دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الأيمان

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #5  
قديم 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م, 11:11 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

كِتَابُ الأَيْمَانِ

............................................
قوله: «الأَيمان» جمع يمين، وهو القسم والحلف.
تعريفه: هو تأكيد الشيء بذكر مُعَظَّمٍ بصيغة مخصوصة.
ووجه كونه تأكيداً: أن هذا الحالف كأنه يقول: بمقدار ما في نفسي من تعظيم هذا المحلوف به، أنا أؤكد لك هذا الشيء.
وقولنا: «بصيغة مخصوصة»، أي: لا بكل صيغة، فلو قلت مثلاً: الله أكبر قدم زيدٌ، فقد قرنته بذكر معظم، لكن ليست بصيغة القسم، فلا يكون قسماً.
واعلم أن اليمين ينقسم إلى خمسة أقسام، فقد يكون واجباً، وقد يكون مستحباً، وقد يكون مكروهاً، وقد يكون محرماً، وقد يكون مباحاً، والأصل فيه أن تركه أولى.
وحروف القسم خمسة، والمشهور منها ثلاثة: الواو، والباء، والتاء، والأم هي الباء؛ ولهذا تدخل على المقسم به مقرونة بالفعل، أو ما ينوب منابه، ومفردة، وتدخل على المقسم به ظاهراً ومضمراً، وتدخل كذلك على جميع الأسماء.
فتقول مثلاً: أقسم بالله على كذا وكذا، فهذه ذكرت مع فعل القسم، ودخلت على اسم ظاهر، وتقول: بالله لأفعلن كذا، فهذه ذكرت مع حذف فعل القسم، ودخلت على اسم ظاهر، وتقول: أحلف به الله ربي، فدخلت على اسم مضمر مع وجود فعل القسم، وتقول: به الله لأفعلن كذا، فدخلت على اسم مضمر مع حذف فعل القسم، فهي إذاً أوسع أدوات القسم، وتدخل على كل محلوف به، سواء كان اسم «الله»، أو «العزيز»، أو «الرحمن»، أو صفة من صفاته تعالى، أو أي شيء.
الثاني: «الواو» أكثر استعمالاً من الباء، ولكنها لا تقترن مع فعل القسم، ولا تدخل إلا على اسم ظاهر فقط، وتدخل على كل اسم مما يحلف به، فتقول: والله لأفعلن، والرحمن لأفعلن، لكن لا يأتي معها فعل القسم، فلا تقول: حلفت والله لأفعلن، ولا تدخل على الضمير، فهي إذاً أضيق من الباء من جهتين: أنه لا يذكر معها فعل القسم، وأنها لا تدخل إلا على الاسم الظاهر ولا تدخل على الضمير.
الثالث: «التاء» لا تدخل إلا على لفظ الجلالة فقط، ولا تدخل على غيره عند الفقهاء، وقال ابن مالك:
واخصُصْ بمُذْ ومُنْذُ وقتاً وبِرُبْ
مُنكَّراً والتَّاءُ لله وَرَبْ
فجعلها تدخل على لفظ الجلالة «الله»، وعلى الرب.
قال الله تعالى: {{وَتاللَّهِ لأََكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ}} [الأنبياء: 57] ، ولا تقترن بفعل القسم، ولا تدخل على الضمير، ولا على بقية الأسماء، إذاً هي أضيق حروف القسم لأنها لا يقترن بها فعل القسم ولا يحلف بها إلا باسم «الله» أو «رب»؛ فلو قلت: «تالرحمن» لم يكن قسماً؛ لأنها لا تدخل على الرحمن، فهي صيغة غير صحيحة.
الرابع: «الهاء» الممدودة فإنه يقسم بها أحياناً، مثل: لاه اللهِ لأفعلن، لاه الله لا أفعل كذا وكذا.
الخامس: «الهمزة الممدودة» مثل آللهِ لأفعلن، والهاء والهمزة الممدودة لا تدخلان إلا على اسم الجلالة فقط.
وأما حكم اليمين: فهل ينبغي للإنسان كلما ذكر شيئاً حلف عليه، أو ينبغي أن لا يكثر اليمين؟
نقول: الأصل أنه لا ينبغي إكثار اليمين؛ لقول الله تعالى: {{وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ}} [المائدة: 89] . قال بعض العلماء في تفسيرها: أي: لا تكثروا الأيمان، ولا شك أن هذا أولى، وأسلم للإنسان، وأبرأ لذمته، ولكن مع ذلك قد تكون اليمين محرمة، أو واجبة، أو مستحبة أو مكروهة.
فتكون واجبة إذا كان المقصود بها إثبات الحق، فإنه يجب عليك أن تقسم إذا كان يتوقف إثبات الحق على اليمين؛ لذلك أمر الله تعالى نبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن يقسم في ثلاثة أمور:
أن يقسم على أن البعث حق، وعلى أن القرآن حق، وعلى أن الساعة ستأتي.
قال الله تبارك وتعالى: {{وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ}} [يونس: 53] .
وقال تعالى: {{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ}} [سبأ: 3] .
وقال تعالى: {{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ}} [التغابن: 7] ، فإذا كان يتوقف إثبات الحق وطمأنينة المخاطَب على اليمين، فاليمين واجبة.
وكذلك تجب اليمين في دعوى عند الحاكم ليُدفع بها الظلم، مثل لو ادعى رجل على مال يتيم دعوى باطلة، وتوجه اليمين على الولي، فهنا تجب اليمين دفعاً للظلم الذي يحصل على مال هذا اليتيم.
وتكون اليمين محرمة إذا كانت على فعل محرم، أو ترك واجب، مثل لو قال رجل: والله لا أصلي مع الجماعة، ومثل لو قال: والله ليشربن الخمر.
وتكون مستحبة إذا توقف عليها فعل مستحب.
وكذلك تكون مكروهة إذا توقف عليها فعل مكروه، والأصل كما قلنا أولاً: إنه لا ينبغي للإنسان أن يحلف إلا لسبب يدعوه لذلك.

وَاليَمِينُ الَّتِي تَجِبُ بِهَا الكَفَّارَةُ إِذَا حَنِثَ هِيَ اليَمِينُ بِاللهِ، أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، أَوْ بِالقُرْآنِ، أَوْ بِالمُصْحَفِ، وَالحَلِفُ بِغَيْرِ اللهِ مُحَرَّمٌ، وَلاَ تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ،...........
قوله: «واليمين التي تجب بها الكفارة إذا حنث هي اليمين بالله» كلمة «كفارة» مأخوذة من الكَفْر، وهو الستر، وهي تدل على أن هناك ذنباً يحتاج إلى تكفير، وهذا الذنب هو انتهاك حرمة المقسم به بالحنث؛ لأنك إذا قلت: والله لا أفعل كذا، فمعناه بحق حرمة هذا المحلوف به وتعظيمه لا أفعل هذا الشيء، فإذا فعلته ففيه انتهاك، ولهذا سماها الله تعالى كفارة، لكن من رحمة الله تعالى بعباده أن رخص لهم في الحنث من باب التخفيف، وإلا فإن الأصل وجوب البرِّ باليمين.
ولهذا قال: «إذا حنث» ، الحنث: الإثم، كما قال تعالى: {{وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ }} [الواقعة:46] .
ومعنى حنث، أي: فعل ما حلف على تركه، أو ترك ما حلف على فعله، كأن يقول رجل: والله لا أزور فلاناً، ثم زاره فإن هذا يسمى حنثاً؛ لأنه فعل ما حلف على تركه، أو قال: والله لأزورن فلاناً اليوم، فغابت الشمس ولم يزره، فإنه يحنث؛ لأنه ترك ما حلف على فعله.
وقوله: «واليمين التي تجب بها الكفارة إذا حنث هي اليمين بالله» أي: بهذا اللفظ، ويحتمل أن يكون المراد بأي اسم من أسمائه، وهذا أحسن؛ لأنه أشمل وأعم.
مثال ذلك: والله لأفعلن، والرحمن لأفعلن، وربِ العالمين لأفعلن، والخلاقِ العليمِ لأفعلن، والمنانِ لأفعلن، فكلها أيمان؛ لأنني حلفت باسم من أسماء الله عزّ وجل.
قوله: «أو صفة من صفاته» سواء أكانت هذه الصفة خبرية، أم ذاتيةً معنوية، أم فعلية، مثل أقسم بوجه الله لأفعلن، فيصح؛ لأن الوجه صفة من صفات الله عزّ وجل.
ولو قال: أقسم بعظمة الله لأفعلن يصح.
ولو قال: أقسم بمجيء الله للفصل بين عباده لأعدلن في القضاء بينكما، فيصح؛ لأنه قسم بصفة فعلية لله ـ عزّ وجل ـ.
وينبغي أن يكون القسم باسم مناسب للمقسم عليه، ولهذا تجد في الإقسامات الموجودة في القرآن بين المقسم به والمقسم عليه ارتباطاً من حيث المعنى، ومن أراد الاستزادة من ذلك فعليه مراجعة كتاب ابن القيم ـ رحمه الله ـ: «التبيان في أقسام القرآن».
قوله: «أو بالقرآن» الحلف بالقرآن تنعقد به اليمين؛ وذلك لأن القرآن كلام الله، وكلام الله ـ تعالى ـ صفة من صفاته.
ونص المؤلف ـ رحمه الله ـ على القرآن؛ لأن القرآن عند الجهمية والأشاعرة مخلوق من المخلوقات، فالأشاعرة قالوا كلاماً لا يقبله العقل، حيث قالوا: كلام الله هو المعنى القائم بنفسه، وما يُسمع فهو حروف وأصوات مخلوقة، خلقها الله ـ عزّ وجل ـ لتعبر عما في نفسه، فعلى زعمهم يكون القرآن مخلوقاً، وهذا هو السر في أنَّ المؤلف ـ رحمه الله ـ نصَّ على القرآن، وإلا فقد يقول قائل: لا حاجة للنص عليه؛ لأنه من صفات الله، ولكن نقول: لأن بعض أهل البدع يقولون بأن القرآن مخلوق، أما نحن فنقول: القرآن كلام الله غير مخلوق.
قوله: «أو بالمصحف» المصحف عبارة عن أوراق وحبر، لكن الحالف بالمصحف لا يقصد هذه الأوراق، لكن يقصد الكلام الذي في المصحف، وعليه فإذا قال قائل: إذاً يجب أن يقيد «أو بالمصحف» ناوياً ما فيه.
فالجواب: لا حاجة إلى هذا القيد؛ لأنه هو المتبادر، فالحالف بالمصحف لا يقصد الأوراق، والكتابة، وإنما يقصد ما تضمنته هذه الأوراق، وهو كلام الله عزّ وجل.
مسألة: هل يجوز القسم بآيات الله؟
الجواب: فيه تفصيل، فإن أراد بالآيات الآيات الكونية، مثل الشمس، والقمر، والليل، والنهار، والإنسان، حرم القسم بها؛ لأنها مخلوقة، وإن أراد بآيات الله الآيات الشرعية التي هي وحيه المنزَّل على رسوله، فهي كلام الله تعالى، والحلف بها جائز؛ لأنها من صفاته، فماذا يريد العامة بقولهم: «قسماً بآيات الله»؟ الظاهر لي ـ والله أعلم ـ أنهم يريدون الآيات الشرعية ـ أي: القرآن ـ وعلى هذا تكون اليمين منعقدة.
قوله: «والحلف بغير الله محرم» «غير» مضافة إلى الله، فيشمل كل من عدا الله عزّ وجل، حتى وإن كان ملكاً مقرباً أو نبياً مرسلاً، ولهذا نقول: الحلف برسول الله صلّى الله عليه وسلّم حرام بلا شك، وكذلك الحلف بجبريل، وميكائيل، وإسرافيل؛ لأنه حلف بغير الله، والدليل قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت» [(105)]. واللام في قوله: «ليصمت» لام الأمر، والأمر للوجوب، أي: ليصمت عن الحلف، وفي حديث آخر: «لا تحلفوا بآبائكم» [(106)].
فإن قلت: الحلف بغير الله شرك، والشرك ينبغي أن يعبّر به المؤلف، لأنه أعظم وقعاً في النفوس من كلمة «محرم» .
فالجواب: المؤلف ـ رحمه الله ـ يؤلف في الفقه، وليس في التوحيد والعقائد التي يقال فيها: هذا شرك، وهذا توحيد، وإنما يؤلف فيما يجوز وما لا يجوز، أما نوع هذا المحرم، فالمؤلف لا يريد أن يتكلم فيه؛ لأن محلّه كتب العقائد، ولكن نقول نحن تكميلاً للفائدة: الحلف بغير الله شرك، والشرك أعظم من الكبيرة، ولهذا قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: «لئن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً»[(107)]، قال شيخ الإسلام رحمه الله: لأن سيئة الشرك وإن صغرت أعظم من سيئة المعصية وإن كبرت.
قوله: «ولا تجب به كفارة» لأنه يمين غير شرعي، وما ليس بشرعي لا يترتب عليه أثره، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» [(108)]، وكل ما خالف الشرع فإنه لا أثر له.
فإن قلت: الحلف بغير الله محرم وشرك، ولكن فَعَلَهُ أتقى الناس لله، وهو محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإنه جاء إليه أعرابي وسأله عن شعائر الإسلام فأخبره، ثم قال الرجل: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أفلح وأَبِيهِ إن صدق» [(109)]، فكيف نقول: إن الحلف بغير الله محرم أو شرك، والشرك ممتنع على الأنبياء؛ لأنه ينافي دعوتهم تماماً؛ لأنهم يدعون إلى التوحيد، والشرك ينافيه ولو كان صغيراً؛ لأنه إذا كان كبيراً فهو ينافي أصله، وإن كان صغيراً فهو ينافي كماله، فكيف يحلف الرسول صلّى الله عليه وسلّم بغير الله في قوله: «أفلح وأبيه»؟
الجواب: للعلماء على هذا عدة أجوبة:
الأول: أن في هذا الحديث تصحيفاً، وأن أصله: «أفلح والله»، لكن لما كانوا في الأول لا ينقِّطون، فإن «أبيه» مثل «الله» فيها نبرتان والهاء، لكن قصرت النبرتان وحذف الإعجام فصارت «وأبيه»، وهذا غير صحيح؛ لأن الأصل عدم التصحيف، ولأن هذا يفتح علينا باباً خطيراً بالنسبة للرواة، إذ كل شيء لا تقبله نفوسنا نقول: هذا مصحَّف.
الثاني: أن هذا قبل النهي عن الحلف بالآباء، وأن هذا كان في الأول كثيراً شائعاً، والناس قد ألِفُوه، فتأخر النهي عنه، كما تأخر النهي عن الخمر، فإنها لم تحرم إلا في السنة السادسة من الهجرة، وكذلك الحجاب ما وجب إلا في السنة السادسة من الهجرة؛ لأن الشيء المألوف يصعب على النفس أن تدعه في أول الأمر، فقالوا: إن الشرع تركهم على هذا الشيء؛ لأنه مألوف عندهم، ولما استقر الإيمان في نفوسهم نهى عنه، ويكون قسم الرسول صلّى الله عليه وسلّم «بأبيه» قبل النهي، وحينئذٍ نقول: هو منسوخ.
ولكن النسخ من شروطه العلم بالتاريخ، ومجرد التعليل ليس حكماً بالتقدم أو التأخر، فهذا لا يكفي بل لا بد أن نعلم التأخر، وعلى هذا فالقول بالنسخ ـ أيضاً ـ ضعيف.
الثالث: أن هذا مما يجري على اللسان بغير قصد، فيكون من لغو اليمين، وقد قال الله تعالى: {{لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ}} [المائدة: 89] ، ولو فرضنا أن الناس اعتادوا على هذا فإننا نتركهم، وعليه فالذين اعتادوا أن يحلفوا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم لا ننهاهم، لأن هذا يجري على ألسنتهم، وقد جاءني رجل يريد أن يستفتيني فقال: والنبي تفتيني في هذه المسألة، فقلت له: الحلف بالنبي صلّى الله عليه وسلّم حرام، فسكت الرجل وقال: والنبي ما عمري أعود إلى هذا الشيء! فهذا القول غير وجيه، ولا يستقيم مع قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحلفوا بآبائكم» [(110)]؛ لأنه صلّى الله عليه وسلّم نهى عن هذا بالذات، وما كان منهياً عنه بذاته، كيف نقول: إنه صلّى الله عليه وسلّم أقره، وأنه يبقى حكمه إلى الآن؟! هذا لا يمكن.
الرابع: أن النهي عن الحلف بغير الله خوفاً من أن يقع في قلب الحالف من تعظيم هذا المحلوف به، كما يكون في قلبه من تعظيم الله، وهذا بالنسبة للنبي صلّى الله عليه وسلّم ممتنع، فلا يمكن أن يقوم في قلبه تعظيم أبي هذا الأعرابي كتعظيم الله، وعلى هذا الوجه يكون هذا خاصاً بالنبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لعلمنا أن المحذور من الحلف بغير الله لا يتصور في حقه، وعلى هذا يكون الحلف بالأب ونحوه على من سوى النبي صلّى الله عليه وسلّم ممنوعاً، أما في حقه صلّى الله عليه وسلّم فهو جائز.
لكن هذا يضعفه أنه صلّى الله عليه وسلّم أسوة أمته، ولا يمكن أن يحلف بغير الله وهو يعلم أن الأمة سوف تتأسَّى به، لكن قد يقال: إن الأمة قد أخبرها بالحكم بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحلفوا بآبائكم».
وهذا الوجه الرابع ينطبق تماماً على ما ذهب إليه الشوكاني وجماعة من العلماء من أن الفعل من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يعارض القول مطلقاً.
فالأقرب من هذه الأوجه أن يكون منسوخاً، وهذا في النفس منه شيء؛ لأننا لم نعلم تاريخه، أو أنه خاص برسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وعلى كل حال نقول: لدينا نص مشتبه ونص محكم، فالنص المشتبه هو حلفه صلّى الله عليه وسلّم بأبي هذا الرجل، والنص المحكم هو نهيه صلّى الله عليه وسلّم عن الحلف بالآباء، والقاعدة الشرعية في طريق الراسخين في العلم أن يحملوا المتشابه على المحكم؛ ليكون الشيء كله محكماً، فما دام هذا الشيء فيه احتمالات، فإن لدينا نصاً محكماً لا يمكن أن نحيد عنه وهو النهي عن الحلف بالآباء. ويصلح أن يجاب بأن هذا على حذف مضاف والتقدير: ورب أبيه ولكن هذا ضعيف لأن الأصل عدم الإضافة والحذف.
الخامس: أن هذه اللفظة «وأبيه» شاذة، وغير محفوظة، فإذا صح هذا فقد كفينا، ولا حاجة لهذه الأجوبة، وإذا صحت فهذه أجوبتها


[105] أخرجه البخاري في الشهادات/ باب كيف يستحلف؟ (2679)، ومسلم في النذر/ باب النهي عن الحلف بغير الله (1646) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ.
[106] أخرجه البخاري في الأيمان والنذور/ باب لا تحلفوا بآبائكم (6648)، ومسلم في النذر/ باب النهي عن الحلف بغير الله (1646) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ.
[107] أخرجه عبد الرزاق (8/469)، وابن أبي شيبة (3/79)، والطبراني في الكبير (9/183).
[108] سبق تخريجه ص(67).
[109] أخرجه مسلم في الأيمان/ باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام (11) (9) عن طلحة بن عبيد الله ـ رضي الله عنه ـ.
[110] سبق تخريجه ص(121).

 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأيمان, كتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:23 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir