دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الطحاوية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 03:07 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي قوله: (ولا نجادل في القرآن....)

ولا نُجَادِلُ في القرآنِ، وَنَشْهَدُ أَنَّهُ كلامُ رَبِّ العَالَمِينَ.
نَزَلَ بهِ الرُّوحُ الأَمِينُ، فَعَلَّمَهُ سَيِّدَ المُرْسَلِينَ مُحَمَّدًا صلى اللهُ عليهِ وَعَلى آلِهِ وَسَلَّمَ.
وهو كَلاَمُ اللهِ تَعَالى لا يُسَاوِيهِ شَيْءٌ من كلامِ المخلوقينَ.
ولا نقولُ بِخَلْقِهِ، ولا نُخَالِفُ جَمَاعَةَ المسلمينَ.

  #2  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 05:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات على الطحاوية لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

[لا يوجد تعليق للشيخ]

  #3  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 05:23 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات المختصرة للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

(1) ولا نُجَادِلُ في القرآنِ، وَنَشْهَدُ أَنَّهُ كلامُ رَبِّ العَالَمِينَ.
(2) نَزَلَ بهِ الرُّوحُ الأَمِينُ، فَعَلَّمَهُ سَيِّدَ المُرْسَلِينَ مُحَمَّدًا صلى اللهُ عليهِ وَعَلى آلِهِ وَسَلَّمَ.
(3) وهو كَلاَمُ اللهِ تَعَالى لا يُسَاوِيهِ شَيْءٌ من كلامِ المخلوقينَ.
(4) ولا نقولُ بِخَلْقِهِ، ولا نُخَالِفُ جَمَاعَةَ المسلمينَ.




(1) قولُهُ: (لا نُجَادِلُ في القرآنِ) يَشْمَلُ عَدَمَ القولِ بأَنَّهُ لَيْسَ مِن عندِ اللَّهِ، كما يقولُهُ الكُفَّارُ، ويقولونَ: هو مِن عندِ محمدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وكذلكَ الجدالُ في تفسيرِ معاني القرآنِ، فلا نُفَسِّرُ القرآنَ من عندِ أنفسِنَا، فالقرآنُ لا يُفَسَّرُ إِلاَّ بما جاءَ في كتابِ اللَّهِ أو ما جاءَ في سُنَّةِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو ما قَالَهُ الصحابةُ أو ما قالَهُ التابعونَ، أو ما اقْتَضَتْهُ اللغةُ العربيَّةُ التي نَزَلَ بها.

فلا نقولُ فيه بعقولِنَا القاصرةِ، إِنَّمَا يُفَسِّرُهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الذي نَزَّلَهُ، أو النبيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ الذي وُكِّلَ إليهِ بيانُهُ، أو الصحابةُ الذين تَتَلْمَذُوا على المُصْطَفَى عليهِ الصلاةُ والسلامُ، أو التابعونَ الذين رَوَوْا عن تلاميذِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو باللغةِ التي نَزَلَ بها؛ لِأَنَّهُ نَزَلَ بلسانٍ عربيٍّ مُبِينٍ. أَمَّا تَفْسِيرُهُ بما يَقُولُهُ الطَّبِيبُ الفُلاَنِيُّ أو المُفَكِّرُ الفُلاَنِيُّ أو الفَلَكِيُّ الفُلاَنِيُّ، فالنظرياتُ تَخْتَلِفُ، فاليومَ نظريةٌ وغدًا نَظَرِيَّةٌ تُبْطِلُهَا؛ لأنَّهَا من عَمَلِ البشرِ، فلا يُفَسَّرُ كلامُ اللَّهِ بهذهِ الأشياءِ التي تَتَبَدَّلُ وتَتَغَيَّرُ كَمَا يَفْعَلُهُ الجُهَّالُ اليومَ, ويقولونَ: هذا مِن الإعجازِ العلميِّ.

وقولُهُ: (وَنَشْهَدُ أَنَّهُ كَلاَمُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) نَشْهَدُ أنَّ القرآنَ كلامُ اللَّهِ تَكَلَّمَ اللَّهُ بهِ حقيقةً، وسَمِعَهُ جبريلُ من اللَّهِ، وبَلَّغَهُ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وبَلَّغَهُ محمدٌ عليهِ الصلاةُ والسلامُ إلى أُمَّتِهِ، وبَلَّغَتْهُ أُمَّتُهُ, كُلُّ جِيلٍ إلى الجِيلِ الذي بَعْدَهُ، نحنُ نَكْتُبُهُ ونَقْرَؤُهُ ونَحْفَظُهُ، وهو بذلكَ كلامُ اللَّهِ ما هو بِكَلاَمِنَا، ولا كلامِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا كلامِ جبريلَ عليهِ السلامُ.


(2) الروحُ الأمينُ هو جبريلُ، وسُمِّيَ بهذا لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ لا يُغَيِّرُ ولا يُبَدِّلُ؛ مُؤْتَمَنٌ على ما حَمَّلَهُ اللَّهُ، لا يُتَّهَمُ بالخيانةِ كما تَقُولُهُ اليَهُودُ يقولونَ: جبريلُ عَدُوُّنَا. أو كَمَا يَقُولُهُ غُلاَةُ الشِّيعَةِ: إِنَّ الرِّسَالَةَ لِعَلِيٍّ, وَلَكِنَّ جبريلَ خَانَ وَبَلَّغَهَا إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فهذا تَكْذِيبٌ للهِ؛ لأَنَّ اللَّهَ سَمَّاهُ أَمِينًا.

فأَنْزَلَ اللَّهُ في اليهودِ: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} (البَقَرَة: 97)، ثم قَالَ: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} (البقرة: 98).

مَن عَادَى جِبْرِيلَ، أو مَلَكًا من المَلاَئِكَةِ، فإنَّ اللَّهَ عَدُوُّهُ وكذا مَن عَادَى رَسُولًا من الرُّسُلِ، فهو كافِرٌ، وَمَن عَادَى وَلِيًّا من أولياءِ اللَّهِ فإِنَّهُ مُبَارِزٌ اللهَ بالمُحَارَبَةِ، كما صَحَّ في الحديثِ، فجبريلُ عَلَّمَهُ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تَعَالَى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} (النَّجْم: 5) وضميرُ المفعولِ في (عَلَّمَهُ) راجعٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشديدُ القُوَى: جبريلُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ، فَعَلَّمَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِ اللَّهِ.

(3) هو كلامُ اللَّهِ، تَكَلَّمَ بهِ سُبْحَانَهُ حقيقةً، وسَمِعَهُ جبريلُ مِن اللَّهِ حقيقةً، وبَلَّغَهُ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, مِن غيرِ زيادةٍ, ولا نُقْصانٍ {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} (فُصِّلَت: 42)، {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا إِذًا لاَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} (الإِسْرَاء: 73 – 75) فالرسولُ يُبَلِّغُ القُرْآنَ، لا يَنْقُصُ ولا يَزِيدُ ولا يُبَدِّلُ {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لاَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} (الْحَاقَّة: 44 – 46).
وهو كلامُ اللَّهِ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كما نَزَّلَ، فاللَّهُ حَفِظَهُ من الزيادةِ والنقصِ: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9).


(4) لا نقولُ: القرآنُ مَخْلُوقٌ، كما تقولُ الجهميَّة،ُ فهذا كُفْرٌ وجحودٌ لكلامِ اللَّهِ، ووَصْفٌ للهِ بالنَّقْصِ وأَنَّهُ لا يَتَكَلَّمُ، والذي لا يَتَكَلَّمُ يكونُ ناقِصًا ولا يكونُ إِلَهًا.
ولهذا لَمَّا قَالَ قومُ السَّامِرِيِّ: هذا إِلَهُكُمْ وإِلَهُ مُوسَى، يَعْنُونَ العِجْلَ أو التمثالَ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ: {أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا} (طه: 89) فَقَالَ: {أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} أي: لا يَتَكَلَّمُ، فَدَلَّ على بُطْلاَنِ عِبَادَتِهِم لهُ.
وفي الآيةِ الأُخْرَى: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا} (الأَعْرَاف: 148) والكلامُ صفةُ كمالٍ، وعدمُ الكلامِ صفةُ نقصٍ، فاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنَزَّهٌ عن صفاتِ النقصِ، ومُتَّصِفٌ بصفاتِ الكمالِ.
(ولا نُخَالِفُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ) فجماعةُ المسلمينَ يُؤْمِنُونَ بأَنَّهُ مُنَزَّلٌ حقيقةً غيرُ مَخْلُوقٍ، منهُ بَدَأَ وإليهِ يعودُ، هذه عقيدةُ المسلمينَ في القرآنِ.
وكذلكَ لا نُخَالِفُ جماعةَ المسلمينَ في كُلِّ ما اجْتَمَعُوا عليهِ من أمورِ الدينِ. قَالَ تَعَالَى: { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.
(مِنَ اللَّهِ بَدَأَ) ولَيْسَ كما يقولُ بعضُ الضُلاَّلُ: إنَّ جبريلَ أَخَذَهُ من اللَّوْحِ المحفوظِ، بلْ سَمِعَهُ من اللَّهِ مباشرةً، (وإليهِ يعودُ) أي: في آخرِ الزمانِ، يُرْفَعُ القرآنُ إلى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وهذا من علاماتِ الساعةِ، فَيُنْزَعُ القرآنُ من المصاحفِ وصدورِ الرجالِ، فلا يَبْقَى في الأَرْضِ.


  #4  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 09:14 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي


قوله: (ولا نجادل في القرآن، ونشهد أنه كلام رب العالمين، نزل به الروح الأمين، فعلمه سيد المرسلين محمداً صلى الله عليه وسلم. وهو كلام الله تعالى، لا يساويه شيء من كلام المخلوقين، ولا نقول بخلقه، ولا نخالف جماعة المسلمين).

ش: فقوله ولا نجادل في القرآن، يحتمل أنه أراد: أنا لا نقول فيه كما قال أهل الزيغ واختلفوا، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق، بل نقول: إنه كلام رب العالمين، نزل به الروح الأمين، إلى آخر كلامه. ويحتمل أنه أراد: أنا لا نجادل في القراءة الثابتة، بل نقرؤه بكل ما ثبت وصح. وكل من المعنيين حق. [و] يشهد بصحة المعنى الثاني، ما روي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، أنه قال: سمعت رجلاً قرأ آية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها، فأخذت بيده، فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فعرفت في وجهه الكراهة، وقال: كلاكما محسن، لا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا رواه مسلم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاختلاف الذي فيه جحد كل واحد من المختلفين ما مع صاحبه من الحق، لأن كلا القارئين كان محسناً فيما قرأه، وعلل ذلك بأن من كان قبلنا اختلفوا فهلكوا. ولهذا قال حذيفة رضي الله عنه، لعثمان رضي الله عنه: أدرك هذه الأمة لا تختلف كما اختلفت الأمم قبلهم. فجمع الناس على حرف واحد اجتماعاً سائغاً. وهم معصومون أن يجتمعوا على ضلالة، ولم يكن في ذلك ترك لواجب، ولا فعل لمحظور، إذ كانت قراءة القرآن على سبعة أحرف جائزة لا واجبة، رخصة من الله تعالى، وقد جعل الإختيار إليهم في أي حرف اختاروه. كما أن ترتيب السور لم يكن واجباً عليهم منصوصاً. ولهذا كان ترتيب مصحف عبد الله على غير ترتيب المصحف العثماني، وكذلك مصحف غيره. وأما ترتيب آيات السور فهو ترتيب منصوص عليه، فلم يكن لهم أن يقدموا آية على آية، بخلاف السور.
فلما رأى الصحابة أن الأمة تفترق وتختلف وتتقاتل إن لم تجتمع على حرف واحد - جمعهم الصحابة عليه. هذا قول جمهور السلف من العلماء والقراء. قاله ابن جرير وغيره: منهم من يقول: إن الترخص في الأحرف السبعة كان في أول الإسلام، لما في المحافظة على حرف واحد من المشقة عليهم أولاً، فلما تذللت ألسنتهم بالقراءة، وكان اتفاقهم على حرف واحد يسيراً عليهم، وهو أوفق لهم -: أجمعوا على الحرف الذي كان في العرضة الأخيرة. وذهب طوائف من الفقهاء وأهل الكلام إلى أن المصحف يشتمل على الأحرف السبعة لأنه لا يجوز أن يهمل شيء من الأحرف السبعة. وقد اتفقوا على نقل المصحف العثماني. وترك ما سواه. وقد تقدمت الإشارة إلى الجواب، وهو: أن ذلك كان جائزاً لا واجباً، أو أنه صار منسوخاً. وأما من قال عن ابن مسعود إنه كان يجوز القراءة بالمعنى ! فقد كذب عليه، وإنما قال: قد نظرت إلى القرأة فرأيت قراءتهم متقاربة، وإنما هو كقول أحدكم: هلم، وأقبل، وتعال، فاقرؤوا كما علمتم. أو كما قال. والله تعالى قد أمرنا أن لا نجادل أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم، فكيف بمناظرة أهل القبلة ؟ فإن أهل القبلة من حيث الجملة خير من أهل الكتاب، فلا يجوز أن يناظر من لم يظلم منهم إلا بالتي هي أحسن، وليس إذا أخطأ يقال: إنه كافر، قبل أن تقام عليه الحجة التي حكم الرسول بكفر من تركها. والله تعالى قد عفا لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان. ولهذا ذم السلف أهل الأهواء، وذكر[وا] أن آخر أمرهم السيف. وسيأتي لهذا المعنى زيادة بيان، إن شاء الله تعالى، عند قول الشيخ: ونرى الجماعة حقاً وصواباً، والفرقة زيغاً وعذاباً.
وقوله: ونشهد أنه كلام رب العالمين، قد تقدم الكلام على هذا المعنى عند قوله: وإن القرآن كلام الله منه بدا بلا كيفية قولاً.
وقوله: نزل به الروح الأمين، هو جبرائيل عليه السلام، سمي روحاً لأنه حامل الوحي الذي به حياة القلوب إلى الرسل من البشر صلوات الله عليهم أجمعين، وهو أمين حق أمين، صلوات الله عليه. قال تعالى: نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين. وقال تعالى: إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين. وهذا وصف جبرائيل. بخلاف قوله تعالى: إنه لقول رسول كريم * وما هو بقول شاعر، الآيات. فإن الرسول هنا هو محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله: فعلمه سيد المرسلين، تصريح بتعليم جبرائيل إياه، إبطالاً لتوهم القرامطة وغيرهم أنه تصوره في نفسه إلهاماً.
وقوله: ولا نقول بخلقه، ولا نخالف جماعة المسلمين، تنبيه على أن من قال بخلق القرآن فقد خالف جماعة المسلمين، فإن سلف الأمة كلهم متفقون على أنه كلام الله بالحقيقة غيرمخلوق، بل قوله: ولا نخالف جماعة المسلمين، مجرى على إطلاقه. أنا لا نخالف جماعة المسلمين في جميع ما اتفقوا عليه فإن خلافهم زيغ وضلال وبدعة.

  #5  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 12:36 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لمعالي الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)


القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال العلامة الطحاوي رحمه الله تعالى: [ولا نخوض في الله, ولا نماري في دين الله, ولا نجادل في القرآن, ونشهد أنه كلام رب العالمين, نزل به الروح الأمين, فعلمه سيد المرسلين محمداً r,وهو كلام الله تعالى, لا يساويه شيء من كلام المخلوقين, ولا نقول بخلقه, ولا نخالف جماعة المسلمين].

الشيخ: أحسنت, الحمد لله رب العالمين, وبعد: فهذه الجملة من هذه العقيدة التي ألفها العلامة أبو جعفر الطحاوي –رحمه الله تعالى- قال فيها: [ولا نجادل في القرآن, ونشهد أنه كلام رب العالمين, نزل به الروح الأمين, فعلمه سيد المرسلين محمداً r, وهو كلام الله تعالى, لا يساويه شيء من كلام المخلوقين, ولا نقول بخلقه, ولا نخالف جماعة المسلمين]. وهذه الجملة مشتملة على عقيدة مباركة عظيمة في القرآن، والقرآن الإيمان به فرض, وركن الإيمان؛ لأن من أركان الإيمان؛ الإيمان بكتب الله المنزلة, وأعظمها الكتاب الذي جعله الله مهيمناً على كل كتاب, وهو هذا القرآن العظيم، فالإيمان به ركن الإيمان, والإيمان به عند أهل السنة والجماعة يشمل الإيمان بأنه كلام الله تعالى, وأنه منزل من رب العالمين، وأن محمداً عليه الصلاة والسلام عُلِّمه، عَلَّمه إياه جبريل، وجبريل سمعه من رب العالمين, جل جلاله, وتقدست أسماؤه, وأن هذا القرآن لا يشبهه شيء من كلام المخلوقين, لا يماثله, ولا يدانيه, وأنه غير مخلوق؛ لأنه صفة الله جل جلاله، وصفات الله -I- كذاته العلية, فهو سبحانه الخالق جل وعلا, وغيره مخلوق، وهذا التقرير من العلامة الطحاوي مأخوذ من النصوص الكثيرةفي الكتاب والسنة التي تدل على هذه الأصول, كقوله جل وعلا: {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين}. وكقوله جل وعلا:] قل نزله روح القدس من ربك بالحق [ وكقوله سبحانه ] وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين [ وكقوله جل وعلا ] وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه [ وغير ذلك من الآيات التي فيها أن القرآن كلام الله،وأنه منزل من عنده, وأن جبريل -u- هو الذي نزل به على قلب محمد عليه الصلاة والسلام, والمجادلة في القرآن دلت السنة على أنها مذمومة ومحرمة، وذلك كما روى مسلم في الصحيح, أن النبي - عليه الصلاة والسلام- خرج عليهم يوماً, وهم يتجادلون في القرآن, هذا ينزع بآية, وهذا ينزع بآية, فكأنما فقيء في وجهه حب الرمان, يعني: من الغضب عليه الصلاة والسلام, فقال لهم: ((اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا…)) أو كما جاء عنه عليهالصلاة والسلام. وقد جاء أيضاً أن النبي - عليهالصلاة والسلام- نهى أن يجهر بعض الناس على بعض في القراءة؛ وذلك لأجل التأدب مع القرآن, وألا تكون القراءة سبباً للتخاصم, أو للمجادلات, يعني: بسبب القرآن أو في القرآن، والمراء مذموم مطلقاً, سواء أكان بحق, أو بغير حق, وهو المراد به نصرة النفس, والاستعلاء, ولو كان بالقرآن، فلا نجادل في القرآن, يعني: في أدلته, ولا نجادل في القرآن في صفته, بل نسلم للقرآن, أنه كلام الله جل وعلا, ونستسلم لدليل الرحمن جل وعلا, فالقرآن آيات الرب -I- فالتجادل بالاختلاف في القرآن المبني على الأهواء هذا ليس من صفة أهل الإيمان، وإنما كما سيأتي المجادلة تكون لبيان الحق, ولبيان وجه الدليل, وهذا هو المحمود, فالمجادلة في القرآن مذمومة, لهذا قال الطحاوي هنا:"ولا نجادل في القرآن, ونشهد أنه كلام رب العالمين". يعني: نعلن ونخبر مع اعتقادنا ويقيننا بأنه ليس كلام مخلوق, بل هو كلام رب العالمين, يعني: أنه كلام الله جل وعلا, والروح الأمين الذي هو جبريل نزل به, نزل به من رب العالمين, نزل به سماعاً, سمعه جبريل -u- من رب العالمين, وأمره الله جل وعلا أن ينزل به وحياً على سيد المرسلين, فعلَّمه سيد المرسلين محمداً r، ولا نقول بخلقه, ولا نخالف جماعة المسلمين, هذا منه تقرير لما أجمع عليه أهل السنة, وذلك خلافاً للمعتزلة, والعقلانيين, والخوارج, والرافضة الذين قالوا بخلق القرآن, كما سيأتي بيانه, إن شاء الله تعالى.
هذا الأصل الذي ذكره الطحاوي,وهذه العقيدة المباركة تحتها مسائل:

المسألة الأولى:
في المجادلة، المجادلة عُرِّفت: بأنها إيراد الحجة على القول المختلف فيه من المختلفين, فإذا اختلفوا في مسألة هذا يورد حجته تقريراً لقوله, وهذا يورد حجته تقريراً لقوله, فتصير مجادلة، وفي الشرعالمجادلة قسمان؛ مجادلة مذمومة: وهي التي يراد بها الانتصار للنفس, وللقول, دون تحر للحق, والأخرى..النوع الثاني: محمودة وهي مأمور بها في الشرع، وهي المجادلة بالتي هي أحسن, يعني التي الغرض منها الوصول إلى الحق وإرشاد الضال, وتبيين حجة الله جل وعلا، وهذه هي التي أثنى الله جل جلاله على عباده بها, وأمرهم بها في قوله:{وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} وكقوله -سبحانه- في سورة العنكبوت:] وَلاَ تُجَادِلُواْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [ ويشتبه بالمجادلة الجدل, والجدل قال بعض أهل العلم: إنه هو المجادلة؛ لأنه مأخوذ من الجدل جدل الحبل, وهو لف بعضه على بعض,كأن الأقوال التف بعضها على بعض من الإيراد, والأظهر أن الجدل نوع من الخصومة, لكن لم يمدح في القرآن, فذمه الله جل وعلا في قوله:] وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ[ وقال فيها, قال:] مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [.
ما ضربوه لك إلا جدلاً, يعني: في ذلك ذم لهذا.. لهذا الإيراد؛ لأنهم ما أرادوا مجادلة, ولا أرادوا دفعاً للشبهة,أو الوصول إلى الحق, وإنما هو جدل, وهنا ثم بعض البحوث التي كتبت في هذا الموضوع - خاصةً عند المعاصرين-باسم الجدل.. الجدل في القرآن, والجدل إذا كان يصل معه المتجادلون إلى حقيقة؛ فإنه في الحقيقة مجادلة:] قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُما [ فهي مجادلات في القرآن، وإذا كان المقصود بالجدل في القرآن المجادلات؛ فإن هذا مقبول, لكن تكون تسميته بالجدل هذه يكون فيها بحث اصطلاحي, وإذا كان المقصود بالجدل في القرآن مثلما كتبوا، الجدل في القرآن المقصود منه ما ضرب جدلاً لغير وصول إلى الحق, فهذا لا يدخل فيه المجادلات التي الوصول للحق؛ لأنهم يدخلون فيها ما أقام الله جل وعلا به الحجة, مثل مجادلة الملك مع إبراهيم -u- في قوله:] أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ [. هذه يدخلونها في الجدل فقوله هنا:"ولا نجادل في القرآن". المجادلة كما ذكرنا إذا كانت بالتي هي أحسن للوصول إلى الحق فهذه مطلوبة شرعاً, وأمر الله جل وعلا عباده, لكنهم يجادلون بالقرآن, لا فيه, يعني: يجادل غيره بحجة القرآن بالقرآن الكريم، وفرق ما بين المجادلة بالقرآن, وبين المجادلة في القرآن، فالمجادلة بالقرآن أن تورد الحجة من كتاب الله جل وعلا, وتورد وجه الاستدلال من ذلك، وأما المجادلة في القرآن فهو أن يختلف في دلالته, يختلف في حجيته, أو تضرب بعض الآيات ببعض, أو ألا يرد المتشابه إلى المحكم, أو أن يخاض في الأمور الغيبية بأمور عقلية ونحو ذلك.. ونحو ذلك, فالمجادلة بالقرآن محمودة بإقامة الحجة،وأما فيه؛ فإنها مذمومة.

المسألة الثانية:
الذين جادلوا في القرآن في هذه الأمة أمة الإجابة كثيرون, فكل طوائف الضلال ممن لم يستسلم لنص القرآن والسنة فإنه جادل في القرآن, وذلك أنهم أسسوا مذاهب لهم واعتقادات، فإذا جاءهم الدليل من القرآن على خلاف ما ألفوا, أو ما هووه؛ فإنهم يجادلون فيه، يعني: يردون حجة الله جل وعلا التي في القرآن, ويأتون بآية تضرب هذه الآية، والنبي r أتاهم, أتى بعض الصحابة وهم يتجادلون في القرآن, فغضب, كما ذكرنا لك, فالتأدب مع القرآن أنيكون الإيراد به, يعني: إيراد الدليل به, فإن اختلفت الأدلة وجب رد المتشابه إلى المحكم، فالقرآن حق كله, لا يناقض بعضه بعضاً، بل بعضه يدل على بعض، والقرآن محكم كله، جعله الله محكماً كما قال:] ألر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ[ وكما قال جل وعلا: ] يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [ حكيم يعني: المحكم في أحد أوجه تفسير القرآن الحكيم, وكذلك القرآن مع كونه محكماً فإنه أيضاً متشابه، متشابه كله, فالقرآن محكم كله, وأيضاً هو متشابه كله؛ لأن بعضه يشبه بعضاً، متشابه يعني: الشبه بعضه بعضاً، وذلك لقوله جل وعلا:] اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ [ يعني: يشبه بعضه بعضاً، هذه آية في صفات الله, وهذه آية في صفات الله، هذه آيات في تقرير التوحيد توحيد الربوبية، توحيد الألوهية, وهذه آيات من مثلها, وهذه آيات في الحجاج مع المشركين، وهذه آيات في الحجاج مع المشركين، هذه آيات في قصص الأنبياء، وهذه آيات في قصص الأنبياء, ونحو ذلك من المعاني, فهو متشابه, موضوعاته متشابهة مع اختلاف الآيات في ذلك.

والقسم الثالث: أن القرآن محكم بعضه يعني بعض آياته محكمة ومنه ما هو متشابه وهذا هو المعني في قوله سبحانه في أول سورة آل عمران:] هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ [ لاحظ قوله:{منه آيات محكمات} يعني: أن بعضاً منه آيات محكمات:] هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ [ أم الكتاب يعني: يرجع إليها في تفسير الكتاب ] وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [ وقوله:{وأخر} يدل على قلة المتشابه بالنسبةإلى المحكم، فإذن أقسام القرآن ثلاثة: محكم كله,متشابه كله, والثالثمنه ما هو محكم, ومنه ما هو متشابه, وكلٌّ من هذه الأقسام دلت عليه آية أو آيات من القرآن العظيم, المحكم والمتشابه الذي هو الأخير عُرف المحكم بأنه: ما اتضحت دلالته, وهو يختلف عن المبين عند الأصوليين, يعني: المجمل والمبين؛ لأن ذاك من عوارض الألفاظ, يعني: ما اتضحت دلالة لفظه، وهذا ما اتضحت دلالة الآية في معناه.

والثاني: المتشابه, وهو: ما اشتبهت دلالته، والمتشابه للعلماء في تفسيره وبيان نوعه أقوال كثيرة, لكن المحقق عند أهل السنة والجماعة أن المتشابه في القرآن إنما هو متشابه على من نُزِّل عليه، متشابه على بعض هذه الأمة, أما المتشابه الكلي بحيث إنه يوجد في القرآن ما لا يعلم معناه, ولا يعلم تأويله مطلقاً لكل الأمة, فإن هذا ممتنع؛ لأن القرآن جاء بلسان عربي مبين, وما ورد عن ابن عباس –رضي الله عنهما- فيما ساق ابن كثير وغيره في أن من القرآن ما لا يعلم تأويله إلا الله, ويعني: لا أحد يعلم تأويله, فيريد به نوعاً من التأويل والتفسير, فالمتشابه متشابه نسبي، المتشابه الكلي آية, لا أحد يعلم معناها, لا النبي r ولا صحابته, ولا العلماء إلى وقتنا الحاضر, هذا ممتنع, حتى الأحرف المقطعة؛فإن دلالتها علمها بعض هذه الأمة, وأما المشتبه النسبي اشتبه على.. اشتبه على من عظم وأجل على بعض الصحابة,فهذا موجود، أبوبكر -t- سأل عن الأب, ما الأب؟ ثم قال: أي سماءٍ تظلني, وأي أرض تقلني, إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم, عمر -t- سأل الصحابة عن بعض الآيات, وابن عباس خفي عليه بعض الآيات, فسأل عنها, وهكذا فالمتشابه النسبي الذي يشتبه معناه تشتبه دلالته, إما لعدم معرفة معنى اللفظ, أو لمعارضة آية لها أخرى تحتاج إلى تأمل, فإن هذا يكون نسبياً, مثل ما سُئِلَ ابن عباس أن الله جل وعلا أخبر إنه في يوم القيامة أن الناس يوقفون فيسألون:{وقفوهم إنهم مسؤولون}. وفي آيات أخر أخبر الله جل وعلا أنهم لا ينطقون, ولا يُسألون, ونحو ذلك، فكيف يجمع بينهما, هذا.. هذا متشابه, يعني: آيات يشتبه معناها, فيجب ردها إلى المحكم, هذا النوع الثالث المحكم, والمتشابه هو الذي تكون فيه المجادلة التي نهى عنها الطحاوي هنا, ونهى عنها أئمة أهل السنة جميعاً، المجادلة في القرآن,لهذا أثنى الله على الراسخين في العلم, بأنهم يردون المتشابه إلى المحكم، ويقولون: آمنا به، ما علمت أنا معنى آية، ما علمت معنى سورة معنى آية, ما علمت وجهها, ما علمت كيف تجيب عن الإشكال الوارد عليها، فنقول: آمنا به كلٌ من عند ربنا, ونعلم أن كلام الله جل وعلا محكم, وذلك كما قال سبحانه:] أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً [ لكن الله ابتلى الأمة بوجود المتشابه؛لينظر كيف تسلم وتستسلم لكتاب الله جل وعلا.

فالمقصود من ذلك أن أصل الضلال في الفرق وجد من المجادلة في القرآن, والمجادلة في القرآن بأنهم اعتمدوا المتشابه, ولم يرجعوا المتشابه إلى المحكم، فالخوارج إنما خرجت بالمجادلة في القرآن, جادلوا في القرآن,فجاءهم ابن عباس -t- فجادلهم بالقرآن, فقالوا: كيف يُحكم علي الرجال والله جل وعلا يقول:{فالحكم لله العلي الكبير} فقال ابن عباس لهم: إن الله جل وعلا سمى بعض الرجال حكماً, فقال:] وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا [ وحاجهم في ذلك, حتى رجع معه ثلث أو أكثر من الخوارج, المرجئة القدرية المعتزلة كلهم لم يعتمدوا القرآن كله, وإنما جادلوا فيه، فيدخلون في عموم قوله:] وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ الْحَقَّ [.

المسألة الثالثة:
قال "ونشهد أنه كلام رب العالمين" إلى قوله:"لا يساويه شيء من كلام المخلوقين". هذا فيه تقرير لعقيدة أهل السنة بأن القرآن كلام الله، قد مر معنا تفصيل الكلام على هذه الجملة من جهة كون القرآن كلاماً لله, تفاصيل الأقوال في ذلك وأهل السنة يعتقدون أن القرآن حروف, وكلمات, وجمل, وآيات, وسور, وأنه ألفاظ ومعاني، وأن هذه جميعاً من الله جل وعلا, فالقرآن كلام الله جل وعلا, بحروفه ومعانيه تكلم به الحق جل جلاله, فسمعه منه جبريل -u- فبلغه لنبيه عليه الصلاة والسلام كما سمع, والقرآن الذي بلغه جبريل محمداً عليه الصلاة والسلام هو القرآن المسموع, كلام الله المسموع, وليس كلام الله المكتوب؛ لأن القرآن كتبه الله جل وعلا في اللوح المحفوظ جميعا, كتبه القرآن جميعه في اللوح المحفوظ, كما قال سبحانه:] فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ [{إنه لقرآن كريم} يعني: جميع القرآن كريم, هو أعلى وأفضل وأميز الكلام؛ لأن الكريم من الأشياء هو المتميز على غيره الفاضل الأفضل قال:] فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ [ يعني: في اللوح المحفوظ ] لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ [ الذين هم الملائكة, وكذلك قوله جل وعلا في آية الحاقة، فالقرآن المكتوب في اللوح المحفوظ جبريل لم يأخذه مكتوباً, وإنما أخذه مسموعاً, فهذا اعتقاد أهل السنة والجماعة فقوله هنا:"نشهد أنه كلام رب العالمين". يعني: بحروفه وكلماته, وآياته, وسوره هو كلام الله جل وعلا، سمعه جبريل فنزل به, نزل.. نزل به مسموعاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام.
غير أهل السنة لهم في ذلك أقوال كثيرة, يأتي ذكر تعداد لها عند قوله: ولا نقول بخلقه.

المسألة الرابعة:
قوله ] نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ [ الروح الأمين هو جبريل -u- سمي روحاً لفضله وتميزه عن الملائكة, ولأنه ينزل بالروح من أمر الله جل وعلا, وهو الوحي، وكان أميناً, أنه يعني: صار أو سمي الأمين, أو نعته الله بالأمين في قوله:{نزل به الروح الأمين على قلبك}. لأنه مؤتمن على أعظم ما يؤتمن عليه, وهو كلام الله جل وعلا, ووحيه في سماواته.

المسألة الخامسة:
قوله:"لا يساويه شيء من كلام المخلوقين". كلمة لا يساويه هنا يعني: لا يكون مساوياً له, أي: كلام لمخلوق, وهذا للدلالة على إعجاز القرآن, ولهذا أكد بعد قوله "كلام رب العالمين". قال: "وهو كلام الله تعالى, لا يساويه شيء من كلام المخلوقين". وإعجاز القرآن يعني: وجه كون القرآن معجزاً للجن والإنس, أن يأتوا بمثله من إنزال القرآن إلى قيام الساعة ما وجه كون ذلك كيف صار القرآن معجزاً؟! ذكرنا لكم هذا بالتفصيل في درس مستقل, وبيانه هو ما ذكره الطحاوي هنا محققاً, بأنه كلام الله تعالى, لا يشبه قول البشر, وهذا معنى قوله:"لا يساويه شيء من كلام المخلوقين". يعني: لا يشابهه, لا يدانيه, لا يكون مساوياً له؛ لأنه معجز,ولأنه لماذا صار معجزاً؟ لأنه كلام الله، هذا هو المراد بقوله:"لا يساويه شيء من كلام المخلوقين". وإلا فلو كان المراد التقرير الابتدائي فليس مناسباً أن يقال: إن كلام الله لا يساويه شيء من كلام المخلوقين ابتداءً؛ لأن هذا فيه نوع ترك للأدب الواجب مع القرآن, ولقد قال الشاعر:

ألم تر أن السيف ينقص قدرُه إذا قيل إن السيف أمضى من العصا

لكن هو لم يُرد هذا المعنى, إنما أراد دليل الإعجاز أن القرآن لا يشبه قول البشر، لا يساويه, ولا يماثله شيء من كلام المخلوقين لِمَ؟! لأنه كلام الله تعالى.

المسألة السادسة:
قال في آخر هذه الجملة:"ولا نقول بخلقه ولا نخالف جماعة المسلمين". في قوله:"ولا نقول بخلقه" بخصوصها يعني: أن معتقد الصحابة –رضوان الله عليهم- ومعتقد التابعين, وتابع التابعين, وأئمة الإسلام, وأئمة أهل السنة والجماعة, ومعتقد عامة المنتسبين إلى الإسلام أن القرآن كلام الله, منزل غير مخلوق, منه بدأ وإليه يعود -I- وأن القول بخلقه ضلال, وخروج عن جماعة المسلمين, يعني: عما اجتمع عليه المسلمون, من زمن الصحابة إلى زمن المؤلف, بل إلى زمننا الحاضر، والقول بخلق القرآن هذه عقيدة فُتن بها كثيرون, لكنهم شواذ, وقلة بالنسبة لعموم الأمة,وأول ما نشأ القول بخلق القرآن من جهة الجعد بن درهم, ثم الجهم بن صفوان, ثم أخذه المعتزلة, فنصروه, واستدلوا له, القول بخلق القرآن الكلام عليه يطول جداً, ومما يؤسف له ويجب جهاده, أيضاً أن بعض الضُلاّل والمفتونين بدؤوا ينشرون لهذه الفكرة عن طريق بعض وسائل الإعلام, والقنوات والمناقشة فيها، القول بخلق كما نشرته بعض الإذاعات فيما ذكر لي في مناظرات تتصل بذلك, وجعل الناس يعني: العامة, يتكلمون في هذه المسألة, وهي فتنة مشابهة للفتنة الأولى من حيث الابتداء, فنسأل الله جل وعلا أن يكبت شر من يريد صرف الأمة عن حسن الاعتقاد وإضلال عامة المسلمين، من قال بخلق القرآن طوائف في هذه الأمة منهم: الجهمية, والمعتزلة, والخوارج, والرافضة، والخوارج اليوم يوجد منهم طائفة الإباضية, وهم من أخف فرق الخوارج قولاً واعتقادات, ويوجدون في أكثر من مكان في العالم الإسلامي في الجزيرة, وفي ليبيا, وفي الجزائر, وفي أنحاء أُخر, ولهم كتب كثيرةٌ مصنفة في العقيدة وفي الفقه,
يعني: تبلغ عشرات المجلدات, أو أكثر هم الذين ينصرون اليوم القول بخلق القرآن في مؤلفاتهم, ومنهم اليوم: الرافضة, وعقيدتهم أيضاً في القرآن بأنه مخلوق، وكذلك الزيدية يعتقدون هذا الاعتقاد، ومن العجب أن بعض المنتسبين للسنة من أئمة الحديث أو ممن حاربوا التقليد ونصروا الدليل؛ لأجل ما راج في بلده, اشتبهت عليه هذه المسألة، وهو العلامة الشوكاني –رحمه الله تعالى- فإنها اشتبهت عليه مسألة خلق القرآن؛ لأجل ما شاع في بلده, وذهب فيها إلى الوقف, ذكر ذلك في تفسيره، فهذه الطوائف؛ المعتزلة, والعقلانيون,أيضاً في عصرنا الحاضر جماعة من العقلانيين من [المنتسبين إلى الإسلام يعني من المسلمين وممن يدعون غير ذلك أيضاً هم ينصرون مذهب المعتزلة في خلق القرآن فإذن مسألة خلق][1] القرآن كغيرها من مسائل الاعتقاد, لا يقال: ذهبت, بل هي باقية, فطالب العلم يتعلم أدلة ذلك حتى يجادل بالقرآن, من قال بخلقه والعياذ بالله، وهذه مسائل تحتاج إلى إيضاح طويل، وتفصيل الكلام على الأدلة والخلاف في ذلك مما له موضع آخر إن شاء الله تعالى.

المسألة السابعة:
شبهة من قال بخلق القرآن, وهم الطوائف الذين ذكرتهم لك, قالوا: إن القرآن حروف, وكلمات, وصوت, فإذا قيل: إنه كلام الله جل وعلا الذي هو صفته صار الله جل وعلا محلاً لما هو من صفة الأجسام والتقطع في الكلام؛ لأن القرآن حروف متقطعة, يعني: حروف تكونت منها الجمل, تكونت منها الآيات, فنظروا إلى هذا, قال: هذا التقطع إنما هو من صفات من له نفس, من يخرج الحرف ثم يتنفس ثم يقول كذا ونحو ذلك, وهذه من صفات المخلوقين, ولهذا جعلوه مخلوقاً، ولهم في تباين صفات الخلق, أو كيف خلقه, وفي أي شيء خلقه؟! لهم أقوال كثيرة، وهذه الشبهة والإيراد مبني أيضاً على اعتقاد لهم, وهو أنا أظني ذكرته لكم قبل ذلك, وهو أن حدوث الأجسام إنما كان بدليل الأعراض, يعني: حلول العرض في الجسم، تبين به حاجة الجسم وافتقار الجسم إلى العرض, والعرض يطرأ ويزول, فلهذا صار الجسم حادثاً, مما هو معروف, وقد فصلته لكم فيما قبل, فيما يسمى بدليل الأعراض, وهذا دليل يعتمده المعتزلة, وأخذه عنهم, كتأصيل الأشاعرة والماتريدية وجماعة. والقرآن إن قيل:إنه صفة الله جل وعلا, صار عندهم أن القرآن يكون في حال ولا يكون في حال؛ لأن القرآن تكلم الله جل وعلا به, ليس دفعة واحدة, وإنما بحسب الوقائع,فقالوا: هذا يمتنع معه إلا أن يكون مخلوقاً، والأشاعرة والماتريدية لما سلموا بأصل البرهان عارضوا ذلك ظاهراً, عارضوا قول المعتزلة ظاهراً, وسلموه باطناً، فقالوا:القرآن قرآنان، قرآن قديم, وهو الذي تكلم الله جل وعلا به, وقرآن أُنزل على محمد عليه الصلاة والسلام, فالقرآن القديم الذي هو صفة الله جل وعلا, هذا تكلم الرب جل وعلا به دفعةً واحدة, والقرآن الذي أُنزل على محمد عليه الصلاة والسلام هذا جُعل في روع جبريل, ذلك القرآن جعل في رُوعه, يعني: في نفسه بدون أن يسمع, فنزل به على نبينا عليه الصلاة والسلام، وهذا منهم لأجل ألا يبطلوا دليل الساعة, واستدلوا على ذلك المعتزلة بأدلة كثيرة, ليس هذا محل بيانها, موجودة في كتبهم, المقصود أن القول بخلق القرآن مبني على شبهة, ولأجل هذه الشبهة ولأجل إبطالها فإن أئمة أهل الإسلام كفَّروا في خلق القرآن, بالنوع ولم يكفروا كل أحد قال بخلق القرآن حتى تقوم عليه الحجة؛ لأجل الاشتباه في الدليل فإذن نقول: من قال بخلق القرآن فهو كافر, لكن إذا جاء المعين لابد من إيضاح الحجة له, والرد على شبهته, وبيان ذلك؛ لأن هذه الفتنة عظيمة, كذلك من توقف في ذلك ولم يستبن له الأمر, أو من أجاب في الفتنة, فتنة خلق القرآن؛ فإن أئمة أهل السنة والجماعة لم يكفروا أحداً في ذلك, ولم أيضا يمتنعوا عن الرواية, ممن توقف في المسألة, أو أجاب لأجل الافتتان,وهذا أصل عظيم مهم في هذا الأصل, يعني: في مسألة خلق القرآن, فإذن معتقد أهل السنة والجماعة أن القول بخلق القرآن من أبطل الباطل, وأن القول بخلق القرآن كفر؛ لأن معنى القول بأن صفة الله مخلوقة والقرآن صفة الله كلام الله، فالقول بأن صفة الله مخلوقة هذا تنقص عظيم للرب جل وعلا, وتنقص الرب جل وعلا كفر بالله -I- وهو أعظم من الاستهزاء المجرد؛ لأن هذا قول بالتنقص, ومسبة لله جل وعلا, لكن ثم اشتباه وشبهة الوضع معها ما ذكرته لك آنفاً. أما الأشاعرة والماتريدية ومن نحى نحوهم فهم يردون على المعتزلة, وعلى العقلانيين وعلى الخوارج, وعلى الرافضة, في مسألة خلق القرآن يردون عليهم بأنواع من الردود, لكن تنتبه إلى أن مبنى هذه الردود على مذهبهم, وهو أن كلام الله قديم, وأن الذي أُنزل على محمد عليه الصلاة والسلام, إنما كان في روع جبريل, أو أخذه من اللوح المحفوظ, أخذه من المكتوب, أو نزل به من بيت العزة, أو نحو ذلك من أقوالهم المعروفة.

المسألة الثامنة:
في قوله:"ولا نخالف جماعة المسلمين". جماعة المسلمين هذه الكلمة من الكلمات العظيمة التي ترد في كتب أهل السنة والجماعة, وفي عقائدهم, والجماعة عندهم يراد بها نوعان:

النوع الأول: جماعة الدين.
والنوع الثاني: جماعة الأبدان.

وكل منهما مأمور بالتزامه, وكل منهما مطلوب التمسك به, جماعة المسلمين في دينهم وجماعة المسلمين في أبدانهم, وقد فصلت لك الأقوال في ذلك في أول شرح الواسطية يمكن أن ترجع إليه للازدياد,من هذا الموضع الجماعة تقابلها الفُرقة, والفُرقة يعني: لماذا قسمناها إلى جماعة دين, وجماعة البدن جماعة الأبدان؟! لأنه جاء في النصوص الأمر بلزوم الجماعة، وجاء في النصوص النهي عن الفُرقة، والنهي عن الفرقة جاء النهي عن الفرقة في الدين, والنهي عن الفرقة في الأبدان, كما في قوله جل وعلا:] أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ [ يعني: في الدين، والتفرق في الدين يؤول إلى التفرق في الأبدان, فكل منهما له صلة بالآخر, فجماعة الأبدان يقوى معها الاجتماع في الدين, والتفرق في الأبدان يحصل معه تفرق في الدين، وكذلك الاجتماع في الدين يحصل معه اجتماع في الأبدان,فكل منهما يقود إلى الآخر، ولهذا لما ظهرت العقائد الباطلة في زمن عثمان وزمن علي –رضي الله عنهما- ظهر الافتراق في الأبدان, والخروج على الأئمة, ونحو ذلك.

فهذه وهذه كل منهما يؤول إلى الآخر، قول الطحاوي هنا:"ولا نخالف جماعة المسلمين". هذه عقيدة عظيمة, يجب على كل معتقد لمعتقد أهل السنة والجماعة أن يهتم بها، فجماعة المسلمين.. جماعة الدين واجب التزامها, وعدم الخروج عما كان عليه الصحابة –رضوان الله عليهم- وعما كان عليه السلف الصالح, وأئمة الإسلام, وكذلك جماعة الأبدان بلزوم إمام المسلمين, وولي أمرهم وعدم شق الطاعة, والسمع والطاعة في المعروف, هذا واجب أيضاً الاجتماع عليه والائتلاف على ذلك، وهذا هو الذي كان عليه أئمة أهل الإسلام –رحمهم الله تعالى- فإذن من خالف في عقيدة من عقائد الإسلام ففي الواقع خالف جماعة المسلمين، جماعة المسلمين كانت على شيء قبل أن تفسد الجماعة، كانوا على شيء في زمن الصحابة –رضوان الله عليهم- ولذلك تعلمون ما ذكره ابن القيم في أول إغاثة اللهفان، وذكره غيره من أن الرجل الواحد قد يكون في زمن من الأزمان هو الجماعة متى؟! إذا كان موافقاً لمعتقد الصحابة - رضوان الله عليهم - ومعتقد التابعين وأئمة الإسلام ولم يكن معه أحد, فهو الجماعة, وإن خالفه الناس جميعاً، لماذا؟ لأن الجماعة معناها هو من كان في العقيدة مع الجماعة، من كان في الاعتقاد مع الجماعة فهو الجماعة، وفي زمن الإمام أحمد لما حصلت فتنة القول بخلق القرآن, كان الإمام أحمد ومن معه ممن وقف في وجه أمراء - لك الوقت في هذه العقيدة- وأقروا ما عليه جماعة المسلمين, كانوا هم الجماعة, والمخالفون لهم الأكثر كانوا قد خالفوا الجماعة.

وهذه مسألة مهمة في أن الجماعة بمعنى العقيدة, هو من كان على الجماعة, إذن فالجماعة لها إطلاقان؛ الإطلاق الأول: الجماعة, بمعنى الاجتماع على عقيدة السلف, فمن كان على ذلك الاعتقاد فهو الجماعة في العقيدة, وإن كان واحد, والجماعة في الأبدان هو أن يلزم إمام المسلمين وجماعتهم, فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام فيعتزل الفرق كلها, ويعبد الله جل وعلا على بصيرة, ويكون حينئذٍ أدى ما يجب عليه أداؤه, فالواجب إذن على كل طالب علم أن يأخذ بهذه الكلمة, وأن يوصي غيره بها؛ لأنها من أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه, أن يكون مع الجماعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين الفرق الضالة, الفرق التي توعدها بالنار, قال: ((كلها في النار إلا واحدة, قالوا: من هي يا رسول الله؟! قال: هي الجماعة)) وفي الرواية الثانية قال: ((الجماعة من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)) أو نحو ذلك، والرواية الأولى جيدة,يعني: من حيث الإسناد, قال: هي الجماعة، يعني: من كان على ما كان عليه الصحابة –رضوان الله عليهم- ومن سار على نهجهم,وهذا وعد عظيم, كلها في النار إلا واحدة, إذا حصل أن المرء اشتبه عليه شيء في مسائل فما الذي يجب عليه؟! أن يأخذ بما يتيقنه من الدين, وما يتيقنه من عمل أئمة الإسلام, وما دون في العقائد الصحيحة لأهل السنة والجماعة, وأن يترك ما اشتبه عليه؛ لأن الله جل وعلا له حدود, كما جاء في حديث النعمان بن بشير: ((الحلال بين, والحرام بين, وبينهما أمور مشتبهات)).
يعني: في نفسها, مشتبهات على من يريدها, أو على من ينظر فيها, وفي رواية أخرى فيالبخاري: ((وبينهما أمور مشبهات)). يعني: الله جل وعلا جعلها كذلك؛ ليختبر العباد مثلما جاء بعض الكلام محكماً, وبعض كلامه متشابه, قال في المتشابهات عليه الصلاة والسلام: ((ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)) يعني: طلب البراءة, وهذا هو الواجب؛ لأن ما كل أحد يأتي المتشابه, ويقول: لاده أعرفه, اللي يشتبه عليك اتركه, أسلم لدينك, وخاصة في مسائل الجماعة في مسائل الاعتقاد في مسائل الاختلاف, لأنك لا تدري ما يؤول إليه الأمر, تعرف أن الخوارج صار معهم بعض من ولد في زمن النبي r ,لكنه لم يكن منهم, لكنهم شبهوا عليه, كمحمد بن أبي بكر الصديق ولدته أمه أسماء بنت عميس في الحج,أي: في حجة الوداع, نفست فولدت بمحمد ابن أبي بكر, يعني: ولد في زمن النبي r, وحصل أنه أتى لعثمان لقوة الاشتباه، أتى لعثمان بعد أن تسلق عليه البيت, وهو يتلو القرآن, فشده بلحيته وقال له يعني: وعظه عثمان, فبكى محمد بن أبي بكر الصديق -t- فبكى, وترك ذلك, تركهم ثم قُتل عثمان، وضل من قال: إن الذي أو ساعد في قتله إنه محمد بن أبي بكر, المقصود أن المسائل المشتبهة قد تشتبه على الخيار, فطالب العلم الذي يرغب سلامة دينه يعتمد ما كانت عليه الجماعة, لا يخالف ما كانت عليه جماعة المسلمين, وهذا من أعظم فوائد طلب العلم,إن المرء يعلم ما به السلامة له في دينه, ويكون مع الفرقة الناجية يوم القيامة، ((كلها في النار إلا واحدة, قالوا: ما هي يا رسول الله, قال: هي الجماعة)) وهذا مما يرغب كل واحد منكم في طلب علم العقيدة؛ لأنه معه سلامة القلب, ومعه سلامة العمل, ومعه سلامة الخروج بيقين عن الفرق الضالة, والالتزام بطريق الجماعة, فهذه الكلمة كلمة عظيمة, لا نخالف جماعة المسلمين, يعني: في اعتقادهم, ولا في أقوالهم. وكذلك لا نترك جماعة المسلمين في أبدانهم؛ لأن هذا من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة الذين تابعوا الكتاب والسنة، ولم يخرجوا عن ذلك, أعان الله الجميع على كل خير.

نكتفي بهذا القدر ونقف عند قوله: "ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله".
نأخذ بعض الأسئلة (كلام غير مسموع) الدرس

السؤال: زوجتي أسقطت في الشهر الثالث والآن يخرج منها دم فهل هذا الدم يعتبر دم نفاس تمتنع من الصلاة أم أنها لا تعتبر به وتصلي؟
الجـواب: المرأة إذا اشتملت بحمل يعني حملت ثم أسقطت وخرج منها الدم فهذا الدم له حالان:
إذا كان قبل الثمانين يوماً يعني: قبل أن تبلغ مدة الحمل ثمانين يوماً,يعني: بما تعرفه النساء, ثقات النساء, أو بما يقوله الأطباء, فما قبل ذلك يعتبر دم استحاضة, وليس دم نفاس,وما بعد الثمانين يوم اللي هو الفترتين؛ الأولى يصير أربعين يوماً نطفة, ثم يكون علقة مثل ذلك, فبعد الثمانين إذا نفست خمس وثمانين يوم, ثلاثة أشهر اللي هو تسعين يوم, فإنها يكون الدم الذي يخرج منها دم نفاس, لا تصلي, وأما ما قبل ذلك فدم استحاضة, لها حكم المرأة المستحاضة, تتطهر لكل صلاة, تتوضأ لكل صلاة, وتصلي ولا تمتنع من زوجها, ولا تمنع زوجها منها, لكن يستحب لزوجها أن يتركها لأجل موضع الدم، يعني: لأجل خروج الدم, يعني: من جهة الاستحباب وكراهة إتيانها, والحال ذلك, فالمقصود أن قول السائل هنا: زوجتي أسقطت في الشهر الثالث, كلمة الشهر الثالث هنا تحتاج إلى تفصيل, إذا كان الشهر الثالث ثمانين يوم فأقل؛ فإنها يعتبر دم استحاضة، إذا كان أكثر من ثمانين يوم فهذا دم نفاس، والعلماء يقولون: إنه بعد الثمانين يوم يبدأ التخطيط في الجنين, يبدأ التخطيط, يعني: يظهر بعض التصوير فيه، فإذا تميزت المرأة التصوير أيضاً سقط منها شيء, وأمكنها رؤيته, فرأت فيه تخطيط, فيه عيون فيه شيء, فهذا معناه أن المدة أكثر من الثمانين يوم, فيكون الدم دم نفاس.

السؤال: ما حكم من أمذى ثم توضأ ثم نزل المذي في الصلاة مع العلم أنه في هذه الفترة لا ينقطع؟
الجـواب: من أمذى؟! المذي نجس؛ لأمر النبي r بغسل الذكر والأنثيين منه, وهو أيضاً خروج نجاسة, وأيضاً ينقض الوضوء بأمر النبي r بالتوضؤ منه؛ لأن علياً أمر المقداد أن يسأل النبي r؛ لأنهكان يعني علياً مذاءً, فقال: فيه الوضوء أو قال: يغسل ذكره, ويتوضأ, أو نحو ذلك على اختلاف الروايات، المذي نجس في نفسه, وهو خروجه ينقض الوضوء. فقوله: ما حكم من أمذى ثم توضأ ثم نزل المذي منه؟! هو ناقض الوضوء, يجب عليه أنه أن يغسل ذكره مرة أُخرى, ويعني الموضع الذي تلوث بالمذي, ويتوضأ من جديد, في آخره يقول: مع أنه في هذه الفترة لا ينقطع، إذا كان معه سلس في المذي دائم يسيل منه فهذا قد يكون, يعني: له حكم من حدثه دائم, إذا كان حدثه دائم يتوضأ مرة واحدة, ويروح إذا كان يعرف دائماً من نفسه إذا خرج في الصلاة ينظر المذي يخرج منه دائماً, فهذا حدثه دائم يتوضأ مرة واحدة ويكفي.

السؤال: شخص تعود إلقاء السلام على الجالسين في المسجد في كل فريضة, فأنكر عليه بعض الجالسين بأن هذا الاستمرار على السلام بدعة فهل المُنكِر على حق؟
الجـواب: السلام على الناس في المسجد اختلف فيه أهل العلم على قولين:
الأول: أنه يشرع, أو أنه لا بأس به, وذلك لأن ابن مسعود أتى r وهو يصلي, فسلم عليه, فرد عليه النبي r السلام بالإشارة بوضع اليد, وظاهره أنه كان في المسجد لقدوم ابن مسعود من من الهجرة, واستدلوا له أيضاً بعموم قوله عليه الصلاة والسلام: ((إذا أتيتم المجلس فسلموا, ثم إذا قمتم فسلموا, فليست الأولى بأحق من الآخرة)). والمسجد يدخل في كونه مجلساً كما قال: ((ما جلس قوم مجلساً يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا غشيتهم الرحمة…)) إلى آخره فالمسجد مجلس, فاستدلوا بعموم الحديث على مشروعية السلام في ذلك للعموم.

القول الثاني: أن السلام لا يشرع كلما دخل الإنسان المسجد, وذلك لا يشرع, يعني: لا يستحب, وليس مشروعاً من هدي صحابة النبي r؛ لأن ذلك لم يفعل في زمنه عليه الصلاة والسلام, وحادثة ابن مسعود حادثة فردية, وعموم الحديث يحتاج يعني: ((إذا أتيتم المجلس فسلموا)) يحتاج إلى عمل السلف عمل الصحابة لإدخال المسجد في اسم المجلس من جهة العمل, وذلك أن العمومات كقاعدة العمومات, إذا دخلت فيها صور وكانت مما قام المقتضي على فعله في زمن النبي r,أو في زمن الصحابة, ثم لم ينقل فعله, فيكون في حيز, أو في جهة عدم المشروع أو البدعة، فالسلام فيمن دخل المجلس لمن دخل المسجد لم ينقل عن السلف, عن الصحابة رضوان الله عليهم في زمنه عليه الصلاة والسلام، ولهذا قالوا يعني: أصحاب هذا القول, قالوا:إنه لا يشرع, لكن من سلم مرة؛ فإنه لا بأس بذلك, مثل ما حصل من ابن مسعود, وقد يحصل من المُسَلِّمِين، ثم إن الإنسان قد يسلم بعد ذلك, أوإذا قال السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله؛ سلم على كل الحاضرين, وهذا القول هو الأظهر والأصح؛ لأجل قوة دليله, ثم لأنه موافق للأصل, فليس مشروعاً أن العبد إذا دخل المسجد يعني: مع الباب السلام عليكم ورحمة الله، أو وقف في الصف يريد أن يصلي التفت إلى الحاضرين وقال: السلام عليكم ورحمة الله, هذا مما لم يفعل في زمن النبوة, ولا زمن الصحابة رضوان الله عليهم، ومن فعل مرات فهو يعني: أحياناً, أو فعله من لم يعلم فلا بأس, ما ينكر عليه إلا إذا كرره والتزم.

السؤال:لماذا كفر أئمة الهدى القائلين بخلق القرآن, مع أنهم متأولون, ولم يكفروا القائلين بإنكار الأسماء والصفات أو بعضها لأنهم متأولة؟!
الجواب: هذه مسألة كبيرة في مسألة التكفير ..تكفير الفرق, يقال به من جهة الوعيد, من جهة وعيد والتنفير من هذا القول لكن التكفير المعين يعني: تكفير المعتزلة, لا يعني أننا نكفِّر الأفراد تكفير من قال بخلق القرآن, لا يعني كفر كل من قال به, تكفير من أنكر الأسماء والصفات, ليس معناه أن من أنكر كل فرد أنكر يُكفَّر, ليس كذلك، ولذلك أهل السنة والجماعة أجمعوا على عدم تكفير من تأول الصفات؛ لأن ثم شبهة, والتكفير إخراج من الدين, والإخراج من الدين لابد أن يكون بأمر يقيني في قوة ما به دخل إلى الإسلام, أو ما به صار مسلماً, وصار مؤمنًا, وهذه المسائل اللي فيها تأويل أو اشتباه لو كفر بعض الأمة بعضًا فيها لصار هناك تكفير كبير, وهذا لم يعمله أحد من أئمة الإسلام؛ لذلك هناك تكفير بالنوع, هذا وعيد ولأجل إطلاق النصوص وحماية للشريعة فإذا جاء المعين لابد في حقه من إقامة الحجة, ورد الشبهة، والجواب عن شبهته حتى قالوا في مسائل الأسماء والصفات: يشترط فيها الفهم, يعني: في تأويل الأسماء والصفات لا يقول: أقمت الحجة, وهذه لا يشترط فيها الفهم, كما هو القول المعروف الصحيح, أن الذي يشترط إقامة الحجة في التكفير أو في التبديع أو في التفسيق… إلخ أما فهم الحجة فلا يشترط. قالوا: إلاّ في الأسماء والصفات لابد أن يفهم يعني: لأن الشبهة فيها قوية, قال بها عدد من المنتسبين إلى الحديث والسنة, وفيها نوع اشتباه, وهذه الكلمة وهي استثناء الأسماء والصفات قالها بعض أئمة الدعوة, كما هو موجود في الدرر السنية وفي غيرها. فينتبه لهذا الأصل.

السؤال: يقول الفرق كلها في النار إلا فرقة واحدة، هل الدخول في النار تخليد أم تمحيص؟
الجواب: لا, ليس تخليداً؛ لأن قوله عليه الصلاة والسلام: (( وستفترق هذه الأمة )) قال العلماء: المقصود بها أمة الاجابة, لا أمة الدعوة؛ لذلك أخرجوا منها الجهمية، وأخرجوا منها الفرق, يعني: التي لا تدخل في الاجابة أصلا, يعنى: الجهمية باتفاق، وقد تدخل بعض الفرق الأخرى على اختلاف بينهم, فهذه الفرق هي من فرق الإجابة، يعنى: أنها من فرق المسلمين فقوله:" كلها في النار". ليس إخراجا لهم من الإسلام، وإنما هو وعيد لمخالفتهم لما كانت عليه الجماعة، من هذه الفرق الخوارج، من هذه الفرق المعتزلة، من هذه الفرق المرجئة، من هذه الفرق أشباه هؤلاء الذين خالفوا الجماعة، لكن لا يشهد على معين منهم بأنه كافر، أو أنه من أهل النار ونحو ذلك, على اصل أنه لا يشهد لمعين من أهل القبلة بجنة ولا نار.

السؤال: تسمية جبريل عليه السلام بأنه روح، أليس لأنه كالروح للبدن, فيما جاء به القرآن, تحيا به القلوب, كحياة البدن بالروح؟!
الجواب: يعني هذا توجيه، يعني: يحتاج إلى تأمل .

السؤال: نعمل في شركة دعايا وتصميم وأضطر لرسم أعضاء من جسم الإنسان وكذلك جسم الإنسان دون إظهار للوجه، فما حكم الشرع في هذا العمل؟
الجواب: لا بأس به إذا كان رسم الرسام بما لا تقوم الحياة به وحده، فإنه لا بأس برسمه, يعني: يرسم يد، يرسم عين وحدها، هذا ما تقوم الحياة به, واشتراط قيام الحياة بالشيء هذا لأجل الحديث، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (( إنه يقال لهم -يعني: في الحديث- فمن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة )) في الرواية الأخرى قال: ((يقال لهم يوم القيامة أحيوا ما خلقتم )) يعنى: فيما تكون فيه الحياة, وأما ما لا تكون فيه الحياة بمجرده, يعنى: ما نجد عين حية وحدها، ما نجد يد حية وحدها، ما نجدد رجل حية وحدها، ما نجد قدم حية وحدها، ما نجد نصف الإنسان الأسفل حياً وحده، ما نجد رأسا أيضا حيا وحده، فهذه الأشياء لا تدخل في النهى، والرأس بخصوصه اختلف فيه العلماء، فمنهم من قال وهم الأكثر من, بما ذكرته لك آنفا, من أنه إذا كانت لا تقوم به الحياة فلا بأس من تصويره، والقول الثاني:

أن الرأس والوجه بخصوصه لا يجوز؛ لأنه هو الصورة، كما جاء في الحديث: (( الرأس هو الصورة فإذا قطع الرأس فلا صورة))
يعني: أن الجسم.. تميز جسم الإنسان عن الشجرة، تميز عن غيره بوجود الرأس؛ لوجود الوجه، فلهذا نقول: أن ترك الوجه هو الأولى، لكنه من صور وجهه فقط، أو صور ما لا تقوم الحياة إلا به, فلا بأس، لكن الأعضاء الأخرى مثل اليد, والعين, والرجل وأشباه ذلك, جسم الإنسان مثلما ذكر، وكذلك جسم الإنسان دون إظهار للوجه، فهذا لا بأس, قد جاء عن ابن عباس أنه قال في رجل صور، يعني: كان يرسم الشجر أو صور الشجر, وما لا روح فيه، وجاء في الحديث أيضا حديث جبريل قال: (( مر بالرأس فليقطع حتى يكون كهيئة الشجرة )) فتصوير بدن الإنسان دون الرأس دون الوجه لا بِأس به .

السؤال: علما بأن رئيس العمل يحتج بأن عنده فتوى برسم صور ذات أرواح إن كان ثم مصلحة من هذا الرسم؟
الجواب: لا. الرسم.. تصوير الرسم فيه مشاركة، يعني: فيه تنميق، والرسام يظهر جهده, وصور فلا يجوز رسم ما تكون الحياة به، يرسم إنسان, يرسم حيوان، ونحو ذلك, الأشياء الحية اللي حياتها بالروح, لايجوز رسمها؛ لأن هذا من جملة التصوير, والتصوير.. تصوير هذه الأشياء, جاءت الأدلة بالنهي عنه، طبعاً المتفق عليه بين أهل العلم في التصوير, المتفق عليه يعني: الإجماع منعقد على ماله ظل، ما له ظل يعني: التماثيل هذه ( اللي ) تصويرها محرم بالاتفاق، وأما ما ليس له ظل (اللي ) هو يعني: رسم في ورقة, رسم في سجادة, تصوير كذا، فهذا فيه خلاف بين أهل العلم, والجمهور على عدم الجواز؛ للأدلة الكثيرة في تحريم التصوير، التي لم تفرق بين ماله ظل، وما ليس له ظل .

مثل حديث ابن مسعود وغيره في ذلك:(( أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون, يقال لهم –أيضا- يوم القيامة أحيوا ما خلقتم من أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي)). الخلق التقدير والتصوير, والتصوير نوع من الخلق, يخلق كخلق يعني: يصور كخلقي, ((فليخلقوا حبة وليخلقوا شعيرة)) . حتى هذا اللفظ استدل به بعض العلماء، لكنه قول مهجور بأن حبة الحنطة والشعيرة لا يجوز تصويرها؛ لأنها داخلة الحديث:(( فليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة )). لكن الصحيح أنها لا تدخل في ذلك، وما جاء في الحديث إنما هو للتحذير والمبالغة والإبعاد عن التصوير .
في هذا القدر الكفاية, جمعني الله وإياكم على رضاه, و صلى الله وسلم على نبينا محمد, اللهم صلى وسلم على نبينا محمد.

بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد, وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

س: يقول كيف نجمع بين حديث أبي هريرة قال رسول الله r: ((لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت وليعزم مسألته إن الله يفعل ما يشاء لا مكره له)) وبين حديث ابن عباس –رضي الله عنهما- أن رسول الله r دخل على أعرابي يعوده فقال: ((لا بأس عليك طهور إن شاء الله)) قال، قال الأعرابي: طهور بل هي حمى تفور على شيخ كبير تُزيره القبور قال النبي r:فنعم إذن))؟
جـ: الحديثان المذكوران كلاهما في الصحيح, والعلماء جمعوا بينهما بأوجه من الجمع, من أحسنها أن قوله عليه الصلاة والسلام: ((طهور إن شاء الله)). هذا من باب الخبر, لا من باب الدعاء, قال للأعرابي: هذه الحمى طهورٌ لك في دينك, وطهورٌ لك أيضا في بدنك,فتصبح بعدها سالماً، فأخبره النبي r بذلك؛ لأن قوله طهورٌ مرفوع والرافع له مبتدأ محذوف, أو الابتداء المحذوف بقوله: هي طهورٌ إن شاء الله, وليس المراد الدعاء؛ لأنه لو كان دعاء لصارت منصوبة به, اللهم اجعلها طهوراً, لو قال: طهوراً إن شاء الله, يعني: اجعلها اللهم طهوراً, فيكون دعاء, فالظاهر من السياق من اللغة ومن القصة أن المراد الخبر, فإذا كان المراد الخبر فلا يعاد الدعاء بقول القائل: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت؛ لأن النبي r علق الخبر بالمشيئة فقال: ((طهورٌ إن شاء)) كما قال الله جل وعلا: ] لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ [وكقوله جل وعلا: ] ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ [. فقوله: اغفر لي إن شئت, هذه تعليقٌ للدعاء بالمشيئة، الله جل وعلا لا مستكره له يفعل ما يشاء, ويحكم ما يريد في خلقه جل جلاله، الوجه الثاني: وهو وجه حسن أيضاً, أن قول الداعي: اللهم اغفر لي إن شئت هذا على جهة المخاطبة, اغفر لي إن شئت، وأما إذا كان على جهة الغيبة؛ فإنه لا بأس به, فلو قال: غفر الله له إن شاء الله, هذا أخف من التعليق بالمواجهة، اللهم اغفر لي إن شئت, اللهم ارحمني إن شئت؛ لأن المخاطبة تقتضي الذل والتقرب إلى الله جل جلاله بما يحبه من نعوت جلاله وصفاته ومدحه سبحانه والثناء عليه، والتعليق بالمشيئة فيه نوع استغناء, فلهذا قال في آخره: فإن الله يفعل ما يشاء, لا مكره له، وقال: ((إن الله لا مستكره له)). وهذا الوجه الثاني, قال به بعض أهل العلم, ولكنه ليس في القوة كالأول، فالأول ظاهر, والثاني قيل به, وليس هو المختار.

س: هل تعدد الجماعات مثل تعدد الآراء في المسألة الفقهية الواحدة؟
جـ: إذا كان يقصد بالجماعات الجماعات الإسلامية التي ظهرت في هذا الزمن فليس ذلك مثل تعدد الآراء في المسألة الفقهية الواحدة؛ لأن تعدد الآراء في المسألة الفقهية الواحدة هذا إذا كان مورده الاجتهاد, فإن كل واحد من القائلين في المسألة الفقهية يؤجر على اجتهاده فيما اجتهد فيه؛ لأن المسألة موردها الاجتهاد, كذلك في المسائل التي ينزع فيها المجتهد إلى دليل, هو مأجور, كما قال عليه الصلاة والسلام: ((إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران, وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد)). يعني: على اجتهاده، والثاني له أجر على اجتهاده, وأجر على إصابته الحق. وأما الجماعات الإسلامية الموجودة الآن فهي تختلف في طريقتها, تختلف في أصولها, تختلف في مبادئها وأهدافها إلى آخر ذلك, والأصل الواجب على كل مسلم أن يلزمه, هو لزوم جماعة المسلمين قبل أن يحدث الافتراق, فإن الافتراق الحادث في الأمة لا يجوز إقراره ومعالجته بإحداث جماعات جديدة, فالواجب على المسلمين جميعاً لزوم الجماعة قبل أن تفسد الجماعة, والجماعة التي هي على الحق لم يتركها الله جل وعلا, لم يبينها, ولم يتركها رسوله r,لم يبينها بل بينها الله جل وعلا بقوله:] وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً [ المراد بالمؤمنين هنا الصحابة؛ لأنهم هم المقصودون بذلك في وقت تنزل الآية:{ويتبع غير سبيل المؤمنين} يعني: صحابة رسول الله r, وبين ذلك الأمر نبينا عليه الصلاة والسلام بقوله: ((وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة, كلها في النار, إلا واحدة, قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: هي الجماعة)). وفي رواية أخرى قال: ((هم الغرباء))، وفي رواية ثالثة قال: ((من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)) إلى غير ذلك, وهذا يدل على أن الجماعة موجودة في زمن الصحابة, وهي موجودة في زمن التابعين, وموجودة يحملها أئمة السلف وأئمة الإسلام امتثالاً لقول نبينا r:((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين, لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم, حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)) أو كما قال عليه الصلاة والسلام, فالواجب على كل مسلم يريد سلامة في دينه وأن يكون ممن وعده النبي r, بأن يكون من الفرقة الواحدة التي لم تأخذ سبيل الثنتين وسبعين فرقة, أن يلزم أمر الجماعة قبل أن تفسد الجماعة، وهذا من أعظم مقاصد الدين العظيمة التي يمتثلها العبد في قوله تعالى, التي يمتثلها العبد بامتثال قوله تعالى: ] وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [ فالعبد المؤمن يلزم هذه الطريقة, وكيف يلزمها؟! بتعلم هذه العقيدة المباركة؛ فإن دروس العقيدة والمحاورات في التوحيد والعقيدة هي التي تنقلك إلى الالتزام بطريقة الجماعة الأولى, قبل أن تفسد الجماعة، ولهذا فقس أنت بنفسك وستجد أن منخالف الجماعة الأولى؛ فإنه لابد .. وأحدث شعارات جديدة وأهداف وآراء وكتبا غير كتب السلف في هذه المسائل ستجد أنه خالف شيئاً من أمور الاعتقاد, ولا بد, فإذن خالف طريق الجماعة قبل أن تفسد الجماعة, وهذه مسألة مهمة فتعدد الجماعات ليس مثل تعدد الفقهاء, بل الواجب على جميع أمة الإسلام أن يعتصموا بحبل الله جميعاً, ولا يتفرقوا؛ امتثالاً لقول الله جل جلاله:] وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ [ أي: لا تتفرقوا في الأبدان, ولا تتفرقوا أيضاً.
سؤال:... أن المجتمعات مجتمعات جاهلية , فكيف يكون الإيضاح على هذا الأمر؟
جواب: الأول ذكرناه وقررناه لك فيما سبق , أن من كان منتسباً إلى القبلة في الصلاة إليها من أهل التوحيد فهو من أهل القبلة , وإذا عرض له هوى أو بدعة فإن البدع درجات , والأهواء أيضاً درجات , فلا نخرجه من الإسلام لبدعةٍ فيه, يعني لمجرد بدعة فيه , أو بكل بدعة فيه , ولا نخرجه من الإسلام بمجرد الهوى الذي يكون في هذه الأمة , بل لا بد أن يكون الهوى مكفرا , أو أن تكون البدعة مغلظة مكفرة , أما من قال: مجتمعات المسلمين اليوم مجتمعات جاهلية فهذا باطل؛ لأن الجاهلية في النصوص هي اسم لفترة زمنية مضت , قال جل وعلا: ] وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [ , وقال سبحانه: ] أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [.

وهذه الجاهلية تكون في العقيدة , في العبادة , تكون في الأحوال الاجتماعية وتكون في الأخلاق , تكون في الآداب, فهي من جهة الزمان انقضى زمانها ببعثة محمد عليه الصلاة والسلام , وأما من جهة المكان فإن الجاهلية اسم يتبع صفة الجهل , والجهل يتنوع , والجهل العام ارتفع ببعثة محمد عليه الصلاة والسلام , لهذا قال عليه الصلاة والسلام: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق)) , ووجود هذه الطائفة على الحق حتى قيام الساعة يمنع رجوع الجهل العام , ورجوع الجاهلية العامة.

فإذن الجاهلية العامة في الأمكنة ذهبت , جاهلية الزمان ذهبت , بقي نوع آخر من الجاهلية وهو جاهلية الصفات , فمن أشبه أهل الجاهلية في صفة فهو مشارك لهم في هذه الصفة , كما قال عليه الصلاة والسلام لأبي ذر لما عير رجلاً أسود بأمه فقال: يا ابن السوداء. قال عليه الصلاة والسلام: ((إنك امرؤ فيك جاهلية)) يعني: فيك خصلة من خصال أهل الجاهلية, وخصال الجاهلية متنوعة كثيرة , دل عليها القرآن والسنة , يعني فيما خالف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية.
وألف في هذا إمام هذه الدعوة الكتاب المشهور: مسائل أهل الجاهلية التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية , فتلك المسائل منها ما هو مكفر كعبادة غير الله , منها ما هو في الاعتقادات , ومنها ما هو في المسائل العملية , ومنها ما هو في الاجتماعيات , ومنها ما هو في الأقوال… إلخ، فالجاهلية جاهلية الصفات هذه باقية , وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((لتأخذن مأخذ أو لتسلكن مسلك الأمم من قبلكم شبراً بشبر , وذراعاً بذراع)) قالوا: يا رسول الله , فارس والروم؟ قال: ((فمن الناس إلا أولئك)) فارس والروم خصالهم من خصال الجاهلية , بل خصالهم جاهلية في الاعتقاد وفي الأقوال وفي الأعمال , فدل على أن خصال الجاهلية تكون في هذه الأمة.

فإذن وصف مكان , وصف الأرض بأنها صارت إلى جاهلية , هذا باطل ومناقض لحكم النبي صلى الله عليه وسلم , بل وحكم الله جل جلاله في قوله: ] هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً[, فظهر دين محمد عليه الصلاة والسلام على كل دين , وظهرت ملته على كل ملة , وظهر هديه على كل هدي , والحمد لله على ذلك , كما قال جل جلاله: ] وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [، فرفع ذكر محمد عليه الصلاة والسلام فوق ذكر غيره, فصار هو المقدم عليه الصلاة والسلام في الاتباع , وفي الهدي في أكثر الأرض , ولله الحمد , كذلك جاهلية الزمان لا يوجد زمان يكون الزمان زمان جاهلية؛ لأن زمن الجاهلية انتهى ببعثة محمد عليه الصلاة والسلام , فلا يقال مثلا: هذا القرن قرن جاهلي , أهل هذا القرن في جاهلية , ونحو ذلك , بل لا تزال في أمة محمد عليه الصلاة والسلام صنوف الخير , ولله الحمد على منته وتوفيقه.

سؤال: هل يجوز وضع ما يسمى بالدفايات في المسجد وهي تشعل ناراً؟
جواب: لا بأس من وضع ما يدفئ في المسجد , لكن قال بعض أهل العلم: يكره استقبال ما فيه نار , يكره استقبال ما فيه نار , أو ما عبد من دون الله؛ يعني لأن النار عُبدت , عبدها المجوس , فكرهوها لأجل نوع المشابهة , لكن هذه الكراهية وهو مذهب الحنابلة ليست بجيدة , بل الصواب الجواز، استدل البخاري –رحمه الله- على الجواز بأن النبي صلى الله عليه وسلم عرضت له الجنة وهو يصلي , وعرضت له النار , فتراجع لما صارت النار أمامه عليه الصلاة والسلام , فيستدل بذلك على أن هذا النهي , أو يعني هذه الكراهة التي ذهب إليها طائفة من أهل العلم أن الصواب الجواز؛ لعدم الدليل الواضح على الكراهة , ولورود الدليل من فعله عليه الصلاة والسلام.
نكتفي بهذا. اقرأ.


[1] هذا الجزء غير موجود بالشريط

  #6  
قديم 5 ربيع الأول 1430هـ/1-03-2009م, 10:50 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية للشيخ: يوسف بن محمد الغفيص (مفرغ)


عقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن
قال المصنف رحمه الله: [ولا نجادل في القرآن، ونشهد أنه كلام رب العالمين، نزل به الروح الأمين]
قال: (ولا نجادل في القرآن)، الجدل في القرآن يكون في مدلوله أو في حروفه.
والواجب هو الإيمان والتسليم بأنه كلام الله سبحانه وتعالى حروفه ومعانيه، وأن الله أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن فيه بيان كل شيء، وأن الحق معتبر به، إلى غير ذلك من المعاني والمقاصد المعروفة. ......

القرآن كلام الله غير مخلوق
قال رحمه الله: [نزل به الروح الأمين، فعلمه سيد المرسلين محمداً صلى الله عليه وسلم، وهو كلام الله تعالى لا يساويه شيء من كلام المخلوقين، ولا نقول بخلقه، ولا نخالف جماعة المسلمين] . قوله: (ولا نقول بخلقه)، أي: كما قالت الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم من الشيعة والخوارج الذين قالوا بخلق القرآن، وهذه بدعة أجمع السلف على بطلانها، وصريح الكتاب والسنة يرد هذه البدعة. والأشعري و ابن كلاب وأصحابهم يقولون: إن القرآن ليس مخلوقاً، ويقولون: إنه كلام الله، ولكن مرادهم بذلك أنه عبارة عن كلام الله، وإلا فإن الكلام عند ابن كلاب و الأشعري معنى واحد قائم في النفس، والمقصود من هذا أن ما يقع في كتب الأشاعرة من أن القرآن كلام الله مرادهم بذلك أنه عبارة أو حكاية عن كلام الله، وليس معنى هذا أنهم يجعلون الحرف والصوت المسموع من كلامه سبحانه وتعالى، بل هم لا يجعلون كلامه بحرف وصوت مسموع.

مسألة اللفظ بالقرآن هل هو مخلوق أم لا
وأما مسألة اللفظ بالقرآن، هل يقال: إنه مخلوق أو ليس مخلوقاً؟ فإن هذه جملة أحدثتها الجهمية وتكلمت بها، وكان من طريقة المحققين من أعيان السلف كالإمام أحمد رحمه الله النهى عن هذه الجملة مطلقاً، وكان يقول كما في رواية أبي طالب : (من قال لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق فهو مبتدع)، وهذه الرواية وإن تكلم فيها بعض المتأخرين إلا أنها صواب وثابتة عن الإمام أحمد ، وكان متقدمو الحنابلة الكبار يصححونها، وانتصر لها وصححها من متأخريهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وليس فيها ما هو منكر بل هي على قاعدة الأئمة في هذا الباب. ومراد الإمام أحمد رحمه الله أن الإطلاق إثباتاً أو نفياً كله غلط، فلا يقال: إن اللفظ مخلوق، ولا غير مخلوق، بل يقول: إن القرآن كلام الله، منه بدأ وإليه يعود، وإنه ليس مخلوقاً، ويقول: وإن أفعال العباد مخلوقة. وقال بعض أئمة السنة المتقدمين: إن اللفظ بالقرآن مخلوق، وأرادوا بذلك: اللفظ الذي هو فعل العبد، ومعلوم بالإجماع أن فعل العبد مخلوق، وقد تردد شيخ الإسلام في ثبوت ذلك عن البخاري ، مع أنه في ظاهر كتابه (خلق أفعال العباد) كأنه على هذا القول. وقال بعضهم: إن اللفظ بالقرآن ليس مخلوقاً، وأرادوا: القرآن نفسه، فمراد محمد بن يحيى الذهلي بقوله: (إن اللفظ بالقرآن ليس مخلوقاً)، مراد صحيح. وهذه المسألة ليس لها كبير قدر، سواء صح ما نقل عن البخاري أو لم يصح، وقد قاله بعض المتقدمين، ومرادهم بذلك أن أفعال العباد مخلوقة. فهذا مراد وهذا مراد، فليس من الفقه أن يقال عمن قال: إن اللفظ بالقرآن مخلوق، إنه مبتدع ابتداعاً مطلقاً، وإنما يقال: القول بدعة، وكذلك الذهلي لما قال: اللفظ بالقرآن ليس مخلوقاً، لا يقال كذلك: إن الذهلي مبتدع، بل يقال: القول بدعة، وإن كان ابن القيم رحمه الله ذكر كلام الإمام أحمد و الذهلي و البخاري ، وقال: وأحسنه قول أبي عبد الله البخاري ، وهذا ليس كذلك، بل أحسنه قول الإمام أحمد رحمه الله، وهو أن يترك هذا الباب ويعبر بالعبارات الشرعية المحكمة.

قول جماعة المسلمين أن القرآن كلام الله
وقوله: (ولا نخالف جماعة المسلمين) فإن المسلمين قد استقر عندهم أن هذا القرآن كلام الله، ولهذا حتى المعتزلة تقول: إنه كلام الله، ولكن تقول: إن كلامه مخلوق، ولا شك أن هذا من التناقض، فإنه إن كان كلاماً له فهو صفة من صفاته، وأما قياسه على قولهم: ناقة الله وأرض الله وسماء الله وعبد الله، من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، فهذا لا شك أنه جهل باللغة وجهل حتى على قياس العقل، فإنك إن قلت: أرض الله فإن الأرض ليست صفة له، بل هي مفعول له، وكذلك العبد والناقة فإنها مفعولات، وأما إذا قلت: علمه وكلامه وسمعه؛ فإن هذا من باب الصفات، ولهذا فإن الإمام أحمد في مناظراته قال لأئمة الجهمية: القرآن من علم الله، فهل علمه مخلوق؟ أي: أن الكلام تبع للعلم، فإنك إن تكلمت بكلام فإنما تكلمت بهذا الكلام لأنك تعلم ما تكلمت به، فإن قلتم: إن كلامه مخلوق لزم أن علمه مخلوق، فأراد ابن كلاب أن يدفع هذا الوجه، فقال: إن الكلام معنى واحد قائم بالنفس! وهذا جمع بين النقيضين.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ولا, قوله

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:51 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir