دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الطحاوية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 02:35 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي قوله: (ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر...)

وَمَن وَصَفَ اللهَ بِمَعْنًى من مَعَانِي البشرِ، فقد كَفَرَ.
فمن أَبْصَرَ هذا اعْتَبَرَ.
وَعَنْ مثلِ قَوْلِ الكُفَّاِر انْزَجَرَ.
وعَلِمَ أَنَّهُ بِصِفَاتِهِ ليسَ كالبَشَرِ.

  #2  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 02:44 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات على الطحاوية لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز


[لا يوجد تعليق للشيخ]


  #3  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 02:46 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات المختصرة للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

(1) وَمَن وَصَفَ اللهَ بِمَعْنًى من مَعَانِي البشرِ، فقد كَفَرَ.
(2) فمن أَبْصَرَ هذا اعْتَبَرَ.
(3) وَعَنْ مثلِ قَوْلِ الكُفَّارِ انْزَجَرَ.
(4) وعَلِمَ أَنَّهُ بِصِفَاتِهِ ليسَ كالبَشَرِ.




(1) يعني: مَن شَبَّهَ اللَّهَ بمعنًى من معانِي البشرِ فقدْ كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ تَنَقَّصَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.


(2) لأنَّ هناكَ فَرْقًا واضحًا بينَ صفاتِ الخالقِ وصفاتِ المَخْلُوقِ، وإن اشْتَرَكَتْ في الاسمِ والمعنى، ولكنْ تَخْتَلِفُ في الحقيقةِ وتختلفُ في الواقعِ والخارجِ، فلا تَشَابُهَ بينَ كلامِ اللَّهِ وكلامِ البشرِ، ولا تَشَابُهَ بينَ سَمْعِ اللَّه وسَمْعِ البشرِ، ولا تَشَابُهَ بينَ بَصَرِ اللَّهِ وَبَصَرِ البشرِ، ولا عِلْمِ اللَّهِ وعِلْمِ البشرِ، ولا مَشِيئَةِ وإرادةِ اللَّهِ ومشيئةِ وإرادةِ البشرِ. فَفَرْقٌ بينَ صفاتِ اللَّهِ وصفاتِ المَخْلُوقِ، فمَن لم يُفَرِّقْ بينَهُما صَارَ كَافِرًا.


(3) مَن تَدَبَّرَ الآياتِ القرآنيةَ التي أَنْزَلَهَا اللَّهُ في الوليدِ بنِ المغيرةِ، مَن تَدَبَّرَهَا، عَرَفَ بُطْلَانَ أقوالِ هذه الفِرَقِ الضالَّةِ في كلامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.


(4) صفاتُهُ من الكلامِ وغيرِهِ ليستْ كصفاتِ البشرِ للفرقِ بينَ صفاتِ الخالقِ وصفاتِ المَخْلُوقِ.


  #4  
قديم 4 ذو الحجة 1429هـ/2-12-2008م, 02:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي


قوله: (ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر، فقد كفر. من أبصر هذا اعتبر. وعن مثل قول الكفار انزجر. علم أنه بصفاته ليس كالبشر).

ش: لما ذكر فيما تقدم أن القرآن كلام الله حقيقة، منه بدا، نبه بعد ذلك على أنه تعالى بصفاته ليس كالبشر، نفياً للتشبيه عقيب الإثبات، يعني أن الله تعالى وإن وصف بأنه متكلم، لكن لا يوصف بمعنى من معاني البشر التي يكون الإنسان بها متكلماً، فإن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وما أحسن المثل المضروب للمثبت للصفات من غير تشبيه ولا تعطيل -: باللبن الخالص السائغ للشاربين، يخرج من بين فرث التعطيل ودم التشبيه. والمعطل يعبد عدماً، والمشبه يعبد صنماً. وسيأتي في كلام الشيخ: ومن لم يتوق النفي والتشبيه، زل ولم يصب التنزيه. وكذا قوله: وهو بين التشبيه والتعطيل. أي دين الاسلام، ولا شك أن التعطيل شر من التشبيه، بما سأذكره إن شاء الله تعالى. وليس ما وصف الله به نفسه ولا ما وصفه به رسوله تشبيهاً، بل صفات الخالق كما يليق به، وصفات المخلوق كما يليق به.
وقوله: فمن أبصر هذا اعتبر. أي من نظر بعين بصيرته فيما قاله من إثبات الوصف ونفي التشبيه ووعيد المشبه اعتبر وانزجر عن مثل قول الكفار.

  #5  
قديم 4 ذو الحجة 1429هـ/2-12-2008م, 02:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لمعالي الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)


القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم،الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين و نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى:
ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر،فمن أبصر هذا اعتبر،وعن مثل قول الكفار انزجر، وعلم أنه بصفاته ليس كالبشر، والرؤية حق لأهل الجنة.

قارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد،وعلى آله وأصحابه والتابعين ـ الشيخ: اللهم صل وسلم ـ قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى:
ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر ـ الشيخ: لو تقرأ من: فمن سمعه ـ فمن سمعه فزعم أنه قول البشر فقد كفر, وقد ذمه الله وعابه، وأوعده بسقر حيث قال تعالى: {سأصليه سقر}،فلما أوعد الله بسقر لمن قال: إن هذا إلا قول البشر علمنا،وأيقنا أنه قول خالف البشر،ولا يشبه قول البشر،ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر،فمن أبصرهذا اعتبر،وعن مثل قول الكفار انزجر،وعلم أنه بصفاته ليس كالبشر.

الشيخ:الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على نبيه وعبده، وعلى آله وصحبه وسلم اللهم تسليما مزيدا، أما بعد..,
قد مضى الكلام في الدرس الماضي عن كلام الله جل وعلا، وعلى أن القرآن كلام الحق سبحانه وتعالى، وعلى أن القرآن كلام الله جل وعلا بحروفه، ومعانيه، وأن الله سبحانه تكلم به،فمنه بدأ، وسمعه منه جبريل عليه السلام، فبلغه إلى النبي _ عليه الصلاة والسلام _ وتقدم لنا إبطال قول من قال: إن القرآن مخلوق، أو أن القرآن عبارة عن كلام الله، أو من قال: إن كلام الله جل وعلا نفسي، وكلام الله جل وعلا قديم،ونحو ذلك من أقوال أهل البدع والضلالات،من أقوال المعتزلة، والأشاعرة، والفلاسفة، وغلاة الصوفية.

وتقدم لنا ذلك مختصرا في أوجه الرد على أولئك، وفي مسألة الكلام النفسي ذكرنا بعض الأوجه،وسبق أن تقدم لنا في شرح الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية ردود مزيدة، سبق ردود مزيدة على ما ذكرنا، وقد رد شيخ الإسلام ابن تيمية على من قال بالكلام النفسي في تسعين وجه،في رسالة مطبوعة سماها، أو سميت التسعينية؛لأنها اشتملت على تسعين وجها ترد قول من قال: إن كلام الله جل وعلا نفسي، يعني: أنه لم يتكلم بصوت يسمع، وإنما ألقى ما أراده في روع جبريل،هذه الجملة التي سمعناها الليلة متصلة، بالبحث نفسه.

قال:"فمن سمعه" يعني القرآن "فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه، وأوعده بسقر حيث قال تعالى: {سأصليه سقر}.
فلما أوعد الله بسقر لمن قال:{إن هذا إلا قول البشر} علمنا، وأيقنا أنه قول خالق البشر،ولا يشبه قول البشر،ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر، ومن أبصر هذا واعتبر،وعن مثل قول الكفار انزجر علم أنه بصفاته ليس كالبشر".

هذه الجمل مشتملة على تقرير مسألة عظيمة؛ وهي أن كلام الله جل وعلا لا يشبه قول البشر،وكيف يشبه قو البشر وهو كلام الباري جل وعلا؟ الذي لا يشبه بصفاته البشر، فالبشر لهم صفاتهم في كلامهم، وفي سمعهم، وبصرهم، وإدراكاتهم، وأهوائهم، والله جل وعلا له صفات في كلامه، وفي سمعه، وفي بصره وجميع صفاته،فلا يشبه في صفاته التي منها كلامه،لا يشبه صفات البشر،فمن قال عن القرآن: إنه قول بشر، أو إنه مخلوق، أو هو قول جبريل أو نحو ذلك وليس بقول الله جل وعلا، أو إنه كلام جبريل،وليس بكلام الله جل وعلا فإن هذا كافر بالله العظيم، لأن من قال إن القرآن كلام بشر فإن هذا كفر كما قال سبحانه: {إن هذا إلا قول البشر سأصليه سقر} في قول الوليد.

إذا تبين لك ذلك فإنهم قالوا أيضا ـ أي: المحدثون ـ قالوا:{إنما يعلمه بشر} كما قال سبحانه: {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين} فالذين أبوا هداية القرآن، وأبوا الإذعان له وصفوا القرآن بصفات،قال بعضهم: هو كهانة، وقال بعضهم: هو شعر، وقال بعضهم: هو قول بشر، وقال بعضهم: أساطير الأولين.

وكل هذه الأقوال يعلمون إنما هي لتنفير الناس عن قبول هذا القرآن،فلقد توعد كما هو معلوم في القصة ثلاثة من كفار قريش ألا يأتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل قبل ذلك، وكلهم كانوا يراد بالقرآن، ذهب أحد الناس، ذهب أحد هؤلاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام في الليل يسمع قراءته للقرآن،ولما ذهب وجد فلان وفلان،فإذا بهم ثلاثة يسمعون القرآن؛لما له من سلطان على نفوسهم، ثم لما رجعوا تقابلوا في الطريق فتواعدوا ألا يسمعوا مرة أخرى لهذا القرآن؛ لأجل ألا يراهم بعض العامة، وبعض الناس فلا يقبل قولهم في رد القرآن،ثم لما جاؤوا من الليلة الثانية، اجتمعوا أيضا،ثم صارت أيضا ثالثة،حتى رأوا أنهم لابد أن يتفارقوا على ذلك {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا}.

كذلك لما أرسل الوليد، أو عقبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليفاوضه في شأن القرآن،وأن يترك هذا الأمر قال له: يا محمد، إن أردت ملكا ملكناك، وإن أردت مالا جمعنا لك من المال ما تكون به أغنى العرب، وإن أردت نساء نظرنا في أجمل نساء العرب فأتينا بهن إليك.فقال _ عليه الصلاة والسلام _ له هذا الذي عندك،اسمع فتلى عليه صدر سورة فصلت:بسم الله الرحمن الرحيم {حم.تنزيل الكتاب من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون} ومضى_ عليه الصلاة والسلام _ في التلاوة حتى بلغ قوله تعالى: {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} فالتفت إليه الرجل فقال: حسبك.فرجع إلى قومه لما رأوه مقبلا قالوا: لقد أتاكم فلان بوجه غير الوجه الذي ذهب به،فلما حضر قالوا: ما عندك يا فلان؟قال: إني سمعت كلاما ليس هو بالشعر، وليس هو بالكهانة، وليس هو بالكلام الذي نألف،إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، أو طلاوة،أو طلاة مثلثة، وإن له لحلاوة،وإن عليه لطلاوة وإن أسفله لمورق، وإن أعلاه لمثمر، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه.

فتبين بذلك أن أولئك الذين قالوا: هو كهانة، وهو شعر،وهو قول البشر أنهم هم الذين ردوا علي أنفسهم، وجحدوا بها، واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا.

هذه المسألة يمكن أن نمر عليها فيما ذكر بشيء من التقرير العام كما فعل الشارح، لكن هذه المسألة متصلة ببحث عظيم؛ وهو بحث دلائل النبوة؛ لأن كون القرآن لا يشبه كلام البشر، ولا يشبه قول البشر هو المسألة الموسومة عند العلماء بمسألة إعجاز القرآن، وأن القرآن معجز، وهذه ولا شك مسألة مهمة،قل بل ندر أن تتعرض لها كتب العقائد،ولها صلة ببحث دلائل النبوة فهي في التوحيد، لأن صلتها تارة بدلائل النبوة من كون القرآن معجزا دليلا على صحة نبوة محمد _ عليه الصلاة والسلام _ وأنه منزل من عند الله، ومن جهة أخرى لها صلة بمبحث كلام الله جل وعلا، وهو أن القرآن لا يشبه كلام البشر، وأن كلام الله جل وعلا ليس بكلام البشر.

فلا بأس إذن أن نقرر هذه المسألة، وهي المسألة الموسومة بإعجاز القرآن؛لأجل ندرة الكلام عليها في كتب العقائد مفصلة، ونذكر منها بعض ما يناسب هذه الدروس المختصرة؛ لتقرير هذه المسألة، وهي مسألة إعجاز القرآن، وقد تكلم فيها أنواع من الناس من جميع الفرق، والمذاهب،أولا يعني نجعل البحث فيها في مسائل.نقول:

المسألة الأولى: أن لفظ الإعجاز لم يرد في الكتاب، ولا في السنة، وإنما جاء في القرآن، وفي السنة،أن ما يعطيه الله جل وعلا للأنبياء، والرسل،وما آتاه محمدا _ عليه الصلاة والسلام _ هو آية وبرهان على نبوته،فلفظ المعجزة لم يأت كما ذكرنا من قبل في الكتاب، ولا في السنة، وإنما هو لفظ حادث، ولا بأس باستعماله إذا عني به المعنى الصحيح الذي سيأتي، الذي جاء في القرآن،الآيات والبراهين.

لكن العلماء استعملوا لفظ الإعجاز لسبب؛ وهو أن القرآن تحدى الله جل وعلا به العرب،تحدى الله جل وعلا العرب بأن يأتوا بمثله، أو أن يأتوا بعشر سور مثله، أو أن يأتوا بسورة من مثله،فما تحداهم فلم يغلبوا، ولم يأتوا بما تحداهم به،فدل ذلك على عجزهم؛ وذلك بسبب أن القرآن معجز لهم،فلم يأتوا بمثله،قال جل وعلا: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}،وقال جل وعلا:{قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون}.

إذا تبين ذلك، فالتحدي لما وقع وعجزوا، وهم يريدون أي وسيلة لمعارضة القرآن، وإثبات أنه قول البشر،فأتوا بمثل عشر سور فائتوا بمثله، فائتوا بسورة من مثله لما عجزوا سمى العلماء فعلهم ذلك، أو عجزهم سموه مسألة إعجاز القرآن؛ لأجل التحدي، وعجز الكفار أن يأتوا بمثله.

المسألة الثانية: أن كلام الله جل وعلا هو المعجز،وليس أن الله جل وعلا؛ لأجل السماع أعجز لما أنزل القرآن، والفرق بين المسألتين أن الأعجاز صفة القرآن، ولكن لا يقال:إن الله جل وعلا أعجز البشر عن الإتيان بمثل هذا القرآن؛ لأنه هذا القول يتضمن، بل يدل على أنهم قادرون لكن الله جل وعلا سلبهم القدرة على هذه المعارضة.

فإذن الإعجاز، والبرهان، والآية، والدليل في القرآن نفسه لم؟ لأنه كلام الله جل وعلا،ولا يقال: إن الله جل وعلا أعجز الناس أن يأتوا بمثل هذا القرآن، أو صرفهم عن ذلك كما هي أقوال يأتي بيانها.

فإذن تنتبه إلى أن تعبير أهل العلم في هذه المسألة: أن القرآن آية، فآية محمد _ عليه الصلاة والسلام _ القرآن آية نبوته، وآية رسالته القرآن، بل محمد _ عليه الصلاة والسلام _ لما سمع كلام الله جل وعلا خاف عليه الصلاة والسلام، فاجأه الوحي وهو بغار حراء،آتاه جبريل فقال له: اقرأ.قال: ((ما أنا بقارئ)) قال له: اقرأ.قال: ((ما أنا بقارئ)) قال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق} إلى آخر ما أنزل في أول مانبئ النبي عليه الصلاة والسلام،فرجع بها عليه الصلاة والسلام، يرجف بها فؤاده؛ لأن هذا الكلام لا يشبه كلام أحد، ولم يتحمله _ عليه الصلاة والسلام _ لا في ألفاظه، ومعانيه، ونظمه، ولا في أيضا صفة الوحي والتنزيل فما استطاع _ عليه الصلاة والسلام _ أن يتحمل ذلك فرجع بهن يعني بالآيات يرجف بها فؤاده _ عليه الصلاة والسلام _ إلى آخر القصة.

إذن فالنبي _ عليه الصلاة والسلام _ نفسه أول ما جاءه الوحي لم يتحمل هذا الذي جاء لم؟لأنه كلام الله جل وعلا، وأما كلام البشر فإنه يتحمله لما سمع منه.

المسألة الثالثة: أقوال الناس في إعجاز القرآن،مسألة إعجاز القرآن كما ذكرنا لها صلة بدلائل النبوة، والقرآن معجز لمن؟للجن والإنس جميعا بل معجز لكل المخلوقات،لم؟ لأنه كلام الله جل وعلا،وكلام الله جل وعلا لا يشبه كلام الخلق، وكون القرآن معجزا راجع إلى أشياء كثيرة يأتي فيها البيان،فاختلف الناس في وجه الإعجاز؛ لأجل أن إعجاز القرآن دليل نبوة النبي _ عليه الصلاة والسلام _ في أقوال:

القول الأول: ذهب إليه طائفة من المعتزلة، ومن غيرهم،حتى من المعاصرين الذين تأثروا بالمدرسة العقلية في الصفات والكلام،قالوا: إن القرآن الإعجاز فيه إنما هو بصرف البشر عن معارضته، وإلا فالعرب قادرة على معارضته في الأصل، لكنهم صرفوا عن معارضته،فهذا الصرف هو قدرة الله جل وعلا لا يمكن للنبي _ عليه الصلاة والسلام _ أن يصرفهم جميعا عن معارضته، وهذا الصرف لابد أن يكون من قوة تملك هؤلاء جميعا، وهي قوة الله جل وعلا،فإذن الصرفة التي تسمعها القول بالصرفة، يعني: أن الله صرف البشر عن معارضة هذا القرآن، وإلا فإن العرب قادرون على المعارضة، وهذا القول هو القول المشهور الذي ينسب للنظام، وجماعة فيما هو معلوم، وهذا القول يرده أشياء نقتصر منها على دليلين: الدليل الأول: سمعي نقلي من القرآن، والدليل الثاني عقلي.

أما الدليل القرآني فهو قول الله جل وعلا:{قل لئناجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}،فالله جل وعلا أثبت أن الإنس والجن لو اجتمعت على أن تأتي بمثل هذا القرآن، وصار بعضهم لبعض معينا بالإتيان بمثل هذا القرآن أنهم لن يأتوا بمثله، وهذا إثبات لقدرتهم على ذلك؛لأن اجتماعهم مع سلب القدرة عنهم في منزلة اجتماع الأموال لتحصيل شيء الأشياء، فالله جل وعلا بين أنهم لو اجتمعوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن، وكان بعضهم لبعض معينا، وظهيرا على المعارضة، فإنهم لن يستطيعوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن، فأثبت لهم القدرة،لو اجتمعوا قادرين وبعضهم لبعض يعين، لكنهم سيعجزون مع قدرتهم التي ستجتمع،وسيكون بعضهم لبعض معينا على المعارضة، وهذه الآية هي التي احتج بها المعتزلة على إعجاز القرآن،ففيها الدليل ضدهم على بطلان الصرف.

أما الدليل الثاني: وهو الدليل العقلي،أن الأمة أجمعت من جميع الفرق، والمذاهب أن الإعجاز ينسب، ويضاف إلى القرآن، ولا يضاف إلى الله جل وعلا،فلا يقال:إعجاز الله بالقرآن، وإنما يقال باتفاق الجميع، وبلا خلاف هو إعجاز القرآن،فإضافة الإعجاز إلى القرآن تدل على أن القرآن معجزا في نفسه، وليس الإعجاز من الله بصفة القدرة؛ لأننا لو قلنا: الإعجاز إعجاز الله بقدرته الناس عن الإتيان بمثل هذا القرآن،فيكون الإعجاز بأمر خارج عن القرآن، فلما أجمعت الأمة من جميع الفئات، والمذاهب على أن الإعجاز وصف للقرآن علمنا بطلان أن يكون الإعجاز صفة لقدرة الله جل وعلا؛ لأن من قال بالصرفة بأن الله سلبهم القدرة هذا راجع الإعجاز، يعني تعجيز أولئك راجع إلى صفة القدرة،وهذه صفة ربوبية.

فإذن لا يكون القرآن معجزا في نفسه، وإنما تكون المعجزة في قدرة الله جل وعلا على ذلك،وهذا لا شك أنه دليل قوي في إبطال قول هؤلاء،لهذا المعتزلة المتأخرون ذهبوا إلى خلاف قول المتقدمين لإعجاز الصرفة؛ لأن قولهم لا يستقيم لا نقلا ولا عقلا.

المذهب الثاني من المذاهب في إعجاز القرآن: من قال القرآن معجز بألفاظه، فألفاظ القرآن بلغت المنتهى في الفصاحة؛ لأن البلاغيين يعرفون الفصاحة بقولهم فصاحة المفرد في سلامته من نفرة فيه، ومن غرابته، فالقرآن مشتمل على أعلى الفصيح، في الألفاظ،ولما تأمل أصحاب هذاالقول جميع كلام العرب في خطبهم، وأشعارهم وجدوا أن كلام المتكلم لابد أن يشتمل على لفظ دان في الفصاحة، ولا يستقيم في كلام أي أحد في المعلقات، ولا في خطب العرب، ولا في نثرهم، ولا في مراسلاتهم إلى آخره،لا يستقيم أن يكون كلامهم دائما في أعلى الفصاحة،فنظروا إلى هذه الجهة فقالوا: الفصاحة هي دليل إعجاز القرآن؛ لأن العرب عاجزون وهذا ليس بجيد؛ لأن القرآن اسم للألفاظ والمعاني،والله جل وعلا تحدى أن يؤتى بمثل هذا القرآن، أو بمثل عشر سور مثله مفتريات كما زعموا، وهذه المثلية إنما هي باللفظ، وبالمعنى جميعا، وبصورة الكلام المتركبة.فإذن كونه معجزا بألفاظه نعم لكن ليس وجه الإعجاز الألفاظ الألفاظ وحدها.

القول الثالث: من قال: إن الإعجاز في المعاني، وأما الألفاظ فهي على قارعة الطريق، مثل ما يقوله الجاحظ وغيره يعني فيما ساقه في كتاب الحيوان يقول: الشأن في المعاني، أما الألفاظ فهي ملقاة على قارعة الطريق،يعني أن الألفاظ يتداوله الناس لكن الشأن في الدلالة بالألفاظ على المعاني وهذا لا شك.

القول الرابع: من قال: إن القرآن في نظمه، ومعنى النظم هو الألفاظ المتركبة، والمعاني التي دلت عليها الألفاظ وما بينها من الراوبط، يعني أن الكلام يحتاج فيه إلى أشياء، يحتاج فيه إلى ألفاظ، وإلى معان في داخل هذه الألفاظ،يعبر بها،يعبر بالألفاظ عن المعاني، وإلى رابط يربط بين هذه الألفاظ والمعاني في صور بلاغية، وفي صور نحوية عالية،وهذا النوع سماه أصحاب القول.

وهذا هو مدرسة الجرجاني، يعني المعروفة العلامة عبد القاهر الجرجاني فيما كتب في (دلائل الأعجاز)، وفي (أسرار البلاغة) وهذا القول لما قال به الجرجاني وهو مسبوق إليه من جهة الخطابي، وغيره يعني في كلمه هو أراد بهم الرد على عبد الجبار المعتزلي في كتابه (المغني)، فإنه ألف كتاب المغني، وجعل مجلدا كاملا في إعجاز القرآن،ورد عليه بكتاب دلائل الإعجاز، وأن الإعجاز راجع إلى اللفظ، والمعنى، والروابط يعني إلى النظم،نظم القرآن جميعا المقصود النظم يعني تآلف الألفاظ والجمل مع دلالات المعاني البلاغية، واللفظية،وما بينها من صلات نحوية عالية،وهذا القول قول جيد،ولكن لا ينبغي أن يقصر عليه إعجاز القرآن.

القول الخامس: من قال: إعجاز القرآن فيما اشتمل عليه فالقرآن على أمور غيبية لا يمكن أن يأتي بها النبي _ عليه الصلاة والسلام _ بأمر الماضي وبأمر المستقبل، واشتمل القرآن أيضا على أمور تشريعية لا يمكن أن تكون من عند النبي _ عليه الصلاة والسلام _ واشتمل القرآن على هداية ومخالطة للنفوس،لا يمكن أن تكون من عند بشر، وهذا قول بعض المتقدمين، وجمع من المعاصرين،في أن القرآن مشتمل على هذه الأشياء جميعا.

ولكن هذا القول يشكل عليه أن إعجاز القرآن الذي تحديت به العرب، والعرب حينما خوطبوا به خوطبوا بكلام مشتمل على أشياء كثيرة، وكان التحدي واقعا أن يأتوا بمثل هذا القرآن، أو بمثل سورة، أو بمثل عشر أو بعشر سور مثله مفتريات،كما زعموا، وهذا يؤول إلى ما تميزت به العرب، وهو مسألة البلاغة وما تميزوا به من رفعة الكلام، وفصاحته، وبلاغته،العرب لم تكن متقدمة عارفة بالأمور الطبية، ولا بالأمور الفلسفية، ولا بالأمور العقدية، ولا بالغيبيات،وليس عندهم معرفة بالتواريخ على تفاصيلها ونحو ذلك حتى يقال: إن الإعجاز وقع في هذه الجهة، لكنهم خوطبوا بكلام من جنس ما يتكلمون به، لكنهم يعني من جهة الألفاظ، والحروف لكنهم عجزوا عن الإتيان بذلك؛ لأنه كلام الله جل وعلا.

القول الأخير.. والأقوال متنوعة؛ لأن المدارس كثيرة، أن القرآن معجز؛ لأنه كلام الله جل وعلا، وكلام الله جل وعلا لا يمكن أن يشبه كلام المخلوق، وهذا القول هو الذي ذكره الطحاوي هنا قال: علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر، ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر،فمن أبصر هذا، واعتبر وعن مثل قول الكفار انزجر علم أنه بصفاته التي منها القرآن ليس كالبشر،وهذا القول الذي أشار إليه لم يتطرق إليه الشارحون شارحو هذه الرسالة سواء من السلفيين، أو من المبتدعة من الماتريديين وغيرهم في تقرير هذه المسألة، وهو من أرفع، وأعظم الأقوال، بل هو القول الحق في هذه المسألة،أن كلام الله جل وعلا لا يمكن أن يشبه كلام البشر،خذ مثلا فيما يتميز به المخلوقات ترى فلانا فتقول: هذا عربي، وترى آخر فتقول: هذا أوربي،وترى ثالثا فنقول: هذا من شرق آسيا،لم؟

لأن الصفة العامة دلت على ذلك، ولو أخذ الآخذ يعدد لأخذ يعدد أشياء كثيرة متنوعة،دلته على أن هذه الصورة هي صورة عربي، وهذه الصورة صورة أوربي، هذه الصور الخلقية صورة شرقي من شرق آسيا،وهكذا.

فإذن الصورة العامة بها تتفرق الأشياء،فالذي يدل على الفرقان،ما بين شيء وشيء وأهمها الصورة العامة له كلام الناس،إذا انتقلنا من الصورة الخلقية كلام الناس يختلف بعضه عن بعض،قول الصحابة إذا سمعنا كلاما نقول: هذا من قول الصحابة، أو من قول السلف؛ لأن كلامهم لا يشبه كلام المتأخرين،كما قال ابن رجب: كلام السلف قليل كثير الفائدة، وكلام الخلف كثير قليل الفائدة،فكلام السلف له صورة عامة،فاعلم أن هذا من كلام السلف، فلو أتينا بكلام إنسان معاصر،وفي كلمات له كثيرة،وقارناها بكلام السلف لاتضح الفرق.

فإذن المخلوق البشر في كلامه متباين إذا رأيت كلام الإمام أحمد تقول هذا ليس كلام ابن تيمية ترى كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تقريره تقول: ليس هذا بكلام مثلا النووي،إذا رأيت كلام الإمام أحمد تقول: هذا ليس هو كلام أبي حنيفة، وهكذا،فإذن الكلام له صورة،له هيئة،من سمعها ميز هذا الكلام، وهذا هو الذي أشار إليه الطحاوي بأن كلام الله جل وعلا لا يشبه كلام البشر.

إذا تبين ذلك فإن كلام الله جل وعلا صفته فهذا القرآن،مَن سمعه أيقن أنه ليس بكلام البشر، ولهذا بعض الأدباء الغواة مثل ابن المقفع، والمعري، ونحو ذلك أرادوا معارضة القرآن بصورة أدبية فظهر، بل اتضحوا في ذلك فغيروا منحاهم إلى منحى التأثير لا إلى ما أشبه ذلك في كتبهم المعروفة، وهي مطبوعة،أرادوا المعارضة، من جهة المعاني من جهة الألفاظ, لكنهم اتضحوا؛ لأن كلام البشر لا يمكن أن يكون مثل كلام الله جل وعلا، العرب عندهم معرفة بالبيان، هم الغاية في البيان، هم الغاية في معرفة الفصاحة، هم الغاية في معرفة تركيب الكلام، لكنهم لما سمعوا القرآن ما استطاعوا أن يعارضوه, لم؟ لأن الكلام لا يشبه الكلام،لا يمكن،لا يمكن أن يعارضوا؛ لأن كلام الله جل وعلا لا يشبه كلام المخلوق.

إذا تبين لك ذلك فنقول: إذن ما نقرره هو أن وجه الإعجاز في كلام الله جل وعلا هو أن كلام الله سبحانه وتعالى لا يشبه كلام البشر، ولا يماثل كلام البشر، وأن البشر لا يمكن أن يقولوا شيئا يماثل صفة الله جل وعلا، والناس لا يستطيعون على اختلاف طبقاتهم، وتنوع مشاربهم أن يتلقوا أعظم من هذا الكلام، وإلا فكلام الله جل وعلا في عظمته،لو تحمل البشر أعظم من القرآن لكانت الحجة أعظم،لكنهم لا يتحملون أكثر من هذا القرآن.

لهذا تجد التفاسير من أول الزمان إلى الآن، وكل واحد يخرج من عجائب القرآن ما يخرج، والقرآن كنوزه لا تنفد ولا يخلق على كثرة الرد لا من جهة التلاوة، ولا من جهة التفسير، إذا تبين ذلك فكلام الطحاوي هذا من أنفس ما سمعت، وأصح الأقوال في مسألة إعجاز القرآن، وهو أن الكلام لا يشبه الكلام.

إذا تبين هذا فنقول: كلام الله جل وعلا في كونه لا يشبه كلام البشر له خصائص، فأوجه إعجاز القرآن،أوجه إعجاز القرآن التي ذكرها من ذكر نقول هي خصائص لكلام الله جل وعلا أوجبت أن يكون كلام الله جل وعلا ليس ككلام البشر،مثلما نقول يقول واحد مثلا: والله هذا الشعر موزون،هذا البيت فيه كسر،يأتي الواحد يقول:(إيش اللي) صار حرف واحد نقص؟ قال فيه كسر،أو هذا البيت ما يمكن أن يكون كذا لماذا في هيئته العامة، لكن له برهان،يأتيك يقول: لأنه كذا وكذا وكذا فلان هذا بخصالك دلنا بصفاته حركاته تصرفات على أنه ليس بعربي،هذه القضية العامة لم؟ لأنه له أدله عليها، لكن هذه خصائص العرب وما تميزوا به عن غيرهم،يقول: هذا الحديث ضعيف، أو هذا الحديث معلول،ما وجه علته؟مثلما قال مثلما قال أبو حاتم وغيره ممن تقدم: إن أهل الحديث يعرفون العلة كما يعرف صاحب الجوهر الزيف من النقد تذهب أنت ترى هل هذا الماس نقي، أو غير نقي يأتيك صاحب الخبرة، ويقول: هذا الماس ليس بنقي، أنت ترى ما تعرف تفرق؟هل هذا نقي؟ هذا الكتاب والله طبعته طبعة حجرية (اللي) ما يعرف،ما يعرف هذا الكتاب مطبوع في روسيا،كيف عرفت أنه مطبوع وليس عليه اسم الكتابة؟ هذا الكتاب مطبوع في بلدة كذا في الهند،لماذا؟عنده البرهان، ولكن الصفة العامة هي هذا.

ولهذا نقول.. وانتبه لهذا حتى تخلص من إشكال عظيم في هذه المسألة، مسألة إعجاز القرآن؛ لتنوع الخطاب فيها، وتنوع المذاهب فيها،نقول: إن كلام الله جل وعلا ليس ككلام البشر، وكلام الله جل وعلا له خصائص ميزته عن كلام البشر،ما هذه الخصائص؟ كل ما قيل داخل في خصائص القرآن:

أولا: القرآن كلام الله عز وجل، واشتمل القرآن على ألفاظ العرب جميعا،تجد القرآن فيه كلمات بلغة قريش، وفيه كلمات بلغة هذيل، وفيه كلمات بلغة تميم، وفيه كلمات بلغة هوازن، فيه كلمات بلغة أهل اليمن، وفيه بلغات كثيرة بلغة حمير، {وأنتم سامدون} قال ابن عباس:السمود: الغنى بلغة حمير،بعض قريش خفي عليها بعض الكلمات مثلما قال عمر رضي الله عنه لما تلى سورة النحل يوم الجمعة في الخطبة،تلى سورة النحل فوقف عند قوله تعالى: {أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم} نظر وقال: ما التخوف؟فسكت الحاضرون،فقام رجل من هذيل فقال: يا أمير المؤمنين،التخوف في لغتنا: التنقص،قال شاعرنا أبو كبير الهذلي:

تخوف الرحل منها سامكا طردا = كما تخوف عود النبعة في (غير مسموع)

تنقص يعني{أو يأخذهم على تخوف} يعني: يبدأ يتنقص شيئا فشيئا،ينقصون عما كانوا فيه من النعمة شيئا فشيئا, حتى يأتيهم (غير مسموع)عمر القرشي خفي عليه هذه الكلمة؛ لأنه بلغة أخرى،هل يستطيع أحد من العرب أن يحيط بلغة العرب جميعا؟ لا يمكن أن يحيط بلغة العرب جميعا،بألفاظها، وتفاصيلها، لا يمكن،ولهذا تجد في القرآن الكلمة بلغة مختلفة، وتجد فيه التركيب النحوي بلغة من لغة العرب،فيقول مثلا على لغة حمير في النحو، أو على لغة سدوس في النحو،على لغة هذيل في النحو.

فإذن الألفاظ، والمعاني، والتراكيب النحوية في القرآن تنوعت،ودخل فيها كل لغات العرب،هذا لا يمكن أن يكون من كلام أحد،لا يستطيع أحد أن يحيط هذه الإحاطة إلا من خلق اللغات وهو رب العالمين.

الثاني: الألفاظ كما ذكرنا،ألفاظ القرآن بلغت الأعلى في الفصاحة، والقرآن كله فصيح في ألفاظه، والفصاحة راجعة إلى الكلمات جميعا؛ الأسماء، والأفعال، والحروف حتى {الم} فصيح،إذن فمن خصائص القرآن التي دلت على إعجازه أن ألفاظه جميعا فصيحة،وما استطاع أحد من العرب الذين أنزل عليهم القرآن أن يعيبوا القرآن في لفظه،مما فيه كما عابوا كلام بعضهم بعضا،بل قال قائلهم: إن له لحلاوة،وإن عليه لطلاوة... إلى آخر كلامه.

الوجه الثالث من خصائصه: المعاني، المعاني التي يتصورها البشر عند قول كلامه لابد أن يكون فيها أصول،فإذا تكلم البشر في المعاني العقدية فلابد أن يكون عنده لا شك أصول، إذا تكلم في المعاني التشريعية لابد أن يظهر خلل، إذا تكلم في المعاني الإصلاحية،التهذيبية، لابد أن يكون فيها خلل، ولهذا قال جل وعلا: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}.

فإذن تنوع المعاني على هذا الوجه التام،بما يناسب المعاني الكثيرة التي يحتاجها للناس يدل على أن هذا كلام الله جل وعلا، يعني: أنه صفته هذه خصائص كلام الله جل وعلا، فلو قيل تقديرا: إننا سنصف القرآن الذي هو كلام الله جل وعلا، وبه فارق،كلام البشر، فستعدد هذه جميعا فهي خصائص، أو أوجه للإعجاز بها صار القرآن معجزا بجميعها لا بواحدة منها.

الوجه الرابع،أو الخصيصة الرابعة للقرآن: أن القرآن فيه النظم،مثلما قال الجرجاني، ومن أحسن النظريات والكلام في إعجاز القرآن من جهة البيان القرآن فيه القمة في فصاحة الألفاظ، وفي البلاغة،البلاغة متركبة من أشياء،متركبة من ألفاظ ومن معان، ومن روابط الحروف التي تربط بين الألفاظ والمعاني، وتصل الجمل،تصل الجمل بعضها ببعض، فالقرآن إذن من أوجه إعجازه،أو من صفاته وخصائصه،أن نظمه،يعني أن ترتيب الكلام والآيات فيه، وترتيب الجمل في الآية الواحدة،يدل على أنه الغاية في البيان، ولا يمكن لبشر أو لا يمكن للجن والإنسلو اجتمعوا،أن يكونوا دائما على مستوى في هذا النظم.

ولهذا تجد أن تفاسير القرآن حارت في القرآن،حتى التفاسير المتخصصة في النحو،تجده ينشط في أوله، تجده يعجز في آخره،ما تجده ينشط فيه آخر،تجده في البلاغة يريد أن يبين بلاغة القرآن،فيجود في موضع، ثم بعد ذلك تأتي المواضع يكسل،ما يستطيع أن يبين عن ذلك، لهذا قال من قال من أهل العلم: العلوم ثلاثة: علم نضج واحترق، وعلم نضج ولم يحترق، وعلم لم ينضج ولم يحترق، والثالث هو التفسير،لم ينضج ولم يحترق؛ لأنه على كثرة المؤلفات في التفسير،وهي مئات،فإنها لم تأت على كل ما في القرآن،لم؟ لأن الإنسان يعجز،يعجز المبين أن يبين عن كل ما في القرآن.

إذن نظرية النظم،التي ذكرها عبد القاهر الجرجاني في كتابيه (دلائل الإعجاز)، و (انصراف البلاغة) على تفصيل ما فيها،لا شك أنه دالة على صفة من صفات القرآن.

الوجه الخامس: أن القرآن له سلطان على النفوس، وليس ثم من كلام البشر ماله سلطان على النفوس في كل الكلام، ولكن القرآن له سلطان على النفوس،بما تميز به من كلام الله جل وعلا؛ لأنه كلام الله جل وعلا،مثلما صار السلطان على ذلك المشرك يعني أنه يرغم الأنوف وقد كان مرة أحد الدعاة يخطب العربية، وفي أثناء خطبته يورد آيات من القرآن العظيم،يتلوها،فكانت امرأة كافرة لا تحسن الكلام العربي، ولا تعرفه، فلما انتهى الخطيب من خطبته استوقفته، وكانت خطبته في سفينة، لما انتهى من خطبته استوقفته وقالت: كلامك له نمط، وتأتي في كلامك بكلمات مختلفة في رنتها، وفي قرعها للأذن عن بقية كلامك،فما هذه الكلمات؟ فقال: هي القرآن.

وهذا لا شك إذا سمعت القرآن تجد له سلطان على النفس يلجئ النفس على الاستسلام له،إلا من ركب هواه،هذا السلطان تجده في أشياء:

أولا: أن آيات القرآن في السورة الواحدة،كما هو معلوم،لم تجعل آيات العقيدة على حده،وآيات الشريعة على حده،الأحكام، وآيات السلوك حده... إلى آخره، بل الجميع كان هذه وراء هذه،فآية تخاطب المسلمين، وآية تخاطب المنافقين،وآية تخاطب النفس (غير مسموع) وآية تليها فيها ما سيأتي، وآية فيها الوعد، وآية فيها الوعيد، وآية فيها ذكر الجنة وذكر النار، وآية فيها التشريع، ثم يرجع إلى آية أخرى فيها أصل الخلق،قصة آدم، وهكذا فيه تنوع.

وهذا من أسرار السلطان الذي يكون للقرآن على النفوس؛ لأن الأنفس متنوعة، بل النفس الواحدة لها مشارب،فالنفس تارة يأتيها الترغيب، وتارة يأتيها الترهيب،تارة تتأثر بالمثل، تارة تتأثر بالقصة،تارة هي ملزمة بالعمل،تارة هي ملزمة بالاعتقاد،فكون هذه وراء هذه وراء هذه تطلق على النفس البشرية أنواع ما تتأثر به،وهذا لا يمكن أن يكون إلا من كلام من خلق هذه النفس البشرية {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}.

فتجد أن القرآن يحاصرك،فأي إنسان أراد أن يفر لا يمكن أن يفر من القرآن،فتأيته قوة بآية فيها وصف الكافرين, آيات فيها قوة في وصف المنافقين،آية فيها قوة في وصف المؤمنين،آيات فيها العقيدة، فيها الماضي، فيها الحاضر،فيها النبوة فيها الرسالة،في الدلائل،فيها حال المشركين... إلى آخره،فيما يحصر على النفس الحية والعقل الواعي الذي يتحرك، وعنده الهمة يحصر عليه الهروب، وهذا لا يمكن أن يحصره في أنواع النفس البشرية الواحدة،إلا من خلق هذه النفس، وتكلم بهذا القرآن بإصلاحها {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}.

فكيف إذن بأنواع الأنفس المختلفة،هذا الذي يصلح له الترغيب، وهذا الذي يصلح له الترهيب، وهذا الذي يصلح له وصف الجنة، وهذا الذي ينشأ عنده الإيمان بالحب وإلى آخره، وذاك الذي ينشأ عنده الإيمان بالجهاد،ونحو ذلك،تنوع الأنفس، وخطاب القرآن للناس جميعا على تنوع أنفسهم،هذا دليل ثان على أن هذا القرآن له سلطان على النفوس.

أيضا تجد أن القرآن خوطب به من عنده فن الشعر، وما يسميه بعض الناس موسيقى الكلام، يعني رنات الكلام،بعض الناس عنده شفافية في التأثر باللحن،بالرنات،بالصعود والنزول في نغمة الكلام،هذا أيضا،هذا النوع من الناس تجده في القرآن ما يجبره على أن يستسلم له لبيد بن ربيعة صاحب معلقة، وصاحب ديوان مشهور،قال قيل له: ألا تنشدنا من قصائدك لم وقفت عن الشعر؟ قال أغناني عن الشعر وتذوقه،أو كما قال،سورتا البقرة وآل عمران؛ لأن هذا شيء هو له تذوق في هذا الفن بخصوصه،فيأتي القرآن فيجعل سلطانه على النفس،فيقصره قصرا، لهذا قال جل وعلا: {وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميم} وقال سبحانه: {ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء}.

الوجه السادس،أو الصفة السادسة للقرآن، أو الخاصية السادسة التي.. أن القرآن فيه الفصل في أمور الغيبيات (غير مسموع) أنزلت على محمد عليه الصلاة والسلام،وكان أميًّا عليه الصلاة والسلام، مالم يظهر وجه بيانها، وحجتها في كمال (غير مسموع) إلا في العصر الحاضر، وهو ما اعتنى به طائفة من الناس، وسموه الإعجاز العلمي في القرآن، والإعجاز العلمي في القرآن حق لكن له ضوابط،توسع فيه بعضهم فخرجوا به عن المقصود،إلى أن يجعلوا آيات القرآن خاضعة للنظريات، وهذا باطل، بل النظريات خاضعة للقرآن؛ لأن القرآن حق من عند الله، والنظريات من صنع البشر،لكن بالفهم الصحيح للقرآن، فثم أشياء من الإعجاز العلمي حق لم يكن يعلمها الصحابه رضوان الله عليهم على كمال معناها، وإنما علموا أصل المعنى،فظهرت في العصر الحاضر في أصول من الإعجاز العلمي، الإعجاز الاقتصادي، الإعجاز التشريعي، الإعجاز العقدي،أشياء لكم عنها الناس في هذا العصر مع نطيل في بيانها وكل واحدة منهادالة على أن هذا القرآن من عند الله جل وعلا {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيها اختلافا كثيرا}.

الوجه السابع: والأخير: وبه نختم هذا الدرس،أن القرآن من صفاته أن الإنسان المؤمن كلما ازداد من القرآن ازداد حبا في الله جل وعلا، وهذا راجع إلى الإيمان، وراجع إلى أن صفة القرآن فيها زيادة في الهدى، والشفاء للقلوب الأوامر والنواهي، والأخبار التي في القرآن هي هدى وشفاء لما في القلوب،كما قال سبحانه: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء}, وهذا سلطان خاص علي الذين آمنوا في أنه يهديهم ويخرجهم من الظلمات إلى النور في المسائل العلمية، وفي المسائل العملية, لهذا ما تأتي فتنة، ولا استباح إلا وعند المؤمن البصيرة بما في هذا القرآن {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}.
فإذن صفة كلام الله جل وعلا في أن المؤمن الذي يقرأ القرآن، ويعلم حدوده، ويعلم معانيه، ويعلم معانيه،أن عنده النور في الفصل في المسائل العلمية والعملية،وهذا لا يلقاها إلا أهل الإيمان {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء} {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا}.

فهذا إذن سلطان خاص،يزيد المؤمن إيمانا،لهذا إذا تليت على المؤمن آيات الله جل وعلا (إيش؟){زادتهم إيمانا}, {زادتهم إيمانا}؛لما فيها من السلطان على النفوس.
إذا تبين لك ذلك،فكلام الله جل وعلا قديم النوع،حادث الآحاد،والقرآن من الحادث الآحاد وقت التنزل كما قال جل وعلا: {وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا} إلى آخر الآيات،يعني: أن الله جل وعلا تكلم به، وكلام الله جل ولا أوسع من الكلام بالقرآن، والقرآن جاء على هذا النحو؛ لأنه الذي يتحمله الإنسان،الإنس والجن لا يتحملون أكثر من هذا، وإلا فصار عليهم كلفا وعنت.

بهذا يتبين لك ما ظهر لي من تحصيل أقوال أهل العلم في هذه المسألة العظيمة،التي خاض فيها المعتزلة، وخاض فيها الأشاعرة،وقل بل ندر من أهل السنة من خاض فيها على هذا النحو، بل لا أعلم من جمع فيها الأوجه، على هذا النحو في كتب العقائد، بل تجدها متفرقة في كتب كثيرة في البلاغة، وفي الدراسات في إعجاز القرآن، وفي التفسير وفي كتب متنوعة، وما أجمل قول الطحاوي رحمه الله تعالى رحمة واسعة،أيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر،وهذا هو الحق،فالقرآن بصورته وهيئته وصفته،لا يمكن أن يشبه قول البشر حتى في رسمه، وتنوع آياته، وسوره،لا يمكن أن يشبه قول البشر.

أسأل الله جل وعلا،أن يغرس الإيمان في قلوبنا غرسا عظيما، وأن يجعلنا من أوليائه الصالحين، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدا،وأسأله سبحانه أن يوفقنا،وأن يوفق ولاة أمورنا لما يحب ويرضى،وأن يجعلنا وإياهم من المتعاونين على البر والتقوى،كما أسأله سبحانه أن ينور قلوبنا بالقرآن، وأن يجعلنا من أوليائه،إنه سبحانه جواد كريم،وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد. نجيب عن ثلاثة أسئلة.

سؤال: نريد أن نرجع إلى مرجع في مسألة إعجاز القرآن.
جواب: مسألة طويلة الذيول،وما ذكرت متفرق بين مراجع كثيرة.

سؤال: ما هي عقيدة أبي العتاهية؟
جواب: رحم الله أبا العتاهية؛ فهو من الصالحين.ولا تسل عن شيء ليس فيه مصلحة، أبو العتاهية شاعر من الشعراء الزهاد، شعره وديوانه مطبوع.

سؤال: هل يوجد في القرآن ألفاظ عجمية؟
جواب: الجواب ومعنى (حم) و (الر) كلمات اللأعجمية في القرآن أعجمية الأصل، لكنها عربية الاستعمال،ومعلوم أن العرب لما استعملوا هذه الكلمات صارت عربية {سندس وإستبرق} وأشباه ذلك؛ لأنها لم تأت على أوزان العرب.

فأهل العلم في هذه المسألة لهم قولان؛ منهم من ينفي وجود الكلمات العجمية أصلا، ومنهم من يقول: هي موجودة، لكنها بالاستعمال صارت عربية،وهذا هو الصحيح، أما الأحرف المقطعة في أوائل السور (الم. الر. حم) فهي دالة على الإعجاز القرآني،فالحجة فيها عظيمة (الر. الم) فصيحة ألفاظها،يعني هذه الأحرف من حيث الاستعمال ودالة على أعظم أنواع الإعجاز، أو على دليل عظيم من أدلة الأعجاز كيف ( ا ل م ر ح م ك ه ع ى ص ) هذه الأحرف هي الأحرف التي بها يتكلم العرب، وينشئون بها الكلام الذي يفاخرون به.

فأشعار العرب من هذه الأحرف، وكلمات العرب، وخطب العرب من هذه الأحرف، وما تفاخروا فيه من البيان، والبلاغة، والألفاظ، والفصاحة، إنما هو مكون من هذه الأحرف،فالله جل وعلا في أول بعض السور افتتحها بالأحرف المقطعة؛لينبه أن هذا القرآن كلماته، وآياته من هذه الأحرف،التي بها تنشئون كلامكم البليغ،الذي تتحدون به، فهي يستعمل هذه الأحرف في إنشاء كلام مثل هذا القرآن.

ولهذا تجد أن الأحرف المقطعة في افتتاح السور أغلبها، والغالبية العظمى منه يكون بعد ذكر الأحرف المقطعة ذكر الكتاب، والقرآن لا تجد سورة فيها ذكر الأحرف المقطعة إلا وفيها ذكر القرآن، والأغلب أن تكون بعد الأحرف المقطعة مباشرة، خذ مثلا {الم.ذلك الكتاب لا ريب فيه} {ق.والقرآن المجيد} {حم.والكتاب المبين} {يس.والقرآن الحكيم} {حم.تنزيل من الرحمن الرحيم} {الر.كتاب أحكمت آياته ثم فصلت} [الم. تلك آيات الكتاب وقرآن مبين]*.

إذن فكلما ذكر الكتاب كلما ذكرت الأحرف ذكر بعدها الكتاب، وتارة تكون بعد ذلك كسورة مريم {كهيعص} يأتي ذكر القرآن بعدها،فإذن إيراد هذه الأحرف المقطعة في أوائل السور لتحدي العرب بتكوين كلام من هذه الأحرف،التي يكونون بها كلامهم، وينشئون بها خطبهم، وأشعارهم،وهي عارضوا القرآن بمثل هذا الكلام.

سؤال: ما رأيكم بمن يقول: إن الله ليس له لغة؛بدليل أنه يخاطب جميع البشر كله حسب لغته؟
جواب: أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله،اللغة اصطلاحية،اللغة من آيات الله، {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم} البشر احتاجوا للغات ليتفاهموا فيما بينهم،الله جل وعلا هو الذي خلق البشر، وخلق لغات البشر، وجعل اختلاف الألسن دليلا على عظم الباري جل وعلا،الله سبحانه أعظم من أن يقال فيه: إنه يتكلم بكل اللغات، أو أنه ليس له لغة، أو نحو ذلك؛فالله جل وعلا أعظم وأجل من ذلك {وما قدروا الله حق قدره} سبحان ربي وتعالى،سبحان ربي وتعالى.

سؤال ما رأيك في قول الشخص الآخر؟ هذا (مو) متعلق بالدرس لكن الجواب عليه مهم قول الشخص الآخر لك خالص شكري؟
جواب: الجواب: أن هذا نبهنا عليه مرارا،أن الشكر عبادة،الشكر عبادة لله جل وعلا،أمر الله بها {أن اشكر لي ولوالديك} [فاشكرو لي ولا تكفرون]* ولما أمر الله به فهو عبادة عظيمة من العبادات التي يتقرب إلى الله جل وعلا، والعبادات من الدين، والدين خالص لله جل وعلا {ألا لله الدين الخالص} فلا يجوز أن يقال لأحد: لك خالص شكري؛ لأن خالص الشكر لله سبحانه وتعالى، أو لك خالص تحياتي،مع خالص تحياتي، أو خالص تقديري، هذه كلها لله جل وعلا،خالص التحيات، وخالص التقدير، والقدر والتعظيم،وخالص الرجاء، ومثلما يقول: وفيك خالص رجائي،الرجاء والشكر،وهذه الأشياء هي عبادة وخالصها لله جل وعلا.

فلا يجوز أن يقول القائل مثلما هو شائع في كثير من الرسائل، والمكاتبات: وتقبل خالص شكري وتقديري؛ لأن هذا إنما هو لله جل وعلا،فالشكر الخالص لله،يقال للبشر: لك عظيم شكري، أو يقال له: مع عظيم شكري،لك مع جزيل شكري ونحو ذلك، نعم، يشكر البشر على ما يقومون به من أنواع الخير؛وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يشكر الله من لا يشكر الناس)) فالذي لا يشكر الناس لا يشكر الله جل وعلا.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل مني ومنكم، وأن يزيدنا من العلم النافع، والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. (كلام غير مسموع)
ما حد يعرف إن القرآن نزل مسموع؛ لأن (اللي) يقول: نزل للسماء الدنيا ما يقول: إنه نزل مكتوبا وأخذه جبريل (كلام غير مسموع).
الشيخ: أما بعد.., فنجيب على بعض الأسئلة، والاستفسارات.

سؤال: يقول: في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إنما أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني)) في الوصال هل الإطعام حقيقي؟وما هي الأقوال في ذلك؟
جواب: إن الأمور المضافة إلى الله جل وعلا من الأفعال الأصل فيها ككل فهم للغة، أن يفهم ظاهر الكلام، ظاهر الكلام، هو ما (غير مسموع) تبادر إلى الذهن؛ ذهن العربي من سماع الكلام، والظاهر تارة يكون بأفراد الكلام، وتارة يكون بتركيبه.

والصحابة رضوان الله عليهم واصلوا الصيام،فنهاهم النبي عليه الصلاة والسلام؛وسبب نهيه عليه الصلاة والسلام الصحابة عن المواصلة الإبقاء عليهم، وعدم تكليف؛ لأن في الوصال مشقة،ترك الطعام الذي به قوام الإنسان،فقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث حينما نهاهم قالوا: يا رسول الله،إنك تواصل. قال: ((إني لست كهيئتكم؛إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني))،فدل على هذا على أن ظاهر الكلام،أن الله جل وعلا يطعم الرسول صلى الله عليه وسلم ويسقيه.

ومعلوم أن الإطعام والإسقاء،أن الإطعام والسقيا ليستا بالأكل والشرب المعتاد؛ لأن هذا يفطر فيكون إذن ظاهر الكلام دل على شيئين:

الأول: أن الإطعام والإسقاء،الإطعام والسقيا هذا حقيقي على ظاهره، وأنه طعام به يقوى البدن، ولكن ليس عن طريق الفم.

والثاني: أن النبي عليه الصلاة والسلام ليس إطعامه من ربه جل وعلا بالأكل والشرب المعروف؛ لأنه بهذا يفطر الصائم،قال: الأقوال في ذلك متعددة،لكن هذا القول هو الذي يوافق ظاهر الحديث، والحديث ليس من أحاديث الصفات،لكن هذا هو الذي يوافق ظاهر الحديث.

سؤال: إذا تضرر الناس من المطر،واضطروا إلى الاستصحاء،هل يصلى لها صلاة، ويدعو الإمام في الجمعة؟
جواب: الاستصحاء هو طلب الصحو، والنبي عليه الصلاة والسلام جاءه رجل وهو يخطب،فشكى إليه الحال فدعا واستغفر،فخرجت سحابة مثل الترس،فملأت السماء، فأمطروا إلى الجمعة القابلة، ثم أتى رجل قيل لأنس: هل هو ذلك الرجل الأول؟ قال: لا أدري. فقال: يا رسول الله،انقطعت السبل... إلى آخره،فدعى النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: ((اللهم حوالينا ولا علينا،اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر)) وأشار بيده هكذا وهكذا وهكذا،فصار ما فوق المدينة كالجوف، يعني: كالفتحة،من إشارته يعني تفرق السحاب، وهذا من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام،فإذا احتيج إلى ذلك دعا الإمام بهذا، وهذا مشروع كما دلت عليه السنة.

سؤال: ما حكم تعليق المشيئة على أمر متأكد أنه واقع،كقوله: هذا فلان الواقف أمامك إن شاء الله.كذلك حكم تعليقها على أمر قد حصل وانتهى،كقوله: أكلت إن شاء الله؟وثم سؤال ثان...
جواب: المشيئة في استعمال المسلم لها على درجتين:

الأولى: أنه يقصد بها حقيقة التعليق، يعني: أن ما سيفعله معلق بمشيئة الله كما قال جل وعلا: {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين}،{وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما}،وقال: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت}،فإذا كان الأمر يعلق على المستقبل فإنه يتأكد استعمال المشيئة،يعني: أن يعلق الأمر على مشيئة الله؛ لأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

والدرجة الثانية: أن تكون إن شاء الله (غير مسموع) تحقق الأمر بمشيئة الله،يعني: أن الأمر وقع، ووقوعه ليس بمشيئتي، ولكن بمشيئة الله،فلا بأس أن يؤكد أي أمر وقع بكلمة (إن شاء الله)، ويقصد بها أنه تحقق ووقع بمشيئة الله جل وعلا، وعلى هذا جاء في القرآن قول الله جل وعلا: {ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين} بعد أن دخلوا،وكقوله جل وعلا: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون}.

السؤال الثاني: ما حكم الاحتجاج بالقدر.. بمناسبة تعليق المشيئة،الكلمة المعروفة التي تروى عن شيخ الإسلام ابن تيمية،أنه لما حض الناس على جهاد التتر،فقال: إنكم منصورون.فقال له أحد القضاة: قل: إن شاء الله.قال إن شاء الله؛ تحقيقا لا تعليقا، يعني: أنتم منصورون، والنصر بمشيئة الله يتحقق؛ وهذا لأجل أن الله جل وعلا وعد عباده، ووعده حق أن ينصرهم: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}،وقال جل وعلا: {كتب الله لأغلبن أنا ورسليوقال سبحانه: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين أنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون} ونحو ذلك من الأدلة.

سؤال: السؤال الثاني: ما حكم الاحتجاج بالقدر على فعل المكروهات، وترك المستحبات،مثل أن يترك الإنسان النوافل بعد الصلاة،فإذا (إيش) حاجة أحد قال: هذا بقضاء الله وقدره؟
جواب: القدر لا يجوز الاحتجاج به على المعايب،فإذا كان ثم فعل للإنسان فيه عيب من ترك فريضة، أو فعل محرم، أو من ترك نافلة، أو فعل مكروه فإنه لا يجوز أن يحتج،أن يحتج على ذلك بالقدر، وإنما يجوز الاحتجاج بالقدر على المصائب،إذا أصيب الإنسان بمصيبة علق ذلك بقدر الله جل وعلا؛ لأنه بتعليقه بالقدر تطمئن النفس، ويكمل الإيمان والهدى {ومن يؤمن بالله يهد قلبه ما شاء الله كان،قدر الله وما شاء فعل،هذا في المصائب، أما في المعايب فإن هذا من وسائل الشيطان؛ لأن الاحتجاج بالقدر على المعايب ليس فيه في الحقيقة حجة، بل حجة على صحابه الذي احتج به؛ لأن الإنسان مخير هل يعمل هذا، أو يعمل الأمر الثاني؟فكونه اختار أحد الأمرين بإرادته التي توجهت إلى أحد الأمرين، وبقدرته التي توجهت إلى أحد الأمرين،فإن احتجاجه بالقدر حينئذ احتجاج للخروج من التبعة؛ لأنه كان عنده إرادة،ولو صح الاحتجاج بالقدر في المعايب لما بقي معنى للتكليف، ولا للحساب؛ لأن هذا هو معنى قول الجبرية.

سؤال: ما الفرق بين معجزات الأنبياء،كمعجزة القرآن؟وهل معجزات الأنبياء معجزة في نفسها كالقرآن أم لا؟
جواب: معجزات الأنبياء، ومنها معجزات المصطفى صلى الله عليه وسلم،ذكرنا لكم أنها آيات وبراهين ودلائل،فلفظ المعجزة لفظ حادث، ولهذا صار يقع الإشكال في توجيه بعض الأمور؛ لأنه ينتقل من استعمال العلماء لها بأحد معانيها، أو في كثير من معانيها،إلى أن تجعل حقيقة شرعية هامة، وهذا يتنبه له؛فإن كلام العلماء تقريبي بالحقائق،فإذا كان الاستعمال الاصطلاحي لهم في الألفاظ لم يأت في القرآن، ولا في السنة فينبغي أن يجعل بقدره، وألا يزاد على ما استعملوه فيه.

ولهذا لفظ المعجزة كما ذكرنا لكم لم يأت في القرآن، ولا في السنة، وإنما فهم ذلك فهما،وهذا الفهم صحيح إذا قدر بقدره الشرعي، ولم ينتقل عنه إلى مالم يأت به دليل،فلهذا نقول: آيات الأنبياء، والبراهين الدالة على صحة رسالتهم، وعلى أنهم (غير مسموع) وعلى أنهم مرسلون من عند الله، وأن ما جاؤوا به حق هذه كلها دليل صدقها في نفسها؛ لأنها شيء خارج عن قدرة الإنس والجن في ذلك الزمان جميعا.فكل معجزة،كل آية، كل برهان اقترن بدعوى النبوة فهو خارج عن قدرة الإنس والجن جميعا،فالنبي محمد عليه الصلاة والسلام،وفي جميع الأنبياء والمرسلين؛ لأننا نقول: إن كل نبي يخاطب به، يعني يخاطب برسالته الإنس الذين بعث فيهم، وكذلك يخاطب برسالته من سمع رسالته من الجن.

فلهذا يقع الإعجاز، وتقع الحجة؛بأن تكون الآية والبرهان خارجين عن مقدور الإنس والجن جميعا، وهذا هو في آيات وبراهين الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات الله وسلامه،وكذلك في القرآن، فكلها آية وبرهان،حجته في نفسه قاطع في نفسه لمعارضة المعترض، وتدبر هذا في جميع الآيات التي أوتيها الأنبياء والمرسلون عليهم صلوات الله وسلامه. نكتفي بهذا.اقرأ


* الصواب: {الر . تلك آيات الكتاب وقرآن مبين} , الحجر , آية: (1) .

* الصواب: {واشكروا لي ولا تكفرون} البقرة , آية: (152) .


  #6  
قديم 5 ربيع الأول 1430هـ/1-03-2009م, 09:58 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية للشيخ: يوسف بن محمد الغفيص (مفرغ) (مكرر)


من أصول الإيمان: الإيمان بالكتب المنزلة على أنبياء الله عليهم السلام، ومن أخص هذه الكتب: القرآن العظيم، فهو أفضلها وأحكمها والمحفوظ منها -بحفظ رب العالمين- إلى يوم الدين، وهو كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.

عقيدة أهل السنة في القرآن
قال المصنف رحمه الله: [وإن القرآن كلام الله، منه بدأ بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحياً، وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر، حيث قال تعالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:26] فلما أوعد الله بسقر لمن قال: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:25] علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر، ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر، فمن أبصر هذا اعتبر، وعن مثل قول الكفار انزجر، وعلم أن الله تعالى بصفاته ليس كالبشر] . بعدما ذكر المصنف مسألة النبوة ذكر مسألة كلام الله سبحانه وتعالى، ومن المعلوم أن من أصول الإيمان: الإيمان بكتب الله سبحانه وتعالى، وهي الكتب المنزلة على الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأخص هذه الكتب وأعظمها وأحكمها هو القرآن الذي أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم، وتعظيمُ القرآن مجمع عليه بين المسلمين ولكن لما عطل الجهمية والمعتزلة الباري عن صفاته، ولم يصفوه بصفات الكمال، كان من تلك الصفات صفة الكلام، فقالوا: إن كلام الله مخلوق، ولما كان صريحاً في القرآن أن القرآن كلام الله قالوا: القرآن مخلوق. وقد أجمع السلف على أن هذه كلمة كفرية، وقد حكى الإجماع غير واحد كـشيخ الإسلام وغيره، بل القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، حروفه ومعانيه، وهذا التقرير هو فرع عن الأصل المقول في الصفات، وهو إثبات صفات الكمال لله سبحانه وتعالى، ومن أخص صفاته الثابتة في العقل والشرع: الكلام، فإن الله موصوف بالكلام. ......

خلاصة مذهب أهل السنة في كلام الله
ومذهب أهل السنة والجماعة في مسألة الكلام، أن الله موصوف بهذه الصفة أزلاً وأن كلامه سبحانه وتعالى متعلق بقدرته ومشيئته، وأنه بحرف وصوت مسموع. وقد ذكر الله القرآن وسماه تنزيلاً، وذكر القرآن وسماه كلاماً له في قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6] ولهذا قال المصنف: (وإن القرآن كلام الله، منه بدأ بلا كيفية قولاً) أي أن القرآن بدأ منه سبحانه وتعالى قولاً له، بحرف وصوت مسموع.

براءة الطحاوي من مذهب الأشعرية والكلابية في كلام الله
قال رحمه الله: (وأنزله على رسوله وحياً، وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة) لما استعمل لفظ الحقيقة، كان هذا درءاً لمذهب الأشعري وأمثاله الذين قالوا: إن القرآن عبارة أو حكاية عن كلام الله وليس كلام الله على الحقيقة. فهذه الجملة من أبي جعفر الطحاوي رحمه الله تبين أنه لم يكن على طريقة الأشعرية، وإن كان قد يغلط أو يتأثر أحياناً ببعض السياقات التي يستعملها بعض أئمة الأشعرية، ويكون تأثره بها تأثراً لفظياً.

مذهب الأشعري وابن كلاب في كلام الله
الأشعري وابن كلاب أثبتوا صفة الكلام لله إثباتاً غير متصور في العقل، فقالوا: إن الكلام معنى واحد يقوم في النفس، ليس بحرف ولا بصوت، ولا يتعلق بالقدرة والمشيئة، وهذا مذهب شاذ أحدثه عبد الله بن سعيد بن كلاب وتبعه عليه الأشعري وأمثاله، وليس هو قول أهل السنة ولا يعرف عن أحد من سلف الأمة، بل كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه قول مخالف للعقل فضلاً عن مخالفته للشرع. فلما قال ابن كلاب و الأشعري : إن الكلام معنى واحد يقوم في النفس ليس بحرف ولا صوت، جعلوا القرآن الذي هو حرف حكايةً أو عبارةً عن كلام الله، وليس كلاماً له، ولا شك أن هذا تناقض؛ فإن من أثبت الكلام لله، لزمه أن يجعله بحرف وصوت؛ لأن الكلام كذلك. وهذا يقود إلى مسألة، وهي: حقيقة الكلام؛ فإن الذي أجمع عليه أهل السنة أن الكلام يتناول اللفظ والمعنى جميعاً، ليس هو اللفظ وحده ولا المعنى وحده، والمشهور عند النحاة أن الكلام هو اللفظ، وإن كان من يطلق ذلك من النحاة، ليس بالضرورة أنه يلتزم بعض النتائج المقولة في أصول الدين، ومن هنا قال ابن مالك : كلامنا لفظ مفيد.... ................... وجعلوا المعنى مدلولاً لهذا اللفظ، ولم يجعلوا لفظ الكلام متناولاً له، وغلط ابن كلاب و الأشعري ، فقالوا: إن الكلام هو المعنى وحده، وقال طائفة: إنه مشترك بين اللفظ وبين المعنى على الانفكاك، فيكون اللفظ وحده كلاماً ويكون المعنى وحده كلاماً. والله سبحانه لم يذكر الكلام مطلقاً إلا وأراد به ما كان بحرف وصوت، وأما قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ} [المجادلة:8]، فمثل هذا السياق لا يدل على مذهب الأشعري ، لأنه سياق مقيد، فضلاً عن كون طائفة من المفسرين قالوا في تفسيرها: أنهم يقولون فيما بينهم كلاماً لا يسمعه غيرهم. ......

حكم من قال مقالة كفرية
قال: (ليس بمخلوق ككلام البرية)، وفي هذه الجملة مفارقة لمذهب المعتزلة، فإن المعتزلة تقول: إنه مخلوق. قوله: (فمن سمعه فزعم أنه من كلام البشر فقد كفر...إلخ). من قال: القرآن مخلوق فقوله كفر؛ لكن قائل ذلك لا يكفر ابتداءً إلا إذا علم أن الحجة قد قامت عليه، وقد كان في زمن السلف رحمهم الله أعيان كثيرون من الجهمية والمعتزلة وغيرهم يقولون: إن القرآن مخلوق، وما كان أحدٌ من السلف يطرد تكفير أعيانهم، وذلك أن ثمة أصلين عظيمين شريفين في مسألة: التكفير لمن غلط من أهل القبلة في مسائل أصول الدين، قررهما شيخ الإسلام : الأصل الأول: أن المقالة التي تكون في حكم الله ورسوله كفراً لا يلزم منها أن يكون كل من قالها من أهل القبلة كافراً، ومن ذلك قولهم: إن القرآن مخلوق. وتقدم أن شيخ الإسلام يقول: (والإمام أحمد وإن تواتر عنه تكفير الجهمية الذين قالوا بخلق القرآن فإنه لم يشتغل بتكفير أعيانهم، بل قد صلى الإمام أحمد خلف بعض من يقول بخلق القرآن ودعا له واستغفر له)، ويعني بذلك الخليفة المعتصم ، فإنه كان يقول بخلق القرآن تبعاً لأئمة المعتزلة، ومع ذلك فقد صلى الإمام أحمد خلفه ودعا له واستغفر له، ولو كان يرى كفره لما فعل ذلك. وأما من قال: إن الإمام أحمد إنما فعل ذلك خلفه -أي الصلاة والدعاء- لكونه سلطاناً، ولو لم يكن سلطاناً لكفره، فهذا جاهل لا يعرف ما يقول، ومعلوم أن هذه المسائل لا تكفها مسألة السلطنة، بل كان الإمام أحمد لا يرى كفر المعتصم ، والمذهب عند متأخري الحنابلة أن الفاسق لا يصلى خلفه، ولو كان الإمام رحمه الله يرى أن المعتصم كافراً لما دعا له واستغفر له وصلى خلفه، مع أن المعتصم كان ثابتاً على القول بخلق القرآن، ومع أنه سمع المناظرة، وسمع انقطاع أئمة المعتزلة بين يدي الإمام أحمد . الأصل الثاني: أن يُعلم أن الواحد من أهل الصلاة والشعائر الظاهرة، لا يكون كافراً في نفس الأمر -أي في الحكم الباطن- إلا إذا كان ما يظهره من الصلاة والشعائر الظاهرة نفاقاً. ومعلوم أنه لا يلزم من الحكم بكفر شخص ظاهراً أن يكون كافراً باطناً، ولا يلزم من الحكم بإسلامه ظاهراً أن يكون مسلماً باطناً، فالمنافقون عند كثير من المسلمين يحكم لهم بالإسلام مع أنهم عند الله كفار، وكان جماهير الصحابة زمن النبوة لا يعرفون عامتهم، بل إن ظاهر القرآن يدل على أن من المنافقين من كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرفه، قال الله تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة:101] وقد يُكّفر أحد أعيان أهل القبلة من بعض العلماء اجتهاداً، وقد يكون هذا الاجتهاد في نفس الأمر صواباً وقد يكون غلطاً، قد يكون له من العذر الذي لم يطلع عليه ما يدفع عنه الكفر عند الله. وهذا الأصل ليس مشكلاً كما ادعى بعض المعاصرين، فقال: إن كلام شيخ الإسلام فيه نظر، بل إن أحكم من قرر مسألة التكفير من المتأخرين هو الإمام ابن تيمية رحمه الله، وقد بناها بناءً شرعياً عقلياً؛ فإنه قال بعدما ذكر هذا الأصل: (وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بُعث بمكة كان الناس أحد رجلين، إما مؤمن ظاهراً وباطناً وإما كافر ظاهراً وباطناً، ولما هاجر إلى المدينة ظهر نوع ثالث، وهم من آمن ظاهراً وكفر باطناً. والمؤمنون ظاهراً وباطناً على ثلاثة أقسام: فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات. قال: فالذي يُظهِر الصلاة والصوم والحج ويعتمر ويؤذن ويقيم، لا يسمى كافراً ظاهراً وباطناً لأنه في الظاهر مسلم، قال: فدار بين كونه مؤمناً ظاهراً وباطناً وبين كونه مؤمناً ظاهراً كافراً في الباطن، قال: وإذا قلنا عن أهل البدع المخالفين لإجماع السلف: إنهم مؤمنون ظاهراً وباطناً، فإنما يعنى بهذا الإيمان: الأصل الذي يفارق الكفر، قال: وإلا فإن عامتهم ظالمون لأنفسهم، لأن مثل هذه البدع لا تكون إلا عن تقصير في متابعة أمر الله ورسوله، وهذا التقصير في العلم هو من أخص الكبائر والظلم). ولهذا قال رحمه الله -وهذا أصل ثالث-: (إن كل من أراد الحق واجتهد في طلبه من جهة الرسول فأخطأ فإن خطأه مغفور له). فذكر ثلاثة شروط: الأول: أن يكون أراد الحق، والثاني: أن يكون مجتهداً في طلبه، والثالث: أن يكون طلبه إياه من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم. قال: (فمن عدم الإرادة، أو عدم الاجتهاد، أو طلبه من غير جهة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يكون كافراً، وأما من أراده واجتهد فيه من جهة الرسول فأخطأه: فإنه في الأصول الشائعة بين المسلمين أنه لا يخطئه إلا مقصر إما في مقام الإرادة، أو مقام الاجتهاد، قال: فهذا هو الظالم لنفسه). قال: (وعامة أهل البدع، مقصرون في مقام الاجتهاد). ......

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
وأن, قوله

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:17 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir