دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الطحاوية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 03:47 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي قوله: (ونؤمن بالبعث وجزاء الأعمال يوم القيامة...)

وَنُؤْمِنُ بالبَعْثِ وجزاءِ الأعمالِ يومَ القيامةِ، والعرضِ والحسابِ، وقراءةِ الكتابِ، والثوابِ والعقابِ.
والصراطِ والميزانِ.

  #2  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 07:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات على الطحاوية لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

[لا يوجد تعليق للشيخ]

  #3  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 07:24 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات المختصرة للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

(1) وَنُؤْمِنُ بالبَعْثِ وجزاءِ الأعمالِ يومَ القيامةِ، والعرضِ والحسابِ، وقراءةِ الكتابِ، والثوابِ والعقابِ، والصراطِ والميزانِ.



(1) بعدَ البَرْزَخِ يُبْعَثُ الناسُ من قبورِهِم، فهذهِ القبورُ تَضُمُّ الأجسادَ وتحفظُهَا، فإذا جاءَ البعثُ فإنَّ اللَّهَ يُنْشِئُ هَذِهِ الأجسامَ كَمَا خَلَقَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، لا يَنْقُصُ منهَا شَيْءٌ {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} (الأَنْبِيَاء: 104).
فَتُعَادُ كَمَا كَانَتْ، بِحَيْثُ لَو مَرَّ شَخْصٌ على رجلٍ يَعْرِفُهُ لَقَالَ: هذا فلانٌ. ثم يَأْمُرُ اللَّهُ إسرافيلَ فَيَنْفُخُ في الصورِ النفخةَ الثانيةَ، فَتَطِيرُ الأرواحُ إلى أجسادِهَا.
والمَحْشَرُ: مَجْمَعُ الأُمَمِ، يَجْمَعُ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ والآخرينَ بعدَ البعثِ، فاللَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قديرٌ، والإيمانُ بالبعثِ أَحَدُ أركَانِ الإيمانِ الستَّةِ، كما في الحديثِ.
وَأَنْكَرَ البعثَ المشركونَ والملاحدةُ بِنَاءً على عقولِهِم، فقالوا: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَ آبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} (الوَاقِعَة: 47، 48) وَذَكَرَ اللَّهُ إِنْكَارَهُم هذا في عِدَّةِ مَوَاضِعَ، مثلَ: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (يس: 78).
واللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ أَدِلَّةً عَقْلِيَّةً على البعثِ {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} (الرُّوم: 27) وهذا مِن بَابِ ضَرْبِ المَثَلِ، فالذي خَلَقَهُمْ مِن ماءٍ مَهِينٍ، أَلاَّ يَقْدِرُ أَنْ يَخْلُقَهُمْ مِن تُرَابٍ وَيُعِيدَهُم كما كانوا؟ {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * ألَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْييَ الْمَوْتَى} (القِيَامَة: 36 - 40).
وَمَِن الأدلةِ: إحياءُ أرضٍ يَابِسَةٍ قَاحِلَةٍ بيضاءَ ما فيها شَيْءٌ، ثم يُنْزِلُ اللَّهُ عليها المطرَ، فَفِي أيامٍ قليلةٍ تَهْتَزُّ بالنباتِ.
ألَيْسَ الذي يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا بِقَادِرٍ على أنْ يُعِيدَ خَلْقَ الإنسانِ؟ فهذا شَيْءٌ معقولٌ وشيءٌ محسوسٌ {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا} (يس: 33) بعدَ أنْ كانتْ مَيْتَةً فَأَحْيَاهَا بالنباتِ {وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَاأَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} (الحج: 56).
وَمِنَ الْأَدِلَّةِ على البَعْثِ أَيْضًا: أنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لو لم يَبْعَث الناسَ ويُجَازِهِم لكَانَ خَلْقُهُ عَبَثًا، واللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنَزَّهٌ عن العبثِ {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} (المُؤْمِنُونَ: 115، 116).
فالإنسانُ الذي يُفْنِي نَفْسَهُ بالعِبَادةِ والطاعةِ في الدنيا فَيَمُوتُ وَلاَ يُبْعَثُ؟! كذلكَ الكافِرُ يَعِيثُ في الأَرْضِ فسادًا وَيَفْعَلُ الفواحشَ وَيَمُوتُ ولا يُبْعَثُ؟! هذا لا يَكُونُ مِن حكمةِ اللَّهِ {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءٌ مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (الجاثِيَة: 21)، وقَالَ سُبْحَانَهُ: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (القلم: 35، 36)، {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ * أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} (ص: 27، 28).
فَالْمُؤْمِنُ قَدْ لاَ يَنْعَمُ في الدنيا، ويكونُ في ضيقٍ وشدَّةٍ، فلا يَنَالُ جزاءَ عملِه؟! والكافرُ يَنْعَمُ ويَبْطِشُ ويُفْسِدُ في الأَرْضِ ولا يَنَالُ جزاءَهُ؟! هذا لا يَلِيقُ بحكمةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
والبعثُ معناهُ القيامُ من القبورِ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (المطففين: 6) (وَجَزَاءِ الأَعْمَالِ) كما سَبَقَ: أنَّ المُحْسِنِينَ والمُسِيئِينَ لا يَنَالُونَ جزاءَهُم في الدنيا، إِنَّمَا ذلكَ في دارِ الآخرةِ.
(والعَرْضِ) يعني: على اللَّهِ {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} (الحاقَّة: 18)، {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} (الكَهْف: 48) يُعْرَضُونَ على اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حُفَاةً عُرَاةً، غُرْلًا، أي: غَيْرَ مَخْتُونِينَ.
(والحِسَابِ) على الأعمالِ: تقريرُ الحسناتِ وتقريرُ السيئاتِ، هذا بالنسبةِ للمؤمنينَ، أَمَّا الكافِرُ فإِنَّهُ لا يُحَاسَبُ حِسَابَ موازنةٍ بينَ حسناتِهِ وسيِّئَاتِهِ، وإِنَّمَا يُقَرَّرُ بذنوبِهِ وكُفْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حسناتٌ.
والمؤمنونَ منهمْ مَن يَدْخُلُ الجنَّةَ بغيرِ حسابٍ، وَمَنهمْ مَن يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ويَنْقَلِبُ إلى أهلِهِ مَسْرُورًا، وهو العَرْضُ، وَمَنهمْ مَن يُنَاقَشُ الحسابَ، وفي الحديثِ: (مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ). وهذهِ درجاتُ المؤمنينَ.
(والكُتُبِ): صحائفُ الأعمالِ التي عَمِلُوهَا في الدنيا، كُلٌّ يُعْطَى يومَ القيامةِ كِتَابَهُ وصحيفةَ أعمالِهِ التي عَمِلَهَا في الدنيا، ومكتوبٌ فيها كُلُّ شَيْءٍ {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} (الكَهْف: 49)، وقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَكُلُّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} (الإِسْرَاء: 14،13) وقَالَ سُبْحَانَهُ: { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍِ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } (الحَاقَّة: 19 – 22) فهذا الصنفُ من الناسِ يَفْرَحُ ويَسُرُّهُ أنْ يَطَّلِعَ الناسُ على كتابِهِ.
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِي كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ }
(الحاقَّة: 25، 27) يَعْنِي: يا لَيْتَنِي لمْ أُبْعَثْ، وكَانَ الموتُ هو القاضي
َ عَلَيَّ ولم أُبْعَثْ {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} (الحاقة: 28 – 29).

وهذا تَطَايُرُ الصُّحُفِ، إِمَّا بِالْيَمِينِ أَوْ بِالشِّمَالِ.
(والثوابِ والعقابِ) الثوابِ على الحسناتِ، والعقابِ على السيئاتِ.
(والصراطِ) وهو: الجِسْرُ المنصوبُ على مَتْنِ جَهَنَّمَ، أَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ، وأَدَقُّ مِن الشَّعَرِ، وأَحَرُّ مِن الجمرِ، يَمُرُّ الناسُ عليهِ على قَدْرِ أعمالِهِم، فمِنْهُم مَن يَمُرُّ كالبرقِ الخاطفِ، وَمَنهم مَن يَمُرُّ كالريحِ، وَمَنهمْ مَن يَمُرُّ كأَجَاوِيدِ الخيلِ، وَمَنهم مَنْ يَمُرُّ كَرِكَابِ الإبلِ، وَمَنهمْ مَن يَمُرُّ عَدْوًا وَمَنهم مَن يَمُرُّ مَشْيًا، وَمَنهم مَنْ يَمُرُّ حَبْوًا وَمَنهم مَن تَلْقُطُهُ كلاليبُ على حافَّتَي الجِسْرِ وتَقْذِفُهُ في النارِ، وهذهِ أمورُ غَيْبٍ، فلا يُدْخِلُ الإنسانُ عَقْلَهُ فيها، وكُلُّ الناسِ يَمُرُّونَ على الصراطِ {وَإِنْ مِنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} (مَرْيَم: 71، 72).
وَتُوزَنُ الحسناتُ، فإنْ رَجَحَتْ حسناتُهُ فَازَ، وإِنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ على حسناتِهِ خابَ وخَسِرَ {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُةُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} (الأَعْرَاف: 8، 9).
وَتَكَرَّرَ ذِكْرُ الوزنِ والميزانِ في آياتٍ كثيرةٍ، وهذا مِن عَدْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وأَنَّهُ لا يَظْلِمُ أَحَدًا. والميزانُ حَقِيقِيٌّ، لَهُ كِفَّتَانِ: تُوضَعُ الحسناتُ في كِفَّةٍ، وتُوضَعُ السيئاتُ في كِفَّةٍ، فأَيُّهُمْ رَجَحَتْ حسناتُهُ فازَ، وأيُّهُم رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ فَخَسِرَ {وَنَضَعُ الْمُوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (الأَنْبِيَاء: 47).

  #4  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 10:21 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي


قوله: ( ونؤمن بالبعث وجزاء الأعمال يوم القيامة، والعرض والحساب، وقراءة الكتاب، والثواب والعقاب والصراط والميزان ).

ش: الإيمان بالمعاد مما دل عليه الكتاب والسنة، والعقل والفطرة السليمة. فأخبر الله سبحانه عنه في كتابه العزيز، وأقام الدليل عليه، ورد على منكريه في غالب سور القرآن. وذلك: أن الأنبياء عليهم السلام كلهم متفقون على الإيمان بالله، فإن الإقرار بالرب عام في بني آدم، وهو فطري، كلهم يقر بالرب، إلا من عاند، كفرعون، بخلاف الإيمان باليوم الآخر، فإن منكريه كثيرون، ومحمد صلى الله عليه وسلم لما كان خاتم الأنبياء، وكان قد بعث هو والساعة كهاتين، وكان هو الحاشر المقفي - بين تفضيل الآخرة بياناً لا يوجد في شيء من كتب الأنبياء. ولهذا ظن طائفة من المتفلسفة ونحوهم، أنه لم يفصح بمعاد الأبدان إلا محمد صلى الله عليه وسلم، وجعلوا هذه حجة لهم في أنه من باب التخييل والخطاب الجمهوري.
والقرآن بين معاد النفس عند الموت، ومعاد البدن عند القيامة الكبرى في غير موضع. وهؤلاء ينكرون القيامة الكبرى، وينكرون معاد الأبدان، ويقول من يقول منهم: إنه لم يخبر به إلا محمد صلى الله عليه وسلم على طريق التخييل ! وهذا كذب، فإن القيامة الكبرى هي معروفة عند الأنبياء، من آدم إلى نوح، إلى إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم عليهم السلام، وقد أخبر الله بها من حين أهبط آدم، فقال تعالى: قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين، قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون. ولما قال إبليس اللعين: رب فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم. وأما نوح عليه السلام فقال: والله أنبتكم من الأرض نباتاً * ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجاً. وقال إبراهيم عليه السلام: والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين. إلى آخر القصة. وقال: ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب. وقال: رب أرني كيف تحيي الموتى الآية، وأما موسى عليه السلام، فقال الله تعالى لما ناجاه: إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى * فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى. بل مؤمن آل فرعون كان يعلم المعاد، وإنما آمن بموسى، قال تعالى حكاية عنه: ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد * يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد، إلى قوله تعالى: يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار، إلى قوله: أدخلوا آل فرعون أشد العذاب. وقال موسى: واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك. وقد أخبر الله في قصة البقرة: فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون. وقد أخبر الله أنه أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، في آيات [من] القرآن، وأخبر عن أهل النار أنهم إذا قال لهم خزنتها: ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا ؟ قالوا: بلى، ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين. وهذا اعتراف من أصناف الكفار الداخلين جهنم أن الرسل أنذرتهم لقاء يومهم هذا. فجميع الرسل أنذروا بما أنذر به خاتمهم، من عقوبات المذنبين في الدنيا والآخرة. فعامة سور القرآن التي فيها ذكر الوعد والوعيد، يذكر ذلك فيها: في الدنيا والآخرة. وأمر نبيه أن يقسم به على المعاد، فقال: وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب الآيات. وقال تعالى: ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين. وقال تعالى: زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير. وأخبر عن اقترابها، فقال: اقتربت الساعة وانشق القمر. اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون، سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين، إلى أن قال: إنهم يرونه بعيداً * ونراه قريباً. وذم المكذبين بالمعاد، فقال: قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين [ حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها. ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد. بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون. وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعداً عليه حقا، إلى أن قال: وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين. إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون. ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيراً. ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا. أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا. قالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا * قل كونوا حجارة أو حديدا * أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا * يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا.
فتأمل ما أجيبوا به عن كل سؤال على التفصيل: فإنهم قالوا أولا: أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا، فقيل لهم في جواب هذا السؤال: إن كنتم تزعمون أنه لا خالق لكم ولا رب لكم، فهلا كنتم خلقاً لا يفنيه الموت، كالحجارة والحديد وما هو أكبر في صدوركم من ذلك ؟! فإن قلتم: كنا خلقاً على هذه الصفة التي لا تقبل البقاء - فما الذي يحول بين خالقكم ومنشئكم وبين إعادتكم خلقاً جديداً ؟! وللحجة تقدير آخر، وهو: لو كنتم من حجارة أو حديد أو خلق أكبر منهما، [فإنه] قادر على أن يفنيكم ويحيل ذواتكم، وينقلها من حال الى حال، ومن يقدر على التصرف في هذه الأجسام، مع شدتها وصلابتها، بالإفناء والإحالة - فما الذي يعجزه فيما دونها ؟ ثم أخبر أنهم يسألون آخراً بقولهم: من يعيدنا اذا استحالت جسومنا وفنيت ؟ فأجابهم بقوله: قل الذي فطركم أول مرة. فلما أخذتهم الحجة، ولزمهم حكمها، انتقلوا إلى سؤال اخر يتعللون به بعلل المنقطع، وهو قولهم: متى هو ؟ فأجيبوا بقوله: عسى أن يكون قريبا.
ومن هذا قوله: وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه، قال: من يحيي العظام وهي رميم ؟ إلى آخر السورة. فلو رام أعلم البشر وأفضحهم وأقدرهم على البيان، أن يأتي بأحسن من هذه الحجة، أو بمثلها بألفاظ تشابه هذه الألفاظ في الإيجاز ووضح الأدلة وصحة البرهان لما قدر. فإنه سبحانه افتتح هذه الحجة بسؤال أورده ملحد، اقتضى جواباً، فكان في قوله: ونسي خلقه ما وفى بالجواب. وأقام الحجة وأزال الشبهة لما أراد سبحانه من تأكيد الحجة وزيادة تقريرها فقال: قل يحييها الذي أنشأها أول مرة، فاحتج بالإبداء على الإعادة، وبالنشأة الأولى على النشأة الأخرى. إذ كل عاقل يعلم ضروريا أن من قدر على هذه قدر على هذه، وأنه لو كان عاجزاً عن الثانية لكان عن الأولى أعجز وأعجز. ولما كان الخلق يستلزم قدرة الخالق على المخلوق، وعلمه بتفاصيل خلقه أتبع ذلك بقوله: وهو بكل خلق عليم. فهو عليم بتفاصيل الخلق الأول وجزئياته، ومواده وصورته، فكذلك الثاني. فإذا كان تام العلم، كامل القدرة، كيف يتعذر عليه أن يحيي العظام وهي رميم ؟ ثم أكد الأمر بحجة قاهرة، وبرهان ظاهر، يتضمن جواباً عن سؤال ملحد آخر يقول: العظام اذا صارت رميماً عادت طبيعتها باردة يابسة، والحياة لا بد أن تكون مادتها وحاملها طبيعة حارة رطبة بما يدل على أمر البعث، ففيه الدليل والجواب معا، فقال: الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون. فأخبر سبحانه بإخراج هذا العنصر، الذي هو في غاية الحرارة واليبوسة، من الشجر الأخضر المتلىء بالرطوبة والبرودة، فالذي يخرج الشيء من ضده، وتنقاد له مواد المخلوقات وعناصرها [و] لا تستعصي عليه هو الذي يفعل ما أنكره الملحد ودفعه، من إحياء العظام وهي رميم. ثم أكد هذا بأخذ الدلالة من الشيء الأجل الأعظم، [على] الأيسر الأصغر، فإن كل عاقل يعلم أن من قدر على العظيم الجليل فهو على ما دونه بكثير أقدر وأقدر، فمن قدر على حمل قنطار فهو على حمل أوقية أشد أقتداراً، فقال: أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ؟ فأخبر أن الذي أبدع السماوات والأرض، على جلالتهما، وعظم شأنهما، وكبر أجسامها، وسعتهما، وعجيب خلقهما، أقدر على أن يحيي عظاماً قد صارت رميماً، فيردها إلى حالتها الأولى. كما قال في موضع آخر: لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون. وقال: أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم. ثم أكد سبحانه ذلك وبينه ببيان آخر، وهو أنه ليس فعله بمنزلة غيره، الذي يفعل بالآلات والكلفة، والنصب والمشقة، ولا يمكنه الاستقلال بالفعل، بل لا بد معه من آلة ومعين، بل يكفي في خلقه لما يريد أن يخلقه ويكونه نفس إرادته، وقوله للمكون: كن، فإذا هو كائن كما شاءه وأراده. ثم ختم هذه الحجة بإخباره أن ملكوت كل شيء بيده، فيتصرف فيه بفعله وقوله: وإليه ترجعون. ومن هذا قوله سبحانه: أيحسب الإنسان أن يترك سدى * ألم يك نطفة من مني يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوى * فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى * أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى. فاحتج سبحانه على أنه لا يتركه مهملاً عن الأمر والنهي، والثواب والعقاب، وأن حكمته وقدرته تأبى ذلك أشد الإباء، كما قال تعالى: أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون، إلى آخر السورة. فإن من نقله من النطفة إلى العلقة، ثم إلى المضغة، ثم شق سمعه وبصره، وركب فيه الحواس والقوى، والعظام والمنافع، والأعصاب والرباطات التي هي أشده، وأحكم خلقه غاية الإحكام، وأخرجه على هذا الشكل والصورة، التي هي أتم الصور وأحسن الأشكال كيف يعجز عن إعادته وإنشائه مرة ثانية ؟ أم كيف تقتضي حكمته وعنايته أن يتركه سدى ؟ فلا يليق ذلك بحكمته، ولا تعجز عنه قدرته. فانظر إلى هذا الاحتجاج العجيب، بالقول الوجيز، الذي لا يكون أوجز منه، والبيان الجليل، الذي لا يتوهم أوضح منه، ومأخذه لقريب، الذي لا تقع الظنون على أقرب منه.
وكم في القرآن [من] مثل هذا الاحتجاج، كما في قوله تعالى: يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة، إلى أن قال: وأن الله يبعث من في القبور. وقوله تعالى: ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، إلى أن قال: ثم إنكم يوم القيامة تبعثون. وذكر قصة أصحاب الكهف، وكيف أبقاهم موتى ثلاثماثة سنة شمسية، وهي ثلاثمائة وتسع سنين قمرية، وقال فيها: وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها.
والقائلون بأن الأجسام مركبة من الجواهر المفردة، لهم في المعاد خبط واضطراب. وهم فيه على قولين: منهم من يقول: تعدم الجواهر ثم تعاد. ومنهم من يقول: تفرق الأجزاء ثم تجمع. فأورد عليهم: الإنسان الذي يأكله حيوان، وذلك الحيوان أكله إنسان، فإن أعيدت تلك الأجزاء من هذا، لم تعد من هذا ؟ وأورد عليهم: أن الإنسان يتحلل دائماً، فماذا الذي يعاد ؟ أهو الذي كان وقت الموت ؟ فإن قيل بذلك، لزم أن يعاد على صورة ضعيفة، وهو خلاف ما جاءت به النصوص، وإن كان غير ذلك، فليس بعض الأبدان بأولى من بعض ! فادعى بعضهم أن في الإنسان أجزاء أصلية لا تتحلل، ولا يكون فيها شيء من ذلك الحيوان الذي أكله الثاني ! والعقلاء يعلمون أن بدن الإنسان نفسه كله يتحلل، ليس فيه شيء باق، فصار ما ذكروه في المعاد مما قوى شبهة المتفلسفة في إنكار معاد الأبدان.
والقول الذي عليه السلف وجمهور العقلاء: أن الأجسام تنقلب من حال إلى حال، فتستحيل تراباً، ثم ينشئها الله نشأة أخرى، كما استحال في النشأة الأولى: فإنه كان نطفة، ثم صار علقة، ثم صار مضغة، ثم صار عظاماً ولحماً، ثم أنشأه خلقاً سوياً. كذلك الإعادة: يعيده الله بعد أن يبلى كله إلا عجب الذنب، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب، منه خلق ابن آدم، ومنه يركب. وفي حديث آخر: إن السماء تمطر مطراً كمني الرجال، ينبتون في القبور كما ينبت النبات.
فالنشأتان نوعان تحت جنس، يتفقان ويتماثلان من وجه، ويفترقان ويتنوعان من وجه. والمعاد هو الأول بعينه، وإن كان بين لوازم الإعادة ولوازم البداءة فرق، فعجب الذنب هو الذي يبقى، وأما سائره فيستحيل، فيعاد من المادة التي استحال إليها. ومعلوم أن من رأى شخصاً وهو صغير، ثم رآه وقد صار شيخاً، علم أن هذا هو ذاك، مع أنه دائماً في تحلل واستحالة. وكذلك سائر الحيوان والنبات، فمن رآى شجرة وهي صغيرة، ثم رآها كبيرة، قال: هذه تلك. وليست [صفة] تلك النشأة الثانية مماثلة لصفة هذه النشأة، حتى يقال إن الصفات هي المغيرة، لا سيما أهل الجنة إذا دخلوها فإنهم يدخلونها على صورة آدم، طوله ستون ذراعاً، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما، وروي: أن عرضه سبعة أذرع. وتلك نشأة باقية غير معرضة للآفات، وهذه النشأة فانية معرضة للآفات.
وقوله: وجزاء الأعمال - قال تعالى: مالك يوم الدين. يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين. [ والدين: الجزاء، يقال: كما تدين تدان، أي كما تجازي تجازى ]، وقال تعالى: جزاء بما كانوا يعملون. جزاءً وفاقاً. من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون، من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون * ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون. من جاء بالحسنة فله خير منها، ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون. وأمثال ذلك. وقال صلى الله عليه وسلم، فيما يروي عن ربه عز وجل، من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه: يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. وسيأتي لذلك زيادة بيان عن قريب، إن شاء الله تعالى.
وقوله: والعرض والحساب، وقراءة الكتاب، والثواب والعقاب. قال تعالى: فيومئذ وقعت الواقعة * وانشقت السماء فهي يومئذ واهية * والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية * يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية، إلى آخر السورة. يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه * فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابا يسيرا * وينقلب إلى أهله مسرورا * وأما من أوتي كتابه وراء ظهره * فسوف يدعو ثبورا * ويصلى سعيرا * إنه كان في أهله مسرورا * إنه ظن أن لن يحور * بلى إن ربه كان به بصيرا. وعرضوا على ربك صفاً، لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة. ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا. يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار، إلى آخر السورة. رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده، إلى قوله: إن الله سريع الحساب. واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون. وروى البخاري رحمه الله في صحيحه، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك، فقلت: يا رسول الله، أليس قد قال الله تعالى: فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حساباً يسيراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك العرض، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب. يعني أنه لو ناقش في حسابه لعبيده لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولكنه تعالى يعفو ويصفح. وسيأتي لذلك زيادة [ بيان]، إن شاء الله تعالى. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى آخذ بقائمة العرش، فلا أدري أفاق قبلي، أم جوزي بصعقة يوم الطور ؟ وهذا صعق في موقف القيامة، إذا جاء الله لفصل القضاء، وأشرقت الأرض بنوره، فحينئذ يصعق الخلائق كلهم. فإن قيل: كيف تصنعون بقوله في الحديث: إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من تنشق عنه الارض، فأجد موسى باطشاً بقائمة العرش ؟ قيل: لا ريب أن هذا اللفظ قد ورد هكذا، ومنه نشأ الإشكال. ولكنه دخل فيه على الراوي حديثاً في حديث، فركب بين اللفظين، فجاء هذان الحديثان هكذا: أحدهما: أن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، كما تقدم، والثاني: أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، فدخل على الراوي هذا الحديث في الآخر. وممن نبه على هذا أبو الحجاج المزي، وبعده الشيخ شمس الدين بن القيم، وشيخنا الشيخ عماد بن كثير، رحمهم الله. وكذلك اشتبه على بعض الرواة، فقال: فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله عز وجل ؟ والمحفوظ الذي تواطأت عليه الروايات الصحيحة هو الأول، وعليه المعنى الصحيح، فإن الصعق يوم القيامة لتجلي الله لعباده إذا لفصل القضاء، فموسى عليه السلام إن كان لم يصعق معهم، فيكون قد جوزي بصعقة يوم تجلى ربه للجبل فجعله دكاً، فجعلت صعقة هذا التجلي عوضاً عن صعقة الخلائق لتجلي ربه يوم القيامة. فتأمل هذا المعنى العظيم ولا تهمله. وروى الإمام أحمد، و الترمذي، و أبو بكر بن أبي الدنيا، عن الحسن، قال: سمعت أبا موسى الأشعري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فعرضتان جدال ومعاذير، وعرضة تطاير الصحف، فمن أوتي كتابه بيمينه، وحوسب حساباً يسيراً، دخل الجنة، ومن أوتي كتابه بشماله، دخل النار. وقد روى ابن أبي الدنيا [ عن ابن المبارك ]: أنه أنشد في ذلك شعراً:
وطارت الصحف في الأيدي منشرة فيها السرائر والأخبار تطلع
فكيف سهوك والأنبـــاء = واقعـــة عما قليل، ولا تدري بما تقـع
أفي الجنان وفوز لا انقـطاع له = أم الجحيم فلا تبقي ولا تدع
تهوي بساكنها طوراً وترفعهم إذا = رجوا مخرجاً من غمها قمعوا
طال البكاء فلم يرحم تضرعهم فيها، = ولا رقية تغني ولا جزع
لينفع العلم قبل الموت عالمـه = قد سال قوم بها الرجعى فما رجعوا
قوله: والصراط، أي: وتؤمن بالصراط، وهو جسر على جهنم، إذا انتهى الناس بعد مفارقتهم مكان الموقف إلى الظلمة التي دون الصراط، كما قالت عائشة رضي الله عنها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ؟ فقال: هم في الظلمة دون الجسر. وفي هذا الموضع يفترق المنافقون عن المؤمنين، ويتخلفون عنهم، ويسبقهم المؤمنون، ويحال بينهم بسور يمنعهم من الوصول إليهم. وروى البيهقي بسنده، عن مسروق، عن عبد الله، قال: يجمع الله الناس يوم القيامة، إلى أن [قال]: فيعطون نورهم على قدر أعمالهم، وقال: فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل بين يديه، ومنهم من يعطى نوره فوق ذلك، ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه، ومنهم من يعطى دون ذلك بيمينه، حتى يكون آخر من يعطى نوره على إبهام قدمه، يضيىء مرة ويطفأ مرة، إذا أضاء قدم قدمه، وإذا طفيء قام، قال: فيمر ويمرون على الصراط، والصراط كحد السيف، دحض، مزلة، فيقال لهم: امضوا على قدر نوركم، فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كشد الرجل، يرمل رملاً، فيمرون على قدر أعمالهم، حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه، تخر يد، وتعلق يد، وتخر رجل، وتعلق رجل، وتصيب جوانبه النار، فيخلصون، فإذا خلصوا قالوا: الحمد الله الذي نجانا منك بعد أن أراناك، لقد أعطانا الله ما لم يعط أحد... الحديث.
واختلف المفسرون في المراد بالورود المذكور في قوله تعالى: وإن منكم إلا واردها، ما هو ؟ والأظهر والأقوى أنه المرور الصراط، قال تعالى: ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً. وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده، لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة، قالت حفصة: فقلت: يا رسول الله، أليس الله يقول: وإن منكم إلا واردها، فقال: ألم تسمعيه قال: ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً. أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن ورود النار لا يستلزم دخولها، وأن النجاة من الشر لا تستلزم حصوله، بل تستلزم انعقاد سببه، فمن طلبه عدوه ليهلكوه ولم يتمكنوا منه، يقال: نجاه الله منهم. ولهذا قال تعالى: ولما جاء أمرنا نجينا هوداً. ؟ فلما جاء أمرنا نجينا صالحاً. ولما جاء أمرنا نجينا شعيباً. ولم يكن العذاب أصابهم، ولكن أصاب غيرهم، ولولا ما خصهم الله به من أسباب النجاة لأصابهم ما أصاب أولئك. وكذلك حال الوارد في النار، يمرون فوقها على الصراط، ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثياً. فقد بين صلى الله عليه وسلم في حديث جابر المذكور: أن الورود هو الورود على الصراط. وروى الحافظ أبو نصر الوائلي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال صلى الله عليه وسلم: علم الناس سنتي وإن كرهوا ذلك، وإن أحببت أن لا توقف على الصراط طرفة عين حتى تدخل الجنة، فلا تحدثن في دين الله حدثاً برأيك. أورد القرطبي. وروى أبو بكر بن أحمد بن سليمان النجار، عن يعلى بن منية، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: تقول النار للمؤمن يوم القيامة: جز يا مؤمن، فقد أطفأ نورك لهبي.
وقوله: والميزان، أي: ونؤمن بالميزان. قال تعالى: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة، فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين. وقال تعالى: فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون. قال القرطبي: قال العلماء: إذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال، لأن الوزن للجزاء، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة، فإن المحاسبة لتقرير الأعمال، والوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها. قال: وقوله تعالى: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة. يحتمل أن يكون ثم موازين متعددة توزن فيها الأعمال، ويحتمل أن يكون المراد الموزونات، فجمع باعتبار تنوع الأعمال الموزونة، والله أعلم.
والذي دلت عليه السنة: أن ميزان الأعمال له كفتان حسيتان مشاهدتان. روى الإمام أحمد، من حديث أبي عبد الرحمن الحبلي، قال سمعت عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله سيختص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً، كل سجل مد البصر، ثم يقول له: أتنكر من هذا شيئاً أظلمتك كتبتي الحافظون ؟ قال: لا، يا رب، فيقول: ألك عذر أوحسنة ؟ فيبهت الرجل، فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى، إن لك عندنا حسنة واحدة، لا ظلم اليوم عليك، فتخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، فيقول أحضروه، فيقول: يا رب، وما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقال: إنك لا تظلم، قال: فتوضع السجلات في كفة، [والبطاقة في كفة]، قال: فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة، ولا يثقل شيء بسم الله الرحمن الرحيم. وهكذا روى الترمذي، و ابن ماجه، و ابن أبي الدنيا، من حديث الليث، زاد الترمذي: ولا يثقل مع اسم الله شيء. وفي سياق آخر: توضع الموازين يوم القيامة، فيؤتى بالرجل فيوضع في كفة وفي هذا السياق فائدة جليلة، وهي أن العامل يوزن مع عمله، ويشهد له ما روى البخاري عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة، وقال: اقرؤوا إن شئتم: فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً. وروى الإمام أحمد، عن ابن مسعود: أنه كان يجني سواكاً من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مم تضحكون ؟ قالوا: يا نبي الله، من دقة ساقية، فقال: والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من أحد. وقد وردت الأحاديث أيضاً بوزن الأعمال أنفسها، كما في صحيح مسلم، عن أبي مالك الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان. وفي الصحيح، وهو خاتمة كتاب البخاري، قوله صلى الله عليه وسلم: كلمتان خفيفتان على اللسان، حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم. وروى الحافظ أبو بكر البيهقي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يؤتى بابن آدم يوم القيامة، فيوقف بين كفتي الميزان، ويوكل به ملك، فإن ثقل ميزانه، نادى الملك بصوت يسمع الخلائق: سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً، وإن خف ميزانه، نادى الملك بصوت يسمع الخلائق: شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبداً. فلا يلتفت إلى ملحد معاند يقول: الأعمال أعراض لا تقبل الوزن، وإنما يقبل الوزن الأجسام ! ! فإن الله يقلب الأعراض أجساماً، كما تقدم، وكما روى الإمام أحمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يؤتى بالموت كبشاً أغر، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال، يا أهل الجنة، فيشرئبون وينظرون، ويقال: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، ويرون أن قد جاء الفرج، فيذبح، ويقال: خلود لا موت. ورواه البخاري بمعناه. فثبت وزن الأعمال والعامل وصحائف الأعمال، وثبت أن الميزان له كفتان. والله تعالى أعلم بما وراء ذلك من الكيفيات.
فعلينا الإيمان بالغيب، كما أخبرنا الصادق صلى الله عليه وسلم، من غير زيادة ولا نقصان. ويا خيبة من ينفي وضع الموازين القسط ليوم القيامة كما أخبر الشارع، لخفاء الحكمة عليه، ويقدح في النصوص بقوله: لا يحتاج إلى الميزان إلا البقال والفوال ! ! وما أحراه بأن يكون من الذين لا يقيم الله لهم يوم القيامة وزناً. ولو لم يكن من الحكمة في وزن الأعمال إلا ظهور عدله سبحانه لجميع عباده، [فإنه] لا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين. فكيف ووراء ذلك من الحكم ما لا اطلاع لنا عليه. فتأمل قول الملائكة، لما قال [الله] لهم: إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال: إني أعلم ما لا تعلمون. وقال تعالى: وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً. وقد تقدم عند ذكر الحوض كلام القرطبي رحمه الله، أن الحوض قبل الميزان، والصراط بعد الميزان. ففي الصحيحين: أن المؤمنين إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة. وجعل القرطبي في التذكرة هذه القنطرة صراطاً ثانياً للمؤمنين خاصة، وليس يسقط منه أحد في النار، والله تعالى أعلم.

  #5  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 02:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لمعالي الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)


قال رحمه الله بعدها: "ونؤمن بالبعث وجزاء الأعمال يوم القيامة والعرض والحساب , وقراءة الكتاب , والثواب والعقاب , والصراط والميزان"

قوله: "نؤمن بالبعث" هذا ركن من أركان الإيمان , فرضٌ الإيمان به , ولا يصح إيمان أحد ولا إسلامه حتى يؤمن بالله باليوم الآخر , فمن أنكر البعث أو اليوم الآخر فإنه كافر الله Y , فالإيمان بالبعث ركن من الأركان , وهو أن الناس لهم يوم يعودون فيه إلى الله Y.
وهذا الإيمان باليوم الآخر له تفاصيل , هي التي ذكر بعضها هنا في أنه إيمان ببعث الناس يعني بقيامهم من قبورهم , وإرجاع أرواحهم إليهم , وإيمان بجزاء الأعمال , وإيمان بالعرض , وإيمان بالحساب , وإيمان بقراءة الكتاب , وإيمان بالثواب , وإيمان بالعقاب , وإيمان بالصراط , وإيمان بالميزان , وإيمان بالجنة , وإيمان بالنار … إلى آخره.

فحقيقة الإيمان باليوم الآخر أنه إيمان بحصول ذلك اليوم ورجوع الناس إلى ربهم , ثم إيمان تفصيلي بكل ما يجري في ذلك اليوم , وهذا واجبٌ الإيمان به لمن سمع النص , والدليل في كل مسألة من مسائل ذلك اليوم , وهذه التي ذكر كلها دلت عليه الأدلة , فجزاء الأعمال يوم القيامة الأدلة كثيرة فيه في القرآن: ] جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [ , ] الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [ , ] هَـذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [ والآيات تعلمونها كثيرة جدًا في هذا الباب , بل بعد ذكر توحيد الله جل وعلا والإيمان برسوله r أكثر ما في القرآن من التقرير , تقرير الإيمان بالبعث ورجوع الأجساد؛ لأن أكثر مخالفة المخالفين في هذا الأصل العظيم , يعني من المشركين , يخالفون في البعث وما يجري مجراه.
ونذكر هنا مسائل فيها تفصيل لهذه الجمل:

الأولى:
قوله: "نؤمن بالبعث وجزاء الأعمال" , لما عطف دل على أنه يريد بالبعث بعض ما يكون في اليوم الآخر , وهو بعث الناس من قبورهم. والذي دلت عليه الأدلة أن الله جل وعلا يأمر الملك , فينفخ في الصور نفخة الصعق , فيصعق الناس وتموت الخلائق , ثم تمضي أربعون بعد النفخة الأولى , ثم يأمر الملك فينفخ نفخة ثانية , وقبلها يأمر الله جل وعلا الأرواح فتجتمع في الصور الذي ينفخ فيه الملك , فينفخ فتذهب الأرواح جميعاً من هذا القرن العظيم , والذي ينفخ فيه إسرافيل , فتذهب الأرواح إلى الأجساد , روح كل إنسان إلى جسده.

قبل هذا فيما بين النفخة الأولى والنفخة الثاني , تحصل أشياء حتى تحصل حياة الإنسان من جديد , وهي أن الله جل وعلا يغير الأرض ويغير معالمها , وتُسيَّر الجبال وتدك , والأرض تكون مستوية , وتعد لمسير الناس إلى أرض محشرهم , ويمطر الله جل وعلا مطرًا تنبت منه الأجساد شيئًا فشيئًا حتى تتكامل , وتُخرج الأرض أثقالها من المدفونين , ثم بعد ذلك تكون الأجسام كالأشجار بلا أرواح , فينفخ إسرافيل فتعود الأرواح فتهتز تلك الأجسام ] فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ [ هنا يعني هو الظاهر من مراده بالبعث يعني قيام الأجساد , قيام الأجساد من القبور , وهذا الأدلة عليه في الكتاب والسنة كثيرة , كقوله جل وعلا مثلاً في القرآن: [ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ]*.

وكقوله جل وعلا: ] وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ * قَالُواْ يا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمـنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ… [ إلى آخره , وكقوله: ] يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَـنِ وَفْداً * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً [ ونحو ذلك من الأدلة , ثم بعد البعث يسير الناس إلى محشرهم.

المسألة الثانية:
جزاء الأعمال يوم القيامة , الجزاء المراد به المُجازاة , يعني: أنهم يُجزون على أعمالهم الصالحة ويجزون على أعمالهم السيئة , على هذا وهذا , والجزاء لا يكون بعد البعث مباشرة بل يكون متأخِّرًا , ولهذا الطحاوي هنا لم يرتب ما يحصل يوم القيامة , الشيء بعد الشيء مما يكون في ذلك اليوم العظيم , وإنما قدم وأخر بحسب أغراض له في ذلك , الجزاء يأتينا الترتيب إنشاء الله في مسألة لاحقة , الجزاء بمعنى المُجازاة [ جَزَاءً بِمَا كنتم تعْمَلُونَ ]** يعني بعد أن يقرر على أعماله ويحاسب و (غير مسموع) الوزن إلى آخره يجزى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.

المسالة الثالثة:
العرض , والعرض جاء في الأدلة ذكره نصًّا ومعنىً كقوله جل وعلا: ] يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ…[ الآيات , ] يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ [ هذا هو العرض , وكذلك ما جاء في السنة من قوله عليه الصلاة والسلام: ((عرضتان جدال معاذير)) فالعرض على الرب جل وعلا كثير في القرآن وفي السنة , ] وَعُرِضُواْ عَلَى رَبِّكَ صَفَّاً [ ونحو ذلك.
العرض معناه: أن يعرض المكلف وأن يعرض عمل المكلف , فهناك عرض للمكلفين على رب العالمين , ثم رب العالمين يعرض الأعمال , أعمال كل مكلف , عليه , ومعنى العرض أنه يقال له: عملت كذا وكذا في يوم كذا , يعني يعرض عليه أنه عملت وعملت وعملت... إلى آخره , فيعرض الإنسان ويعرض عمله بحيث يراه , وقد يُجادل وقد يعتذر... إلى آخره , ثم يكون بعد ذلك الكتاب والحساب... إلى آخره.

المسألة التي بعدها:
الحساب , والحساب المقصود منه المحاسبة , يعني بعد أن يقرأ الكتاب فإنه يحاسب , هذا خير ستجزى عليه , وهذا شر ستجزى عليه , يحاسب الله جل وعلا المؤمن حسابًا يسيرًا , ويحاسب الكافر والمنافق حسابًا عسيرًا , والحساب من حيث هو تقرير للعمل مع الجزاء والعقاب هذا يكون بعد أخذ الكتاب وقبل أخذ الكتاب؛ لأن حقيقة المحاسبة أن الله جل وعلا يحاسبهم على ما عملوا بعرض ما عملوا من خير أو شر , وهذا يكون بالشهادة عليه من جسده ومن الكتاب , ويكون قبل ذلك بذكر الله جل وعلا له , وهذا كله يحصل في سرعة خاطفة كما قال جل وعلا: ] وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ [ , قال علماء التفسير: يحاسب الخلائق في ساعة , جميع الخلائق في ساعة ] وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ [ يعني المحاسبة تكون بسرعة لهذا وهذا وهذا وجميع الخلائق.

المسألة التي بعدها:
قال: "وقراءة الكتاب" ويعني بالكتاب الصحف التي كتبت فيها أعماله , وهو الكتاب الذي يلقاه العبد يوم القيامة منشوراً: ] اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [ , ] وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبَا [.
الشيخ: ] اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبَا [ وهذا الكتاب الصحف , هو الصحف هذه تنشر للإنسان وتوزع على الناس في الموقف , يعني أن الناس في ذلك الموقف تنشر لهم السجلات والكتب , ويؤمرون بأخذها , وتتطاير أيضًا إليهم , يعني على اختلاف الصفات , فَمِنْ آخذٍ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله وراء ظهره، فقراءة الكتاب العبد يقرأ والله جل وعلا يقرر العبد على ما عمل حتى يكون عليه شاهداً.

والثواب والعقاب , المسألة (إيش؟) يعني المعنى (اللي) بعده الثواب والعقاب يعني بعد الوزن، الثواب والعقاب يعني بعد الوزن , لكن هنا أراد الإيمان بأن هذه الأشياء حاصلة لأجل ورود الدليل بها، بل معنى البعث إنما هو حصول الثواب والعقاب، حقيقة معنى البعث واليوم الآخر أن يُثاب المطيع وأن يعاقب الكافر والصراط اجعلوها مسائل كل جملة مسألة , يعني السابعة.

الصراط هو الطريق، والصراط طريق موضوع على ظهر جهنم , يعني: فوقها , فوق جهنم، وهو طريق يوصل من العرصات من دار المحشر , من أرض المحشر إلى ساحات الجنة، يعني ما قبل دخول الجنة، وهذا العبور على الصراط هو المذكور في قوله: ] وَإِن مِّنكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً [ , والصراط جاءت صفته في السنة , وجاء ذكره مجملاً في القرآن ,
أما صفته في السنة فإنه دقيق جدًا وطويل , وأن على جنباته كلاليب تخطف من قضى الله –جل وعلا- أن يكون من أهل النار، وأن الناس في العبور عليه يخافون خوفاً شديداً , فالأنبياء يقولون قبل العبور: اللهم سلّم سلّم.

ودون هذا الصراط ظلمة لا يتبين أحد ممن يريد أن يعبر طريق الصراط إلا المؤمنين , بما فيهم العصاة، وأما الكافرون والمنافقون فإنهم يجتمعون في الظلمة ويسيرون ويتهافتون في النار تهافت الجراد، وغير ذلك مما جاء في وصفه , وأنه أدق من الشعرة وأحد من السيف... إلى آخره، وهذه الصفات أنكرها المعتزلة وأنكرها العقلانيون والفلاسفة وقالوا: هذه لا يُعقل أن يكون الطريق من صفته كذا وكذا. وإذا كان هذا الأمر قد جاء عن المصطفى r وثبتت به السنة، فالإيمان به واجب على نحو ما ورد، على ما ذكرنا لكم من أن عالم الغيب لا يقاس على عالم الشهادة.

المسألة الأخيرة:
يعني في ذكر هذه الجمل , الميزان الثامنة , الثامنة الميزان , والميزان ذكره الله –جل وعلا- في كتابه وجاء في السنة وصفه وذكره؛ فالإيمان به واجب، والميزان حقيقة ليس هو العدل كما تقوله المعتزلة , إن المعتزلة أنكروا حقيقة الميزان , كما سيأتي، وقالوا: الميزان هو العدل مطلقًا , الله يحاسبهم بالعدل. والله –جل وعلا- بين أن الميزان يوزن فيه العمل ولو كان مثقال ذرة , قال جل وعلا: ] وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [ , وقال جل وعلا: ] فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ … [ الآية , وقال جل وعلا: ] وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ… [ الآية التي ذكرت لكن في الأعراف، ونحو ذلك من الآيات التي فيها ذكر الوزن والموازين.

والميزان هنا أفرده , قال: والميزان. وهو قول لكثير من العلماء بأنه يوم القيامة ليس ثم إلا ميزان واحد , وأن الجمع هنا في بعض الآيات في قوله: ] وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [ أن هذا على تعدد الموزونات وليس على تعدد الموازين. والصحيح أن الموازين متعددة؛ لأن الله –جل وعلا- جمعها فقال: ] نَضَعُ الْمَوَازِينَ [ وهذا ظاهر في إرادة الموازين حقيقة وليست الموزونات؛ لأن الموزونات لا يقال عنها: إنها توضع , قال: ] وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [ , والموزونات لا توصف بأنها توضع ولا توصف بأنها قسط أيضًا.

فإذًا القسط يعني العادلة التي لا تَظلم في الوزن هذه متعددة على ظاهر الآية، وجاء في السنة أن الميزان له كفتان؛ كفة توضع فيها السيئات، وكفة توضع فيها الحسنات، فمن ثقلت كفة حسناته أفلح وأنجح، ودخل الجنة , ومن ثقلت كفة سيئاته فهو معرض لوعيد الله , جل وعلا , قال بعض العلماء من السنة في عقائدهم: إن الميزان له كفتان وله لسان، وكون الميزان له لسان كما ذكر ابن قدامة في اللمعة , وذكره غيره , هذا لا أحفظ فيه دليلاً واضحًا، أو ما اطلعت فيه على دليل واضح، لكن أخذوه من أن ظاهر الوزن في الرجحان يتبين باللسان , فأعملوا ظاهر اللفظ وجعلوا ذلك مثبتًا لوجود اللسان , فينبغي أن تكون محل بحث.

الذي يوزن في الميزان ثلاثة أشياء، يوزن الإنسان نفسه كما جاء عن النبي r أنه قال لما ضحكوا من دقة ساقي عبد الله بن مسعود , قال: ((أتضحكون من دقة ساقيه , والذي نفسي بيده لهما في الميزان يوم القيامة أثقل من أحد)). ويوزن أيضًا العمل، فالعمل الصالح يوضع في كفة، والعمل السيئ يوضع في كفة، ويوزن أيضًا صحائف العمل , الصحائف التي تكتب فيها الأعمال توزن، وهذا من عظم عدل الله –جل وعلا- وعظم إرادته أن يقطع عن العبد العذر , وأن يكون حجة العبد عليه من نفسه وعمله وصحائف عليه.

المسألة الأخيرة:
لأن الوقت ضاق. في ترتيب هذه الأشياء يوم القيامة , وهي مسألة مهمة؛ فإن ما يحصل يوم القيامة وما يكون فيه الذي جاء في الكتاب والسنة أشياء كثيرة , مثلما ذكر قيام الناس , الحوض , الميزان , الصحف , الحساب، العرض , القراءة , تطاير الصحف، الكتاب، وهذه أشياء متنوعة , الصراط , الظلمة، أشياء متنوعة , فكيف ترتيبها؟ الظاهر والذي قرره المحققون من أهل العلم أن ترتيبها كالتالي:
إذا بُعث الناس وقاموا من قبورهم ذهبوا إلى أرض المحشر، ثم يقومون في أرض المحشر قياماً طويلاً , تشتد معه حالهم وظمأهم ويخافون في ذلك خوفًا شديداً؛ لأجل طول المقام ويقينهم بالحساب، وما سيُجري الله –جل وعلا- عليهم، فإذا طال المقام رفع الله جل وعلا لنبيه عليه الصلاة والسلام أولاً حوضه المورود، فيكون حوض النبي r في عرصات القيامة، إذا اشتد قيامهم لرب العالمين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فمن مات على سنته غير مغيِّر ولا محدث ولا مبدل، ورد عليه الحوض وسُقي منه , فيكون أول الأمان له أن يكون مسقيًا من حوض نبينا عليه الصلاة والسلام , ثم بعدها يُرفع لكل نبي حوضه فيُسقى منه صالح أمته.

ثم يقوم الناس مقاماً طويلاً، ثم تكون الشفاعة العظمى؛ شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام في أن يجعل الله –جل وعلا- حساب الخلائق.
في الحديث الطويل المعروف أنهم يسألونها آدم ثم نوحًا ثم إبراهيم... إلى آخره، فيأتون إلى النبي عليه الصلاة والسلام ويقولون له: يا محمد، ويصفون له الحال، وأن يقي الناس الشدة بسرعة الحساب، فيقول عليه الصلاة والسلام بعد طلبهم: اشفع لنا عند ربك يقول: ((أنا لها أنا لها)) , فيأتي عند العرش فيخر فيحمد الله –جل وعلا- بمحامد يفتحها الله –جل وعلا- عليه، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع , فتكون شفاعته العظمى في تعجيل الحساب.

بعد ذلك يكون العرض؛ عرض الأعمال، ثم بعد العرض يكون الحساب، وبعد الحساب الأول تتطاير الصحف (غير مسموع) في الحساب الأول من ضمن العرض؛ لأنه جدال , فيه جدال ومعاذير، ثم بعد ذلك تتطاير الصحف ويؤتى أهل اليمين كتابهم باليمين، وأهل الشمال كتابهم بشمالهم، فيكون قراءة الكتاب , ثم بعد قراءة الكتاب يكون هناك حساب أيضًا لقطع المعذرة وقيام الحجة بقراءة ما في الكتب، ثم بعدها يكون الوزن الميزان , فتوزن الأشياء التي ذكرنا.

ثم بعد الميزان ينقسم الناس إلى طوائف وأزواج , يعني بمعنى الأزواج بمعنى كل شكل إلى شكله، وتقام الألوية؛ ألوية الأنبياء , لواء محمد عليه الصلاة والسلام، ولواء إبراهيم , لواء موسى... إلى آخره، ويتنوع الناس تحت اللواء بحسب أصنافهم , كل شكل إلى شكله , والظالمون والكفرة أيضًا يحشرون أزواجًا , يعني متشابهين كما قال: ] احْشُرُواْ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ [ يعني: بأزواجهم , يعني أشكالهم ونظراءهم , فيحشر علماء المشركين مع علماء المشركين، ويحشر الظَلَمة مع الظَلَمة , ويحشر منكري البعث مع منكري البعث، ويحشر منكري الرسالة , وهكذا في أصناف.

ثم بعد هذا يضرب الله –جل علا- الظلمة قبل جهنم والعياذ بالله , فيسير الناس بما يعطون من الأنوار، فتسير هذه الأمة وفيهم المنافقون , ثم إذا ساروا على أنوارهم ضرب السور المعروف ] فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُواْ بَلَى… [ الآيات، فيعطي الله جل وعلا المؤمنين النور فيبصرون طريق الصراط، وأما المنافقون فلا يعطون النور , فيكونون مع الكافرين، يتهافتون في النار، يمشون وأمامهم جهنم والعياذ بالله، ثم يأتي النبي عليه الصلاة والسلام أولاً ويكون على الصراط، ويسأل الله –جل وعلا- له ولأمته , فيقول: ((اللهم سلّم سلّم , اللهم سلّم سلّم)) فيمُر عليه الصلاة والسلام وتمر أمته على الصراط , كل يمر بقدر عمله، ومعه نور أيضاً بقدر عمله، فيمضي من غفر الله –جل وعلا- له , ويبقى في النار , يسقط في النار طبقة الموحدين من شاء الله –جل وعلا- أن يعذبه.

ثم إذا انتهوا من النار اجتمعوا في عرصات الجنة , يعني في الساحات التي أعدها الله جل وعلا؛ لأن يقتص أهل الإيمان بعضهم من بعض، وينفى الغل، حتى يدخلوا الجنة وليس في قلوبهم غل، فيدخل الجنة أول الأمر بعد النبي عليه الصلاة والسلام فقراء المهاجرين , ثم فقراء الأمة، فقراء المهاجرين , فقراء الأنصار... إلى آخره، ثم فقراء الأمة , ويؤخر الأغنياء؛
لأجل الحساب الذي بينهم وبين الخلق ولأجل محاسبتهم على ذلك.. إلى آخر ما يحصل في ذلك مما جاء في القرآن العظيم.
أسأل الله –جل وعلا- أن يجعلني وإياكم من أهل الجنة , وأن يعيذنا من سخطه والنار , اللهم لقنا حجتنا في القبور , واجعلنا ممن يأخذ كتابه باليمين، وتحاسبه حسابًا يسيرًا يا أكرم الأكرمين، أسأل الله -Y- لي ولكم ولأحبابنا جميعاً ولمن له حق علينا المغفرة والرضوان، وأن لا يؤاخذنا بسيئات أعمالنا، وأن يغفر لنا ذنوبنا؛ فإنه سبحانه أهل للجود والكرم والمغفرة والرحمة , سبحانك اللهم وبحمدك , أشهد ألا إله إلا أنت , أستغفرك وأتوب إليك , وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد. نعم.
القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين , نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


* الصواب: ] وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا [ , الزمر: (68) .

** الصواب: ]جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [ الأحقاف: (14) .


  #6  
قديم 5 ربيع الأول 1430هـ/1-03-2009م, 11:45 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية للشيخ: يوسف بن محمد الغفيص (مفرغ)


الإيمان بالسمعيات
قال: [ونؤمن بالبعث وجزاء الأعمال يوم القيامة، والعرض والحساب، وقراءة الكتاب، والثواب والعقاب، والصراط والميزان] . جمهور الأصول السمعية متفق عليها بين عامة طوائف المسلمين، وإن كانت هناك مخالفات عند المبالغين في التأويل كبعض الغلاة من المعتزلة، أو من تأثر بالفلسفة من الأشاعرة، أو دخل في شيء من ذلك، أو في التصوف الإشراقي كـأبي حامد الغزالي ، حيث يعرض له في كلامه ما هو من التأويل لبعض هذه المسائل كمسألة الميزان ونحوه، وإلا فإن الأصل عند جماهير أهل القبلة -فضلاً عن إجماع أهل السنة والجماعة- هو الإيمان بهذه المسائل وأنها حقائق وماهيات الله أعلم بكيفيتها وماهيتها.


الإيمان بالبعث
قال المصنف رحمه الله: [ونؤمن بالبعث]. وهو بعث الناس من قبورهم، فإن الناس يبعثون من قبورهم، ويصيرون إلى الحساب يوم القيامة، وهذا أصلٌ من أصول الإيمان مجمع عليه بين المرسلين، وقد كان البعث مذكوراً في كلام الأنبياء وسائر المرسلين، وجميع أهل القبلة يقرون بهذا، فإن من أنكر هذا لا يكون إلا كافراً. وزعمت المتفلسفة الذين ينتسبون إلى الإسلام كـابن سينا وغيره، أن البعث إنما هو للأرواح دون الأبدان، وهذا من كلام الفلاسفة، وليس عليه أثر الأنبياء أو هديهم. ......

حساب الكفار يوم الحساب
وكذلك الحساب: فإن الناس يحاسبون، وقد تنازع المتأخرون من أهل السنة، في محاسبة الكفار، هل يحاسبون أو لا يحاسبون؟ والصواب التفصيل فإن أريد بمحاسبتهم الموازنة بين الحسنة والسيئة فإن الأمر لا يكون كذلك؛ لأن الكفار لا يوافون ربهم بحسنة، وإن أريد بالمحاسبة الإقرار والإشهاد وما إلى ذلك من المقاصد والمعاني، فإن هذا لا شك أنه يقع، وقد ذكره الله في كتابه وذكره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في سنته. والكافر قد يقع منه ما هو من عمل الخير، ولكنه إذا لم يبتغ به وجه الله سبحانه وتعالى، فإنه لا يوافي ربه به بحسنة، بل يجزى بها في الدنيا، ولهذا جاء قوله تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}[النساء:114] فسماه خيراً، ثم قال: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء:114] ، وفي الصحيح عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة، يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا) ، فسماها حسنات، وهي أعماله من الخير، كالصدقة أو العتق، أو صلة الرحم، أو نحو ذلك. قال: (وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم تكن له حسنةٌ يُجزى بها) ، فلا يوافي الكافر ربه بحسنة يثاب عليها، بل ما يقع له من الخير والحسنة فإنه يطعم بها في الدنيا، كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قراءة الكتاب
وكذا قراءة الكتاب وتقرير المؤمن بذنوبه، كما جاء في حديث ابن عمر وغيره في الصحيحين، فإن العبد يقرر بذنوبه، ثم يضع الله سبحانه وتعالى على عبده المؤمن كنفه؛ أي: ستره، ويقرره بما عمل.

الإيمان بالثواب والعقاب
قوله: (والثواب والعقاب) أي: ثواب أهل الإيمان، وأخص ثوابهم هو رؤيتهم لربهم سبحانه وتعالى في الجنة وفي عرصات القيامة قبل ذلك، فهذا من ومقدمات ثوابهم، ثم إذا دخلوا الجنة وصاروا فيما فيها من النعيم، أمكنهم الله سبحانه وتعالى من رؤيته وهو المذكور في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة:22-23] . وكذلك العقاب فإن الكفار يعاقبون في قبورهم، وكذا يعاقبون يوم القيامة وبعدها، فيدخلون النار على ما ذكر في الكتاب والسنة، وهذا العقاب والثواب يقع للروح والجسد بإجماع أهل السنة وعامة المسلمين، ولم ينازع في ذلك أحدٌ من أهل القبلة المعتبرين.

الإيمان بالصراط
قوله: (والصراط)، أي: فإن الناس يمرون عليه، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم حال الناس ومرورهم على الصراط، وبين أنهم على أحوال فقال: (وأن الصراط مدحضة مزلة، وعليه كلاليب وحسك مثل شوك السعدان، ثم قال: هل رأيتم السعدان؟ قالوا: نعم يا رسول الله! قال: فإنها مثل شوك السعدان تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم المؤمن بقي بعمله ومنهم المجاز حتى ينجى..) إلخ. وذكر النبي صلى الله عليه وسلم: أن منهم من يمرون كالبرق، وذكر صلى الله عليه وسلم أن أول زمرة يحشرون إلى الجنة على صورة القمر، إلى غير ذلك من التفاصيل النبوية التي ذكر فيها صلى الله عليه وسلم مقام الصراط وما يقع عنده من الشفاعة، وأن الرحم والأمانة تقومان على جنبتي الصراط، فكل هذه أحوال يقر بها أهل السنة والجماعة على حقيقتها وعلى مراد الله سبحانه وتعالى على ما حدث بذلك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ونؤمن, قوله

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:10 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir