دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الطحاوية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 03:28 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي قوله: (ونحب أهل العدل والأمانة....)

وَنُحِبُّ أهلَ العدلِ والأمانةِ، وَنَبْغَضُ أهلَ الجَوْرِ والخيانةِ.
ونقولُ: اللهُ أَعْلَمُ فيما اشْتُبِهَ علينا عِلْمُهُ.

  #2  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 06:56 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات على الطحاوية لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

[لا يوجد تعليق للشيخ]

  #3  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 06:58 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات المختصرة للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

(1) وَنُحِبُّ أهلَ العدلِ والأمانةِ، وَنَبْغَضُ أهلَ الجَوْرِ والخيانةِ.



(1) المَحَبَّةُ عَمَلٌ قَلْبِيٌّ، والمَحَبَّةُ على قِسْمَيْنِ:

أولًا: مَحَبَّةٌ طَبِيعِيَّةٌ، كمَحَبَّةِ الإنسانِ لأهلِهِ وَزَوْجَتِهِ وَأَوْلاَدِهِ، وَمَحَبَّتِهِ لأصدقائِهِ، وَمَحَبَّتِهِ لِلْأَكَلِ والشُّرْبِ، فهذه المَحَبَّةُ لا تَدْخُلُ في أَمْرِ العِبَادةِ.
ثانيًا: مَحَبَّةٌ دِينِيَّةٌ، وهذهِ على نَوْعَيْنِ:

النوعُ الأَوَّلُ: مَحَبَّةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهي أَعْظَمُ أنواعِ العِبَادةِ، يقولُ ابنُ القَيِّمِ:

وَعِبَادَةُ الرَّحْمَنِ غَايَةُ حُبِّهِ = مَعَ ذُلِّ عَابِدِهِ هُمَا قُطْبَانِ
وَعَلَيْهِمَا فَلَكُ العِبَادةِ دَائِرٌ = مَا دَارَ حَتَّى قَامَتِ الْقُطْبَانِ
عبادةُ الرحمنِ غايةُ حُبِّهِ، أي: مُنْتَهَى حُبِّهِ، وتَدُورُ عليها أمورُ العِبَاداتِ كُلِّهَا، فهي نوع ٌ عظيمٌ من أنواعِ العِبَادةِ، لا يَجُوزُ أنْ يُحَبَّ أحدٌ مع اللَّهِ { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} (البقرة: 165) هذا شِرْكٌ في المَحَبَّةِ، التي هيَ أعظمُ أنواعِ العِبَادةِ، ولذلكَ قَالَ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} (البَقَرَة: 165) فالمؤمنونَ لا يُحِبُّونَ إِلاَّ اللَّهَ، ومَحَبَّتُهُم أَشَدُّ مِن مَحَبَّةِ أهلِ الأصنامِ لأصنامِهِم؛ لأَنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ لا تَنْقَطِعُ في الدنيا ولا في الآخرةِ، أَمَّا مَحَبَّةُ غيرِهِ مِن المَعْبُودِينَ فَتَنْقَطِعُ في الآخرةِ، وتَحْصُلُ العداوةُ بينَ مَن عُبِدَ مِن دونِ اللَّهِ وَمَنْ عَبَدَهُ، {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} (الأَحْقَاف: 6)، {إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًامَوَدَّةً بَيْنَكُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ} (العنكبوت: 25).

النوعُ الثاني: المَحَبَّةُ في اللَّهِ ولأجلِ اللَّهِ، وذلكَ بأنْ تُحِبَّ ما يُحِبُّهُ اللَّهُ مِن الأعمالِ والأشخاصِ، وتُحِبَّ أهلَ الإيمانِ
والتَّقْوَى، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (البقرة: 222)، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } (البقرة: 195)، فأنتَ تُحِبُّهُم؛ لأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُم، وفي مُقَدِّمَةِ هؤلاءِ: المَلاَئِكَةُ، والأَنْبِيَاءُ، والرُّسُلُ، والأَوْلِيَاءُ، والصالحونَ، وجميعُ المؤمنينَ.

وهذه تُسَمَّى المَحَبَّةَ في اللَّهِ، وهي أَوْثَقُ عُرَى الإيمانِ، كما جاءَ في الحديثِ: (أَوْثَقُ عُرَى الإيمانِ: الحبُّ في اللَّهِ والبُغْضُ في اللَّهِ). وقَالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: (ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الْإِيمَانِ) ذَكَرَ مِنْهَا: (أَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ).

فَتُحِبُّ أولياءَ اللَّهِ؛ لأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُم، وَتَبْغَضُ أعداءَ اللَّهِ؛ لأَنَّ اللَّهَ يَبْغَضُهُم، فَيَكُونُ الحبُّ والبُغْضُ مِن أَجْلِ اللَّهِ، ولَيْسَ طَمَعًا في الدنيا، فلا يَجِدُ العبدُ حَلاَوَةَ الإيمانِ حتى يُحِبَّ في اللَّهِ وَيَبْغَضَ في اللَّهِ، وَيُوَالِيَ وَيُعَادِيَ للهِ.
قَالَ ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (صَارَتْ عَامَّةُ مؤاخاةِ الناسِ على أَمْرِ الدنيا، وذلكَ لا يُجْدِي على أهلِهِ شَيْئًا)
وهذهِ المحبَّةُ تَبْقَى في الدنيا والآخرةِ، وأَمَّا مَحَبَّةُ الدنيا فَتَنْقَطِعُ، وتكونُ عداوةً في الأخرةِ { الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} (الزُّخْرُف: 67).
وَتَبْغَضُ الشخصَ مِن أجلِ اللَّهِ، ولَيْسَ من أجلِ أَنَّهُ أَسَاءَ إليكَ؛ بلْ تَبْغَضُهُ؛ لِأَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ، وهذهِ مِلَّةُ إبراهيمَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: الحُبُّ والبغضُ في اللَّهِ، {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} (المُمْتَحَنَة: 4).
وَمِن السبعةِ الذين يُظِلُّهُم اللَّهُ في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ (رَجُلاَنِ تَحَابَّا في اللَّهِ، اجْتَمَعَا عليهِ وتَفَرَقَّا عَلَيْهِ) فالحُبُّ في اللَّهِ والبُغْضُ في اللَّهِ أَمْرُهُ عظيمٌ؛ لِأَنَّهُ فُرْقَانٌ بينَ الحقِّ والباطلِ {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} (الأنفال: 29)، فالمُؤْمِنُ يكونُ عندَهُ فرقانٌ، يُفَرِّقُ بينَ هذا وهذا.
وقد ذَكَرَ العلماءُ أنَّ الناسَ في المَحَبَّةِ على ثلاثةِ أقسامٍ:
القسمِ الأَوَّلِ: منهم مَن يُحِبُّ مَحَبَّةً خالصةً لَيْسَ معها بَغْضَاءُ، وهم المَلاَئِكَةُ والرُّسُلُ عليهم الصلاةُ والسلامُ، وخُلَّصُ المؤمنينَ كالصحابةِ {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاّ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (الحشر: 10) وكذلكَ السَّلَفُ الصالحُ وأَهْلُ السُّنَّةِ والجماعةِ؛ لِصَفَاءِ ما هم عليهِ من العقيدةِ وما هم عليهِ من الحَقِّ؛ لطاعَتِهِم للهِ ورسولِهِ.
القسمِ الثاني: مَن يَبْغَضُ بُغْضًا خالِصًا لَيْسَ معهُ محبَّةٌ، وهم الكُفَّارُ، أعداءُ اللَّهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} (الممتحنة: 1) أي: أحباءَ تُحِبُّونَهُم وتُوَالُونَهُم وتُنَاصِرُونَهُم، وتُدَافِعُونَ عَنْهُم، بل الواجبُ التَّبَرُّؤُ منهم؛ لأَنَّهُم أعداءُ اللَّهِ {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ باللَّهِ واليومِ الآخرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } (المُجَادَلَة: 22) والمقصودُ بالروحِ هنا: قوةُ الإيمانِ.
القسمِ الثالثِ: مَنْ يَجْتَمِعُ فيهِ محبَّةٌ وبُغْضٌ، وهو المؤمنُ العاصِي، يُحَبُّ مِن وَجْهٍ، ويُبْغَضُ مِن وَجْهٍ، تُحِبُّهُ لِمَا فيهِ مِن الخيرِ والطاعةِ، وتَبْغَضُهُ لِمَا فيهِ من المعاصي والمخالفةِ، هكذا يَنْبَغِي على المسلمِ أنْ يُمَيِّزَ.
والمحبَّةُ بابُهَا بابٌ عظيمٌ يَنْبَغِي التَّنَبُّهُ لَهُ ومَعْرِفَتُهُ؛ لأَنَّ عليهِ مَدَارًا عَظِيمًا في العقيدةِ وأمورِ الدينِ، فالإنسانُ لا يَمْشِي إِمَّعَةً، لا يَدْرِي من يُحِبُّ وَمَن يَبْغَضُ، بلْ يَجْعَلُ المَحَبَّةَ والبَغْضَاءَ مِيزَانًا يُفَرِّقُ بينَ أولياءِ اللَّهِ وأولياءِ الشيطانِ، ولا يَجْعَلُهُ مِيزَانًا دُنْيَوِيًّا وَهَوًى، فَمَنْ وَافَقَهُ على دُنْيَاهُ وَهَوَاهُ وَأَعْطَاهُ شيئًا من الدنيا أَحَبَّهُ، ولو كَانَ مِن أَكْفَرِ الناسِ وأَفْسَقِهِم، وإنْ لم يُعْطِهِ شيئًا أَبْغَضَهُ، ولو كَانَ من أَصْلَحِ الصالحينَ، فهذا لا يَجُوزُ.

  #4  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 10:16 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي


قوله: ( ونحب أهل العدل والأمانة، ونبغض أهل الجور والخيانة ).

ش: وهذا من كمال الإيمان وتمام العبودية، فإن العبادة تتضمن كمال المحبة ونهايتها، وكمال الذل ونهايته. فمحبة رسل الله وأنبيائه وعباده المؤمنين من محبة الله، وإن كانت المحبة التي لله لا يستحقها غيره، فغير الله يحب في الله، لا مع الله، فإن المحب يحب ما يحب محبوبه، ويبغض ما يبغض، ويوالي من يواليه، ويعادي من يعاديه، ويرضى لرضائه، ويغضب لغضبه، ويأمر بما يأمر به، وينهى عما ينهى عنه، فهو موافق لمحبوبه في كل حال. والله تعالى يحب المسحنين، ويحب المتقين، ويحب التوابين، ويحب المتطهرين، ونحن نحب من أحبه الله. والله لا يحب الخائنين، ولا يحب المفسدين، ولا يحب المستكبرين، ونحن لا نحبهم أيضاً، ونبغضهم، موافقة له سبحانه وتعالى. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يلقى في النار. فالمحبة التامة مستلزمة لموافقة المحبوب في محبوبه ومكروهه، وولايته وعداوته. ومن المعلوم أن من أحب الله المحبة الواجبة فلا بد أن يبغض أعداءه، ولا بد أن يحب ما يحبه من جهادهم، كما قال تعالى: إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص. والحب والبغض بحسب ما فيهم من خصال الخير والشر، فإن العبد يجتمع فيه سبب الولاية وسبب العداوة، والحب والبغض، فيكون محبوباً من وجه ومبغوضاً من وجه، والحكم للغالب. وكذلك حكم العبد عند الله، فإن الله قد يحب الشيء من وجه ويكرهه من وجه آخر، كما قال صلى الله عليه وسلم، فيما يروي عن ربه عز وجل: وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت، وأنا أكره مساءته، ولا بد له منه. فبين أنه يتردد، لأن التردد تعارض إرادتين، وهو سبحانه يحب ما يحب عبده المؤمن، ويكره ما يكرهه، وهو يكره الموت فهو يكرهه، كما قال: وأنا أكره مساءته، وهو سبحانه قضى بالموت فهو يريد كونه، فسمى ذلك تردداً، ثم بين أنه لا بد من وقوع ذلك، إذ هو يفضيى الى ما أحب منه.

قوله: ( ونقول: الله أعلم، فيما اشتبه علينا علمه ).

ش: تقدم في كلام الشيخ رحمه الله أنه ما سلم في دينه إلا من سلم لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ورد علم ما اشتبه عليه إلى عالمه. ومن تكلم بغير علم فإنما يتبع هواه، وقد قال تعالى: ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله. وقال تعالى: ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد * كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير. وقال تعالى: الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار. وقال تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون. وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرد علم ما لم يعلم إليه، فقال تعالى: قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض. قل ربي أعلم بعدتهم. وقد قال صلى الله عليه وسلم، لما سئل عن أطفال المشركين: الله أعلم بما كانوا عاملين. وقال عمر رضي الله عنه: اتهموا الرأي في الدين، فلو رأيتني يوم أبي جندل، فلقد رأيتني وإني لأرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي، فأجتهد ولا آلو، وذلك يوم أبي جندل، والكتاب يكتب، وقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، قال: اكتب باسمك اللهم، فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب وأبيت، فقال: يا عمر تراني قد رضيت وتأبى ؟. وقال أيضاً رضي الله عنه: السنة ما سنه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة. وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ؟ أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني، إن قلت في آية من كتاب الله برأيي، أو بما لا أعلم. وذكر الحسن بن علي الحلواني، حدثنا عارم، حدثنا حماد بن زيد، عن سعيد بن أبي صدقة، عن ابن سيرين قال: لم يكن أحد أهيب لما لا يعلم من أبي بكر، ولم يكن بعد أبي بكر أهيب لما لا يعلم من عمر رضي الله عنه، وإن أبا بكر نزلت به قضية، فلم يجد في كتاب الله منها أصلاً، ولا في السنة أثراً، فاجتهد برأيه، ثم قال: هذا رأيي، فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمني، وأستغفر الله.

  #5  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 02:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لمعالي الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)


قال بعدها –رحمه الله تعالى-: "ونحب أهل العدل والأمانة، ونبغض أهل الجور والخيانة".
الحب والبغض من مسائل النفس التي يدخلها الهوى, وقاعدة الشريعة في القرآن والسنة والصحابة: أن العبد لا يكون حقيقة مستسلماً حتى يتخلص من هواه, ومن الهوى الذي يتخلص منه الهوى في محبته، والهوى في بغضه، ونستغفر الله, ونتوب إليه، فمن أحب ما يحب الله –جل وعلا- ورسوله، ومن يحب الله –جل وعلا- ورسوله، فقد تخلص من هواه، ومن أبغض ما يحب الله –جل وعلا- ورسوله من الحق، أو أبغض من يحبه الله ورسول، فلم يتخلص من هواه، بل الهوى هو الذي قاده إلى ذلك.
ولهذا كان من أعظم ما يتميز به أهل السنة والجماعة- أئمة الحديث والأثر، الذين تخلصوا من أهوائهم- أنهم أهل عدل في أقوالهم حتى مع مخالفيهم، فيحبون أهل العدل؛ لأن الله يحبهم، وكذلك رسوله r , ويحبون أهل الأمانة؛ لأن الله –جل وعلا- يحبهمورسوله r , ويبغضون أهل الجور والخيانة؛ لأن الله –جل وعلا- ورسوله r يبغضهم؛ لأن الله يبغضهم ورسوله r يبغضهم.
فإذن أصل هذه الجملة أساسها أن محبة المؤمن المتبع لعقيدة السلف، وبغضه يكون تبعاً لنص الكتاب والسنة فيما يحب, وفيما يبغض، كما قال –جل وعلا-: ] فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً [. وفي الحديث: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)). وهذا الإيمان الكامل هو الذي يتخلص فيه صاحبه من الهوى، وههنا مسائل قليلة:

المسألة الأولى:
أهل العدل وأهل الجور متقابلان، كما أن أهل الأمانة وأهل الخيانة متقابلان, يعني: هؤلاء يقابلون هؤلاء، هؤلاء ضد هؤلاء، هذا صنف, وهذا صنف, ولا أعني بالتقابل والتضاد المصطلح الكلامي، أو المنطقي فيه, فمن هم أهل العدل؟! ومن هم أهل الجور؟! العدل أمر الله –جل وعلا- به أمراً مطلقاً، فقال سبحانه:
] إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى [. وأقام السماوات على الأرض على العدل، ودينه وأحكامه كلها عدل، وخير للعباد في مآلهم وفي حاضرهم، العدل الذي أمر الله –جل وعلا- به أن يعطى كل ذي حقٍ حقه، أن تعطي الله –جل وعلا- حقه الذي أمرك به. وأن تعطي رسوله r حقه الذي أمرت به، وأن تعطي الصحابة حقهم الذي أمرت به، وأن تعطي المؤمنين حقهم الذي أمرت به... وهكذا في سائر أحكام الشريعة.

ولهذا قال بعض التابعين على هذه الآية ] إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى [ قال: أتت هذه الآية على جميع المأمورات، يعني: في العلميات، وفي العمليات؛ لأن المأمور إما أن يكون عدلاً في العلم والعمل، وإما أن يكون فضلاً في العمليات والعبادات وأنواع التعامل, يقابله أهل الجور، وهم أهل الظلم, والجور: هو الحيف، وهو بمعنى: الظلم، وأهل الظلم تارةً يكون ظلمهم في حق الله –جل وعلا- , تارة يكون ظلمهم في حق النبي r،, وتارة يكون ظلمهم في حق العباد، أو في حق أنفسهم، فإذن هذه المحاب، محبة أهل العدل والأمانة, وبغض أهل الجور والخيانة، هذه تبع لمحبة الله –جل وعلا- ولبغضه.
وأهل العدل يقابلون أهل الجور, بهذا المعنى إذا تبين هذا فإن المتقرر عند أهل السنة: أن الله –جل وعلا- يحب ويبغض, وهما صفتان حقيقيتان على ما يليق بجلال الرب –جل وعلا- , لا يماثل في محبته وبغضه محبة العباد وبغضهم، تعالى ربنا عن ذلك وتقدس.
والله –جل وعلا- يحب العبد لما ما فيه من الصفات الحسنة، صفات الإيمان, والعدل, والطاعة، ويبغض العبد لما ما فيه من صفات الظلم والطغيان، أو المعصية, والمخالفة ونحو ذلك, فإذن قرروا أنه يجتمع في حق المعين في صفات الله –جل وعلا- أن الله يحب العبد من جهة، ويبغضه من جهة، وهذا يخالف قول المبتدعة, الذين قالوا: ‘‘المحبة والبغض شيء واحد‘‘. الله –جل وعلا- يحب العبد الكافر حال كفره إذا كان سيوافيه على الإيمان، ويبغض العبد المؤمن الصالح حال إيمانه إذا كان سيوافيه على الكفر، وهذا هو المسألة الموسومة بمسألة الموافاة عندهم, وهي مسألة المحبة والبغض عندهم أزلي، فالله يحب من يحب مطلقاً، ويبغض من يبغض مطلقاً, والمحبة عندهم مؤولة بإرادة الخير، والبغض عندهم مؤول بإرادة الخذلان.

إذا تبين ذلك فإن المؤمن فيما يحب من إخوانه المؤمنين يحبهم بقدر ما معهم من الإيمان، والعدل والأمانة، ويبغض فيهم بقدر ما معهم من الجور, والظلم, والخيانة، فالمؤمن تبع لمحبة الله –جل وعلا-, ليس عنده حب كامل، أو بغض كامل، بل يحب بقدر الطاعة، ويبغض بقدر المعصية، وهذا من العدل, حتى في رغبات النفس، وفي نوازع القلب, فإذن يجتمع في المسلم العاصي الحب من جهة، والبغض من جهة، ترى حسناته فتسرك فتحبه، وترى سيئاته فتسوؤك فتبغضه, من هذه الجهة.

فإذن الحب الكامل لأهل الكمال، والبغض الكامل لأهل الكفر، والمؤمن الذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً؛ فإنه يحب من جهة، ويبغض من جهة، وهذا أهل السنة والجماعة فيه تبع لما دلت عليه النصوص, التي أوجبت موالاة المؤمن, ما دام اسم الإيمان باقياً عليه، والبراءة من الكافر, ما دام اسم الكفر علماً عليه.

المسألة الثانية:
الأمانة والخيانة متقابلان أيضاً, ويُعْنَى بالأمانة هنا: الوفاء بأمانة التكاليف التي أخذ الله –جل وعلا- , العهد من آدم عليها في قوله: ] إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [. وأصح الأقوال في تفسير الأمانة هنا: أنها أمانة التكاليف.
يعني: أن يقبل أنه يخاطب بالأمر والنهي, وبعد ذلك الثواب والعقاب، والخيانة ضد الأمانة، وهي: عدم رعاية التكاليف, فرجع الأمر إلى أن حقيقة الأمانة في معناها الواسع يرجع إلى التكاليف العقدية، وإلى التكاليف العملية، والخيانة إلى التكاليف العقدية خان فيها، وإلى التكاليف العملية.

فالأمر إذن فيه نوع ترادف في معناه الواسع مع العدل والجور، فأهل العدل والأمانة بالمعنى الواسع يقابلون, كطائفة أهل الجور والخيانة. فهؤلاء يحبون، وهؤلاء يبغضون، ومن كان فيه عدل وأمانة وفيه جور وخيانة؛ فإنه يحب من جهة, ويبغض من جهة.
قال بعد ذلك –رحمه الله تعالى-: " ونقول الله أعلم فيما اشتبه علينا علمه ".
نقول: يريد به أتباع الأئمة الأربعة، وأتباع أهل الحديث والأثر؛ فإنهم يمتثلون ما أمر الله –جل وعلا- به, في أنهم لا يقولون على الله مالا يعلمون، وأنهم لا يقفون ما لا يعلمون، امتثالاً لقوله -Y-: ] وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [ وقال –جل وعلا- في بيان المحرمات: ] وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [، فالقول على الله –جل وعلا- بلا علم محرم، وهو قرين للكفر والشرك؛ لأنه ما حصل الشرك والكفر وعبادة غير الله –جل وعلا- إلا بالقول على الله بلا علم، ] سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ [.
فإذن كل ضلال حصل إنما هو بالقول على الله –جل وعلا- بلا علم, فأهل السنة والجماعة، أتباع الحديث والأثر فيهم تخلي عن أهوائهم، وغلبة لأنفسهم, وامتثال لأمر الله جل وعلا, وأمر رسوله r , فيقولون: الله أعلم فيما لا يعلمون.
ولهذا جبريل -u- في القصة، في حديث جبريل في سؤاله للنبي عليه الصلاة والسلام, الحديث المعروف، سؤاله عن الإسلام والإيمان… إلى آخره، قال عمر -t- في آخره، لما سأله النبي r: ((يا عمر أتدري من السائل؟)) قال: الله ورسوله أعلم. قال: ((هذا جبريل جاءكم يعلكم أمر دينكم)).
فالصحابة –رضوان الله عليهم- استعملوا هذا الأصل في عهده عليه الصلاة والسلام, واستعمله العلماء والأئمة إلى وقتنا الحاضر, ونذكر مسألتين:

المسألة الأولى: قول: "الله أعلم". أفعل التفضيل هنا أعلم، إما أن ترجع إلى المتكلم، يعني نقول: الله أعلم منا، أو مني فيما اشتبه علينا علمه، أو الله أعلم بحكم هذه المسألة من خلقه.

فالأولى: فيها إرجاع للمتكلم.

والثانية: فيها إرجاع إلى الجميع.

وأفعل التفضيل هنا أعلم، ليس معناها: اشتراك الجميع في العلم في هذه المسألة؛ لأن العبد إذا لم يعلم شيئاً قال: الله أعلم. ولو أراد مني؛ فإنه لا يعني أن عنده علم قليل, ولهذا صار معنى الله أعلم: أي الله هو العالم بحكم هذه المسألة، فأنا لا أعلم. وقول: الله ورسوله أعلم, لم يذكرها هنا؛ لأنه لا يقال: الله ورسوله أعلم، إلا في حياته عليه الصلاة والسلام, وأما بعد وفاته فلا يقال إلا: الله أعلم؛ لأن النبي - عليه الصلاة والسلام- انقطع عن دار التكليف ودار الوحي، الذي هو العلم, الذي ينزل به جبريل -u- عليه.

المسألة الثانية: قوله: " فيما اشتبه علينا علمه". الاشتباه يعني به: ورود ما لا تعلم مطلقاً، أو فيما تعلم واشتبه عليك، هل هو الصواب، أم لا؟ ولهذا قال العلماء: الاشتباه والمتشابهات المراد منها فيما جاء في النصوص ,] مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [. وهنا قال: " فيما اشتبه علينا علمه ". المراد بما اشتبه, والمتشابهات: المتشابه الإضافي النسبي لمن قال هذه الكلمة، وأما المتشابه المطلق، فيما فيه تكليف علماً أو عملاً؛فإنه لا يوجد في الكتاب والسنة، فكل ما فيه تكليف في الكتاب أو السنة تكليف بالأوامر والنواهي في العلم، أو في العمل فلا يكون مشتبهاً على الأمة كلها، بل قد يشتبه على البعض، ويعلمه آخرون؛ لأن الاشتباه الموجود نسبي إضافي، بحسب علم العبد، لهذا قد يرد على العالم، أو على من هو أقل علماً، أو على الإمام مسائل, يشتبه عليه فيها العلم، أو لا يعلمها أصلاً، ترد عليه آية لا يعلم معناها أو مخرجها؛ فيسأل عنها.

عمر -t- سأل عن آيات، أبوبكر -t- جاء عنه، أنه قال: ‘‘أي سماء تظلني, وأي أرض تقلني, إذا قلت في كتاب الله مالا أعلم‘‘. وعمر روي عنه نحو هذه الكلمة، وسأل عن تفسير آيات، وسئل والصحابة لم يزل بينهم إرجاع في المسائل بعضهم بعضاً، بعضهم يرجع إلى بعض المسائل؛ فإذن هذا أصل في أن المرء إذا لم يعلم يقول: الله أعلم. ويحيل إلى غيره ممن يعلم.

الاشتباه هنا كما ذكرت لك، قد يكون اشتباهاً في الدليل، وقد يكون اشتباهاً في المدلول, في الدليل ما عرفت وجه الدليل أو المسألة, لا تعرف دليلها أصلاً، ليس معنى ذلك: أنها ليست بحق؛ لأن علماء الأمة يعلمون دليلها، أو يكون الدليل معك, لكن وجه الاستدلال يشتبه عليك، فلا تخض في كتاب الله تفسيراً؛ ببيان وجه استدلال, وأنت ليس عندك علم به، فتقول: الله أعلم. هذا هو الدليل، لكن إيش وجه الاستدلال؟! الله أعلم. ولهذا الإمام مالك يذكر عنه أنه سئل عن أربعين مسألة، أو عن ثلاث وثلاثين مسألة، فأجاب عن أربع، والبقية قال: الله أعلم. لا أدري وهذا من عظيم، تعظيمهم لله –جل وعلا- وأن يقولوا في دين الله ما لا يعلمون، وهذه الحقيقة.

القاعدة هذه أو هذا الأصل تحتاجه كثيراً في النقاش؛ لأن المرء إذا ناقش غيره قد يأتيه الشيطان ويقول: أنت تعلم كل شيء، فيترك لا أعلم، يترك ((الله أعلم)). يترك لا أدري, فيقع ويأثم، وهدي أهل السنة والجماعة التواضع في العلم، كما أنهم التواضع لله –جل وعلا- في العلم والعمل، لهذا قال ابن المبارك –رحمه الله تعالى-: إن للعلم طغياناً كطغيان المال، والله –جل وعلا- وصف أهل المال بقوله: ] كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّاهُ اسْتَغْنَى [. كذلك المرء قد يزداد عنده العلم حتى تكسبه تلك الزيادة طغياناً, يتعدى على غيره، ولا يسلك مع الناس سبيل الشرع في العدل في اللفظ وحمل أقوالهم ونحو ذلك, مما يجب على المرء أن يعدل فيه؛ لأن من أراد أن يقيم الأقوال، فهو قاضٍ, والقاضي يجب عليه أن يحكم بالعدل، لا أن يحكم بالهوى:] فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ [.

والمرء إذا أخطأ الله أعلم، جاءه كل غلط, يأتيه الآراء الخطأ، ويقتنع بها ويؤيدها، ثم يتعصب لها، ثم يحصل فساد من أقواله، لكن إذا عود نفسه أن يمتثل هذا الأصل, وهو مالا يعلم، يقول: الله أعلم، فتح لقلبه أنوارا من العلم، ثم إذا علم العلم ثبت عنده - بإذن الله تعالى- تواضع لله –جل وعلا, و((من تواضع لله –جل وعلا- رفعه)). هذه بعض الكلمات على هذا الأصل، أسأل الله –جل وعلا- أن يوفقني وإياكم لما فيه رضاه، وأن يغفر لأئمتنا الذين ورثونا العلم النافع، وأن يجمعنا بهم في دار كرامته، وأن يوردنا حوض نبيه، إنه سبحانه أكرم مسؤول, جواد غفور رحيم, اللهم فجد علينا واغفر جماً، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

سؤال: يقول: ذكرت أن لفظ السنة والجماعة صار علماً من اقتدى بالصحابة، وذكرت أن هذا اللفظ يراد به أهل الحديث والأثر، ألا ترى أن هذه الألفاظ محدثة ليست على نهج الله؟! فقد قال الله تعالى: ] هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ [. فلماذا لا نلتزم بهذا المصطلح القرآني, حتى إن صار علماً على طائفة معينة، فلماذا لا نلتزم به, ونترك غيرها من المصطلحات الحاثة؟! وجزاكم الله خيراً.
جـواب:
أولاً: قبل الدخول في الجواب, استعمال لفظ المصطلح القرآني هذا استعمال حادث، والأخ عنده يعني: رغبة في الاتباع، فلفظ المصطلح القرآني، أو المصطلحات القرآنية هذه من الألفاظ الحادثة، التي مرت قرون الإسلام ولا تعرف هذا اللفظ. وهذا لأن كلمة المصطلح، تعني: اصطلاح, والاصطلاح هو: أن يكون هناك من اصطلح مع غيره على هذه التسمية. والله –جل وعلا- أنزل القرآن بلسان عربي مبين, فإذن العلماء يقولون: دلالات قرآنية، الألفاظ القرآنية المعاني، الآيات ونحو ذلك مما هو مستعمل عند السلف.

أما ما جرى السؤال عليه, فالتأصيل الذي ذكره صحيح، والتطبيق قاصر, أما التأصيل فهو صواب؛ لأنه لا يحدث ألفاظ وأسماء يجمع الناس عليها، ويتعصبون لها, وهي ليست من الألفاظ الشرعية؛ لأن هذا نوع من الفرقة والخلاف والافتراق, ولهذا قال العلماء: الله –جل وعلا- سمى أتباع محمد - عليه الصلاة والسلام- مسلمين ومؤمنين، وسمى منهم المهاجرين, وسمى منهم الأنصار، وسمى منهم الأعراب، وسمى منهم.. إلى آخره.

وهذه التسميات لأجل مجيئها في القرآن فهي شرعية، وهذه التسميات الشرعية إذا تعصب لها - مع أنها شرعية- صارت مذمومة, حاش اسم الإسلام والإيمان , ولهذا لما قام رجل من المهاجرين لأجل خلاف وقال: يا للمهاجرين ينتخي بهم. وقام رجل من الأنصار- غلام من الأنصار- فقال: يا للأنصار ينتخي بهم. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ((أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم)) لم؟! لأن النخوة هنا والتعصب صار لطائفة من المؤمنين، وللفظ ليس هو لفظ الإسلام والإيمان، أو المسلمين والمؤمنين؛ صار هذا محدثًا للتفرق، ولهذا قال: ((أبدعوى الجاهلية)). لأن الجاهلية هم الذين ينتخون, ويتعصبون للأسماء دون بينة, فكذلك الأسماء المحدثة في الأمة، إذا تعصب لها دون غيرها؛ فإنه يكون ذلك مردوداً على أصحابه، مثلاً: اسم الحنابلة، اسم الشافعية، اسم المالكية، اسم السعوديين، اسم المصريين، اسم الشرقيين، المغاربة، الشوام.. إلى آخره، هذه أسماء إذا كانت في الأمة لأجل التعريف، فإن هذا الأمر فيه واسع، لكن إن كان ثم تعصب عليها، وذم لما خالفها لأجل الاسم, أن يمدح الشافعية لأجل أنهم شافعية, ويذم الحنابلة لأنهم ليسوا بشافعية، أو العكس؛ فإن هذا من التعصب المذموم، وهو من التفرق, والأخذ بالشعارات أو الأسماء التي لم يدل عليها الدليل.

إذا تبين هذا الأصل، وهو ما ذكره السائل, جزاه الله خيرًا في سؤاله؛ فإن لفظ السنة والجماعة لفظان شرعيان, قد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)). وسنته هي سنته، وسنة الخلفاء الراشدين هي ما كان عليه الجماعة في وقت الخلفاء الراشدين. وفي الجماعة قال عليه الصلاة والسلام في الفرق: ((كلها في النار إلا واحدة)). قالوا: من هي يا رسول الله؟! قال: ((هي الجماعة)). والله –جل وعلا-أمر باتباع نبيه عليه الصلاة والسلام فقال:
] وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [ مطلقًا في كل مسألة، ] وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ [ مطلق في كل مسألة، يعني: الأخذ بالسنة؛ فإذن الأصل باتباع السنة, واتباع الجماعة, وتميزوالثناء على اتباع السنة، والثناء على الالتزام بالجماعة، هذا الأصل موجود في النصوص, جاء في زمن الصحابة، في أواخره، في عهد عثمان، في عهد علي -t-، بدأ خروج أهل الأهواء، وأهل الأهواء –وهم الخوارج مثلاً في أول الأمر- ثم الشيعة، ثم المرجئة، ثم القدرية، هؤلاء أهل الأهواء, صارت لهم هذه الأسماء، وهم مسلمون لا نكفرهم، لكن ليسوا آخذين بكل الحق، فصار الاسم الذي سموا به علمًا لهم على ترك بعض الحق والافتراق.

فإذن تبقى الطائفة الأولى التي كانت مواصلة للمأمور به من السنة والجماعة، يبقون يقابلون، إن قلنا: هؤلاء –أعني: من مشى على الطريق ولزم السنة والجماعة- هؤلاء هم المسلمون، فماذا نسمي الآخرين؟! نقول: هؤلاء هم المسلمون أيضًا, إذن لم يصر فرقًا بين السنة والبدعة, ما بين الاتباع والمخالفة, ولا ما بين الخارجي والصحابي؛ فإذن لزم الفرق واسم الإسلام من ورع الصحابة –رضوان الله عليهم- وعدلهم أن الذين قاتلوهم وضللوهم لم يخرجوهم من الإسلام، بل أبقوا عليهم اسم الإسلام، واسم الإيمان, لكن من كان على وفق ما كان عليه النبي - عليه الصلاة والسلام- والخلفاء الراشدين تميزوا بالاسم, الذي هو الاسم الأصلي، وهو أنهم أهل السنة وأهل الجماعة، ولا يصح أن يقال: إنهم مسلمون فقط؛ لأنهم إن قيل: إنهم مسلمون، فغيرهم أيضًا مسلمون, وهذا التخصيص لهم، وهو في الأصل مطابق لقولهم:‘‘مسلم‘‘. ففي عهد النبي r المسلم يقابل المنافق، المؤمن يقابل المنافق، والمسلم هو.. هم أهل السنة والجماعة , فلم يكن ثم فرق في عهده عليه الصلاة والسلام, ولا في عهد أبي بكر، ولا في عهد عمر، ما بين المسلم وما بين أهل السنة والجماعة، الدلالة واحدة، المسلم مؤمن, أهل السنة والجماعة الكل واحد لا فرق.

متى ظهر الاعتناء بأهل السنة والجماعة؟! لما ظهر الاختلاف والاعتناء بالاسم تمييزاً ليس ثناءً فقط لمن اتبع السنة والجماعة، ولكن هو أيضاً عدل مع من خالف؛ لأن الذي خالف، لو قلنا: هؤلاء مسلمون، لكن أولئك نقول: كفار. كيف تخصون أنتم بالمسلمين والآخرون؟! فإذن صار عند السلف من كان على الطريقة الأولى أهل السنة والجماعة، ومن كان مخالفاً يقال له: أهل الأهواء، المرجئة، الخوارج… إلى آخر ذلك.

ولهذا أجمع أئمة الإسلام على صحة هذه التسمية من أهل الحديث, بل ومن غيرهم من الأشاعرة والماتُريدية على أن تسمية أهل السنة والجماعة صحيحة، وهذا اتفاق منهم على ذلك, فالتسمية صحيحة مجمع عليها، لكن دلالتها مختلف فيها, والاختلاف في الدلالة لم يرد له ذكر في السؤال، وإنما كان السؤال إحداث الاسم، فإيضاحه بما مر والله الموفق.

سؤال: من هم النزاع من القبائل؟ هل الرجل الذي يخرج من قبيلة إلى قبيلة أخرى؟
جـواب: لا يعني القليل النزاع من القبائل, يعني: القليل منهم.

سؤال: هل لصلاة المغرب سنة قبلية, ثم وهل تقضى إذا فاتت؟
جـواب: المغرب.. صلاة المغرب ليس له سنة قبيلة، بمعنى: سنة راتبة، لكن من أتى وصلى قبل المغرب، فالصلاة قبل المغرب سنة ومستحب، لكن ليست راتبة. النبي - عليه الصلاة والسلام- لم يكن يلازم ركعتي قبل المغرب، والصحابة –رضوان الله عليهم- حثهم عليها عليه الصلاة والسلام بقوله: ((صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب)). ثم قال في الثالثة: ((لمن شاء)) رواه البخاري وغيره.
فالسنة قبل المغرب، الركعتين لمن أتى مبكراً –يعني: قبل الإقامة- هذه مستحبة في حقه، وكان الصحابة –رضوان الله عليهم- يبتدرون السواري, يعني: قبل الإقامة؛ لأجل ضيق الوقت ما بين الأذان والإقامة في المغرب؛ لأجل صلاة تلك الركعتين, لكن ليست راتبة، فالرواتب عشر, أو ثنتا عشرة ركعة.

سؤال: ما يجده المسلم من ميل ومحبة للكافر إذا أحسن إليه كالطبيب والدكتور، هل يؤثر الولاء والبراء؟! وكذلك محبة الزوج المسلم لزوجته الكتابية، هل يؤثر على الولاء والبراء؟! علماً بأنه لو أبغضها لما تزوجها؟!
جـواب: الحب هنا ليس مطلقاً، ما أحب الكافر مطلقاً، ولا أحب الكتابية مطلقاً، وإنما أحب ذاك لأجل النفع الذي وصل إليه منه، وهذه محبة في الواقع لنفسه، لأمر دنيوي، ولهذا ذكر العلماء: أن محبة الرجل لزوجه الكتابية لا بأس به؛ لأنه كما ذكر لو لم يحبها فإنه... أو يكون لها مودة في قلبه لما أبقاها معه، لكن المحبة التي هي في الولاء والبراء، فحقيقة الولاء والبراء: المحبة والبغض, المحبة لدينه، ومن أحب الكافر لدينه؛ فإنه يكفر، أو المحبة لدنياه مطلقًا, وهذه موادة له لا تجوز, ونوع موالاة، والثالث: محبة مقيدة، لأجل النفع المقيد الحاصل له منه، فهذه فيها سعة لأجل أن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها. والذي ينبغي من جهة الكمال أن يكون تعامل المرء مع الكفار، تعاملاً ظاهريًا بالعدل، ولا يكون في قلبه ميل لهم، ولا مودة لهم، وإنما إذا أحسنوا إليه؛ فإنه يحسن إليهم. استدل أهل العلم


(الوجه الثاني)

استدل أهل العلم على هذه الصورة الثالثة, بحديث –أظنه حديث أسماء بنت أبي بكر –رضي الله عنها- وكانت أمها مشركة، وقدمت عليهم في المدينة، فسألت النبي r عن أمها قالت: أأصل أمي؟ قال: ((نعم، صِلِي أمك)). والصلة المراد بها في هذا الحديث: أنها تكرمها، إكرام الولد لوالده إذا قدم عليه, وهذا الإكرام لا يخلو من.. بل لابد فيه من مودة.

والاستدلال الثاني: وهو استدلال ضمني, بأن الله -جلا وعلا- نهى عن الإحسان إلى المحاربين، وأذن بالصلة والإحسان لمن لم يحارب من الكفار، فقال -جلا وعلا-: ] لاَّ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * [إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [. وقوله هنا: ] أَن تَوَلَّوْهُمْ [. في وصف المحاربين, يدل على أن غير المحاربين له نوع مولاة جائزة، بالإحسان والمودة الجزئية ونحو ذلك.
وهذا واضح بالمقابلة، المقصود من ذلك أن يعلم أن الولاء والبراء للكافر –يعني: للمعين- ثلاث درجات؛ الموالاة محبة الكافر للكفرة, هذا كفر، ومحبته وموادته وإكرامه للدنيا مطلقًا، هذا لا يجوز ومحرم ونوع موالاة مذموم.

والثالث: وهو أن يكون في مقابلة نعمة، أو في مقابلة قرابة؛ فإنه نوع المودة الحاصلة أو الإحسان أو نحو ذلك في غير المحاربين، هذا فيه رخصة, والله –جلا وعلا- أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.][1]


[1] ما بين المعقوفتين غير موجود بالشريط


  #6  
قديم 5 ربيع الأول 1430هـ/1-03-2009م, 11:34 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية للشيخ: يوسف بن محمد الغفيص (مفرغ)


موالاة المؤمنين والبراءة من الفاجرين
قال: [ونحب أهل العدل والأمانة، ونبغض أهل الجور والخيانة]. ومن الإيمان محبة أهل الإيمان لحديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ، وحديث: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا) ، وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71] ، وقال سبحانه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة:55] إلى غير ذلك، فهذا من أصول الإيمان، وهو الولاء للمؤمنين والبراءة من أهل الشرك والكفر والنفاق والإلحاد. ......

ردُّ العلم إلى الله فيما اشتبه علينا علمه
قال: [ونقول: الله أعلم فيما اشتبه علينا علمه]. وهذه كلمة يجمع عليها أهل الإسلام، ولكن الكثير منهم لا يفقهونها، فكم تكلم من تكلم فيما لم يحكم علمه، بل قال بالجهل، أو قال بالظن، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:86] ، ولاسيما إذا كان المقام مقام حكم على الأعيان، أو حكم على الطوائف أو الجماعات أو غيرها، فإنه يجب هنا القيام بالعدل، والقيام بالعلم. ......

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ونحب, قوله

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:54 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir