دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الطحاوية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 02:34 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي قوله: (وأن القرآن كلام الله...)

وأنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ.
مِنْهُ بَدَا بلا كَيْفِيَّةٍ قَوْلًا، وَأَنْزَلَهُ على رَسُولِهِ وَحْيًا.
وَصَدَّقَهُ المؤمنونَ على ذلكَ حَقًّا.
وَأَيْقَنُوا أَنَّهُ كَلاَمُ اللهِ تعالى بالحقيقةِ.
ليسَ بِمَخْلُوقٍ كَكَلاَمِ البَرِيَّةِ.
فَمَنْ سَمِعَهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ كلامُ البَشَرِ، فقدْ كَفَرَ.
وقدْ ذَمَّهُ اللهُ وَعَابَهُ وَأَوْعَدَهُ بِسَقَرَ، حَيْثُ قالَ تَعَالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المُدَّثِّرُ: 26].
فَلَمَّا أَوْعَدَ اللهُ بِسَقَرَ لِمَنْ قالَ: {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ} عَلِمْنَا وَأَيْقَنَّا أَنَّهُ قَوْلُ خَالِقِ البَشَرِ.
ولا يُشْبِهُ قَوْلَ البَشَرِ.

  #2  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 02:40 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات على الطحاوية لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز


[لا يوجد تعليق للشيخ]


  #3  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 02:43 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات المختصرة للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

(1) وأنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ.
(2) مِنْهُ بَدَا بلا كَيْفِيَّةٍ قَوْلًا، وَأَنْزَلَهُ على رَسُولِهِ وَحْيًا.
(3) وَصَدَّقَهُ المؤمنونَ على ذلكَ حَقًّا.
(4) وَأَيْقَنُوا أَنَّهُ كَلاَمُ اللهِ تعالى بالحقيقةِ.
(5) ليسَ بِمَخْلُوقٍ كَكَلاَمِ البَرِيَّةِ.
(6) فَمَنْ سَمِعَهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ كلامُ البَشَرِ، فقدْ كَفَرَ.
(7) وقدْ ذَمَّهُ اللهُ وَعَابَهُ وَأَوْعَدَهُ بِسَقَرَ، حَيْثُ قالَ تَعَالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} (المُدَّثِّرُ: 26).
(8) فَلَمَّا أَوْعَدَ اللهُ بِسَقَرَ لِمَنْ قالَ: {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ} عَلِمْنَا وَأَيْقَنَّا أَنَّهُ قَوْلُ خَالِقِ البَشَرِ.
(9) ولا يُشْبِهُ قَوْلَ البَشَرِ.




(1) بعدَ أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وتؤمنَ برسولِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تؤمنُ أنَّ القرآنَ كلامُ اللَّهِ؛ لأنَّ هذا هو الذي جاءَ بهِ الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَنْزَلَ اللَّهُ عليهِ القرآنَ، وهذا القرآنُ لَيْسَ من كلامِ محمدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ولا مِن كلامِ جبريلَ، إنَّمَا هو كلامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، تَكَلَّمَ اللَّهُ بهِ، وتَلَقَّاهُ جبريلُ مِن اللَّهِ، وتَلَقَّاهُ النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ من جبريلَ عليهِ السلامُ، وتَلَقَّتْهُ الأُمَّةُ مِنْ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فهو كلامُ اللَّهِ، منهُ بَدَا سُبْحَانَهُ، لم يَأْخُذْهُ جبريلُ من اللَّوْحِ المحفوظِ كما يقولُهُ أهلُ الضلالِ، ولم يكنْ من كلامِ جبريلَ ولا محمدٍ، إنَّمَا هو من كلامِ ربِّ العالمينَ. وأمَّا جبريلُ ومحمدٌ عليهما الصلاةُ والسلامُ فهما مُبَلِّغَانِ عن اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فالكلامُ إِنَّمَا يُقَالُ ويُضَافُ لمنْ قالَهُ مبتدأً، لا مَن قالَهُ مُبَلِّغًا ومُؤَدِّيًا.
فمَن قَالَ: إنَّ جبريلَ أَخَذَهُ من اللَّوْحِ المحفوظِ، أو: إنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ في شَيْءٍ وأخذَهُ جبريلُ من ذلكَ الشيءِ، فهو كافرٌ باللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كفرًا مُخْرِجًا من المِلَّةِ، كما تقولُهُ الجَهْمِيَّةُ والمُعْتَزِلَةُ وَمَن نَحَا نَحْوَهم، فهو كلامُ اللَّهِ، حروفُهُ ومعانيهِ، تَكَلَّمَ اللَّهُ بهِ كيفَ شاءَ، فنحنُ نَصِفُ اللَّهَ بأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ، والكلامُ من صفاتِهِ الفعليَّةِ، والكيفيَّةُ التي تَكَلَّمَ بها نقولُ: اللَّهُ أَعْلَمُ بها، هذه كسائرِ صفاتِهِ، نُؤْمِنُ بها ولا نَعْلَمُ كَيْفِيَّتَهَا، فالمعنى مَعْرُوفٌ، وَأَمَّا الكَيْفِيَّةُ فهي مَجْهُولَةٌ لَنَا.
(2) أي: أنَّ القرآنَ نَزَلَ من اللَّهِ، تَكَلَّمَ اللَّهُ بهِ وأنزلَهُ، لم يَنْزِلْ من غيرِهِ, ولم يَبْدَأْ من غيرِهِ، لَيْسَ كما يقولونَ: إِنَّهُ بَدَأَ من جبريلَ، أو من اللَّوْحِ، أو مِن الهواءِ، إنَّمَا بِدَايَتُهُ من اللَّهِ، وسَمِعَهُ جبريلُ وبَلَّغَهُ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْيًا، والنبيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بَلَّغَهُ للناسِ، ولو كَانَ هذا القرآنُ من كلامِ البشرِ لَاستطاعَ أحدٌ من الناسِ أنْ يأتيَ بسورةٍ من مثلِهِ، ِفَلَمَّا عَجَزُوا عن ذلكَ دَلَّ على أَنَّهُ من كلامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ تَعَالَى: { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهْدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة: 23)، وقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} (هُود: 13)، فَعَجَّزَهُم اللَّهُ بذلكَ، مع أَنَّهُم عربٌ فُصحاءُ، والقرآنُ بلغةِ العربِ، وبالحروفِ التي يتكلمونَ بها، وهم يَحْرِصُونَ على مُعَانَدَةِ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولو كَانَ باستطاعَتِهِم أنْ يُعَارِضُوا هذا القرآنَ، لَمَا ادَّخُروا وُسْعًا في ذلكَ، فَلَمَّا عجَزوا عن ذلكَ دَلَّ على أَنَّهُ كلامُ اللَّهِ الذي لا يَأْتِيهِ الباطلُ من بينِ يديْهِ ولا مِن خَلْفِهِ.
(3) فالمؤمنونَ باللَّهِ ورسولِهِ يُصَدِّقُونَ بأنَّ القرآنَ كلامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وأنَّ محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هو مُبَلِّغٌ عن اللَّهِ.
وأَمَّا قولُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} (التَّكْوِير: 19، 20)، فالمرادُ بإسنادِهِ إلى جبريلَ هو من بابِ التبليغِ؛ لِأَنَّهُ لا يُمْكِنُ أنْ يكونَ القرآنُ من كلامِ اللَّهِ وَمِن كلامِ جبريلَ، الكلامُ لا يكونُ إِلَّا من واحدٍ، فلا يمكنُ وصفُهُ بأَنَّهُ كلامُ أكثرَ مِن واحدٍ، ونسبتُهُ إلى اللَّهِ حقيقيَّةٌ، وأَمَّا نسبتُهُ لجبريلَ فمِن بابِ التبليغِ. وفي الآيةِ الأخرى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} (الحَاقَّة: 40، 41) يعني: محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالإضافةُ إليهِ إضافةُ تبليغٍ. وقد أضافَهُ سُبْحَانَهُ تارةً إلى نفسِهِ وتارةً إلى جبريلَ وتارةً إلى محمدٍ، والكلامُ الواحدُ لا يُمْكِنُ أنْ يتكلمَ به أكثرُ من واحدٍ. فتكونُ إضافتُهُ إلى اللَّهِ إضافةَ ابتداءٍ وهو كلامُه، وإضافتُهُ إلى جبريلَ ومحمدٍ إضافةُ تبليغٍ.
(4) لَيْسَ بالمجازِ كما يقولُهُ الجهميةُ والمعتزلةُ، هم يقولونَ:
كلامُ اللَّهِ، ولكنْ نِسْبَتُهُ إلى اللَّهِ مجازٌ؛ لأنَّ اللَّهَ خالِقُهُ، فإضافتُهُ إلى اللَّهِ إضافةُ مَخْلُوقٍ إلى خالقِهِ.
فنقول: كَذَبْتُم؛ لأنَّ الإضافةَ إلى اللَّهِ على نَوْعَيْنِ إضافةِ معانٍ، وإضافةِ أعيانٍ:
النوعُ الأوَّلُ: إضافةُ المعاني إلى اللَّهِ مثلَ الكلامِ، فإضافةُ المعاني إلى اللَّهِ إضافةُ صفةٍ إلى موصوفٍ، فالكلامُ والسمعُ والبصرُ والقدرةُ والإرادةُ إضافةُ صفةٍ إلى موصوفٍ؛ لأنَّ هذه معانٍ لا تقومُ بنفسِهَا وإنَّمَا تقومُ بالموصوفِ بها.
النوعُ الثاني: إضافةُ أعيانٍ، مثلَ: بيتِ اللَّهِ، ناقةِ اللَّهِ، عبدِ اللَّهِ. هذهِ إضافةُ مَخْلُوقٍ إلى خالقِهِ، وفائدةُ الإضافةِ هنا التشريفُ والتكريمُ.
(5) أي: كلامُ اللَّهِ لَيْسَ بمَخْلُوقٍ؛ رَدًّا على الجهميةِ والمعتزلةِ الذين يقولونَ: إنَّ القرآنَ مَخْلُوقٌ؛ لأنَّ اللَّهَ عندَهُم لا يتكلمُ، على منهَجِهِم في نفْيِ الصفاتِ كلِّها، فِرَارًا – بِزَعْمِهِم – من التشبيهِ؛ لأنَّهُم لم يُفَرِّقُوا بينَ صفاتِ الخالقِ وصفاتِ المَخْلُوقِ، فَفَرُّوا من التشبيهِ الموهومِ، وَوَقَعُوا في التعطيلِ المذمومِ، وهو شرٌّ منهُ، كالمُسْتَجِيرِ من الرَّمْضَاءِ بالنَّارِ.
ولو أَنَّهُم أَثْبَتُوا ما أَثْبَتَهُ اللَّهُ لنفسِهِ، وعَرَفُوا أنَّ هناكَ فَرْقًا بينَ صفاتِ الخالقِ وصفاتِ المَخْلُوقِ، لَأَصَابُوا عينَ الحقِّ واسْتَرَاحُوا وَأَرَاحُوا الناسَ، ولكنَّهُم في ضلالٍ.
(6) فَمَن سَمِعَ كلامَ اللَّهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ كلامُ البشرِ فقد كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ جَحَدَ كلامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فإذا لم يكنْ للهِ كلامٌ يُنَزِّلُهُ على عِبَادِهِ فَبِمَ تقومُ الحُجَّةُ عليهم؟ فَقَصْدُهُم بقولِهِم هذا هَدْمُ الشرائعِ، فإذا كَانَ لَيْسَ في الكونِ كلامٌ للهِ, لا في التوراةِ, ولا في الإنجيلِ, ولا القرآنِ، فمعنى ذلكَ أَنَّهُ ما قَامَتْ على الناسِ الحُجَّةُ من اللَّهِ، وهذا من أعظمِ الكُفْرِ وأعظمِ الضلالِ.
(7) وقد ذَمَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَن قَالَ هذهِ المقالةَ، فجعلَ القرآنَ كلامَ البشرِ، كما قَالَ الوليدُ بنُ المُغِيرَةِ المَخْزُومِيُّ، وهو مِن أكابرِ كُفَّاِر مكَّةَ وَمِن عُظَمَائِهِم وكانوا يُسَمُّونَهُ: زَهْرَةَ مَكَّةَ؛ لِشَرَفِهِ فيهم، فَلَمَّا سَمِعَ القرآنَ من الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْجَبَهُ وعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ من كلامِ البشرِ، وَمَدَحَ القرآنَ فقَالَ: لَيْسَ بالشعرِ ولَيْسَ بالسِّحْرِ، أنا أَعْرِفُ ضروبَ الشعرِ، وأَعْرِفُ أنواعَ السِّحْرِ، وأَعْرِفُ الكَهَانَةَ، وأَعْرِفُ وأَعْرِفُ... فلَيْسَ القرآنُ من هذه الأمورِ. فعندَ ذلكَ تَوَجَّهَ إليهِ قَوْمُهُ الكفارُ بالتوبيخِ والتعنيفِ؛ لأنَّ معنى هذا أَنَّهُ اعترفَ للرسولِ عليه الصلاةُ والسلامُ بالرسالةِ، فلمَّا رأى ذلك انحرفَ – والعياذُ باللَّهِ – بالكلامِ فقَالَ: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} (المُدَّثِّر: 25)، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْب‍َرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ } (المُدَّثِّر: 18 – 25) قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} (المُدَّثِّر: 26)، وهي النارُ.
(8) فَمَنْ قَالَ: إنَّ القرآنَ لَيْسَ كلامَ اللَّهِ وإِنَّهُ كلامُ البشرِ، أو المَلَكِ، فهو مثلَ الوليدِ بنِ المغيرةِ، فما الفرقُ بينَ هذا وهذا إِلَّا أَنَّهُ ادَّعَى الإسلامَ، والوليدَ لم يَدَّعِ الإسلامَ؟ فَدَعْوَى الإسلامِ لا تَكْفِي، فإِنَّهُ إِنْ كَفَرَ بالقرآنِ لم يَنْفَعْهُ ادعاءُ الإسلامِ؛ لأنَّ هذا رِدَّةٌ – والعياذُ باللَّهِ – فَتَبَيَّنَ بهذا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِن الاعترافِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كلامُ اللَّهِ حَقِيقَةً.
(9) لو كَانَ الكلامُ من كلامِ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا لومَ على الوليدِ بنِ المغيرةِ إنْ قَالَ: إنَّ القرآنَ من كلامِ محمدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكيفَ يَتَوَعَّدَهُ اللَّهُ بهذا الوعيدِ الشديدِ؟ فَدَلَّ على أَنَّهُ قَالَ مقالةً عظيمةً وفظيعةً؛ حيثُ نَسَبَ القرآنَ لغيرِ اللَّهِ، وكُلُّ مَن سارَ على هذا المذهبِ وهذا المنهجِ فإِنَّهُ مثلَ الوليدِ بنِ المغيرةِ، يكونُ في النارِ خالدًا فيها.

  #4  
قديم 4 ذو الحجة 1429هـ/2-12-2008م, 01:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي


قوله: (وإن القرآن كلام الله، منه بدا بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحياً، وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية. فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر حيث قال تعالى: إن هذا إلا قول البشر - علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر).

ش: هذه قاعدة شريفة، وأصل كبير من أصول الدين، ضل فيه طوائف كثيرة من الناس. وهذا الذي حكاه الطحاوي رحمه الله هو الحق الذي دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة لمن تدبرهما، وشهدت به الفطرة السليمة التي لم تغير بالشبهات والشكوك والآراء الباطلة.
وقد افترق الناس في مسألة الكلام على تسعة أقوال:
أحدها: أن كلام الله هو ما يفيض على النفوس من معاني، إما من العقل الفعال عند بعضهم، أو من غيره، وهذا قول الصابئة والمتفلسفة.
وثانيها: أنه مخلوق خلقه الله منفصلاً عنه، وهذا قول المعتزلة.
وثالثها: أنه معنى واحد قائم بذات الله، هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار، وإن عبر عنه بالعربية كان قرآناً، وإن عبر عنه بالعبرانيه كان توراة، وهذا قول ابن كلاب ومن وافقه، كالاشعري وغيره.
ورابعها: أنه حروف وأصوات أزلية مجتمعة في الأزل، وهذا قول طائفة من أهل الكلام ومن أهل الحديث.
وخامسها: أنه حروف وأصوات، لكن تكلم الله بها بعد أن لم يكن متكلماً، وهذا قول الكرامية وغيرهم.
وسادسها: أن كلامه يرجع إلى ما يحدثه من علمه وإرادته القائم بذاته، وهذا يقوله صاحب المعتبر، ويميل اليه الرازي في المطالب العالية.
وسابعها: أن كلامه يتضمن معنى قائماً بذاته هو ما خلقه في غيره، وهذا قول أبي منصور الماتريدي.
وثامنها: أنه مشترك بين المعنى القديم القائم بالذات وبين ما يخلقه في غيره من الاصوات، وهذا قول أبي المعالي ومن اتبعه.
وتاسعها: أنه تعالى لم يزل متكلما إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء، وهو يتكلم به بصوت يسمع، وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديما، وهذا المأثور عن أئمة الحديث والسنة.
وقول الشيخ رحمه الله وإن القرآن كلام الله إن بكسر الهمزة - عطف على قوله: إن الله واحد لا شريك له ثم قال: وإن محمداً عبده المصفى. وكسر همزة إن في المواضع الثلاثة، لأنها معمول القول، أعني قوله في أول كلامه: نقول في توحيد الله.
وقوله: كلام الله منه بدا بلا كيفية قولاً: -رد على المعتزلة وغيرهم. فإن المعتزلة تزعم أن القران لم يبد منه، كما تقدم حكاية قولهم، قالوا: وإضافته إليه اضافة تشريف، كبيت الله، وناقة الله، يحرفون الكلام عن مواضعه ! وقولهم باطل، فإن المضاف إلى الله تعالى معان وأعيان، فاضافة الأعيان الى الله للتشريف، وهي مخلوقة له، كبيت الله، وناقة الله، بخلاف إضافة المعاني، كعلم الله، وقدرته، وعزته، وجلاله، وكبريائه، وكلامه، وحياته، وعلوه، وقهره - فإن هذا كله من صفاته، لا يمكن أن يكون شيء من ذلك مخلوقا.
والوصف بالتكلم من أوصاف الكمال، وضده من أوصاف النقص. قال تعالى: واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلاً جسداً له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلاً. فكان عباد العجل - مع كفرهم - أعرف بالله من المعتزلة، فإنهم لم يقولوا لموسى: وربك لا يتكلم أيضاً. وقال تعالى عن العجل أيضاً: أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولاً ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً. فعلم أن نفي رجوع القول ونفي التكلم نقص يستدل به على عدم ألوهية العجل.
وغاية شبهتهم أنهم يقولون: يلزم منه التشبيه والتجسيم ؟ فيقال لهم: إذا قلنا إنه تعالى يتكلم كما يليق بجلاله انتفت شبهتهم. ألا ترى أنه تعالى قال: اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم. فنحن نؤمن أنها تتكلم، ولا نعلم كيف تتكلم. وكذا قوله تعالى: وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء. وكذلك تسبيح الحصا والطعام، وسلام الحجر، كل ذلك بلا فم يخرج منه الصوت الصاعد من لديه المعتمد على مقطع الحروف.
وإلى هذا أشار الشيخ رحمه الله بقوله: منه بدا بلا كيفية قولاً، أي: ظهر منه ولا ندري كيفية تكلمه به. وأكد هذا المعنى بقوله قولا، أتى بالمصدر المعرف للحقيقة، كما أكد الله تعالى التكليم بالمصدر المثبت النافي للمجاز في قوله: وكلم الله موسى تكليماً. فماذا بعد الحق إلا الضلال ؟!
ولقد قال بعضهم لأبي عمرو بن العلاء - أحد القراء السبعة -: أريد أن تقرأ: وكلم الله موسى، بنصب اسم الله، ليكون موسى هو المتكلم لا الله ! فقال أبو عمرو: هب أني قرأت هذه الآية كذا، فكيف تصنع بقوله تعالى: ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه ؟ ! فبهت المعتزلي !
وكم في الكتاب والسنة من دليل على تكليم الله تعالى لأهل الجنة وغيرهم. قال تعالى: سلام قولاً من رب رحيم، فعن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أهل الجنة في نعيم إذ سطع لهم نور، فرفعوا أبصارهم، فإذا الرب جل جلاله قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة، وهو قول الله تعالى: سلام قولاً من رب رحيم، فلا يلتفتون إلى شيء مما هم فيه من النعيم، ما داموا ينظرون إليه، حتى يحتجب عنهم، وتبقى بركته ونوره. رواه ابن ماجه وغيره. ففي هذا الحديث إثبات صفة الكلام، وإثبات الرؤية، واثبات العلو، وكيف يصح مع هذا أن يكون كلام الرب كله معنى واحداً، و[قد] قال تعالى: إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم، فأهانهم بترك تكليمهم، والمراد أنه لا يكلمهم تكليم تكريم، [و] هو الصحيح، إذ قد أخبر في الآية الأخرى أنه يقول لهم في النار: اخسؤوا فيها ولا تكلمون، فلو كان لا يكلم عباده المؤمنين، لكانوا في ذلك هم وأعداؤه سواء، ولم يكن في تخصيص أعدائه بأنه لا يكلمهم فائدة أصلاً. وقال البخاري في صحيحه: باب كلام الرب تبارك وتعالى مع أهل الجنة، وساق فيه عدة أحاديث. فأفضل نعيم أهل الجنة رؤية وجهه تبارك وتعالى، وتكليمه لهم. فإنكار ذلك إنكار لروح الجنة. وأعلى نعيمها وأفضله الذي ما طابت لأهلها إلا به.
وأما استدلالهم بقوله تعالى: الله خالق كل شيء، والقرآن شيء، فيكون داخلاً في عموم كل فيكون مخلوقاً ! ! فمن أعجب العجب. وذلك: أن أفعال العباد كلها عندهم غير مخلوقة لله تعالى، وإنما يخلقها العباد جميعها، لا يخلقها الله فأخرجوها من عموم كل، وأدخلوا كلام الله في عمومها، مع أنه صفة من صفاته، به تكون الأشياء المخلوقة، إذ بأمره تكون المخلوقات، قال تعالى: والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر. ففرق بين الخلق والأمر، فلو كان الأمر مخلوقاً لزم أن يكون مخلوقاً بأمر آخر، والآخر بآخر، إلى ما لا نهاية له، فيلزم التسلسل، وهو باطل. وطرد باطلهم: أن تكون جميع صفاته تعالى مخلوقة، كالعلم والقدرة وغيرهما، وذلك صريح الكفر، فإن علمه شيء، وقدرته شيء، وحياته شيء، فيدخل ذلك في عموم كل، فيكون مخلوقاً بعد أن لم يكن، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
وكيف يصح أن يكون متكلماً بكلام يقوم بغيره ؟ ولو صح ذلك للزم أن يكون ما أحدثه من الكلام في الجمادات كلامه ! وكذلك أيضاً ما خلقه في الحيوانات، لا يفرق حينئذ بين نطق وأنطق. وإنما قالت الجلود: أنطقنا الله، ولم تقل: نطق الله، بل يلزم أن يكون متكلماً بكل كلام خلقه في غيره، زوراً كان أو كذباً أو كفراً أو هذياناً ! ! تعالى الله عن ذلك. وقد طرد ذلك الاتحادية، فقال ابن عربي:
وكل كلام في الوجود كلامه = سواء علينا نثره ونظامه ! !
ولو صح أن يوصف أحد بصفة قامت بغيره، لصح أن يقال للبصير: أعمى، وللأعمى: بصير! لأن البصير قد قام وصف الأعمى بغيره، والأعمى قد قام وصف البصير بغيره ! ولصح أن يوصف الله تعالى بالصفات التي خلقها في غيره، من الألوان والروائح والطعوم والطول والقصر ونحو ذلك.
وبمثل ذلك ألزم الإمام عبد العزيز المكي بشراً المريسيى بين يدي المأمون، بعد أن تكلم معه ملتزماً أن لا يخرج عن نص التنزيل، وألزمه الحجة، فقال بشر: يا أمير المؤمنين، ليدع مطالبتي بنص التنزيل، ويناظرني بغيره، فإن لم يدع قوله ويرجع عنه، ويقر بخلق القرآن الساعة وإلا فدمي حلال. قال عبد العزيز: تسألني أم أسألك ؟ فقال بشر: [اسأل] أنت، وطمع في فقلت له: يلزمك واحده من ثلاث لا بد منها: إما أن تقول: أن الله خلق القرآن، وهو عندي أنا كلامه - في نفسه، أو خلقه قائماً بذاته ونفسه، أو خلقه في غيره ؟ قال: أقول: خلقه كما خلق الأشياء كلها. وحاد عن الجواب. فقال المأمون: اشرح أنت هذه المسألة، ودع بشراً فقد انقطع. فقال عبد العزيز: أن قال خلق كلامه في نفسه، فهذا محال، لأن الله لا يكون محلاً للحوادث المخلوقة، ولا يكون فيه شيء مخلوق وأن قال خلقه في غيره فيلزم في النظر والقياس أن كل كلام خلقه الله في غيره فهو كلامه، فهو محال أيضاً، لأنه يلزم قائله أن يجعل كل كلام خلقه الله في غيره - هو كلام الله ! وأن قال خلقه قائماً بنفسه وذاته، فهذا محال: لا يكون الكلام إلا من متكلم، كما لا تكون الإرادة إلا من مريد، ولا العلم إلا من عالم، ولا يعقل كلام قائم بنفسه يتكلم بذاته. فلما استحال من هذه الجهات أن يكون مخلوقاً، علم أنه صفة لله. هذا مختصر من كلام الإمام عبد العزيز في الحيدة.
وعموم كل في كل موضع بحسبه، ويعرف ذلك بالقرائن. ألا ترى إلى قوله تعالى: تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم، ومساكنهم شيء، ولم تدخل في عموم كل شيء دمرته الريح ؟ وذلك لأن المراد تدمر كل شيء يقبل التدمير بالريح عادة وما يستحق التدمير. وكذا قوله تعالى حكاية عن بلقيس: وأوتيت من كل شيء، المراد من كل شيء يحتاج إليه الملوك، وهذا القيد يفهم من قرائن الكلام. إذ مراد الهدهد أنها ملكة كاملة في أمر الملك، غير محتاجة الى ما يكمل به أمر ملكها، ولهذا نظائر كثيرة.
والمراد من قوله تعالى: خالق كل شيء، أي كل شيء مخلوق، وكل موجود سوى الله فهو مخلوق، فدخل في هذا العموم أفعال العباد حتماً، ولم يدخل في العموم الخالق تعالى، وصفاته ليست غيره، لأنه سبحانه وتعالى هو الموصوف بصفات الكمال، وصفاته ملازمة لذاته المقدسة، لا يتصور انفصال صفاته عنه، كما تقدم الاشارة إلى هذا المعنى عند قوله: ما زال قديماً بصفاته قبل خلقه. بل نفس ما استدلوا به يدل عليهم. فاذا كان قوله تعالى: الله خالق كل شيء مخلوقاً، لا يصح أن يكون دليلاً.
وأما استدلالهم بقوله تعالى: إنا جعلناه قرآناً عربياً، فما أفسده من استدلال ! فإن جعل إذا كان بمعنى خلق يتعدى إلى مفعول واحد، كقوله تعالى: وجعل الظلمات والنور، وقوله تعالى: وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون. وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجاً سبلاً لعلهم يهتدون. وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً. وإذا تعدى إلى مفعولين لم يكن بمعنى خلق، قال تعالى: ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً. وقال تعالى: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم. وقال تعالى: الذين جعلوا القرآن عضين وقال تعالى: ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك وقال تعالى: ولا تجعل مع الله إلها آخر. وقال تعالى: وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً. ونظائره كثيرة. فكذا قوله تعالى إنا جعلناه قرآناً عربياً.
وما أفسد استدلالهم بقوله تعالى: نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة - على أن الكلام خلقه الله تعالى في الشجرة فسمعه موسى منها ! وعموا عما قبل هذه الكلمة وما بعدها، فإن الله تعالى قال: فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن، والنداء هو الكلام من بعد، فسمع موسى عليه السلام النداء من حافة الوادي، ثم قال: في البقعة المباركة من الشجرة. أي أن النداء كان في البقعة المباركة من عند الشجرة، كما يقول سمعت كلام زيد من البيت، يكون من البيت لابتداء الغاية، لا أن البيت هو المتكلم ! ولو كان الكلام مخلوقاً في الشجرة، لكانت الشجرة هي القائلة: يا موسى إني أنا الله رب العالمين. وهل قال: إني أنا الله رب العالمين، غير رب العالمين ؟ ولو كان هذا الكلام بدا من غير الله لكان قول فرعون: أنا ربكم الأعلى صدقاً، إذ كل من الكلامين عندهم مخلوق قد قاله غير الله ! وقد فرقوا بين الكلامين على أصولهم الفاسدة: أن ذاك كلام خلقه الله في الشجرة، وهذا كلام خلقه فرعون ! ! فحرفوا وبدلوا واعتقدوا خالقاً غير الله. وسيأتي الكلام على مسألة أفعال العباد، إن شاء الله تعالى.
فإن قيل: فقد قال تعالى: إنه لقول رسول كريم. وهذا يدل على أن الرسول أحدثه، إما جبرائيل أو محمد.
قيل: ذكر الرسول معرف أنه مبلغ عن مرسله، لأنه لم يقل إنه قول ملك أو نبي، فعلم أنه بلغه عمن أرسله به، لا أنه أنشأ من جهة نفسه. وأيضاً: فالرسول في إحدى الآيتين جبرائيل، وفي الأخرى محمد، فإضافته إلى كل منهما تبين أن الإضافة للتبليغ، إذ لو أحدثه أحدهما امتنع أن يحدثه الآخر. وأيضاً: فقوله رسول أمين، دليل على أنه لا يزيد في الكلام الذي أرسل بتبليغه ولا ينقص منه، بل هو أمين على ما أرسل به، يبلغه عن مرسله. وأيضاً: فإن الله قد كفر من جعله قول البشر، ومحمد صلى الله عليه وسلم بشر، فمن جعله قول محمد، بمعنى أنه أنشأه - فقد كفر. ولا فرق بين أن يقول: إنه قول بشر، أو جني، أو ملك، والكلام كلام من قاله مبتدئاً، لا من قاله مبلغاً. ومن سمع قائلاً يقول:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
- قال: هذا شعر امرئ القيس، ومن سمعه يقول: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى -: قال: هذا كلام الرسول، وإن سمعه يقول: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين -: قال: هذا كلام الله، إن كان عنده خبر ذلك، وإلا قال: لا أدري كلام من هذا ؟ ولو أنكر عليه أحد ذلك لكذب. ولهذا من سمع من غيره نظماً أو نثراً، يقول له: هذا كلام من ؟ هذا كلامك أو كلام غيرك ؟
وبالجملة، فأهل السنة كلهم، من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم من السلف والخلف، متفقون على أن كلام الله غير مخلوق. ولكن بعد ذلك تنازع المتأخرون في أن كلام الله هل هو معنى واحد قائم بالذات، أو أنه حروف وأصوات تكلم الله بها بعد أن لم يكن متكلماً، أو أنه لم يزل متكلماً إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء وأن نوع الكلام قديم، وقد يطلق بعض المعتزلة على القرآن أنه غير مخلوق، ومرادهم أنه غير مختلق مفترى مكذوب، بل هو حق وصدق، ولا ريب أن هذا المعنى منتف باتفاق المسلمين.
والنزاع بين أهل القبلة إنما هو في كونه مخلوقاً خلقه الله، أو هو كلامه الذي تكلم به وقام بذاته ؟ وأهل السنة إنما سئلوا عن هذا، وإلا فكونه مكذوباً مفترى مما لا ينازع مسلم في بطلانه. ولا شك أن مشايخ المعتزلة وغيرهم من أهل البدع - معترفون بأن اعتقادهم في التوحيد والصفات والقدر لم يتلقوه لا عن كتاب ولا سنة، ولا عن أئمة الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وإنما يزعمون أن عقلهم دلهم عليه، وإنما يزعمون أنهم تلقوا من الأئمة الشرائع.
ولو ترك الناس على فطرهم السليمة وعقولهم المستقيمة، لم يكن بينهم نزاع، ولكن ألقى الشيطان إلى بعض الناس أغلوطة من أغاليطه، فرق بها بينهم. وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد. والذي يدل عليه كلام الطحاوي رحمه الله: أنه تعالى لم يزل متكلماً إذا شاء كيف شاء، وأن نوع كلامه قديم. وكذلك ظاهر كلام الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه في الفقه الأكبر، فإنه قال: والقرآن في المصاحف مكتوب، وفي القلوب محفوظ، وعلى الألسن مقروء، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم منزل، ولفظنا بالقرآن مخلوق، والقرآن غير مخلوق، وما ذكر الله في القرآن عن موسى عليه السلام وغيره، وعن فرعون وابليس - فإن ذلك كلام الله إخباراً عنهم، وكلام موسى وغيره من المخلوقين مخلوق، والقرآن كلام الله لا كلامهم، وسمع موسى عليه السلام كلام الله تعالى، فلما كلم موسى كلمه بكلامه الذي هو من صفاته لم يزل، وصفاته كلها خلاف صفات المخلوقين، يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا، ويتكلم لا ككلامنا. انتهى. فقوله: ولما كلم موسى كلمه بكلامه الذي هو من صفاته - يعلم منه أنه حين جاء كلمه، لا أنه لم يزل ولا يزال أزلاً وأبداً يقول يا موسى، كما يفهم ذلك من قوله تعالى: ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه، ففهم منه الرد على من يقول من أصحابه أنه معنى واحد قائم بالنفس لا يتصور أن يسمع، وإنما يخلق الله الصوت في الهواء، كما قال أبو منصور الماتريدي وغيره. وقوله: الذي هو من صفاته لم يزل رد على من يقول إنه حدث له وصف الكلام بعد أن لم يكن متكلماً.
وبالجملة: فكل ما تحتج به المعتزلة مما يدل على أنه كلام متعلق بمشيئته وقدرته، وأنه يتكلم إذا شاء، وأنه يتكلم شيئاً بعد شيء، فهو حق يجب قبوله. وما يقوله من يقول: إن كلام الله قائم بذاته، وأنه صفة له. والصفة لا تقوم الا بالموصوف -: فهو حق يجب قبوله والقول به. فيجب الأخذ بما في قول كل من الطائفتين من الصواب، والعدول عما يرده الشرع والعقل من قول كل منهما.
فإذا قالوا لنا: فهذا يلزم أن تكون الحوادث قامت به. قلنا: هذا القول مجمل، ومن أنكر قبلكم قيام الحوادث بهذا المعنى به تعالى من الأئمة ؟ ونصوص القرآن والسنة تتضمن ذلك، ونصوص الأئمة أيضاً، مع صريح العقل.
ولا شك أن الرسل الذين خاطبوا الناس وأخبروهم أن الله قال ونادى وناجى ويقول، لم يفهموهم أن هذه مخلوقات منفصلة عنه، بل الذي أفهموهم إياه: أن الله نفسه هو الذي تكلم، والكلام قائم به لا بغيره، وأنه هو الذي تكلم به وقاله، كما قالت عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك: ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بوحي يتلى. ولو كان المراد من ذلك كله خلاف مفهومه لوجب بيانه، إذ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. ولا يعرف في لغة ولا عقل قائل متكلم لا يقوم به القول والكلام وإن زعموا أنهم فروا من ذلك حذراً من التشبيه، فلا يثبتوا صفة غيره، فإنهم إذا قالوا: يعلم لا كعلمنا، قلنا: ويتكلم لا كتكلمنا، وكذلك سائر الصفات. وهل يعقل قادر لا تقوم به القدرة، أو حي لا تقوم به الحياة ؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، فهل يقول عاقل إنه صلى الله عليه وسلم عاذ بمخلوق ؟ بل هذا كقوله: أعوذ برضاك من سخطك. وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وكقوله: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر. وكقوله: وأعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا. كل هذه من صفات الله تعالى.
وهذه المعاني مبسوطة في مواضعها، وإنما أشير إليها هنا إشارة.
وكثير من متأخري الحنفية على أنه معنى واحد، والتعدد والتكثر والتجزؤ والتبعض حاصل في الدلالات، لا في المدلول. وهذه العبارات مخلوقة، وسميت كلام الله لدلالتها عليه وتأديه بها، فإن عبر بالعربية فهو قرآن، وإن عبر بالعبرانية فهو توراة، فاختلفت العبارات لا الكلام. قالوا: وتسمى هذه العبارات كلام الله مجازاً !
وهذا الكلام فاسد، فإن لازمه أن معنى قوله: ولا تقربوا الزنى، هو معنى قوله: وأقيموا الصلاة. ومعنى آية الكرسي هو معنى آية الدين ! ومعنى سورة الاخلاص هو معنى تبت يدا أبي لهب. وكلما تأمل الإنسان هذا القول تبين له فساده، وعلم أنه مخالف لكلام السلف. والحق: أن التوراة والإنجيل والزبور والقرآن من كلام اللة حقيقة، وكلام الله تعالى لا يتناهى، فإنه لم يزل يتكلم بما شاء إذا شاء كيف شاء، ولا يزال كذلك. قال تعالى: قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً. وقال تعالى: ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم. ولو كان ما في المصحف عبارة عن كلام الله، وليس هو كلام الله، لما حرم على الجنب المحدث مسه، ولو كان ما يقرأه القارىء ليس كلام الله لما حرم على الجنب والمحدث قراءته. بل كلام الله محفوظ في الصدور، مقروء بالألسن، مكتوب في المصاحف، كما قال أبو حنيفة في الفقه الأكبر. وهو في هذه المواضع كلها حقيقة، وإذا قيل: فيه خط فلان وكتابته -: فهم منه معنى صحيح حقيقي، وإذا قيل: فيه مداد قد كتب به -: فهم منه معنى صحيح حقيقي، وإذا قيل: المداد في المصحف -: كانت الظرفية فيه غير الظرفية المفهومة من قول القائل: فيه السماوات والأرض، وفيه محمد وعيسى، ونحو ذلك. وهذان المعنيان مغايران لمعنى قول القائل: فيه كلام الله. ومن لم يتنبه للفروق بين هذه المعاني ضل ولم يهتد للصواب. وكذلك الفرق بين القراءة التي هي فعل القارىء، والمقروء الذي هو قول الباري، من لم يهتد له فهو ضال أيضاً، ولو أن إنساناً وجد في ورقة مكتوباً ألا كل شيىء ما خلا الله باطل من خط كاتب معروف. لقال: هذا من كلام لبيد حقيقة، وهذا خط فلان حقيقة، وهذا كل شيء حقيقة، وهذا خبر حقيقة، ولا تشتبه هذه الحقيقة بالأخرى.

تابع قوله: ( وإن القرآن كلام الله، منه بدا بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحياً، وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية. فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر حيث قال تعالى: إن هذا إلا قول البشر - علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر).

والقرآن في الأصل: مصدر، فتارة يذكر ويراد به القراءة، قال تعالى: وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً. وقال صلى الله عليه وسلم: زينوا القرآن بأصواتكم. وتارة يذكر ويراد به المقروء، قال تعالى: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم. وقال تعالى: وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون. وقال صلى الله عليه وسلم: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف. إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على كل من المعنيين المذكورين. فالحقائق لها وجود عيني وذهني ولفظي ورسمي، ولكن الأعيان تعلم، ثم تذكر، ثم تكتب. فكتابتها في المصحف هي المرتبة الرابعة. وأما الكلام فإنه ليس بينه وبين المصحف واسطة، بل هو الذي يكتب بلا واسطة ولا لسان.
والفرق بين كونه في زبر الأولين، وبين كونه في رق منشور، أو لوح محفوظ، أو في كتاب مكنون -: واضح. فقوله عن القرآن: وإنه لفي زبر الأولين، أي ذكره ووصفه والأخبار عنه، كما أن محمداً مكتوب عندهم. إذ القرآن أنزله الله على محمد، لم ينزله على غيره أصلاً، ولهذا قال في الزبر، ولم يقل في الصحف، ولا في الرق، لأن الزبر جمع زبور و الزبر هو: الكتابة والجمع، فقوله: وإنه لفي زبر الأولين أي: مزبور الأولين، ففي نفس اللفظ واشتقاقه ما يبين المعنى المراد، ويبين كمال بيان القرآن وخلوصه من اللبس. وهذا مثل قوله: الذي يجدونه مكتوباً عندهم، أي: ذكره، بخلاف قوله. في رق منشور و لوح محفوظ و كتاب مكنون، لأن العامل في الظرف إما أن يكون من الأفعال العامة، مثل الكون والإستقرار والحصول ونحو ذلك، أو يقدر: مكتوب في كتاب، أو في رق. والكتاب: تارة يذكر ويراد به محل الكتابة، وتارة يذكر ويراد به الكلام المكتوب. ويجب التفريق بين كتابة الكلام في الكتاب، وكتابة الأعيان الموجودة في الخارج فيه - فإن تلك إنما يكتب ذكرها. وكلما تدبر الإنسان هذا المعنى وضح له الفرق.
وحقيقة كلام الله تعالى الخارجية: هي ما يسمع منه أو من المبلغ عنه، فإذا سمعه السامع علمه وحفظه. فكلام الله مسموع له معلوم محفوظ، فإذا قاله السامع فهو مقروء له متلو، فإن كتبه فهو مكتوب له مرسوم. وهو حقيقة في هذه الوجوه كلها لا يصح نفيه. والمجاز يصح نفيه، فلا يجوز أن يقال: ليس في المصحف كلام الله، ولا: ما قرأ القارىء كلام الله، وقد قال تعالى: وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله. وهو لا يسمع كلام الله من الله، وإنما يسمعه من مبلغه عن الله. والآية تدل على فساد قول من قال: إن المسموع عبارة عن كلام الله وليس هو كلام الله، فإنه تعالى قال: حتى يسمع كلام الله، ولم يقل حتى يسمع ما هو عبارة عن كلام الله. والأصل الحقيقة. ومن قال: إن المكتوب في المصاحف عبارة عن كلام الله، أو حكاية كلام الله، وليس فيها كلام الله -: فقد خالف الكتاب والسنة وسلف الأمة، وكفى بذلك ضلالا.
وكلام الطحاوي رحمه الله يرد قول من قال: إنه معنى واحد لا يتصور سماعه منه، وأن المسموع المنزل المقروء والمكتوب ليس كلام الله، وإنما هو عبارة عنه. فإن الطحاوي رحمه الله يقول: كلام الله منه بدا. وكذلك قال غيره من السلف، ويقولون: منه بدا، وإليه يعود. وإنما قالوا: منه بدا، لأن الجهمية من المعتزلة وغيرهم كانوا يقولون إنه خلق الكلام في محل، فبدأ الكلام من ذلك المحل. فقال السلف: منه بدا أي هو المتكلم به، فمنه بدا، لا من بعض المخلوقات، كما قال تعالى: تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم. ولكن حق القول مني. قل نزله روح القدس من ربك بالحق. ومعنى قولهم: وإليه يعود-: يرفع من الصدور والمصاحف، فلا يبقى في الصدور منه آية ولا في المصاحف. كما جاء ذلك في عدة آثار.
وقوله بلا كيفية: أي: لا تعرف كيفية تكلمه به قولاً ليس بالمجاز، وأنزله على رسوله وحياً، أي: أنزله إليه على لسان الملك، فسمعه الملك جبرائيل من الله، وسمعه الرسول صلى الله عليه وسلم من الملك، وقرأ على الناس. قال تعالى: وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً. وقال تعالى: نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين. وفي ذلك إثبات صفة العلو لله تعالى.
وقد أورد على ذلك أن إنزال القرآن نظير إنزال المطر، أو إنزاله الحديد، وإنزال ثمانية أزواج من الأنعام.
والجواب: أن إنزال القرآن فيه مذكور أنه إنزال من الله. قال تعالى: حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم. وقال تعالى: تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم. وقال تعالى: تنزيل من الرحمن الرحيم. وقال تعالى: تنزيل من حكيم حميد. وقال تعالى: إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين * فيها يفرق كل أمر حكيم * أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين. وقال تعالى: فاتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين. وقال تعالى: والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق. وقال تعالى: قل نزله روح القدس من ربك بالحق. وإنزال المطر مقيد بأنه منزل من السماء. قال تعالى: أنزلنا من السماء ماءً طهوراً. والسماء: العلو. وقد جاء في مكان آخر أنه منزل من المزن، والمزن: السحاب. وفي مكان آخر أنه منزل من المعصرات. وإنزال الحديد والأنعام مطلق، فكيف يشبه هذا الإنزال بهذا الإنزال ؟ ! فالحديد إنما يكون من المعادن التي في الجبال، وهي عالية على الأرض، وقد قيل أنه كلما كان معدنه أعلى كان حديده أجود. والأنعام تخلق بالتوالد المستلزم إنزال الذكور الماء من أصلابها إلى أرحام الإناث، ولهذا يقال: أنزل ولم يقل نزل ثم الأجنة تنزل من بطون الأمهات إلى وجه الارض. ومن المعلوم أن الأنعام تعلو فحولها إناثها عند الوطء، وينزل ماء الفحل من علو الى رحم الأنثى، وتلقي ولدها عند الولادة من علو إلى سفل. وعلى هذا فيحتمل قوله، وأنزل لكم من الأنعام -: وجهين: أحدهما، أن تكون من لبيان الجنس. الثاني: أن تكون من لابتداء الغاية. وهذان الوجهان يحتملان في قوله: جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً.
وقوله: وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً الإشارة إلى ما ذكره من التكلم على الوجه المذكور وإنزاله، أي هذا قول الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وهم السلف الصالح، وأن هذا حق وصدق.
وقوله: وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية. رد على المعتزلة وغيرهم بهذا القول ظاهر. وفي قوله: بالحقيقة رد على من قال: إنه معنى واحد قام بذات الله لم يسمع منه وإنما هو الكلام النفساني، لأنه لا يقال لمن قام به الكلام النفساني ولم يتكلم به -: أن هذا كلام حقيقة، وإلا للزم أن يكون الأخرس متكلماً، ولزم أن لا يكون الذي في المصحف عند الإطلاق هو القرآن ولا كلام الله، ولكن عبارة عنه ليست هي كلام الله، كما لو أشار أخرس إلى شخص بإشارة فهم بها مقصوده، فكتب ذلك الشخص عبارته عن المعنى الذي أوحاه إليه ذلك الأخرس، فالمكتوب هو عبارة ذلك الشخص عن ذلك المعنى. وهذا المثل مطابق غاية المطابقة لما يقولونه، وإن كان الله تعالى لا يسميه أحد أخرس، لكن عندهم أن الملك فهم منه معنى قائماً بنفسه، لم يسمع منه حرفاً ولا صوتاً، بل فهم معنى مجرداً، ثم عبر عنه، فهو الذي أحدث نظم القرآن وتأليفه العربي، وأنا الله خلق في بعض الأجسام كالهوى الذي هو دون الملك هذه العبارة.
ويقال لمن قال إنه معنى واحد -: هل سمع موسى عليه السلام جميع المعنى أو بعضه ؟ فإن قال: سمعه كله، فقد زعم أنه سمع جميع كلام الله وفساد هذا ظاهر. وإن قال: بعضه، فقد قال يتبعض. وكذلك كل من كلمه الله أو أنزل إليه شيئاً من كلامه.
ولما قال تعالى للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة. ولما قال لهم. اسجدوا لآدم. وأمثال ذلك -: هل هذا جميع كلامه أو بعضه ؟ فإن قال: إنه جميعه، فهذا مكابرة، وإن قال: بعضه، فقد اعترف بتعدده.
وللناس في مسمى الكلام والقول عند الإطلاق -: أربعة أقوال: أحدها: أنه يتناول اللفظ والمعنى جميعا، كما يتناول لفظ الإنسان الروح والبدن معاً، وهذا قول السلف. الثاني: اسم اللفظ فقط، والمعنى ليس جزء مسماه، بل هو مدلول مسماه، وهذا قول جماعة من المعتزلة وغيرهم. الثالث: أنه إسم للمعنى فقط، وإطلاقه على اللفظ مجاز، لأنه دال عليه، وهذا قول ابن كلاب ومن اتبعه.
الرابع: أنه مشترك بين اللفظ والمعنى، وهذا قول بعض المتأخرين من الكلابية، ولهم قول خامس، يروى عن أبي الحسن، أنه مجاز في كلام الله، حقيقة في كلام الآدميين لأن حروف الآدميين تقوم بهم، فلا يكون الكلام قائماً بغير المتكلم، بخلاف كلام الله، فإنه لا يقوم عنده بالله، فيمتنع أن يكون كلامه. وهذا مبسوط في موضعه. وأما من قال إنه معنى واحد، واستدل عليه بقول الأخطل:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما = جعل اللسان على الفؤاد دليلا
: فاستدلال فاسد. ولو استدل مستدل بحديث في الصحيحين لقالوا هذا خبر واحد! ويكون مما اتفق العلماء على تصديقه وتلقيه بالقبول والعمل به ! فكيف وهذا البيت قد قيل إنه موضوع منسوب إلى الأخطل، وليس هو في ديوانه ؟ ! وقيل إنما قال: إن البيان لفي الفؤاد وهذا أقرب إلى الصحة، وعلى تقدير صحته عنه فلا يجوز الإستدلال به، فإن النصارى قد ضلوا في معنى الكلام، وزعموا أن عيسى عليه السلام نفس كلمة الله واتحد اللاهوت بالناسوت ! أي: شيء من الإله بشيء من الناس ! أفيستدل بقول نصراني قد ضل في معنى الكلام على معنى الكلام، ويترك ما يعلم من معنى الكلام في لغة العرب ؟! وأيضاً: فمعناه غير صحيح، إذ لازمه أن الأخرس يسمى متكلماً لقيام الكلام بقلبه وإن لم ينطق به ولم يسمع منه، والكلام على ذلك مبسوط في موضعه، وإنما أشير اليه إشارة.
وهنا معنى عجيب، وهو: أن هذا القول له شبه قوي بقول النصارى القائلين باللاهوت والناسوت ! فإنهم يقولون: كلام الله هو المعنى القائم بذات الله الذي لا يمكن سماعه، وأما النظم المسموع فمخلوق، فإفهام المعنى القديم بالنظم المخلوق يشبه امتزاج اللاهوت بالناسوت الذي قالته النصارى في عيسى عليه السلام، فانظر إلى هذا الشبه ما أعجبه !
ويرد قول من قال: بأن الكلام هو المعنى القائم بالنفس -: قوله صلى الله عليه وسلم: إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس. وقال: إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإنما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة. واتفق العلماء على أن المصلي إذا تكلم في الصلاة عامداً لغير مصلحتها بطلت صلاته. واتفقوا كلهم على أن ما يقوم بالقلب، من تصديق بأمور دنيوية وطلب - لا يبطل الصلاة، وإنما يبطلها التكلم بذلك. فعلم اتفاق المسلمين على أن هذا ليس بكلام.
وأيضاً: ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها، ما لم تتكلم به أوتعمل به. فقد أخبر أن الله عفا عن حديث النفس إلا أن تتكلم، ففرق بين حديث النفس وبين الكلام، وأخبر أنه لا يؤاخذ به حتى يتكلم به، والمراد: حتى ينطق به اللسان، باتفاق العلماء. فعلم أن هذا هو الكلام في اللغة، لأن الشارع إنما خاطبنا بلغة العرب.
وأيضاً ففي السنن: أن معاذاً رضي الله عنه قال: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال: وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم. فبين أن الكلام إنما هو باللسان. فلفظ القول و الكلام وما تصرف منهما، من فعل ماض ومضارع وأمر واسم فاعل -: إنما يعرف في القرآن والسنة وسائر كلام العرب إذا كان لفظاً ومعنى. ولم يكن في مسمى الكلام نزاع بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وإنما حصل النزاع بين المتأخرين من علماء أهل البدع، ثم انتشر.
ولا ريب أن مسمى الكلام والقول ونحوهما - ليس هو مما يحتاج فيه إلى قول شاعر، فإن هذا مما تكلم به الأولون والآخرون من أهل اللغة، وعرفوا معناه، كما عرفوا مسمى الرأس واليد والرجل ونحو ذلك.
ولا شك أن من قال: إن كلام الله معنى واحد قائم بنفسه تعالى وأن المتلو المحفوظ المكتوب المسموع من القارىء حكاية كلام الله وهو مخلوق -: فقد قال بخلق القرآن وهو لا يشعر، فإن الله يقول: قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله. أفتراه سبحانه وتعالى يشير الى ما في نفسه أو إلى المتلو المسموع ؟ ولا شك أن الإشارة إنما هي إلى هذا المتلو المسموع، إذ ما في ذات الله غير مشار إليه، ولا منزل ولا متلو ولا مسموع.
وقوله: لا يأتون بمثله - أفتراه سبحانه يقول: لا يأتون بمثل ما في نفسي مما لم يسمعوه ولم يعرفوه، وما في نفس الله عز وجل لا حيلة إلى الوصول إليه، ولا إلى الوقوف عليه.
فإن قالوا: إنما أشار إلى حكاية ما في نفسه وعبارته وهو المتلو المكتوب المسموع، فأما أن يشير إلى ذاته فلا - فهذا صريح القول بأن القرآن مخلوق، بل هم في ذلك أكفر من المعتزلة، فإن حكاية الشيء بمثله وشبهه. وهذا تصريح بأن صفات الله محكية، ولو كانت هذه التلاوة حكاية لكان الناس قد أتوا بمثل كلام الله، فأين عجزهم ؟! ويكون التالي - في زعمهم - قد حكى بصوت وحرف ما ليس بصوت وحرف. وليس القرآن إلا سوراً مسورة، وآيات مسطرة، في صحف مطهرة. قال تعالى: فاتوا بعشر سور مثله مفتريات. بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون. في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة. ويكتب لمن قرأ بكل حرف عشر حسنات. قال صلى الله عليه وسلم: أما إني لا أقول (آلم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف. وهو المحفوظ في صدور الحافظين المسموع من ألسن التالين. قال الشيخ حافظ الدين النسفي رحمه الله في المنار: إن القرآن إسم للنظم والمعنى. وكذا قال غيره من أهل الأصول. وما ينسب إلى أبي حنيفة رحمه الله: أن من قرأ في الصلاة بالفارسية أجزأه - فقد رجع عنه - وقال: لا يجوز القراءة مع القدرة بغير العربية. وقالوا: لو قرأ بغير العربية إما أن يكون مجنوناً فيداوى، أو زنديقاً فيقتل، لأن الله تكلم به بهذه اللغة، والإعجاز حصل بنظمه ومعناه.
وقوله: ومن سمعه وقال إنه كلام البشر فقد كفر. لا شك في تكفير من أنكر أن القرآن كلام الله، بل قال إنه كلام محمد أو غيره من الخلق، ملكاً كان أو بشراً. وأما إذا أقر أنه كلام الله، ثم أول وحرف - فقد وافق قول من قال: إن هذا إلا قول البشر. في بعض ما به كفر، وأولئك الذين استزلهم الشيطان - وسيأتي الكلام عليه عند قول الشيخ ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله إن شاء الله تعالى.
وقوله: ولا يشبه قول البشر، يعني أنه أشرف وأفصح وأصدق. قال تعالى: ومن أصدق من الله حديثاً وقال تعالى: قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله. الآية. وقال تعالى: قل فاتوا بسورة مثله. فلما عجزوا - وهم فصحاء العرب، مع شدة العداوة - عن الإتيان بسورة مثله، تبين صدق الرسول صلى الله عليه وسلم أنه من عند الله. وإعجازه من جهة نظمه ومعناه، لا من جهة أحدهما فقط. هذا مع أنه قرآن عربي غير ذي عوج بلسان عربي مبين، أي بلغة العربية. فنفي المشابهة من حيث التكلم، ومن حيث التكلم به، ومن حيث النظم والمعنى، لا من حيث الكلمات والحروف. وإلى هذا وقعت الإشارة بالحروف المقطعة في أوائل السور، أي أنه في أسلوب كلامهم وبلغتهم التي يخاطبون بها. ألا ترى أنه يأتي بعد الحروف المقطعة بذكر القرآن ؟ كما في قوله تعالى: الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه. الم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم * نزل عليك الكتاب بالحق الآية. المص * كتاب أنزل إليك، الآية. الر تلك آيات الكتاب الحكيم. وكذلك الباقي ينبههم أن هذا الرسول الكريم لم يأتكم بما لا تعرفونه، بل خاطبكم بلسانكم.
ولكن أهل المقالات الفاسدة يتذرعون بمثل هذا إلى نفي تكلم الله به، وسماع جبرائيل منه، كما يتذرعون بقوله تعالى: ليس كمثله شيء، إلى نفي الصفات. وفي الآية ما يرد عليهم قولهم، وهو قوله تعالى: وهو السميع البصير. كما في قوله تعالى: فاتوا بسورة مثله ما يرد على من ينفي الحرف، فإنه قال: فاتوا بسورة، ولم يقل فأتوا بحرف، أو بكلمة. وأقصر سورة في القرآن ثلاث آيات. ولهذا قال أبو يوسف و محمد: إن أدنى ما يجزىء في الصلاة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة، لأنه لا يقع الإعجاز بدون ذلك. والله أعلم.

  #5  
قديم 4 ذو الحجة 1429هـ/2-12-2008م, 01:59 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لمعالي الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)

القارئ: بِسْمِ اللهِ الرَّحَمَنِ الرَّحِيمِ، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال العلامة أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تَعَالَى:
وإنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ، مِنْهُ بَدَأَ بلا كَيْفِيَّةٍ قَوْلًا، وَأَنْزَلَهُ على رَسُولِهِ وَحْيًا، وَصَدَّقَهُ المؤمنونَ على ذلكَ حَقًّا, وَأَيْقَنُوا أَنَّهُ كَلاَمُ اللهِ تعالى بالحقيقةِ، ليسَ بِمَخْلُوقٍ كَكَلاَمِ البَرِيَّةِ، فَمَنْ سَمِعَهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ كلامُ البَشَرِ، فقدْ كَفَرَ، وقدْ ذَمَّهُ اللهُ وَعَابَهُ وَأَوْعَدَهُ بِسَقَرَ، حَيْثُ قالَ تَعَالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ}, فَلَمَّا أَوْعَدَ اللهُ بِسَقَرَ لِمَنْ قالَ: {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ} عَلِمْنَا وَأَيْقَنَّا أَنَّهُ قَوْلُ خَالِقِ البَشَرِ, ولا يُشْبِهُ قَوْلَ البَشَرِ.

الشيخ:هذه الجملة من.. بل هذه الجمل من كلام الطحاوي رَحمَهُ اللَّهُ اشتملت على تقرير قول السلف،وأئمة الحديث والسنة،وأهل السنة والجماعة والأثر في مسألة القرآن،وكلام الله جل وعلا،وأن القرآن كلام الله،منه بدأ وإليه يعود، وأن القرآن ليس بمخلوق، وأن من زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر، وأن من زعم أن القرآن كلام البشر فهو كافر؛ لتوعد الله جل وعلا على ذلك بقوله: {سأصلية سقر}.

وهذه المسألة،وهي مسألة القرآن،وكون القرآن كلام الله جل وعلا منزل غير مخلوق، هذه أكبر المسائل التي اختلف فيها المنتسبون إلى القبلة، ولأجلها وكثرت الكلام فيها سمي أهل الكلام بأهل الكلام، فهي مسألة شرقت وغربت في القرن الثاني الهجري، وكثر الكلام فيها، وإثبات ذلك ونفيه يعني: إثبات أن القرآن كلام الله،وأن الله يتكلم حقيقة وما أشبه ذلك، والكلام في نفي ذلك،حتى صارت عنواناً على الانحراف في التوحيد،بما سمي بعلم الكلام.

ومذهب أهل السنة والجماعة،الذي دلت عليه النصوص من القرآن والسنة، ودل عليه إجماع سلف هذه الأمة، هوما ذكره الطحاوي فيما سمعت فهو قوله: "وإن القرآن كلام الله، منه بدأ بلا كيفية قولا، وأنزله على رسوله وحيا، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا" وهذه الجمل إلى آخرها اشتملت على مسائل، يعني اشتملت على موضوعات:
الموضوع الأول: أن القرآن كلام الله.

والثاني: أنه ليس بمخلوق.

الثالث: أن من زعم أن القرآن كلام البشر فهو كافر.

والمسألة الأولى: وهي قوله: "وإن القرآن كلام الله..." إلى آخره، هذه نذكر فيها بعض التعريفات المهمة؛لتصورها،ولتصور مذهب أهل السنة والجماعة فيها:

أولا: قوله: "القرآن" بل قبل ذلك نقول قوله: "إن القرآن" هذه الكلام في كسر همزة إن،كالكلام في كسر الهمزة قبلها في قوله: "وإن محمداً عبده المصطفى" يعني نقول في توحيد الله: إن القرآن كلام الله؛ لأن توحيد الله هو الإيمان، والكلام في القرآن كلام في ركن من أركان الإيمان؛ وذلك أن الإيمان هو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، فالكلام في القرآن،وأنه كلام الله كلام في التوحيد،في توحيد الله تعالى تعريفات.

قال: "وإن القرآن كلام الله" القرآن في اللغة مصدر قرأ يقرأ قراءة وقرآنا، فالقرآن مصدر قرأ،كما قال الشاعر في وصف عثمان رَضِي اللهُ عَنْهُ:


ضحوا بأشمط عنون السجود به = يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا


يعني: قراءة رَضِي اللهُ عَنْهُ وأرضاه.

وأما في الاصطلاح فالقرآن اسم لكل كتاب يتلى،أنزله الله جل وعلا على نبي من أنبيائه. وذلك يدل على أن تخصيص القرآن بالاسم بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام هو كتخصيص الدين الذي أنزل عليه بالإسلام، فالقرآن هو الذي أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام، كما أن الإسلام هو الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام،وإن اشترك في الإسلام دعوة جميع الأنبياء والمرسلين،وكذلك القرآن، دل على ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام،فيما ثبت عنه وصح: ما أذن الله لنبي.. ((ما أذن الله لشيء أذنه لنبي يقرأ القرآن يجهر به يتغنى به))... سقط...

على أن قراءة النَّبِيّ لما انزل عليه،والتغني بذلك على أن هذا قراءة للقرآن... سقط... هي مصدر قرأ قراءة وقرآنا، لكن هي لما فيه شرف ومنزلة، فكلام الله هذا اللفظ الثاني، كلام الله هو صفة من صفاته، والكلام أصله في اللغة: ما سمع من الأقوال وتعدى قائلها، وهذا مأخوذ من اشتقاق المادة أصلاً،مادة الكاف واللام والميم؛فإن كلم هذه تدل على قوة وشدة في تصريفاتها وتفريعاتها في لغة العرب، كما حرر ذلك العلامة ابن جني في كتابه (خصائص اللغة)، وهذا يدل على أن حديث النفس لا يسمى في اللغة كلاماً، وعلى أن القول الذي يسمعه صاحبه دون غيره،يعني: ما يجريه على نفسه لا يسمى كلاما،يعني في اللغة،أو يحرك به لسانه لا يسمى كلاماً حتى يسمع غيره.

وهذا يدل عليه،من حيث الاشتقاق الأكبر والأوسط، أن كلمة كلام،حيثما أن هذه الأحرف الثلاثة كلم،حيثما صرفتها لا تدل على خفاء،ولا تدل على لين، ولا تدل على رخاوة،بل هي تدل على قوة وصلابة وشدة، فخذ مثلاً كلم بمعنى جرح، وكلم بمعنى تحدث، وقلب هذه الكلمة ملك فيه قوة، ولكم فيه قوة، وكمل فيها قوة، فحيث تصرفت هذه المادة وقلبتها مستخدماً الاشتقاق الأكبر والاشتقاق الأوسط فإن هذا يدل على قوة وشدة، ولا يدل على خفاء ورخاوة ولين.

وهذا اصل مهم في هذا الباب،في فهم معنى الكلام لغة، وسيأتي مزيد تفصيل عند الرد على قول الجهمية والمعتزلة في هذه المسألة.

قوله: "كلام الله" الكلام صفة من صفات الله، وإضافته إلى الله جل وعلا هنا إضافة صفة إلى موصوف،إلى متصف بها، والذي جاء في القرآن والسنة أن ما يضاف إلى الله جل وعلا نوعان:

النوع الأول: إضافة مخلوقات إلى الله سبحانه أعيان قائمة بنفسها، وهذا كإضافة البيت، بيت الله، وإضافة الناقة، ناقة الله،مخلوق إلى خالقه، ولكن هذه الإضافة بتخصيصها لله جل وعلا تدل على شرف المضاف إلى الله جل وعلا،يعني على شرف البيت، شرف الناقة، شرف محمد عليه الصلاة والسلام.

النوع الثاني: معان وليست بأعيان، معاني لا تقوم بنفسها،مثل الرحمة، لا يوجد أمامنا شيء يسمى رحمة مستقل عمن يقوم به، لا يوجد عندنا شيء يسمى كلاما مستقلا عن متكلم أو سامع، هذه المعاني والصفات إذا أضيفت إلى الله جل وعلا فإنها إضافة صفة إلى متصف بها، وهذا أخذ بقواعد اللغة العربية.

قال بعدها: "منه بدا بلا كيفية قولا" هذه الكلمة: "منه بدا بلا كيفية قولا" أوردها لاستعمال طائفة من أئمة أهل السنة والحديث والأثر لهذه الكلمة، وهو أنهم قالوا: القرآن كلام الله،منزل غير مخلوق،منه بدأ وإليه يعود. فاستعملها كما استعملها الأئمة من قبله.

قوله: "منه بدا" بدا منه، (من) هنا ابتدائية، و (من) لها استعمالات كثيرة في اللغة، ومنها أن تكون للابتداء، وقدمها الناظم في حروف المعاني، جمع معاني (من) في اللغة العربية،جمعها في اثني عشر معنى، وهي تزيد عن ذلك فقال:

أتتنا من، لتبين وبعـض = وتعليـل، وبـدء، وانتهـاء
وزائدة، وإبدال، وفصل = ومعنى عن، وعلى، وفي، وباء

فأول معاني من التبيين، ثم التبعيض والتعليل، والبدء، هذه رتبها.
ومعنى من الابتدائية أن يكون الفعل بدأ من المسند إليه.

وقوله هنا: "منه بدا" يعني أنه ابتداء من الله جل وعلا،يعني من الله ابتدا، فيعني بمن هنا أن ابتداؤه كان من الله جل وعلا، وهذا دلت عليه آيات كثيرة، كقوله: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق} وكقوله: {تنزيل من حكيم حميد}، وغير ذلك كما سيأتي بيانه.

قوله:"بدا" هكذا بلا همز "منه بدا" تفسيرها يعني: ظهر منه،بدا يعني كان ابتداء ظهوره وخروجه من الله جل وعلا،ويقال فيها أيضاً: منه بدأ،بدأ بالهمز يعني: به الابتداء،منه ابتداء، وأن الله سبحانه هو الذي بدأه، لم يبتدأ تنزيله من غير الله جل وعلا،بل نزل من الله ابتداء.

قال: "بلا كيفية قولا" تقدير الكلام،أو سياق سبر الكلام المراد منه: منه بدا قولاً بلا كيفية يعني منه بدا،لم يبتدأ منه معنى،ولكن بدأ منه قولاً، ظهر وخرج القرآن منه قولاً، فهو كلامه، وقد ظهر وخرج،أو ابتدأ منه قولا، ففي قوله:"قولاً" إخراج لمن ادعى أنه معنى من المعاني، جعل في نفس جبريل.

قوله: "بلا كيفية" بلا كيفية يعني بلا كيفية معقولة، وإلا فإن كلام الله جل وعلا لا شك أن له كيف، ولكن الكيف غير معقول،فيصدق على هذا قول الإمام مالك في الاستواء: إن الاستواء غير مجهول،والكيف غير معقول.
قال: "وأنزله على رسوله وحيا" أنزله: يعني الإنزال من الله جل وعلا،والإنزال في القرآن والسنة جاء على نوعين:

النوع الأول: إنزال مطلق،وهذا يكون من الله جل وعلا،وقد يذكر من الله وقد لا تذكر، فكيف الإنزال المطلق من الله جل وعلا،وتارة وهو النوع الثاني: أن يكون إنزالاً مقيداً، يعني: أنه يقيد ابتداء الإنزال من شيء مخلوق {ونزلنا من السماء} فصار هنا ابتداء الإنزال أو التنزيل من السماء،ونحو ذلك من الآيات التي فيها تنزيل المقيد.

إذن قوله:أنزله على رسوله" هذا لأجل أن الآيات فيها ذكر التنزيل، والتنزيل مطلق منه جل وعلا،كقوله: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق}، وكقوله: {وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين} وفي آية الشعراء هذه قوله:{على قلبك}؛ لأن القلب به يتميز،أو تتميز المدركات؛ لأن القلب به تتميز المدركات المسموعة، أو المدركات المرئية، أو المدركات المعقولة، فذكر القلب في آية الشعراء؛لأجل تميز المدركات بأنواعها، تميز المسموع عن المسموع، وتميز المرئي عن المرئي،وتميز المعقول عن المعقول، وهكذا،وكذلك قوله: {تنزيل من حكيم حميد}،وكذلك قوله: {سلام قولا من رب رحيم}،والآيات في هذا الباب كثيرة متنوعة.

قال: "أنزله على رسوله وحيا"، والوحي هنا المقصود به أن الإنزال كان وحياً، "أنزله على رسوله وحيا"، أوحي إلى محمد عليه الصلاة والسلام،والوحي في اللغة، يعني تعريف الوحي في اللغة: إلقاء الخبر أو العلم في خفاء وسرعة، إلقاء الخبر أو العلم في خفاء وسرعة، ولهذا سميت الكتابة وحيا، وسميت الإشارة وحيا، وهكذا.وهذا باب معروف في اللغة واضح.

والوحي من جهة الاصطلاح اختلفت التعاريف فيه،بحسب اختلاف مذهب القائل، ولهذا تجد في كثير من كتب التفسير تعريفا للوحي لا ينطبق على مذهب أهل السنة والجماعة، في الكلام،في مسألة الكلام،وربما نقله من لا يحسن، فإذن لابد من معرفة تعريف الوحي في الاصطلاح، يعني: عند أهل السنة والجماعة، فعرف بأنه الوحي اصطلاحاً عند أهل السنة والجماعة: هو إعلام النَّبِيّ بشيء، إما بكتاب، أو برسول، أو بمنام،أو بإلهام،إعلام النبي بشيء، إما بكتاب وإما برسول، وإما بمنام، وإما بالهام. وفي كل من هذه خلاف لبعض المخالفين.

قال: "وصدقه المؤمنون على ذلك حقا" يعني: آمن به المؤمنون، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة.
وقوله هنا: "أيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة" استعمل لفظ: بالحقيقة؛ رداً على قول من قال: إنه كلام الله تعالى مجازاً، كما هو قول المعتزلة وغيرهم، هذا من جهة استعمال لفظ الحقيقة بما استعملت فيه عند أهل هذه البحوث... سقط...

ليس بمخلوق ككلام البرية، يعني: أن الله سبحانه تكلم بهذا الكلام وهو صفته ليس بمخلوق، بل هو وحي منزل، كلام الله جل وعلا صفته، وأما المخلوق فهو كلام البرية.

إذا تبينت لك هذه التعاريف،سنقف عند هذا،ونرجع إلى تقرير ما اشتملت عليه هذه الجمل، فيها تقرير أن القرآن كلام الله جل وعلا،وأنه منه بدأ، وأنه وحي، وأنه كلامه حقيقة، وأنه ليس بمخلوق، وهذه المسائل التي ذكرت هي التي قررتها الأدلة في الكتاب والسنة، حيث إنه من نظر فيها أيقن أن كل قول خلاف هذا القول فهو باطل، ولبيان ذلك فنقول: الكلام على ما اشتمل عليه كلامه السابق ينتظم في مسائل:

المسألة الأولى: نشأة القول بخلق القرآن، أو أن كلام الله مجاز وأشباه ذلك، مامنشأ القول بهذه المسألة؟ ولم خالف المخالفون في ذلك؟ من المعلوم أن أول من تكلم في هذه المسألة هو الجعد بن درهم، وضحى به،ضحى به خالد القسري، وكان يقول: إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، كما رواه البخاري في خلق أفعال العباد، هذه المسألة تطورت عند الجهمية،وعند جهم بخصوصه، فأصل لها أصلا؛وهو أنه نظر في أصل الدين، فوجد أنه مبني على إثبات وجود الله جل وعلا ـ وانتبه معي في سياق ما أذكر باختصار ـ نظر أن أصل الدين مبني على إثبات وجود الله جل وعلا،وقد ابتلى هو بطائفة من منكري وجود الإله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى،وحيروه فيما أوردوا عليه من الأسئلة، فقالوا له: أقم لنا برهاناً عقليا على أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى،أو على أن هذا الخلق له رب وله خالق، وأنه موجود،فتحير، ونظر في هذه المسألة،ثم قال لهم: وجدتها، فأقام البرهان بما يسمى عند أهله بحلول الأعراض في الأجسام،وهوأصل الانحراف في مذهب الجهمية، ثم المعتزلة، ثم الأشاعرة، والماتريدية.

ولهذا السلف ينسبون كل من انحرف في الصفات إلى جهم، فيقولون: هو جهمي؛ لأنه ما انحرف إلا بموافقته لجهم في هذا الأصل الذي أصله، وانحرف به عن منهج السلف، وهذه المسألة أو هذا البرهان الباطل وليس ببرهان بل هو دليل باطل، قال في تقريره: إن الجسم تحل فيه الأعراض، الجسم هو المتحيز، كتاب متحيز، كرسي متحيز، مبنى متحيز... إلى آخره، الأجسام تحل فيها الأعراض، والأعراض مثل البرودة، الحرارة، مثل الارتفاع، الانخفاض، مثل الطول،العرض، العمق... إلى آخره، مثل الحركة فيه،والتحرك، هذه الأشياء معلوم أنها لا توجد بنفسها،وإنما وجدت في الجسم، والجسم حلت فيه هذه الأعراض دون اختياره، فلهذا صار هذا الجسم،صار هذا الجسم جسماً محتاجاً إلى العرض؛ لأن العرض لا يقوم بنفسه، وإنما يقوم بالأجسام، وما دام أنه محتاج لصفاته.. لوجوده محتاج لصفات،فمعنى ذلك أنه غير...سقط...

الأجسام، دل على أنها مخلوقه، يعني على أنها محتاجة إلى من يأتي إليها بهذه الأشياء التيتميزها عن غيرها،وتصلح معها للوجود،فلهذا صار الجسم قابلاً لحلول الأعراض فيه، وصار إذن الجسم محتاجاً لغيره، فصار إذن مخلوقاً موجوداً، إذا تبين هذا قالوا له: هذا دليل صحيح،في أن الجسم لم يوجد نفسه، يعني الجسم المعين العين المعينة هذه لم يوجد نفسه، وأنه موجود، واقتنعوا بهذا البرهان،مع أنه في حقيقته غير مقنع،وغير مستقيم، فأثبت لهم وجود خالق،وجود رب لهذه الأشياء.

فلما نظروا في هذا قالوا له: هذا دليل صحيح، فصف لنا ربك. كان جهم فقيها،عنده علم بالكتاب والسنة، ولما سألوه هذا السؤال نظر في الصفات التي جاءت في الكتاب والسنة،فتحير في أنه لو أثبت هذه الصفات لعادت على هذا الدليل الذي لم يجد غيره في إثبات وجود الله،عادت عليه بالإبطال؛ لأنه وجد في الكتاب والسنة أن من الصفات الاستواء، من الصفات العلو، من الصفات الرحمة، من الصفات الانتقام،من الصفات الإعطاء،من الصفات الغضب،من الصفات الرضا... إلى آخره، وهذه كلها معان لا تقوم بنفسها، وهي تأتي وتذهب،يعني من حيث هي.

فلهذا قال.. إنه لو قال لهم: إن الصفات،صفات الرحمن جل وعلا،هي التي جاءت في الكتاب والسنة على ظاهرها، فإنه يعود إلى أن سيقال له:إذن فالذي يتصف بهذه الصفات إذن هو محتاج، إذن هو مثل الجسم، وهو جسم كالأجسام، فلهذا قال لهم: إن الله سبحانه لا صفة له إلا صفة الوجود المطلق، وعلى هذا الأصل مشى جهم في نفي الكلام، ونفي جميع الصفات،حتى أسماء الرحمن جل وعلا، يفسرها بالآثار المخلوقة.

جاء بعده المعتزلة،فقالوا: هذا البرهان صحيح،ولكن ثم صفات دل عليها العقل، لا يمكن أن يكون الرب جل وعلا موجوداً دون هذه الصفات. جاء الأشاعرة وقالوا: كلام المعتزلة صحيح، لكن الصفات أكثر من الثلاثة التي أثبتها المعتزلة،فهي سبع،وتؤول إلى عشرين عندهم.بعد ذلك جاء الماتريدية،وقالوا: الصفات ثمان،لابد من الزيادة على السبع، وهي صفة التكوين،وهكذا.

إذن منشأ الضلال في هذه المسألة هو هذا البرهان الباطل على وجود الله جل وعلا،الذي جعل فيه دليل الأعراض هو الدليل على حدوث الأجسام، ومنه أبطل وصف الله جل وعلا بصفاته ونفى الكلام، ولهذا مسألة الكلام هي أعظم المسائل التي بحث فيها؛ لأنه ورثها جهم من الجعد بن درهم، وكانت أصل المسائل التي يفكر فيها من جهة الصفات، فلما قام برهانه صارت هذه المسألة،أو هذه الصفة من أوائل الصفات التي نفاها؛لأجل إقامة برهانه واستقامته.

إذا تبين لك ذلك،فثم تعبيرات مختلفة عن منشأ الضلال في هذه المسألة؛ فتارة تجد من يقول،وكلها حق،من يقول: إن منشأ الضلال في هذه المسألة هو أن إثبات صفة الكلام يستلزم التجسيم، وهي راجعة إلى ما ذكرنا، ومنهم من يقول: إن صفة الكلام المضافة إلى الله صفة تشريف،لا صفة،يعني إضافة تشريف لا إضافة صفة إلى موصوف، وهذان القولان هما اللذان ذكرهما الشارح ابن أبي العز في هذا الموضع، يعني شبهة الذين قالوا: إن كلام الله جل وعلا مخلوق.

المسألة الثانية: أن الناس اختلفوا في مسألة الكلام هذه إلى أقوال كثيرة، يهمك منها عدد الأول،يعني لا نستوعب الأقوال؛ لأنها طويلة،وبعضها لا فائدة منه.

الأول: قول أهل السنة والجماعة،وهو الذي سمعنا، وهو أن كلام الله جل وعلا، أن القرآن كلام الله جل وعلا،سمعه منه جبريل، فنزل به على محمد عليه الصلاة والسلام،فسمعه منه محمد عليه الصلاة والسلام،وأسمعه الناس، وتلاه عليهم، وأنه منه بدأ جل وعلا وإليه يعود، وأن كلام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يسمع، وإذا كان جبريل قد سمعه ونزله فإذن هو صوت سمعه بصوت، وليس معنى قذف في داخل جبريل أو أخذه من اللوح المحفوظ، وأن كلام الله سبحانه هو كلامه حيث وجد، وأنه إذا تلي فالكلام كلام الباري، والصوت صوت القاري، فهو كلامه موجود في المصاحف، وهو كلامه موجود الذي يسمع في تلاوة التالي، وهو كلامه الذي يستدل به... إلى آخره، لا يخرج في هذه الحالات عن كونه كلام الله جل وعلا،وهذا هو الذي قرر في هذا الموضع من الطحاوية.

المذهب الثاني: مذهب الجهمية،وهو أن الله سبحانه لا يوصف بكلام أصلاً، وليس بمتكلم ولا بذي كلام، فيسلب عنه هذا الوصف، ويفسر الكلام بمخلوق منفصل،يقال له: كلام، فخلق الله هذا القرآن وسماه كلاماً له، فيكون الكلام كلام الله جل وعلا يكون خلقاً من خلقه.

المذهب الثالث: مذهب المعتزلة، وهو شبيه بمذهب الجهمية،إلا أنهم قالوا: إن القرآن مخلوق، خلقه الله جل وعلا في نفس جبريل، فعبر به جبريل،أو نقل جبريل ما خلق في نفسه، فهو مخلوق في نفس جبريل، وكلام الله جل وعلا يخلق في أحوال مختلفة، من جهة سماع موسى خلقت الشجرة، ويخلق في كذا، ويخلق في كذا... إلى آخر قولهم.

فإذن يتفقون على أنه مخلوق،الجهمية،ويجعلون زيادة عليهم أنه مخلوق في موضع يناسبه، وهذا منهم فقه أعظم من فقه جهم؛ لأنه حتى لا يعارض عليهم بأن القرآن تنزيل، وأنه نزل فقالوا: إنه أنزل،ولكنه خلق في نفس جبريل، أو في روع جبريل.
المذهب الرابع: أن هو مذهب الكلابية أتباع ابن كلاب، بل مذهب ابن كلاب نفسه وأتباعه من الأشاعرة وغيرهم، وهو أن كلام الله جل وعلا معنى واحد، وكتب الله تعبيرا عن هذا المعنى الواحد، فتارة يعبر عنه بالعربية فيسمى قرآنا، وتارة يعبر عنه بالسريانية فيسمى إنجيلا، وتارة يعبر بالعبرانية فيسمى توراة، هكذا. فإذن هو معنى وليس ثم صوت يسمع، ولا كلام حقيقة، ولكنه معنى قائم بنفس الرب جل وعلا،ألقاه في روع جبريل، فنزل به جبريل،عبر عنه جبريل بهذه التعبيرات المختلفة.

المذهب الخامس: هو مذهب الفلاسفة وطائفة من الصوفية، وهو أن كلام الله جل وعلا هو ما يفاض،أو ما يفيضه على النفوس من المعاني الخيرة،معاني الحكمة، وهذه الإفاضة قد تكون مباشرة منه إلى العقل الفعال عندهم، والعقل الفعال يفيضها على النفوس بحسب استعدادتها، وقد تكون هذه الإفاضة منه جل وعلا مباشرة على قلب الرجل،كقول طائفة من الصوفية، وقد تكون هذه الإفاضة بوسائط مختلفة.

المقصود من هذا تقرير للمذاهب المشهورة في هذه المسألة، وإلا فثم مذاهب أخرى لهذه المسألة، وكما ذكرت لك إن هذه المسألة من كبريات المسائل التي تكلم فيها الناس.

المسألة الثالثة: أدلة أهل السنة والجماعة على قولهم، ورد واستدلال المخالفين، بل نقول:أولا: أدلة أهل السنة والجماعة على قولهم،فكما سمعت المسألة مترتبة على أشياء.. فيها أشياء؛ففيها أن القرآن كلام الله، وهذه أدلتها كثيرة معلومة لكم، ومنها قوله جل وعلا: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}.

قوله: "من بدا قولا" هذا دليله قوله جل وعلا: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق}،وقوله جل وعلا: {إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}، قال: {وإنه لكتاب عزيزثم وصفه ثم قال: {تنزيل من حكيم حميد}،ولهذا حرف من هذا من الأحرف المهمة في تقرير العقائد السلفية، فينبغي لطالب العلم أن يعتني به في كتب النحو وكتب المعاني؛ لأنه يفيد فيما ذكرنا في مواضع كثيرة، يفيد في هذا الموضع وفي غيره من المواضع.

قال: "بلا كيفية" يعني: أن الكيف غير معقول، وهذا يدل عليه قوله: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}, وأنزله على رسوله وحياً،يعني: أن القرآن وحي، وهذا أمر ظاهر متواتر معروف للجميع.

قال:أيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة" هذه الكلمة دليلها قوله جل وعلا: {وكلم الله موسى تكليما} فتكليم موسى أكد بالمصدر، فقال: {وكلم الله موسى تكليما} قال علماء العربية: إن تأكيد الفعل بالمصدر يدل على إرادة حقيقته, وألا يراد به غير الظاهر. والحقيقة هذا القول من باب التنزل معهم بحسب لغتهم، وإلا فإن استعمال لفظ الحقيقة والمجاز لهذا الموضع لا يصلح تأسيساً، وإنما إذا كان في الرد على المخالفين فلا بأس به من باب حدثوا الناس بما يعرفون، قارن بين هذه الآية وبين قوله: {فأجره حتى يسمع كلام الله}؛فإنه كلام الله جل وعلا الذي تكلم به هو حقيقة جمعاً بين الآيتين: آية براءة،وآية سورة النساء.

المسألة الخامسة.. أو الرابعة،الرابعة: أقوال أهل البدع، نخص منها قول المعتزلة وقول الأشاعرة، أما الأقوال الأخر؛الجهمية والفلاسفة هذه نطويها.

قول المعتزلة مشهور؛ وهو أن القرآن مخلوق، استدلوا بدليل عقلي كما ذكرنا، وهو أنه لو أثبت الكلام،وأن الكلام يسمع،فمعنى ذلك أن الرب جل وعلا جسم؛ لأن الكلام لا يصدر إلا بتغير،وهذا التغير إذا حل في شيء فإنه يدل على أنه جسم،على الذي ذكرنا لك من قولهم، وهذا القول يدلهم على أن الرب جل وعلا يجب أن ينزهه عن جميع مظاهر الجسمية بأنواعها؛ لأن وصفه جل وعلا بأنه جسم كفر، وهذا القول يرد عليه من جهتين:

الأول: أن ذكر صفة الكلام لله جل وعلا،وارتباط الجسمية بها، هذا ليس بصحيح، وذلك أن المقدمة التي بني عليها هذا القول هي البرهان،بما سموه حلول الأعراض في الأجسام، وهذا البرهان لم يدل عليه القرآن ولا السنة، بل دل القرآن والسنة على بطلانه؛ وذلك من جهة أن الجسم موجود بأعراضه، وأنه إذا كان العرض يحل في الجسم فدل على أن الجسم غير مختار لحلوله ـ لاحظ معي ـ إذا كان الجسم يحل فيه العرض والجسم لم يختر حلول العرض فيه، فدل على أنه محتاج، لا ينطبق على الصورة التي فيها الكلام؛ لأن من قال: إن القرآن كلام الله تكلم به؛ فلو قيل: إنه عرض فيقال: اتصافه به كان بمشيئته، وقدرته، واختياره سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فخالف من هذه الجهة البرهان، فدل أولا: على أن البرهان في نفسه غير صحيح على هذه المسألة، يعني تطبيق البرهان غير صحيح في مسألة الكلام.

ودل ثانياً: على أنهم حينما أصلوا البرهان لم يطبقوه على وجه الصواب في الصفات، فجعلوا الجسمية والعرضية متلازمة دائماً مع الحاجة، وهذا فيه نظر كما ذكرت لك.

الرد الثاني: أن (كلام غير مسموع) رد قول المعتزلة، نعم ذكرنا الأول والثاني أن النصوص دلت على أن القرآن كلام الله جل وعلا،وعلى أن الله يتكلم، وعلى أن هذا أكد بمؤكدات، وهذه.. مجموع هذه النصوص إذا أريد تأويلها فإنه أولاً لا يستقيم في كل المواضع.

والثاني: أنه يلزم منه نفي الصفات التي وصف بها المعتزلة رب العالمين، أما الأول فلا يستقيم في كل موضع،فمثل ما قالوا في قوله: {وكلم الله موسى تكليماً} قالوا: إن معناه أنه {كلم الله موسى تكليما} يعني عند المعتزلة بأن معنى كلم الله موسى، يعني أنه سمع كلامه المخلوق في الشجرة، وهذا السماع أكد في حق موسى بأنه سمع كلاماً تكليماً، يعني:أن التكليم ليس تأكيداً للفعل الذي بدا من الله جل وعلا،ولكنه لإحساس موسى بما سمع.

وقال بعض الناس في هذا:{وكلم الله موسى تكليماً} يعني جرحه بأظافير الحكمة تجريحا، أخذوا من كلم يعني جرح. وقد جاء بعض المعتزلة إلى أبي عمرو بن العلاء،وهو أحد القراء الذين جعلوا قراءتهم معتمدة على النحو، فقال له في هذا الموطن: اقرأ: {وكلم اللهَ موسى تكليما}.قال: هبني قرأت ذلك،فما تصنع بقوله تعالى: {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه}؟وما تصنع بقوله تعالى: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله}؟وهذا يدل كما ذكرنا لك على أنه لا يستقيم مع الآيات الأخر.

ردا على مداخلة غير مسموعة: كثيرة التقسيمات،نسيت.
ـ..........................
ـ ردينا على المعتزلة، الأول (غير مسموع) والثاني: أنه لا يستقيم في كل المواضع (طيب).
المسألة (اللي) بعدها قول الأشاعرة، وهذا هو أخطر الأقوال؛ لأن قول المعتزلة جمهور الأمة يقول بخلافه، يعني جمهور المنتسبين للقبلة يقولوا بخلافه، في زماننا هذا ما في من يقول بقول المعتزلة إلا ثلاث طوائف: الرافضة، والإباضية، أو الخوارج، والزيدية.

قول الأشاعرة ذكرنا لكم أن كلام الله معنى، وأن القرآن ألقي في نفس جبريل، فعبر عنه، وهذا القول منهم لا شك أنه أخف من قول المعتزلة؛ ولذلك تجد أن الأشاعرة هم الذين أخذوا زمام الرد على المعتزلة في خلق القرآن في القرون المتوالية بعد زمن السلف، كالإمام أحمد، والبخاري، والأئمة أولا تولوا الرد، وعثمان بن سعيد وغيره، ومن صنف، لكن من رد على المعتزلة ردوداً عقلية،وتوسع في ذلك هم الأشاعرة، وبينهم وبينهم مناظرات، ولأجل خلاف المعتزلة والأشاعرة في هذه المسألة كان أهل الحديث والأشاعرة في أول الأمر متفقين غير مختلفين،حتى حدثت فتنة ابن القشيري المعروفة في أواخر القرن الخامس، فصارت المنابزة العظيمة ما بين الأشاعرة وأهل السنة، فكان الأشاعرة لا يعقلون مذاهبهم في كل المسائل على التفصيل، حتى حدثت الفتنة.

المقصود من هذا أن الأشاعرة ردوا على المعتزلة في خلق القرآن، وأصل مذهب ابن كلاب في هذه المسألة أنه توسط ما بين قول أهل الحديث؛ لأنه خالط أهل الحديث،وما بين قول المعتزلة، فأتى بهذا الشيء الذي هو أن القرآن معنى؛ لأن الذي من أجله قيل: إن القرآن مخلوق هو أن كلام الله جل وعلا أصوات وحروف، وأنه يسمع فقال: ننفي هذه ونبقي كلام الله جل وعلا غير مخلوق، وأنه على حقيقته، ولكن نقول: هو معنى دون لفظ،دون سماع.

إذا تبين ذلك،فنأخذ من هذا تفصيل ـ ذكرني قبل ما.. إذا شردت ـ وهو أن ارتباط،أو دلالة الكلام في اللغة على اللفظ والمعنى فيها مذاهب، مذهب أهل السنة والجماعة، وأهل الحديث والأثر، أن الكلام والقول إذا أطلق،يعني إذا قيل: الكلام كلام فلان،إذن قول فلان،كلام الله،قول الله جل وعلا فإنه يراد به شيئان معاً دون تفريق بين الواحد والآخر، يراد به اللفظ والمعنى جميعاً.

والثاني: مذهب المعتزلة،وهو أن الكلام هو في المعنى،وفي اللفظ مجاز.

والثالث: هو مذهب الكلابية،وهو أن الكلام للمعاني، ولكن الحديث إخراجه هذا دليل عنه، واستدلوا على هذا بقول الأخطل في الشعر المشهور المعروف، يعني المعروف عندهم في الاستدلال:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما = جعل اللسان على الفؤاد دليلا


والكلام على هذا البيت ورد الاحتجاج به إلى آخره،مر معنا في الواسطية فنحيلكم عليها؛ لأنه معروف مشهور كررناه أكثر من مرة.

نرجع إلى أصل المسألة؛وهو أن الكلابية والأشاعرة قالوا: إن الكلام،معنى كلام الله جل وعلا معنى ألقاه في روع جبريل؛ وهذا لأجل أنهم أصلوا تأصيلات، ومنها أن الكلام لا يدل على الإخراج، وإنما يدل على ما قام في النفس، كما استدلوا بهذا البيت، لهذا ذكرت لكم في أول الكلام تعريف كلَّم وكلَم وهذه المادة واشتقاقها ليبطل معه قول من قال: إن الكلام معنى؛ فإن اللغة دلت على أن الكلام لابد أن يكون لفظاً ومعنى، وحتى كلمة لفظ تدل على شيء ملفوظ مخرج، وما أحسن قول المعري وإن كان ليس مجال احتجاج قال:

من الناس من لفظه لؤلؤ = يبادر اللفظ إذ يلفظ
وبعضهم قوله كالحصى = يقال فيلغى ولا يحفظ

يعني من الناس من لفظه لؤلؤٌ،اللفظ لابد أن يلفظ يخرج، فكيف يكون الكلام والقول،يكون في الداخل دون الخارج؟! وكيف يكون المعنى يدل عليه في الإنسان بلا لفظ؟! وإذا كان ثم لفظ فإذن ثم معنى، واللفظ لابد أن يلفظ ويخرج، فدل ذلك على أن قولهم بأن الكلام معنى، وأن هذا هو الأصل فيه، هذا لاشك أنه معارض باللغة في تأصيلاتها واشتقاقاتها، وأيضاً معارض بالنصوص التي سقنا لك بعضاً منها.

الكلابية ورثهم أبو الحسن الأشعري، والماتريدي في الكلام في هذه المسألة تارة يعبرون عنه بقولهم: الكلام صفة نفسية، وتارة يعبرون عنه بأن الكلام كلام الله جل وعلا قديم، قديم يعني قبل أن يخلق الخلق،قبل أن يوجد شيئا تكلم بكلام قديم وانتهى،تارة يعبرون عنه بأنه معنى قائم بالنفس، وتارة يعبرون عنه بأنه عبارة يعني القرآن عبارة عن كلام الله، يعني عبر به عن كلام الله.

إذا تبين لك ذلك،فحاصل معتقد هذه الطوائف الكلابية،الأشاعرة، الماتريدية أن القرآن قديم، كلام الله جل وعلا قديم،يعني تكلم الله جل وعلا به في الأزل، ثم لما أراد إنزاله على محمد عليه الصلاة والسلام قام ما تكلم به في الأزل به معنى، فألقاه في روع جبريل، فنزل به جبريل وعبر عنه، وإلا فكلام الله عندهم ليس بالعربية، وليس بالسريانية، وليس بـ.. إلى آخره؛لتنزهه عندهم عن اللغة.

إذا تبين ذلك فمن أحسن الردود عليهم ما استشكله الآمدي،والآمدي من حذاق الأشاعرة المعروفين،ومن الأذكياء، قال: إني نظرت في هذا القول،وهو أن كلام الله قديم، وأن القرآن قديم، وأنه حين أوحي إلى محمد عليه الصلاة والسلام إنما أوحي بالعبارة،ولما ألقي في نفس جبريل،فأشكل علي أن القرآن فيه آيات كثيرة فيها التعبير عنه بلفظ الماضي {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} وهل كان ثم مجادلة؟ وهل كان ثم زوج؟ وهل كان ثم قول حتى يسمع الله؟ قال: {قد سمع الله} فإذا كان الله جل وعلا قال هذا القول في الأزل،ولا زوجة ولا مجادلة ولا قول،فما الذي سمع؟فيلزم منه أن قوله: {قد سمع}،وكل الأفعال الماضية في القرآن أنها (إيش؟) غير مطابقة للواقع،وهذا هو الكذب.

وهذا لا شك أنه رد منطقي جميل؛ لأنه يلزمهم على أصولهم،ولا فرار لهم منه. إذا تبين لك ذلك فنقول: خلاصة الرد على هذه الطوائف يكمن في أشياء:

الأول: الاستدلال باللغة في معنى كلم، في معنى الوحي.هذا واحد.

الثاني: الاستدلال بالنصوص من القرآن والسنة،التي فيها الإضافة،والقاعدة فرق ما بين إضافة التخصيص وإضافة.. إضافة المخلوقات وإضافة المعاني.

والثالث: أنه يستدل أو يرد الكلام،يرد ما استدلوا به من أنواع الأدلة،مثل ما أصلوه في أن الكلام يدل على المعنى فقط في اللغة، وأن الوحي يكون بالمعنى وإلقاء في الروع وغير ذلك من الاستدلالات، ومن مثل قولهم: يلزم التشبيه،يلزم التجسيم... إلى آخره، وأيضاً بقول الآمدي في التفريق ما بين الماضي والحاضر.

كنا أطلنا عليكم والكلام يطول؛ لأن هذه المسألة فيها طول، يعني وأكثر المسائل وأعظم المسائل بحثاً وتفصيلات هي هذه على العموم.نقف عند هذا؛ لأن الوقت تأخر،ونكمل إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى المسائل في الدرس القادم.

تجد دائماً إذا أوضحت،أو سردنا مثل هذا واحد يتألم من جهة؛وهو أن مثل هذا الكلام لا ينبغي أن يقرر في مثل مذاهب الفرق والأقوال، الأقوام،لكن لابد منه؛ لأنه مع الأسف المجتمعات،مجتمعات المسلمين،وبلادنا بخاصة،وكل من سيصلهم هذا الكلام عن طريق الأشرطة مجتمعات اختلطت، وصار فيها من أتباع الفرق جميعاً،ولا يحسن أن يبقى طالب العلم السني السلفي عريا عن قوة الحجة، وقوة الدليل، وعن فهم كلام الناس في ذلك؛ لأنه قد يقال: إنكم ما تفهمون،تقلدون... إلى آخره.

فإذن فهم المسائل وضبطها،واستطاع أن يرد على أولئك فقد نصر الحق، إضافة إلى أن كتب التفسير المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة أكثر من كتب التفسير السلفية، فأكثر كتب التفسير والحديث وإلى آخره شروح الحديث،يعني وكتب الأصول كلها على منهج الأقوال، لا تجد كتاباً في الأصول من الكتب المتقدمة إلا ما شذ،أثبت منهج أهل السنة والجماعة في مسألة الكلام، حتى كتب الحنابلةتجد فيها ضلال في هذه المسألة؛ لأنهم وافقوا الأقوام في أن القرآن عبارة أو معنى ونحو ذلك. نجيب عن بعض الأسئلة في ثلاث دقائق:

سؤال: أدلة المعتزلة كثيرة،يعني على، هذا يسأل عن أدلة المعتزلة ومرادهم؟
جواب: مما استدلوا به: أن إن الجعل إن الله جل وعلا قال: {إنا جعلناه قرآناً عربياً} ونحو ذلك، فذكر الجعل،والجعل قالوا: هو بمعنى الخلق {وجعل فيها زوجين اثنين} يعني: خلق وجعل فيها زوجين، يعني وجعل فيها زوجين اثنين،يعني خلق {وجعل منها زوجها} يعني خلق وهكذا.

والجواب على كلامهم معروف، وهو أن الجعل في اللغة إذا تعدى إلى مفعول واحد صار بمعنى خلق، وإذا تعدى إلى مفعولين صار بمعنى صير {إنا جعلناه قرآناً عربياً} يعني صيرناه قُرْآناً عربياً، يعني غير خلقناه، والآيات على هذا كثيرة؛ لأن هذا من أضعف حججهم، لأنها منقوضة في اللغة. نعم.

ردا على سؤال غير مسموع: العلم، كيف العلم؟
ـ.....................
ـأقول: ما العلاقة بينهما عندك في هذا الموضع يش) العلاقة بين العلم والكلام النفسي؟
ـ.....................
ـ ما فهمت، يعني ما فهمت السؤال (إيش) العلاقة بينهما في هذا الموضع؟
ـ.....................
ـ ما الفرق؟ يعني قصدك ما يعلمه الله جل وعلا وما يتكلم به.
ـ.....................

ـ يعني من هذه الجهة،هذه الجهة ما في فرق عندهم، ما في فرق،يعني كل ما قام بالنفس فهو معنى قائم بالنفس، ولكن العلم فرق بينه وبين الكلام؛ لأن العلم راجع إلى المعلومات، وأما الكلام راجع إلى ما سينسب إليه كلاماً عندهم، إن ما قام بالنفس من الكلام هذا موافق لما تكلم به، فإذن هو تكلم في الأزل بكلام بالقرآن، والآن يعني حين أراد الوحي قام بنفسه المعنى الذي تكلم به فأوحى إلى جبريل هذه المعاني في نفسه،فعبر عنها جبريل.واضح؟

سؤال: ما رأيكم في من قاس الكلام على الاستواء؟
جواب: ذكرت لكم في إشارة،أو ربما إني ما ذكرتها لكن منهج السلف في الكلام أن الكلام قديم النوع حادث الآحاد، يعني:أصل صفة الكلام لم يزل الله جل وعلا متصفا بها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، واتصافه بالكلام أول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، اتصافه بالكلام أزلي، لذلك يقولون: كلام الله جل وعلا قديم النوع حادث الآحاد، وكلامه نوعان جل وعلا: كلام كوني قدري، وهو الذي به تكون الأشياء، ويتصرف سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في ملكه، وهو الذي جاءت فيه الاستعاذة ((أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة،ومن كل عين لامة، أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق))،وفي مثل قوله تعالى: {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله} ونحو ذلك من الآيات هذه الكلمات الكونية القدرية.

والنوع الثاني من كلام الله جل وعلا: الكلام الشرعي الديني، وهو الذي تعبد الناس جل وعلا أن يعملوا به في العمليات، وأن يصدقوا بأخباره، ومع هذا مذهب الأشاعرة يقولون: هذا قديم،كله قديم.
سؤال: هل القرآن الكريم حروفه ومعانيه مكتوب في اللوح المحفوظ؟

جواب: نعم،كما قال سبحانه: {إنه لكتاب مجيد في لوح محفوظ}, وقال جل وعلا: {فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون}،الله جل وعلا جعل القرآن في اللوح المحفوظ مكتوباً قبل أن يتكلم به، فما في اللوح المحفوظ هذه مرتبة الكتابة، مرتبة الكتابة لا علاقة لها بالكلام، كما أنه سبحانه جعل في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء، وفيه ثم تقدير سنوي، وتقدير عمري، وتقدير يومي إلى آخره. فكذلك جعل الله جل وعلا كلامه الذي هو القرآن جعله في اللوح المحفوظ؛تكرمة له ويصان، وهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يعني محموعاً كاملاً،ثم هو جل وعلا تكلم به فسمعه منه جبريل.



ولهذا نقول: إن ترتيب الآيات في السور توقيفي، وكذلك ترتيب السور توقيفي،ما يجوز أن نقول: الترتيب اجتهادي، وهذا اجتهادي؛لأنه هكذا أنزل على النبي عليه الصلاة والسلام، وجاءت به العرضة الأخيرة الموافقة لما في اللوح المحفوظ، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في أول الأمر البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، كما جاء في حديث حذيفة وغيره، هذا في الأمر الأول، ثم لما كمل القرآن وتمت آياته،وعرض على النبي عليه الصلاة والسلام عرضه النبي عليه الصلاة والسلام على جبريل في العرضة الأخيرة على هذا الترتيب والصحابة... سقط... لهذا كان إذا جاءت آية قال عليه الصلاة والسلام: اجعلوها بعد آية كذا،وقبل آية كذا كما هو معروف.


سؤال: هل نزل القرآن من الله إلى جبريل منطوقاً أم مكتوباً؟
جواب: لا، منطوقاً يعني مسموعاً سمعه جبريل، أما المكتوب فلا علاقة لجبريل عليه السلام به، هذا من أقوال الأشاعرة؛ أنهم قالوا: إن جبريل أخذ القرآن من اللوح المحفوظ،وقاله السيوطي وغيره،هذا باطل؛ لأن الكتاب لا علاقة لجبريل بها، جبريل سمع فأدى.

سؤال: لو رتبت كتب العقائد لمن أراد الاستفادة قراءة وشرحاً؟
جواب: لعلها ما رتبت في القرون،فنبقى كما بقوا.
( كلام غير مسموع )

سؤال: من سأل النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يدعو له،وأن يطلب له المغفرة من الله بعد موته،هل هذا شرك؟
جواب: الجواب تم هو شرك أكبر؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لا يدعى بعد موته، فطلب الدعاء من الميت،طلب الدعاء من الميت، طلب الدعاء بالإغاثة أو الاستسقاء، يعني أن يدعو الله أن يغيث، أن يدعو الله أن يغفر، أن يدعو الله أن يعطي ونحو ذلك، هذا كله داخل في الدعاء،في لفظ الدعاء، والله جل وعلا قال: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا}

والذي يقول: إن هذه الصورة،وهي طلب الدعاء تخرج عن الطلب الذي به يكون الشرك شركاً فإنه ينقض أصل التوحيد كله، ينقض أصل التوحيد كله في هذا الباب، فكل أنواع الطلب؛طلب الدعاء،طلب يعني طلب الدعاء من الميت، طلب المغفرة من الميت، أو طلب الدعاء من الميت،أن يدعو الله، أن يغفر، أو طلب الإغاثة من الميت، أو طلب الإعانة أو نحو ذلك،كلها باب واحد،هي طلب، والطلب دعاء، فداخلة في قوله تعالى: {ومن يدعو مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون}،وفي قوله:أن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا}, وفي قوله: {والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير} ونحو ذلك من الآيات.

فتفريق مضاف للدليل، ومن فهم من كلام بعض أئمتنا التفريق،أو أن هذا طلب الدعاء من الميت بدعة، لا يعني إنه ليس بشرك، بل هو بدعة شركية، يعني ما كان أهل الجاهلية يفعلونه، وإنما كانوا يتقربون ليدعو لهم، لكن أن يطلب من الميت الدعاء هذا بدعة،ما كانت أصلاً موجودة لا عند الجاهلين ولا عند المسلمين، فحدثت، فهي بدعة ولا شك، ولكنها بدعة شركية كفرية، وهي معنى الشفاعة (إيش) معنى الشفاعة؟ (اللي) من طلبها من غير الله فقد أشرك؟ الشفاعة طلب الدعاء، طلب الدعاء من الميت هو الشفاعة.

نكتفي بهذا القدر ونلتقي إِنْ شَاءَ اللَّهُ وفقكم الله لما يحبه ويرضاه وصلى الله وسلم على محمد ( كلام غير مسموع ) طيب القدرة أليست مثل الكلام؟القدرة (ليش؟) ما ( كلام غير مسموع ) أليس المخلوق متصف بالقدرة (هه)؟ ـ السائل: نعم ـأليست القدرة تأتي،أنت تقدر على الشيء وتفعل ولا تقدر، يعني بمعنى تنفذ قدرة ولا تنفذ تريد ولا تريد (كلام غير مسموع من السائل) يعني بمعنى أنها....
الشيخ:...والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه،اللهم إنا نسألك علما نافعا،وعملا صالحا، وقلبا خاشعا، ودعاء مسموعا،اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا،وزدنا علما وعملا يا أرحم الراحمين. وكالعادة فيما يجتمع الإخوة نجيب عن بعض الأسئلة:

سؤال: ما حكم سب الدهر؟
جواب: سب الدهر محرم؛ لأنه إيزاء لله جل وعلا،كما قال جل وعلا في الحديث القدسي:((يؤذيني ابن آدم؛يسب الدهر، وأنا الدهر،أقلب الليل والنهار)).
فسب الدهر، بمعنى أن يتنقصه، أوأن ينسب إليه الأفعال القبيحة وأشباه ذلك هذا في الواقع لا يتوجه إلى الدهر؛ لأن الدهر يقلب الدهر، ليس يفعل شيئا وإنما يتوجه إلى من جعل الدهر على هذه المثابة، ومن جعل الدهر بهذه الصفة وهو الله جل وعلا،لهذا قال:((يؤذيني ابن آدم؛يسب الدهر، وأنا الدهر،أقلب الليل والنهار))، فمسبة الدهر حرام، وإيزاء لله جل وعلا.

وقوله جل وعلا في الحديث القدسي: ((وأنا الدهر)) لا يفهم منه أن الدهر اسم من أسماء الله جل وعلا، بل يعني: أن الذي سب الدهر وقعت مسبته على الله جل وعلا؛لأن الله سبحانه هو الذي يصرف الدهر كيف يشاء.

إذا تبين ذلك، وقد ذكرنا مرارا أن وصف الدهر بأوصاف مما يقع فيه من الأوصاف المشينة ليست مسبة للدهر،كقول القائل: هذا يوم أسود، أو هذا شهر نحس، أو نحو ذلك فإن هذا ليس بمسبة للدهر؛ لأن هذا وصف لما يقع في الدهر, لما يقع في اليوم، أو لما وقع فيه،لما يقع في الشهر، أولما وقع فيه،وهذا كما قال جل وعلا: {في يوم نحس مستمر}، وقال سبحانه: {في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا} فوصف الله جل وعلا الأيام التي عذب فيها الكفرة أنها أيام نحيسة، فمثل هذا ليس بسب للدهر؛ لأنه هذا وصف لما وقع فيه بالإضافة إلى المخلوق.

سؤال: قال: هل يدخل في سب الدهر قول القائل:الدهر باق، والزمان غدار،ونحو ذلك؟
جواب: نعم؛ لأن هذا من التنقص، وهذا من سب الدهر؛ لأن الدهر لا يقضي على أحد، ولكن الذي دبر الدهر،وقدر فيه ما قدرهو الله جل جلاله.



سؤال: هل آية الرجم المعروفة تعتبر من كلام الله غير أنها منسوخة، ولا يجوز التعبد بتلاوتها؟
جواب: الجواب أن كل آية نزلت على النبي _ عليه الصلاة والسلام _ فهي من كلام الله جل وعلا،سواء كانت باقية، أم كانت منسوخة،كما قال جل وعلا: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} وفي القراءة الأخرى: {ما ننسخ من آية أو نَنْسَأْهَا نأت بخير منها أو مثلها} فالآيات التي نسخت قرآن، ولكنه نسخت تلاوتها، والتعبد بذلك، وحكمها منسوخ، وهذا إذا كانت منسوخة، وأما إذا لم تكن الآية منسوخة فإنه قد تترك آية لغير النسخ كما قال:{نأت بخير منها أو مثلها}.

سؤال: يستخدم بعض الكتاب ألفاظا منسوبة إلى القرآن،كقولهم: قال القرآن أو تحدث القرآن، فند القرآن،هذه الشبهة،هل يصح الحكم عليها بأنها متفرعة عن القول بخلق القرآن؟
جواب: الجواب لا؛ لأن هذه الكلمات جرت على ألسنة كثير من أئمة أهل العلم السابقين،يقولون: وقال القرآن, وورد القرآن ونحو ذلك،فينسبون الفعل إلى القرآن.ومعلوم أن القرآن كلام الله جل وعلا،ففي الحقيقة القائل هو الله جل وعلا،كأنهم قالوا: قال الله في القرآن، تحدث الله في القرآن، وورد الله في القرآن وأشباه ذلك.

سؤال: ما حكم تقليد الأئمة أثناء قراءة الإمام في الصلاة،بلغنا عنك أنك تحرم ذلك، ونريد التأكد؟
جواب: هو المشكلة في بعض الشباب أنه يأخذ الحكم، وما يفهم الصورة (اللي) جرى الكلام عليها تقليد الأئمة، (إيش) معنى تقليد الأئمة؟ماله معنى،سمع مرة البحث في الموضوع بحثناه هنا في المسجد، وما فهم المسألة وقال: بلغنا أنك تحرم تقليد الأئمة،ولو سألناه ما معنى تقليد الأئمة؟ ما عرف الجواب،لهذا دائما أوصيكم بأن تحرص على فهم المسألة قبل الحكم؛ لأنك قد تنزل الحكم من حل، أو تحريم على غير المسألة التي تكلم فيها العلماء.

فالكلام ينبغي أن يفهم أولا تفهم الصورة،ما الذي يتحدث عنه،قبل أن تعرف الحكم والدليل،حتى إذا اتضحت الصورة بعد ذلك يأتي الدليل، ويأتي الحكم،وقد ذكرنا لكم في كيفية دراسة الفقه، وكيفية دراسة العقيدة أن أول مرحلة في فهم أو في دراسة العقيدة، وفي دراسة الفقه أن تعرف ألفاظ الكلام،لغة أهل العقيدة، لغة أهل الفقه التي يتحدثون بها، ثم ثانيا: أن تفهم صورة المسألة التي يتحدث بها،ذكرنا لكم سبع نقاط في الفقه، وفي العقيدة، التي من تدرج فيها أحسن تصور المسائل، وفهم الدليل، والتعليل، والخلاف إلى غير ذلك.

فهذه المسألة؛ تقليد الأئمة أثناء القراءة،قراءة الإمام في الصلاة هذه بغير واضحة، وإن كنت أعرف ماذا تحدثنا فيه تقليد الأئمة ما في تقليد الأئمة (إيش) معناه؟
تقليد الأئمة (اللي) تكلمنا عنه التلفيق، التلفيق بين قراءة القراء في الصلاة الواحدة،يعني أن يقرأ قارئ بحرف عاصم، أو بقراءة عاصم برواية حفص، ويقرأ أيضا بورش،هذا تلفيق ولا يصح،يقرأ بقراءة تامة حتى وهو منفرد،ليس شرطا في الجماعة إذا صار منفردا، ما يجوز له أن يلفق،يقرأ آية برواية حفص عن عاصم، ثم يقلب قالون عن نافع، ثم يقلب إلى كذا،هذا تلفيق، والقراءة سند قال الله جل وعلا: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} إذا قرأناه فاتبع قرآنه،فأنت تتبع قراءة القارئ التي نقلها عن الصحابة رضوان الله عليهم، ولا تلفق في القراءة،التلفيق في القراءة لا يجوز.
ـ.................
ـ نعم.
ـ.................
ـ تقليد الأئمة يقصد (إيش؟)
ـ.................
ـ إذا كان يقصد أنه،يقصد يعني الأئمة يعني محاكاة الصوت،أن يقرأ مثلا بقراءة الشريم، أو بقراءة السديس، أو بقراءة (غير مسموع) هذا ما مر، أن تكلمت فيها بحل، أو بحرمة.

سؤال: كان من الردود على المعتزلة في الدرس الماضي،أنهم إذا أرادوا تأويل صفة الكلام فإنه يترتب عليه نفي الصفات التي أثبتها المعتزلة،مع أنه قد تقرر في كثير من الدروس أن المعتزلة لا يثبتون أي صفة من الصفات فما الجواب؟
جواب: الجواب أن الذي قررناه، وهو المعروف أن المعتزلة يثبتون ثلاث صفات، وأما الذين لا يثبتون إلا صفة الوجود المطلق بشرط الإطلاق هم الجهمية،وكل من أثبت صفة من الصفات ونفى الباقي فإنه يطعن بإثباته على ما نفاه مثلا يقال لمن أثبت صفة الوجود قال: إن الله جل وعلا ليس له إلا صفة الوجود فقط،الوجود المطلق،يقال له: لم نفيت غيرها من الصفات؟ لم نفيت صفة العلم؟ لم نفيت صفة الكلام؟ لم نفيت صفة المحبة؟

فسيقول: إن هذه الصفات تستلزم المشابهة،التمثيل، أو التشبيه فيقال: لم؟يقول: لأن المخلوق يتكلم،فكيف نقول: إن الله يتكلم، والمخلوق يتكلم معناه في تشبيه نقول: إن الله يحب والمخلوق،يحب معناه أن هذا فيه تشبيه فيقال له، وكذلك الصفة التي أثبتها وهي الوجود أيضا مشتركة فالمخلوق موجود،وتقول: الله جل وعلا موجود،المعتزلة يقولون.. يثبتون القدرة،والله جل وعلا يثبتون القدرة لله جل وعلا،والمخلوق عنده قدرة،فما الفرق ما بين ما أثبت وما بين ما نفى؟

الوجود أيضا مشترك فيه تشبيه،إذا قلنا: إن وجود الصفة من حيث هي في المخلوق وفي الله جل وعلا، أن هذا تشبيه،فإذن الوجود فيه تشبيه،فالله جل وعلا موجود والبشر موجودون،إذن ثَم تشبيه،فالصفة التي أثبتها فيها تشبيه،وهو يريد أن ينفي التشبيه،أن ينفي الصفات الأخرى لأجل التشبيه.

كذلك نأتي للأشاعرة ونقول: أنتم أثبتم سبع صفات؛السمع والبصر،والعلم والكلام، والإرادة... إلى آخره،فنقول: لم أولتم صفة الوجه؟لم أولتم صفة اليدين؟لم أولتم صفة الغضب؟صفة الرضا؟صفة المحبة؟صفة الرحمة؟إلى غير ذلك،يقولون: لأن هذه تستلزم التشبيه.فنقول: كذلك صفة السمع تستلزم التشبيه، كذلك صفة البصر تستلزم التشبيه، كذلك صفة الإرادة،الله جل وعلا يريد،والإنسان يريد،لماذا ما قلنا: إن هذا فيه تشبيه؟ يجيب الجميع منهم على اختلاف فرقهم بأن إرادة الله جل وعلا مختلفة عن إرادة المخلوق؛ لأن قدرة الله جل وعلا مختلفة عن قدرة المخلوق،نقول إذن نقول في باقي الصفات مثل هذا الأصل فكلام الله جل وعلا يختلف عن كلام المخلوق، ورحمة الله تختلف عن رحمة المخلوق، فإثبات الصفات إثبات وجود،إثبات لفظ ومعنى،لا إثبات كيفية، فلا اشتراك في الكيفية.

الله جل وعلا {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} فكما أن سبحانه له سمع يليق بجلاله وعظمته، فكذلك له بصر يليق بجلاله وعظمته،له كلام يليق بجلاله وعظمته. وسمع الإنسان، وبصر الإنسان،وكلام الإنسان هذا يليق بحال الإنسان،فإذن الاشتراك في أصل الصفات، أما الكيفية، وتمام المعنى فهذه لااشتراك فيها،فإذن كل مؤول للصفات من الفرق يلزمه التناقض،كل من أول يلزمه التناقض، بل سيما أهل البدع دائما التناقض؛ لأنه يتناقض،ولو أعملوا القاعدة أننا نسلم للقرآن والسنة،وما قاله السلف الصالح لما صار تناقض في أبواب الاعتقاد أبدا، ولكنهم تارة يثبتون، وتارة يتأولون بعقولهم؛ لأنهم خلطوا قولا سنيا وآخر عقليا.

سؤال: هل معنى قول من قال: إن القرآن مخلوق، أنه مثل أعضائنا وغير ذلك من المخلوقات؟
جواب: الجواب لا يقولون:القرآن مخلوق،يعني أن الله سبحانه خلق هذا الكلام وسماه قرآنا، أو أن الله خلقه في نفس جبريل،فعبر جبريل بذلك،ليس أن ثم شيء مخلوق يعني له صفة وجود، أو يمس ويحس مثل الأعضاء،لا،خلق هذا الشيء، يعني أنه ليس صفة له،خلقه في نفس جبريل وعبر جبريل عما وجده في نفسه.

سؤال: كيف نوفق بين كون الله تكلم بالقرآن،وأن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ؟
جواب: الجواب أن مرتبة الكتابة أو جهة الكتابة للقرآن غير جهة الكلام؛فالله جل وعلا يعلم ما سينزله على رسوله صلى الله عليه وسلم {فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله} والله سبحانه يعلم أن هذا القرآن،هذا الكلام سينزله على عبده محمد _ عليه الصلاة والسلام _ فجعل هذا الذي سينزله مكتوبا في القرآن؛تشريفا له، وتعظيما لمكانته،لمكانة هذا القرآن، ولأنه حجة الله الباقية إلى قيام الساعة، أما التكلم فكلام الله جل وعلا بالقرآن إنما هو حين أراد أن يبعث محمدا_ عليه الصلاة والسلام _ أو حين أراد أن ينبهه،أما نزول القرآن جملة إلى السماء الدنيا فهذا أيضا عند من قال به نزول مكتوب لا نزول مسموع.

سؤال: هذا يقول: إذا خلوت بنفسي تراودني نفسي على فعل المعصية،وأحاول المجاهدة،لكنها تغلبني،مع أن ظاهري الصلاح،فهل يعد هذا من الخلوة بمحارم الله، علما بأني أستر على نفسي؟
جواب: الجواب أن العبد المؤمن إذا من الله عليه بنفس لوامة فإنه على خير،النفس التي تلومه على فعل الذنب، وتحسن له فعل الخير،وقد جاء في الأثر: ((إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت المؤمن))، أو ((المؤمن من تسره حسنته وتسؤْه سيئته)) وإذا ابتلى الله جل وعلا العبد بذنب،فإنه إذا عمله في خلوة أيسر مما إذا عمله في علن، أو جهر به؛ لأن الله جل وعلا يستر على عبده.

وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((كل أمتي معافى)) يعني يغفر له بالأسباب ((إلا المجاهرون))،((كل أمتي معافى إلا المجاهرون)) قالوا: ومن المجاهرون يا رسول الله؟قال:((من يصبح وقد ستر الله عليه ذنبه فيصبح يتحدث للناس بما فعل في ليلته)).
فالعبد إذا ابتلي بمعصية فإن المعصية إذا كانت سرا لم تضر إلا صاحبها،ويمن الله جل وعلا على عبده المنيب بالمغفرة، وأما إذا تحدث بها فإن هذا مجاهرة بمعصية الله،يتحدث فعلت وفعلت من باب الاستعلاء، وعدم رعاية حق الله في المعصية، والاستهانة بالمعصية، والتهاون بها،لهذا قال بعض أهل العلم: إن العبد قد يعمل كبيرة من الكبائر، فتظل نفسه تلومه، وتلومه وتلومه حتى يغفر الله جل وعلا له تلك المعصية الكبيرة باستغفاره، وبإنابته، وإن العبد ليفعل المعصية من الصغائر،فيظل يتهاون بها،يتهاون بها،ولا يراها شيئا،حتى تؤول به إلى كبيرة.

وقد ثبت في الصحيح: أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن الرجل الكافر، أو قال: المنافق إذا عمل بالمعصية فكأنما مر على أنفه ذباب،فقال به هكذا يعني ليست بشيء تطير كأنه،وبعد ذلك قليل، ولا كأنه عمل شيئا، وإن العبد المؤمن، أو قال الصالح إذا فعل معصية فكأنما على رأسه جبل،يخشى أن يقع عليه. فالعبد المؤمن إذا كانت تسره حسنته وتسوؤه... سقط...

ثم يصبح يتحدث فعلت وفعلت، وقابلت، ونظرت وغشيت وكذا وكذا وإلى آخر ذلك متفاخرا بذلك،متهاونا به،نسأل الله جل وعلا للجميع المغفرة، والتوبة، والإنابة، وأن يمن علينا بالعمل الصالح،وبمغفرة الذنوب جميعها.اقرأ.


  #6  
قديم 5 ربيع الأول 1430هـ/1-03-2009م, 09:57 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية للشيخ: يوسف بن محمد الغفيص (مفرغ)


من أصول الإيمان: الإيمان بالكتب المنزلة على أنبياء الله عليهم السلام، ومن أخص هذه الكتب: القرآن العظيم، فهو أفضلها وأحكمها والمحفوظ منها -بحفظ رب العالمين- إلى يوم الدين، وهو كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.

عقيدة أهل السنة في القرآن
قال المصنف رحمه الله: [وإن القرآن كلام الله، منه بدأ بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحياً، وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر، حيث قال تعالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:26] فلما أوعد الله بسقر لمن قال: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:25] علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر، ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر، فمن أبصر هذا اعتبر، وعن مثل قول الكفار انزجر، وعلم أن الله تعالى بصفاته ليس كالبشر] . بعدما ذكر المصنف مسألة النبوة ذكر مسألة كلام الله سبحانه وتعالى، ومن المعلوم أن من أصول الإيمان: الإيمان بكتب الله سبحانه وتعالى، وهي الكتب المنزلة على الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأخص هذه الكتب وأعظمها وأحكمها هو القرآن الذي أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم، وتعظيمُ القرآن مجمع عليه بين المسلمين ولكن لما عطل الجهمية والمعتزلة الباري عن صفاته، ولم يصفوه بصفات الكمال، كان من تلك الصفات صفة الكلام، فقالوا: إن كلام الله مخلوق، ولما كان صريحاً في القرآن أن القرآن كلام الله قالوا: القرآن مخلوق. وقد أجمع السلف على أن هذه كلمة كفرية، وقد حكى الإجماع غير واحد كـشيخ الإسلام وغيره، بل القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، حروفه ومعانيه، وهذا التقرير هو فرع عن الأصل المقول في الصفات، وهو إثبات صفات الكمال لله سبحانه وتعالى، ومن أخص صفاته الثابتة في العقل والشرع: الكلام، فإن الله موصوف بالكلام. ......

خلاصة مذهب أهل السنة في كلام الله
ومذهب أهل السنة والجماعة في مسألة الكلام، أن الله موصوف بهذه الصفة أزلاً وأن كلامه سبحانه وتعالى متعلق بقدرته ومشيئته، وأنه بحرف وصوت مسموع. وقد ذكر الله القرآن وسماه تنزيلاً، وذكر القرآن وسماه كلاماً له في قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6] ولهذا قال المصنف: (وإن القرآن كلام الله، منه بدأ بلا كيفية قولاً) أي أن القرآن بدأ منه سبحانه وتعالى قولاً له، بحرف وصوت مسموع.

براءة الطحاوي من مذهب الأشعرية والكلابية في كلام الله
قال رحمه الله: (وأنزله على رسوله وحياً، وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة) لما استعمل لفظ الحقيقة، كان هذا درءاً لمذهب الأشعري وأمثاله الذين قالوا: إن القرآن عبارة أو حكاية عن كلام الله وليس كلام الله على الحقيقة. فهذه الجملة من أبي جعفر الطحاوي رحمه الله تبين أنه لم يكن على طريقة الأشعرية، وإن كان قد يغلط أو يتأثر أحياناً ببعض السياقات التي يستعملها بعض أئمة الأشعرية، ويكون تأثره بها تأثراً لفظياً.

مذهب الأشعري وابن كلاب في كلام الله
الأشعري وابن كلاب أثبتوا صفة الكلام لله إثباتاً غير متصور في العقل، فقالوا: إن الكلام معنى واحد يقوم في النفس، ليس بحرف ولا بصوت، ولا يتعلق بالقدرة والمشيئة، وهذا مذهب شاذ أحدثه عبد الله بن سعيد بن كلاب وتبعه عليه الأشعري وأمثاله، وليس هو قول أهل السنة ولا يعرف عن أحد من سلف الأمة، بل كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه قول مخالف للعقل فضلاً عن مخالفته للشرع. فلما قال ابن كلاب و الأشعري : إن الكلام معنى واحد يقوم في النفس ليس بحرف ولا صوت، جعلوا القرآن الذي هو حرف حكايةً أو عبارةً عن كلام الله، وليس كلاماً له، ولا شك أن هذا تناقض؛ فإن من أثبت الكلام لله، لزمه أن يجعله بحرف وصوت؛ لأن الكلام كذلك. وهذا يقود إلى مسألة، وهي: حقيقة الكلام؛ فإن الذي أجمع عليه أهل السنة أن الكلام يتناول اللفظ والمعنى جميعاً، ليس هو اللفظ وحده ولا المعنى وحده، والمشهور عند النحاة أن الكلام هو اللفظ، وإن كان من يطلق ذلك من النحاة، ليس بالضرورة أنه يلتزم بعض النتائج المقولة في أصول الدين، ومن هنا قال ابن مالك : كلامنا لفظ مفيد.... ................... وجعلوا المعنى مدلولاً لهذا اللفظ، ولم يجعلوا لفظ الكلام متناولاً له، وغلط ابن كلاب و الأشعري ، فقالوا: إن الكلام هو المعنى وحده، وقال طائفة: إنه مشترك بين اللفظ وبين المعنى على الانفكاك، فيكون اللفظ وحده كلاماً ويكون المعنى وحده كلاماً. والله سبحانه لم يذكر الكلام مطلقاً إلا وأراد به ما كان بحرف وصوت، وأما قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ} [المجادلة:8]، فمثل هذا السياق لا يدل على مذهب الأشعري ، لأنه سياق مقيد، فضلاً عن كون طائفة من المفسرين قالوا في تفسيرها: أنهم يقولون فيما بينهم كلاماً لا يسمعه غيرهم. ......

حكم من قال مقالة كفرية
قال: (ليس بمخلوق ككلام البرية)، وفي هذه الجملة مفارقة لمذهب المعتزلة، فإن المعتزلة تقول: إنه مخلوق. قوله: (فمن سمعه فزعم أنه من كلام البشر فقد كفر...إلخ). من قال: القرآن مخلوق فقوله كفر؛ لكن قائل ذلك لا يكفر ابتداءً إلا إذا علم أن الحجة قد قامت عليه، وقد كان في زمن السلف رحمهم الله أعيان كثيرون من الجهمية والمعتزلة وغيرهم يقولون: إن القرآن مخلوق، وما كان أحدٌ من السلف يطرد تكفير أعيانهم، وذلك أن ثمة أصلين عظيمين شريفين في مسألة: التكفير لمن غلط من أهل القبلة في مسائل أصول الدين، قررهما شيخ الإسلام : الأصل الأول: أن المقالة التي تكون في حكم الله ورسوله كفراً لا يلزم منها أن يكون كل من قالها من أهل القبلة كافراً، ومن ذلك قولهم: إن القرآن مخلوق. وتقدم أن شيخ الإسلام يقول: (والإمام أحمد وإن تواتر عنه تكفير الجهمية الذين قالوا بخلق القرآن فإنه لم يشتغل بتكفير أعيانهم، بل قد صلى الإمام أحمد خلف بعض من يقول بخلق القرآن ودعا له واستغفر له)، ويعني بذلك الخليفة المعتصم ، فإنه كان يقول بخلق القرآن تبعاً لأئمة المعتزلة، ومع ذلك فقد صلى الإمام أحمد خلفه ودعا له واستغفر له، ولو كان يرى كفره لما فعل ذلك. وأما من قال: إن الإمام أحمد إنما فعل ذلك خلفه -أي الصلاة والدعاء- لكونه سلطاناً، ولو لم يكن سلطاناً لكفره، فهذا جاهل لا يعرف ما يقول، ومعلوم أن هذه المسائل لا تكفها مسألة السلطنة، بل كان الإمام أحمد لا يرى كفر المعتصم ، والمذهب عند متأخري الحنابلة أن الفاسق لا يصلى خلفه، ولو كان الإمام رحمه الله يرى أن المعتصم كافراً لما دعا له واستغفر له وصلى خلفه، مع أن المعتصم كان ثابتاً على القول بخلق القرآن، ومع أنه سمع المناظرة، وسمع انقطاع أئمة المعتزلة بين يدي الإمام أحمد . الأصل الثاني: أن يُعلم أن الواحد من أهل الصلاة والشعائر الظاهرة، لا يكون كافراً في نفس الأمر -أي في الحكم الباطن- إلا إذا كان ما يظهره من الصلاة والشعائر الظاهرة نفاقاً. ومعلوم أنه لا يلزم من الحكم بكفر شخص ظاهراً أن يكون كافراً باطناً، ولا يلزم من الحكم بإسلامه ظاهراً أن يكون مسلماً باطناً، فالمنافقون عند كثير من المسلمين يحكم لهم بالإسلام مع أنهم عند الله كفار، وكان جماهير الصحابة زمن النبوة لا يعرفون عامتهم، بل إن ظاهر القرآن يدل على أن من المنافقين من كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرفه، قال الله تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة:101] وقد يُكّفر أحد أعيان أهل القبلة من بعض العلماء اجتهاداً، وقد يكون هذا الاجتهاد في نفس الأمر صواباً وقد يكون غلطاً، قد يكون له من العذر الذي لم يطلع عليه ما يدفع عنه الكفر عند الله. وهذا الأصل ليس مشكلاً كما ادعى بعض المعاصرين، فقال: إن كلام شيخ الإسلام فيه نظر، بل إن أحكم من قرر مسألة التكفير من المتأخرين هو الإمام ابن تيمية رحمه الله، وقد بناها بناءً شرعياً عقلياً؛ فإنه قال بعدما ذكر هذا الأصل: (وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بُعث بمكة كان الناس أحد رجلين، إما مؤمن ظاهراً وباطناً وإما كافر ظاهراً وباطناً، ولما هاجر إلى المدينة ظهر نوع ثالث، وهم من آمن ظاهراً وكفر باطناً. والمؤمنون ظاهراً وباطناً على ثلاثة أقسام: فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات. قال: فالذي يُظهِر الصلاة والصوم والحج ويعتمر ويؤذن ويقيم، لا يسمى كافراً ظاهراً وباطناً لأنه في الظاهر مسلم، قال: فدار بين كونه مؤمناً ظاهراً وباطناً وبين كونه مؤمناً ظاهراً كافراً في الباطن، قال: وإذا قلنا عن أهل البدع المخالفين لإجماع السلف: إنهم مؤمنون ظاهراً وباطناً، فإنما يعنى بهذا الإيمان: الأصل الذي يفارق الكفر، قال: وإلا فإن عامتهم ظالمون لأنفسهم، لأن مثل هذه البدع لا تكون إلا عن تقصير في متابعة أمر الله ورسوله، وهذا التقصير في العلم هو من أخص الكبائر والظلم). ولهذا قال رحمه الله -وهذا أصل ثالث-: (إن كل من أراد الحق واجتهد في طلبه من جهة الرسول فأخطأ فإن خطأه مغفور له). فذكر ثلاثة شروط: الأول: أن يكون أراد الحق، والثاني: أن يكون مجتهداً في طلبه، والثالث: أن يكون طلبه إياه من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم. قال: (فمن عدم الإرادة، أو عدم الاجتهاد، أو طلبه من غير جهة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يكون كافراً، وأما من أراده واجتهد فيه من جهة الرسول فأخطأه: فإنه في الأصول الشائعة بين المسلمين أنه لا يخطئه إلا مقصر إما في مقام الإرادة، أو مقام الاجتهاد، قال: فهذا هو الظالم لنفسه). قال: (وعامة أهل البدع، مقصرون في مقام الاجتهاد). ......

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
وأن, قوله

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:43 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir