دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الطحاوية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 03:15 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي قوله: (والإيمان واحد، وأهله في أصله سواء...)

والإيمانُ واحدٌ.
وَأَهْلُهُ في أصلِهِ سَوَاءٌ، والتَّفَاضُلُ بينَهم بالخَشْيَةِ والتُّقَى، ومُخَالَفَةِ الهَوَى، وَمُلاَزَمَةِ الأَوْلَى.
والمؤمنونَ كُلُّهُم أولياءُ الرحمنِ، وَأَكْرَمُهُم عندَ اللهِ أَطْوَعُهُم وَأَتْبَعُهُم للقرآنِ.

  #2  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 06:38 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات على الطحاوية لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز


والإيمان واحد([1]) وأهله في أصله سواء، والتفاضل بينهم بالخشية والتقى، ومخالفة الهوى وملازمة الأولى، والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن، وأكرمهم عند الله أطوعهم وأتبعهم للقرآن.


([1]) قوله: (والإيمان واحد وأهله في أصله سواء) هذا فيه نظر بل هو باطل، فليس أهل الإيمان فيه سواء بل هم متفاوتون تفاوتا عظيما، فليس إيمان الرسل كإيمان غيرهم، كما أنه ليس إيمان الخلفاء الراشدين وبقية الصحابة رضي الله عنهم مثل إيمان غيرهم، وهكذا ليس إيمان المؤمنين كإيمان الفاسقين؛ وهذا التفاوت بحسب ما في القلب من العلم بالله وأسمائه وصفاته وما شرعه لعباده، وهو قول أهل السنة والجماعة خلافا للمرجئة ومن قال بقولهم، والله المستعان.


  #3  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 06:40 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات المختصرة للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

(1) والإيمانُ واحدٌ، وَأَهْلُهُ فيه سَوَاءٌ.
(2) والتَّفَاضُلُ بينَهم بالخَشْيَةِ والتُّقَى، ومُخَالَفَةِ الهَوَى، وَمُلاَزَمَةِ الأُولَى.
(3) والمؤمنونَ كُلُّهُم أولياءُ الرحمنِ، وَأَكْرَمُهُم عندَ اللهِ أَطْوَعُهُم وَأَتْبَعُهُم للقرآنِ.



(1) هذا غَلَطٌ؛ لأَنَّ الإيمانَ لَيْسَ واحدًا، ولَيْسَ أَهْلُهُ سواءً، بل الإيمانُ يَتَفَاضَلُ، ويَزِيدُ ويَنْقُصُ، إِلاَّ عندَ المُرْجِئَةِ.
والتصديقُ بالقلبِ لَيْسَ الناسُ فيهِ سواءً، فلَيْسَ إيمانُ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ كإيمانِ الفاسقِ من المسلمينَ؛ لأَنَّ الفاسقَ من المسلمينَ إيمانُهُ ضعيفٌ جدًّا، وإيمانُ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ يَعْدِلُ إيمانَ الأُمَّةِ كُلِّهَا، فلَيْسَ الناسُ في أصلِهِ سواءٌ. هذا مِن ناحيةِ أَصْلِهِ.
كذلكَ من ناحيةِ العملِ، الناسُ يَتَفَاضَلُونَ في العملِ، منهم كما قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} (فاطِر: 32) هذا العاصي الذي مَعْصِيَتُهُ دُونَ الشِّرْكِ، فإِنَّهُ ظالمٌ لنفسِهِ؛ لِأَنَّهُ مُعَرِّضٌ نَفْسَه للخطرِ { وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} وهو الذي يَعْمَلُ الواجباتِ ويَتَجَنَّبُ المُحَرَّمَاتِ.
{وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} (فَاطِر: 32) وهذا هو الذي يَعْمَلُ الواجباتِ والمُسْتَحَبَّاتِ، وَيَتْرُكُ المُحَرَّمَاتِ والمكروهاتِ وبعضَ المُبَاحَاتِ من بابِ الاحتياطِ. فالأُمَّةُ ليستْ سواءً، فصارَتْ ثلاثَ طوائفَ، فمنها الظالمُ لنفسِهِ، وَمَنها المقتصدُ، وَمَنها السابقُ بالخيراتِ، فَدَلَّ على أنَّ الإيمانَ مُتَفَاضِلٌ.
(2) هذا لا يكفي لأَنَّ معناهُ إخراجُ الأعمالِ عن مُسَمَّى الإيمانِ، وأَنَّهُ إذا صَدَّقَ بقلبِهِ ونَطَقَ بلسانِهِ فهو مؤمنٌ كاملُ الإيمانِ، والناسُ لا يَتَفَاضَلُونَ في ذلكَ. وهذا خَطَأٌ كبيرٌ؛ لأَنَّ التَّفَاضُلَ يَحْصُلُ بما ذَكَرَهُ وبالأعمالِ الصالحةِ.
(3) هذا حقٌّ، فالمؤمنونَ كُلُّهُم أولياءُ اللَّهِ، يعني: أحبابُهُ، فاللَّهُ يُحِبُّ المؤمنينَ، ويُحِبُّ المُتَّقِينَ، ويُحِبُّ المُحْسِنِينَ، ويُحِبُّ التَّوَّابِينَ، ويُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ، كما أَنَّهُ يَبْغَضُ الكافرينَ، ويَبْغَضُ الفاسقِينَ، فاللَّهُ يُحِبُّ ويَبْغَضُ على الأعمالِ.
فكُلُّ مؤمنٍ يكونُ وَلِيًّا للهِ، وتَتَفَاضَلُ الْوِلاَيَةُ، بعضُهُم أَفْضَلُ مِن بعضٍ، قَالَ جَلَّ وَعَلاَ: {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (يُونُس: 62، 63) فَمِنَ النَّاسِ مَنْ وِلاَيَتُهُ مع اللَّهِ تامَّةٌ، وَمَنهم مَن وِلاَيَتُهُ مع اللَّهِ ناقصَةٌ، وَمَنهم مَن هو عَدُوٌّ للهِ بَعِيدٌ عن اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فكُلُّ مَنْ فيهِ إيمانٌ وتَقْوًى فهو وَلِيٌّ للهِ، ولكنَّ الولايةَ تَتَفَاضَلُ بِحَسَبِ الأعمالِ، فمِنْهُم مَن وِلاَيَتُهُ كامِلَةٌ، وَمَنهم مَن هو وَلِيٌّ من وجهٍ، وهو المؤمنُ الفاسقُ، وَلِيٌّ للهِ بطاعتِهِ، عَدُوٌّ للهِ بِمَعْصِيَتِهِ ومُخَالَفَتِهِ.
وَمَنهم مَن هو عَدُوٌّ خالصٌ كالكافرِ والمشركِ.
هذا هوَ الحقُّ، أَمَّا مَن يَرَى أَنَّهُ لَيْسَ للهِ وَلِيٌّ إِلاَّ مَن بُنِيَ على قَبْرِهِ مَشْهَدٌ أو ضَرِيحٌ، والذي لَيْسَ عليهِ ضَرِيحٌ هذا فلَيْسَ بِوَلِيٍّ؟ كَمَا عندَ القُبُورِيِّينَ! فهذا باطلٌ.

  #4  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 09:30 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي


وقوله: وأهله في أصله سواء، والتفاضل بينهم بالحقيقة ومخالفة الهوى، وملازمة الأولى. وفي بعض النسخ: بالخشية والتقى بدل قوله: بالحقيقة. ففي العبارة الأولى يشير إلى أن الكل مشتركون في أصل التصديق، ولكن التصديق يكون بعضه أقوى من بعض وأثبت، كما تقدم نظيره بقوة البصر وضعفه. وفي العبارة الأخرى يشير إلى أن التفاوت بين المؤمنين بأعمال القلوب، وأما التصديق فلا تفاوت فيه. والمعنى الأول أظهر قوة، والله أعلم بالصواب.

قوله: ( والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن ).

ش: قال تعالى: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون الآية. الولي: من الولاية بفتح الواو، التي هي ضد العداوة. وقد قرأ حمزة: ما لكم من ولايتهم من شيء، بكسرالواو، والباقون بفتحها. وقيل: هما لغتان. وقيل: بالفتح النصرة، وبالكسر الإمارة. قال الزجاج: وجاز الكسر، لأن في تولي [ بعض ] القوم بعضاً جنساً من الصناعة والعمل، وكل ما كان كذلك مكسور، مثل: الخياطة ونحوها. فالمؤمنون أولياء الله، والله تعالى وليهم، قال الله تعالى: الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات الآيه. وقال تعالى: ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم. والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض الآية. وقال تعالى: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض إلى آخر السورة. وقال تعالى: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون. فهذه النصوص [كلها] ثبت فيها موالاة المؤمنين بعضهم لبعض، وأنهم أولياء الله، وأن الله وليهم ومولاهم. فالله يتولى عباده المؤمنين، فيحبهم ويحبونه، ويرضى عنهم ويرضون عنه، ومن عادى له وليا فقد بارزه بالمحاربة. وهذه الولاية من رحمته وإحسانه، ليست كولاية المخلوق للمخلوق لحاجة إليه، قال تعالى: وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً. فالله تعالى ليس له ولي من الذل، بل لله العزة جميعاً، خلاف الملوك وغيرهم ممن يتولاه لذله وحاجته إلى ولي ينصره.
والولاية أيضاً نظير الإيمان، فيكون مراد الشيخ: أن أهلها في أصلها سواء، وتكون كاملة وناقصة: فالكاملة تكون للمؤمنين المتقين، كما قال تعالى: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فـ الذين آمنوا وكانوا يتقون - منصوب على أنه صفة أولياء الله، أو بدل منه، أو بإضمار أمدح، أو مرفوع بإضمار هم، أو خبر ثان لـ إن، وأجيز فيه الجر، بدلاً من ضمير عليهم. وعلى هذه الوجوه كلها فالولاية لمن كان من الذين آمنوا وكانوا يتقون، وهم أهل الوعد المذكور في الآيات الثلاث. وهي عبارة عن موافقة الولي الحميد في محابه ومساخطه، ليست بكثرة صوم ولا صلاة، ولا تملق ولا رياضة. وقيل: الذين آمنوا مبتدأ، والخبر: لهم البشرى، وهو بعيد، لقطع الجملة عما قبلها، وانتثار نظم الآية.
ويجتمع في المؤمن ولاية من وجه، وعداوة من وجه، كما قد يكون فيه كفر وإيمان، وشرك وتوحيد، وتقوى وفجور، ونفاق وإيمان. وإن كان في هذا الأصل نزاع لفظي بين أهل السنة، ونزاع معنوي بينهم وبين أهل البدع، كما تقدم في الإيمان. ولكن موافقة الشارع في اللفظ والمعنى - أولى من موافقته في المعنى وحده، قال تعالى: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون. وقال تعالى: قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا، الآية. وقد تقدم الكلام على هذه الآية، وأنهم ليسوا منافقين على أصح القولين. وقال صلى الله عليه وسلم: أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر. وفي رواية وإذا ائتمن خان بدل: وإذا وعد أخلف. أخرجاه في الصحيحين. وحديث: شعب الإيمان تقدم. وقوله صلى الله عليه وسلم: يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان. فعلم أن من كان معه من الإيمان أقل القليل لم يخلد في النار، وإن كان معه كثير من النفاق، فهو يعذب في النار على قدر [ما معه] من ذلك، ثم يخرج من النار. فالطاعات من شعب الإيمان، والمعاصي من شعب الكفر، وإن كان رأس شعب الكفر الجحود، ورأس شعب الإيمان التصديق. وأما ما يروى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من جماعة اجتمعت إلا وفيهم ولي لله، لا هم يدرون به، ولا هو يدري بنفسه -: فلا أصل له، وهو كلام باطل، فإن الجماعة قد يكونون كفاراً، وقد يكونون فساقاً يموتون على الفسق. وأما أولياء الله الكاملون فهم الموصوفون في قوله تعالى: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة الآية. والتقوى هي المذكورة في قوله تعالى: ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، الى قوله: أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون. وهم قسمان: مقتصدون، ومقربون. فالمقتصدون: الذين يتقربون إلى الله بالفرائض من أعمال القلوب والجوارح. والسابقون: الذين يتقربون إلى الله بالنوافل بعد الفرائض. كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما أفترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل، حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته. والولي: خلاف العدو، وهو مشتق من الولاء وهو الدنو والتقرب، فولي الله: هو من والى الله بموافقته محبوباته، والتقرب إليه بمرضاته، وهؤلاء كما قال الله تعالى فيهم: ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب. قال أبو ذر رضي الله عنه: لما نزلت الآية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر، لو عمل الناس بهذه الآية لكفتهم، فالمتقون يجعل الله لهم مخرجاً مما ضاق على الناس، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون، فيدفع الله عنهم المضار، ويجلب لهم المنافع، ويعطيهم الله أشياء يطول شرحها، من المكاشفات والتأثيرات.

قوله: ( وأكرمهم عند الله أطوعهم وأتبعهم للقرآن ).

ش: أراد أكرم المؤمنين هو الأطوع لله والأتبع للقرآن، وهو الأتقى، والاتقى هو الأكرم، قال تعالى: إن أكرمكم عند الله أتقاكم. وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض -: إلا بالتقوى، الناس من آدم، وآدم من تراب. وبهذا الدليل يظهر ضعف تنازعهم في مسألة الفقير الصابر والغني الشاكر، وترجيح أحدهما على الآخر، وأن التحقيق أن التفضيل لا يرجع إلى ذات الفقر والغنى، وإنما يرجع إلى الأعمال والأحوال والحقائق، فالمسألة فاسدة في نفسها. فإن التفضل عند الله بالتقوى وحقائق الإيمان، لا بفقر ولا غنى. ولهذا - والله أعلم - قال عمر رضي الله عنه: الغنى والفقر مطيتان، لا أبالي أيهما ركبت. والفقر والغنى ابتلاء من الله تعالى لعبده، كما قال تعالى: فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن الآية. فإن استويا، الفقير الصابر والغني الشاكر- في التقوى، استويا في الدرجة، وإن فضل أحدهما فيها فهو الأفضل عند الله، فإن الفقر والغنى لا يوزنان، وإنما يوزن الصبر والشكر. ومنهم من أحال المسألة من وجه آخر: وهو أن الإيمان [نصف] صبر ونصف شكر، فكل منهما لا بد له من صبر وشكر. وإنما أخذ الناس فرعاً من الصبر وفرعاً من الشكر، وأخذوا في الترجيح، فجردوا غنياً منفقاً متصدقاً باذلاً ماله في وجوب القرب شاكراً لله عليه، وفقيراً متفرغاً لطاعة الله ولأداء العبادات صابراً على فقره. وحينئذ يقال: إن أكملهما أطوعهما وأتبعهما، فإن تساويا تساوت درجتهما. والله أعلم. ولو صح التجريد، لصح أن يقال: أيما أفضل معافى شاكر، أو مريض صابر، أو مطاع شاكر، أو مهان صابر، أو آمن شاكر، أو خائف صابر؟ ونحو ذلك.

  #5  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 01:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لمعالي الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)


قال الطحاوي بعدها: "والإيمان واحد، وأهله في أصله سواء، والتفاضل بينهم بالخشية والتقى ومخالفة الهوى وملازمة الأولى". هذه العبارة منه تقرير لكلام أبي حنيفة وأصحابه الذين يسمون مرجئة الفقهاء: في أن الإيمان واحد –يعني: أنه في أصل وجوده شيء واحد- إذا دخل في الإيمان دخل بشيء واحد, إذا وجد سمي مؤمناً, وإذا لم يوجد لم يسم مؤمناً، وهذا القدر القليل الذي هو الأصل، نظروا إليه بأنه شيء واحد, وأن أهله في أصله سواء, يعني: أن أصل الإيمان يتساوى فيه المؤمنون، فجعلوا إيمان الناس كإيمان النبي –عليه الصلاة والسلام- كإيمان أبي بكر، كإيمان محمد –عليه الصلاة والسلام- بل كإيمان الرسل جميعاً، بل جعلوه كإيمان الملائكة جميعاً، جعلوا أصل الإيمان لما كان واحداً –يعني ما يحصل به الإيمان أول الأمر- فجعلوا أهله في أصله سواء، وهذا –كما ذكرت لك- راجع إلى أن التصديق عندهم وما يتصل به من أعمال القلب أنه شيء واحد, وقد نص على ذلك أبو حنيفة في كتابه ‘‘الفقه الأكبر‘‘ في أن التصديق واحد, وأن التوكل واحد, والمحبة واحدة, وأن الخشية خشية القلب واحدة، ونحو ذلك. فجعلوا ما في القلب مما يحصل به الإيمان، جعلوه شيئاً واحداً. والذي دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة أن أهل الإيمان متفاضلون فيما بينهم، فالله -جلا وعلا- فضل بعض الرسل على بعض، فقال سبحانه: ] تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ [.وتفضيل بعضهم على بعض نتيجة لسبب, وهو تفاضلهم في الإيمان، فالرسل منهم أولوا العزم, وهو أعظم الرسل مقاماً، وأرفع الرسل مكانةً: ] فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [ فالرسل ليسوا في منزلة واحدة عند الله جلا وعلا, والتفاضل هنا يكون بالإيمان.. بإيمان القلب, ويكون بإيمان الجوارح بفعلها, وهنا جعل الطحاوي التفاضل بالأمور الظاهرة؛ بالخشية, والتقى, ومخالفة الهوى, وملازمة الأولى، ولكن هذا التفاضل هو بعض التفاضل، لكن القلب يكون بين هذا وهذا من التفاضل في أعمال القلوب, وفي تصديق القلب ما ليس بمحدود,لهذا خص الله أبا بكر الصديق -t- خصه بأنه صدق من بين سائر الصحابة فقال جلا وعلا: ] وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [. خصّه بالتصديق؛ لأن عنده تصديقاً زائداً عن غيره, كذلك قوله جلا وعلا في سورة الليل: ] * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [. (كلام ليس فائة علمية وغير مسموع)]وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى [ فهذا الابتغاء الذي هو أصل.. أصل الدخول في الدين، الذي هو ابتغاء ما عند الله –جلا وعلا- خص به أبوبكر؛ لأن له في ذلك مزيداً ليس لغيره, لهذا قال عليه الصلاة والسلام: ((لو وزن إيمان الأمة بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر)). وقال أيضاً التابعي الجليل أبو بكر شعبة القارئ المعروف: ما سبقهم أبوبكر بكثرة إيمانٍ, بكثرة صدقة, ولا صلاة، ولكن بشيء وقر في قلبه, هذا الشيء الذي وقر في القلب الذي هو التصديق، الناس يعرفون أن فلاناً وفلاناً من جهة تصديقهم للخبر يختلفون, أي خبر فيأتيك ثقة فيقول لك: هذا حاصل، وفي ناس يأتون هذا مصدق, وهذا مصدق، لكن تصديق فلان التصديق الأول يختلف عن تصديق الثاني من حيث قوته، من حيث الجزم به بقوٍة وثباتِ ويقين, ولهذا أبو بكر t حصل له من المقامات -كما هو معروف في السيرة- ما ليس لغيره، هذا التصديق أيضاً فيه أشياء تؤثر فيه من جهة التفاضل كما سيأتي بيانه.

إذن كلام الطحاوي فيما سمعت جعل التفاضل بأمور خارجة عن تصديق القلب, عن اعتقاد القلب، جعلها الخشية الظاهرة, والتقوى الظاهرة, ومخالفة الهوى, وملازمة الأولى بامتثال الأوامر واجتناب النواهي, إذا تبين هذا فنذكر على هذا عدة مسائل ربما ثلاث:

الأولى:
أن قوله:"أهله في أصله سواء". يرد عليه بأن أصل الإيمان إما أن يكون لغوياً, وإما أن يكون شرعياً, فإذا كان المراد الشرعي –يعني الإيمان الشرعي- فإن الإيمان يصدق على ما به يدخل المرء فيه، وأيضاً يكون أصله فيما بعد ذلك من الزيادات، بمعنى أنه يدخل في الإيمان بتصديق وبكلمة، ثم بعد ذلك يكون تصديقه غير تصديقه الأول، وتكون كلمته غير كلمته الأولى. فلهذا ((أصله)) كلمة أصله فيه إجمال وعدم وضوح، هل المقصود بالأصل الأصل الشرعي حين دخل؟! أو المقصود حين دخل في الإسلام؟! أو المقصود الأصل الشرعي الذي يتابعه ويمشي معه –يعني يلازم الإنسان دائماً- وأنه أصل واحد لا يزيد دائماً؟! هذا فيه إجمالاً, وأيضاً لا يتفق هذا وذاك. لا يتفق إيمانه, أصل إيمانه أول ما دخل، وأصل إيمانه الذي يصاحبه، وكل أحد يعرف من نفسه الفرق ما بين أصل إيمانه حين أسلم، وأصل إيمانه حين رسخت قدمه, وحسن إسلامه, فإذن كلمة أصله:"أهله في أصله". أصل الإيمان ما هو؟! هذه كلمة مجملة غير واضحة مرجعها غير واضح، ولا دليل من الكتاب والسنة على هذه الكلمة, يعني: التعبير بأصل الإيمان فيه وعدم التفريق فيه ما بين الإيمان اللغوي والشرعي.

المسألة الثانية:
أن أصل الإيمان إذا قلنا: هو التصديق, فإن التصديق يتفاوت، نفس التصديق التصديق نفسه الذي هو حد الإيمان؛لأنهم عرفوا الإيمان: إقرار باللسان, وتصديق بالجنان, هذا التصديق الذي هو في تعريف الإيمان يتفاوت الناس فيه، وأيضًا يزيد في المعين وينقص. وأسباب زيادة التصديق ونقصان التصديق أمور:
الأول: أن مسائل الشرع مسائل الكتاب والسنة كثيرة، سواء في الأمور الاعتقادية أو في الأمور العلمية، وهذه كلها يجب الإيمان بها على الإجمال والتفصيل. فإيمان وتصديق من كان مقتصراً على الإجماليات من جهال المسلمين، ليس كإيمان وتصديق من صدق بكل ما علمه، فالعالم تصديقه مجمل, وتصديقه مفصل بكل ما علمه, وأما الجاهل فتصديقه مجمل, وما علمه من الشريعة قليل صدق به, لكنه تصديق ببعض الأمور, فمن صدق بكل الفروع –سواء فروع العقيدة أو فروع الشريعة- من صدق بها جميعاً، فتصديقه أعلى ممن صدق تصديقاً إجمالياً لا تفصيل فيه. فإذن نفس التصديق من جهة أوامر الشريعة والإيمان بالنصوص يختلف من جهة الإجمال والتفصيل.

الثاني: الأعمال الظاهرة أيضاً امتثالاً للأوامر واجتناباً للنواهي تؤثر في التصديق, ويؤثر فيها التصديق, ويدل على ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف، يرفع إليه فيها الناس أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن)) كما في الصحيح. وفي مسند الإمام أحمد قال: "إذا زنا العبد ارتفع الإيمان فكان على رأسه كالظُلة، فإذا تركه عاود". فإذن هو حينما يفعل هذه الكبيرة كبيرة الزنا, أو كبيرة شرب الخمر, أو كبيرة السرقة أو ما شابهها، فحين يفعل قال: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)). لكن هنا هل زال تصديقه بالكلية؟! لا, لكن التصديق القوي المستحضر بالله –جلا وعلا- وبالدار الآخرة, وبعقابه, وبالحساب, وبالعذاب, وما يكون بعد ذلك، ومن العقوبات في الدنيا هذا التصديق المتجزئ الكثير هذا التصديق غاب عنه حين واقع المحظور، فلذلك قال: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)). فإذن الأعمال الظاهرة إذا امتثالاً للواجب، وانتهاءً عن المحرم هذه تزيد بالتصديق، قال جلا وعلا: ] وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً [. وزيادة الإيمان ترجع إلى أركان الإيمان، إذ تخصيص بعض الأركان دون بعض، ليس عليه دليل. وقال أيضاً: زيادة التصديق وزيادة العمل وزيادة الإقرار. كذلك قوله جلا وعلا: ] لِيَزْدَادُواْ إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ [. ليزدادوا إيماناً، إيمانا هنا نكرة,فتفيد الإطلاق في هذا المقام، يعني إيماناً من جهة العمل, وإيماناً من جهة الإقرار, وإيمان من جهة التصديق والاعتقاد.

الوجه الثالث: من أن التصديق يزيد أعمال القلوب مختلفة، الإنابة إلى الله -جلا وعلا- ومحبة الرب سبحانه، والخضوع له, والتلذذ بمناجاته, والأنس بتلاوة كتابه, والتعرض لنفحاته في الأوقات الفاضلة، هذه أمور تزيد من اعتقاد القلب, وكل أحد يعلم من نفسه يعلم أن حاله مع وجود هذه الأمور ومجاهدة النفس فيها ليس كحاله بدونها, وإيقاناً بالجنة والنار وبالنعيم وبالعذاب, وتوكله على الله جلا وعلا, ويقينه وقوته في الإيمان، تختلف فيما إذا تعاطى هذه العبادات, وفيما إذا تهاون بها. فإذن إيقانه وتصديقه متصلٌ بعبادات القلوب، وعبادات القلوب تزيد في التصديق, والتصديق زيادته يؤثر فيها, فعمل القلب واحد, وإذا قلنا عمل القلب نسميه كذا, ونسميه كذا,فباعتبار التجزيء باعتبار الإيضاح, لكن في الحقيقة القلب شيء واحد إذ جاءه التوكل قوي التصديق, إذا قوي التصديق قويت محبة الله جلا وعلا, إذا قويت محبة الله –سبحانه وتعالى - قويت الإنابة إليه, وامتثال أوامره, والرغبة فيما عنده, فالقلب إذن تفريق أعماله إنما هو للإيضاح والبيان، وإلا فكل عمل قلبي مؤثر على العمل الآخر صدقاً في الاعتقاد، وإنابة وخضوع, وامتثال ظاهر, وامتثال باطن، وإقرار وإيقان, ولهذا تجد أن أعظم المؤمنين إيماناً أكثرهم خضوعاً وذلاً لله جلا وعلا, وعدم ترفع على الخلق؛ لأن هذا الذي في القلب بعضه يؤثر على بعض، الصلاة يؤثر على الثواب فيها, وعلى حسنها تصديق القلب وخشية القلب وإنابته حضوره إلى آخره، وكذلك هي تؤثر في هذه الأعمال, إذن التفريق ما بين.. ما بين أعمال القلوب هذا تصديق, وهذا توكل, وهذا خشية، وهذه إنابة, بأنه تفريق منطقي صحيح, يعني: بمعنى يمكن أن ترى هذه بلا هذه، ولا صلة بينهما, هذا بحث نظري لا حقيقة له، فالإيمان إيمان القلب وأعمال القلوب مترابطة, بعضها آخذ ببعض، فإذا زاد التوكل زاد التصديق، وإذا قوي التصديق واليقين بأسباب الأعمال الظاهرة قوي التوكل, قويت الخشية, قويت المحبة, قوي الرجاء ونحو ذلك, فإذن من أوجه زيادة التصديق وزيادة أصل الإيمان –إذا صح التعبير موافقة لأولئك- فإنه ينظر فيه إلى تفاوت الأعمال أعمال القلوب, هذه بعض أسباب تفاوت الناس في تصديق القلب, وهناك أوجه أخرى ذكرها أهل العلم في مواطنها, وخاصة ابن تيمية في كتاب ‘‘الإيمان‘‘ فإنه ذكر سبعة أوجه أو أكثر في تفاوت الناس في أصل الإيمان, أو في التصديق, أو في الاعتقاد.

(الوجه الثاني)

[وأسباب الزيادة والنقصان بما][1] يتعلق باعتقاد الناس.

المسألة الثالثة:
والأخيرة قوله: "التفاضل بينهم بالخشية والتقوى ومخالفة الهوى وملازمة الأولى". هذا صحيح, لكنه وجه تفاضل, وليس كل أوجه التفاضل، فالتفاضل قد يكون منّة من الله جلا وعلا وتكرّماً أن يمن على أحد, بأن يكون أفضل من أحد. والله جلا وعلا يغفر لمن يشاء, ويعذب من يشاء، ويكون التفاضل أيضاً بأمور زمانية, مثل: صحبة النبي عليه الصلاة والسلام, وهذه زائدة عن الأمور التي ذكرها,وهي الخشية, والتقى, ومخالفة الهوى, وملازمة الأولى. وقد جاء في الحديث: ((لمقام أحدهم ساعة مع رسول الله r خير من عبادة أحدكم ستين سنة)). أو كما جاء عن بعض الصحابة –رضوان الله عليهم, قد قال عليه الصلاة والسلام أيضاً الحديث الذي في الصحيحين: ((لا تسبوا أصحابي –لما نيل من عبدالرحمن بن عوف, وهو من السابقين- لا تسبوا أصحابي, فوالذي نفس محمد بيده, لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)). يعني: ولا نصف المد, وذلك.. هذا فضل خاص زماني؛ لأنهم اتصلوا وصحبوا رسول الله r.

الوجه الثالث: تفاضل يكون بأعمال القلوب، بأعمال القلوب دون الأعمال الظاهرة, وقد تكون الأعمال الظاهرة قليلة, لكن أعمال القلوب عظيمة، وأعمال القلوب يؤجر عليها العبد، في الواجبات, ويؤجر على الانتهاء عن المنهيات منهيات أعمال القلوب, من الكبر, والبطر, ورؤية النفس ونحو ذلك، وسوء الظن بالله, أو سوء الظن بالخلق، يعني: بالمسلمين, ومنها أعمال يؤجر على فعلها, ويأثم على فعلها, يعني: يؤجر على فعل بعض الأعمال, ويأثم على فعل بعض الأعمال, فإذا كان كذلك، كان فعل القلب ميداناً للتفاضل, عمل القلب ميداناً للتفاضل في هذا, يروى عن الحسن البصري ––رحمه الله تعالى- أنه سئل لماذا سبق الصحابة وفضلوا مع أن عبادة من بعدهم –يعني: التابعين- أكثر من عبادتهم؟! فقال الحسن: كانوا يتعبدون –يعني: الصحابة- والآخرة في قلوبهم، وهؤلاء يتعبدون والدنيا في قلوبهم, عمل الظاهر واحد، بل ربما يكون أكثر, ولهذا صار الابتلاء بحسن العمل، وحسن العمل فيه الإخلاص وفيه المتابعة، وإذا اتفق هذا وهذا في المتابعة فهل يتفقان في عمل القلب؟! وهل يتفقان في الإخلاص؟! هل يتفقان في حسن العمل الباطن وفي الخشية وفي الإنابة؟! لا يتفقان. هذا وهذا يصلون جنب بعض، وهذا وهذا يختلفون تماماً, هذه بعض المسائل المتعلقة بذلك, فتحصل من هذا أن قوله:"أهله في أصله سواء". ليس صواباً بل هو غلط, وليس إيمان الرسل كإيمان عامة أتباعهم، وليس إيمان الناس كإيمان الصحابة، وليس إيمان الصالحين كإيمان الفاسقين، وليس إيمان المقربين كإيمان سائر خلق الله من المكلفين, هذا فيه اختلاف، فهم يختلفون أعظم الاختلاف في الإيمان، بإيمانهم بالله, وأسمائه, وصفاته, وربوبيته, وألوهيته، وما في قلوبهم من العلم الإجمالي والعلم التفصيلي, وما في قلوبهم من الأعمال الصالحة، وكذلك ما عملوه ظاهرًا من الأعمال الصالحة, وانتهوا عما نهاهم الله –جلا وعلا- عنه، فهم يختلفون في ذلك أعظم الاختلاف. أسأل الله –جلا وعلا- أن يجعلني وإياكم من أهل المقامات العالية في الإيمان, وأن يغفر لما ذنوبنا الكثيرة, وزللنا, وتقصيرنا, وأن يبارك لنا في قليل أعمالنا, وأن يصلح لنا نياتنا وذرياتنا وأهلينا,إنه سبحانه جواد كريم, وصلى الله وسلم وبارك على محمد, وعلى آله وصحبه, الأسئلة المدة القادمة إن شاء الله تعالى, بارك الله فيكم.



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد: قال:

سؤال: إصلاح ذات البين أمر مهم، في حياة طالب العلم؛ لأنه يحصل بين الأخوة الجفاة والإعراض والتدابر والشحناء، فما النصيحة؟
جواب: لا شك أن من سمات أهل السنة والجماعة أنهم يسعون لإصلاح ذات البين بين المؤمنين, ولقطع وسائل الشيطان في التفريق، فأعظم ما أمر الله –جلا وعلا- به بين العباد أن يجتمعوا, ويتآلفوا، وأن يصلحوا ذات بينهم، بل جعل الله –جلا وعلا- ذلك عنوان التقوى في قوله: ] فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ [. وجعل المؤمنين متعاونين فيما بينهم، متوالين فيما بينهم في قوله: ] وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [. وأعظم ما نهى الله جلا وعلا عنه فيما بين العباد الفرقة؛ لأن الاجتماع وسيلته التآلف؛ ولأن الفرقة وسيلتها التباغض والتدابر,وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام, أنه أمر بالاجتماع, ونهى عن الفرقةفقال: ((والجماعة رحمة، والفرقة عذاب)). وصح عنه عليه الصلاة والسلام, أنه أمر عباده بالتوادد, وعدم التباغض، فقال: ((ولا تباغضوا ولا تدابروا)) الحديث. وفلهذا من أعظم أسباب التقوى وآثار التقوى في العبد أن يكون كلامه حسناً، يؤلف الله –جلا وعلا- به بين القلوب, وأن يكون فعله حسناً، يألف الله –جلا وعلا- به بين القلوب, وأن تكون أقواله وأفعاله ليست وسيلة إلى الفرقة بين المؤمنين وإلى اختلافهم وتدابرهم وتقاطعهم. وهذا من مقتضى الولاية، التي بينهم، ولهذا الواجب على طالب العلم أن يكون ذا خوف ووجل من ربه جلا وعلا، وأن يكون ساعياً في الائتلاف, والاجتماع على الحق والهدى, وإذا رأى تقصيرا أو مخالفة أو سيراً في غير طريق أهل السنة؛ فإنه يبذل النصح, ويبذل الإرشاد، لكن بما لا يسبب نفرة وخلافاً وقطيعة وبغضاء وشحناء؛ لأن حصول البغضاء والشحناء، يؤول في الغالب إلى التقاطع والتدابر, ثم يؤول ذلك إلى الاعتداء، وإلى النيل من العرض ومن ربما النفس، والاعتداء على الأموال أو على الأنفس, ولهذا كانت وصيته عليه الصلاة والسلام- في أعظم موطن- تحريم العرض، وتحريم النفس في موقفه –عليه الصلاة والسلام- في عرفة, كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي بكرة -t- قال في خطبته عليه الصلاة والسلام, قال: ((إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)). فاليوم يوم عرفة يوم محرم, والشهر شهر ذي الحجة من أشهر الله الحرم، التي قال الله –جلا وعلا- فيها: ] فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [. والبلد بلد مكة حرمها الله –جلا وعلا- يوم خلق السماوات والأرض، وحرمها إبراهيم الخليل -u- فصارت محرمة بتحريم الله، وتحريم إبراهيم الخليل؛ إعلانا لتحريم الله, وهذا التشبيه فيه عظمة, أن يشبه تحريم المال والدماء والأعراض بتحريم هذا اليوم، وذاك الشهر، وذاك المكان, لهذا الواجب على المؤمنين، أن يسعوا في وسيلة تحقيق التآلف، وعدم التقاطع والتدابر, وأعظم وسائل تحقيق الائتلاف والاجتماع وقطع التدابر والتقاطع والاختلاف؛ أن يتواصوا فيما بينهم بتقوى الله –جل جلاله- وبخشيته، والإنابة إليه، وأن يسعوا في معرفة العلم النافع الذي ورثه رسول الله r , ولهذا تجد أن أهل العلم وطلبة العلم لو اختلفوا لا يكون بينهم اعتداء، وإذا حصل ثم اعتداء فهو من الجهل, فأهل السنة يعاملون من خالفهم بتقوى الله جلا وعلا، ولا يعاملون من خالفهم بمثل ما عاملهم به، فلا يكفرون من كفرهم، ولا يبدعون من بدعهم، ولا يفسقون من فسقهم، بل يخافون الله -جلا وعلا- في كلامهم, وفي أفعالهم, فالعلم النافع وتقوى الله وملازمة السنة وسيلة للاجتماع, وهو معنى الجماعة، التي قال فيها عليه الصلاة والسلام: ((الجماعة رحمة)) وقال فيها ربنا –جل جلاله-: ] وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ [. ثم من وسائل تحقيق ذلك، أن يقول العبد أحسن ما يجد، حتى في حال الاختلاف، قال سبحانه: ] وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ [] وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [ يعني: أحسن ما يجد، لماذا؟! ما العلة؟! قال: ] إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ [. بعد ذلك يأتي الشيطان فيقلب المسألة من نصرة للحق إلى انتصار للنفس, أو الفئة إلى آخره.. أو للشخص, أو للشيخ, فتنقلب المسألة من كونها دينية إلى كونها عصبية جاهلية, أو حزبية ممقوتة, وهذا لا شك أنه من أعظم الأسباب التي وجدناها نافعة؛لأن العبد يختار أحسن ما يجد, فإذا كان العبد حليماً، متصفاً بصفة الحلم وعدم الغضب، ممتثلاً وصية النبي r: ((لا تغضب)) متخلقاً بأخلاق الأنبياء في الحلم والأناة التي يحبها الله –جلا وعلا- ويحبها رسولهr؛ فإن عاقبة أمره إلى خير,لهذا قال بعض المتقدمين أظن قد يكون الأكثم أو غيره، قد يكون الأكثم,وقد يكون غيره، قال له أحد من يخالفونه: إن أسمعتني كلمة أسمعتك عشر كلمات. قال هذا الحليم: ولكن إن أسمعتني عشر كلمات فلن أسمعك كلمة؛ لأن هذا حظ الشيطان؛ لأن الاعتداء بالألفاظ والتنابز هذه كلها حظوظ الشيطان,] بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإَيمَانِ [. التنابز وذم بعض الناس لبعض والطعن هذا ليست أمراً شرعياً، وإنما هي من حظوظ الشيطان, الأمور الشرعية التي بها يحكم على المخالف هذه ليست منها الاعتداء، بل يحكم على كلامه أو يحكم عليه إن استحق ذلك، فيما دل الدليل عليه، ووضح من منهج أهل السنة والجماعة، فإن العبد لا يتجاوز، بل يقول ولا يتجاوز, لهذا غالب طريقة أهل السنة والجماعة أنهم يخطئون ولا يضللون؛ لأن غالب من خالف إنما خالف عن جهل، بل قد قال الله –جلا وعلا-: ] إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ [. فالذي يعمل السوء بجهالة، كما قال جمع من الصحابة: هو الذي يعصي بأقواله, أو أعماله، كل من عصى الله فهو جاهل، وكل من أطاع الله فهو عالم, وإذا عصى الله –جلا وعلا- في مقابلة المخالف له، فهو جاهل له، نسبة من الجهل, ولهذا قد يجتمع في المعين من المختلفين علم بالشرع, وجهل بالشرع، جهل في كيف يعامل من اختلف معه، وعلم فيما يعلم, وهذه واضحة في الواقع بينة، لهذا الوصية للجميع أنهم أقامهم الله –جلا وعلا- بصلاة واحدة، وأقامهم الله –جلا وعلا- بالاجتماع على كلمة التوحيد، وأقامهم الله جلا وعلا-يعني: أقسام الشباب- بحب الخير, وحب الطاعة, وحب العلم والإقبال عليه، فنيل بعضهم –يعني: القليل منهم- من بعض,ومثل هذا الكلام الذي قد يتردد هذا ليس في المصلحة,وليس من حق المسلم على المسلم، بل الواجب السعي في كل وسيلة، لإصلاح ذات البين وتقوى الله –جلا وعلا- تقضي بذلك, وأما إذا كانت ثم خصومة خاصة بين اثنين، فواجب عليهما أن يسعيا في الإصلاح، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.

وثبت في الصحيح صحيح مسلم أن النبي r قال: ((إن الله يغفر لكل مؤمن يوم الاثنين، إلا عبداً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول الله -جلا وعلا-: أنظروا هذين حتى يصطلحا)). فالهجر والترك والمقاطعة إذا كانت للدنيا فهي مذمومة، ويتوقف عليها كثير من الأحكام، وأما إذا كانت للدين فهي جائزة بشروطها, أو مشروعة بشروطها، ولكن ليس منها التقاطع والتدابر والبغضاء، بل هي للإصلاح، وهذا موضوع مهم, جدير بكم جميعاً أن تتأملوه, وأن تمتثلوا التقوى في الأقوال وفي الأعمال, المؤمن طيب كلامه، الداعية طالب العلم يخشى الله جلا وعلا، طيبة كلامه طيب أفعاله، يقول ما يصلح، ويترك ما يفسد, وهذا هو الذي يصلح الناس، وهو الذي ينفع الله -جلا وعلا- به البلاد والعباد، بل المسلمين جميعاً. زادني الله وإياكم من أسباب ذلك، وجنبنا وسائل الشيطان.

سؤال: قال كيف نرد على من قال: إن أصل الإيمان شيء واحد، يتساوى فيه المؤمنون، ولا فرق بينهم. نرجو التكرم بإعادة شرح هذه الجملة؟!
جواب: بيانها مر معنا، ولعل الأخ يراجع التسجيل؛ لأن بيانها قد يأخذ شيئاً من الوقت والفائدة قد دونت.

سؤال: الخشية من الله –جل جلاله- أمر كلنا نحتاجه، لا سيما وأن النية يخالطها شيء من العجب والكبر في طلب العلم، فكيف يكون ذلك؟!
جواب: أولاً: طالب العلم يجاهد نفسه على طلب العلم؛ لأن جادة طالب العلم طويلة, ليست قصيرة، ليست سنة, ولا سنتين, ولا عشر ولا عشرين، يمشي معك إلى أن تموت, فهو يطلب العلم, ويجاهد نفسه فيه، وإصلاح النية في طلب العلم يأتي, كلما ازداد من العلم ازداد خوفاً من الله –جلا وعلا- ورغبة فيما عنده, فيأتي.. تأتي النية الحسنة, لهذا قال جمع من المتقدمين: طلبنا العلم وليس لنا فيه نية, ثم جاءت النية بعد. وقال بعضهم: طلبنا العلم لغير الله، فأبى أن يكون إلا لله. يعني: في أصل هذا التنافس والحضور, وهذا يحضر, وهذا يجمع الحديث, وهذا.. ثم بعد ذلك علممن السنة، بل علم من الشرع أنه يجب عليه أن يصلح نفسه، أن يخاف الله –جلا وعلا- فتحقق بقوله: ] إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [ فخشية الله –جلا وعلا- هي سبيل أهل العلم، وكلما ازداد المرء علماً ازداد خشية، وكفى بالاغترار بالله جهلاً, كفى بالاغترار بالله جهلاً، كما أنه كفى بذكر الموت واعظاً, وكفى بمعرفة افتقار العبد إلى ربه ذلاً وخضوعاً.

سؤال: [هل يتابع المسبوق إمامه في سجود السهو، الذي محله بعد السلام؟ وهل يشرع][2] للإمام التأمين على سورة الفاتحة في الجهرية؟!
جـواب: المسبوق إذا كان السجود بعد السلام هو مخير ما بين متابعته وما بين إكمال الصلاة؛ لأن الصلاة فرغت بالتسليم الأول، وما بعده من السجود هذا خارج الصلاة. وهذا السجود واجب، فإذا كان المسبوق أدرك الإمام في سهوه –يعني: كان مصلياً معه في سهوه- لم يكن قبل أن يدركه في الصلاة؛ فإنه يجب عليه أن يسجد للسهو, فإن لم يسجد مع الإمام في موضعه –يعني: الأول- فإنه يسجد إذا كان في آخر صلاته، والإمام إذا قرأ {ولا الضالين}. يشرع له أن يقول: آمين، وذلك لما صح عن النبي rمن حديث أبي هريرة أنه قال: ((إذا أمّن الإمام فأمّنوا)). وفي الرواية الأخرى قال: ((وإذا قال الإمام: ولا الضالين. فقولوا: آمين)). وهذا الاختلاف –يعني إذا قال: ولا الضالين. فقولوا: آمين. وإذا أمّن فأمّنوا- محمول على متى يبدأ المأموم في التأمين، هل يبدأ المأموم في التأمين بعد قول الإمام: ولا الضالين؟! أو بعد سماعه التأمين؟ لأن مقتضى إذا قال: ولا الضالين. فقولوا: آمين، أن تأمينه يكون بعد قول الإمام: ولا الضالين، سواء أمّن أو لم يؤمّن. وقوله: ((إذا أمّن فأمّنوا)) يقتضي أنه إذا أمّن شرع في التأمين, فإن [المأموم يشرع][3] بعده. جمع العلماء بينهما, بأن المأموم إذا كان يعلم أن الإمام يؤمن متصلاً بالفاتحة فإنه ينتظر حتى [يبتدأ الإمام في][4] التأمين, ثم يؤُمّن معه بعده بقليل، يعني: إذا شرع في التأمين يؤمن المأموم. وأما إذا كان لا يعلم حاله, هل يؤمن أو لا يؤمن؟! وهذا هو أغلب حال الناس؛ فإنهم لا يعلمون الإمام هل يؤمن أم لا؟! يؤمّن، وأكثر الأئمة بل الغالب ليس لهم طريقة واضحة، تارة يؤمنون تارة لا يؤمنون، فإنهم يبدأون بعد قول الإمام: ولا الضالين، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقد من ذنبه، جعلني الله وإياكم من أهل هذا الفضل العظيم.
ابدأ:

[الحمد لله رب العالمين، والصلاة][5] والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال العلامة الطحاوي –رحمه الله تعالى-: [والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن، وأكرمهم عند الله أطوعهم وأتبعهم للقرآن].
الشيخ: (بس) يكفي هذا, قال الطحاوي رحمه الله تعالى:" والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن, وأكرمهم عند الله أطوعهم, وأتبعهم للقرآن". يقرر الطحاوي معتقد أهل السنة, في أن ولاية الرحمن متعلقة بكل مؤمن. فأولياء الرحمن هم المؤمنون، وكل مؤمن له نصيب من ولاية الله -جلا وعلا- التي وعد بها عباده المؤمنين المتقين, وكذلك يقرر أن التفاضل فيما بينهم –يعني: فيما بين المؤمنين- إنما هو باتباعهم للقرآن, وتقواهم وكثرة طاعتهم، إنما هو كثرة طاعتهم لله جلا وعلا، فمن كان أكثر طاعة لله -جلا وعلا- وأحسن طاعة، وأتبع للقرآن؛ فإنه أحق بتفضيلٍ في ولاية الرحمن جلا وعلا له.

وهذا الأصل الذي قرره الأئمة في عقائدهم بأن كل مؤمن ولي للرحمن جلا وعلا, ويتفاضلون في الولاية بحسب تفاضلهم في الإيمان والتقوى, هذا الأصل مقرر في القرآن وفي السنة. ففي كتاب الله -جلا وعلا- قال ربنا سبحانه وتعالى: ] أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [ قال: ] أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ [قوله: ] الَّذِينَ آمَنُواْ [ الأظهر فيها أنها نعت الأولياء، يعني: منصوبة على أنها نعت للأولياء ]] أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ [ المؤمنين المتقين، أو أنها بدل منه, والأمر قريب. فأولياء الله هم المؤمنون المتقون, وكذلك قال الله جلا وعلا: ] اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [ فبين جلا وعلا في الآية هذه أن الله -سبحانه- هو ولي المؤمنين، وكذلك قوله جلا وعلا: ] ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ [. وكذلك قوله جلا وعلا: ] وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [. قبلها قوله: ] إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ[ ونحو ذلك من الآيات الكثيرة في هذا المعنى، وهي أن ولاية الله -جلا وعلا- للعبد إنما هي بسبب إيمانه, وكل مؤمن له نصيب من التقوى بحسب إيمانه، فإنه ما آمن إلا طلبًا للأمن, والأمن تقوى وخوف وخشية –يعني: طلب الأمن- تقوى, وخوف وخشية, إذا تبين هذا الأصل، وهو واضح في معتقدهم –يعني: معتقد أتباع السلف الصالح, رضوان الله عليهم- فهذه المسألة وهي مسألة أولياء الرحمن، ومسألة الكرامة ومن هو الأكرم عند الله -جلا وعلا- يمكن أن نبينها في مسائل:

المسألة الأولى: تعريف الولي، والولي في اللغة هو الناصر والمعين:{إنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}. يعني: إن ناصري ومعيني الله جلا وعلا, والوَلاَية في اللغة بالفتح: المحبة والنصرة، والوِلاَية بالكسر: الإمارة أو السلطة، يعني: في غالب استعمال العرب، ومنه قول الله جلا وعلا: ] هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ [ يعني: المحبة والنصرة يستحقها الرب جلا جلاله, وفي تعريف أهل العلم، بما فهموا من الأدلة قالوا: الولي هو كل مؤمن تقي ليس بنبي، ويمكن أن تقول: كل مؤمن ليس بنبي؛ لأن كل مؤمن له نصيب من التقوى، لكن في الاصطلاح الخاص لابد من تكميل الإيمان والتقوى بحسب الاستطاعة، كما سيأتي بيانه فيما بعد, إن شاء الله.

المسألة الثانية: في دليل هذا الأصل وهو قول الله جلا وعلا: ] أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ [. فجعل الرب -جلا وعلا- لمن أوحى إليه اسما, وهو اسم النبي أو الرسول، ولمن أطاع وآمن واتقى اسماً, وهو أنه ولي, فصار اسم الولي غير اسم النبي, فهذا شيء, وهذا شيء, وكل نبي له ولاية بحسبه,
فإذن الولاية داخلة في النبوة؛ لأن النبوة أعظم وأرفع، والإيمان والتقوى هما سببا الوَلاية، وإذا كان كذلك؛ فإن المتقرر عند أهل السنة والجماعة أن الإيمان يتفاضل أهله فيه، والتقوى يتفاضل أهلها فيها, وإذا كان الإيمان متفاضلاً والتقوى متفاضلةً فينتج من ذلك أن وَلاية الله لعبده متفاضلة, فيجتمع إذن في حق المؤمن المعين ما يوجب الولاية من الله –جلا وعلا- بإيجابه على نفسه, ووعده الحق، وما يسبب العداوة, فمادة الإيمان والتقوى أثرها ولاية الله –جلا وعلا- لعبده, وهي محبته له, ونصرته له، ومادة الظلم والطغيان والذنب موجبة, أو عليها وعيد، ليست موجبة, نقول عليها: وعيد من الله –جلا وعلا- بسلب الولاية الكاملة، فهذه تجتمع في حق المؤمن, من جهة يكون وليَا، ومن جهة أخرى يكون ظالماً لنفسه.

المسألة الثالثة: الله -جلا وعلا- ولي للعبد، والعبد –أيضًا- ولي لله جلا وعلا, وهذا عند أهل السنة والجماعة له جهتان؛ جهة الوَلاية من الله، وجهة الوَلاية من العبد, فالله -جلا وعلا- ينصر عبده، والعبد ينصر ربه جلا جلاله, والله -جلا وعلا- يحب عبده، المؤمن التقي.. والمؤمن التقي يحب ربه جل جلاله, فهاتان جهتان تجمع الولاية من جهة المحبة والنصرة من العبد لربه, يعني: محبته لله ولرسوله, ولكتابه ولدينه, وكذلك نصرته لله جلا وعلا, ولكتابه, ولدينه ولنبيه r , فمن العبد فعل وَلاية, ومن الرب -جلا وعلا- وَلاية للعبد.

المسألة الرابعة: الأولياء قسمان فيما دلت عليه الأدلة؛ مقتصدون, وسابقون مقربون، وذلك أن الله جل وعلا جمع في آية سورة فاطر أنواع الذين أورثوا القرآن، جعلهم ثلاثة أصناف في قوله: ] ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [.
فجعلهم ثلاثة أصناف؛ الظالم لنفسه، والمقتصد، والسابق بالخيرات.
والظالم لنفسه ليس يستحق اسم الإيمان المطلق، ولا التقوى المطلقة، فخرج من قوله: ] الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ [.
فبقي أن الأولياء صنفان؛ المقتصد, والسابق بالخيرات, والسابق بالخيرات أطوع وأتبع للقرآن من المقتصد, فنصيبه من الولاية - وهي محبة الله جلا وعلا له ونصرته - أعظم من نصيب المقتصد.
وهؤلاء هم الذي جاء فيهم الحديث المشهور المسمى بحديث الولي, وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ((قال الله تعالى: من عادى لي وليًا، فقد آذنته بالحرب وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته –هذا سابق بالخيرات- كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت، وأكره مساءته ولابد له من ذلك)).
رواه البخاري وغيره, وهو حديث صحيح لا مطعن فيه، فدل الحديث على أن السابق بالخيرات أحق وأعظم وَلاية لله جلا وعلا من الذي يتقرب إلى الله بالفرائض, قال: ((وما تقرب إليّ عبديّ بشيء أحب إليّ ما افترضته عليه)). وما افترضه الله -جلا وعلا- على العباد أوامر يمتثلها ونواهٍ يجتنبها، فيتقرب إلى الله بفعل المأمور, ويتقرب إلى الله -جلا وعلا- بترك المنهي المحرم، وهذا هو حال المقتصد، ثم ذكر الفئة الثانية, وهم السابقون بالخيرات.

المسألة الخامسة: ارتبطت مسألة الولاية ولاية الله -جلا وعلا- للمؤمن العبد بمسألة الكرامة، ولهذا أكثر من يتكلم عن الأولياء –في صفاتهم وتقرير المعتقد فيهم- لابد أن يتكلم عن الكرامات، وهذه أشار إليها الطحاوي في قوله: "وأكرمهم عند الله أطوعهم وأتبعهم للقرآن". والكرامة هذه عرفت بأنها أمر خارق للعادة جرى على يدي ولي، وهي متصلة بالآية والبرهان عند الأنبياء, وبالخوارق مطلقاً عند الأنبياء والأولياء والكهنة والسحرة وأشباههم,
ولهذا فتعريف الكرامة بأنها أمر خارق للعادة، جرى على يدي ولي، متصل بذلك
أولاً: من كونها خارقة للعادة،
وثانياً: هذه العادة عادة من؟!
والثالث: أنه جرى على يدي ولي،
فقولهم: أمر خارق للعادة جرى على يدي ولي، أخرج الخوارق التي تجري على أيدي الكهنة والسحرة، وأخرج الخوارق التي هي الآيات والبراهين والمعجزات التي تجري على أيدي الأنبياء, لهذا يقررون في هذه المسألة أنواع الخوارق، وسيأتي في آخر هذه العقيدة المباركة، يأتي قول الطحاوي:"ولا نفضل أحد من الأولياء على أحد من الأنبياء-عليهم السلام- ونقول: نبي واحد أفضل من جميع الأولياء، ونؤمن بما جاء من كراماتهم، وصح عن الثقات من رواياتهم". فنرجئ الكلام المفصل عن الكرامات وما يتعلق بها إلى موضعه.

لكن الذي يتصل بهذا البحث، وهو أن المؤمن ولي الرحمن، أن الكرامة هذه التي يفردونها بالبحث هي ما اشتهر عند الناس أنها أثر الولاية, والكرامة عندهم أمر خارق للعادة, مثلما عرفناه لكم, وهذا ليس بدقيق؛ لأن الكرامة بعض أنواع البشرى، والله –جلا وعلا- ذكر أنه جعل لأوليائه البشرى فقال: ] أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [ والبشرى في الحياة الدنيا منها الإكرام بأمر خارق للعادة، يجريه الله لهذا الولي, قد يشعر به, وقد لا يشعر، وقد يتفطن لأثره, وقد لا يتفطن ] إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ [.
لكن البشرى التي وعد الله –جلا وعلا- بها أوليائه إكراماً هذه كثيرة الأنواع, وكثيرة الأسباب, فالسلف اختلفوا في تفسير البشرى، واختلافهم من باب اختلاف التنوع؛ لأن كلاً ذكر بشارةً، فمن البشارة وعد الله –جلا وعلا- بنصره المؤمن التقي. ] إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ امَنُواْ فِي

الشيخ: ] إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [] إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ [. كذلك البشرى في الدنيا بأن الله جلا وعلا يثبته ] وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [. من البشرى وعد الله جلا وعلا بمعيّته لعبده، معيّة التوفيق والتأييد في كل موطن في الحِجاج باللسان، أو في المجاهدة بالبدن، أو في ترك مشتهيات النفس، والرغبة فيما عند الله جلا وعلا من البشرى التي ذكرت في الآية الرؤيا الصالحة، كما ثبت في الصحيح: ((لم يبق من النبوة إلا المبشرات))، الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُر له، وقد رأى عدد من أهل العلم لبعض العلماء والأئمة , أنهم في الجنة , وأنهم مع الأئمة أو مع النبي r أو مع الصحابة ونحو ذلك. وهذه من المبشرات، من البشرى في الحياة الدنيا، أن الله جلا وعلا يجعل بعض الأعمال التي عملوها مكفرة لسيئاتهم، الكبائر والصغائر جميعاً، كما تفضل الله جلا وعلا لأوليائه من الصحابة من أهل بدر , فقال: ((اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم)) وهذا يقتضي مغفرة الكبائر والصغائر , وهي التي غفرت لحاطب بن أبي بلتعة t ما فعل من إسراره بخبر رسول الله r ومسيره إلى مكة، إلى الكفرة من قريش.

فالبشرى إذن أنواع عظيمة، وعد الله جلا وعلا بالجنة لعبده، توفيقه لمحبته، محبته للإيمان، محبته للعمل الصالح، محبته للقرآن، انشراح صدره بالصلاة، وبتلاوة كتابه، الأنس بالله جلا وعلا والرغبة في ذلك، والاشتياق إلى العبادة، عبادة الرب سبحانه وتعالى والإسراع في ذلك، هذه كلها من أنواع البشرى التي يبشر الله جلا وعلا بها عباده، فإذن كرامة الله جلا وعلا لعبده بأن جعل الله له البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة. ومن البشارة هذه لهم البشرى منها أنواع الكرامات, لكن أنواع الكرامات قد تحصل وقد لا تحصل , قد تكون للولي وقد لا تكون , كما سيأتي بحثه من أن الكرامة بحسب حاجة العبد إليها، لا بحسب إيمانه وتقواه , يعني بحسب رفعة مقامه ,كلما ارتفع المقام أعطي كرامة لا، ولكن بحسب حاجته , وهذا له تفصيل إن شاء الله يرجؤه إلى موطنه، لكن هذه نوع من البشرى.

وأنواع البشرى التي للأولياء كثيرة متنوعة، ومنها التسديد، تسديد في السمع والبصر، وما يكتبه بيده، وما يمشي برجله كما جاء في حديث الولي قال: ((... كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به)) يعني أسدده وأوفقه في سمعه فلا يأنس لسماع إلا ما يحبه الله , أسدده في بصره وأوفقه فلا يأنس لبصر , لنظر , ولا إبصار إلا ما يحبه الله جلا وعلا , أسدده في يده التي يبطش بها , فلا يبطش ولا يعتدي إلا بما أذن الله جلا وعلا به , أسدده وأوفقه في رجله، في ممشاه , فلا يمشي إلا ممشى يحبه الله جلا وعلا ورسوله r. قال هناك: خطوة رجله التي يمشي بها , يعني يكون فيما يحب الله جلا وعلا, وهذا أمر عظيم , أن يكون إلف العبد ما يحب الله جلا وعلا , ولا تنازعه نفسه للشر، لا تنازعه نفسه للمعصية، لا تنازعه نفسه لمخالفة الأمر وارتكاب المنهي، يكون إلفه الخير، وإلفه ما يحبه الله جلا وعلا , هذا من إعانة الله جلا وعلا العبد على نفسه الأمارة بالسوء , وعلى قرينه الذي يأمره بالشر، فهذا أيضا نوع من الإكرام، وهي بشرى يحسها العبد ويحمد الله جلا وعلا عليها ويسأله سبحانه وتعالى الثبات على ذلك.

المسألة السادسة: هم المؤمنون المتقون , ومن أعظم مظاهر التقوى فيهم عدم تزكية النفس؛ لأن الله جلا وعلا قال: ] فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [. فجعل العلم بالتقوى موكولاً , أو من خصائصه سبحانه , جعله موكولاً إلى عمله سبحانه وتعالى , فإذن صفة المؤمن التقي الذي هو ولي لله جلا وعلا أنه لا يزكي نفسه، فمن زكى نفسه، وقال: أنا تقي , أو أنا من أولياء الله ونحو ذلك، فهو حقيق بالبعد عن استحقاق هذا الوصف؛ لأن التواضع لله جلا وعلا والذل له، والخضوع له، سبحانه وتعالى، والخوف منه، والعلم بأن العبد مهما عمل لن يبلغ التقوى ـ هذا يوجب ألا يثني على نفسه بأنه ولي وأنه متقٍ ونحو ذلك.

فإذاً ما شاع في العصور المتأخرة , وهو موجود إلى الآن، من أن طائفة يذكرون لمريديهم، يذكرون لأتباعهم أنهم أولياء، ويحدثون بكراماتهم، هذا من أسباب الجرح في حقيقة التقوى , ويعني ذلك أن أولياء الرحمن ليسوا على هذا الوصف.

السابعة لشيخ الإسلام ابن تيمية مصنف مهم في الفرق ما بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، سماه (الفرقان ما بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان) يحسن مطالعته في معرفة صفات الأولياء، أولياء الرحمن وصفات أولياء الشيطان؛ لأنه بسط هذه الصفات بسطاً شافياً كافياً , كعادته رحمه الله , أجزل له المثوبة , وجزاه عنا وعن أهل السنة خير الجزاء.

المسألة الثامنة والأخيرة: أولياء كل أمة شاهدون لأنبيائها ولرسلها، مؤيدون بما اتصفوا به؛ لكون ما جاء به الرسول الذي اتبعوه حقاً , فأولياء بني إسرائيل يشهدون بفعلهم واتباعهم على أن ما جاء به موسى حق من عند الله جلا وعلا، وكذلك حواريُّ عيسى وهم أولياء، يشهدون بفعلهم ونصرتهم وولايتهم، أن ما جاء به عيسى حق. وكذلك صحابة رسول الله r الذين هم أفضل أتباع الرسل، يشهدون بما اتصفوا به من الإيمان والتقوى والجهاد والعلم والبذل , بأن رسالة محمد عليه الصلاة والسلام حق.

ولهذا تتصل مباحث الأولياء والكرامات بمعجزات الأنبياء , فالكرامة والولاية، يعني أن يكون وليًّا، وأن يكون له كرامة، لها اتصال بالمعجزات التي هي الآيات والبراهين , فكل اتباع شاهد لأصله، وكل كرامة دالة على المعجزة التي أعطيها النبي u , يعني أيًّا كان ذلك النبي , وهذا أصل مهم يقضي بأن الولي لا يخرج عن طاعة النبي الذي اتبعه، بخلاف ما زعمته غلاة أو طائفة من الغلاة متصوفة من أن الولي.. والرافضة من أن الولي يكون أفضل من النبي كما سيأتي بيانه في موضعه مفصلا إن شاء الله، وصنف فيه الحكيم الترمذي (ختم الأولياء)، كتاب معروف طبع، وصنف فيه أيضاً ابن عربي الطائي، وذكر فيه أن الولي يكون أفضل من النبي , وأيضاً هذا معتقد الرافضة من أن الأولياء أفضل.
الأصل العام الذي ذكرناه لك في هذه المسألة يخالف كل هذا , من أن الولي ناصر وتبع , بل كونه وليًّا يشهد لنبيه الذي اتبعه، وبالتالي يكون تابعاً دائماً، والتابع متأخر.

نكتفي بهذا القدر. ما أدري (إيش) رأيكم , نذكر الكرامات هنا وإذا جاءت نحللها؟ (إيش) رأيكم؟ (مداخلة) نخليها في محلها أنسب؟ (مداخلة) يقولون: خير البر عاجله، لكن تعجيلها يقضي الله ما يشاء، نعم. في أسئلة؟ ـ طالب: خارج الدرس ـ كلها خارج الدرس؟ (طيب) نأخذ واحد أو اثنين.

سؤال: ذكر أحد الباحثين أن الإرجاء أثر على بعض العلماء، فلم يكفروا تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً، فهل هذا الكلام على إطلاقه؟
جواب: هذا الكلام غير صحيح، فليست مسألة تكفير تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً، ليس لها صلة بالإرجاء , فالنزاع جارٍ (غير مسموع) ما بين أهل السنة في تكفير تارك الصلاة؛ تهاوناً وكسلاً، وليس في هذا فحسب , بل في تكفير في من ترك ركناً من أركان الإسلام , تكفير تارك الصلاة وغيره، ترى من ترك ركناً من أركان الإسلام، الزكاة , الصيام، الحج، عن الإمام أحمد أيضاً وعن غيره، حتى الإمام أحمد ثم خلاف عنده يعني في الروايات في تكفير الأركان، في تكفير من ترك ركناً من أركان الإسلام. ومن العجائب أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى له في هذه المسألة خمس روايات، في هل يكفر من ترك أركان الإسلام العملية يعني غير الشهادتين؟

الرواية الأولى: أنه يكفر بترك أي ركن من أركان الإسلام.

الرواية الثانية: أنه يكفر بترك الصلاة والزكاة.

والثالثة: يكفر بترك الصلاة والزكاة إذا قاتل عليها الإمام، يعني: إذا قاتل في الزكاة الإمام , ليس مطلق الترك.

والرابعة: يكفر بترك الصلاة فقط.
(إيش) الخامسة؟ فنسيت الخامسة.
فالمقصود أن الخلاف في تكفير من ترك ركناً من الأركان تهاوناً وكسلاً، ليس له صلة بالإرجاء , وما ذكره الباحث محل نظر.

سؤال: ما هو ضابط الإعراض الذي هو من نواقض الإسلام؟
جواب: الإعراض ذكره العلماء في باب حكم المرتد، وذكره إمام الدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى الناقض العاشر من فيه رسالة النواقض , قال: الإعراض عن دين الله، لا يتعلمه ولا يعمل به. والدليل على أن الإعراض ناقض من النواقض قول الله جلا وعلا: ] وَالَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّا أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ [ في أول سورة الأحقاف: ] مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًى وَالَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّا أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ [ , كذلك قوله جل جلاله: ] بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون [ , ونحو ذلك: ] فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ [ ونحو ذلك من الأدلة.
والإعراض ضابطه أنه لا يتعلم الدين ولا يعمل به، ليس له همة في معرفة توحيد ولا عبادة، لا من جهة العلم، ولا من جهة العمل , يعني جميعا، لا من جهة العلم ولا من جهة العمل جميعا، بل لا يهمه الأمر , وليس من شأنه هذا الأمر مع تمكنه من ذلك , يعني مثل واحد في بلد مثلاً لنفرض في بلدنا، عنده الآن وسائل كافية , الكتاب موجود، والدراسة موجودة، وأهل العلم موجودين، والخطب والجمع، ولا يهتم بهذا أبدًا , معرض تماماً، مادي , لا يهتم لا بصلاة , ولا بسماع آية , ولا بسماع خطبة , ولا يتعلم، هذه أمور أنا ما عليّ منها، هذا هو الذي يكفر بالإعراض , لا يتعلم الدين ولا يعمل به، لا يرفع به رأسًا ولا يهمه، لا من قريب ولا من بعيد، ولو احتاج خبزًا لمعيشته، لذهب راح يبحث حتى يأتي به، لو احتاج إلى أمر في بيته لذهب حتى يأتي به، وأما الدين فهو معرض عنه، لا يتعلم ولا يعمل.
فهذا هو ضابط الإعراض، لا يبحث عن العلم، ولا يهتم به , يعني في توحيده ولا في توحيد الله جلا وعلا , وفي بيان الواجب معرفة ما أنزل الله جلا وعلا , ولا يهتم بالعمل جميعاً , يعني علم وعمل لا يهتم بهما.
أما إذا كان عنده علم ولم يعمل، أو كان عنده عمل ولا يعلم، هذا لا يسمى معرضاً. وتطبيقها يعني على المعين صعب جداً، فلان معرض تماماً، غالب أهل القبلة، بل ربما لا يوجد أحد من أهل القبلة يعني ممن يصح ممن شهد لا إله إلا الله أو يعني عنده انتساب , أنه لا يهتم أصلا يعني معرضا تماماً، لكن قد يكون أحياناً تأتي دعوة للتوحيد مثلما حصل في وقت إمام لدعوة يعني أناس يرون جهاد قائم ودعوة ومجادلة ومجاهدة اللسان ومجاهدة بالسنان , وهو لا يهتم، حتى ما يعرف، ما يسأل؛ لأنه ما عليه منهم، ولا عليه من ها الدين , ولا يعني لنفسه يعني مادي أي: ممكن أنك تلخصها المعرض هو المادي البحت، المادي البحت، لا يتعلمه ولا يعمل به.

سؤال: قال بعضهم: إن جُل السلف الصالح، كانوا من الصوفية، فهل هذا صحيح؟
جواب: الصوفية ما نشأت إلا في القرن الثاني الهجري , يعني بعد سنة مائة وخمسين، كنِحْلة بدأت تتعطر في عزلة وأوراد وأشياء. والسلف الصالح هم القرون الثلاثة المفضلة؛ الصحابة والتابعون وتبع التابعين، فهذا الكلام يعني الرد عليه من جهات كثيرة، لكن ليس كلام ذا بال.

سؤال: ما هو القزع؟ وهل التقصير استخدام المقص للشعر منه؟
جواب: القزع الذي جاء النهي عنه في الحديث الذي رواه مسلم وغيره، وهو أيضاً في البخاري بوب عليه البخاري باب ما جاء في القزع , القزع أن يحلق بعض الرأس ويترك بعض، هذا النبي r رأى صبياً قد حلق بعض رأسه وترك بعض فقال: ((احلقوه كله، أو دعوه كله)) فكون بعض الرأس محلوق وبعضه غير محلوق، هذا هو القزع , يعني مأخوذ من تقزع السحاب، وهو كون السحاب قطع، هذه قطعة وهذه قطعة، وله صور ذكرها العلماء، منها أن يأخذ أطراف الرأس ويبقى الأعلى.
ومنها وهي التي ينطبق عليها الوصف وكونها مأخوذة من تقزع السحاب، أن يأخذ من كل موطن قليل، يعني يحلق ويترك، يحلق ويترك، من جميع الجهات. ولها صور كثيرة. والقزع منهي عنه، والعلماء يقولون: مكروه كراهة تحريم، وعند طائفة كراهة تنزيه.

والعلة في النهي عنه , عن القزع فيما ذكره طائفة من العلماء , أن فيه تشبهاً بمن كان يعمله من أهل الجاهلية، والدين جاء بالعدل، قال الله جلا وعلا: ] إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ [. والعدل الذي جاءت به الشريعة في تعامل الإنسان مع الناس، بل وقبل ذلك في تعامله مع ربه، ومع الناس، وأيضاً في تعامله مع نفسه.
وحلق بعض الرأس وترك بعضه منافٍ للعدل في الشعر؛ لأن هذا فيه إزراء بالمحلوق أو بالشعر الباقي، أو بالرأس الذي حوالهما أو حواهما , ومن هذا الأصل قول النبي r في لبس النعلين: ((فليلبسهما جميعاً، أو ليخلعهما جميعاً)) يعني ما ينتعل الواحد، يلبس واحدة ويترك الأخرى، يلبس الاثنتين جميعاً، أو يترك الاثنتين فيمشي حافياً.
وله نظائر كثيرة، في تعامل الإنسان في بدنه، في قص الأظافر، وفي الشعر، وإزالة أشياء، وأيضاً فعل أشياء للبدن؛ فإن العدل في الشريعة جاء للجميع , والله جلا وعلا يحب العدل ولذلك أمر به أمراً عاما , بهذا قال العلماء في قوله تعالى: ] إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ [ قالوا: جمعت هذه الآية الدين كله. وهذا صحيح، فليس ثم مسألة في الدين من الأوامر، إلا وأن تكون عدلاً , أو أن تكون إحساناً، أو أن تكون إيتاءً لذوي القربى , ومن النواهي إما أن تكون فحشاء أو منكر أو بغي، وهذا أصل مقرر في موضعه.

أما قص بعض الشعر (اللي) جاء السؤال عنه، قص بعض الشعر بدون استئصال فإن كان شبيهاً بالاستئصال فتزداد الكراهة، وإن كان أقل وإنما يكون بعض الشعر أكثر من بعض بقليل، فإن هذا مما يعفى عنه؛ لأنه لا يشبه تقزع السحاب، واختلاف شعر الرأس ما بين الحلق، وما بين غيره.

سؤال: يقول: ذكرت في الدرس السابق الخلاف في تعريف الإيمان , وأن الخلاف صوري من وجه وحقيقي من وجه آخر، أرجو إعادة هذه النقطة؛ وذلك لأهميتها؟
جواب: ذكرنا لكم أن عددًا من أهل العلم، قالوا: إن الخلاف صوري، أو لفظي , يعني غير معنوي وغير حقيقي, وذكرنا لكم أن هذه المسألة لها جهتان:

الجهة الأولى: جهة الحكم، والجهة الثانية: جهة امتثال الأوامر، الأوامر العلمية والعملية , من جهة الحكم , ويعني مرتكب الكبيرة وخروجه من الإيمان وثبات المرجئة، يعني مرجئة الفقهاء، كحماد بن أبي سليمان والإمام أبي حنيفة ومن تبعهم، ليس ثم خلاف مع أهل السنة من بقية أهل السنة في الحكم، فهم لا يكفرون مرتكب الكبيرة، ولا أيضًا يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، بل الحنفية من أشد الناس في التكفير وفي الحكم بالردة، كما هو معروف من كتبهم.
ولهذا ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتاب (الإيمان) لما ذكر الخلاف , وهذه احتج بها بعضهم , وليست في محل الاحتجاج , قالوا: وأغلب , أو قال: أكثر الخلاف الذي بين أهل السنة في مسألة الإيمان لفظي، وهذا نستفيد منه فائدتين:

الفائدة الأولى: أن مرجئة الفقهاء لا يخرجون من أهل السنة في هذه المسألة إخراجاً مطلقاً، بل يقيد، يقال: إنهم من أهل السنة إلا في مسألة الإيمان , فهم من جملة أهل السنة، إلا في هذه المسألة , فشيخ الإسلام في كتاب الإيمان يدخل مرجئة الفقهاء , خاصة في عموم أهل السنة؛ لأن الخلاف كما قال أكثره لفظي.

الفائدة الثانية: أن قوله: أكثره. ما أدري أنا هذه ذكرتها لكم المرة الماضية؟ ـ طالب: أينعم ـ قوله: أكثره لفظي، يدل على أن ثمة منه ما ليس كذلك، وهو الذي ذكرته لك أنه من جهة الأوامر واعتقاد ذلك والامتثال جهة الأوامر العملية والعلمية، ففي هذا كفاية إن شاء الله.

سؤال: يقول: ذكر ابن تيمية رحمه الله تعالى في (الفتاوى) أن الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا, فهل هذا التقسيم كان معروفاً، مجمعاً عليه عند السلف؛ لأن الأحناف فيما أعلم يدخلون العمل في مسمى الإسلام؟
جواب: لا , الإسلام والإيمان هل هما شيء واحد، أم هما أمران مختلفان؟ وهل إذا اجتمعا افترقا أو لا؟ هذه المسألة فيها خلاف كبير بين السلف , مسألة الإيمان والإسلام خلاف فيها , من قال: الإيمان والإسلام واحد، أو قال: هما شيئان مختلفان , أو قال: إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا , فالكل من أقوال أهل السنة. الخلاف في هذه المسألة لا يخرج القائل من السنة فثم جمع.

قالوا: الإسلام هو الإيمان، واستدلوا عليه بقوله تعالى: ] فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ [. ومنهم من قال: لا، الإسلام شيء والإيمان شيء، مختلف تماماً عنه، ويستدلون عليها بقوله: ] قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا [ , فجعل الإيمان شيئاً، وجعل الإسلام شيئاً آخر. وكذلك حديث جبريل قال: الإسلام كذا، والإيمان كذا.

والثالث: الذي هو التحقيق، أن الإسلام لابد له من إيمان حتى يصح، والإيمان لابد له من إسلام حتى يصح، فليس ثم مسلم بلا أي قدر من الإيمان، وليس ثم مؤمن بلا أي قدر من الإسلام، بل لابد هذا وهذا. والإسلام على كماله والإيمان على كماله، قد يطلق الإسلام مع الإيمان فيعنى بالإيمان ما جاء في حديث جبريل , الأعمال الباطنة يعني الإيمان الباطن والإسلام الظاهر، مثلما جاء في الحديث الذي روي في مسند الإمام أحمد، قال: الإسلام علانية والإيمان في القلب فيجتمعان، فتكون هذا دلالته على حديث جبريل الشهادة , تكون دلالته الشهادتين والأركان العملية الأربع، والإيمان، الإيمان: التصديق الباطن مع العلم، ويفترقان فيكون الإسلام يدل على الإيمان، ويكون الإيمان يدل على الإسلام.

المسألة الخلاف فيها سائغ , يعني من خالف فيها الخلاف منقول عن أئمة السنة ولكن التحقيق هو ما ذكرنا.
هذا أيضًا سؤال عن الحج نرجئه. إيش هذا؟ وما فهمتها؟ يعني السؤال مقطوع من روقة صفراء. (مداخلة) (خلاص خليه) لئن طلعنا كلمني. أقول إذا قمنا (غير مسموع)؛ لأنه يتعلق بكلام ما هو بواضح.

سؤال: هذا يقول: كثر في هذه الآونة الأخيرة المقدسون للعقل والسير على نهج المعتزلة , بل إن أحدهم لما قيل له: إن قولك هذا قول المعتزلة، قال: وهل المعتزلة إلا فرقة العلماء؟ فما توجيهكم؟ خصوصاً وإنا نجلس مع بعض الناس قد يكون أقارب، ولكن درسوا في الغرب ورضعوا منه سموم الشهوات، والشبهات، ثم يناقشون ذلك في المجالس عند العامة مما له أعظم الضرر على دين الناس. هل نقوم أم نجلس ونرد عليه؟
جواب: الواجب الدعوة، والمصابرة والبيان. الشرع هو الذي دل على العقل، دل على اعتبار العقل، ودلنا على أن العقل يعمل، وأنه آلة يحاسب عليه الإنسان , وكذلك العقل أيضاً دلنا على الشرع، وعلى أنه صواب وعلى صحة ما جاء فيه , فالعقل والشرع غير متعارضين، الشرع قاضٍ، والعقل شاهد، العقل يشهد لحسن الشرع، يشهد لصحته، والشرع قضى، قضى الله جلا وعلا بقضائه. ] وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ [. وفي قراءة: ] وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقا وَعَدْلاً [ آية الأنعام. فكلمات الله جلا وعلا الشرعية قضت صدق وعدل انتهت. فإذاً الذي يرفض العقل، يرفض الشرع , والذي يقدس العقل ويرفعه فوق الشرع، هذا أيضًا يرفض الشرع., لهذا ألف ابن تيمية كتابه المشهور (العقل والنقل)، يعني (إيش) الصلة بينهما؟ أو المشهور باسم موافقة العقل الصريح للنقل الصحيح , أو درء تعارض العقل والنقل، وهو الذي قال فيه ابن القيم في نونيته:

واقرأ كتاب العقل والنقل الذي ما في الوجود له مثيل ثان

لأن أصل تقديس العقل، وتقديمه على النقل جاء من الجهمية , ثم المعتزلة , ثم الأشاعرة، الأشاعرة أيضا من أصولهم أن العقل مقدم على النقل , فيم؟ في الغيبيات، أما السمعيات يعني لهم بحث فيها , وهذا شيء مشهور ومعروف، المقصود أن طالب العلم والداعية أولاً يفهم ما صلة الشرع بالعقل؟ ثم ثانياً: يتأمل فيما يورد من الأشياء الشرعية، التي يقول القائل: إنها تخالف العقل. تأمل، ما يعجل يأتي ويقول: لا هذا كيف هذا؟ لو أنه ما فهم مرادها عقلاً، فينبغي إذا تأمل أنه يبين عدم تعارض الشرع مع العقل؛ لأن العقل لابد له من حدود، يقف بعدها على شيء لا يعرفه، الأمور الغيبية إذا تجاسر العقل عليها , وقال: لا، ليست بصحيحة، فهو الحقيقة ليس عاقلاً؛ لأن العجز عن الإدراك، إدراك هو لم يدركها لم يرها، فكيف ينفي شيئاً لا يراه؟.

يعني مثلاً الآن لو جاء قال قائل مثلاً: هل كهرباء التي أمامك؟ (إيش) الكهرباءٍ ما في سلك , (إيش اللي) يجري في السلك؟ هل في شيء يمشي فيه؟ هل السلك أنبوبة فيه شيء ماش وصل؟ لا , فإذاً ثم أشياء كثيرة، تعرف بآثارها، ولا ترى أو تدرك حقائقها , مثل النوم الآن، حقيقة النوم ما هي؟ الأطباء (غير مسموع) ما أدركنا حقيقة النوم , لكن تعرف أن النوم وأثره وعلى الجسم وعلى البدن ولو فقده الإنسان، (إيش) يحصل؟ وإذا نام (إيش) يحصل؟ إلى آخره… عندك الآن الهواء نفسه الهواء، الآن موجود هواء؟ هذا فراغ، أين الهواء؟ فإذا أخبر مخبر بوجود الهواء، فإنه يخبر بوجود شيء دل العقل عليه، لا من جهة رؤيته، ولكن من جهة إدراكه بآثاره.
كذلك النصوص الشرعية الكثيرة، إذا كان فيها تعلق بالأمور الغيبية، نقول: هذا ينفيه العقل.
فيكون هو متجنياً على عقله؛ لأن العقل لا ينفي شيئاً لم يدركه , مثلاً: يأتي حديث فقء موسى لعين ملك الموت، ويقول: هذا العقل يرفضه، مثلما رفضه عدد من المعاصرين، يقول: العقل يرفضه , حتى لو كان في الصحيح، قال: نعم كيف ملك الموت يأتي وله عين ويفقأها موسى؟! هذا شيء يرفضه العقل.
لماذا يرفضه العقل؟ لماذا؟ لأي شيء؟ تسأل عن الأسباب , فإذا قال لك: السبب الأول هو مثلاً أن ملك الموت كيف يكون له عينان؟ فيكون الجواب: ما الذي يمنع أن الله جلا وعلا يعني ما الذي في العقل أن الله جلا وعلا بعث ملك الموت في صورة رجل لموسى u؛ اختباراً له وإبقاء للعلم في الناس , ما يمنع ملك الموت على صورته الحقيقية، ليس صورة رجل , فهذا تصوير، يعني جاءه في صورة على هيئة رجل فقها، هذا فيه اعتبار.

الأمر الثاني: إذا قال له موسى u كيف يعتدي عليه؟ فنقول: هل يمنع العقل أنه ما عرفه؟ أو أنه رآه معتدٍ؟ أو متجنٍ على مقام الملائكة؟ يأتيه على صورة عادة ملك الموت ما يأتي على صورة رجل يقبض الأرواح بإذن الله جلا وعلا.
فإذاً ما ادعى فيه من أمور الغيبيات أنه معارض للعقل، مما عارض به المعتزلة من قبل، وكل من خالف الشرعيات ـ الجواب عنه سهل، لكن أيضاً يحتاج إلى عقل.
فإذاً طالب العلم، والداعية إذا واجه مثل هذا أولاً يهدأ؛ لأنه إذا صار ذا هدوء أدرك (وين) يضرب الخصم , إذا أنت استعجلت، هو يصيدك، وأنت بعدين تقع في موقف ضعف كيف تدافع؟ وأنت الآن مبلغ عن الشرع.
الحاضرين في المجلس بيقولون: والله ما عرف يجاوب أو (بس) تحمس أو نحو ذلك؟ لا , أولاً تهدأ، ثم إن كان عندك علم، وقوة إدراك، في مناقشته تناقش إذا لم يكن عندك علم، وقوة إدراك، فترجع الأمر إلى المجملات , ما هي المجملات؟ الله جل وعلا هو الذي قال ذلك ويجب تصديق الرب جل وعلا , لا أحد أعلم بالله، لا أحد أعلم بخلق الله منه، من الله، أخبر بها النبي r والحديث صحيح , لا مغمز فيه، ما طعن فيه أحد من العلماء , فيجب التسليم , كون أدركنا معناه، أم لم ندرك؟ هذه مسألة أخرى، فتحيل على المجملات، والمجملات فيها قوة؛ لأنها أقوى حجة إذا كان المجادل مؤمناً يعني عنده انتساب للإيمان , سيقول: النبي r قال هذا. لو كان النبي r حاضراً، وقال هذا الكلام، تقول له: هذا يرفضه العقل؟ أو هذا غير صحيح؟! فإما أن يطعن في دلالة النص، أو يطعن في ثبوت النص , فإن طعن في الثبوت تبحث معه , وإن طعن في الدلالة تبحث معه، أو ترجعه إلى المجملات.
الخطوة الثالثة: أن هؤلاء دائماً يقفون بالعقليات , العقليات يعني إذا حاججتهم فتعطيه مسألة عقلية , تجعله يقف من المسائل العقلية المهمة التناقض، إذا كان هو يقول: العقل يعارض هذا فتكون أنت محضر لأشياء العقل عقله هو بما أقر به أيضاً يتناقض فيها , يسلم بأشياء ما شافها يسلم بأشياء، فالعقل، ربما أنه يقول: لا والله ما يدل عليه العقل إلا بخبر من أخبر بها.
فإذًا تبحث هناك في الأشياء التي تجعله متناقضاً. والتناقض من أقوى الأشياء التي تضعف الخصم , في أي مجادلة إذا كنت أنت متناقضا مرة تقول كذا ومرة تقول كذا، معناه أنه لم يقم على عقل واضح واحد، ولا على دليل بين , تكون إذًا أنت تتبع مرة تقول ومرة تقول، ما عندك قاعدة بينة.
لهذا الشرع من اعتمد عليه فإنه لا يتناقض، ] أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً [ (اللي) بيعتمد على الشرع ما يتناقض، الحجة واحدة، والدلالة الشرعية في المسائل العقلية أيضاً واحدة , ما تختلف, وهذه المناظرات والمجادلات ينبغي لطالب العلم أن يتحرز فيها , ما يقبل عليها وبضاعته قاصرة؛ لأنه يخشى أن يفتن من يخاطبه، يخشى أن يفتنه , فيكون ذاك ما يعرف (وش) ما جاب حجة.
وهذه (اللي) وقع فيها حتى بعض المشهورين في المناظرات (اللي) حصلت فيما , يذكر في بعض القنوات الفضائية ونحو ذلك، في مسائل عظيمة منها مسائل عقدية، ومنها مسائل إيمان , بل في وجود الله جلا وعلا، (ولا) ربما ما كان عندهم حجة، صار المتلقي، ما عنده أن هذا والله مسلم له، المتلقي شك في المسألة , إذا كان هذا ما لقي جوابا صحيحا، ما عرف بحجة، سيؤول الأمر إلى أن المستمع (إيش؟) يتشكك.
ولا يجوز لمؤمن أن يقدم على شيء يحصل بسببه فتنة لآخرين , وإذا كان سؤال شيئا لم يحرم في عهد النبوة , شيئا لم يحرمه الله جلا وعلا السؤال عنه، ثم بعد ذلك حرم أنه من أعظم المسلمين جرما فكيف بمن يوقع الشبهة في أصل الدين في العقيدة؟ في وجود الله جلا وعلا؟ في أشياء ما يعرف يناقش , ما يعرف يحتج , يخلي الشرع ضعيفا، يجعل الشرع ضعيفاً، أو يجعل حجته، ما يليق.
فإذًا أنت ما يلزمك أن ترد إلا إذا كنت قادراً , قادر من الناحية العلمية، وقادر أيضًا من الناحية النفسية، بعض الناس إذا جاء في النقاش يحس من نفسه أنه خاف، يحس أنه قلبه بدأ يضطرب وخائف، هذا معناه أنه يسكت؛ لأنه مع هذا الاضطراب ما يقضي القاضي وهو غضبان , وهذا قضاء أيضاً في مسائل شرعية , لهذا قال العلماء: لا يقضي القاضي وهو غضبان، يشمل المسائل الخصومات، العملية والعلمية , فالذي بيحكم يقول: لا والله هذا ما هو (غير مسموع) إذاً بتقضي أنت تبلغ عن الشرع، فما تدخل في شيء وأنت تعلم من نفسك عدم ثبات.

لذلك المجادل الداعية، هذا نوع من الجهاد يحتاج إلى ثبات، ويحتاج إلى ثبات يعني ورباطة جأش، وركادة؛ لأن الواحد مهما نزل عليه من الجبال، من الكلام السيئ ما ينفعل... إلى آخره , وأنت تأمل مجادلة النبي r للمشركين في مكة، كيف أنهم ناقشوه في كل شيء؟ في الله جلا وعلا وفي توحيد العبادة، وفي الأسماء والصفات، وجادلوه في البعث بعد الموت، وسبوه، وقالوا: أنت مجنون، وأنت...، لكن كله كلامه عليه الصلاة والسلام , وما أمر الله جلا وعلا به عبده أن يبلغ المشركين ـ كان كله على الغاية في الرفعة في اللفظ وفي الحجة وفي الهدوء والطمأنينة؛ لأن لسنا بشاكين حتى نضطرب، ولهذا كل واحد يعرف نفسه، فلا يوقع غيره في شبهة ويأثم بذلك.
وهذه مسائل عظيمة يحتاج طالب العلم إلى أن يدرج نفسه فيها، وسبيلها الهدوء والطمأنينة، زادني الله وإياكم من كل خير، ومنحنا الفقه في الدين، وغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا ومن له حق علينا، ووفق ولاة أمورنا وعلمائنا لكل خير، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.







الـوجـه الـثـانـي

بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله حق حمده، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله r وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرًا , أما بعد..,
فأسال الله جلا وعلا ولي ولكم التوفيق والسداد في القول والعمل، وأن يجعلنا من أهل الإيمان الذين حققوه قولاً وعملاً واعتقادًا، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يمنحنا الفقه في الدين، والثبات على ذلك، والعلم بالله ومعرفة شريعته، إنه سبحانه جواد كريم.
نجيب على بعض الأسئلة، بين يدي الدرس.

سؤال: يقول: لماذا سمي كتاب الأدب المفرد بهذا الاسم؟ وما أفضل كتاب في الأدب يمكن أن يشرح للطلاب؟
جواب: كتاب الأدب المفرد هو للإمام البخاري رحمه الله تعالى، أبو عبد الله وهو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وهو مؤلف الصحيح، وفي كتابه المسند الجامع الصحيح المختصر، فيه كتاب باسم كتاب الأدب، في أواخره. ثم صنف كتاباً آخر، ليس كشرطه في الصحيح , جمع فيه جملاً كثيرة مما جاء في السنة أو عن الصحابة رضوان الله عليهم في أبواب الأدب، سماه الأدب المفرد، يعني مفردًا عن الصحيح؛ لئلا يشتبه بكتاب الأدب الذي هو من كتب صحيح البخاري، وهو في الأدب الشرعي , يعني مثلاً ما يتعلق بالاستئذان , أدب الاستئذان , رد السلام , كيف حقوق المسلم؟ كيف حقوق المسلم كيف يتعامل مع نفسه؟ يتعامل مع الحيوان؟ كيف يتعامل مع الناس؟ أدبه في الأكل، أدبه في النوم، أدبه في الاجتماع، أدبه في الحقوق العامة، ونحو ذلك مما يعرف من الاطلاع عليه. وهو كتاب نافع جداً، وله شرح متأخر لا بأس به، سماه مؤلفه وهو أحد علماء الهند (فضل الله الصمد بشرح كتاب الأدب المفرد) وهو مطبوع في مجلدين.

هذا سؤال فيه طول (شوي)، يتعلق بعقد تأمين، ممكن ألتقي بالكاتب ونفهم منه، نأخذ الورقة.

سؤال: ما الصواب في الجار والمجرور، في أول سورة قريش، هل هو متعلق بالسورة التي قبلها أم هو كما قال ابن جرير: إنه لا التعجب , يعني: اعجبوا لإيلاف قريش؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.
جواب: هذا سؤال جيد , وسورة الفيل وسورة قريش في ترتيب المصحف الذي رتبه الصحابة رضوان اله عليهم، جاءت سورة قريش بعد سورة الفيل، وسورة الفيل فيها ذكر منّة من الله جلا وعلا على قريش، كما قال سبحانه: ] أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ [. هذا قبل أن يولد محمد عليه الصلاة والسلام، فالفضل في صد أبرهة ومن معه، والفيل وذاك الجيش عن استباحة مكة، الفضل فيها لله جلا وعلا، والمتفضل عليه قريش , ولهذا كان لما جاء [أبو طالب]* إلى أبرهة وقال له.. سأله عن إبله , قال له: ظننت أنك تدفع عن البيت. قال: للبيت رب يحميه، وأنا رب هذه الإبل. فالفضل من الله جل جلاله , والنعمة تمت على قريش أن منع هذا المعتدي من أن يستبيح مكة , هذا الفضل الذي يعرف من قراءة سورة الفيل، والإنعام الخاص على قريش، بصد الفيل وعقوبة أهله، لماذا؟ يعني ما العلة فيه؟
هنا جاء من قال من أهل العلم: إن اللام في ] لإيلاَفِ قُرَيْشٍ [ أنها تعليلية لما تضمنته سورة الفيل، هذا الإنعام وهذا الفضل وهذا الصد وهذه الحماية، لأي شيء؟ لإيلاف قريش؛ لأجل أن يألفوا ما ألفوه من التجارة، ومن النعمة، ومن الراحة، في هذا البيت ونحو ذلك. هذا توجه لطائفة من أهل العلم، وهذا التوجه وإن كان من حيث التعليل، له حق من النظر , لكن الأصل في السور الانفصال , ثم إن الترتيب ليس ترتيباً توقيفياً كما هو معلوم , ترتيب السور إنما هو اجتهادي على الصحيح، وسورة قريش نزلت بعد الفيل , ونزول السورة بعد السورة لا يقتضي تعلق الآخرة بالأولى.

لهذا القاعدة أن كل سورة مستقلة عما قبلها، من جهة تعلق الآي إعراباً، وتركيباً بالآي التي في السورة قبلها , وهذا يظهر به أن اللام في قوله: ] لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ [ أنها ليست متعلقة بما قبلها، وليست تعليلية، وإنما يقدر فعل يتعلق به الجار والمجرور؛ لأن الجار المجرور في النحو يتعلق بفعل أو بمصدر أو ما أشبه ذلك , فلهذا قدر ابن جرير وغيره من المحققين بفعل محذوف، هذا الفعل المحذوف يقدر بحسب اجتهاد المقدر. والعرب تعرف أنه إذا حذف الفعل وبقي المتعلق، فإنه يعطي سعة هذا من جهة البلاغة، يعطي سعة في تقدير المحذوف بحيث يكون أعم من أن يذكر فعل واحد، يعني: لو قال الله جلا وعلا: تعجبوا لإيلاف قريش , اذكروا لإيلاف قريش , أو اعجبوا لإيلافهم , أو اعتبروا لإيلافهم , لصار هناك فيه حد من سعة تقدير المحذوف , فلما حذف الفعل، وأبقي الجار والمجرور الذي هو متعلق بالفعل المحذوف، كان في هذا سعة في التقدير وأبلغ في الاعتبار , لهذا نقول: الصحيح أن قوله: ] لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ [ وأمثاله فيما يكون في السور أنه لا يتعلق بالسورة التي قبل، وإنما يقدر له محذوف يناسب المقام.
هذا يختلف عن بحث عند أهل التفسير وعلوم القرآن , بحث آخر , وهو أن تكون سورة لها صلة بالسورة التي قبلها من حيث المقاصد، من حيث مقاصد السور، وهذا هو التناسب، وهذا فيه ألف طائفة من العلماء، ألفوا تناسب السور، يعني مناسبة مجيء السورة بعد السورة، هل فيه مناسبة؟ هذه المناسبة تكون لأجل الترتيب. لا لأجل أنها أنزلت لأجل ذلك، فمثلاً نقول في هذا المقام: إن جعل سورة قريش بعد سورة الفيل؛ لأنها أنزلت بعدها ولمناسبة تذكر النعمة بدفع الفيل وبحصول إيلاف قريش وإلفهم، وبحصول هذه الرحلة والمنة عليهم بذلك , ثم تحقق النعمتين: دفع الفيل في الماضي، وإلف قريش للتجارة، ودون معارض لهم في الشتاء وفي الصيف , وما كانت عليه مكة من الغنى لا بد أن يعتبر به لأجل عبادة الله وحده ] فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَامَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ [ , ] أطعمهم من جوع [ بالتجارة , ] وآمنهم من خوف [ في الحاضر وفي الماضي بدفع الفيل، والجيش الذي أراده، والله أعلم.

هذا سؤال يحتاج إلى يعني في الحقيقة بسط؛ لأنه يتعلق بأصول البدع والسنن.

سؤال: يقول: كثيرا ما أسمع من بعض علمائنا قولهم: لم يعهد هذا عن السلف. فهل هذه العبارة دليل بحد ذاتها وحجة معتبرة؟ وهل تعتبر من الاستقراء؟
جواب: هذا يحتاج إلى بيان طويل، يضيق المقام عنه، أن يحتاج إلى تأصيل المسألة، والعبرة بالدليل وعمل السلف، وصلته بالدليل، وهل هو مطلق في كل مسألة؟ أم أن الحجة في الدليل؟ ولو لم يجر عليه عمل , وتفصيل العلماء في ذلك يحتاج إلى بسط، لكن في الجملة العلماء يستدلون على عدم جواز الأفعال التي لها هيئات تضاهي المشروع بقولهم: لم يعهد هذا عن السلف. فإذا كان هناك مضاهاة للمشروع، مثل الاحتفالات، اجتماعات على أذكار على نحو معين، إعلان بشيء على المنابر، يعني على المنائر، ومثل إضافة أشياء للأذان ونحو ذلك، مثل هذه الأمور يحتج فيها بأنها لم تعهد عن السلف، ولو كان خيرًا لكانوا هم أحرص عليه. هذا على وجه الإجمال، لكن تحتاج إلى تفصيل.

سؤال: يقول: بالأمس ضاق علينا الوقت عن صلاة الجمعة، ونحن خارج المدينة , فتوقفنا عند مسجد، وخطب بنا أحدنا وصلينا الجمعة، وكان عددنا ثلاثة وأربعين رجلاً، مع العلم أن هذا المسجد لا تقام فيه صلاة الجمعة، فما الحكم؟
جواب: الصلاة مجزئة، المسافر إذا صلى الجمعة أجزأت , والصحيح أيضًا من قول العلماء أن الخطيب والإمام يجوز أن يكون مسافراً، فيجوز أن يؤم المسافر الحاضرين في الجمعة، وكذلك من كانوا مسافرين على مثل حاله. والأفضل لهؤلاء ألا يصلوا الجمعة في السفر؛ لأن النبي r سافر كثيرًا ومرت عليه جمع كثيرة في السفر، سواء أكان في مدينة، كمكة أو كان في غيرها , ولم يصل الجمعة، ولذلك المسافر ليس في حقه جمعة , يعني لا تجب عليه الجمعة وليس الأفضل له أن يصليها جمعة , الأفضل أن يصلي الظهر والعصر جمعًا وقصرًا، بحسب الحال إما في أول الوقت أو في يعني أول وقت الظهر أو أول وقت العصر. هذا في حق المسافر الذي جد به السير، مثل حالتهم مروا بمسجد فيصلون الظهر والعصر، هذا هو الأفضل في حقهم والصلاة مجزئة.

سؤال: ما المراد بالقرب في قوله تعالى: ] وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [؟
جواب: التحقيق أن المراد هنا بالقرب قرب الملائكة؛ وذلك كما حققه ابن تيمية رحمه الله تعالى وابن القيم، أن القرب هنا قرب عام، وهذا القرب إنما هو قرب الملائكة.

سؤال: هل تجوز صلاة الغائب على من صلي عليه في مكان آخر؟
جواب: صلاة الغائب العلماء لهم فيها ثلاثة أقوال , قالوا:
القول الأول: وهو قول أكثر أهل العلم، أن الغائب إذا كان فقده على الجميع، فإنه يصلى عليه صلاة الغائب ولو كان صلي عليه، إذا كان المسلمون يفقدونه. وهؤلاء استدلوا بحديث الصلاة على النجاشي رحمه الله، والنبي r صلى عليه صلاة الغائب. ويعكر عليه , يعني على هذا القول مع أنه لقول أكثر أهل العلم، أن النبي r لم يُصل عليه إلا في حجرة عائشة، حيث قبض صلى عليه الناس أرسالاً، تدخل الجماعة وتصلي، ثم تدخل الجماعة تصلي ولم يُصل عليه في خارج المدينة صلاة الغائب، وكذلك فعل بأبي بكر t وكذلك فعل بعمر وهكذا.
ولهذا صار القول الثاني: هو ألا يصلى إلا على من لم يصل عليه، إذا لم يصل على أحد، فإنه يعني على مسلم مات في غربة أو عرف أنه لم يصل عليه , فإنه يصلي عليه صلاة الغائب، وذلك كما فعل النبي r في حق النجاشي، فإنه نعى النجاشي إلى أصحابه وتقدمهم وصفوا خلفه وصلى على النجاشي وكبر عليه أربع تكبيرات؛ وذلك لأنه مات في بلد، بلد أو دار كفر وكان مسلماً رحمه الله تعالى , وهذا هو الذي يسعد بالدليل أولاً، وثانياً: العمل , عمل الخلفاء الراشدين عليه فيما هو ظاهر من عملهم.
القول الثالث: وهو رواية عن الإمام أحمد، الناس في ذلك تبع للإمام، الإمام هو الذي يختار يصلي، أو لا يصلي.
والقول الثاني هو الأظهر من جهة الاستدلال ـ أجلوا هذه (غير مسموع) ـ اقرأ.


[1] هذا الجزء غير موجود بالشريط

[2] هذا الجزء غير موجود بالشريط

[3] غير موجود بالشريط

[4] غير موجود بالشريط

[5] غير مسموع بالشريط

* ربما قصد الشيخ: عبد المطلب .


  #6  
قديم 5 ربيع الأول 1430هـ/1-03-2009م, 11:03 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية للشيخ: يوسف بن محمد الغفيص (مفرغ)


أصل مقالات المخالفين للسلف في الإيمان واحد
قال: [والإيمان واحد] ، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: (البدعة التي تفرعت عنها سائر مقالات المخالفين للسلف في مسمى الإيمان هي بدعة واحدة، وهي اعتقادهم أن الإيمان واحدٍ لا يزيد ولا ينقص، قال: فالخوارج والمعتزلة يجعلونه القول والعمل، ويجعلونه واحداً، فترك الواحد من الواجبات يوجب عندهم بطلان سائر العمل والقول، والمرجئة يجعلون الإيمان هو التصديق، أو يقول بعضهم: التصديق مع القول، ثم يجعلونه واحداً، ويكون ما عداه من الإسلام أو التقوى أو البر أو غير ذلك).

أقوال المخالفين للسلف متحدة في الأصول مختلفة في النتائج
وهذا يجرنا إلى الكلام عن مسألة في موجبات البدع وأصولها، ففي مسائل الإيمان والقدر والصفات، تجد أن الطوائف المخالفة للسلف طوائف كثيرة، وتجد أنها أيضاً طوائف متضادة، كالمشبهة مع المعطلة، والقدرية مع الجبرية، والمرجئة مع الخوارج والمعتزلة، ومع هذا فإنك إذا اعتبرت التحقيق، فإن أصول هذه البدع مع تضاد نتائجها هي أصول واحدة، فمثلاً في مسألة الصفات: تجد أن المشبهة كـهشام بن الحكم و داود الجواربي ، وأئمة التجسيم كـمحمد بن كرام ، وأئمة المعتزلة نفاة الصفات، ومتكلمة الصفاتية كـابن كلاب و الأشعري و الماتريدي ، كل هؤلاء مع تضاد نتائجهم أو اختلافها يعتبرون مبنىً أساساً في قولهم في مسألة الصفات، وهو دليل الأعراض، فمذهب المعتزلة يعتبرونه نتيجة لدليل الأعراض، والمشبهة يعتبرون مذهبهم نتيجة لدليل الأعراض، والأشاعرة يجعلون مذهبهم نتيجة لدليل الأعراض، والماتريدية كذلك، وإذا نظرت في كتب هذه الطوائف، وجدت أنهم يستدلون بدليل الأعراض، فإن قيل: فكيف تحصل بدليل واحدٍ هذه النتائج المتضادة أو المختلفة على أقل تقدير؟ قيل: هذا يرجع إلى أحد موجبين: الموجب الأول: هو الخلاف في بعض المقدمات، مثلاً الصفات أعراض، والأعراض لا تقوم إلا بجسم..إلخ. جاءت المعتزلة فجعلت العرض ما يقابل الجوهر، وعن هذا قالوا بنفي سائر الصفات، وجاء الأشعري وقبله ابن كلاب فقال: والعرض هو ما يعرض ويزول ولا يبقى زمانين، وعن هذا ترى أن ابن كلاب و الأشعري و الماتريدي التزموا نفي الصفات الفعلية التي سموها الحوادث، وأما أصول الصفات فهي عندهم ثابتة على خلاف بينهم؛ لكونها لا تسمى أعراضاً، لأن حد العرض عندهم ما يعرض ويزول. وهذا كله تكلف، إذ بأي عقل وبأي نظام وبأي منطق وبأي قانون لزم أن العرض هو ما يزول ولا يبقى زمنين، إنما هو نوع من الحد لا أقل ولا أكثر، وهو من التحكم على لغة المنطق، لأنه حدٌ على غير موجب. الموجب الثاني: من جهة اللوازم، فمثلاً: الإشكال القائم بين نظرية الجبر ونظرية القدر، كنظرية فلسفية هو إشكال واحد، وهو أن الأثر لا يصدر عن مؤثرين، وهذا ليس كلاماً فلسفياً يقوله ابن سينا أو غيره فقط، بل يقوله أيضاً الغزالي و الرازي ، وأبو المعالي الجويني ، فضلاً عن أئمة المعتزلة. فقالت الجبرية: المؤثر هو الله، وشاركهم في هذا في الجملة الكسبية من الأشعرية ونحوهم، وقالت القدرية: المؤثر هو العبد. وقد تقدم في مسائل القدر التعليق على أن متكلمة القدرية يختلفون عمن قال بأن أفعال العباد ليست مخلوقة من بعض رجال الرواية والإسناد، فإن من قال ذلك من بعض رجال الرواية الذين قال الإمام أحمد فيهم: (لو تركنا الرواية عن القدرية تركناها عن أكثر أهل البصرة) لم يكن موجب المقالة عنده هو الموجب عند أبي الهذيل العلاف أو واصل بن عطاء من المعتزلة، بل الموجب مختلف، مع أن المقالة قد تكون في الجملة مقالة واحدة، وإذا التزمت تفصيل النتائج، وجدت أن النتائج يلحقها قدرٌ من الاختلاف. فالقانون الذي يعتمده المتكلمون قانون عقلي، والحقيقة أنه رأي فلسفي لا أقل ولا أكثر، وهو مبني على قياس الله بخلقه، وهو قياسٌ فاسد بإجماع المسلمين، أنه لا تكون للعبد إرادة ومشيئة على الحقيقة، لأن الله هو الخالق لفعل العبد، ولم يفقهوا الفرق بين كونه خالقاً وكونه فاعلاً، فلا أحد من السلف يقول: إن الله هو الفاعل لأفعال العباد بل الأفعال أفعال العبد، ولكن الله هو الخالق.

اعتماد المتكلمين على العقل دون السمع
ثم بعد هذا تأتي المعتزلة تبحث في دلائل القرآن فتجد قوله تعالى: {الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد:16] ، فيقولون: هذا دليل على خلق القرآن، ويأتون لمسألة الرؤية فيتمسكون بقوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام:103] ، فيقولون: هذا دليل عدم رؤية الله، مع أن هاتين الآيتين ليستا هما الموجب للمذهب، ومثلهم الأشاعرة لما نفوا الصفات الفعلية، فإنه لم يكن الموجب لذلك دليلاً من القرآن، وقد صرح بذلك الرازي فقال: (اتفق أصحابنا أن نفي حلول الحوادث ليس معلوماً بالسمع، بل ظاهر السمع عليه، ولهذا اشتغل أصحابنا إما بتأويله أو تفويضه، واستدلوا بدلائل العقل، قال: والصواب، هو الدليل المركب من السمع والعقل). ثم أتى بدليل زعم أنه هو النهاية، واستعمله الأشاعرة إلى عصرنا هذا في مختصراتهم، ويرون أنه هو الدليل القاطع المحكم، وهو دليل من نظره بأدنى عقل، عرف أنه دليل ساقط في العقل، فضلاً عن كونه ساقطاً في الشرع، فإنه قال: إن هذا النوع من الصفات، إما أن يكون كمالاً وإما أن يكون نقصاً، فإن كان نقصاً فالله منزه عن النقص، فلزم أن يكون إذا أثبت كمالاً قال: وإذا كان كمالاً، فإنه حادث، فيلزم أن يكون هذا الكمال فات من قبل، وفوات الكمال نقصٌ والله منزه عن النقص بالإجماع. والإجماع هو مقصوده بالدليل السمعي. ولا شك أن هذا دليل ساقط حتى في العقل، فمثلاً: {وَكَلَّمَ الله مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164] ، يقول: إذا كان كلام الله لموسى كمالاً، لزم أن يكون هذا الكمال فاته قبل خلق موسى، وفوات الكمال نقص، والله منزه عن النقص بالإجماع. ومن أخص أغلاط الرازي أنه يزعم أن تنزيه الله سبحانه وتعالى عن النقص علم بالإجماع، والصحيح أنه معلوم بالعقل ومعلوم بالشرع الذي هو والكتاب والسنة والإجماع، مع أن تنزيه الله سبحانه وتعالى عن النقص معلوم بالعقل قبل ورود الشرع. ثم استدلال الرازي عنه جوابات، ومن بدهي الجواب أن يعارض الرازي بنفس الحال فيقال له: الأرض محدثة بعد أن لم تكن، والله هو الخالق لها بإجماع المسلمين وجماهير بني آدم، فخلقه لها كمالٌ أو نقص؟ إن قال: نقص فقد كفر، وإذا قال: إنه كمال، لزم على قاعدته أن يكون الكمال فاته من قبل، وما يقوله في الأفعال اللازمة المتعلقة بقدرته ومشيئته، يقال في الأفعال المتعدية كخلق السماوات والأرض ونحو ذلك، ثم إن ما كان حادثاً وهو تكليمه لموسى امتنع أن يكون قديماً، وما كان ممتنعاً لم يكن عدمه نقصاً، لأن الكمال والنقص متعلق بمسائل الإمكان والوجود.
تفاوت أهل الإيمان في أصل الإيمان
قوله: [وأهله في أصله سواء] ، يقال: بل أهله في أصله مختلفون، حتى لو سلمنا جدلاً أن الإيمان هو التصديق، فإن التصديق يتفاضل، وبهذا تعلم أن التفاضل عند أهل السنة والجماعة في الإيمان ليس مقصوراً على الأعمال الظاهرة، بل التفاضل بالأعمال الظاهرة، وبالأعمال الباطنة، وبالتصديق نفسه، كما صرح به الإمام أحمد ، وهو إجماع للسلف خلافاً لـابن حزم . ......

التعبير بالتفاضل وبالزيادة والنقص في الإيمان عند السلف
وقد عبر الجمهور من السلف بأن الإيمان يزيد وينقص، وعبر ابن المبارك وبعض المتقدمين بأن الإيمان يتفاضل، والإمام مالك رحمه الله يقول: الإيمان يزيد وينقص، وفي بعض جواباته يقول: الإيمان يزيد. ويسكت عن ذكر لفظ النقص، وقد ذكر بعض المالكية وبعض الشراح من المتأخرين أن لـمالك في مسألة نقص الإيمان قولين: القول الأول: أنه ينقص. القول الثاني: أنه لا ينقص، وهذا غلط على مالك ، بل مالك رحمه الله تارةً يقول: يزيد وينقص، وتارةً يقول: يزيد، ثم يسكت أو ويتوقف عن لفظ النقصان، ومعلوم أن من أقر بزيادة الإيمان، لزمه بضرورة العقل فضلاً عن الشرع أن يقر بنقصه، ولهذا ترى أن السلف أطبقوا على أن الإيمان يزيد وينقص مع أن النقص لم يذكر في القرآن، بل ليس في القرآن إلا لفظ الزيادة. وقد قيل للإمام أحمد : (يا أبا عبد الله ، الإيمان يزيد وينقص؟ قال: نعم. قيل: فأين هو في كتاب الله؟ قال: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم:76] ، قيل: وينقص. قال: إذا كان يزيد فإنه ينقص)، وعليه فمن حكى عن مالك أنه ينفي نقص الإيمان ولو في أحد قوليه، فحكايته غلط، بل سكت في مقام لحكمة أو لمعنىً مختص. قال شيخ الإسلام : (ولعله كان في بعض مناظراته أو جواباته للمرجئة، فترك اللفظ الذي لم يذكر في القرآن إغلاقاً لباب الجدل)، أي: فإن مالكاً رحمه الله كان من أكثر الأئمة بُعداً عن الجدل والخوض في ذلك، فتكلم بالألفاظ المحكمة التي لا يتمكن سائل من أن يقول له: ما دليلك على لفظ النقص. وأما في السنة فإن الأمر كذلك، فلم يرد لفظ النقص إلا في مثل قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين، أغلب للب الرجل منكن) ، وإن كان النقص المذكور هنا ليس هو النقص المراد الذي هو بترك المأمور أو بفعل المحظور ونحوه، وإنما هو نقص من حيث الأصل في العقل وفي الدين على ما فسره صلى الله عليه وسلم بكونها تمكث الليالي لا تصلي إلى آخره، ولكن استدل به طوائف من أهل السنة على نقص الإيمان، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا جعل الدين ينقص بما قُدّر في حكم الله وقضائه الكوني وإسقاطه الشرعي، فلأن يكون من تفريط العبد من باب أولى، فهذا استدلال حسن وهذه المسألة مسألة محكمة عند السلف وهي: زيادة الإيمان ونقصانه في موارده الأربعة.

زيادة الإيمان عند المرجئة والمعتزلة
قال: [والتفاضل بينهم بالخشية والتقى، ومخالفة الهوى، وملازمة الأولى] نعم هم يتفاضلون من هذه الأوجه، لكنهم أيضاً يتفاضلون باعتبار الإيمان نفسه. وعامة الطوائف بزيادة الإيمان حتى المرجئة والمعتزلة، ولكنهم يقصدون بالزيادة صوراً هي في نفس الأمر من الزيادة الشرعية، ويقصرون الزيادة عليها، فيقولون يزيد الإيمان بكثرة الأدلة، فمن علم مسألة من الشريعة بدليل فليس إيمانه بها كمن عرفها بخمسة أدلة، ويقولون: ويزيد بالاستمرار فإن التعاقب من زيادة الإيمان. فنقول: هذا يسلم أنه من أوجه زيادة الإيمان، لكن قصر زيادة الإيمان على هذه الأوجه هو المخالف لإجماع السلف، وإلا فإن كثيراً من الصور التي يذكرها هؤلاء تكون صوراً صحيحة، وإن كانوا يذكرون صوراً هي مبنية على أصول باطلة.

بيان قول أبي الحسن الأشعري في الإيمان
محصل قول أبي الحسن الأشعري في مسمى الإيمان، أن الإيمان عنده هو التصديق، وهذا الذي ذكره الأشعري في اللمع وذكره جماهير أصحابه وانتصروا له، كالقاضي أبي بكر بن الطيب في التمهيد، وكـأبي المعالي و محمد بن عمر الرازي وغيرهم، وهذا هو الذي عليه جماهير الأشعرية، يحكونه مذهباً لـأبي الحسن ، وقد نص عليه أبو الحسن في كثير من كتبه، وإن كان طائفة من الأشاعرة قد مالوا عن هذا القول إلى قول مرجئة الفقهاء. وقد صرح بعض الأشعرية كصاحب المواقف بأن مذهبهم أن الإيمان هو التصديق، وأن مذهب أهل الأثر أنه قول وعمل، فكان قول أئمة السلف معروفاً عند كثير من علماء الأشاعرة، وأبو الحسن نفسه في مقالات الإسلاميين لما ذكر أقوال الناس ذكر قول أهل السنة والحديث في مسائل أصول الدين على طريقة من الإجمال، وفي آخر ما ذكر من مذهب أهل السنة والحديث، قال: إنه بكل ما يقولون نقول، فذكر أنه يقول بسائر الجمل التي ذكرها عن أهل السنة والحديث، ولكن علم أبي الحسن الأشعري بمقالة السلف كان علماً مجملاً. ولا أدل على ذلك من أنه في كتابه (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين) ذكر قول المعتزلة في مسائل الدين كالصفات والقدر، والأسماء والأحكام وغيرها، بطريقة مفصلة عن أعيان المعتزلة، فذكر الفرق بين أبي هاشم و أبي علي أبيه، وذكر الفرق بين النظام و العلاف ، وذكر أقوال أئمة المعتزلة والفرق بين البصريين والبغداديين من المعتزلة، لكن لما جاء إلى قول أهل السنة والحديث جعله في سياق مجمل لا يتجاوز الصفحتين أو الثلاث، مع أن مذهب المعتزلة أخذ من كتاب المقالات حيزاً كبيراً؛ فهذا دليل على أن علمه بالاعتزال ومقالات المعتزلة كان علماً مفصلاً لأنه كان معتزلياً، بل كان علمه واسعاً في غير مذهب المعتزلة كمقالات المرجئة ومقالات الشيعة والخوارج، بخلاف علمه بمقالات أهل السنة والحديث. وذلك لأنه لما كان معتزلياً ما كان ملتفتاً إلى مذهب السلف، وكان على طريقة شيوخه كـأبي علي الجبائي وغيره، يسمون مذهب السلف: الحشوية والنابتة،..إلخ، ولا يلتفتون إلى تفصيله وحقائقه، فلما رجع أخذ هذا المذهب مجملاً عن بعض حنبلية بغداد، وصار يذكره في كتبه، ويقول: إنه يقول به، وإنه ينتمي إلى أهل السنة والحديث. ومن بين الجمل التي ذكر في المقالات أنه يقول بها: أن الإيمان قول وعمل، فهذا يخرج على أحد طريقين: الأول: أن يقال: إن الأشعري كان له في مسألة الإيمان قولان، القول الأول: أنه التصديق، والقول الثاني: أنه قول وعمل، وهو قول أهل السنة والحديث، وهذه طريقة يلجأ إليها كثير ممن تكلم في مذهب أبي الحسن . وربما قال بعضهم: إنه كان يقول بأنه التصديق، ثم رجع وقال بأنه قول وعمل، ويجعلون هذا رجوعاً، لكون الأشعري عندهم رجع إلى قول أهل السنة والحديث في آخر عمره. وهذه الطريقة غير صحيحة، فليس القول بأن الإيمان هو التصديق هو قوله القديم، بل قوله القديم هو قول الاعتزال، والمعتزلة يقولون: إن الإيمان قول وعمل، وكان يقول: إنه لا يزيد ولا ينقص على طريقة المعتزلة المعروفة، والمذهب الثاني: أن الأشعري يرى أن الإيمان هو التصديق. وأما طريقة السلف فهو يتأولها، كما أنه ذكر عبارات توافق مذهب السلف، ولما أراد التفصيل تأول كلامهم إلى ما لا يتعارض مع مذهبه، وهذا الذي جعل بعض الباحثين يقولون بأن الأشعري رجع في مسألة الصفات الفعلية، وليس الأمر كذلك، فإن الأشعري أحياناً يقول: ونؤمن بأن الله مستوٍ على العرش كما ذكره الله، ونؤمن بنزوله كما حدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو يؤمن بالنزول كحديث؛ لأنه يرى أن أئمة السنة والحديث ذكروا حديث النزول وصححوه، فهو يصحح هذا الحديث لكنه لو سئل عن تفصيل معناه لتأوله. ولما كان أبو الحسن معتزلياً لم يكن يقبل الحديث أصلاً، فلما تأثر بأهل السنة وانتسب إليهم، فرأى أنهم يصححون حديث النزول مثلاً، فصار يذكره ويصححه ويستعمله، لكنه إذا أراد تفسيره فسره بما لا يعارض قوله في مسائل الصفات الفعلية، فالقصد أن هذا الوجه هو الأقوى، وأعني أن الأشعري يتأول قول السلف، ولهذا فعامة الأشاعرة من بعده يطبقون على أن مذهب أبي الحسن هو أن الإيمان هو التصديق، وأما قول السلف فإنه يذكره ولكن يتأوله، وقد ذكر شيخ الإسلام أن طائفة المتكلمة الصفاتية يذكرون قول السلف في الإيمان ويتأولونه بما لا يعارض قولهم بأنه التصديق، وهذا هو محصل قول أبي الحسن ، ولا يقال إنه قول الجهم بن صفوان كما فهم البعض، بل يقال: إنه قول ينزع إلى قول جهم بن صفوان ؛ لأن جهماً يقول: إن الإيمان هو العلم والمعرفة، والأشعري يقول بأنه التصديق، فبين القولين فرق وإن كان بينهما نوع من التشابه.

ضبط الخلاف في مسائل الإيمان وعدم التجاوز فيها
مما ينبغي التنبه له: أنه كما يجب الاعتناء بمعرفة مذهب السلف في باب الإيمان، ألا تتحول بعض الفروع الذي يقع الخلاف فيها بين السلفيين أنفسهم إلى نوع من الاختصاص الذي ما كان السلف يجعلونه اختصاصاً، ويُقصد بهذا أنه من غير السائغ شرعاً أن يقع الخلاف بين السلفيين أنفسهم في مسائل قد لا تكون عند السلف من الأصول الموجبة للمخالفة، بل يجب أن يكون هناك اتفاق، فإن المذهب السلفي قائم على أصل عظيم وهو الاجتماع، وهو من أخص أصول السلف رحمهم الله، ولهذا ينبغي حسم مادة الخلاف قدر المستطاع، إلا في المسائل التي هي خلاف بين السلف، ومع ذلك فإن مثل هذا الخلاف لا ينبغي أن يكون موجباً للتفريق، وأما الخلاف الذي يقع به التفريق والتضاد، فإنه غير موجود في مذهب السلف؛ لأن السلف في مثل هذه المسائل مجتمعون على قول واحد، فلا بد أن قولهم في مسمى الإيمان، مثلاً قول واحد. أما المسائل التي قد تكون من محال نزاعهم، ككفر تارك الصلاة، أو كفر تارك الزكاة، فهذه مسائل لا ينبغي التشديد فيها، سواء فرض أن السلف أجمعوا على كفر تارك الصلاة، أو أجمعوا على عدم كفره، وهذا التنبيه لا يقصد به بأي حال من الأحوال التعليق على مقالات بعض الأعيان من المعاصرين، إنما المقصود أن تقرر الحقائق العلمية، وهذا هو المنهج الذي ينبغي أن يكون عند طالب العلم، وهو أن يقرر الحقائق العلمية الشرعية، وألا يلتفت إلى مسألة الأعيان قدر المستطاع، وإلا فقد يقول ببعض الأقوال أناسٌ لهم قدر وإمامة وعلم، ولكن يقع في كلامهم ما هو من مورد الإشكال، وقد يقولون قولاً مجملاً لا بد فيه من التفصيل. وخصوصاً ما قد يقع فيه البعض من طلاب العلم، الذين يقررون مسألة الإيمان والعمل، وأنه أصل، وربما قرروا أن ترك الصلاة كفر بالإجماع، ثم اشتدوا في هذا التقرير، وأكثروا من التعليق أو الاعتراض على الأقوال التي قررها الشيخ الألباني رحمه الله، ولا شك أن مثل تلك المبالغات غير صحيحة، خاصة عندما يصف بعض المتعجلين إماماً كالشيخ الألباني بأنه مرجئ، فهذا غلط صريح، وما كان السلف رحمهم الله يعدون حماد بن أبي سليمان مبتدعاً على الإطلاق، مع أن الشيخ الألباني رحمه الله ما كان يقول بقول حماد بن أبي سليمان وأمثاله من الفقهاء، بل يجعل العمل داخلاً في مسمى الإيمان وله تقرير حسن في مسائل الإيمان معروف، ولكن بعض التفاصيل قد يكون فيها نوع من الخلاف بين الشيخ الألباني رحمه الله وغيره، وربما يقال في بعض المسائل: إن تقريره فيها ليس مناسباً على الإطلاق. ولكن مع هذا كله فإنه يجب أن يحفظ لهذا الإمام العالم قدره وأن تحفظ له إمامته، وأن يحفظ له أيضاً مقامه في السنة، وإمامته السلفية العالية، ودرجته في علم الحديث بوجه خاص، وسائر علوم الشريعة بوجه عام، وفقهه رحمه الله في هذا مشهور، فبعض الأقوال التي قالها إذا كانت محل تعقب أو منها ما هو محل تعقب، فإنه ينبغي أن يتعقب على طريقة الأدب وعلى طريقة التنبيه، وأن لا يُفتات على هذا الإمام وهذا العالم في كلام لا يناسب مقامه، فإنه بإجماع علماء عصره إمام من أئمة السلفية، بل هو أخص أئمة السلفية في كثيرٍ من الأقطار الإسلامية، فله مقام معروف ينبغي حفظه واعتباره. وكذلك من ينتصر لأقواله رحمه الله، ينبغي أن يكون مترفقاً وأن لا يشقق على أقواله ولوازم أقواله أقوالاً قد تضاف إليه أو قد يضيفها من يضيفها إليه، ولا يكون الشيخ رحمه الله رحمةً واسعة قد نطق بها وصرح بها، فمثل هذه المسائل لا ينبغي ربطها بواحدٍ من الأعيان، لا بسماحة الإمام الشيخ الألباني رحمه الله، ولا بغيره من أهل العلم المعاصرين، وإنما تُربط هذه المسائل الشرعية إذا ذكرت بأصولها من الدلائل المذكورة في كلام الله أو كلام رسوله أو كلام السلف رحمهم الله، وإذا وقع أحد من الأعيان الكبار في الغلط، فإنه لا ينبغي أن يكون ذلك موجباً أو مسوغاً للاستطالة أو التعنيف أو الإضافات البدعية أو نحو ذلك من الكلام الذي قد يقال. ولا يفهم من هذا التعليق أن الحقائق العلمية لا تقرر، فالحقائق العلمية الشرعية التي تظهر من كلام الأئمة رحمهم الله يجب أن تقرر حتى وإن خالفت الشيخ الألباني أو غيره من الشيوخ والعلماء، لكن مع هذا فإن مثل هذه المخالفة ينبغي أن تقرر على طريقة الأدب والاعتذار والاستدلال، وليس على طريقة الذم والتجريح، أو إطلاق الأقوال بالتبديع أو التضليل، أو الإخراج عن السنة والجماعة، فإذا كان الشيخ الألباني رحمه الله ليس على طريقة سنية، أو ليس سلفياً فمن يكون السلفيّ إذاً؟! فهذا كلام يجب تركه، ولا يجوز لأحد أن يستطيل على أحدٍ من آحاد خلق الله، فضلاً عن أئمة العلم والدين والتقوى والعبادة الذين ندر وجودهم في مثل هذا الزمن، كالشيخ رحمه الله وأمثاله، وكسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ، ونحن نعلم أنهما قد اختلفا في بعض هذه المسائل، ومن المسائل التي كانا يختلفان فيها مسألة مسمى الإيمان، ومع هذا فإنا نعلم أن هذين الإمامين العالمين عليهما رحمة الله أعظم أئمة السلفية في هذا العصر بلا إشكال، وما معهما من الإمامة والفقه والعلم يجب حفظه واعتباره، ويجب الاقتداء بما قرروه من العلم والتقوى والإيمان والورع الذي قل كثيراً في الناس اليوم، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحمهما رحمةً واسعة. والأئمة رحمهم الله، قرروا مسائل كانت تخالف قول كثير من الصحابة رضي الله عنهم، بل قرروا مسائل قد كانت تخالف قول أبي بكر ، أو قول عمر ، أو قول علي ، أو قول ابن عباس وغيرهم، وما كان هذا مستنكراً، وينبغي لطالب العلم أن يكون لديه استعدادٌ لتقبل ما دل عليه الدليل مهما خالف من يحبه أو ينتصر له الألباني رحمه الله، أو لغيره فإن الحقائق الشرعية يجب أن تكون هي الأساس. فمثلاً: لو قام في المسجد رجل عامي يقول: من أكل لحم الإبل فإنه يجب عليه الوضوء، فقوله هذا على خلاف قول مالك وأبي حنيفة و الشافعي ، إلا أن الصحيح عند أحمد أنه ناقض، فيجب أن تقبل هذا القول وإن كان مخالفاً للأئمة الثلاثة، والمقصود أنه قد يقول قائل من آحاد الناس وربما من عامتهم أقوالاً ويقر عليها، مع أنها تخالف أئمة كباراً كـمالك و أحمد و الشافعي و أبي حنيفة ، وعلى طالب العلم ألا يكون ضيق الأفق، ولا يكون انتصاره لإمام أو لعالم ملزماً في سائر الفروع والمسائل، فإن هذا هو الاقتداء المذموم الذي كان المتقدمون من السلف ومن يقتدي بهم كسماحة الإمام الألباني رحمه الله وغيره يذمونه. ولا ينبغي لمن يذم التمذهب لـمالك أو للشافعي أو لـأحمد أن يقع فيما هو مثله أو أبعد منه في تعصبه لبعض الأعيان من المعاصرين، بل المقصود هو الانتصار لقول الله سبحانه وتعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه السلف.

من عقيدة أهل السنة والجماعة: أنهم يوالون عباد الله المؤمنين، ويرون أن الناس في الولاية متفاضلون، فمن حقق الإيمان كاملاً كانت له الولاية الكاملة المطلقة، ومن ارتكب بعض الذنوب والمعاصي كانت له الولاية بحسب إيمانه وتقواه لربه سبحانه. ويعتقدون أن أركان الإيمان هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.
ثبوت الولاية لجميع المؤمنين
قال المصنف رحمه الله: [والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن، وأكرمهم عند الله أطوعهم وأتبعهم للقرآن] . بعد ما ذكر المصنف رحمه الله مسألة الإيمان ومسماه، وتبين ما في كلامه في هذا الموضع من الإشكال، ألحق بهذه المسألة بعض المسائل المتعلقة بهذا الباب، فقال: (والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن)، أما على إطلاق الإيمان فإن الأمر كذلك، فإنه إذا ذكر المؤمنون وأريد بهم أهل الإيمان المطلق الذين ذكرهم الله سبحانه وتعالى في قوله: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62-63] فإن الأمر كذلك، سواء كان هذا متعلقاً بجملتهم أو متعلقاً بأعيانهم. وأما إذا أريد بالإيمان ما ذكره الطحاوي رحمه الله أنه الإقرار والتصديق، أو على قول العامة من السلف بأن أصل الإيمان لا يستلزم البراءة من الكبائر، خلافاً للخوارج، فإن مرتكب الكبيرة على هذا الوجه لا يسمى ولياً بإطلاق، وليس معنى هذا أنه بريء من الولاية، أو لا ولاية له ألبتة، بل محصل درجة الولاية أن يقال: إنها فرع عن إيمان العبد، فبقدر إيمانه تكون ولايته، وإذا صح بإجماع السلف أن مرتكب الكبيرة معه أصل الإيمان، فلا بد أن يكون معه قدر من ولاية الله سبحانه وتعالى، وتكون ولايته بحسب إيمانه، وقد تقرر أن مرتكب الكبيرة لا يسمى مؤمناً على الإطلاق، ولكن يسمى في بعض المقامات مسلماً، ويسمى في بعض المقامات فاسقاً، ويسمى في بعض المقامات مؤمناً، كالفاسق في مقام العتق فإنه يدخل في قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء:92]. ......

أهل الإيمان المطلق هم أهل الولاية المطلقة
وإذا كان مرتكب الكبيرة لا يسمى ولياً بإطلاق، لم يلزم من هذا نفي مقام الولاية عنه من كل وجه، وفي سائر الموارد، فتكون النتيجة أن مسألة الولاية تبع لمسألة الإيمان، فمن سمي مؤمناً على الإطلاق -وهم السابقون بالخيرات- فهم أولياء على الإطلاق في أي في عامة مقاماتهم وأحوالهم. فتقول مثلاً: إن أبا بكر مؤمن وإنه ولي من أولياء الله، سواء كان هذا في مقام الأحكام، أو في مقام الثناء، أو في أي مقام من المقامات، لأن حاله رضي الله تعالى عنه كانت كذلك، أي أنه من السابقين للخيرات، ومثل ذلك إذا قلت عن عمر أو عثمان أو علي ونحوهم من الصحابة، وأعيان الأئمة.

أهل الكبائر لهم قدر من الولاية بحسب إيمانهم
وأما الآحاد من المسلمين فضلاً عن أهل الكبائر المظهرين لكبائرهم، فإنهم لا يسمون مؤمنين في سائر المقامات، ولا سيما المقامات التي لم يصوب عليه الصلاة والسلام التسمية فيها كمقام الشهادة والتزكية، وذلك لأنه يقع فيهم من الظلم لأنفسهم، أو الظلم لغيرهم، سواء وصل هذا إلى منزلة الفسق أو لم يصل، وليس من سمي ولياً في مقام يلزم أن يسمى ولياً في سائر المقامات. وعليه فإن الفساق وهم من أهل الملة أهل الكبائر، معهم من الولاية بقدر ما يثبت لهم من الإيمان، فمقام الولاية يزيد وينقص كما أن مقام الإيمان يزيد وينقص، ومنه ما هو مطلق ومنه ما هو مقيد.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
والإيمان, قوله

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:27 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir