دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الطحاوية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 03:49 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي قوله: (والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان أبداً ولا تبيدان)

والجنةُ والنارُ مَخْلُوقَتَانِ، لا تَفْنَيَانِ أَبَدًا ولا تَبِيدَانِ.


  #2  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 07:47 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات على الطحاوية لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

[لا يوجد تعليق للشيخ]

  #3  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 07:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات المختصرة للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

(1) والجنةُ والنارُ مَخْلُوقَتَانِ، لا تَفْنَيَانِ أَبَدًا ولا تَبِيدَانِ.



(1) وَمِمَّا يكونُ في يومِ القيامةِ: الجنَّةُ دارُ المُتَّقِينَ، والنارُ دارُ المُجْرِمِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى في الجنَّةِ: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عِمْرَان: 133)، وقَالَ في النارِ: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (البقرة: 24) فَهُمَا دَارَانِ بَاقِيَتَانِ، وهما الْمُسْتَقَرُّ وَالنِّهَايَةُ. (وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ قَبْلَ الْخَلْقِ وَخَلَقَ لَهُمَا أَهْلًا). والجنَّةُ والنارُ مَخْلُوقَتَانِ الآنَ، هذا مذهبُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، قَالَ تَعَالَى: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }، وقَالَ: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} وأُعِدَّتْ: فعلٌ ماضٍ، والنبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عندَهُ أصحابُهُ، فَسَمِعُوا وَجْبَةً، يَعْنِي: شَيْئًا سَقَطَ، فقَالَ: (أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟) قالوا: اللَّهُ ورسولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي جَهَنَّمَ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا، وَالْآنَ وَصَلَ إِلَى قَعْرِهَا)
فَدَلَّ على أنَّ النارَ قد خُلِقَتْ. وقَالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ في الحَرِّ والبردِ: (إِنَّهُمَا نَفَسَانِ لِجَهَنَّمَ: نَفَسٌ في الشتاءِ وهو أَشَدُّ ما تَجِدُونَ من البردِ، ونَفَسٌ في الصيفِ وهو أَشَدُّ ما تَجِدُونَ من شِدَّةِ الحَرِّ)، وقَالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: (إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ)، وكذلكَ المَيِّتُ في قبرِهِ يُفْتَحُ لَهُ بابٌ إلى الجنَّةِ، والكافِرُ بابٌ إلى النارِ، فهذا يَدُلُّ على وُجُودِ الجنَّةِ والنارِ، وأَنْكَرَ هذا أهلُ الضلالِ، ويقولونَ: تُخْلَقَانِ يومَ القيامةِ.

  #4  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 10:35 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي


وقوله: ( والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان أبداً ولا تبيدان، فإن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق، وخلق لهما أهلاً، فمن شاء منهم إلى الجنة فضلاً منه، ومن شاء منهم إلى النار عدلاً منه، وكل يعمل لما [قد] فرغ له، وصائر إلى ما خلق له، والخير والشر مقدران على العباد ).

ش: أما قوله: إن الجنة والنار مخلوقتان، فاتفق أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، ولم يزل أهل السنة على ذلك، حتى نبغت نابغة من المعتزلة والقدرية، فأنكرت ذلك، وقالت: بل ينشئهما الله يوم القيامة ! ! وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة لما يفعله الله، وأنه ينبغي أن يفعل كذا، ولا ينبغي له أن يفعل كذا ! ! وقاسوه على خلقه في أفعالهم، فهم مشبهة في الأفعال، ودخل التجهم فيهم، فصاروا مع ذلك معطلة ! وقالوا: خلق الجنة قبل الجراء عبث ! لأنها تصير معطلة مدداً متطاولة ! ! فردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب تعالى، وحرفوا النصوص عن مواضعها، وضللوا وبدعوا من خالف شريعتهم.
فمن نصوص الكتاب: قوله تعالى عن الجنة: أعدت للمتقين. أعدت للذين آمنوا بالله ورسله. وعن النار: أعدت للكافرين. إن جهنم كانت مرصادا * للطاغين مآبا. وقال تعالى: ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى. وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى، ورأى عندها جنة المأوى. كما في الصحيحين، من حديث أنس رضي الله عنه، في قصة الإسراء، وفي آخره: ثم انطلق بي جبرائيل، حتى أتى سدرة المنتهى، فغشيها ألوان لا أدري ما هي، قال: ثم دخلت الجنة، فإذا هي جنابذ اللؤلؤ، واذا ترابها المسك وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة. وتقدم حديث البراء بن عازب، وفيه: ينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها. وتقدم حديث أنس بمعنى حديث البراء. وفي صحيح مسلم، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت الحديث، وفيه: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدتم به، حتى لقد رأيتني آخذ قطفاً من الجنة حين رأيتموني تقدمت ولقد رأيت النار يحطم بعضها بعضاً حين رأيتموني تأخرت. وفي الصحيحين، واللفظ للبخاري، عن عبد الله ابن عباس، قال: انخسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث، وفيه: فقالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئاً في مقامك، ثم رأيناك تكعكعت ؟ فقال: إني رأيت الجنة، وتناولت عنقوداً، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار، فلم أر منظراً كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء، قالوا: بم، يا رسول الله ؟ قال: بكفرهن، قيل: أيكفرن بالله ؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئاً، قالت: ما رأيت خيراً قط ! ! وفي صحيح مسلم من حديث أنس: وايم الذي نفسي بيده، لو رأيتم ما رأيت، لضحكتم قليلاً وبكيتم كثيراً. قالوا: وما رأيت يا رسول الله ؟ قال: رأيت الجنة والنار وفي الموطأ والسنن، من حديث كعب ابن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما نسمة المؤمن طير تعلق في شجر الجنة، حتى يرجعها الله إلى جسده يوم القيامة. وهذا صريح في دخول الروح الجنة قبل يوم القيامة. وفي صحيح مسلم و السنن و المسند. من حديث أبي هريرة رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما خلق الله الجنة والنار، أرسل جبرائيل إلى الجنة، فقال: اذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فذهب فنظر إليها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها، فرجع فقال: وعزتك، لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فأمر بالجنة، فحفت بالمكاره، فقال: ارجع فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فنظر إليها، ثم رجع فقال: وعزتك، لقد خشيت أن لا يدخلها أحد، قال: ثم أرسله إلى النار، قال: اذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فنظر إليها، فإذا هي يركب بعضها بعضاً، ثم رجع فقال: وعزتك، لا يدخلها أحد سمع بها، فأمر بها فحفت بالشهوات، ثم قال: اذهب فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها، فذهب فنظر إليها، فرجع فقال: وعزتك، لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها.
ونظائر ذلك في السنة كثيرة.
وأما على قول من قال: إن الجنة الموعود بها هي الجنة التي كان فيها آدم ثم أخرج منها، فالقول بوجودها الآن ظاهر، والخلاف في ذلك معروف.
وأما شبهة من قال: إنها لم تخلق بعد، وهي: أنها لو كانت مخلوقة الآن لوجب اضطراراً أن تفنى يوم القيامة وأن يهلك كل من فيها ويموت، لقوله تعالى: كل شيء هالك إلا وجهه. و كل نفس ذائقة الموت، وقد روى الترمذي في جامعه، من حديث ابن مسعود رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال: يا محمد، أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، قال: هذا حديث حسن غريب. وفيه أيضاً من حديث أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: من قال سبحان الله وبحمده، غرست له نخلة في الجنة، قال: هذا حديث حسن صحيح، قالوا: فلو كانت مخلوقة مفروغاً منها لم تكن قيعاناً، ولم يكن لهذا الغراس معنى. قالوا: وكذا قوله تعالى عن امرأة فرعون أنها قالت: رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة فالجواب: إنكم إن أردتم بقولكم إنها الآن معدومة بمنزلة النفخ في الصور وقيام الناس من القبور، فهذا باطل، يرده ما تقدم من الأدلة وأمثالها مما لم يذكر، وإن أردتم أنها لم يكمل خلق جميع ما أعد الله فيها لأهلها، وأنها لا يزال الله يحدث فيها شيئاً بعد شيء، وإذا دخلها المؤمنون أحدث الله فيها عند دخولهم أموراً أخر- فهذا حق لا يمكن رده، وأدلتكم هذه إنما تدل على هذا القدر. وأما احتجاجكم بقوله تعالى: كل شيء هالك إلا وجهه، فأتيتم من سوء فهمكم معنى الآية، واحتجاجكم بها على عدم وجود الجنة والنار الآن - نظير احتجاج إخوانكم على فنائهما وخرابهما وموت أهلهما ! ! فلم توفقوا أنتم لا إخوانكم لفهم معنى الآية، وإنما وفق لذلك أئمة الاسلام. فمن كلامهم: أن المراد كل شيء مما كتب [الله] عليه الفناء والهلاك هالك، والجنة والنار خلقتا للبقاء لا للفناء، وكذلك العرش، فإنه سقف الجنة. وقيل: المراد إلا ملكه. وقيل: إلا ما أريد به وجهه. وقيل: إن الله تعالى أنزل: كل من عليها فان، فقالت الملائكة: هلك أهل الأرض، وطمعوا في البقاء، فأخبر تعالى عن أهل السماء والأرض أنهم يموتون، فقال: كل شيء هالك إلا وجهه، لأنه حي لا يموت، فأيقنت الملائكة عند ذلك بالموت. وإنما قالوا ذلك توفيقاً بينها وبين النصوص المحكمة، الدالة على بقاء الجنة، وعلى بقاء النار أيضاً، على ما يذكر عن قريب، إن شاء الله تعالى.
وقوله: لا تفنيان أبدا ولا تبيدان - هذا قول جمهور الأئمة من السلف والخلف. وقال ببقاء الجنة وبفناء النار جماعة من السلف والخلف، والقولان مذكوران في كثير من كتب التفسير وغيرها. قال بفناء الجنة والنار الجهم بن صفوان إمام المعطلة، وليس له سلف قط، لا من الصحابة ولا من التابعين لهم بإحسان، ولا من أئمة المسلمين، ولا من أهل السنة. وأنكره عليه عامة أهل السنة، وكفروه به، وصاحوا به وبأتباعه من أقطار الأرض. وهذا قاله لأصله الفاسد الذي اعتقده، وهو امتناع وجود [ما] لا يتناهى من الحوادث ! وهو عمدة أهل الكلام المذموم، التي استدلوا بها على حدوث الأجسام، وحدوث ما لم يخل من الحوادث، وجعلوا ذلك عمدتهم في حدوث العالم. فرأى جهم أن ما يمنع من حوادث لا أول لها في الماضي، يمنعه في المستقبل ! ! فدوام الفعل عنده على الرب في المستقبل ممتنع، كما هو ممتنع عنده عليه في الماضي! ! وأبو الهذيل العلاف شيخ المعتزلة، وافقه على هذا الأصل، لكن قال: إن هذا يقتضي فناء الحركات، فقال بفناء حركات أهل الجنة والنار، حتى يصيروا في سكون دائم، لا يقدر أحد منهم على حركة ! ! وقد تقدم الإشارة إلى اختلاف النار في تسلسل الحوادث في الماضي والمستقبل، وهي مسألة دوام فاعلية الرب تعالى، وهو لم يزل رباً قادراً فعالاً لما يريد، فإنه لم يزل حياً عليماً قديراً. ومن المحال أن يكون الفعل ممتنعا عليه لذاته، ثم ينقلب فيصير ممكناً لذاته، من غير تجدد [شيء]، وليس للأول حد محدود حتى يصير الفعل ممكناً له عند ذلك الحد، ويكون قبله ممتنعاً عليه. فهذا القول تصوره كاف في الجزم بفساده.
فأما أبدية الجنة، وأنها لا تفنى ولا تبيد، فهذا مما يعلم بالضرورة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر به، قال تعالى: وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ، أي غير مقطوع، ولا ينافي [ذلك] قوله: إلا ما شاء ربك. واختلف السلف في هذا الإستثناء: فقيل: معناه إلا مدة مكثهم في النار، وهذا يكون لمن دخل منهم إلى النار ثم أخرج منها، لا لكلهم. وقيل: إلا مده مقامهم في الموقف. وقيل: إلا مدة مقامهم في القبور والموقف. وقيل: هو استثناء الرب ولا يفعله، كما تقول: والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك، وأنت لا تراه، بل تجزم بضربه. وقيل: إلا بمعنى الواو، وهذا على قول بعض النحاة، وهو ضعيف. وسيبويه يجعل إلا بمعنى لكن، فيكون الاستثناء منقطعاً، ورجحه ابن جرير وقال: إن الله تعالى لا خلف لوعده، وقد وصل الاستثناء بقوله: عطاء غير مجذوذ. قالوا: ونظيره أن تقول: أسكنتك داري حولاً إلا ما شئت، أي سوى ما شئت، ولكن ما شئت من الزيادة عليه. وقيل: الاستثناء لإعلامهم، بأنهم مع خلودهم في مشيئة الله، لأنهم يخرجون عن مشيئته، ولا ينافي ذلك عزيمته وجزمه لهم بالخلود، كما في قوله تعالى: ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلًا، وقوله تعالى: فإن يشإ الله يختم على قلبك، وقوله: قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به. ونظائره كثيرة، يخبر عباده سبحانه أن الأمور كلها بمشيئته، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. وقيل: إن ما بمعنى من أي: إلا من شاء الله دخوله النار بذنوبه من السعداء. وقيل غير ذلك. وعلى كل تقدير، فهذا الاستثناء من المتشابه، وقوله: عطاء غير مجذوذ، محكم. وكذلك قوله تعالى: إن هذا لرزقنا ما له من نفاد. وقوله: أكلها دائم وظلها. وقوله: وما هم منها بمخرجين. وقد أكد الله خلود أهل الجنة بالتأبيد في عدة مواضع من القرآن، وأخبر أنهم: لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى، وهذا الاستثناء منقطع، وإذا ضممته إلى الإستثناء في قوله تعالى: إلا ما شاء ربك - تبين أن المراد من الآيتين استثناء الوقت الذي لم يكونوا فيه في الجنة من مدة الخلود، كاستثناء الموتة الأولى من جملة الموت، فهذه موتة تقدمت على حياتهم الأبدية، وذلك مفارقة للجنة تقدمت على خلودهم فيها.
والأدلة من السنة على أبدية الجنة ودوامها كثيره: كقوله صلى الله عليه وسلم: من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس ويخلد ولا يموت. وقوله: ينادي مناد: يا أهل الجنة، إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وأن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وأن تحيوا فلا تموتوا أبداً. وتقدم ذكر ذبح الموت بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل الجنة، خلود فلا موت، ويا أهل النار، خلود فلا موت.
وأما أبدية النار ودوامها، فللناس في ذلك ثمانية أقوال: أحدها: أن من دخلها لا يخرج منها أبد الآباد، وهذا قول الخوارج والمعتزلة. والثاني: أن أهلها يعذبون فيها، ثم تنقلب طبيعتهم وتبقى طبيعة النارية يتلذذون بها لموافقتها لطبعهم ! وهذا قول إمام الاتحادية ابن عربي الطائي ! ! الثالث: أن أهلها يعذبون فيها إلى وقت محدود، ثم يخرجون منها، ويخلفهم فيها قوم آخرون، وهذا القول حكاه اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم، وأكذبهم فيه، وقد أكذبهم الله تعالى، فقال عز من قائل: وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون * بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون. الرابع: يخرجون منها، وتبقى على حالها ليس فيها أحد. الخامس: أنها تفنى بنفسها، لأنها حادثة وما ثبت حدوثه استحال بقاؤه !! وهذا قول الجهم وشيعته، ولا فرق عنده في ذلك بين الجنة والنار، كما تقدم. السادس: تفنى حركات أهلها ويصيرون جماداً، لا يحسون بألم، وهذا قول أبي الهذيل العلاف كما تقدم. السابع: أن الله يخرج منها من يشاء، كما ورد في الحديث، ثم يبقيها شيئاً، ثم يفنيها، فإنه جعل لها أمداً تنتهي إليه. الثامن: أن الله تعالى يخرج منها من شاء، كما ورد في السنة، ويبقى فيها الكفار، بقاء لا انقضاء له، كما قال الشيخ رحمه الله. وما عدا هذين القولين الأخيرين ظاهر البطلان.
وهذان القولان لأهل السنة ينظر في أدلتهما. فمن أدلة القول الأول منهما: قوله تعالى: قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم. وقوله تعالى. فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق * خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد. ولم يأت بعد هذين الاستثناءين ما أتى بعد الاستثناء المذكور لأهل الجنة، وهو قوله: عطاء غير مجذوذ. وقوله تعالى: لابثين فيها أحقابا. وهذا القول، أعني القول بفناء النار دون الجنة - منقول عن عمر، و ابن مسعود، و أبي هريرة، و أبي سعيد، وغيرهم. وقد روى عبد بن حميد في تفسيره المشهور، بسنده إلى عمر رضي الله عنه، أنه قال: لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج، لكان لهم على ذلك وقت يخرجون فيه، ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى: لابثين فيها أحقاباً. قالوا: والنار موجب غضبه، والجنة موجب رحمته. وقد قال صلى الله عليه وسلم: لما قضى الله الخلق، كتب كتاباً، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي. وفي رواية: تغلب غضبي. رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قالوا: والله سبحانه يخبر عن العذاب أنه: عذاب يوم عظيم. و أليم. و عقيم. [ ولم يخبر ولا في موضع واحد عن النعيم أنه نعيم يوم. وقد قال تعالى: عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء. وقال تعالى حكاية عن الملائكة: ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً. فلا بد أن تسع رحمته هؤلاء المعذبين، فلو بقوا في العذاب لا إلى غاية لم تسعهم رحمته. وقد ثبت في الصحيح تقدير يوم القيامة بخمسين ألف سنة، والمعذبون فيها متفاوتون في مدة لبثهم في العذاب بحسب جرائمهم، وليس في حكمة أحكم الحاكمين ورحمة أرحم الراحمين أن يخلق خلقاً يعذبهم أبد الآباد عذاباً سرمداً لا نهاية له. وأما أنه يخلق خلقاً ينعم عليهم ويحسن إليهم نعيماً سرمداً، فمن مقتضى الحكمة. والإحسان مراد لذاته، والانتقام مراد بالعرض. قالوا: وما ورد من الخلود فيها، والتأبيد، وعدم الخروج، وأن عذابها مقيم، وأنه غرام -: كله حق مسلم، لا نزاع فيه، وذلك يقتضي الخلود في دار العذاب ما دامت باقية، وإنما يخرج منها في حال بقائها أهل التوحيد. ففرق بين من يخرج من الحبس وهو حبس على حاله، وبين من يبطل حبسه بخراب الحبس وانتقاضه.
ومن أدلة القائلين ببقائها وعدم فنائها: قوله: ولهم عذاب مقيم. لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون. فلن نزيدكم إلا عذاباً. خالدين فيها أبداً. وما هم منها بمخرجين. وما هم بخارجين من النار. لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط. لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها. إن عذابها كان غراماً، أي مقيماً لازماً. وقد دلت السنة المستفيضة أنه يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله: وأحاديث الشفاعة صريحة في خروج عصاة الموحدين من النار، وأن هذا حكم مختص بهم، فلو خرج الكفار منها لكانوا بمنزلتهم، ولم يختص الخروج بأهل الإيمان. وبقاء الجنة والنار ليس لذاتهما، بل بإبقاء الله لهما.

  #5  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 02:52 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لمعالي الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)


قال العلامة الطحاوي رحمه الله تعالى:
والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدا ولا تبيدان , وإن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق , وخلق لهما أهلا , فمن شاء منهم إلى الجنة فضلا منه , ومن شاء منهم إلى النار عدلا منه , وكل يعمل لما قد فرغ له , وصائر إلى ما خلق له.

والخير والشر مقدران على العباد , والاستطاعة التي يجب بها الفعل من نحو التوفيق الذي لا يجوز أن يوصف المخلوق به , فهي مع الفعل , وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع والتمكن , وسلامة الآلات فهي قبل الفعل , وبها يتعلق الخطاب , وهو كما قال تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}. وأفعال العباد خلق لله وكسب من العباد.

الشيخ: (بس) يكفي. بِسْمِ اللهِ الرَّحَمَنِ الرَّحِيمِ , الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين , اللهم نسألك العلم النافع والعمل الصالح , اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً , ومن علينا بحسن الختام , وقنا الشر وأسبابه؛إنك على كل شيء قدير.
قال رحمه الله هنا: "والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدا ولا تبيدان" يريد بذلك أن يقرر ما دل عليه كتاب الله جل وعلا وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , من أن الجنة موجودة اليوم , وأن النار موجودة , وأن الجنة مخلوقة قبل خلق آدم , والنار موجودة , خلقها الله جل وعلا كما خلق الجنة , وخلق لها أهلا كما قال: "وخلق لهما أهلا".

وهذا الأصل قرر في العقائد؛لأجل ما ذكرت لكم من الأسباب فيما قبله من أن هذه المسألة غيبية , والدليل جاء بإثباتها , وطائفة من الفرق الضالة خالفت في هذا الأصل , وأهل السنة يذكرون في عقائدهم ـ كما سبق أن بينت لكم ـ الأمور الغيبية , وما يجب أن يعتقد فيها , ويذكرون ما دلت عليه النصوص , مما يجب التسليم له , ويذكرون أيضا في عقائدهم ما يتميزون به عن الفرق الضالة , أو عن بعض تلك الفرق.

وهذه المسالة وهي مسألة خلق الجنة والنار , وأن الحنة باقية أبداً , والنار باقية أبدا , لا تفنى الجنة والنار ولا تبيدان ـ كانت من المسائل التي جرى فيها الكلام بعد ظهور الجهمية , وأصل هذه المسألة ـ كما سيأتي ـ مرتبط بأصلين كلاميين , زعمهما الجهمية ومن وافقهم في القدر , وفي تسلسل الأفعال والمخلوقات والمؤثرات , والله جل جلاله لم يجر عالم الغيب على قياس عالم الشهادة , وهذا أصل مهم في بيان ضلال من ضل في المسائل الغيبية؛حيث جعلوا عالم الغيب مَقِيساً على عالم الشهادة , ما يصلح لعالم الشهادة يصلح لعالم الغيب , والقوانين والسنن التي تحكم عالم الشهادة يجعلونها صالحة لعالم الغيب.
والله جل وعلا خلق كل شيء فقدره تقديراً , كل له تقديره الخاص , ووجود الجنة والنار عقيدة ماضية , دل عليها القرآن والسنة.
والأدلة في ذلك كثيرة جداً , نذكر منها قول الله جل و علا: {ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} , والجنة هذه هي جنة الخلد التي فيها الخلود الذي لا يزول عنه المرء ولا يحول , ووصفالله جل وعلا حين عُرج بنبيه أن عنده جنة المأوى, فقال جل وعلا: [ولقد رأى من آيات ربه الكبرى]* حيث قال جل علا: {ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى} فأثبت جل وعلا أنه حين عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم كانت الجنة هناك, والنبي عليه الصلاة والسلام أُرِيَ في ذلك المقام الشجرة الملعونة , قال جل وعلا: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً}.
لهذا لما وصف لهم حال النار وحال تلك الشجرة , قالوا ما قالوا في أن الزقوم والتزقم إنما هو خلط التمر بالزبد , ونحو ذلك , فقال جل وعلا: {إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم} والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وفي السنة أيضا في بيان هذا الأصل , وأن نسمة المؤمن في الجنة كقوله: ((نسمة المؤمن طائر يعلق من ثمار الجنة)) , وكقوله في أرواح الشهداء: ((أرواح الشهداء في جوف طير خضر تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش في الجنة)) , وكذلك قوله جل وعلا في الشهداء: {بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون)) , ونحو ذلك مما فيه التقرير على أن الجنة موجودة , والنار موجودة , وأن هذه سيدخلها من يدخلها , وهذه سيدخلها من شاء الله أن يدخلها.
فإذن أهل السنة قرروا هذا في العقائد تبعاً للدليل , وهذا أمر واضح بين فيما دل عليه القرآن والسنة , ونذكر المسائل بهذا:

المسألة الأولى:
قوله: "الجنة والنار مخلوقتان" , يعني به: أن خلقهما قد تم موقوفا على قيام الساعة , وليس حال الجنة والنار كحال السماوات والأرض {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات} , فذاك شأن والجنة والنار شأنهما آخر , فهما مخلوقتان يعني الآن حين قال وحين بعث الله نبيه وقبل ذلك فهما مخلوقتان , لا يعلم من خلقهما الله جل جلاله , وإنما خلقهما الله جل وعلا قبل خلق الخلق , يعني خلق آدم قبل خلق المكلفين , وهذا يدل عليه قوله:{ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} , والألف واللام في الجنة للعهد , يعني الجنة المعهودة التي هي دار النعيم.

المسألة الثانية:
قوله: "لا تفنيان أبداً ولا تبيدان" يعني: أن الجنة خلقت للبقاء , والنار خلقت للبقاء , وهذا هو الذي دل عليه القرآن والسنة , بأن أهل الجنة خالدين فيها أبداً , وأن أهل النار خالدين فيها أبداً , قال جل وعلا في ذكر النار: {يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً خالدين فيها أبداً لا يجدون وليا ولا نصيرا} , وفي الجنة آيات كثيرة جداً فيها ذكر الأبدية , وأن من دخلها فهو خالد فيها أبداً.

وهذه الأبدية في الجنة والنار معاً مما أجمع عليه أهل السنة والجماعة؛لأن الجنة والنار مخلوقتان للبقاء أبداً , والمقصود بالنار هنا في الإجماع جنس النار؛فإن الإجماع منعقد على أن جنس النار باق أبداً , والفرق المخالفة لهم عدة أقوال في هذه المسألة , تبلغ ستة أقوال أو أكثر , وأهمها قول من يقول: إن الجنة والنار تفنيان في وقت , ويبقى نعيم أهلها , نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار بالاستصحاب , لا بتجدد النعيم , يعني: يحصل لهم نعيم تتنعم به أبدانهم , ثم يقف وتفنى الجنة.

وذلك لأصل أصلوه وهو أن العقل اقتضى أن الحركة التي تبدأ فإنها ستنتهي , وكل متحرك بدأ بحركة فلا بد أن ينتهى بلا حركة , لهذا قالوا: أهل النار أيضا لا يستمرون في العذاب؛ بل تفنى النار ويبقى أهل النار ليسوا في نعيم.
ولذلك يصح أن يقال عنهم: إنهم في عذاب دائم , وهذا منسوب إلى الفرق الضالة الكافرة كالجهمية.
وطائفة أيضا من غيرهم والقول الثاني من الأقوال الضالة من يقول: إن الجنة تبقى والنار تبقى , لكن النعيم ينقطع , والعذاب ينقطع , ويكون الجنة يفعل الله جل وعلا بها ما يشاء , والنار يفعل الله بها ما يشاء.
وهذا لأجل الأصل السابق , ولأجل النظر في القدر؛حيث إن استدامة النعيم عندهم على عمل صالح قليل لا يوافق العدل , واستدامة العذاب على عمل سيئ قليل الزمن لا يوافق العدل , ولهذا نفوا هذا الأصل.
وثم أقوال أخر ليس مناسبا أن تذكر في مثل هذا المكان , أما قول أهل السنة المعروف هو ما ذكرته لك من أن الجنة والنار مخلوقتان لا تبيدان ولا تفنيان أبد الآبدين , ينعم أهل الجنة في الجنة أبد الآبدين , ويعذب الكفار في النار أبد الآبدين , قد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((يؤتي يوم القيامة بالموت على هيئة كبش فيذبح بين الجنة والنار , ثم ينادي المنادي: يا أهل الجنة خلود فلا موت , ويا أهل النار خلود فلا موت)) , وتنصيص على الأبدية في نعيم أهل الجنة وخلودهم فيها يدل على أن المكان الذي يخلدون فيه يبقى , حيث قال جل وعلا في الجنة: {خالدين فيها أبداً} , وقال في النار: {خالدين فيها أبدا} , فهم خالدون في المكان , فيقتضي أن المكان أيضا يبقى أبد الآبدين.

ومن أهل السنة من قال: إن النار منها ما يفنى وينتهي بإنهاء رب العالمين له , وهو طبقة أو درك الموحدين من النار , وهي الطبقة العليا من النار؛لأن الموحدين موعودون بأن يخرجوا من النار , فلا يدخل , فلا يخلد في النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان , لا بد لهم من يوم يخرجون منها؛لأن معهم التوحيد , ولو طالت مدتهم , ثم تبقى تلك الطبقة لا أحد فيها فيفنيها الله جل وعلا.
وهذا منسوب إلى بعض السلف.
وجاء في الأثر عن عمر وفي إسناده مقال وضعف , أن أهل النار لو لبثوا فيها كقدر رمل هالج موضع , فيه رمل كثير لكان لهم يوم يخرجون منها , وليأتين عليها يوم تصطفق أبوابها ليس فيها أحد.

ومما ينسب أيضا إلى بعض أهل السنة من أئمة أهل السنة , أن فناء النار ممكن , وأن فناءها لا يمتنع , وهو القول المشهور عن الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله وعن غيره كابن القيم وجماعة من المتقدمين أيضا ومن الحاضرين.

وهذا القول منشؤه مع علم هؤلاء بالدليل وبالنصوص , منشؤه على وجه الاختصار النظر في صفات الله جل وعلا؛وذلك أن من المتقرر في النصوص أن صفة الرحمة ذاتية ملازمة للرب جل وعلا , والجنة من آثار رحمة الله جل وعلا ((أنت رحمتي أرحم بك من أشاء)) , والنار أثر غضب الله جل وعلا , والغضب صفة فعلية اختيارية , لا تنقلب إلى أن تكون صفة ذاتية كالرحمة , ولو بقي أثر الغضب لبقي الأصل وهو الغضب , لو بقيت النار هو أصل الغضب لبقي الغضب أبد الآبدين.وهذا يعني أنه أصبح صفة ملازمة.

وهذا هو مأخذ هؤلاء الأئمة في هذه المسألة , وهذا فيه بحث وسمارت ويرنظر معروف في تقرير هذه المسألة , لكن من بحثها كثير من الناس كتبوا فيها لم يتوسعوا , أو لم يلحظوا علاقة المسألة في قول هؤلاء بصفات الله جل وعلا , وهي أصل منشأ هذه المسألة , وقد قال ابن القيم: سألت ابن تيمية عنها فقال: هذه مسألة عظيمة.
وذكر في موضع بعد أن ذكر أدلة الجمهور أهل السنة , وأدلة هؤلاء فقال في آخره: فإن قلت: إلى أي شيء انتهت أقدامكم في هذه المسألة العظيمة قلنا: انتهت أقدامنا إلى قول الله جل وعلا: {إن ربك فعال لما يريد}.
ومما لا ينبغي أن يخاض في هذه المسألة , لكن لما أوردها الشارح وهي مسألة مشهورة عند طلبة العلم , أوردت عليها هذا التقرير الموجز , وهي معروفة بتفاصيل من التعليل لقول ابن تيمية وابن القيم , ولم يصب من زعم أنه لا يصح نسبة هذا القول إلى الشيخين ابن تيمية وابن القيم.


* الصواب: {لقد رأى من آيات ربه الكبرى} . النجم (18) .


  #6  
قديم 5 ربيع الأول 1430هـ/1-03-2009م, 11:48 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية للشيخ: يوسف بن محمد الغفيص (مفرغ)


الإيمان بالجنة والنار وأنهما مخلوقتان
قال المصنف رحمه الله: [والجنة والنار مخلوقتان] . وهذا بإجماع أهل السنة، وقد عُرض ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم في المنام، ورأى صلى الله عليه وسلم بعض أحوال العصاة ثم ذكر بعض أحوال أهل النعيم، وصريح الكتاب والسنة يدلان على أن الجنة والنار مخلوقتان، والآثار بذلك مستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا أجمع السلف. ......

بقاء الجنة والنار وعدم فنائهما
قال المصنف رحمه الله: [لا تفنيان أبداً ولا تبيدان] . أي أنهما في دوامٍ مستمر، وهذا قد اتفق عليه السلف خلافاً للجهم بن صفوان وأمثاله ممن لم يثبتوا دوام الجنة، أو دوام النار، أو ممن بقول أبي الهذيل العلاف ، بأن أهل الجنة وأهل النار تنقطع حركاتهم ويظلون في سكونٍ دائم؛ لأن التسلسل عندهم في المستقبل ممتنع، فهذه أصول باطلة في العقل فضلاً عن بطلانها في الشرع.

نسبة القول بفناء النار إلى ابن تيمية
نسب لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القول بفناء النار. فنقول: أولاً: يجب أن يفرق بين هذا القول -على ما فيه من التعقب -من حيث هو ومن حيث كونه قولاً لشيخ الإسلام ، فيجب أن يفرق بين هذا القول، وبين قول جهم بن صفوان ، فإن الجهم بن صفوان يقول بفناء العذاب مع بقاء النار، والذي نسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، هو القول بأن النار تفنى، أي: تنتهي، وأما القول بأن النار تبقى وينقطع عذاب أهلها، فهذا قول لم يؤثر عن أحدٍ البتة. وهذه المسألة ذكرها ابن القيم في كتابه حادي الأرواح، وذكر أن طائفة من السلف، بل نسب لبعض الصحابة، أنهم كانوا يقولون بفناء النار، وذكر أن في المسألة قولين لأهل السنة، وكأنه يميل إلى القول بالفناء، ولكنه لم يجزم به جزماً صريحاً. وعلى كل حال فنسبة هذا القول للإمام ابن القيم ، فيه نوع من المقاربة، وإن كان كلامه في بعض كتبه يوحي بأنه يخالف هذا القول، ولكن إضافة هذا القول لـابن القيم له حظٌ من النظر أو الاعتبار؛ لأن هذا هو ظاهر كلامه. أما الإمام ابن تيمية رحمه الله، فإن نسبة هذا القول إليه لا تصح، وهناك رسالة صرح فيها بهذا القول، وهي منسوبة لـشيخ الإسلام وقد حققت، ولكن الظاهر أنها لا تصح عنه رحمه الله، بل ظاهر كلامه في أكثر من موضع من كتبه، أنه يقرر هذه الحقيقة المجملة التي ذكرها أهل السنة، وهي أن الجنة والنار لا تفنيان، ولا يستثني من ذلك العذاب في النار أو ما إلى ذلك من الاستثناءات التي أضيفت إليها، ولو صحت هذه الرسالة لكان هذا مما يُجزم به قولاً لـشيخ الإسلام ، لكن هذه الرسالة وإن حققت ونسبت إليه إلا أن الأظهر أنها لا تصح عنه.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
والجنة, قوله

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:21 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir