آمنوا ومن آمن من الذين هادوا.
والثاني أنها منسوخة بقوله {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}.
قلت قد بينا معنى ما يجوز أن يراد بهذا القول وأنه لا يناقض
[تفسير آيات أشكلت: 1/256]
القول بأنها غير منسوخة لا بمعنى رفع شيء من حكمها ولا رفع دلالة لفظها وإنما هو نسخ لما يظنه الظان ويعتقده المعتقد من الفهم الباطل ليس نسخًا لما أريد بها ولا نسخًا لدلالة الآية عند من فهمها.
ومن الناس من يجعل كل شيء في الوجود إنما نسخ لمثل هذا الظن لا نسخ لحكم أصلًا ولا لدلالة نص وهو قول أبي الحسين البصري وغيره ممن يقول إنه لا بد عند الخطاب بالمنسوخ من الإشعار بالنسخ فلا يجوز عندهم أن يخاطب الرب سبحانه بالمنسوخ إلا
[تفسير آيات أشكلت: 1/257]
مع بيانه أنه نسخه لئلا بفضي إلى التجهيل ويجعلون كل ما نسخ هو مثل قوله {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} وقوله {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ} هو بيان للغاية المجهولة.
وهذا الذي قالوه واقع لا ريب فيه ونبوة محمد من هذا الباب لأن الجمهور لا يشترطون في كل منسوخ مثل هذا وهو الصحيح كأمرهم باستقبال بيت المقدس وتخيرهم بين الصوم والفدية ونحوه مما لم
[تفسير آيات أشكلت: 1/258]
يشعروا فيه بالنسخ.
وكثير من الناس يقولون ليس النسخ إلا بيان ما لم يرد باللفظ وليس هو رفعًا للحكم بل بيان للمراد.
والأكثرون على أن النسخ يتناول الأقسام الثلاثة وكلها واقعة وهذا هو الصحيح لكن من أطلق لفظ النسخ من الخلق فقد يريد به المعنى الأول والثاني فيظن به أنه أراد به المعنى الثالث وذلك ممتنع فيما أخبر الله به أنه يكون أو أنه لا يكون فإن خبره لا يقع بخلاف مخبره البتة وقد بسط هذا في مواضع أخر.
وقد قيل أكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء.
وأما قوله إنهم قدَّروا فيها إن الذين آمنوا ومن آمن من الذين هادوا فهذا التقدير ضعيف جدًّا ولا تقدير في الآية البتة سواء كانت عامة أو مخصوصة.
لكن قد يقال إنه يحتاج إليه إذا قيل إن الخبر عمن أرسل محمد إليهم
[تفسير آيات أشكلت: 1/259]
وأن من كذب محمدًا من هؤلاء يتناوله المدح فيقال هذا القول ضعيف وضعيف حجة وبتقدير صحته فقوله في تمام الآية {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا} يغني عن هذا التقدير ويبين أن المدح والخبر بالسعادة إنما يتناول أهل الإيمان لا أهل التكذيب للرسل.
وقد ذكر هو وغيره هذا في قوله {مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ} وبيَّن أن الآية لم تتناول إلا البشارة لأهل الإيمان فكيف يحكى عنهم أنهم قدَّروا هذا التقدير؟!
قال أبو الفرج وفي إعادة ذكر الإيمان ثلاثة أقوال:
أحدها أنه لما ذكر مع المؤمنين طوائف من الكفار رجع قوله {مَنْ آمَنَ} إليهم.
والثاني أن المعنى من أقام على إيمانه.
والثالث أن الإيمان الأول نطق المنافقين بالإسلام والثاني اعتقاد القلوب.
[تفسير آيات أشكلت: 1/260]
وقال كثير من المفسرين كالبغوي والثعلبي وغيرهما هي متناولة للمبعوث إليهم ومنهم من قال إن الذين آمنوا على التحقيق وعقد التصديق والطريق الآخر أن المذكورين في أول الآية بالإيمان إنما هم على طريق المجاز والتسمية دون الحكم والحقيقة ثم اختلفوا فيهم:
فقال بعضهم أراد الله الذين آمنوا بالأنبياء الماضين والكتب المتقدمة ولم يؤمنوا بك لا بكتابك.
وقال آخرون أراد بهم المنافقين يعني إن الذين آمنوا بألسنتهم ولم
[تفسير آيات أشكلت: 1/261]
تؤمن قلوبهم ونظير هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} والذين هادوا اعتقدوا اليهودية وهي الدين المبدل بعد موسى والنصارى هم الذين اعتقدوا النصرانية وهي الدين المبدل بعد عيسى والصابئين بعض أصناف الكفار من آمن من جملة الأصناف المذكورين في الآية وفيه اختصار وإضمار تقديره من آمن منهم بالله واليوم الآخر.
[تفسير آيات أشكلت: 1/262]
فهؤلاء مع أنهم خصوا الآية بالكفار الذين بعث إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحتاجوا أن يضمروا إن الذين آمنوا ومن آمن من الذين هادوا وإنما أضمروا منهم.
وهذا الإضمار لا يجوز عند أهل العربية فإن خبر المبتدأ ونحوه مثل اسم إن إذا كان فيه من التعلق بالمبتدأ ما يغني عن الضمير لم يحتج إليه مثل العموم كقوله {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} فهو لا يضيع أجر من أحسن عملًا مطلقًا وهو يتناول هؤلاء.
وكذلك {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} هو عَام يتناول هؤلاء.
مع أن تخصيص هؤلاء للآية بمن أرسل إليه الرسول أو
[تفسير آيات أشكلت: 1/263]
بمن كان كافرًا أو منافقًا من هؤلاء فاسد من هذا الوجه ومن هذا الوجه لفظًا ومعنى فإن المخبر عنه إذا كان هم أهل الكفر والنفاق لم يكن فيهم من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا وهم قد جعلوا هذا شرطًا في اسم إن فقالوا إن الذين آمنوا بالأنبياء والكتب المتقدمة ولم يؤمنوا بك ولا بكتابك.
فكيف يجعل من هؤلاء من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا؟!
لكن لو أريد هذا لقيل ممن تاب من هؤلاء وآمن بك وبكتابك كما قال {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} وقال {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} ونحو ذلك.
وأيضًا لو أريد بالإيمان الثاني أنهم يثبتون الإيمان به ويتوبون من الكفر لم يخص بذلك المنافقين وأهل الكتاب بل المجوس والمشركون أولى بذلك فإن كفرهم أغلظ وهم إذا تابوا وآمنوا بالرسول وبما جاء به
[تفسير آيات أشكلت: 1/264]
تاب الله عليهم.
وهو في الآيتين لم يذكر المشركين ولا أهل الكتاب وإنما ذكر الأصناف الأربعة فعلم أنه أراد الإخبار بسعادة من كان منهم مؤمنًا لم يقصد أنهم كلهم كفار وأنهم إذا تابوا قبل توبتهم وهذا المعنى صحيح في نفسه فإن كل كافر إذا تاب تاب الله عليه.
لكن لفظ هذه الآية في غاية البعد عن تفسير هؤلاء على هذا المعنى وإنما هذا قول من ضاق عطنه فلم يفهم معنى الآية وظن أنها تتضمن المدح لمن كان موجودًا من هؤلاء وهذا باطل فإن القرآن لا مدح فيه لمن كذب الرسول ولم يجعلها مدحًا لمن كان موجودًا منهم وتاب فإما أن يقال إن الآية لم تتناولهم أو تناولتهم وغيرهم وأما تخصيصها بهم فباطل.
وأيضًا فإطلاق لفظ الإيمان على من كذب الرسول من أهل الكتاب باطل مخالف لطريقة القرآن لا سيما وقد ذكر أهل الكتاب فقال {وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى} وهم عند هؤلاء الكفار منهم فكيف يكونون
[تفسير آيات أشكلت: 1/265]
هم المذكورين أولًا وكيف يطلق القول بأنهم آمنوا ولا يقيد ذلك كما قيَّدهُ في مثل قوله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ}؟!
وهذا كله مما يبين أن الصواب هو القول الأول وهو أن الآية عامة تضمنت الخبر عن أديان أهل الأرض التي أصلها صحيح في أهلها وهم سعداء وذلك أن الدين إما أن يكون أصله حقًّا كدين أهل التوراة والإنجيل والقرآن أو أصله باطلًا كدين المشركين.
والذي أصله حق إما أن يكون صاحبه متبعًا له حين كان مشروعًا من غير نسخ ولا تبديل أو هو متبع للمبدل والمنسوخ دون الناسخ.
فالناس ثلاثة أصناف فالسعداء هم الصنف الواحد وهم المذكورون في هذه الآية وأما من أشرك وكذب الرسول كالمشركين كلهم أو كذب بعض الرسل دون بعضٍ كالكفار من أهل الكتاب فهم الأشقياء وهم من أهل الوعيد
[تفسير آيات أشكلت: 1/266]
والعذاب سواء أظهروا ذلك أو أضمروه كالمنافقين من هذه الأمة ومما يدل على أن المراد بالآية ما ذكر وجوه:
أحدها أن قوله {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ} عام والأسماء المعارف كلها من صيغ العموم ومن أدلها على العموم الموصولات وأدوات الشرط وهذا خبر عنهم فكل من كان من الذين هادوا والنصارى والصابئين فقد دخل في لفظ الآية.
وقوله {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا} يتناول من كان كذلك من الطوائف الأربعة وإلا من آمن بالله ولم يؤمن باليوم الآخر لم يكن مؤمنًا ومن آمن بالله واليوم الآخر ولم يعمل صالحًا لم يكن له عند الله أجر وكان من الذين عليهم الخوف والحزن في الدنيا والآخرة.
[تفسير آيات أشكلت: 1/267]
فمن آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا من هؤلاء الطوائف الأربعة فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون وإن قدِّر من غيرهم فإنه ليس في لفظها من آمن منهم ليخص الآية بذلك لكن قد يُخصُّون إذا قدِّر أنه لم يوجد متصف بذلك إلا منهم ولكن لما أخبر عنهم بهذا الخبر العام دل على أن فيهم من يتصف بذلك ويكون سعيدًا ليسوا كلهم كفارًا كالمشركين والمجوس.
والثاني أن الآية لو قصد بها البشارة لمن آمن بمحمدٍ لم يخص بها هؤلاء وإلا فكل من آمن بمحمدٍ من أصناف الكفار والمشركين والمجوس والمعطلين فإنه من أهل السعادة.
وهذا المعنى مذكور في آياتٍ كثيرة وهو معلوم بالاضطرار من خبره
[تفسير آيات أشكلت: 1/268]
فإن الله أرسله بشيرًا ونذيرًا يبشر بثواب الله في الدنيا والآخرة لمن آمن به وأطاعه ونذيرًا ينذر عن عذاب الله في الدنيا والآخرة لمن كذبه وأعرض عن طاعته كما قال تعالى {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}.
وقال {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} وهذا في القرآن كثير لا يحصى بل هو لبُّ القرآن ومقصوده.
فلو كان المراد بهذه الآية مثل ما في هذه الآيات لكان لفظها يدل على ذلك ولم يخص الخبر عنها بأربعة أصناف سواء كان المخبر عنهم كفارًا كما ظنه قوم وأرادوا إذا تابوا أو كانوا مؤمنين كان لفظها يتناول المؤمن منهم والكافر لو أريد بها الخبر عمن بعث إليهم الرسول فقط دون من
[تفسير آيات أشكلت: 1/269]
مضى لم يخص بذلك هذه الأصناف.
الوجه الثالث أنه لو أريد بها من بعث إليهم فقط دون من مضى فإما أن يراد بهم الذين كفروا وإما الذين آمنوا أو الطائفتين.
والأول ممتنع لأنه مدح من هؤلاء من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا والكفار به ليس فيهم أحد من هؤلاء.
فإن قيل هو مَدح لمن تاب من هؤلاء قيل فمن كان مؤمنًا من هؤلاء حين بعث الرسول وآمن به فهو أحق بالمدح فكيف يخرج منها؟!
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب الأول والكتاب الآخر وعبد أدَّى حق الله وحق مواليه ورجل كانت له أمة فأدَّبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها.
[تفسير آيات أشكلت: 1/270]
وقد قال الله تعالى {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} إلى قوله {لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}.
وقال {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} إلى قوله {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}.
وقال {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ}.
وهذا قد ذكر في مواضع من القرآن وكيف يجوز إخراج جنس
[تفسير آيات أشكلت: 1/271]
سلمان والنجاشي وغيرهم ممن كان متبعًا لدين المسيح إلى أن بعث محمد فآمن به وهم أفضل من آمن به ممن كان على دين مبدلٍ أو منسوخ؟
فدعوى من ادعى أنه أثنى على من كان كافرًا ثم آمن غلط بَيِّن.
وإن قيل أراد بها الذين آمنوا فقط قيل إن كان قوله {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ} مختصًا بمن آمن به فأي حاجة إلى قوله {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا}؟
[تفسير آيات أشكلت: 1/272]
وإن قيل بل ذلك يتناول كل من بعث إليه قيل فكل من آمن به ممن بعث إليه فهو سعيد من هؤلاء ومن المشركين والمجوس.


التوقيع :
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م, 04:39 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

الوجه الرابع أن سبب نزول هذه الآية هو السؤال عمن مضى ممن آمن بالله واليوم الآخر فلا يجوز إخراجهم من الآية.
الوجه الخامس أنه لم يذكر في الوعد بالسعادة الإيمان بالرسول بل قال {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا} والإيمان بالله يتضمن الإيمان بالرسول لكن لم يجعل الوعد معلقًا به لشمول الآية لمن مات قبل مبعثه بل جعل الوعد معلقًا بما لا بد منه لكل أحدٍ وهو الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح الذي لا نجاة للعبد بدونه فإن هؤلاء هم أهل السعادة في الدار الآخرة لا يستحق السعادة فيها إلا من كان كذلك.
الوجه السادس إذا قيل إن هذه الآية خصَّت هؤلاء بالسعادة دون غيرهم قيل إذا كان قد ذكر الأصناف الأربعة المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين ثم خص بالسعادة من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا كان من ليس من هؤلاء أولى أن لا يكون من أهل السعادة إلا إذا آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا.
[تفسير آيات أشكلت: 1/273]
فإنه إذا لم يكن كل من دخل من هؤلاء سعيدًا بل السعيد من اتصف بها منهم فالمشركون والمجوس أولى أن لا يكونوا سعداء إذا لم يتصفوا بهذه الأوصاف وهو سبحانه لم يقل من آمن منهم فإنه من تاب من المجوس وغيرهم وعمل صالحًا كان من أهل السعادة.
فهذا اللفظ عام لكن هذه الأصناف فيها من هو سعيد مع كونه من المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين الذين كانوا على الدين الحق وأما المشركون فإن الواحد منهم لا يكون مؤمنًا بالله واليوم الآخر عاملًا صالحًا حتى يتوب من الشرك والمشرك لا يكون مشركًا حتى يكون مكذبًا للرسل فإن الرسل جميعهم دعوا إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له فالمشرك مع إشراكه بالله هو مكذب للرسل وهو كافر بهذا وبهذا.
وأيضًا فعمل المشرك كله حابط فلا يكون له عمل صالح قال الله تعالى {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وقال {لَئِنْ أَشْرَكْتَ
[تفسير آيات أشكلت: 1/274]
لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}.
وأيضًا فالمشركون كلهم في النار كما قال تعالى {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}.
وإذا كانت الآية قد تضمنت تخصيص هؤلاء بالسعادة دون من سواهم وقد علم يقينًا أن من تقدم من المتبعين لشرع التوراة والإنجيل قبل النسخ والتبديل هم من أهل السعادة وجب شمول الآية لهم وامتنع خروجهم منها.
الوجه السابع أن لفظ {الَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى} يتناول جميع أهل الكتاب التوراة والإنجيل الذين كانوا قبل النسخ والتبديل والذين كانوا بعد ذلك.
فهذا الاسم لا يختص بالكفار منهم كما أن لفظ بني إسرائيل ولفظ أهل الكتاب ليس مختصًّا بالكفار ولكن كانوا مسلمين ومؤمنين
[تفسير آيات أشكلت: 1/275]
مع كونهم من بني إسرائيل ومن أهل الكتاب وكذلك من اليهود والنصارى.
وقد ادعى بعض الناس أنهم لم يكونوا مسلمين مؤمنين وأن هذا الاسم مختص بأمة محمد وهذا غلط عظيم كما قد بسط في مواضع.
قال الله تعالى {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا}.
وقال السحرة {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} وقالوا {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ}.
[تفسير آيات أشكلت: 1/276]
وقال يوسف {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا} وقالت بلقيس {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وقال {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} وهذا مبسوط في مواضع.
[تفسير آيات أشكلت: 1/277]
وأما لفظ اليهود والنصارى فقال موسى {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ}.
وقال تعالى {كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} الآية.
فإن قيل فقد قال تعالى {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وقال تعالى {كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وهذا ذم لليهودية والنصرانية وما كان عليه موسى والمسيح لا يُذم.
قيل الذم يلزم من اختص من أمر باتباع ما اختص به اليهود والنصارى من الشرع المنسوخ وذم من اتبع ذلك المنسوخ من حين بعث محمد.
وكان هؤلاء يقولون نحن على ملة إبراهيم دون محمد فبين الله كذبهم في ذلك ولم يكونوا مُبَدلين فكيف مع التبديل والنسخ فإن إبراهيم كان قبل التوراة والإنجيل وما كان عليه أهل التوراة والإنجيل اختص به أهل التوراة ولم يكن إبراهيم عليه بل ولا كان يجوز لإبراهيم أن يتبعه ولم يشرعه الله
[تفسير آيات أشكلت: 1/278]
له وهذا الاسم يختص بأهل شرع التوراة والإنجيل وإبراهيم كان قبل ذلك ولم يكن من المختصين بهذا الشرع.
فامتنع أن يكون إبراهيم يهوديًّا أو نصرانيًّا بوجه من الوجوه بل كان حنيفًا مسلمًا وهو الذي يعبد الله وحده لا شريك له بما أمر به فيعبده في كل زمان بما أمر به في ذلك الزمان.
فأهل التوراة والإنجيل قبل النسخ والتبديل مسلمون حنفاء على ملة إبراهيم كما قال تعالى {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} ولهذا قال {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} وهم الذين اتبعوه من الأمم الماضية كأولاد إسماعيل قبل التبديل وكأهل التوراة والإنجيل قبل النسخ والتبديل.
فالحنيفية ملة إبراهيم تتناول كل من عبد الله وحده بما أمره به كما قال تعالى {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
فكل الأنبياء الذين يعيشون بعد إبراهيم وأتباعهم على ملة إبراهيم لكن
[تفسير آيات أشكلت: 1/279]
محمد صلى الله عليه وسلم أولاهم به وشرعه أقرب إلى شرع إبراهيم من وجوهٍ متعددةٍ كأمره بحج البيت وغيره فإنه سبحانه جعل في ذرية إبراهيم الكتاب والحكم والنبوة.
وقوله {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا} نفي أن يكون على ما اختص به شرع التوراة والإنجيل وليس على ملة إبراهيم بل ملة إبراهيم أن يعبد الله وحده بما أمر ومحمد أمر بملة إبراهيم وأمر بها أن يعبد الله وحده ورفع به الآصار والأغلال التي كانت على أهل الكتاب ولم تكن مشروعة
[تفسير آيات أشكلت: 1/280]
لإبراهيم فكان الشرع الذي بعث به أولى بإبراهيم.
وأما اليهودية والنصرانية المتضمنة للمنسوخ المبدل وهي التي عليها اليهود والنصارى الذين كذبوا محمدًا فهذه ليست دين أحدٍ من الأنبياء لا موسى ولا عيسى ولا غيرهما فإذا قال أهل الكتاب للمسلمين {كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} فقد أمرهم الله أن يقولوا {بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} فلا يجوز لنا اتباع ما اختص به أهل التوراة والإنجيل من الشرع المنسوخ فكيف بالمبدل بل نتبع ملة إبراهيم وهي عبادة الله وحده بما أمر به وهي التي كان عليها موسى وعيسى لكن كان لهم شرع اختصوا به دون إبراهيم وكان من الدين في حق أولئك الذين أمروا به خاصة وإبراهيم ومن كان قبله لم يؤمروا به وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم ومن آمن به لم يؤمروا بتلك الآصار
[تفسير آيات أشكلت: 1/281]
والأغلال بل رفعت عنهم كما كانت مرفوعة عن إبراهيم ولهذا قال عليه السلام بُعِثت بالحنيفية السمحة.
وقال لا رهبانية في الإسلام.
[تفسير آيات أشكلت: 1/282]
وقال إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين.
ولما رأى بيد عمر ورقة من التوراة قال والذي نفسي بيده لو كان موسى حيًّا
[تفسير آيات أشكلت: 1/283]
ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم.
وقال كفى بقومٍ ضلالة أن يتبعوا كتابًا غير كتابهم أنزِلَ إلى نبي غير نبيهم.
[تفسير آيات أشكلت: 1/284]
ورُوي عنه أيضًا لو كان موسى وعيسى حيين ما وسعهما إلا اتباعي.
فقد تبين أن اليهود والنصارى فيهم سعيد وهم المتبعون شرع التوراة والإنجيل قبل النسخ والتبديل وفيهم من هو مستحق العذاب ومع هذا نحن منهيون أن نتبع اليهودية والنصرانية مطلقًا فإن ما اختص به السعداء منهم قد نسخ وأما ما اختص به الأشقياء فهو مبدل أو منسوخ تمسكوا به بعد النسخ وما كان مشروعًا كان داخلًا في مسمى الإسلام والحنيفية لما كان مشروعًا فلما نسخ لم يبق داخلًا في الإسلام ولا في الحنيفية ملة إبراهيم والمُبَدَّل بطريق الأولى.
ولهذا قال الله تعالى {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} إلى قوله {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} وقال {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ
[تفسير آيات أشكلت: 1/285]
وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى}.
فلم ينكر أن يكون موسى وهارون من اليهود ولا أن يكون المسيح والحواريون نصارى لكن نهى عن اتباع ما تختص به اليهودية والنصرانية مطلقًا وأمر باتباع ملة إبراهيم لأن ما تختص به إما منسوخ وإما مبدل والذي لا يجوز نسخه ملة إبراهيم وهو عبادة الله وحده بما
[تفسير آيات أشكلت: 1/286]
أمر به ففي كل زمان يعبده بما أمر به في ذلك الزمان وهذا هو دين الإسلام الذي لا يقبل الله لا من الأولين ولا من الآخرين دينًا سواه وعليه الأنبياء جميعهم وأتباعهم وهذا العمل هو العمل الصالح المذكور في قوله {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} وقد قال {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} الآية.
والصلاة إلى بيت المقدس كانت من الإسلام ومن الحنيفية ملة إبراهيم لما كانت مشروعة فلما نهوا عن ذلك وأمروا بالصلاة إلى المسجد الحرام صارت الصلاة إليه هي المشروعة الداخلة في الإسلام وملة إبراهيم فإن جماع ملة إبراهيم عبادة الله وحده بما أمر به.
وهذه هي الأمة التي أمر الله الرسل جميعهم أن يجتمعوا عليها فقال {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} وفي الآية الأخرى
[تفسير آيات أشكلت: 1/287]
{فَاعْبُدُونِ} وقال {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} الآية وقال تعالى {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.
الوجه الثامن أن سياق الآية يقتضي أنه قصد به المدح لمن كان متمسكًا بالدين الحق من المتقدمين وأن الأرض لم تخل من أمة قائمة لله بالحق وكذلك في المائدة فإن فيها {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ}.
وقال تعالى {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا
[تفسير آيات أشكلت: 1/288]
وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} فذمَّ هؤلاء ثم قال {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
ذكر المذموم من أهل الكتاب والمحمود منهم وبين أن الذي حمدوا به لا يختص بهم بل بهم وبغيرهم وكذلك في سورة البقرة لما ذكر ذنوب من أذنب من أهل الكتاب إلى أن قال {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}.
فلما ذمهم بهذا الذم العظيم ذكر بعد ذلك من يحمد منهم وأن ذلك وصف مشترك فقال {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا} كما أنه في سورة آل عمران لما ذكر ذلك قال {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}.
[تفسير آيات أشكلت: 1/289]
فذمهم ذمًّا عظيمًا ثم مدح آخرين مدحًا عظيمًا فقال بعد ذلك {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ}.
ولما ذكرهم سبحانه في الأعراف قال {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} ثم ذكر بعدهم المذمومين المعتدين المخالفين ثم قال {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.
ولما ذكر المؤمنين من بني آدم قال {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} ثم أمر بعبادته وحده ودعائه بأسمائه الحسنى ثم قال بعد ذلك {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} ثم قال {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}.
فالقرآن فيه ذكر الخلق كلهم وأعمالهم خيرها وشرها ولكن هو كما قيل يا لها من مواعظ لو صادفت من القلوب حياة وقد قال تعالى {هَذَا
[تفسير آيات أشكلت: 1/290]
ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ}.
فأكثر إعراض الخلق عن الحق من عدم معرفة الحق كما قال {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ}.
وفي حديث علي المرفوع في القرآن فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جَبَّار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله الحديث بطوله.
[تفسير آيات أشكلت: 1/291]
{وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي} خبر السعداء وطرائقهم وما لهم من البشارة والكرامة لتسلك سبيلهم ويذكر فيه خبر الأشقياء وما لهم من الخزي والهوان والعذاب لتحذر سبيلهم والله أعلم.
[تفسير آيات أشكلت: 1/292]


التوقيع :
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تعالى, قوله

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:53 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir