دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الطحاوية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 02:31 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي قوله: (وأن محمداً عبده المصطفى...، وأنه خاتم الأنبياء...، وكل دعوى النبوة بعده فغيٌّ وهوى)

وأنَّ محمدًا عَبْدُهُ المُصْطَفَى، وَنَبِيُّهُ المُجْتَبَى، ورسولُهُ المُرْتَضَى.
وأنَّهُ خَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِمَامُ الأَتْقِيَاءِ، وسَيَّدُ المُرْسَلِينَ وحبيبُ رَبِّ العَالَمِينَ.
وَكُلُّ دَعْوَى النُّبُوَّةِ بَعْدَهُ فَغَيٌّ وَهَوًى.


  #2  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 02:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات على الطحاوية لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز


[لا يوجد تعليق للشيخ]


  #3  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 02:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات المختصرة للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

(1)وأنَّ محمدًا عَبْدُهُ المُصْطَفَى، وَنَبِيُّهُ المُجْتَبَى، ورسولُهُ المُرْتَضَى.
(2) وأنَّهُ خَاتِمُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِمَامُ الأَتْقِيَاءِ، وسَيَّدُ المُرْسَلِينَ وحبيبُ رَبِّ العَالَمِينَ.
(3) وَكُلُّ دَعْوَى النُّبُوَّةِ بَعْدَهُ فَغَيٌّ وَهَوًى.




(1) لَمَّا بَيَّنَ الشيخُ – رَحِمَهُ اللَّهُ – في أَوَّلِ كَلَامِهِ – ما يَجِبُ مِن معرفةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، واعتقادِ أنَّهُ الربُّ المُسْتَحِقُّ للعبادةِ دُونَ ما سِوَاهُ، وَأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بصفاتِ الكمالِ وَنُعُوتِ الجلالِ التي هو مُتَّصِفٌ بها أَزَلًا وَأَبَدًا، لَمَّا بَيَّنَ هذا وَوَضَّحَهُ، انْتَقَلَ إلى ما يَجِبُ اعْتِقَادُهُ في الرسولِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ.
وقولُهُ: (وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ الْمُصْطَفَى...) هذا عَطْفٌ على أَوَّلِ الكلامِ: (نَقُولُ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ، مُعْتَقِدِينَ بتوفيقِ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ لا شريكَ له....) إلى آخِرِه، ثم قَالَ: (وَأَنَّ محمدًا...) إلى آخِرِهِ، فلَا بُدَّ من اعتقادِ هذا، كما نَشْهَدُ للهِ بالأُلُوهِيَّةِ، كذلكَ نَشْهَدُ للرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرسالةِ، ولذلكَ فالشهادتانِ دَائِمًا مُتَلَازِمَتَانِ.
أَنَّ محمدًا) هذا اسْمُهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ المشهورُ بهِ، وقد جاءَ في القرآنِ: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ} (الأَحْزَاب: 40)، وفي قولِهِ: {وَآمِنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهُمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} (مُحَمَّد: 2)، وفي قولِهِ تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} (الفَتْح: 29)، وَجَاءَ أَحْمَدُ في الْقُرْآنِ في قولِهِ تَعَالَى عن عِيسَى عليهِ السلامُ: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِيَ اسْمُهُ أَحْمَدُ} (الصَّفّ: 6).
وَلَهُ أَسْمَاءٌ جَاءَتْ في السُّنَّةِ، ذَكَرَهَا ابنُ القَيِّمِ في كِتَابِهِ: (جَلَاءُ الْأَفْهَامِ).
والتَّعَرُّفُ على الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من واجباتِ الدينِ, وَمِن أصولِ الإسلامِ، وقد قَالَ الشيخُ محمدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ في (ثلاثةِ الأصولِ): (الأصلُ الأوَّلُ: مَعْرِفَةُ اللَّهِ، والثاني: معرفةُ نَبِيِّهِ، والثالثُ: مَعْرِفَةُ دِينِ الإِسْلَامِ بِالأَدِلَّةِ)، كما يَجِبُ عليكَ معرفةُ اللَّهِ، كذلكَ يَجِبُ عليكَ مَعْرِفَةُ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعْرِفَةُ دينِ الإسلامِ بالأدِلَّةِ. هذه أصولٌ ثلاثةٌ، وهي التي يُسْأَلُ عنها المَيِّتُ إذا وُضِعَ في قَبْرِهِ.

وقولُهُ: (عَبْدُهُ) فهو عبدُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ولَيْسَ لَهُ من الأُلُوهِيَّةِ شَيْءٌ، ولا من الرُّبُوبِيَّةِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا هو عبدُ اللَّهِ ورسولُهُ، مُؤْتَمِرٌ بِأَوَامِرِهِ، مُنْتَهٍ عن نَوَاهِيهِ، مُبَلِّغٌ عن اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وهذا فيهِ رَدٌّ على الغُلُوِّ فيهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ؛ لأنَّ هناكَ مَن يَغْلُونَ في الرسولِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ، ويجعلونَ لَهُ شيئًا من الرُّبُوبِيَّةِ أو الأُلُوهِيَّةِ، وَيَدْعُونَهُ مع اللَّهِ، وهذا غُلُوٌّ – والعياذُ باللَّهِ – كما غَلَتِ النصارى في المسيحِ عيسى ابنِ مَرْيَمَ، وقالوا: إِنَّهُ ابنُ اللَّهِ أو اللَّهُ أو ثالثُ ثَلَاثَةٍ.
ففي قولِهِ: (عَبْدُهُ المُصْطَفَى) فيهِ رَدٌّ للغُلُوِّ، فهو عبدٌ، وكُلُّ مَن في الأَرْضِ والسماواتِ عَبِيدٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ سُبْحَانَهُ: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} (مَرْيَم: 93)، فالمَلَائِكَةُ عَبِيدٌ ­{بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} (الأَنْبِيَاء: 26، 27)، والأَنْبِيَاءُ والرُّسُلُ عَبِيدٌ كما قَالَ سُبْحَانَهُ في نوحٍ عليهِ السلامُ: {كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} (الإسراء: 3)، وقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا} (القمر: 9)، وقَالَ في دَاوُودَ: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (ص: 17)، وقَالَ في سُلَيْمَانَ: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (ص: 30)، وقَالَ في أَيُّوبَ: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ} (ص: 41)، وقَالَ في عِيسَى: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لَبَنِي إِسْرَائِيلَ} (الزخرف: 59)، فإذا كَانَ الأَنْبِيَاءُ والرُّسُلُ والمَلَائِكَةُ عَبِيدًا للهِ، وهم أشرفُ الخلقِ، فَغَيْرُهُم من الأَوْلِيَاءِ والصالحينَ من بابِ أَوْلَى.

وَأَفْضَلُهُم مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو آخِرُ الأَنْبِيَاءِ، وَسَمَّاهُ اللَّهُ عَبْدًا في قَوْلِهِ: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} (البقرة: 23) يَعْنِي: رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَالَ تَعَالَى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} (الفرقان: 1)، {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} (الإسراء: 1)، ومقامُ العبوديَّةِ هو أَعْلَى المقاماتِ، ولا شَيْءَ أَشْرَفُ من العبوديَّةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ.

قَالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: (لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ).
وَمَعْنَى المُصْطَفَى: المختارُ، من الاصطفاءِ، وهو الاختيارُ، قَالَ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَينَ الْأَخْيَارِ} (ص: 45-47) المُصْطَفَينَ: جَمْعُ مُصْطَفًى، وهو المختارُ، أَصْلُهُ مُصْتَفًى، ثم أُبْدِلَت التاءُ طاءً فَصَارَتْ مُصْطَفًى؛ لِيَسْهُلَ النُّطْقَ بها.

فالمصطفى هو المختارُ؛ لأنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ اختارَ مُحَمَّدًا عليهِ الصلاةُ والسلامُ للرسالةِ من بينِ قَوْمِهِ، واللَّهُ أَعْلَمُ حيثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ، فَلَا يَخْتَارُ إِلَّا مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الاختيارَ، وأنَّهُ يقومُ بالمُهِمَّةِ؛ لأنَّ هذه المُهِمَّةَ صَعْبَةٌ وعظيمةٌ، فلا يَخْتَارُ اللَّهُ إِلَّا مَن هو لها أَهْلٌ، قَالَ سُبْحَانَهُ: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (الأنعام: 124) وَ (المُجْتَبَى) بِمَعْنَى المُصْطَفَى.

وَالنَّبِيُّ: مَن أَوْحَى إليهِ اللَّهُ بِشَرْعٍ ولمْ يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ، والرسولُ: مَن أُوحِيَ إليهِ بِشَرْعٍ وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ، وهذا أَشْهَرُ مَا قِيلَ في الفرقِ بينَ النَّبِيِّ وَالرسولِ، ومعنى: أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ، أي: أُمِرَ بِإِلْزَامِ النَّاسِ وَأَنْ يُقَاتِلَهُمْ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ.

وكذلكَ النَّبِيُّ، يُوحَى إليهِ وَيَدْعُو إلى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ولكنْ يَتَّبِعُ مَن قَبْلَهُ من الأَنْبِيَاءِ وَيَمْشِي على طريقِ مَن قبلَهُ، ولا يَنْفَرِدُ بِشَرِيعَةٍ خَاصَّةٍ، مِثْلَ أنبياءِ بَنِي إسرائيلَ، جَاؤُوا بالتَّوْرَاةِ وَدَعَوْا إلى التوراةِ التي أَنْزَلَهَا اللَّهُ على مُوسَى عليهِ السلامُ.
وَ(الْمُرْتَضَى) بِمَعْنَى الْمُجْتَبَى والمُصْطَفَى، فالمُرْتَضَى بِمَعْنَى: أنَّ اللَّهَ ارْتَضَاهُ.


(2) هذه من صفاتِهِ عليه الصلاةُ والسلامُ.
خاتمُ الأَنْبِيَاءِ، ومعنى (خاتِمُ) الذي لا يأتي بعدَهُ نبيٌّ، وختامُ الشيءِ هو: الذي يُجْعَلُ عليهِ حتى لا يُزَادَ عليهِ ولا يُنْقَصَ منهُ، فاللَّهُ خَتَمَ الرسالاتِ بمحمدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ جَلَّ في عُلَاهُ: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب: 40)، فلا حاجةَ لِمَجِيءِ نَبِيٍّ بَعْدَهُ؛ لأنَّ القرآنَ موجودٌ، والسُّنَّةُ النبويةُ موجودةٌ، والعلماءُ الربانيونَ موجودونَ، يَدْعُونَ إلى اللَّهِ وَيُبَصِّرُونَ الناسَ؛ فَدِينُ محمدٍ باقٍ إلى قيامِ الساعةِ لا يُبَدَّلُ ولا يُنْسَخُ ولا يُغَيَّرُ؛ لأنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَهُ صالحًا لكُلِّ زمانٍ ولكُلِّ مكانٍ، أمَّا شرائعُ الأَنْبِيَاءِ السابقينَ فتكونُ مُؤَقَّتَةً لِأُمَمِهِمْ في فَتْرةٍ من الفَتَراتِ، ثم يَنْسَخُ اللَّهُ تلكَ الشريعةَ بشريعةٍ أُخْرَى تَتَنَاسَبُ مع الأُمَّةِ الأُخْرَى {لكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (المَائِدَة: 48). كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} أي: لكُلِّ كتابٍ أجلٌ.
فدينُ الإسلامِ كاملٌ لا يحتاجُ بعدَ محمدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رسولٍ، والعلماءُ ورثةُ الأَنْبِيَاءِ، فمَن اعتقدَ أنَّهُ يأتي بعدَ محمدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبيٌّ فهو كافرٌ باللَّهِ خارجٌ من المِلَّةِ، وقدْ أَخْبَرَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ يأتي كَذَبَةٌ يَدَّعُونَ النُّبُوَّةَ من بعدِهِ، قَالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: (سَيَأْتِي بَعْدِي كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ، كُلُّهُمْ يَدَّعِي أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَا خَاتِمُ الأَنْبِيَاءِ, لَا نَبِيَّ بَعْدِي).

فَمَن ادَّعَى النُّبُوَّةَ أو ادُّعِيَتْ لَهُ النُّبُوَّةُ وَمَن اتَّبَعَهم، فَكُلُّهُم كَفَرَةٌ، وقد قَاتَلَهُم المسلمونَ وَكَفَّرُوهُم، وآخِرُ مَن ادَّعَى النُّبُوَّةَ في الوقتِ الحاضرِ: القَادْيَانِيُّ البَاكِسْتَانِيُّ الذي ادَّعَى النُّبُوَّةَ لَهُ أَتْبَاعُهُ القَادْيَانِيَّةُ، وَيُسَمَّوْنَ بِالأَحْمَدِيَّةِ نسبةً إلى اسمِهِ؛ لأنَّ اسْمَهُ أحمدُ القَادْيَانِيُّ، وقد كَفَّرَهُ العلماءُ وَطَرَدُوهُ من البلادِ الإسلاميَّةِ، وَكَفَّرُوا أَتْبَاعَهُ؛ لأنَّ هذا تكذيبٌ للهِ ولرسولِهِ، وَتَكْفِيرُهُمْ بِإِجْمَاعِ المسلمينَ، لم يُخَالِفْ في هذا أَحَدٌ.

فلَا بُدَّ لِلْمُسْلِمِ أنْ يَعْتَقِدَ أنَّهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ خَاتِمُ الأَنْبِيَاءِ والمرسَلينَ، وإمامُ الأتقياءِ؛ يعني: القدوةَ الوحيدَ للأتقياءِ الذين يَتَّقُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} (الأَحْز‍َاب: 21)

أَمَّا غَيْرُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقْتَـدَى به إنْ كَانَ يَقْتَدِي بالنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَّا مَن خالفَ الرسـولَ عليهِ الصـلاةُ والسـلامُ فَلَا يَجُوزُ الاقتداءُ بهِ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (آل عِمْرَان: 31)، فلا طَرِيقَ إلى اللَّهِ إِلَّا باتِّبَاعِ الرسولِ عليه الصلاةُ والسلامُ والاقتداءِ بهِ.
(وَسَيِّدُ المُرْسَلِينَ) هو عليه الصلاةُ والسلامُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، كما قَالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ) أَخْبَرَ الأُمَّةَ بذلكَ مِن بابِ الشكرِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلْتَشْكُر الأُمَّةُ ربَّهَا عَزَّ وَجَلَّ على هذه النعمةِ: أنْ جَعَلَ رسولَهَا سيِّدَ الرُّسُلِ.

و (سَيِّدُ) معناهُ: المُقَدَّمُ والإمامُ، فهو أَفْضَلُ الرُّسُلِ عَليهِ الصلاةُ والسلامُ، وَإِمَامُهُم وَمُقَدِّمُهُم.

و (حَبِيبُ رَبِّ العالمينَ) هذه العبارةُ فيها مُؤَاخَذَةٌ؛ لِأَنَّهُ لا يَكْفِي قولُهُ: حَبِيبُ، بلْ هو خليلُ ربِّ العالمينَ والخُلَّةُ أَفْضَلُ من مُطْلَقِ المَحَبَّةِ؛ فالمَحَبَّةُ درجاتٌ، أَعْلَاهَا الخُلَّةُ، وهي خالصُ المحبَّةِ، ولم تَحْصُلْ هذه المرتبةُ إِلَّا لاثنيْنِ من الخلقِ؛ إبراهيمَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} (النِّسَاء: 125)، وَنَبِيِّنَا عليهِ الصلاةُ والسلامُ، فقد أخبرَ بذلكَ فقَالَ: (إنَّ اللَّهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا). فَلَا يُقَالَ: حَبِيبُ اللَّهِ؛ لِأَنَّ هذا يَصْلُحُ لكُلِّ مُؤْمِنٍ، فلا يكونُ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا مِيزَةٌ، أَمَّا الخُلةُ فلا أَحَدَ يَلْحَقُهُ فيها.


(3) هذا سَبْقٌ في معنى أَنَّهُ خاتِمُ النَّبِيِّينَ، فكُلُّ دَعْوَى للنُّبُوَّةِ بعدَهُ فَبَاطِلَةٌ وَكُفْرٌ؛ لِأَنَّهُ لا يأتي بعدَ نَبِيِّنَا عليهِ الصلاةُ والسلامُ نَبِيٌّ، وَعِيسَى عليه الصلاةُ والسلامُ لَمَّا يَنْزِلُ آخِرَ الزمانِ فإِنَّهُ لا يَأْتِي على أنَّهُ نَبِيٌّ وَرَسُولٌ أو يأتي بشريعةٍ جديدةٍ، إِنَّمَا يَأْتِي على أَنَّهُ مُجَدِّدٌ لدينِ رسولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومُتَّبِعٌ لرسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويحكمُ بالشريعةِ الإسلاميَّةِ.


  #4  
قديم 4 ذو الحجة 1429هـ/2-12-2008م, 01:31 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي

قوله: ( وإن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى ).

ش: الإصطفاء والإجتباء والإرتضاء: متقارب المعنى. واعلم أن كمال المخلوق في تحقيق عبوديته لله تعالى. وكلما ازداد العبد تحقيقاً للعبودية ازداد كماله وعلت درجته ومن توهم أن المخلوق يخرج عن العبودية بوجه من الوجوه، وأن الخروج عنها أكمل، فهو [من] أجهل الخلق وأضلهم، قال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ}. إلى غير ذلك من الآيات. وذكر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بإسم العبد في أشرف المقامات، فقال في ذكر الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ}. وقال تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ}. وقال تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}. وقال تعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا}. وبذلك استحق التقديم على الناس في الدنيا والآخرة. ولذلك يقول المسيح عليه السلام يوم القيامة، إذا طلبوا منه الشفاعة بعد الأنبياء عليهم السلام -: اذهبوا إلى محمد، عبد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فحصلت له تلك المرتبة بتكميل عبوديته لله تعالى.
وقوله: وإن محمداً بكسر الهمزة، عطفاً على قوله: إن الله واحد لا شريك له. لأن الكل معمول القول، أعني: قوله نقول في توحيد الله.
والطريقة المشهورة عند أهل الكلام والنظر، تقرير نبوة الأنبياء بالمعجزات، لكن كثير منهم لا يعرف نبوة الأنبياء إلا بالمعجزات، وقرروا ذلك بطرق مضطربة، والتزم كثير منهم إنكار خرق العادات لغير الأنبياء، حتى أنكروا كرامات الأولياء والسحر، ونحو ذلك.
ولا ريب أن المعجزات دليل صحيح، لكن الدليل غير محصور في المعجزات، فإن النبوة إنما يدعيها أصدق الصادقين أو أكذب الكاذبين، ولا يلتبس هذا بهذا إلا على أجهل الجاهلين. بل قرائن أحوالهما تعرب عنهما، وتعرف بهما والتمييز بين الصادق والكاذب له طرق كثيرة فيما دون دعوى النبوة، فكيف بدعوة النبوة ؟ وما أحسن ما قال حسان رضي الله عنه: لو لم يكن فيه آيات مبينة كانت بديهته تأتيك بالخبر وما من أحد ادعى النبوة من الكذابين إلا وقد ظهر عليه من الجهل والكذب والفجور واستحواذ الشياطين عليه - ما ظهر لمن له أدنى تمييز. فإن الرسول لا بد أن يخبر الناس بأمور ويأمرهم بأمور، ولا بد أن يفعل أموراً [يبين بها صدقه]. والكاذب يظهر في نفس ما يأمر به ويخبر عنه وما يفعله ما يبين به كذبه من وجوه كثيرة. والصادق ضده. بل كل شخصين ادعيا أمراً: أحدهما صادق والآخر كاذب - لا بد أن يظهر صدق هذا وكذب هذا ولو بعد مدة، إذ الصدق مستلزم للبر، والكذب مستلزم للفجور، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي الى البر، [وإن] البر يهدي الى الجنة، وما يزال الرجل يصدق [ويتحرى الصدق]، حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب، حتى يكتب عند الله كذاباً)). ولهذا قال تعالى: {هَلْ أُنَبّئُكُمْ عَلَىَ مَن تَنَزّلُ الشّيَاطِينُ * تَنَزّلُ عَلَىَ كُلّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ * وَالشّعَرَآءُ يَتّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنّهُمْ فِي كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ}. فالكهان ونحوهم، وإن كانوا أحياناً يخبرون بشيء من المغيبات، ويكون صدقاً - فمعهم من الكذب والفجور ما يبين أن الذي يخبرون به ليس عن ملك، وليسوا بأنبياء ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن صياد: قد خبأت لك خبأ، فقال: [هو] الدخ - قال له النبي صلى الله عليه وسلم: اخسأ، فلن تعدو قدرك يعني: إنما أنت كاهن. وقد قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يأتيني صادق وكاذب. وقال: أرى عرشاً على الماء، وذلك هو عرش الشيطان وبين أن الشعراء يتبعهم الغاوون، والغاوي: الذي يتبع هواه وشهوته، وإن كان ذلك مضراً له في العاقبة.
فمن عرف الرسول وصدقه ووفاءه ومطابقة قوله لعمله - علم علماً يقيناً أنه ليس بشاعر ولا كاهن.
والناس يميزون بين الصادق والكاذب بأنواع من الأدلة، حتى في المدعي للصناعات والمقالات، كمن يدعي الفلاحة والنساجة والكتابة، وعلم النحو والطب والفقه وغير ذلك. والنبوة مشتملة على علوم وأعمال لا بد أن يتصف الرسول بها، وهي أشرف العلوم وأشرف الأعمال. فكيف يشتبه الصادق فيها بالكاذب ؟ ولا ريب أن المحققين على أن خبر الواحد والاثنين والثلاثة -: قد يقترن به من القرائن ما يحصل معه العلم ضروري، كما يعرف الرجل رضى الرجل وحبه [وبغضه] وفرحه وحزنه وغير ذلك مما في نفسه، بأمور تظهرعلى وجهه، قد لا يمكن التعبيرعنها، كما قال تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} ثم قال: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}. وقد قيل: ما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفات وجهه وفلتات لسانه. فإذا كان صدق المخبر وكذبه يعلم بما يقترن من القرائن، فكيف بدعوى المدعي أنه رسول الله، كيف يخفى صدق هذا من كذبه ؟ وكيف لا يتميز الصادق في ذلك من الكاذب بوجوه من الأدلة ؟
ولهذا لما كانت خديجة رضي الله عنها تعلم من النبي صلى الله عليه وسلم أنه الصادق البار، قال لها لما جاءه الوحي: إني قد خشيت على نفسي، فقالت: كلا - والله لا يخزيك الله، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق. فهو لم يخف من تعمد الكذب، فهو يعلم من نفسه صلى الله عليه وسلم أنه لم يكذب، وإنما خاف أن يكون [قد] عرض له عارض سوء، وهو المقام الثاني، فذكرت خديجة ما ينفي هذا، وهو ما كان مجبولاً عليه من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وقد علم من سنة الله أن من جبله على الأخلاق المحمودة ونزهه عن الأخلاق المذمومة -: فإنه لا يخزيه.
وكذلك قال النجاشي لما استخبرهم عما يخبر به واستقرأهم القرآن فقرؤوا عليه: إن هذا والذي جاء به موسى عليه السلام ليخرج من مشكاة واحدة. وكذلك ورقة ابن نوفل، لما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بما رآه، وكان ورقة [قد] تنصر، وكان يكتب الإنجيل بالعربية، فقالت له خديجة: أي عم، اسمع من ابن أخيك ما يقول، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بما رأى فقال: هذا [هو] الناموس الذي كان يأتي موسى.
وكذلك هرقل ملك الروم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما كتب إليه كتاباً يدعوه فيه إلى الإسلام، طلب من كان هناك من العرب، وكان أبو سفيان قد قدم في طائفة من قريش في تجارة إلى الشام، وسألهم عن أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، فسأل أبا سفيان، وأمر الباقين إن كذب أن يكذبوه، فصاروا بسكوتهم موافقين له في الأخبار،
سألهم: هل كان في آبائه من ملك ؟
فقالوا: لا
قال: هل قال هذا القول أحد قبله ؟
فقالوا: لا، وسألهم: أهو ذو نسب فيكم ؟
فقالوا: نعم
وسألهم: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟
فقالوا: لا، ما جربنا عليه كذباً
وسألهم: هل اتبعه ضعفاء الناس أم أشرافهم ؟
فذكروا أن الضعفاء اتبعوه.
وسألهم: هل يزيدون أم ينقصون ؟
فذكروا أنهم يزيدون
وسألهم: هل يرجع أحد منهم عن دينه سخطة له بعد أن يدخل فيه ؟
فقالوا: لا
وسألهم: هل قاتلتموه ؟
قالوا: نعم
وسألهم عن الحرب بينهم وبينه ؟
فقالوا: يدال علينا مرة وندال عليه أخرى،
وسألهم: هل يغدر ؟
فذكروا أنه لا يغدر
وسألهم: بماذا يأمركم ؟
فقالوا: يأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة. وهذه أكثر من عشر مسائل، ثم بين لهم ما في هذه المسائل من الأدلة
فقال: سألتكم هل كان في آبائه من ملك ؟ فقلتم: لا، قلت: لو كان في آبائه [من] ملك لقلت: رجل يطلب ملك أبيه،
وسألتكم هل قال هذا القول [فيكم] أحد قبله ؟ فقلتم: لا، فقلت: لو قال هذا القول أحد [قبله] لقلت: رجل أئتم بقول قيل قبله،
وسألتكم هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فقلتم: لا، فقلت: قد علمت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله تعالى،
وسألتكم أضعفاء الناس يتبعونه أم أشرافهم ؟ فقلتم: ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل، يعني في أول أمرهم،
ثم قال: وسألتكم هل يزيدون أم ينقصون ؟ فقلتم، بل يزيدون، وكذلك الإيمان حتى يتم،
وسألتكم هل يرتد أحد منهم عن دينه سخطة له بعد أن يدخل فيه ؟ فقلتم: لا، وكذلك الإيمان، إذا خالطت بشاشة القلوب لا يسخطه أحد.
وهذا من أعظم علامات الصدق والحق، فإن الكذب والباطل لا بد أن ينكشف في آخر الأمر، فيرجع عنه أصحابه، ويمتنع عنه من لم يدخل فيه، والكذب لا يروج إلا قليلاً ثم ينكشف.
وسألتكم كيف الحرب بينكم وبينه ؟ فقلتم: إنها دول، وكذلك الرسل تبتلى وتكون العاقبة لها،
وسألتكم هل يغدر ؟ فقلتم: لا، وكذلك الرسل لا تغدر، وهو لما كان عنده من علمه بعادة الرسل وسنة الله فيهم أنه تارة ينصرهم وتارة يبتليهم وأنهم لا يغدرون -
علم أن هذه علامات الرسل، وأن سنة الله في الأنبياء والمؤمنين أن يبتليهم بالسراء والضراء، لينالوا درجة الشكر والصبر.
كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((والذي نفسي بيده، لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خير له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له)).
والله تعالى قد بين في القرآن ما في إدالة العدو عليهم يوم أحد من الحكمة فقال: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، الآيات. وقال تعالى: {الم * أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ}، الآيات.
إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على سنته في خلقه وحكمته التي بهرت العقول.
قال: وسألتكم عما يأمر به ؟ فذكرتم أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف والصلة، وينهكم عما كان يعبد آباؤكم، وهذه صفة نبي، وقد كنت أعلم أن نبياً يبعث، ولم أكن أظنه منكم، ولوددت أني أخلص إليه، ولولا ما أنا فيه من الملك لذهبت إليه، وإن يكن ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين. وكان المخاطب بذلك أبو سفيان بن حرب، وهو حينئذ كافر من أشد الناس بغضاً وعداوة للنبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو سفيان بن حرب: فقلت لأصحابي ونحن خروج، لقد أمر ابن أبي كبشة، إنه ليعظمه ملك بني الأصفر، وما زلت موقناً بأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم سيظهر، حتى أدخل الله علي الإسلام وأنا كاره.
ومما ينبغي أن يعرف: أن ما يحصل في القلب بمجموع أمور، قد لا يستقل بعضها به، بل ما يحصل للإنسان - من شبع وري وشكر وفرح وغم - فأمور مجتمعة، لا يحصل ببعضها، لكن ببعضها قد يحصل بعض الأمر.
وكذلك العلم بخبر من الأخبار، فإن خبر الواحد يحصل للقلب نوع ظن، ثم الآخر يقويه، إلى أن ينتهي إلى العلم، حتى يتزايد ويقوى. وكذلك الأدلة على الصدق والكذب ونحو ذلك.
وأيضاً: فإن الله سبحانه أبقى في العالم الآثار الدالة على ما فعله بأنبيائه والمؤمنين من الكرامة، وما فعله بمكذبيهم من العقوبة، كثبوت الطوفان، وإغراق فرعون وجنوده، ولما ذكر سبحانه قصص الأنبياء نبياً بعد نبي، في سورة الشعراء، كقصة موسى وإبراهيم ونوح ومن بعده، يقول في آخر كل قصة: {إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مّؤْمِنِينَ * وَإِنّ رَبّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرّحِيمُ}.
وبالجملة: فالعلم بأنه كان في الأرض من يقول إنه رسول الله، وأن أقواماً اتبعوهم، وأن أقواماً خالفوهم، وأن الله نصر الرسل والمؤمنين، وجعل العاقبة لهم، وعاقب أعداءهم -: هو من أظهر العلوم المتواترة وأجلاها. ونقل أخبار هذه الأمور أظهر وأوضح من نقل أخبار من مضى من الأمم من ملوك الفرس وعلماء الطب، كبقراط وجالينوس و بطليموس وسقراط وأفلاطون وأرسطو وأتباعه.
ونحن اليوم إذا علمنا بالتواتر من أحوال الأنبياء وأوليائهم وأعدائهم - علمنا يقيناً أنهم كانوا صادقين على الحق من وجوه متعددة:
منها: أنهم أخبروا الأمم بما سيكون من انتصارهم وخذلان أولئك وبقاء العاقبة لهم.
ومنها: ما أحدثه الله لهم من نصرهم وإهلاك عدوهم، إذا عرف الوجه الذي حصل عليه، - كغرق فرعون وغرق قوم نوح وبقية أحوالهم -عرف صدق الرسل.
ومنها: أن من عرف ما جاءت به الرسل من الشرائع وتفاصيل أحوالها، تبين له أنهم أعلم الخلق، وأنه لا يحصل مثل ذلك من كذاب جاهل، وأن فيما جاؤوا به من المصلحة والرحمة والهدى والخير ودلالة الخلق على ما ينفعهم ومنع ما يضرهم -ما يبين أنه لا يصدر إلا عن راحم بر يقصد غاية الخير والمنفعة للخلق.
ولذكر دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من المعجزات وبسطها موضع آخر، وقد أفردها الناس بمصنفات، كالبيهقي وغيره.
بل إنكار رسالته صلى الله عليه وسلم طعن في الرب تبارك وتعالى، ونسبة له إلى الظلم والسفه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، بل جحد للرب بالكلية وإنكار.
وبيان ذلك: أنه إذا كان محمد عندهم ليس بنبي صادق، بل ملك ظالم، فقد تهيأ له أن يفتري على الله ويتقول عليه، ويستمر حتى يحلل ويحرم، ويفرض الفرائض، ويشرع الشرائع وينسخ الملل، ويضرب الرقاب، ويقتل أتباع الرسل [وهم] أهل الحق، ويسبي نساءهم ويغنم أموالهم وذراريهم وديارهم، ويتم له ذلك حتى يفتح الأرض، وينسب ذلك كله إلى أمر الله له به ومحبته له، والرب تعالى يشاهده وهو يفعل بأهل الحق، وهو مستمر في الافتراء عيه ثلاثاً وعشرين سنة، وهو مع ذلك كله يؤيده وينصره، ويعلي أمره، ويمكن له من أسباب النصر الخارجة عن عادة البشر، وأبلغ من ذلك أنه يجيب دعواته، ويهلك أعداءه، ويرفع له ذكره، هذا وهو عندهم في غاية الكذب والإفتراء والظلم، فإنه لا أظلم ممن كذب على الله وأبطل شرائع أنبيائه وبدلها وقتل أولياءه، واستمرت نصرته عليهم دائماً، والله تعالى يقره على ذلك، ولا يأخذ منه باليمين، ولا يقطع منه الوتين فيلزمهم أن يقولوا: لا صانع للعالم ولا مدبر، ولو كان له مدبر قدير حكيم، لأخذ على يديه ولقابله أعظم مقابلة، وجعله نكالاً للصالحين. إذ لا يليق [بالملوك] غير ذلك، فكيف بملك الملوك وأحكم الحاكمين ؟ ولا ريب أن الله [تعالى] قد رفع له ذكره، وأظهر دعوته والشهادة له بالنبوة على رؤوس الاشهاد في سائر البلاد، ونحن لا ننكر أن كثيرا من الكذابين قام في الوجود، وظهرت له شوكة، ولكن لم يتم أمره، ولم تطل مدته، بل سلط الله عليه رسله وأتباعهم، وقطعوا دابره واستأصلوه. هذه سنة الله التي قد خلت من قبل، حتى إن الكفار يعلمون ذلك. قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ}. أفلا تراه يحبر أن كماله وحكمته وقدرته تأبى أن يقر من تقول عليه بعض الأقاويل، لا بد أن يجعله عبرة لعباده كما جرت بذلك سنته في المتقولين عليه. وقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ}. وهنا انتهى جواب الشرط، ثم أخبر خبراً جازماً غير معلق: أنه يمحو الباطل ويحق الحق. وقال تعالى: {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ}. فأخبر سبحانه أن من نفى عنه الإرسال والكلام لم يقدره حق قدره.
وقد ذكروا فروقا بين النبي والرسول، وأحسنها. أن من نبأه الله بخبر السماء، إن أمره أن يبلغ غيره، فهو نبي رسول، وإن لم يأمره أن يبلغ غيره، فهو نبي وليس برسول. فالرسول أخص من النبي، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا، ولكن الرسالة أعم من جهة نفسها، فالنبوة جزء من الرسالة، إذ الرسالة تتناول النبوة وغيرها، بخلاف الرسل، فإنهم لا يتناولون الانبياء وغيرهم، بل الامر بالعكس. فالرسالة أعم من جهة نفسها، وأخص من جهة أهلها. وإرسال الرسل من أعظم نعم الله على خلقه، وخصوصا محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال [تعالى]: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}. وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.

قوله: ( وإنه خاتم الانبياء )

ش: قال تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}. وقال صلى الله عليه وسلم: ((مثلي ومثل الانبياء كمثل قصر أحسن بناؤه، وترك منه موضع لبنة، فطاف به النظار يتعجبون من حسن بنائه، إلا موضع تلك اللبنة، لا يعيبون سواها، فكنت أنا سددت موضع تلك اللبنة ختم بي البنيان وختم بي الرسل))، أخرجاه في الصحيحين. و قال صلى الله عليه وسلم: ((إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي، يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر، الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب، والعاقب الذي ليس بعده نبي، [وفي صحيح مسلم عن ثوبان، قال: قال رسول الله: وإنه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون، كلهم يزعم أنه نبي]، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي))، الحديث. و لمسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((فضلت على الانبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأرسلت [الى] الخلق كافة، وختم بي النبيون)).

قوله: ( وإمام الاتقياء )

ش: هو صلى الله عليه وسلم، الإمام الذي يؤتم به، أي: يقتدون به. والنبي صلى الله عليه وسلم إنما بعث للاقتداء به، لقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}. وكل من اتبعه واقتدى به فهو من الأتقياء.

قوله: ( وسيد المرسلين )

ش: قال صلى الله عليه وسلم: ((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع)). رواه مسلم. وفي أول حديث الشفاعة: ((أنا سيد الناس يوم القيامة)) [و] روى مسلم و الترمذي عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم)).
فإن قيل: يشكل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: ((لاتفضلوني على موسى، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى باطشاً بساق العرش، فلا أدري هل أفاق قبلي، أو كان ممن استثنى الله ؟)) خرجاه في الصحيحين، فكيف يجمع بين هذا وبين قوله أنا سيد ولد آدم ولا فخر.
فالجواب: أن هذا كان له سبب، فإنه كان قد قال يهودي: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فلطمه مسلم، وقال: أتقول هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ؟ فجاء اليهودي فاشتكى من المسلم الذي لطمه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا، لأن التفضيل إذا كان على وجه الحمية والعصبية وهوى النفس كان مذموماً، بل نفس الجهاد إذا قاتل الرجل حمية وعصبية كان مذموماً، فإن الله حرم الفخر، وقد قال تعالى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ}. وقال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ}. فعلم أن المذموم إنما هو التفضيل على وجه الفخر، أو على وجه الإنتقاص بالمفضول. وعلى هذا يحمل أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تفضلوا بين الأنبياء))، إن كان ثابتاً، فإن هذا قد روي في نفس حديث موسى، وهو في البخاري وغيره. لكن بعض الناس يقول: إن فيه علة، بخلاف حديث موسى، فإنه صحيح لا علة فيه باتفاقهم.
وقد أجاب بعضهم بجواب آخر، وهو: أن قوله صلى الله عليه وسلم لا تفضلوني على موسى، وقوله: لا تفضلوا بين الأنبياء نهي عن التفضيل الخاص، أي: لا يفضل بعض الرسل على بعض بعينه، بخلاف قوله: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر)) فإنه تفضيل عام فلا يمنع منه.
وهذا كما لو قيل: فلان أفضل أهل البلد، لا ينصب على أفرادهم، بخلاف ما لو قيل لأحدهم: فلان أفضل منك. ثم إني رأيت الطحاوي رحمه الله قد أجاب بهذا الجواب في شرح معاني الآثار.
وأما ما يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تفضلوني على يونس [بن متي]، وأن بعض الشيوخ قال: لا يفسر لهم هذا الحديث حتى يعطى مالاً جزيلاً، فلما أعطوه فسره بأن قرب يونس من الله وهو في بطن الحوت كقربي من الله ليلة المعراج وعدوا هذا تفسيراً عظيماً. وهذا يدل على جهلهم بكلام الله وبكلام رسوله لفظاً ومعنى، فإن هذا الحديث بهذا اللفظ لم يروه أحد من أهل الكتب التي يعتمد عليها، وإنما اللفظ الذي في الصحيح: لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس ابن متي. وفي رواية: من قال أني خير من يونس بن متى فقد كذب. وهذا اللفظ يدل على العموم، لا ينبغي لأحد أن يفضل نفسه على يونس بن متى، ليس فيه نهي المسلمين أن يفضلوا محمداً على يونس، وذلك لأن الله تعالى قد أخبر عنه أنه التقمه الحوت وهو مليم، أي: فاعل ما يلام عليه. وقال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}. فقد يقع في نفس بعض الناس أنه أكمل من يونس، فلا يحتاج إلى هذا المقام، إذ لا يفعل ما يلام عليه. ومن ظن هذا فقد كذب، بل كل عبد من عباد الله يقول ما قال يونس: {أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، كما قال أول الأنبياء وآخرهم، فأولهم: آدم، قد قال: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. وآخرهم وأفضلهم وسيدهم: محمد صلى الله عليه وسلم، قال في الحديث الصحيح، حديت الاستفتاح، من رواية علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره، بعد قوله وجهت وجهي آخره: ((اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، لا يغفر الذنوب إلا أنت))، إلى آخر الحديث، وكذا قال موسى عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}. وأيضاً: فيونس صلى الله عليه وسلم لما قيل فيه: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ}، فنهى نبينا صلى الله عليه وسلم عن التشبه به، وأمره بالتشبه بأولي العزم حيث قيل له: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} فقد يقول من يقول: أنا خير من يونس -: للأفضل أن يفخر على من دونه، فكيف إذا لم يكن أفضل، فان الله لا يحب كل مختال فخور، وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أوحي إلي أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد)). [فالله تعالى نهى أن يفخر على عموم المؤمنين]، فكيف على نبي كريم ؟ فلهذا قال: لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متي. فهذا نهي عام لكل أحد أن يتفضل ويفتخر على يونس. وقوله: من قال إني خير من يونس بن متي فقد كذب، فانه لو قدر أنه كان أفضل، فهذا الكلام يصير نقصاً، فيكون كاذباً، وهذا لا يقوله نبي كريم، بل هو تقدير مطلق، أي: من قال هذا فهو كاذب، وإن كان لا يقوله نبي، كما قال تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}، وإن كان صلى الله عليه وسلم معصوماً من الشرك، لكن الوعد والوعيد لبيان مقادير الأعمال.
وإنما أخبر صلى الله عليه وسلم أنه سيد ولد آدم، لأنا لا يمكننا أن نعلم ذلك إلا بخبره، إذ لا نبي بعده يخبرنا بعظيم قدره عند الله، كما أخبرنا هو بفضائل الأنبياء قبله، صلى الله عليهم وسلم أجمعين. ولهذا أتبعه بقوله ولا فخر، كما جاء في رواية. وهل يقول من يؤمن بالله واليوم الآخر: إن مقام الذي أسري به الى ربه وهو مقرب معظم مكرم - كمقام الذي ألقي في بطن الحوت وهو مليم ؟ ! وأين المعظم المقرب من الممتحن المؤدب ؟! فهذا في غاية التقريب، وهذا في غاية التأديب. فانظر إلى هذا الإستدلال، لأنه بهذا المعنى المحرف اللفظ لم يقله الرسول، وهل يقاوم هذا الدليل على نفي علو الله تعالى عن خلقه الأدلة الصحيحة الصريحة القطعية على علو الله تعالى على خلقه، التي تزيد على ألف دليل، كما يأتي الإشارة إليها عند قول الشيخ رحمه الله محيط بكل شيء وفوقه، إن شاء الله تعالى.

قوله: (وحبيب رب العالمين).

ش: ثبت له صلى الله عليه وسلم أعلى مراتب المحبة، وهي الخلة، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً)). وقال: ((ولو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الرحمن)). والحديثان في الصحيح وهما يبطلان قول من قال: الخلة لإبراهيم والمحبة لمحمد، فإبراهيم خليل الله ومحمد حبيبه. وفي الصحيح أيضاً: ((إني أبرأ الى كل خليل من خلته)). والمحبة قد ثبتت لغيره. قال تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.{فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}.{اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}. فبطل قول من خص الخلة بإبراهيم والمحبة بمحمد، بل الخلة خاصة بهما، والمحبة عامة. وحديث ابن عباس رضي الله عنهم الذي رواه الترمذي الذي فيه: إن إبراهيم خليل الله، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر -: لم يثبت.
والمحبة مراتب: أولها: العلاقة، وهي تعلق القلب بالمحبوب.
والثانية: الإرادة، وهي ميل القلب إلى محبوبه وطلبه له.
الثالثة: الصبابة، وهي انصباب القلب إليه بحيث لا يملكه صاحبه، كانصباب الماء في الحدور.
الرابعة: الغرام، وهي الحب اللازم للقلب، ومنه الغريم، لملازمته، ومنه: إن عذابها كان غراماً.
الخامسة: المودة، والود، وهي صفو المحبة وخالصها ولبها، قال تعالى: سيجعل لهم الرحمن وداً.
السادسة: الشغف، وهي وصول المحبة إلى شغاف القلب.
السابعة: العشق: وهو الحب المفرط الذي يخاف على صاحبه منه، ولكن لا يوصف به الرب تعالى ولا العبد في محبة ربه، وإن كان قد أطلقه بعضهم. واختلف في سبب المنع، فقيل: عدم التوقيف، وقيل غير ذلك. ولعل امتناع إطلاقه: أن العشق محبة مع شهوة.
الثامنة: التيم، وهو بمعنى التعبد.
التاسعة: التعبد.
العاشرة: الخلة، وهي المحبة التي تخللت روح المحب وقلبه. وقيل في ترتيبها غير ذلك. وهذا الترتيب تقريب حسن، [لا] يعرف حسنه [إلا] بالتأمل في معانيه.
واعلم أن وصف الله تعالى بالمحبة والخلة هو كما يليق بجلال الله تعالى وعظمته، كسائر صفاته تعالى، وإنما يوصف الله تعالى من هذه الأنواع بالإرادة والود والمحبة والخلة، حسبما ورد النص.
وقد اختلف في تحديد المحبة على أقوال، نحو ثلاثين قولاً. ولا تحد المحبة بحد أوضح منها، فالحدود لا تزيدها إلا خفاء. وهذه الاشياء الواضحة لا تحتاج الى تحديد، كالماء والهواء والتراب والجوع ونحو ذلك.

قوله: (وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى)

ش: لما ثبت أنه خاتم النبيين، علم أن من ادعى بعده النبوة فهو كاذب. ولا يقال: فلو جاء المدعي للنبوة بالمعجزات الخارقة والبراهين الصادقة كيف يقال بتكذيبه ؟ لأنا نقول: هذا لا يتصور أن يوجد، وهو من باب فرض المحال، لأن الله تعالى لما أخبر أنه خاتم النبيين، فمن المحال أن يأتي مدع يدعي النبوة ولا يظهر أمارة كذبه في دعواه. والغي: ضد الرشاد. والهوى: عبارة عن شهوة النفس. أي: أن تلك الدعوى بسبب هوى النفس، لا عن دليل، فتكون باطلة.


  #5  
قديم 4 ذو الحجة 1429هـ/2-12-2008م, 01:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لمعالي الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)

القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم،الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين... سقط...
الطحاوي رحمه الله تَعَالَى: وإن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى، وإنه خاتم الأنبياء، وإمام الأتقياء،وسيد المرسلين،وحبيب رب العالمين، وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى، وهو المبعوث إلى عامة الجن، وكافة الورى بالحق والهدى، وبالنور والضياء.

الشيخ: بسم الله، والحمد لله، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أَن مُحَمَّدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين، أما بعد..،

فأسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم من أهل العلم النافع، وممن يتعلم لوجه الله، كما أسأله سبحانه أن يقر العلم في قلوبنا، وأن يعيذنا من مضلات الفتن، ومن الأهواء ما ظهر منها وما بطن، أما بعد..،
فقول المصنف رحمه الله: "وإن محمداً عبده المصطفى ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى، وإنه خاتم الأنبياء، وإمام الأتقياء، وسيد المرسلين، وحبيب رب العالمين، وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى، وهو المبعوث إلى عامة الجن، وكافة الورى بالحق والهدى، وبالنور والضياء" هذه الجملة من كلامه من التوحيد؛ وذلك أنه قال في أول الكلام،يعني في أول هذه العقيدة:"نقول في توحيد الله، معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له" ثم مضى في ذلك، وأتى إلى مقام الرسالة، والكلام على النبوة فقال: "وإن محمداً عبده المصطفى" فهي معطوفة على قوله: "إن الله واحد لا شريك له"، وإن هنا مكسورة؛ لأنها معمول القول. ومن المعلوم في النحو أن (إن) تكسر إذا كانت تقدر معما بعدها في الجملة، يعني أن إن معنى دخلت عليه تقدر بجملة، ولذلك تكسر إذا كانت بعد كلامٍ يقدر ما بعده بجملة. ومعلوم أن القول له مقول، ومقول القول جمل، وليس بمفردات، وهذا باختلاف فتح همزة أن، فتح الهمزة في أن فإنها، فإن القاعدة فيها أنها تفتح إذا كانت في تقدير المفرد، أو المصدر،كما هو مقرر في النحو، وكما هو معلومٌ لكم جميعاً.

المقصود أن قوله: "وإن محمدا" هذا بكسر همزة إن؛ لأنها مقول القول في أول الرسالة وهو قوله:"نقول في توحيد الله".

وبحث الرسالة والنبوة هو من توحيد الله جل وعلا، ووجه ذلك أن توحيد الله جل وعلا يطلق ويعنى به العقيدة بعامة، فكل العقيدة بأركان الإيمان يدخل فيها.. تدخل في توحيد الله، فتوحيد الله جل وعلا هو الإيمان، وهو المشتمل على أركان الإيمان الستة، والكلام على نبوة محمد عليه الصلاة والسلام من ضمن ذلك.

والوجه الثاني: أن نبوة محمد عليه الصلاة والسلام هي طريق التوحيد؛ لأن توحيد الله جل وعلا لم يعلم إلا عن طريق الرسل، وفي ذلك تقرير أن العقول لا تستقل في معرفة توحيد الله جل وعلا، وما يتضمنه ذلك وما يستلزمه ذلك، بل إنه لابد من بعثة رسلٍ وأنبياء للبيان {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}.

وبعثة الرسل بها علم حق الله جل وعلا، وتوحيده توحيد الإلهية، وبها علم نعت الله جل وعلا، وأسماؤه وصفاته الكاملة الجليلة، فإذن بعثة محمد عليه الصلاة والسلام، وبعثة الرسل جميعاً هي طريق توحيد الله جل وعلا، ولهذا قال هنا: "نقول في توحيد الله: إن الله واحد لا شريك له"، واستمر ومر حتى قال: "وإن محمداً عبده المصطفى"، يعني ونقول في توحيد الله: "إن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى".

وهذه الجملة من كلامه رحمه الله تَعَالَى فيها تقرير عقيدة عظيمة، وهي أن محمداً عليه الصلاة والسلام جمعت له أوصاف، ونعوت، ومراتب،فمنها أنه عبد، ومنها أنه نبي، ومنها أنه رسول، ومنها أنه خاتم الأنبياء والمرسلين، ومنها أنه حبيب رب العالمين وخليله، ومنها أن بعثته عامة للجن والإنس وكافة الورى، وسيأتي بيان هذه الجمل والصفات في شرح كل جملة بما تقتضيه.

نخص الآن من هذه الجمل المتعلقة بالنبوة قوله: "وإن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى" فذكر ثلاثة مقامات لمحمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام.

وقوله: "إن محمداً" بدون أوصافٍ زائدة،كسيدنا محمد ونحوذلك فيه اتباع لما جاء في الأحاديث الكثيرة من ذكر التعبد باسم النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ مجرداً عن وصف السيادة، وغير ذلك، هذا هو المسنون والمشروع،كما في دعاء المصلي في التحيات،إذا جلس للتشهد وأشباه ذلك، وكما في قول المؤذن، وكما في الصلاة على النَّبِي عليه الصلاة والسلام في الصلاة وفى غيرها، فالسنة التي جاءت بها الأحاديث الكثيرة،وعمل السلف أن مقام المصطفى عليه الصلاة والسلام أرفع ما يوصف به أن يوصف بمقام العبودية، والنبوة، والرسالة؛ وذلك لأن الله جل وعلا وصف نبيه بذلك في أعلى المقامات، وفى أجلها فقال سبحانه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى} فوصفه في هذا المقام العظيم وهو مقام الإسراء، وما تبعه من المعراج إلى رب العالمين بأنه أوحى.. بأنه أسرى بعبده فقال سبحانه في وصف نبوة محمد عليه الصلاة والسلام وتذللِه: {وَأَنّهُ لّمَا قَامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} فقال سبحانه في المعراج وقرب محمد عليه الصلاة والسلام من رب العالمين قال: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}.
وهذا الوصف؛ وصف العبودية الخاصة، هو أعلى المقامات التي يوصف بها الإنسان، فإذا زاد عليه وصف النبوة، ووصف الرسالة،كان ذلك أعلى الكمال، ولهذا يعظم العبد بتحقيق كمال العبودية لله جل وعلا، وتحقيق كمال العبودية، إنما هو في الأنبياء والمرسلين.

فإذن وصف محمد عليه الصلاة والسلام بأنه عبده المصطفى هذا فيه رفع له، وإكرام للنبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله جل وعلا هو الذي رضي له هذا الوصف، وهذا النعت، وهذا المقام، وهذا هو الذي ينبغي على من يكتب، ويصنف، أو يخطب، أو يحاضر أن يتبع السنة في الألفاظ، فنقول: وإن محمداً عبده المصطفى، دون زيادة لسيدنا وأشباه ذلك، وإن كان هو عليه الصلاة والسلام سيد المرسلين كما ذكر هنا، وهو سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام.

قال: "وإن محمداً عبده المصطفى" والاصطفاء هو الاختيار، ومحمد عليه الصلاة والسلام اصطفي للرسالة، وهذا اللفظ مأخوذ من قوله تعالى:{اللّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النّاسِ} فكل مرسلٍ مصطفى؛ لأن الله اصطفاه، يعني اختاره وقربه لمقام الرسالة، قال.. ولمقام العبودية الخاصة.

قال: "ونبيه المجتبى" والاجتباء هو الاختصاص، اجتباهم {وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ} هذا معناه الاختصاص، يعني جعله نبياً،فاجتباه جعله حبيباً له وخليلاً ومختاراً، ومختصاً بالمقامات العالية.

والوصف الثالث قال: "ورسوله المرتضى"وهذا مأخوذ من قوله: {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} هذا البيان لمعاني تلك الكلمات نتبعه بأن هذا الكلام، هذه الجمل من المصنف فيها تقرير لعقيدة عامة، وهي أن محمدا بن عبد الله عليه الصلاة والسلام عبدٌ، ونبي، ورسول، وأنه خاتم الأنبياء، وأن كل دعوى للنبوة بعده فغي وهوى، وهذا من جملة ما يدخل في أركان الإيمان، فلا يصح إيمان عبد حتى يعتقد بأن محمداً عليه الصلاة والسلام عبدٌ نبي رسول، وأنه خاتم الأنبياء، وخاتم المرسلين، وأنه لا تصح دعوى للنبوة بعده، وكل دعوى للنبوة بعده فكذب وضلال وغي، وهوى إلى آخر ما سيأتي في بيان تلك الجمل.

وهذه الجملة فيها تقرير؛ لأن النبوة مختلفة عن الرسالة، وأن النبوة تسبق الرسالة كما قال: "ونبيه المجتبى، ورسوله المصطفى" وهذا هو المعروف عندكم فيما هو مقرر، من أن محمدا عليه الصلاة والسلام نبئ بـ (اقرأ)، وأرسل بالمدثر، فالنبوة مرتبة دون مرتبة الرسالة كما سيأتي، وجعل العطف متغايراً أولى من جعله، يعني متغايراً بالذات أولى من جعله متغاير لفظي، يعني أن المصنف الطحاوي يرى أن النبوة غير الرسالة، وأن النبي غير الرسول، وهذا هو الحق كما سيأتي بيانه.

هذه الجملة فيها تقرير ما ذكرت من العقيدة العامة المعروفة، ويدخل تحتها مسائل:

المسألة الأولى: تعريف النبي والرسول، والنبي والرسول لفظان موجودان في لغة العرب،فتعريفها في اللغة يؤخذ من موارده في اللغة، وهو أن النبي مأخوذ من النبوة، وهو الارتفاع؛ وذلك لأنه بالإيحاء إليه، وبالإخبار إليه أصبح مرتفعاً على غيره، والرسول هو من حمِّل رسالة فبعث بها،ولهذا نقول: إن كلمة نبي جاءت في القرآن في القراءات على وجهين يعنى على قراءتين متواترتين:
الأولى: النبي بالياء،
والثانية: النبيء {يا أيها النبيء}.

والفرق ما النبي والنبيء أن النبيء هو من نبئ، وكلا الأمرين حاصل في النبي عليه الصلاة والسلام، وفي كل نبي فهو مرتفع، ولأجل ذلك فهو نبي وهو منبأ ولأجل ذلك فهو نبيء، ولهذا نقول: إن كلمة نبي صارت من الرفعة؛ لأجل نبئ، لأجل أنه نبيء، يعني أنه نبئ فصار في نبوةٍ وارتفاع عن غيره من الناس.

أما في الاصطلاح، التعريف الاصطلاحي للنبي والرسول فهذا مما اختلف فيه أهل العلم كثيراً، والمذاهب فيه متنوعة؛ فمنها قول من قال: إنه لا فرق بين الرسول والنبي فكل نبي رسول، وكل رسول نبي.

القول الثاني: أن النبي والرسول بينهما فرق؛ وهو أن النبي أدنى مرتبة من الرسول، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسول.

والمذهب الثالث: أن النبي أرفع من الرسول، وهو قول غلاة الصوفية، وأن الرسول دون النبي.

المذهب الأول قال به طائفة قليلة من أهل العلم من المتقدمين، ومن المتأخرين، ومنهم من ينسب إلى السنة، والقول الثاني: وهو أنه ثمة فرق بين النبي والرسول، وأن كل رسولٍ نبي، وليس كل نبي رسولا هذا قول جمهور أهل العلم، وعامة أهل السنة؛ وذلك لأدلة كثيرة استدلوا بها على هذا الأصل،مبسوطة في مواضعها، ونختصر لكم بعضها:

الأول منها: قوله جل وعلا في سورة الحج: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ}، قال سبحانه هنا: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} ووجه الاستدلال أن الإرسال وهو فعل أرسلنا وقع على الرسول وعلى النبي، فإذن الرسول مرسل والنبي مرسل؛ لأن هذا وقع على الجميع.

وجه الاستدلال الثاني: أنه عطف بالواو فقال:{مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} والعطف بالواو يقتضي المغايرة، مغايرة الذات، أو مغايرة الصفات، وهنا المقصود منه أن الصفة التي صار بها رسولاً غير النعت الذي صار به نبياً هو المقصود،مع تحقق أن الجميع وقع عليهم الإرسال.

والوجه الثالث من الاستدلال: أنه عطف ذلك بلا أيضاً في قوله:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} ومجيء (لا) هنا في تأكيد النفي الأول في أول الآية، وهو قوله:{وَمَا أَرْسَلْنَا} فهي في تقدير تكوين الجملة منفية من أولها،كأنه قال: وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا أرسلنا من قبلك من نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته. هذا هو الدليل الأول.
والدليل الثاني: أن النبوة ثبتت لآدم عليه السلام،فآدم كما صح في الحديث نبي مكلم، وأن هناك أنبياء جاؤوا بعد آدم عليه السلام كإدريس وشيث وكغيرهما، وإدريس ذكره الله جل وعلا في القرآن، والرسل أولهم نوح عليه السلام، وجعل الله جل وعلا أولي العزم من الرسل خمسة، وجعل أولهم نوحاً عليه السلام، فهذا يدل على أن آدم عليه السلام لم يحصل له وصف الرسالة، بل جاء في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام:((آدم نبي مكلم))، ووصف نوح بأنه رسول، ووصف إدريس بأنه نبي، فدل هذا على التفريق بين المقامين.

الدليل الثالث الذي أورده أصحاب هذا القول: ما جاء في حديث أبي ذر من التفريق ما بين عدد الأنبياء، وعدد المرسلين، فجعل على عدد الأنبياء أكثر من مائة ألف، مائة وأربعة وعشرين ألف أو نحو ذلك، وجعل عدد الرسل أكثر من الثلاثمائة بقليل، بضع عشر وثلاثمائة رسول، والله جل وعلا قص علينا خبر الرسل، وحجب عنا قصص البعض الآخر فقال جل وعلا:{وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} وهذا الحديث حديث أبي ذر حسنه بعض أهل العلم، وإن كان إسناده عند التحقيق فيه ضعف، لكن فيه جمل صحيحة، وهو حديث طويل رواه ابن حبان، وغيره. وثم أدلة أخرى في هذا المقام، قد لا تكون دالة بوضوح على المراد.

إذا تبين لك ذلك، وأن الصحيح هو قول الجمهور، وهو أن ثمة فرقاً بين النبي والرسول،فما تعريف النبي؟ وما تعريف الرسول في الاصطلاح؟

قلنا: إن النبي يقع عليه الإرسال، ولكن لا يسمى (مُرّسولاً) عند الإطلاق، والرسول يقع عليه الإرسال،وهو الذي يسمى رسولاً عند الإطلاق، والله جل وعلا جعل ملائكة مرسلين، وإذا قلنا: الرسول فلا ينصرف بالإطلاق على المبلغ للوحي جبريل عليه السلام، والله جل وعلا أرسل الريح، وأرسل المطر، وأرسل أشياء من العذاب، ولا يقع عند الإطلاق أن يقال: هذه مرسلة، أوهذه رسالة الله، أو هذه الأشياء رسول من إطلاق المفرد، وإردة الجمع به.

ولهذا نقول: قد يقال عن هذه الأشياء كما جاء في القرآن، قد يقال عنها: إنها مرسلة {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا} ولكن إذا أطلق لفظ الرسول فلا ينصرف إلى من أرسل من الملائكة؛ وإنما ينصرف إلى من أرسل من البشر، وهذا يدل على أن الفرق قائم ما بين النبي، وما بين الرسول، وأن النبي إرساله خاص، وأن الرسول إرساله مطلق،فلهذا نقول: دلت آية سورة الحج: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} على أن كلاً من النبي والرسول يقع عليه إرسال، فما الفرق بينهما من جهة التعريف؟

الجواب: أن العلماء اختلفوا على أقوال كثيرة في تعريف هذا وهذا، ولكن الاختصار في ذلك مطلوب، وهو أن تعريف النبي، وهي مسألة اجتهادية، تعريف النبي: هو من أوحى الله إليه، من أوحى الله إليه بالتبليغ إلى قوم موافقين، يعني موافقين له في التوحيد، والرسول هو من أوحى الله إليه بشرع، وأمر بتبليغه إلى قوم مخالفين،وتلحظ من هذا التعريف للنبي، وللرسول أن.. أنه لا مدخل لإيتاء الكتاب في وقت النبوة والرسالة، فقد يعطى النبي كتاباً، وقد يعطى الرسول كتاباً، وقد يكون الرسول ليس له كتاب، وإنما له صحف، صحف إبراهيم وموسى، وقد يكون له كتاب.
فإذن من جعل الفيصل، أو الفرق بين النبي والرسول هو إيتاء الكتاب وحي جاءه بكتاب منزل من عند الله جل وعلا،فهذا ليس، ليس بجيد، بل يقال كما ذكرت لك في التعريف: إن المدار على أولا: الإيحاء، فالنبي موحى إليه، والرسول موحى إليه.

والثاني: أنه يوحى إليه بشرع، أو بفصل في قضية شرع يشمل أشياء كثيرة، وكذلك الرسول يوحى إليه بشرع،النبي يوحى إليه لإبلاغه إلى قوم، قوم موافقين أو ليكون في خاصة نفسه، يعمل به في خاصة نفسه كما جاء في الحديث: ((ويأتي النبي وليس معه أحد)) والرسول يبعث إلى قومٍ مخالفين له.

ولهذا جاء في الحديث أن ((العلماء ورثة الأنبياء)) ولم يجعلهم ورثة الرسل؛ وإنما قال: ((وإن العلماء ورثة الأنبياء))؛ وذلك لأن العالم في قومه يقوم مقام النبي في إيضاح الشريعة التي معه، فيكون إذن في إيضاح شريعته، في إيضاح الشريعة يكون ثم شبه ما بين العالم والنبي، ولكن النبي يوحى إليه، فتكون أحكامه صواباً؛ لأنها من عند الله جل وعلا، والعالم يوضح الشريعة ويعترض أو يعرض لحكمه الغلط.

يتعلق بهذه المسألة بحث أن الرسول قد يكون متابعاً لشريعة من قبله، من قبله، كما أن النبي يكون متابعاً لشريعة من قبله، فإذن الفرق ما بين النبي والرسول في اتباع الشريعة، شريعة من قبل أن النبي يكون متابعاً لشريعة من قبله، والرسول قد يكون متابعاً، كيوسف عليه السلام، جاء قومه بما بعث الله به إبراهيم عليه السلام ويعقوب، وقد يكون يبعث بشريعة جديدة.

وهذا الكلام، هذه الاحترازات؛ لأجل أن ثمة طائفة من أهل العلم جعلت كل محترز من هذه الأشياء فرقاً ما بين النبي والرسول، فإذن كما ذكرت لكم الكتاب قد يعطاه النبي، وقد يعطاه الرسول، بعثه به لقوم موافقين، أو مخالفين، هذا مدار فرق ما بين النبي والرسول، الرسول قد يبعث بشريعة من قبله بتوحيد بالديانة التي جاء بها الرسول لمن قبله، لكن يرسل إلى قوم مخالفين، وإذا كانوا مخالفين فلابد أن يكون منهم من يصدقه ويكون من يكذبه؛ لأنه ما من رسول إلا وقد كذب، كما جاءت بذلك الآيات الكثيرة.

المسألة الثانية: نبوة الأنبياء هل هي واجبة، أو ممكنة؟
الصواب أن نبوة الأنبياء، وإرسال الرسل مما جعله الله جل وعلا على نفسه كما قال سبحانه: {رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}، وقد اختلف الناس في ذلك، فقالت طائفة: إرسال الرسل جائز، وقالت طائفة: إرسال الرسل واجب على الله جل وعلا، قالت طائفة: إرسال الرسل ونبوة الأنبياء لا يقال فيها جائزة، ولا واجبة، بل هي تبع، تبع للمصلحة، وكما ذكرنا أن قول أهل السنة في ذلك: إن إرسال الرسل جعله الله جل وعلا حجة على الناس كما في الآية، ولا يطلق القول بوجوبها، ولا بإمكانها، أو جوازها، أو رد ذلك، بل يتبع في ذلك النص الوارد؛ لأن أفعال الله جل وعلا، والإيجاب عليه والتحريم إنما يكون من عنده جل وعلا.
المسألة الثالثة: نبوة الأنبياء، أو رسالة الرسل بما تحصل؟ وكيف يعرف صدقهم؟ وما الفرق ما بين النبي والرسول وبين عامة الناس، أو من يدعي أنه نبي أو رسول، أو من يأتي بالأخبار المغيبة، أو يجري عليه شيء من يديه شيء من الخوارق؟
والجواب عن ذلك: أن المتكلمين في العقائد نظروا في هذا على جهات من النظر، ونقدم قول غير أهل السنة، ونبين لكم قول السلف؛ أهل السنة والجماعة، في هذه المسألة العظيمة، وهي من المسائل التي يقل تقريرها في كتب الاعتقاد مفصلة، فنقول: إن طريقة إثبات نبوة الأنبياء، وإرسال الرسل للناس فيه مذاهب:

المذهب الأول: أن الرسل والأنبياء لديهم استعدادات نفسية راجعة إلى القوى الثلاثة، والصفات الثلاث، وهي السمع والبصر والقلب؛ فإنه يكون عنده قوة في سمعه، فيسمع الكلام، كلام الملأ الأعلى، وعنده قوة في قلبه، فيكون عنده تخيلات، أو يتصور ما هو غير مرئي، وعنده بصر أيضاً قوي، يبصر ما لا يبصره غيره.

وهذه طريقة باطلة، وهي طريقة الفلاسفة، الذين يجعلون النبوة من جهة الاستعدادت البشرية، لا من جهة أنها وحي وإكرام، واصطفاء من الله جل جلاله.

والثاني: قول من يقول: إن النبوة والرسالة طريق إثباتها، والدليل عليها هو المعجزات، وهذا قول المعتزلة والأشاعرة، وطوائف من المتكلمين، وتبعهم ابن حزم وجماعة، وجعلوا الفرق ما بين النبي وغيره هو أن النبي يجري على يديه خوارق العادات، فمنهم من التزم؛ وهم المعتزلة وابن حزم، في أن ما.. في أنه ما دام الفرق هو خوارق العادات، وهي المعجزات، فإذن لا يثبت خارق لغير نبي، فأنكروا السحر والكهانة، وأنكروا كرامات الأولياء، وأنكروا ما يجري من الخوارق؛ لأجل ألا يلتبس هذا بهذا، وجعلوا ذلك مجرد تخييل في كل أحواله. وأما الأشاعرة فجعلوا المسألة مختلفة، وسيأتي تفصيلها في موضعها إن شاء الله عند كرامات الأولياء.

المذهب الثالث: هو مذهب أهل السنة والجماعة، والسلف الصالح فيما قرره وهو أن النبوة، والرسالة دليلها وبرهانها متنوع، ولا يقصر القول بأنها من جهة المعجزات الحسية التي ترى، أو تجري على يدي النبي، أو الولي، فمنها.. فمن الأدلة والبراهين في إثبات النبوة والرسالة:

أولا: الآيات والبراهين.

والثاني: ما يجري من أحوال النبي في خبره، وأمره ونهيه، وقوله وفعله، مما يكون دالا على صدقه بالقطع.

الثالث: أن الله جل وعلا ينصر أنبياءه وأولياءه، ويمكن لهم، ويخذل مدعي النبوة ويبيد أولئك، ولا يجعل لهم انتشاراً كبيراً.

وهذه ثلاثة أصول: أما الأول: فمعنى أن من قرر نبوة الأنبياء عن طريق المعجزات فإننا نوافقهم على ذلك، لكن أهل السنة لا يجعلونه دليلاً واحداً، لا يجعلونه دليلاً فرداً، بل يجعلونه من ضمن الدلائل على النبوة. وهذا الدليل؛ وهو دليل المعجزات كما يسمى يعبر عنه أهل السنة بقولهم: الآيات البراهين؛ وذلك لأن لفظ المعجز لم يرد في الكتاب، لا في السنة لفظ المعجز، و إنما جاء في النصوص الآية والبرهان {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} {فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ} وقال: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ}،{قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} ونحو ذلك من الآيات التي تدل على أن ما يؤتاه الأنبياء والرسل؛ إنما هو آيات وبراهين.

بعض.. والبعض من أهل العلم جعل لفظ المعجز نتيجة؛ لأن آية النبي وبرهان النبوة معجز، لكن لفظ الإعجاز فيه إجمال؛ وذلك لأنه معجز لمن فيه إجمال، وفيه إبهام، فإعجاز ما يحصل لمن هو معجز، فإذا قلنا: معجز لبني جنسه، فهذا حال معجز لبني آدم، فهذا حال معجز للجن والإنس، فهذا حال معجز لكافة الورى، فهذا حال، ولهذا جعل المعتزلة والأشاعرة في الخلاف ما بينهم في المعجزات، جاءت من هذه الجهة، أن لفظ معجز اختلفوا في معجز لمن، كما سيأتي تقريره في موضعه، إن شاء الله.

ولهذا نعدل عن لفظ الإعجاز إلى لفظ الآية والبرهان، ونقول: الآية والبرهان التي يؤتاها الرسول أو النبي؛ للدلالة على صدقه تكون معجزة، تكون معجزة للجن والإنس جميعاً، فما آتاه الله جل وعلا محمدا عليه الصلاة والسلام يكون معجزاً للجن والإنس جميعاً، كما قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }، أما إعجاز بعض الإنس دون بعض، أو الإنس دون الجن فهذا هو الذي يدخل في الخوارق، ويدخل في أنواع ما يحصل على أيدي السحرة والكهنة وما أشبه ذلك.

أما الفرق ما بين الآية، البرهان الدال على صدق النبي مع ما يؤتاه أهل الخوارق، أنه هل هو معجز لعامة الجن والإنس أم لا؟ فإن كان معجزاً لعامة الجن والإنس فهو دليل الرسالة والنبوة. هذه الآيات والبراهين التي آتاها الله جل وعلا محمدا عليه الصلاة والسلام أنواع:

النوع الأول: منها القرآن، وهو حجة الله جل وعلا وآيته العظيمة على هذه الأمة، فتحدى الله جل وعلا به الجن والإنس، ولم يستطيعوا ذلك، مع أنهم متميزون بالفصاحة والبلاغة وأشباه ذلك، فإذن الآية والدليل الأول: هو القرآن العظيم، وهو الحجة البالغة.

الثاني: آيات وبراهين سمعية، يعني تكون دالة من جهة ما يسمع، ومن ذلك تسبيح الحصى، تسبيح الطعام على عهده صلى الله عليه وَسَلَّمَ، كما روى البخاري في الصحيح، أن ابن مسعود قال: كنا نسمع تسبيح الطعام ونحن نأكل مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ. ومنها آيات وبراهين راجعة إلى البصر، وهو ما يقصر من أشياء لا تحصل لغيره، بل هي آية وبرهان على عجز الثقلين عن ذلك، مثل نبع الماء ما بين أصابعه، ومثل حركة الجمادات وأشباه ذلك، ومنها أدلة وبراهين فيها نطق ما لم ينطق، وهذه تشمل الأول المسموعة، وتحرك ما لم يتحرك في العادة، ويشمل حركة الجمادات وشعور من لا يعرف بشعوره، وهذه إنما يعتبر عنها نبي، وتحصل للرسل والأنبياء، مثل حنين الجذع وتسليم الحجر، وأشباه ذلك.

الـوجـه الـثانـي

وأمر ونهي، وللرسول قول وفعل، فهذه خمسة أشياء، وهذا النوع من الدلائل أهم من الدلائل التي ذكرت لك فيما قبل عدا القرآن، فهو أعظم الأدلة؛ وذلك أن محمدا عليه الصلاة والسلام جاء بأخبار هذه تصدق على جميع النبوات، والرسالات، جاء بخبر عن الله جل وعلا، وهذا الخبر منه ما يتعلق بالماضي، ومنه ما يتعلق بالحاضر، ومنه ما يتعلق بالمستقبل، وجاء بأمر ونهي، وهذا الأمر والنهي هو ما يدخل في الشريعة، والأوامر متنوعة، والنواهي متنوعة، وجاء بأقوال هو قالها في التبليغ، وأفعال له، وكل هذه بمجموعها تدل للناظر على أن من قال، وأخبر عن الله، وفعل وأمر ونهى, فإنه صادق فيما قال؛ لأن كل مدعٍ للخبر والأمر والنهي، وله أقوال، وله أفعال، وليس على مرتبة النبوة، فلابد أن يظهر لكل أحد أن يظهر له كذبه فيما ادعاه، وتناقضه في أقواله وأفعاله، وضعف أمره ونهيه، وعدم إصلاحه وأشباه ذلك.

ولهذا محمد عليه الصلاة والسلام جعل الله جل وعلا له الكمال فيما أخبر به، وفيما أمر به، وفيما نهى، وفي أقواله وأفعاله، فجعل اتباعه في الأقوال والأفعال اتباعاً مأموراً به {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} وقال: {لقد كان لكم في رسول اللَّهِ أسوة حسنة} وجعل ما يخبر به الرسول هو كخبر الله جل وعلا؛ لأنه لا ينطق عن الهوى ونحو ذلك، فاستقام أمره عليه الصلاة والسلام في هذه الأمور الخمسة، ولم يعرف أن أحداً طعن في شيء من هذه الأشياء، واستقام على طعنه، ولم يستسلم، بل كل من طعن في واحدٍ من هذه الأشياء فإنه آل به أمره إلى الاستسلام، أو أن يكون طعنه مكابرة دون برهان.

لهذا نقول: إن هذا الدليل من أعظم الأدلة التي تفرق ما بين الرسول والنبي الصادق، وما بين مدعي النبوة؛ فإن الرسول له أحوال كثيرة، يرى في أقواله.. يسمع في أقواله، ويرى في أفعاله، أوامره ونواهيه جاءت بماذا؟ أخباره جاءت بماذا؟ ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام أخبر عن أشياء حدثت في الماضي لم يكن العرب يعرفونها، وجاء تصديقها من أهل الكتاب، وما كان يقرأ عليه الصلاة والسلام كتب أهل الكتاب،وجاء بأخبار عما سيحصل مستقبلاً، وجاء بأخبار عما سيحصل بين يدي الساعة،وحصلت بعده عليه الصلاة والسلام شيئاً فشيئاً،منها ما حصل بعد موته سريعاً، ومنها ما يحصل شيئاً،ومنها ما يحصل بين يدي الساعة.

وكل هذه الأخبار في تصديقها دالة على أنه لا يمكن أن يعطاها إلا نبي، كذلك ما أمر به عليه الصلاة والسلام، وما نهى عنه فهو موافق للحكمة البالغة التي يعرفها أهل الدين، ويعرفها أهل العقل الراجح، حتى إن الحكماء شهدوا في الزمن الماضي، وفي الزمن الحاضر،بأن شريعة محمد عليه الصلاة والسلام هي شريعة ليس فيها خلل،لا من جهة الفرد في عمله، ولا من جهة التنظيم في المجتمع بعامة،وكذلك ما في أفعاله عليه الصلاة والسلام،فكان عليه الصلاة والسلام له المقام الأكمل في التخلص من الدنيا، والبعد عن الرفعة، يعني والترفع على الناس، بل كان عليه الصلاة والسلام أكمل الناس في هديه، وفى تواضعه، وفي قوله، وفي عمله عليه الصلاة والسلام،وكان أكمل الناس في عبادته، وكل دعوى لمن ادعى النبوة فلا بد أن يظهر فيها خلل في هذه الأشياء.

أيضاً هو عليه الصلاة والسلام تحدى الناس في قوله فيما أتى به، وأخذ يدعو كما يظهر لك من قصة هرقل مع أبي سفيان، وسؤالات هرقل لأبي سفيان، وأخذ يدعو غير ملتفت بخلاف من خالف، والناس يزيدون وأعداؤه ينقصون، وهذا مع تطاول الزمن، ونصرة الله جل وعلا له؛ فإن هذا دليل على صدقه فيما أخبر، وفي أمره ونهيه، وقوله وفعله عليه الصلاة والسلام.

الدليل الثالث: كما ذكرنا هذه جنس أجناس الأدلة: أن الله جل وعلا هو صاحب الملكوت، وهو ذو الملك والجبروت، وهو الذي ينفذ أمره في بريته، فمحال أن يأتي أحد ويدعي أنه مرسل من عند الله، ويصف الله جل وعلا بما يصفه به، ويذكر خبرا عن الله، وأسمائه، ونعوته، ثم هو في ملك الله جل وعلا يستمر به الأمر إلى أن يشرع، ويأمر وينهى، وينتشر أمره، ويغلب من عداه، ويسود في الناس، ويرفع ذكره دون أن يعاقب ولو.. لهذا قال جل وعلا في بيان هذا البرهان: {وَلَوْ تَقَوّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ * لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُمْ مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } لو كانت دعوى في ملك الله جل وعلا،وهذا يدعي أنه مرسل ونبي، ويأتي بأشياء يقول: هي من عند الله فإن مالك الملك لا يتركه وحاله، بل ربما جعل ذلك ابتلاء، وامتحاناً للناس، ولكن لا ينصروتكون شريعته هي الباقية، ويكون ذكره هو الذي يبقى، ويكون خبره عن الله، وعن أسمائه، وصفاته، ودينه وشرعه، وعن الأمم السابقة،وعما سيحصل، هو الذي يبقى في الناس؛فإن هذا مخالف لقول الله جل وعلا: {وَلَوْ تَقَوّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ * لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَمَا مِنكُمْ
مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}.

والمشركون لما كذبوا النَّبِي عليه الصلاة والسلام قالوا: شاعر نتربص به ريب المنون؛ لأن السنة ماضية عند العقلاء, أن الذي يدعي عن الله جل وعلا فإنما يتربص به الهلاك والإفناء {شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} فجاء البرهان: {قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ}؛ لأن هذا برهان صحيح، فتربصوا فإني معكم من المتربصين {قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} فقد صدقتم في هذا القرآن؛ لأنه لو كان كما تقولون كاذب لكأنه يتربص به ريب المنون، وأن يهلكه الله جل وعلا، وأن يجعله مخزياً، وأن يجعله عبرة لمن اعتبر، فالنبي محمد عليه الصلاة والسلام، وسائر الأنبياء والمرسلين جعلهم الله جل وعلا حملة لرسالته، وشرفهم، ورفع ذكرهم، ونصرهم بين الناس، ولهذا تجد أن الرسالات هي الباقية في الناس، رسالة موسى عليه السلام، ورسالة إبراهيم، ورسالة عيسى عليه السلام، ورسالة محمد عليه الصلاة والسلام و وكل واحدة منها دخلها من التحريف ما دخلها، فأتباع إبراهيم من (غير مسموع) حرفوا في دينهم، حتى أصبحوا على غير ملة إبراهيم، وأتباع موسى من اليهود الآن على غير دين موسى، وأتباع عيسى عليه السلام على غير دين عيسى، وأتباع محمد عليه الصلاة والسلام هم الذين حفظهم الله جل وعلا وجعل منهم طائفة ظاهرين بالحق يقومون به إلى قيام الساعة.هذا ما يتعلق بالمسألة (إيش؟) المسألة الثالثة.
المسألة الرابعة: وهي آخر المسائل: أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بشر، يجوز في حقهم ما يجوز في حق البشر مما هو من الجبلة والطبيعة، ولهذا في القرآن يكثر وصفهم بأنهم بشر، وأن محمدا عليه الصلاة والسلام بشر،لكن يوحى إليه, وأما من جهة الذنوب والآثام، أو نجعل البحث هذا يعني رأس البحث منقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: من حيث الأمراض والعاهات،فعند أهل السنة والجماعة أن الأنبياء والرسل يبتلون، ويمرضون مرضا شديدا. وعند الأشاعرة أنهم يمرضون، ولكن بمرض خفيف، ولا يمرضون بمرض شديد.

هذا غلط بين؛فإن ابن مسعود دخل على النبي عليه الصلاة والسلام،وقال: يا رسول الله، إني أراك توعك. يعني: فيك حمى شديدة،قال: ((أجل،إني أوعك كما يوعك رجلان منكم)).قال ابن مسعود: ذلك بأن لك أجرين قال: ((نعم...)) إلى آخر الحديث.

والأنبياء يضاعف عليهم، أو يشتد عليهم البلاء بأنواعه، فإذن من جهة الأمراض والأسقام التي لا تؤثر على التبليغ، وصحة الرسالة فإنهم فإنهم ربما ابتلوا في أجسامهم وأبدانهم بأمراض متنوعة شديدة.

المسألة الثانية: من جهة الذنوب، الذنوب أقسام؛ فمنها الكفر،وجائز في حق الأنبياء والرسل أن يكونوا على غير التوحيد قبل الرسالة والنبوة.

والثاني: من جهة الذنوب،فالذنوب قسمان؛ كبائر وصغائر، والكبائر جائزة فيما قبل النبوة،ممنوعة فيما بعد النبوة والرسالة،فليس في الرسل من اقترف كبيرة بعد النبوة والرسالة، أو تقحمها عليهم صلوات الله وسلامه،بخلاف من أجاز ذلك من أهل البدع، أما الصغائر فمنع الأكثرون فعل الصغائر من الأنبياء والرسل. والصواب أن الصغائر على قسمين؛
صغائر مؤثرة في الصدق، في صدق الحديث، وفى تبليغ الرسالة، وفي الأمانة، فهذه لا يجوز أن تكون في الأنبياء، والأنبياء متزهون عنها؛ لأجل أنها قادحة، أو مؤثرة في مقام الرسالة، والثاني من الأقسام: صغائر مما يكون من طبائع البشر في العمل، أو في النظر، أو فيما أشبه ذلك، فهذه جائزة، وإن لم تكن، أو من جهة النقص في تحقيق أعلى المقامات وأشباه ذلك، فهذه جائزة ولا نقول واقعة، بل نقول جائزة.

والله جل وعلا أنزل على نبيه عليه الصلاة والسلام: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} الآية، فالنبي عليه الصلاة والسلام غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر.

المسألة الأخيرة، نجعلها الخامسة، تذكرتها الآن،هي أن الرسول والنبي فيهم شروط، أو أوصاف عامة،جاءت في القرآن والسنة:

أولا: أن الرسول يكون ذكرا، وكذلك الأنبياء ذكور،فليس في النساء رسولة، ولا نبية، وإنما هم ذكور.
الثاني: أنهم من أهل القرى، يعني ممن يسكنون القرى، ويتقرون ويجتمعون، وليسوا من أهل البادية،يعني ممن يبدون كما جاء في آية يوسف.
الثالث: أن الرسول لابد أن يُكذَّب،فلم يأت رسول إلا وكذب،كما قال جل وعلا: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا}.

مباحث النبوة والرسالة كثيرة متنوعة، وهذه يعني بعض المسائل المتعلقة بها، وقد لا تجد ذلك مجموعاً في موضع واحد، ولا شك أن هذا البحث،خاصة دلائل النبوة بحث مهم، واعتنى به أئمة السنة والسلف،وصنف فيه عدد من العلماء في دلائل النبوة، وفي آيات وبراهين النبي محمد عليه الصلاة والسلام.

نكتفي بهذا القدر ونقف عند قوله: "وإنه خاتم الأنبياء، وإمام الأتقياء" إِنْ شَاءَ اللَّهُ [كلام ليس له فائدة علمية]

سؤال: يقول: ذكرتم أن العطف بالواو يقتضي المغايرة،فهل أوضحتم، وفصلتم أكثر؟ وكيف تكون المغايرة في قوله تعالى: {تلك آيات الكتاب وقرآن مبين}؟
جواب: أنا ذكرت لك أن المغايرة نوعان: مغايرة في الذات، ومغايرة في الصفات،مغايرة في الذات،تقول: هذان قلم وكتاب، خذ القلم والكتاب،معلوم أن القلم شيء في ذاته، والكتاب شيء في ذاته،دخل محمد وخالد،هذا شيء وهذا شيء، فالعطف بالواو يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه،في هذه الأمثلة مغايرة ذات، هذه ذات وتلك ذات، هذا له حقيقة وهذا له حقيقة،هذا له معية وهذا له معية.

النوع الثاني من المغايرة: مغايرة الصفات؛أن يكون المعطوف والمعطوف عليه في الدلالة على مسمى واحد،ولكن يكون ثمة فرق ما بين الصفات... سقط...

مثال قوله تعالى: {تلك آيات القرآن وكتاب مبين} الكتاب المبين هو القرآن، لكن العطف لاختلاف الصفات، فالقرآن سمي قرآناً؛ لأنه صار مقروءاً،وسمي كتاباً مبيناً؛ لأنه يكتب فيستبين به كل شيء كما قال: {تبياناً لكل شيء}.

فإذن حقيقة المصحف في كونه قرآناً غير حقيقة المصحف في كونه كتاباً،فهذا وصف له، وهذا وصف له،كما ذكرنا في الآية: {وما أرسلنا من قبلك من رَسُولٍ ولا نبي} فالنبي والرسول قد يجتمعان في شخص واحد،فيكون الرسول والنبي العطف لتغاير الصفات،لكن مقام النبوة غير مقام الرسالة،كما نقول في نبينا عليه الصلاة والسلام نبئ بـ (اقرأ)،وأرسل بالمدثر، وقد يكون هنا الرسول ولا نبي في الفرق ما بين الذوات،الرسول واحد،أحد المرسلين، والنبي المقصود به نبي آخر وهكذا في نظائرها.

مثل هذه المباحث ترجعون فيها إلى كتب اللغة، ومن أمثلها في الحروف كتاب (مغني اللبيب عن كتب الأعاريب) لابن هشام، وأمثل الكتب في حروف المعاني الكتب التي في دلائل النبوة، فيها كتاب (دلائل النبوة) لأبي نعيم، وقد طبع مختصرا في مجلدين، معروف، و (دلائل النبوة) للبيهقي، وفيه (دلائل النبوة) للبغوي، وفي كتب الحديث أبواب، أو كتب تتعلق بدلائل النبوة.

سؤال: ما معنى قول بعض السلف: النبوة العلم والعمل؟وهل هذا صحيح أم لا؟
جواب: الجواب أن هذا القول ليس بقول لبعض السلف، بل قاله ابن حبان صاحب الصحيح،وغلط في ذلك وهجر بسبب هذه الكلمة؛فإنه سئل عن النبوة فقال: النبوة العلم والعمل،وهذا كقول الفلاسفة؛ لأن الفلاسفة عندهم أن النبوة ليست اصطفاء واجتباء واختياراً؛ إنما هي... سقط... يكتسبها... سقط...لهذا لما سئل ابن حبان رَحمَهُ اللَّه وقيل له ما النبوة؟ فقال العلم والعمل،اتهم بالفلسفة،وكان رحمه الله ربما طالع بعض كتبها؛ ولذلك صنف كتابه الصحيحعلى التقاسيم والأنواع،قالوا: إنه تأثر بما في المنطق من الترتيبات ونحو ذلك التقاسيم والأنواع،كتاب ابن حبان معروف أنه غير موجود، ولكن رتبه الفارسي بن بلبان، وهو المطبوع،رتبه على أبواب،لكن نفس كتاب ابن حبان ليس على هذه (غير مسموع)، لكن الواقع أن ابن حبان سليم ممارمي به رحمه الله؛فإن تصنيفه للكتاب ليس مأخذه مأخذاً فلسفياً، ولكنه رأى طلاب العلم يعتمدون على الكتب،يعتمد على ما في الكتب، وتركوا الحفظ،فصنف لهم كتاباً،جمع فيه صحيح السنة بحسب رأيه، بحسب اجتهاده في التصحيح،وجعله غير مبوب على الأبواب المعهودة؛ حتى يحفظ،رغبة في الحفظ، وتوجيه الناس للحفظ، وإلزام الطلبة بالحفظ.

ومعلوم أن حسن الظن بأهل العلم هذا أولى من إساءة الظن بهم.
وأما قوله: النبوة العلم والعمل.يعني: أن النبوة فيها كمال العلم وكمال العمل،وهذا كما هو معروف في ذكر الشيء بأعظم صفاته،كما سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن الجمع قال: ((الحج عرفة))، يعني مع بقية الأركان والشروط, فلا ينفي أن النبوة وحي من الله جل وعلا،وأنها صفة،وأن النبي هو من أوحي إليه ونحو ذلك، لا ينفي ذلك، وإنما ذكر الصفة التي يبلغها النبي كمال العلم، وكمال العمل، وهذه ليست إلا في الأنبياء رحمهم الله،لكن ليس في قولٍ هذا للسلف، فينتبه لذلك.

سؤال: أشكل علي قولك: إن النبي قد يكون على غير التوحيد قبل الرسالة؟
جواب: نعم، يكون النبي، قد يكون على غير ذلك،فيصطفيه الله جل وعلا وينبهه، يعني ما فيه مشكل في ذلك،قد يكون غافلا.

سؤال: لم تذكروا ما إذا كان هناك رسول من الجن أولا؟
جواب: الصواب أن الجن ليس فيهم رسول؛ وإنما الجن تبع للإنس في الرسالة كما قال جل وعلا: {وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا} صرفهم الله جل وعلا إلى محمد حتى يسمعوا الرسالة {وإذ صرفنا إليك} فالصارف هو الله جل وعلا،والمصروفون هم الجن لسماع الرسالة، قال: {فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم} الآية، فدل على أنهم متبعون لموسى، قبل ذلك متبعون للأنبياء، فلما جاءت رسالة محمد عليه الصلاة والسلام خوطبوا بذلك، فهذا هو الصحيح في الآية، وأما قوله: {ألم يأتكم رسل منكم} {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم} فالمقصود التغليب؛ لأن الجنسين جنساً واحدا في التكليف، لأن الجنسين جنس واحد في التكليف.

سؤال: أرجو بيان بعض الكتب التي بحثت هذا الموضوع؟
جواب: لا، هذا الموضوع تفرق في بيان الآيات،في تفسير الآيات التي فيها ذكر النبوة والرسالة والآيات والبراهين،وشيخ الإسلام ابن تيمية كتب كتابة عظيمة في هذا الباب، خاصة في المعجزات والآيات والبراهين،والفرق بين النبوة والرسالة، في كتابه(النبوات) لكنه طويل يحتاج إلى اختصار من طالب العلم،من طالب العلم، يقر به لطلاب العلم.

سؤال: ما رأيكم في عبارة أشرف: الأنبياء... سقط...؟
جواب: هذه العبارة ما جاءت في الأحاديث، والشرف متنوع،الشرف نوعان: شرف كسبي وشرف نسبي، وهذا من حيث تقسيم الشرف، يعني في تعريفه.

الشرف النسبي هذا النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((إن الله اصطفى من قريش كنانة)) إلى أن قال: ((فأنا خيار من خيار من خيار)).الشرف الكسبي أو شرف النبوة هو الكمال،كمال العبودية، كمال الصفات،ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام فيه كمال الصفات، الصفات الكاملة،التي صار بها أكمل من غيره، وإن كنا لا نقول: إنه أفضل من غيره في جهة الموازنات، لكن هو اجتمعت فيه صفات الكمال. ولهذا الناس يأتون يوم القيامة إلى كل أولي العزم من الرسل فيمتنعون من إجابتهم، في حديث الشفاعة المعروف، ويأتون إلى محمد عليه الصلاة والسلام فيقول: أنا لها، فقد كمله الله جل وعلا بصفات لم يجعلها في غيره عليه الصلاة والسلام.

فإذن الشرف هنا شرف الصفات، ولهذا يقول أهل العلم: أشرف الأنبياء والمرسلين.وحدثني الشيخ عبد العزيز بن صالح (غير مسموع) رحمه الله تَعَالَى، وكان من مشايخنا العباد الزهاد، رحمه الله ورفع درجته في الجنة،أنه كان يقرأ على شيخه؛الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، وكان يقول هذه الكلمة: والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. فقال له أحد الإخوان: هذه ما جاءت، هذه ما جاءت، يعني كيف تقول أشرف الأنبياء والمرسلين، فما جاءت؟! فعظمت عليه، يقول: فرأيت النبي عليه الصلاة والسلام في المنام، فقال لي: أنا أشرف الأنبياء، وأشرف المرسلين. وهذه لها حكم المنامات التي هي للبشرى وإلا المعنى كما ذكرت لكم صحيح.

سؤال: هل أرسل للعرب رسول غير محمد عليه الصلاة والسلام؟
جواب: لا.
نكتفي بهذا القدر،وأسأل الله لي ولكم التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.




مـحـاضـرة جـديـدة

الشيخ: بِسْمِ اللهِ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد.

سؤال: قال: ظهرت قبل فترة أشرطة تكلمت بالتفصيل عما وقع بين الصحابة من فتن، واسم هذه السلسلة: قصص من التاريخ الإسلامي،فما رأيكم فيها؟
جواب: لم أستمع،ولكن ذكر لي من عدد من الإخوة أنها عليها ملاحظات... سقط... ذكر لي ذلك أن يوردها ونقف على الأشرطة،فإن كانت لا توافق طريقة أهل السنة فيما وقع بين الصحابة من شجار وجب منعها حينئذٍ.نعم.

(ردا على مداخلة غير مسموعة: سمعت أنت من الشيخ؟
ـ........................
ـ ذكر الأخ أن سماحة الشيخ يقول: إنا منعناها،والحمد لله، يعني هذه شيء طيب، جزاكم الله خيرا.

سؤال: هل تارك العمل بالكلية مسلم؟ تارك الأركان، وتارك غيرها من الواجبات، والمستحبات، والأعمال الظاهرة بالجوارح؟
جواب: الجواب: أن العمل عند أهل السنة والجماعة داخل في مسمى الإيمان،يعني: أن الإيمان يقع على أشياء مجتمعة؛ وهي الاعتقاد والقول والعمل، ولذلك من ترك جنس العمل فهو كافر؛ لأنه لا يصح إسلام ولا إيمانه إلا بالإتيان بالعمل.

سؤال: هل يتصور وجود مطلق الانقياد في القلب ولا يظهر له أثر على الجوارح؟
جواب: والجواب: أن هذا فرع المسألة التي قبلها؛فإن الانقياد في أصلة عقيدة واجب، وهو من عمل القلب، ولا يصح الإيمان حتى يكون الانقياد ظاهراً على الجوارح، يعني حتى يعمل.

سؤال: ما هو التوجيه الصحيح للحديث الذي في مسلم:((لم يعمل خيراً قط))؟
جواب: وردت عدة أحاديث بهذا اللفظ،فينبغي أن يحضر النص؛لأن لكل جواب.

سؤال: ما حكم تغيير الصوت عندما يقرأ متناً، ثم إذا وصل إلى آية وتلاها؟
جواب: لم تكن على هذا سنة أهل العلم.

سؤال: كيف نجمع بين أن الله ـ الخط غير واضح ـ يتربص بأعداء الأنبياء بينما جاء في الخبر أن بني إسرائيل كانت تقتل الأنبياء؟
جواب: الله جل وعلا يتولى أولياءه بنصره، وانتقامه، وإظهارهم على أعدائهم، وأعداء الأنبياء هم أشد الناس عداوة لله جل وعلا،وقد قال تعالى: {وقال الرسول يا ربِّ إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا.وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا}.

وهداية الله جل وعلا ظاهرة للنبي في نفسه ولأمته، ولبيان ضلال واعتداء من اعتدى عليهم، وكذلك نصره جل وعلا ظاهر لهم، ولكن قد يؤخر النصر كما قال جل وعلا:{حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا} فحكمة الله جل وعلا ماضية، وسنته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيما يفعل بأعدائه أيضاً ماضية، وقد يؤخر ذلك سبحانه، فهو سبحانه يمهل ولا يهمل، قد دلت على هذا الأصل آيات وأحاديث كثيرة.

سؤال: ما حكم الصلاة في مسجد فيه قبر؟ وهل تجوز الصلاة في هذه المساجد بغية الدعوة إلى الله... إلى آخره؟
جواب: الجواب: أن الصلاة في مسجد فيه قبر فيها تفصيل؛ فإن كان المسجد وجد أولا، ثم أدخل القبر في المسجد, فهنا يجب إخراج القبر من المسجد؛ لأن الحق للمسجد، والمسجد بأرضه وقف، والقبر لا يدخل في المسجد؛ لأن الحق للمسجد، ثم إذا وجد القبر المتأخر الذي أدخل في المسجد، فإن كان في قبلة المصلي فلا تجوز الصلاة إليه، ولا تجوز الصلاة حينئذ في المسجد، وأما إذا كان في ظهر المصلي، أولا يستقبله فإن الصلاة فيه جائزة، وتركها أولى؛ لأجل ألا تحدث شبهة.

وأما إذا كان القبر موجوداً أولاً، ثم بني المسجد على القبر فهذا يجب هدم المسجد، وأن يبقى القبر؛ لأن القبر له الحق، والقبور منازل الأموات ومساكنهم، فلا يعتدى عليهم فيها،كما أن اتخاذ المساجد على القبور منهي عنه بالآي والحديث، قال جل وعلا: {قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً} والذين غلبوا على أمر أصحاب الكهف هم أصحاب النفوذ والكبراء المعاندين لأهل الإيمان، أو المشركون،وليسوا بالمسلمين،فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال في وصيته قبل وفاته عليه الصلاة والسلام: ((ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛فإني أنهاكم عن ذلك)) وسببها أن أهل الكتاب كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، فنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك، ودعا بقوله: ((اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد)).

المقصود أن المسألة فيها هذا التفصيل؛فإن كان القبر وجد أولاً، ثم بني عليه المسجد وجب هدم المسجد، وإبقاء المقبرة، ثم إن الصلاة في مسجد فيه قبر، وكان المسجد متأخراً عن القبر فإن الصلاة فيه باطلة؛ لأن النهي يقتضي الفساد.

سؤال: هل يشترط في مسائل العقيدة معرفة الدليل حتى للعامي؟ وهل يسوغ التقليد في مسائل العقيدة؟
جواب: هذا بحث يطول، وإن شاء الله سبق أن تكلمنا عليه،أظن في بعض الشروح، ويأتي له بحث إِنْ شَاءَ اللَّهُ في هذا الكتاب (شرح العقيدة الطحاوية) بإذنه تعالى. نعم اقرأ.

القارئ:بسم الله الرحمن الرحيم،الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
قال العلامة الطحاوي رحمه الله تَعَالَى:
وإن محمداً عبده المصطفى،ونبيه المجتبى،ورسوله المرتضى، وإنه خاتم الأنبياء، وإمام الأتقياء،وسيد المرسلين، وحبيب رب العالمين، وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى، وهو المبعوث إلى عامة الجن، وكافة الورى بالحق والهدى وبالنور والضياء.

الشيخ:الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد..,
فأسأل الله جل وعلا أن يقر في قلبي وفي قلوبكم العلم النافع، وأن ينور به قلوبنا، وأن يجعلنا ممن إذا علم عمل،وثبت علماً وعملاً يا أرحم الراحمين.

قال الطحاوي رحمه الله تَعَالَى: "وإن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى،وإنه خاتم الأنبياء، وإمام الأتقياء، وسيد المرسلين، وحبيب رب العالمين،وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى، وهو المبعوث إلى عامة الجن، وكافة الورى،بالحق والهدى وبالنور والضياء".

تكلمنا على الجمل الأولى وهي قوله: "وإن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى" عليه الصلاة والسلام،ووقفنا عند قوله: "وإنه خاتم الأنبياء"، وهذه الجملة فيها تقرير أن محمداً عليه الصلاة والسلام به ختمت النبوة،وأنه خاتم الأنبياء، يعني الذي ختمهم، وصار خاتماً لهم،فليس بعده أحد، وهذا مجمع عليه بين طوائف هذه الأمة جميعاً، حتى الطوائف الخارجة، أو الفرق الخارجة عن الثنتين والسبعين فرقة كالجهمية، والرافضة،وأشباه هؤلاء من المتقدمين؛ فإنهم مقرون بأن بعثة محمد عليه الصلاة والسلام بها ختمت النبوة، وأنه عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء وخاتم المرسلين عليه الصلاة والسلام، فهذا إجماع، وقد ادعت طوائف خلاف هذا، ولهذا قال: دعت طوائف من المعاصرين كالقاديانية وأشباههم خلاف هذا،وبعض المتقدمين أشار إلى أن النبوة قد لا تختم، وهذا سيأتي له البحث إِنْ شَاءَ اللَّهُ فيما نعرض من مسائل،ولكن لا ينسب إلى طائفة عامة، ولكن قد يكون نسب إلى بعض الأشخاص، أو بعض الأفراد المنتسبين إلى الفلسفة، أو الغلو، أو أشباه ذلك.

فقول المؤلف رحمه الله: "إنه خاتم الأنبياء" يعني النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ، هذا كما قلنا: مجمع عليه؛لدلالة القرآن والسنة على ذلك، ولإجماع أهل العلم عليه، قال ربنا جل وعلا: {ما كان محمدٌ أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} قرأ قوله: {وخاتَم النبيين} عاصم وحده من بين القراء بفتح التاء، {وخاتَم النبيين}، وقرأ الآخرون من السبعة: {وخاتِم النبيين} وبها كان يقرأ.. وبأحد قراءات كان يقرأ الطحاوي، ولذلك اخترنا الكسر على الفتح؛ لاتباع الآي قراءة الآية على ما يقرأ به المصنف رحمه الله.

وهذا موضوع يحتاج من طلاب العلم إلى التنبه إليه، وإلى التنبيه عليه؛وهو أن كثيرين إذا نشروا كتباً، أوحققوا رسائل ضبطوا الآيات بما يقرأ به المحقق، أو يقرأ به الباحث،وهذا غلط؛ لأن حق المؤلف أن تورد الآية بحسب قراءته،فإذا عرفت قراءته التي كان يقرأ بها فإنه تورد الآية على نحو ما كان يقرأ،فإن كان يقرأ بحفص فتثبت على حفص،وإن كان يقرأ بأبي عمرو أثبتت كذلك، وإن كان يقرأ على قراءة نافع فتثبت كذلك، وهكذا،فينبغي التنبه لذلك؛ لأن بعض العلماء يورد آية ويذكر وجه الاستدلال وقد لا يذكره؛ فيقع إشكال في أن وجه الاستدلال، أو أن الدليل لا يطابق القضية التي تبحث،وذلك من جهة أن الناظر، أو المحقق، أو الناشر أورد الآية على نحو ما يقرأ هو،ولذلك يقع في إشكال.

وهذه بالمناسبة قضية كبيرة،فالذين نشروا كتباً متنوعة، أو ينشرون ينبغي لهم العناية بهذا الأمر،وأعظم منها إذا نشروا تفسيراً للقرآن؛ فإنهم قد يجعلون التفسير بقراءة ليست هي قراءة المؤلف،كما في عامة طبعات ابن كثير؛فإن ابن كثير الحافظ المفسر لم يكن يقرأ بقراءة حفص عن عاصم، وكما في غير ذلك، وكذلك في كتب السنة كتب الحديث معلوم أنها روايات، والروايات مختلفة بكتب الحديث، فالبخاري له روايات متعددة، وأبو داود له روايات،قد تكون عن أبي داود نفسه، وقد تكون عمَّن تلقى عنه باختلاف،فيأتي الناشر ويثبت نصاً للكتابِ يخالِف النَّصَ الذي شرح عليه الشارح،ولهذا كل النشرات والطبعاتِ لكتابِ فتحِ الباري...
الشيخ:... بمعنى واحد، والآية تدل على التفريق؛ لأنه قال: {ولكن رسول الله وخاتم النبيين} وفي السنة دلت أحاديث كثيرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أن بعثته بها ختمت الرسالات والنبوات، فثبت عنه عليه الصلاة والسلام في الصحيح أنه قال إنه.. من حديث ثوبان: ((إنه سيكون كذابون ثلاثون كلهم يدعي أنه نبي،أو كلهم يزعم أنه نبي،ولا نبي بعدي)).

وأيضاً دل قوله عليه الصلاة والسلام فيما في الصحيح: ((إنه لا نبي بعدي)) على ذلك، ودل أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام،فيما رواه بعض أصحاب السنن.. بل هو في مسألة ستأتي، ليس فيها لفظ الختم.المقصود أن الأدلة من السنة التي فيها ذكر ختم النبوة كثيرة متنوعة،دالة على ما دلت عليه الآية، من أن رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به ختمت النبوة، وكما ذكرنا لكم أن هذا إجماع.

إذا تبين ذلك ففي هذا البحث مسائل:

المسألة الأولى: أن قوله جل وعلا: {ولكن رسول اللهِ وخاتِم النبيين} بكسر التاء، هو فاعل من ختم،ختم الشيء يختمه، فهو خاتِم له، يعني جاء آخراً فختمه، فهو الآخر منهم، وهذا دل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: ((وأنا العاقب)) يعني: الذي لا نبي بعده، وأما قوله جل وعلا: {ولكن رسول الله وخاتَم النبيين} بالفتح، ففسره العلماء على أوجه: منها أن الخاتَم في هذا خاتَم النبيين،أنه كالطابع على مسألة النبوة،والطابع على الشيء يأتي آخر ما يأتي، فالذي يرسل الرسالة يجعل الخاتم آخر شيء، فتكون دلالة: {ولكن رسول اللهِ وخاتم النبيين} دالة على أنه هو الآخر؛ لأن الخاتم إنما يأتي آخره.

وفيه أيضاً أن الخاتَم هو زين الشيء، وما يُتزين به فهو البارز حِلية وزينة وفضلاً،وهذا الوجه ذكره الشوكاني وغيره.
فدل هذا على أن القراءتين {ولكن رسول اللهِ وخاتِم النبيين} والقراءة الأخرى: {وخاتَم النبيين} أن دلالتهما على ختم النبوة واحدة، وأن قراءة {خاتَم} تزيد على القراءة الأخرى بزيادة معنى وفضل دلالة.

المسألة الثانية: أن مسألة ختم النبوة الكلام فيها راجع إلى بعض الكلام في مسألة النبوة، والنبي والرسول التي مرت معنا؛ وذلك أن من الأفراد المنتسبين إلى الفلسفة وإلى الصوفية الغالية من قال: إن النبوة مكتسبة، وإذ تكتسب النبوة بأشياء؛ منها أشياء علمية، ومنها أشياء عملية، ومنها استعدادات ومواهب فطرية، كما قد يكونغير أن أنبياء مساوين لهم في تلقي الأوامر، وتلقي الوحي،كما يزعمون، وهذا القول لا ينسب إلى طائفة معروفة، بحيث يقال: إن الفلاسفة قالوا هذا، أو إن الصوفية قالوا هذا، بل ربما وجد عند بعض أفراد منهم.

المسألة الثالثة: أن الكلام على ختم النبوة هو الكلام نفسه على ختم الوحي؛ فإن النبوة إنما كانت بالوحي، فمن ادعى أنه يسمع كلام الله جل وعلا فقد ادعى أنه يوحى إليه، وانقطاع الوحي بموت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دال على أن الوحي لا يكون لأحد بعده عليه الصلاة والسلام، فلهذا كفَّر طائفة من المحققين من أهل السنة من ادعى أنه يوحى إليه، وأنه يسمع كلام الله جل وعلا مباشرة، أو بواسطة جبريل ونحو ذلك؛ لأن حقيقة سماع الوحي هي حقيقة النبوة، فإذن من ادعى أنه يوحى إليه فقد ادعى أنه نبي، ولو نفى النسبة عن نفسه.

المسألة الرابعة: أن ادعاء الوحي كفر كدعوى النبوَّة، وهذا باتفاق أهل السنة، فمَن ادعى أنه يوحى إليه فقد ادعى منزلة النبوة، وهذا يدخل في عدمِ التصديقِ بختْمِ النبوة، وبالكذب على رب العالمين، وهذا هو الكفر.

المسألة الأخيرة: أن ختمَ النبوَّةَ،وكون النبي عليه الصلاة والسلام خاتِم الأنبياء وخاتَمهم لا يعارض نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان؛ فإن نبوته عليه السلام كانت قبل نبوة محمد عليه الصلاة والسلام،وإذا نزلفالنبوة السابقة ملازمة له عليه السلام، ولكنه يأتي مؤمنا بمحمد عليه الصلاة والسلام،حاكماً بشريعته، قاتلاً الخنزير، كاسراً الصليب، واضعاً الجزية على النصارى واليهود، كما ثبت في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال: ((ليوشكن أن ينزل فيكم عيسى ابن مريم حكماً عدلاً، فيضع الجزية، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير)).

وإذا نزل عليه السلام جعل إمام هذه الأمة منها وصلى مأموماً عليه الصلاة والسلام، وقال في ذلك: ((إمامكم منكم تكرمة الله لهذه الأمة)). فلا ينظر إلى من ادعى بطلان تقرير ختم النبوة بنزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان؛ فإن نبوته والوحي إليه كان سابقاً لبعثة محمد عليه الصلاة والسلام، وإذا نزل في آخر الزمان فإنه ينزل حاكماً بالشريعة، حاكماً بالقرآن، مؤمناً بمحمد عليه الصلاة والسلام، ولا يوحى إليه بشيء جديد.

قال المؤلف رحمه اللَّهُ تَعَالَى بعد ذلك.. الحديث الذي ذكرته لكم وأنسيته جاء الآن، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ((مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل ابتنى داراً، فحسنها وزينها، إلا موضع لبنة منها،فجعل الناس يطوفون بهذه الدار، ويقولون: ما أحسنها،ما أجملها، لو كملت هذه اللبنة، فأنا تلك اللبنة وبي ختم النبيون)) عليه الصلاة والسلام.

قال المؤلف رحمه اللَّهُ بعدها: "وإمام الأتقياء"، وكونه عليه الصلاة والسلام إماماً يعني: أنه يُؤتم به، والأتقياء هم صفوة هذه الأمة، وفي قوله هذا إبطال لقول من قال: إن من الأتقياء من قد يخرج عن الائتمام بمُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،كقول بعض غلاة الصوفية من أهل الزندقة، الذين رأى بعضهم أنه يسعه الخروج على شريعة محمد علية الصلاة والسلام، كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام، فكل تقي جاء بعده عليه الصلاة والسلام فلا يكون تقيا إلا بالائتمام بحمد عليه الصلاة والسلام.
وهذا الائتمام يكون بالاتباع، كما قال جل وعلا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}،وقال جل وعلا: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}. والأتقياء جمع تقي، والتقي هو من حصَّل التقوى، والتقوى في الْقُرْآنِ جاءت على ثلاث مراتب:

المرتبة الأولى: أن يتقي العذاب المؤبد بتحقيق التوحيد، بالإتيان بالتوحيد، وبنبذ الشرك وتركه، يعني بالإسلام، وهذه هي التي جاءت في مثل قوله الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} فخوطب الناس جميعاً بالتقوى، يعني: باتقاء العذاب المخلد بالإيمان بتوحيد الله جل وعلا،وبترك الشرك والبراءة منه، ومن أهله.

المرتبة الثانية من مراتب المتقين: أن المتقي هو الذي يفعل الواجب ممتثلاً، ويترك المحرم ممتثلاً، وهذه هي مرتبة المقتصدين، الذين جاء فيهم قول الله جل وعلا: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} من ترك المحرم امتثالاً، وأتى بالواجب امتثالاً، فهو من المتقين؛ لأنه اتقى العذاب، والعذاب يكون بترك الواجب، أو بفعل المحرم.

المرتبة الثالثة: أن يتقي الله جل وعلا بترك صغائر الذنوب، وبترك ما به بأس، وبترك ما لا بأس به؛ حذراً مما به بأس، وهذه هي تقوى الله حق تقاته، كما قال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} يعني: خافوه واحذروه حق الخوف والحذر، وهذه المرتبة إنما هي للسابقين بالخيرات، الذين يتركون المكروهات، ويسعون في كل المستحبات.

قال بعدها رحمه الله: "وسيد المرسلين"، قوله: "وسيد المرسلين" معناه: أنه عليه الصلاة والسلام هو المقدم في المرسلين، وهو أفضلهم؛ لأن السيادة فرع الفضل بكمال الصفات المحمودة في السيد. وسيد المرسلين من السيادة كما ذكرنا، والسيادة معناها يجمع أموراً، ومنها أن يكون أمره نافذاً، وأن يكون المرجع هو، وهذا إذا قيل في محمد عليه الصلاة والسلام وسيد المرسلين بهذا المعنى يعني: أنه هو المرجع، فالبنظر إلى شيئين:

فالأول: قوله عليه الصلاة والسلام: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر)) وولد آدم داخل فيهم المرسلون.

والثاني: أن رجوع الأمر إليه بالنسبة إلى الأنبياء يكون في عرَصَات القيامة؛ حيث يذهب الناس إلى آدم، ثم إلى نوح... إلى آخره، ثم يأتون محمداً عليه الصلاة والسلام يطلبون منه تعجيل الحساب، فيقول: ((أنا لها، أنا لها))، فيخر تحت العرش، فيحمد الله... إلى آخر الحديث.

وهنا في معنى السيادة كما ذكرنا، في معنى السيادة التفضيل، ولهذا بحث الشارح ههنا ابن أبي العز مسألة التفضيل بين الأنبياء في هذا الموضع؛ لأن من فروع السيادة،أو من أسباب السيادة الفضل، وكون النبي عليه الصلاة والسلام سيد المرسلين حق كما ذكرنا للدليل، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر)).


إذا تبين ذلك ففي المسألة مسائل:

الأولى: أن التفضيلَ بين الأنبياءِ جاءَ به النصُ، كما قال جل وعلا: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} والرسلُ كثيرون، وأفضلهم أولوا العزم من الرسل، وهم خمسة؛ نوح، ثم إبراهيم، يعني في الزمان، نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد عليه الصلاة والسلام، وقد جاء ذكرهم في سورتي الأحزاب والشورى، وهؤلاء الخمسة أفضلهم محمد عليه الصلاة والسلام، فقد فُضِّل إبراهيم بالخلة {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا} والله جل وعلا جعل محمدا عليه الصلاة والسلام خليلاً له، ففضل إبراهيم جاء لمحمد عليه الصلاة والسلام، وفُضِّل موسى بالتكليم، ومحمد عليه الصلاة والسلام أيضاً مكلم، كما في حديث المعراج.

المسألة الثانية: أن الفضل والتفاضل والتخيير بين الأنبياء له حالتان: حالة عامة،وحالة خاصة، فالحالة العامة يجوز فيها ذلك، بمعنى أن يقال: محمد عليه الصلاة والسلام أفضل المرسلين، سيد المرسلين، أشرف الأنبياء والمرسلين، وأما في مقابلة نبي بشخصه، في مقابلة نبي بذاته فلا، فهذا يكون خصوصا، فلا يجري التفضيل على وجه الاختيار.

ولهذا جاء في السنة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((لا تخيروني على موسى؛ فإن الناس يُصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يُفيق، فإذا موسى آخذ، أو قال: باطش،بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أأفاق قبلي، أم جوزي بصعقة الطور)) فقوله عليه الصلاة والسلام هنا:((لا تخيروني على موسى))، وفي رواية:((لا تفضلوني على موسى)) دل على عدم جواز التفضيل الخاص.

المسألة الثالثة: أن هذا البحث، وهو بحث التفضيل بين الأنبياء جاءت فيه أحاديث، منها هذا الحديث:((لا تفضلوني على موسى))، ((لا تخيروني على موسى)) ومنها حديث عام:((لا تخيروا بين الأنبياء)) ومنها حديث خاص بيونس عليه السلام وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خيرٌ من يونس بن متى))، وفي رواية قال: ((من قال: أن خيرٌ من يونس بن متى فقد كذب)) وهذا اختلفت فيه أنظار العلماء في الجمع بين هذه الأحاديث والتفضيل، وما جاء في الْقُرْآنِ من قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}وأحسن الأجوبة على ذلك أن يقال:

أولا: أن قوله: ((لا تخيروني على موسى)) هذا قاله لسبب قصة وردت؛ وهو أن اليهودي والمسلم اختلفا، فافتخر اليهودي على المسلم بموسى، والمسلم ردَّ على اليهودي ولطمه، فإذن يكون النهي إذا كان التفضيل الخاص جاء على جهة العصبية، والحمية، والفخر، ولهذا جاء في الحديث: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر)) فدل على أن التفضيل إذا كان مورده الفخر والعصبية فإنه يمنع منه.

الثاني: أن جهات الفضل متنوعة، والتفضيل من جهة الجنس، جنس الفضائل، سائغ، ومن جهة كل فضيلة، فضيلة بحسبها، متعذر، ولهذا يقال: إن تفضيل محمد عليه الصلاة والسلام على غيره من جهة مجموع الفضائل، ولا ينص على أنه أفضل من غيره من الرسل في كل فضيلةٍ عند جميع الرسل، يعني: من حيث النظر العام.

الجواب الثالث: أن يقال: إن التفضيل بين الأنبياء لا حاجة إليه؛ لأن الأنبياء والرسل رسالتهم واحدة، والله جل وعلا وصف المؤمنين بأنهم آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحدٍ من رسله، والرسل وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: ((الأنبياء إخوة لعلات، الدين واحد والشرائع شتى)) وتولي الرسل جميعا فرض، ومحبتهم جميعا فرض، فإذن الدخول في التفضيل دخول في ما لا طائل تحته، فالواجب أن يبقى في ذلك على النص، وهو ما ذكرناه أولا من التفضيل العام دون التفضيل الخاص.

أما قوله عليه الصلاة والسلام: ((من قال: أنا خير من يونس بن متى فقد كذب))، فهذا لأجل أن بعض الناس قد يظن أن يونس عليه السلام فعل ما يلام عليه، وأنه عوقب بأن كان في بطن البحر وفي بطن الحوت، ثم قال: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}،فقال: إن هذه الكلمة ربما تكون لمن فعل شيئاً يلام عليه وعوقب، فقال: إن يونس بن متى قالها؛ لأنه فعل ما فعل.

وهذا في الحقيقة غلط؛ لأنه لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى، كما قال عليه الصلاة والسلام، فيترك الدعاء بهذا الدعاء العظيم: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} فهذا قد دعا به آدم عليه السلام، ودعا به موسى عليه السلام،ودعا به غيرهما من الأنبياء والمرسلين، فإذن هذا الدعاء وحال يونس بن متى ليس فيها نقص في حقه عليه السلام أعني يونس بن متى عليه السلام.

فإذن لا ينبغي أن يقال: إن فلاناً أفضل من يونس من جهة الاستحباب، لا ينبغي أن يقال ذلك، يعني لا ينبغي أن يقال: إن محمداً أفضل من يونس بن متى على جهة الاستحباب، والدليل دل على عدم الجواز في من يقوله لنفسه، فلا يجوز لأحد أن يقول: أنا خيرٌ من يونس بن متى، والنبي عليه الصلاة والسلام ترك ذلك، وهو أكمل الخلق عليه السلام.

هذا بحث ربما لم تظهر حاجته، لكن بحثَه العلماء في هذا الموضع؛ لأن هناك ممن يعتقد الكمال في الولاية، مَن يظن أن حالته أرفع من حالة يونس بن متى عليه السلام.

قال رحمه الله بعد ذلك: "وحبيب رب العالمين"، "وحبيب رب العالمين"، فوصف النبي عليه الصلاة والسلام بأنه حبيب رب العالمين، والمحبة،محبة رب العالمين،محبة الله جل وعلا لنبيه عليه الصلاة والسلام هذه متحققة، وإنما نُظر في مسألة الخلَّة، والمحبة لفظ عام، يدخل تحته مراتب في اللغةِ، وأعلى مراتب المحبة الخُلَّة، فالتعبير بحبيب رب العالمين عند المصنف مال إليه لأجل ما ورد في بعض الأحاديث، أن إبراهيم عليه السلام خليل الله، ومحمد حبيب رب العالمين.

والجواب: أن الاقتصار على مرتبةِ المحبَّةِ العامة للنبي عليه الصلاة والسلامفإن هذا قصور؛ لأنه عليه الصلاةُ والسلام هو حبيب رب العالمين، وهو خليل رب العالمين أيضاً، فإبراهيم عليه السلام خليل الرحمن، كما قال جل وعلا: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا}،و كذلك محمد عليه الصلاة والسلام خليل الله كما ثبت ذلك في السنة، قال عليه الصلاة والسلام: ((لو كنت متخذاً أحداً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن صاحبكم خليل الرحمنِ، أو قال: خليل الله))، فدل هذا مع أحاديث أخر في الباب على أن المحبة ثابتة للنبي عليه الصلاة والسلام، وفوقها مرتبة الخلة ثابتة له عليه الصلاة والسلام.

إذا تبين ذلك ففي هذه الجملة مسائل:

المسألة الأولى: أن المحبة بمراتبها التي تضاف إلى رب العالمين جل وعلا إنما هي ما ورد، وبعض الناس غلوا في ذلك، فوصفوا الله جل وعلا بكل مراتب المحبة، وهذا باطل وغلو، وبعضهم جفا كالجهمية والمعتزلة، ومن نحا نحوهم، فنفوا المحبة بمعناها الظاهر، وما يكون من مراتبها، فنفوا حقيقة محبة الله لعبده، ونفوا حقيقة اتخاذ الله جل وعلا لعبده خليلاً، وأولوا ذلك كما سيأتي في مواضعه في بيان أصولهم في الصفات. وأهل السنة والجماعة بين هاتين الطائفتين، فلم يغلوا في المحبة، يعني في محبة الله لعبده، ولم يكونوا من الجفاة في ذلك، بل سلكوا الأصل الذي أصلوه، وهو أن هذه المسائل تبع لما ورد في النصوص، فمن المراتب،مراتب المحبة التي جاءت في النصوص، وتثبت لله جل وعلا ـ الإرادة، الإرادة الخاصة التي هي بمعنى المحبة، والمحبة بلفظها، والمودة، والخلة،وما ثبت من غير ما ذكرت، هذه (اللي) أذكرها الأربعة: إرادة ،محبة، المودة، الخلة.

المسألة الثانية: أن من ألفاظ المحبة،التي هي من مراتبها، لفظ العشق. وهذا اللفظ استعمله طائفة من أرباب السلوك فيما بين العبد وبين ربه، فقالوا: إن الله يُعشق ويَعشق، وقالوا: إنني، يعني المتكلم الذي تكلم،أعشق الله جل وعلا.
ولفظ العشق هو من مراتب المحبة كما هو معلوم، ولكنه يُمنع في إطلاقه من العبد على ربه، ومن الرب للعبد، وذلك لأمور:

الأول: أن لفظ العشق لم يرد في النصوص، لا في الكتاب ولا في السنة، لا من جهة العبد لربه، ولا من جهة الرب لعبده، فيمتنع إطلاق هذا اللفظ واستعماله في المحبة؛ لأجل الاتباع.

الثاني: وهو تعليل لفظي أيضاً، أن لفظ العشق إنما تستعمله العرب فيما إذا كان لصاحبه شهوة في المعشوق، ومعلوم أن الشهوة إنما تكون لمن ينكِح أو ينكَح، يعني للرجل أو المرأة، فإذن استعمال اللفظ في حق الله جل وعلا ممتنع لفظاً؛ لأنه لا يستعمل هذا اللفظ إلا في ذلك المعنى.

الثالث في رد لفظ العشق واستعماله: من جهة المعنى؛ وهو أن العشق فيه من جهة العبد، أو في إطلاقه على من وصف به، فيه تعلق بالإرادة وبالإدراك، فلا عشق يحصل إلا وهو مؤثر في الإرادة بإضعافها، ومؤثر في الإدراك بحصول خلل فيه، ولهذا أجمع أهل اللغةِ في أن معاني العشق لابد أن يكونَ في آثارها ما هو نوع اعتداء، إما على النفس وإما على الغيرِ، اعتداء على النفس بإضعاف الإدراك، أو بإضعاف الإرادة، واعتداء على الغير بأنه لو أشعره بذلك لصار عنده، فتعاشق، فصار عنده ضعف في الإدراك، وضعف في الإرادة. والله جل وعلا لا يجوز أن يقال في محبته: إنها تنتج ضعفاً في الإرادة، أو ضعفاً في الإدراك، بل محبة الله جل وعلا تبلغ بالعبد، يعني: محبة العبد لربه، تبلغ بالعبد كمال الإرادة المطلوبة المحمودة، وكمال الإدراك المطلوب المحمود، يعني في الإيمان.

ولهذا امتنع أن يوصف الله جل وعلا بأنه يعشق عبده، أو أن العبد يعشق ربه.
قال رحمه الله بعدها: "وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى"، وهذا فيه تقرير أن كل دعوى للنبوة بعده عليه الصلاة والسلام فهي ضلال وكذب، كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث ثوبان: ((وإنه سيكون بعدي كذابون ثلاثون،كلهم يزعم أنه نبي، وإنه لا نبيبعدي)).

فكل دعوى للنبوة كذب، ولا شك؛ للإجماع المنعقد على ختم النبوة بمحمد عليه الصلاة والسلام كما ذكرت لك من قبل.
قوله: "وهوى"، يعني أنها ناشئة عن الهوى، وليس ثم شبهة فيها، يعني: من ادعى النبوة فلا شبهة له، وإنما هي هوى مجرد، فلن ينزل عليه وحي، ولن يكون معه معجزات، معجزات نبوة من عند الله، وإنما هي هوى، وقد يسخر الشياطين لنفسه، فتعينه ببعض الخوارق، إلى آخر ما ذكرنا في البحث السابق في الدرس الماضي.

والدعوى النبوة بعده عليه الصلاة والسلام غيٌ وهوى يعني: وكفر، والذي يدعي أنه نبي، أو أنه يوحى إليه،أو أنه رسول فإنه كافر يجب قتله، وهل يستتاب فتقبل توبته إن تاب؟

هذا مبني على خلاف العلماء في قبول توبة الزنديق، والذي يرجح في هذا أنه لا تقبل توبته ظاهراً، فإن كان صادقاً في الباطن، فإن الله جل وعلا يقبل توبته، لكن ظاهراً لا تقبل توبته، بل يجب قتله، وهذا هو الراجح، وهو الصحيح، فيقتل لِما ادعاه من النبوة، ولو قال: إني تبت ظاهراً؛ وذلك لأنه قد يدعي ثان وثالثٌ ورابع وخامس، كلٌ يدعي النبوة والرسالة، ثم يقول: تبت، فيكون في ذلك خلل في الأمة.
فإذن الزنديق الذي يظهر الكفر، يسب الله جل وعلا،أو يسب رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو يدعي النبوة، أو أشباه هذه الأشياء، أو يدعي الوحي ـ فهذا يُقتل على كل حال، ولا تقبل توبته.


  #6  
قديم 5 ربيع الأول 1430هـ/1-03-2009م, 09:53 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية للشيخ: يوسف بن محمد الغفيص (مفرغ)

أرسل الله سبحانه الرسل مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس حجة بعد الرسل، وأيدهم بالمعجزات، بياناً لصدقهم، وجعل خاتمهم محمداً صلى الله عليه وسلم، وفضله عليهم.

مسائل النبوة وشهادة أن محمداً رسول الله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى، وإنه خاتم الأنبياء وإمام الأتقياء، وسيد المرسلين، وحبيب رب العالمين، وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى، وهو المبعوث إلى عامة الجن وكافة الورى، بالحق والهدى، وبالنور والضياء] .
بعد أن ذكر المصنف توحيد الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته وألوهيته وربوبيته عطف على ذكر التوحيد هذه المسألة، فقال: (وإن محمداً عبده المصطفى...إلخ). فقوله: (وإن محمداً) عطف على قوله: (إن الله واحد لا شريك له)، ومسألة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كما هو مستقر عند جماعة المسلمين من أخص أصول الإيمان بالله، وهي الركن الثاني في الإيمان بالله والاستسلام له، ولهذا لما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الإسلام كما في الصحيحين من حديث ابن عمر قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله..) وقال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله..) كما في المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، إلى غير ذلك. ......

الخلاف فيمن نطق إحدى الشهادتين دون الأخرى
تنازع العلماء فيما لو قال عبد: أشهد أن لا إله إلا الله، هل تلتحق به أحكام الإسلام؟ أم أن أحكام الإسلام مقيدةٌ بذكره للشهادتين معاً؟ والخلاف هنا ليس لفظياً، وهذه مسألة تكلم فيها المتأخرون وحصل الغلط فيها، والصواب في هذه المسألة: أن الحكم هنا له ظاهر وباطن، فأما من جهة الأحكام الباطنة، التي بين العبد وبين ربه سبحانه وتعالى، فمن قال: لا إله إلا الله على مقصد الدخول في دين الإسلام، فإن هذا في الباطن يكون مسلماً، فلو أدركه الموت أو قتل ولم يقل: وأشهد أن محمداً رسول الله، فلا شك أنه في الباطن يكون قد مات على الإسلام؛ لأن تأخيره لذكر شهادة أن محمداً رسول الله؛ لم يكن عن تفريط. وأما من جهة الأحكام الدنيوية، فهذا محل نزاع بين الفقهاء، والصحيح من أقوالهم: أن من قال ذلك ولم يدرك الثانية لمانع فإن أحكام الإسلام تتعلق بالأولى، وهذا هو الذي دل عليه ما ثبت في الصحيحين من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه، قال: (لما حضر أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده أبو جهل و عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله) . ودل عليه ما ثبت في الصحيحين أيضاً من حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه أنه قال: ((يا رسول الله، أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، فقال: لا إله إلا الله، أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقتله، فقال: يا رسول الله، إنه قد قطع يدي، ثم قال ذلك بعد أن قطعها، فقال عليه الصلاة والسلام: لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال)) . وكذلك ما جاء في حديث أسامة بن زيد لما قتل رجلاً وقد قال: لا إله إلا الله في المعركة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((فكيف تصنع بـ(لا إله إلا الله) إذا جاءت يوم القيامة)) .

قول الفلاسفة في النبوة
لقد أجمع أهل القبلة على أن النبوة اصطفاء من الله سبحانه وتعالى يصطفي به عبداً من عباده، ولم يقل بكون النبوة مكتسبة إلا الفلاسفة الملاحدة، كما قرر ذلك ابن سينا وأمثاله من الفلاسفة، ويجعلون لها ثلاث قوى: قوة التعبير، وقوة التصوير، وقوة التخييل، وهذا قول لا أصل له في دين المسلمين.

الخلاف بين أهل السنة والمتكلمين في دليل النبوة
وإنما المسألة التي تكلم أهل السنة فيها كثيراً وخالف فيها طوائف من المتكلمين، هي مسألة دليل النبوة؛ فإن جماهير طوائف المتكلمين يقولون: إن دليل النبوة هو المعجزة، ويفسرونها بما هو خارق للعادة على جهة التحدي، وقولهم هذا غلط من جهتين:
الأولى: أنهم قصروا دليل النبوة على المعجزة.
الثانية: أنهم فسروا معجزات الأنبياء بالخوارق التي تقع على جهة التحدي.
والذي اتفق عليه السلف رحمهم الله أن النبوة لا يختص دليلها بالمعجزات، بل تثبت النبوة بالمعجزة التي تذكر في القرآن وتسمى (آية)، وتثبت بغير ذلك، وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من الأنبياء نبي إلا وأوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحى الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة) . والدليل على فساد قول المتكلمين: أن الجماهير من المسلمين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يبلغهم عند إيمانهم معجزة له، وإنما آمنوا بما بعث به من الحق، وقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما لما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل كتاباً يدعوه فيه إلى الإسلام، قال ابن عباس : (حدثني أبو سفيان من فيه إلى فيَّ، قال: انطلقت بالمدة التي كانت بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام)، وفيه أن هرقل قال: (هل هنا أحد -أي: بالشام- من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟
قال أبو سفيان : فدعيت في نفر من قريش، فأجلسني بين يديه، وأجلس أصحابي خلفي،
وقال لترجمانه: قل لهم: إني سائل هذا -يعني: أبا سفيان - عن الرجل الذي يزعم فيكم أنه نبي، فإن صدقني فصدقوه، وإن كذبني فكذبوه،
فكان في أسئلة هرقل : هل كان من أبيه ملك؟
فقال أبو سفيان : لا.
فقال هرقل : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟
فقال أبو سفيان : لا.
فقال هرقل : هل قال هذا القول أحد قبله؟
فقال أبو سفيان : لا.
قال هرقل : من يتبعه؛ أشراف الناس أم ضعفاؤهم؟
قال أبو سفيان : بل ضعفاؤهم.
قال هرقل : يزيدون أم ينقصون؟
قال أبو سفيان : بل يزيدون.
قال هرقل : أيرتد أحدهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له؟
قال أبو سفيان : لا.
قال هرقل : هل يغدر؟
فقال أبو سفيان : لا يغدر، ونحن منه في مدة -أي: في صلح- لا ندري ما هو صانع فيها.
ثم قال أبو سفيان : فوالله ما أمكنني أن أدخل كلمة إلا هذه -أي: تشكيكاً بالدعوة-.
ثم قال: بم يأمركم؟ قال أبو سفيان : يأمرنا بالصلاة، والصدقة، والصلة، والعفاف) . فهذه الأسئلة ليس فيها سؤال عن المعجزات،
وبعدها قال هرقل : (إن يكن ما تقوله فيه حقاً فإنه نبي، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظنه منكم، ولو أني أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه) . ثم بيّن هرقل معنى هذه السؤالات،
فقال: (سألتك: هل كان من آبائه ملك؟ فلو كان من آبائه ملك، لقلت: رجلٌ يطلب ملك آبائه،
وسألتك: هل قال هذا القول أحد قبله؟ فلو قاله أحدٌ قبله فيكم، لقلت: رجلٌ ائتم بقول قيل قبله..) إلى غير ذلك. فالمقصود: أن هرقل عرف نبوة النبي صلى الله عليه وسلم بدلائل ليس منها المعجزات، مما يدل على أن دليل النبوة ليس مقصوراً على المعجزة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه الوفود وتأتيه الأعراب، وآمن به من آمن من عبدة الأوثان، ومن اليهود والنصارى، مع أن جمهور من آمن به لم ينظروا معجزة وقت إيمانهم، وإنما صدقوه بما يقوله من الحق، ولهذا فإن أعظم ما بُعث به النبي صلى الله عليه وسلم وأخص دلائل النبوة هو القرآن. والقرآن من حيث الحقائق والنظم، فإن الله سبحانه وتعالى تحدى العرب أن يأتوا بمثل هذا القرآن.


إثبات كرامات الأولياء وحقيقة السحر
الوجه الثاني في المسألة: أن جماهير المتكلمين لما قصروا دليل النبوة على المعجزة، نفى طوائف منهم كرامات الأولياء، وكذا حقيقة السحر، لأنهم فسروا المعجزة بأنها الخارق للعادة على جهة التحدي، قالوا: ولو أثبتنا كرامات الأولياء، وخوارق السحرة والكهان، لكان هذا يمكن أن يكون مماثلاً لدليل النبوة. ولا شك أن كرامات الأولياء ثابتة بإجماع أهل السنة والجماعة، وقد ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه في قصة الفتية أهل الكهف؛ حيث آتاهم الله تلك الكرامة المذكورة في سورة الكهف، وقد ثبتت الكرامة لغير واحد من الأمة، وعلى هذا أجمع السلف. وكذلك ما يقع من خوارق الكهان والسحرة والعرافين والرمالين، فإن هذا ثابت، ولا يقال: إنه يختلط مع دليل النبوة، فإن ثمة فرقاً بين المقامين، من جهة القائم به، ومن جهة الفعل نفسه. ......


الفرق بين آيات الأنبياء وكرامات الأولياء وخوارق المشعوذين
الفرق الأول: أما من جهة القائم به، فإن دليل النبوة إذا كان معجزةً فإن الذي يذكره نبي، وفرق بين النبي والولي، فضلاً عن الكاهن أو الساحر أو العراف، ولهذا قالت خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم لما أتاه الوحي: (أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق) . ومن المعلوم قطعاً أن الولي لا يمكن أن يختلط بالنبي، إذ من شرط الولاية أن لا يكذب بالدعوى، فمن ادعى النبوة فإنه يعلم أنه ليس بولي، بل هو من أعظم الكفار كفراً، وأما الكهان والعرافون والسحرة والرمالون، فإن أحوالهم التي تكتنفهم من الشر والفجور والفسوق والعصيان، تكفي دليلاً على أنهم ليسوا بأنبياء ولا صادقين فيما يدعون، وإن اتصفوا بأحوال هي في نظر الناس تعد من الخوارق. والفرق الثاني: من جهة الفعل الخارق نفسه، ومن أخص دلائل هذا الفرق ما ذكره الله سبحانه وتعالى في قصة موسى وسحرة فرعون، فإن الله أمر موسى أن يلقي عصاه، قال: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ} [القصص:31] والسحرة ألقوا حبالهم وعصيهم، حتى أن الله سبحانه وتعالى قال: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه:66] ففي نظر الناس تحركت هذه العصي والحبال، وتحركت عصا موسى، ولكن بين الحقيقتين فرق بيِّن، فإن عصا موسى قد انقلبت حيةً على الحقيقة، وهذه قدرة الله سبحانه وتعالى، بخلاف حبال السحرة وعصيهم، فإنها في نفس الأمر لم تزل حبالاً ولم تزل عصياً. وقد قرر شيخ الإسلام رحمه الله أن كرامات الأولياء ليست كخوارق السحرة والكهنة والعرافين، وإذا كان بين كرامات الأولياء وخوارق السحرة والكهنة والعرافين فرق، فمن باب أولى الفرق بين معجزة النبي وخوارق السحرة. ولهذا فإن الخوارق التي يدعيها الكهان والعرافون والرمالون لا بد أن يصاحبها الكفر؛ فإنها نوع خضوع لشياطين الجن، ومعلوم أن الجن لهم من الاقتدار على الأشياء ما ليس لبني آدم، فيتحركون حركة هي في نظر الجن حركة معتادة، وتكون في نظر الإنس حركة خارقة، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} [النمل:39] ، وقال الله عنهم: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سبأ:13] ، وهذا بخلاف الخارق الذي يقع للولي، فإنه نعمة من الله، ليس تحريكاً من جهة الجن، فضلاً عما يقع لنبي أو رسول.


حكم السحر
ولقد اتفق السلف رحمهم الله على أن السحر كفر؛ لقوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة:102] ، فإن الساحر إنما كفر لأنه خضع لغير الله بالطاعة والاستسلام والانقياد، وهكذا كفر بإجماع المسلمين، والذي تكلم به بعض أصحاب الإمام الشافعي ونسبوه قولاً له من التفصيل في مسألة السحر، هو خلاف لفظي؛ فإنه منذ زمن متقدم ترجمت العلوم، ومنها علوم الكيمياء والسيمياء ونحوها، وهذا يحدث نوعاً من الحركة الغير معتادة بفعل تركيب ومزج بعض المواد ونحو ذلك، وليس من تأثير الجن، فصار بعض الفقهاء يقولون: لا بد من معرفة صفة السحر، فإن كان مرتبطاً بالجن فهو كفر، لأنه يكون خضوعاً، وإن كان نوع حركة كخفة اليد مثلاً أو وضع بعض المواد على بعض فيتحول إلى مادة أخرى أو نحو ذلك، فهذا لا يعدونه كفراً وهو كذلك، لأنه ليس سحراً، وإن كان ينهى عنه سداً للذريعة وزجراً لهؤلاء حتى لا يفتتن الناس. وهذا التفصيل ليس مختصاً ببعض فقهاء الشافعية، بل بالإجماع أن مثل هذا لا يسمى كفراً، وكأن الغلط هو في تسميته سحراً.


الفرق بين النبي والرسول
قول المصنف رحمه الله: (وإن محمداً عبده المصطفى) أي: عبد الله، ولفظ العبودية هنا لفظ تشريف كقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:1] وقوله تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن:19] . وقوله: (ونبيه المجتبى) أي: أن الله اجتبى نبيه، (ورسوله المرتضى) أي: أن الله سبحانه وتعالى رضيه رسولاً له ورضي عنه، والمصنف ذكر نبوته ورسالته، وهو عليه الصلاة والسلام يسمى نبياً ويسمى رسولاً بالإجماع، وهذا يقود إلى ذكر مسألة الفرق بين النبي والرسول، وهي مسألة تكلم فيها المتأخرون كثيراً، وذكر بعضهم أقوالاً يُعلم أنها من الغلط. والشائع في كلام أكثر الشراح أن النبي من أُوحي إليه بشرع ولم يُؤمر بتبليغه، والرسول من أوحي إليه بشرع وأُمر بتبليغه، وهذا ليس عليه دليل. فإن الله سبحانه وتعالى قد أخذ الميثاق على أولي العلم الذين لم يأتهم وحي أن يبينوه للناس، فكيف بمن أوحى الله إليه وحياً، فلا معنى لهذا القول، وقد نُسب هذا القول إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولكنه ليس كذلك، بل الصحيح الذي قرره شيخ الإسلام رحمه الله: أن النبي هو من أوحي إليه اتباع وتجديد شريعة نبي قبله، فهذا التكليف هو النبوة، ويكون الرسول على هذا التعريف هو: من بُعث إلى قوم بأصل التوحيد، وأما من كان المقصود من بعثته إما نسخ الشريعة السابقة، أو التثبيت لها، أو التجديد في بعض مسائلها مع كون القوم الذين بعث فيهم على أصل التوحيد، فإنه يُسمى نبياً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: ((كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي)) . وقد قال بعض العلماء: إنه ليس من شرط الرسول على هذا الوجه أن يختص بشريعة، بل قد يبعث بأصل التوحيد، ويكون موافقاً لشريعة رسولٍ قبله، وهذا تحصيل محتمل، والله أعلم به. ومثلوا لذلك بيوسف عليه الصلاة والسلام؛ فإن الله قال: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ الله مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا} [غافر:34] فظاهر السياق أنه رسول، وكان على ملة إبراهيم، أي: على شريعته. وهذا تحصيل محتمل، لأن قوله: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي} [يوسف:38]، الظاهر أن المقصود به التوحيد. ......


ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم
وقوله: (وإنه خاتم الأنبياء)؛ هذا صريح في الكتاب والسنة، قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ الله وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40] ، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنياناً فأحسنه وأجمله إلا لبنة، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: ما أحسن هذا البنيان، قال: فأنا خاتم النبيين وأنا موضع هذه اللبنة)). وقد تواتر عنه صلى الله عليه وسلم أنه خاتم النبيين، وهذا محل إجماع بين المسلمين، فكل من ادعى النبوة بعده فإنه يكون كافراً، سواء ادعى أنه نبي على الاختصاص، أي: أتى بشريعة جديدة، أو ادعى أنه نبي يوحى إليه فيما اختلف الناس فيه من أمر شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعليه: فدعوى بعض الطوائف الغالية الوحي، أو بعض مقامات الوحي لبعض الناس، كالقول بعصمة أئمة الشيعة، وأن صاحب هذا المقام لا يمكن أن يخطئ إذا تكلم في شرع الله؛ لا شك أنه كفر بإجماع المسلمين. ......


تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء
وقوله: (وإمام الأتقياء، وسيد المرسلين، وحبيب رب العالمين): لا شك أن النبي عليه الصلاة والسلام أفضل بني آدم، كما ثبت عنه في الصحيح أنه قال: ((أنا سيد الناس يوم القيامة)) ، وقال: ((أنا سيد ولد آدم)) ، فلا شك أنه أفضل رسل الله وأنبيائه، وتفضيله صلى الله عليه وسلم مجمع عليه. وقد جاءت بعض النصوص مشكلة على هذه المسألة كقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تفضلوا بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى آخذ بساق العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور)) ، وغيره من الأحاديث التي ظاهرها معارضة ما تقدم من تفضيله صلى الله عليه وسلم على غيره من الأنبياء. فهذا الحديث وما في معناه ينبغي الوقوف على معانيها والمقصود منها، فيقال: هو في هذا المقام المختص حين يصعق الناس يوم القيامة أول من يفيق، لكن هل موسى عليه الصلاة والسلام يفيق قبله، أم يكون موسى ممن استثنى الله؟ الجواب: الله أعلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حدث بالحديث قال: (فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله) ، فيجب في هذه المسألة الوقوف، ويحمل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تفضلوا بين الأنبياء) على ما إذا كان التفضيل على جهة التعدي، أو استلزم التفضيل التنقيص أو الإسقاط لحق نبي من الأنبياء. ويدل لهذا مناسبة الحديث كما في الصحيح: (أن أحد اليهود قال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فلطمه أحد الصحابة وقال: أتقول هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟! فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال: لا تفضلوا بين الأنبياء). وليس معنى الحديث منع المسلم أن يعتقد أن محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل من غيره وأن موسى عليه السلام أفضل من كثير من الأنبياء، فإن الله قد قال في القرآن: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة:253] وقال: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} [الإسراء:55]، ولكن من أصول أهل السنة، أنه لا يستطال على أحد من خلق الله لا بحق ولا بغير حق، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو يذكر مذهب أهل السنة والجماعة في آخر الرسالة الواسطية قال: (ويرون ترك الاستطالة بحق أو بغير حق). أما الاستطالة بغير حق: فكالاستطالة بمحض الظلم والكذب أو الخطأ أو الغلط، وهذا بين. وأما الاستطالة بحق: فأن يكون الأصل الذي انطلق منه حقاً ولكنه زاد فيه، ومن أخوف ما يخاف على هذه الأمة، أن يتخذ العلم بغياً، وهو من أخلاق أهل الكتاب التي لما دخلت وشاعت فيهم، أفسدت ملتهم وجعلتهم شيعاً وأحزاباً. وهذا مع الأسف يقع كثيراً في الناس اليوم وقبل اليوم، فيستطال على بعض الأعيان، أو بعض الطوائف بما هو من العلم، ولهذا وقع أول الافتراق في هذه الأمة لما استطال الخوارج بالحق، أي: أنهم استدلوا بالقرآن، وقالوا: لا حكم إلا لله، كان من فقه الإمام علي رضي الله عنه أن قال: (كلمة حق أريد بها باطل). فينبغي لطالب العلم أن يفقه هذه المسألة وأن يعرف أدب أهل السنة، فإن العلم إنما بُعث هدىً ورحمة، ولم يكن العلم الذي أوحاه الله إلى أنبيائه ورسله ليتخذ بغياً واستطالة، فإن طلب العلو في الأرض غاية فرعون وأمثاله الذين ذمهم الله في كتابه. ولهذا لما ذكر الله سبحانه وتعالى العلو المناسب للمؤمنين جعله مطلقاً، فقال: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} [آل عمران:139] ، ولما ذكر فرعون قال: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ} [القصص:4] فالعلو المناسب للمؤمن هو العلو الإيماني، الذي يقوم على العدل والرحمة، ولهذا لما ذكر الله سبحانه الخضر قال: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف:65] ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (الرسل بعثوا بالعلم والرحمة، فالرحمة بلا علم جهل، والعلم بلا رحمة ظلم وبغي)، وموجب الخطأ في بني آدم إما الجهل وإما الظلم، قال الله تعالى: {وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72] . ......


ثبوت الخلة والمحبة للنبي صلى الله عليه وسلم
قوله: (وحبيب رب العالمين): لو أن المصنف رحمه الله قال: (وخليل رب العالمين) لكان أجود، لما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً)) ، وإن كان اللفظ لا إشكال فيه، وإنما الكلام في الأولى. قوله: (وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى)، أقول: بل هي كفر مجمع عليه كما تقدم. ......


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
وأن, قوله

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:43 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir