دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الطلاق

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 محرم 1430هـ/18-01-2009م, 09:37 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الطلاق الشرعي والطلاق البدعي


وعن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، أنَّهُ طَلَّقَ امرأتَهُ وهيَ حائضٌ في عَهْدِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسَأَلَ عُمَرُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنْ ذلكَ، فقالَ: ((مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ)). مُتَّفَقٌ عليهِ.
وفي رِوَايَةٍ لمُسْلِمٍ: ((مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا)).
وفي روايَةٍ أُخرى للبخاريِّ: ((وَحُسِبَتْ عَلَيْهِ تَطْلِيقَةً)).
وفي روايَةٍ لمُسْلِمٍ: قالَ ابنُ عُمرَ: أَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتَهَا وَاحِدَةً أو اثنَتَيْنِ؛ فإنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي أنْ أُرْجِعَها ثُمَّ أُمْهِلَها حتَّى تَحيضَ حَيْضَةً أُخرى، وأَمَّا أنتَ طَلَّقْتَها ثَلاثًا، فقدْ عَصَيْتَ رَبَّكَ فيما أَمَرَكَ رَبُّكَ مِنْ طَلاقِ امْرَأَتِكَ.
وفي روايَةٍ أُخرى: قالَ عبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ: فَرَدَّهَا عَلَيَّ ولمْ يَرَهَا شَيْئًا، وقالَ: ((إِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ)).

  #2  
قديم 22 محرم 1430هـ/18-01-2009م, 02:13 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


2/1008 - وَعَن ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: ((مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لْيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: ((مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لْيُطَلِّقْهَا طَاهِراً أَوْ حَامِلاً)).
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلْبُخَارِيِّ: ((وَحُسِبَتْ تَطْلِيقَةً)).
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتَهَا وَاحِدَةً أَو اثْنَتَيْنِ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي أَنْ أُرَاجِعَهَا ثُمَّ أُمْسِكَهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ أُمْهِلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ أُطَلِّقَهَا قَبْلَ أَنْ أَمَسَّهَا، وَأَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتَهَا ثَلاثاً؛ فَقَدْ عَصَيْتَ رَبَّكَ فِيمَا أَمَرَكَ بِهِ مِنْ طَلاقِ امْرَأَتِكَ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَرَدَّهَا عَلَيَّ، وَلَمْ يَرَهَا شَيْئاً، وقَالَ: ((إِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ)).
(وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ. مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ).
فِي قَوْلِهِ: ((مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا)) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الآمِرَ لابْنِ عُمَرَ بِالْمُرَاجَعَةِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّ عُمَرَ مَأْمُورٌ بِالتَّبْلِيغِ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى ابْنِهِ بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْمُرَاجَعَةِ، فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ}؛ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَأْمُرَنَا بِإِقَامَةِ الصَّلاةِ، فَنَحْنُ مَأْمُورُونَ مِن اللَّهِ تَعَالَى، وَابْنُ عُمَرَ كَذَلِكَ مَأْمُورٌ مِن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلا يُتَوَهَّمُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ بَابِ مَسْأَلَةِ: هَل الأَمْرُ بِالأَمْرِ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ، وَإِنَّمَا تِلْكَ الْمَسْأَلَةُ مِثْلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ لِسَبْعٍ)) الْحَدِيثَ، لا مِثْلُ هَذِهِ، وَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُرَاجَعَةِ، فَهَل الأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَتَجِبُ الرَّجْعَةُ أَمْ لا؟ ذَهَبَ إلَى الأَوَّلِ مَالِكٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَصَحَّحَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِن الْحَنَفِيَّةِ وُجُوبَهَا، وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ، وَدَلِيلُهُم الأَمْرُ بِهَا، قَالُوا: فَإِذَا امْتَنَعَ الرَّجُلُ مِنْهَا أَدَّبَهُ الْحَاكِمُ؛ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الامْتِنَاعِ ارْتَجَعَ الْحَاكِمُ عَنْهُ.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ فَقَطْ، قَالُوا: لأَنَّ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ لا يَجِبُ، فَاسْتِدَامَتُهُ كَذَلِكَ، فَكَانَ الْقِيَاسُ قَرِينَةً عَلَى أَنَّ الأَمْرَ لِلنَّدْبِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلاقَ لَمَّا كَانَ مُحَرَّماً فِي الْحَيْضِ كَانَ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ فِيهِ وَاجِبَةً.
وقَوْلُهُ: ((حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ)) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يُطَلِّقُ إلاَّ فِي الطُّهْرِ الثَّانِي دُونَ الأَوَّلِ.
وَقَدْ ذَهَبَ إلَى تَحْرِيمِ الطَّلاقِ فِيهِ مَالِكٌ، وَهُوَ الأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ الانْتِظَارَ إلَى الطُّهْرِ الثَّانِي مَنْدُوبٌ، وَكَذَا عَنْ أَحْمَدَ؛ مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ: (وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ)؛ أيْ: عَن ابْنِ عُمَرَ.
(مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لْيُطَلِّقْهَا طَاهِراً أَوْ حَامِلاًفَأَطْلَقَ الطُّهْرَ؛ وَلأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا كَانَ لأَجْلِ الْحَيْضِ، فَإِذَا زَالَ زَالَ مُوجِبُ التَّحْرِيمِ، فَجَازَ طَلاقُهَا فِي هَذَا الطُّهْرِ كَمَا جَازَ فِي الَّذِي بَعْدَهُ، وَكَمَا يَجُوزُ فِي الطُّهْرِ الَّذِي لَمْ يَتَقَدَّمْهُ طَلاقٌ فِي حَيْضَتِه، وَلا يَخْفَى قُرْبُ مَا قَالُوهُ.
وَفِي قَوْلِهِ: ((قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ)) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا طَلَّقَ فِي الطُّهْرِ بَعْدَ الْمَسِّ فَإِنَّهُ طَلاقٌ بِدْعِيٌّ مُحَرَّمٌ، وَبِهِ صَرَّحَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: إنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ فِيهِ، كَمَا إذَا طَلَّقَ وَهِيَ حَائِضٌ.
وَفِي قَوْلِهِ: ((ثُمَّ تَطْهُرَ )) وَقَوْلِهِ: ((طَاهِراً))، خِلافٌ لِلْفُقَهَاءِ: هَل الْمُرَادُ بِهِ انْقِطَاعُ الدَّمِ أَوْ لا بُدَّ مِن الْغُسْلِ؟ فَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ، الرَّاجِحُ أَنَّهُ لا بُدَّ مِن اعْتِبَارِ الْغُسْلِ؛ لِمَا مَرَّ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: ((فَإِذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا الأُخْرَى فَلا يَمَسَّهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُمْسِكَهَا أَمْسَكَهَا))، وَهُوَ مُفَسِّرٌ لِقَوْلِهِ: ((طَاهِراً))، وَقَوْلِهِ: ((ثُمَّ تَطْهُرَ)).
وَقَوْلُهُ: ((فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ))؛ أي: أَذِنَ فِي قَوْلِهِ: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}.
وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَقَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} الآيَةَ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الأَقْرَاءَ الأَطْهَارُ لِلأَمْرِ بِطَلاقِهَا فِي الطُّهْرِ، وَقَوْلُهُ: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}؛ أيْ: وَقْتَ ابْتِدَاءِ عِدَّتِهِنَّ، وَفِي قَوْلِهِ: ((أَوْ حَامِلاً)) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ طَلاقَ الْحَامِلِ سُنِّيٌّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ.
وَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ الطَّلاقَ الْبِدْعِيَّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مُحَرَّمٌ؛ فَقَد اخْتُلِفَ فِيهِ: هَلْ يَقَعُ وَيُعْتَدُّ بِهِ أَمْ لا يَقَعُ؟ فَقَالَ الْجُمْهُورُ: يَقَعُ؛ مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
(وَفِي أُخْرَى)؛ أيْ: فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، (لِلْبُخَارِيِّ: وَحُسِبَتْ تَطْلِيقَةً): وَهُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ مِن الْحِسَابِ.
وَالْمُرَادُ: جَعْلُهَا وَاحِدَةً مِن الثَّلاثِ التَّطْلِيقَاتِ الَّتِي يَمْلِكُهَا الزَّوْجُ، ولَكِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْفَاعِلِ هُنَا، فَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُ ابْنَ عُمَرَ فَلا حُجَّةَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ الْحُجَّةُ، إلاَّ أَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِالْفَاعِلِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي مُسْنَدِ ابْنِ وَهْبٍ بِلَفْظِ: وَزَادَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ فِي الْحَدِيثِ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( وَهِيَ وَاحِدَةٌ)).
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَابْنِ إِسْحَاقَ جَمِيعاً عَنْ نَافِعٍ، عَن ابْنِ عُمَرَ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((هِيَ وَاحِدَةٌ))، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْحَاسِبَ لَهَا هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طُرُقٍ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضاً.
(وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ)؛ أيْ: لَمَّا سَأَلَهُ سَائِلٌ: (أَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتَهَا وَاحِدَةً أَو اثْنَتَيْنِ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي أَنْ أُرَاجِعَهَا، ثُمَّ أُمْسِكَهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى)؛ أيْ: الحديثَ، (وَأَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتَهَا ثَلاثاً؛ فَقَدْ عَصَيْتَ رَبَّكَ فِيمَا أَمَرَكَ بِهِ مِنْ طَلاقِ امْرَأَتِكَ) دَالٌّ عَلَى تَحْرِيمِ الطَّلاقِ فِي الْحَيْضِ.
وَقَدْ يَدُلُّ قَوْلُهُ: أَمَرَنِي أَنْ أُرَاجِعَهَا، عَلَى وُقُوعِ الطَّلاقِ؛ إذ الرَّجْعَةُ فَرْعُ الْوُقُوعِ، وَفِيهِ بَحْثٌ.
وَخَالَفَهُ فِيهِ طَاوُسٌ وَالْخَوَارِجُ وَالرَّوَافِضُ، وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَن الْبَاقِرِ وَالصَّادِقِ وَالنَّاصِرِ، قَالُوا: لا يَقَعُ شَيْءٌ. وَنَصَرَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ حَزْمٍ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَابْنُ الْقَيِّمِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ: (وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى)؛ أيْ: لِمُسْلِمِ عَن ابْنِ عُمَرَ، (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَرَدَّهَا عَلَيَّ، وَلَمْ يَرَهَا شَيْئاً، وَقَالَ: إِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ)، وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: فَرَدَّهَا عَلَيَّ، وَلَمْ يَرَهَا شَيْئاً. وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ.
إلاَّ أَنَّهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي قَوْلِهِ: وَلَمْ يَرَهَا شَيْئاً، مُنْكِرٌ لَمْ يَقُلْهُ غَيْرُ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيمَا خَالَفَهُ فِيهِ مِثْلُهُ، فَكَيْفَ بِمَنْ هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ؟! وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَعْنَاهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ: وَلَمْ يَرَهَا شَيْئاً مُسْتَقِيماً؛ لِكَوْنِهَا لَمْ تَقَعْ عَلَى السُّنَّةِ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ: لَمْ يَرْوِ أَبُو الزُّبَيْرِ حَدِيثاً أَنْكَرَ مِنْ هَذَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَاها: لَمْ يَرَهَا شَيْئاً تَحْرُمُ مَعَهُ الْمُرَاجَعَةُ، أَوْ لَمْ يَرَهَا شَيْئاً جَائِزاً فِي السُّنَّةِ، مَاضِياً فِي الاخْتِيَارِ، وَإِنْ كَانَ لازِماً لَهُ.
وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَن الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَ رِوَايَةَ أَبِي الزُّبَيْرِ فَقَالَ: نَافِعٌ أَثْبَتُ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ.
وَالأَثْبَتُ مِن الْحَدِيثَيْنِ أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ إذَا تَخَالَفَا.
وَقَدْ وَافَقَ نَافِعاً غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ التَّثَبُّتِ.
قَالُوا: وَحُمِلَ قَوْلُهُ: وَلَمْ يَرَهَا شَيْئاً، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعُدَّهَا شَيْئاً صَوَاباً غَيْرَ خَطَأٍ، بَلْ يُؤْمَرُ صَاحِبُهُ أَلاَّ يُقِيمَ عَلَيْهِ؛ لأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْمُرَاجَعَةِ، وَلَوْ كَانَ طَلَّقَهَا طَاهِراً لَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ، فَهُوَ كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ إذَا أَخْطَأَ فِي فِعْلِهِ أَوْ أَخْطَأَ فِي جَوَابِهِ: إنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ شَيْئاً؛ أيْ: لَمْ يَصْنَعْ شَيْئاً صَوَاباً.
وَقَدْ أَطَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ في الهَدْيِ الْكَلامَ عَلَى نُصْرَةِ عَدَمِ الْوُقُوعِ، وَلَكِنْ بَعْدَ ثُبُوتِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَبَهَا تَطْلِيقَةً تَطِيحُ كُلُّ عِبَارَةٍ، وَيَضِيعُ كُلُّ صَنِيعٍ.
وَقَدْ كُنَّا نُفْتِي بِعَدَمِ الْوُقُوعِ، وَكَتَبْنَا فِيهِ رِسَالَةً، وَتَوَقَّفْنَا مُدَّةً، ثُمَّ رَأَيْنَا وُقُوعَهُ.
تَنْبِيهٌ: ثُمَّ إنَّهُ قَوِيٌّ عِنْدِي مَا كُنْتُ أُفْتِي بِهِ أَوَّلاً مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ؛ لأَدِلَّةٍ قَوِيَّةٍ سُقْتُهَا فِي رِسَالَةٍ سَمَّيْنَاهَا: "الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ فِي عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلاقِ الْبِدْعِيِّ"، وَمِن الأَدِلَّةِ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ، ومُسَمَّى النِّسْبَةِ إلَى الْبِدْعَةِ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَالضَّلالَةُ لا تَدْخُلُ فِي نُفُوذِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَلا يَقَعُ بِهَا، بَلْ هِيَ بَاطِلَةٌ، وَلأَنَّ الرُّوَاةَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُسْنَدَ المَرْفُوعَ فِي هذا الْحَدِيثِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَبَ تِلْكَ التَّطْلِيقَةَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وَلا قَالَ لَهُ قَدْ وَقَعَتْ، وَلا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعاً، بَلْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ وُقُوعَهَا إنَّمَا هُوَ رَأْيٌ لابْنِ عُمَر، وَأَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: " وَمَالِي لا أَعْتَدُّ بِهَا، وَإِنْ كُنْتُ قَدْ عَجَزْتُ، وَاسْتَحْمَقْتُ ".
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا يَعْلَمُ فِي ذَلِكَ نَصًّا نَبَوِيًّا؛ لأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ لَمْ يَتْرُكْ رِوَايَتَهُ وَيَتَعَلَّقْ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ الْعَلِيلَةِ؛ فَإِنَّ الْعَجْزَ وَالْحُمْقَ لا مَدْخَلَ لَهُمَا فِي صِحَّةِ الطَّلاقِ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ نَصٌّ نَبَوِيٌّ لَقَالَ: وَمَالِي لا أَعْتَدُّ بِهَا، وَقَدْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَعْتَدَّ بِهَا؟!
وَقَدْ صَرَّحَ الإِمَامُ الْكَبِيرُ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْوَزِيرُ بِأَنَّهُ قَد اتَّفَقَ الرُّوَاةُ عَلَى عَدَمِ رَفْعِ الْوُقُوعِ فِي الرِّوَايَةِ إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ سَاقَ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ سِتَّ عَشْرَةَ حُجَّةً عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلاقِ الْبِدْعِيِّ، وَلَخَّصْنَاهَا فِي رِسَالَتِنَا الْمَذْكُورَةِ، وَبَعْدَ هَذَا تَعْرِفُ رُجُوعَنَا عَمَّا هُنَا، فَلْيُلْحَقْ هَذَا فِي نُسَخِ سُبُلِ السَّلامِ.
وَأَمَّا الاسْتِدْلالُ عَلَى الْوُقُوعِ بِقَوْلِهِ: ((فَلْيُرَاجِعْهَا))، وَلا رَجْعَةَ إلاَّ بَعْدَ طَلاقٍ، فَهُوَ غَيْرُ نَاهِضٍ؛ لأَنَّ الرَّجْعَةَ الْمُقَيَّدَةَ بِبَعْدِ الطَّلاقِ عُرْفٌ شَرْعِيٌّ مُتَأَخِّرٌ؛ إذْ هِيَ لُغَةٌ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ.
وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى تَحْرِيمِ الطَّلاقِ فِي الْحَيْضِ، وَبِأَنَّ الرَّجْعَةَ يَسْتَقِلُّ بِهَا الزَّوْجُ مِنْ دُونِ رِضَا الْمَرْأَةِ وَالْوَلِيِّ؛ لأَنَّهُ جُعِلَ ذَلِكَ إلَيْهِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ}، وَبِأَنَّ الْحَامِلَ لا تَحِيضُ؛ لِقَوْلِهِ: ((طَاهِراً أَوْ حَامِلاً))، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لا تَحِيضُ لإِطْلاقِ الطَّلاقِ فِيهِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ حَيْضَ الْحَامِلِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ فِي تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ لَمْ يُعْتَبَرْ؛ لأَنَّ عِدَّتَهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَأَنَّ الأَقْرَاءَ فِي الْعِدَّةِ هيَ الأَطْهَارُ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ تَحْرِيمِ طَلاقِ الْحَائِضِ طَلاقُ الْمُخَالَعَةِ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَفْصِلْ حَالَ امْرَأَةِ ثَابِتٍ هَلْ هِيَ طَاهِرَةٌ أَوْ حَائِضٌ مَعَ أَمْرِهِ لَهُ بِالطَّلاقِ. وَالشَّافِعِيُّ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ تَرْكَ الاسْتِفْصَالِ فِي مَقَامِ الاحْتِمَالِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ.

  #3  
قديم 22 محرم 1430هـ/18-01-2009م, 02:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


929- وعَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما أنَّه طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فسَأَلَ عُمَرُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عن ذلك؟ فقَالَ: ((مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لْيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ)). مُتَّفَقٌ عليهِ.
وفي روايةٍ لمُسلمٍ: ((مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لْيُطَلِّقْهَا طَاهِراً، أَوْ حَامِلاً)).
وفي روايةٍ أُخْرَى للبُخارِيِّ: ((وَحُسِبَتْ تَطْلِيقَةً)).
وفي روايةٍ لمُسلمٍ: قالَ ابْنُ عُمَرَ: أمَّا أنْتَ طَلَّقْتَها واحدةً أو اثْنتيْنِ؛ فإنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أمَرَنِي أنْأُرَاجِعَها، ثُمَّ أُمْهِلَها، حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ أُمْهِلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ أُطَلِّقَهَا قَبْلَ أنْ أَمَسَّهَا، وأمَّا أَنْتَ طَلَّقْتَهَا ثَلاثاً، فَقَدْ عَصَيْتَ رَبَّكَ فِيمَا أَمَرَكَ بِهِ مِن طَلاقِ امْرَأَتِكَ.
وفي روايةٍ أُخْرَى: قالَ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: فَرَدَّهَا عَلَيَّ، ولَمْ يَرَهَا شَيْئاً، وقالَ: ((إِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ، أَوْ لِيُمْسِكْ)).
مُفْرداتُ الحديثِ:
- طَلَّقَ امْرَأَتَه: اسْمُها آمِنَةُ بنتُ غِفَارٍ, وقِيلَ: اسْمُها النوارُ. ولعَلَّ الأولَ اسْمٌ والثانِيَ لَقَبٌ.
- حُسِبَتْ عَلَيْهِ: مَبْنِيٌّ للمَجْهولِ، والحَاسِبُ عليهِ هو النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
* مَا يُؤْخَذُ من الحَديثِ:
1- طَلَّقَ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما امْرَأَتَهُ وهي حَائِضٌ، فذَكَرَ ذلك أَبُوهُ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فتَغَيَّظَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ غَضَباً، حَيْثُ طَلَّقَها طَلاقاً مُحَرَّماً، لَمْ يُوافِقِ السُّنَّةَ، ثُمَّ أَمَرَه بمُراجَعَتِها وإمساكِها حتى تَطْهُرَ من تلك الحَيْضةِ، ثم تَحِيضَ أُخْرَى، ثُمَّ تَطْهُرَ منها، وبعدَ ذلك إنْ بَدَا له طَلاقُها، ولَمْ يَرَ في نَفْسِه رَغْبَةً في بَقائِها، فَلْيُطَلِّقْهَا قَبْلَ أنْ يَطَأَهَا، فتلك العِدَّةُ التي أمَرَ اللهُ بالطلاقِ فيها لمَن يَشاءُ، ومَعَ أنَّ الطلاقَ في الحَيْضِ مُحَرَّمٌ، لَيْسَ على السُّنَّةِ، فَقَدْ حُسِبَتْ عليهِ تلك الطَّلْقَةُ من طَلاقِها، فامْتَثَلَ رَضِيَ اللهُ عنهُ أمْرَ نَبِيِّه صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فرَاجَعَها.
2- تَحْريمُ الطلاقِ في الحَيْضِ، وأنه مِن الطلاقِ البِدْعِيِّ، الذي لَيْسَ على أَمْرِ الشارِعِ؛ ولأنَّه جاءَ في بَعْضِ رواياتِ هذا الحديثِ أَنَّه صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تَغَيَّظَ، وهو صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لا يَتَغَيَّظُ إلاَّ في حَرامٍ.
3- أمْرُه صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ابنَ عُمَرَ برَجْعَتِها دَلِيلٌ على وُقوعِه، ووجْهَتُه: أنَّ الرَّجْعَةَ لا تَكُونُ إلاَّ بَعْدَ طلاقٍ، ويَأْتِي الخلافُ في ذلك إنْ شَاءَ اللهُ، والأمْرُ برَجْعتِها يَقْتضِي الوُجوبَ، وإليهِ ذَهَبَ أبو حنيفةَ، وأحمدُ، والأوزاعيُّ.
حَمَلَه بعضُهم على الاستحبابِ وذهَبَ إليهِ الشافِعِيُّ، وروايةٌ عن أحمدَ، واحْتَجُّوا بأنَّ ابتداءَ النكاحِ لَيْسَ بواجبٍ, فاسْتِدَامَتُه كذلك.
4- الأمْرُ بإرجاعِها إذا طَلَّقَها في الحَيْضِ وإمساكِها حتى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، فتَطْهُرَ.
5- قولُه: ((قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ)) دَلِيلٌ على أنَّه لا يَجوزُ الطلاقُ في طُهْرٍ جَامَعَ فيه.
6- الحِكْمَةُ في إِمْساكِها حتى تَطْهُرَ من الحَيْضَةِ الثانيةِ، هو أنَّ الزوجَ رُبَّمَا وَاقَعَها في ذلك الطُّهْرِ، فيَحْصُلُ دَوامُ العِشْرَةِ؛ ولذا جاءَ في بَعْضِ طُرُقِ الحديثِ: ((فَإِذَا تَطَهَّرَتْ، مَسَّهَا)).
وقالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: (الرَّجْعَةُ لا تَكادُ تُعْلَمُ صِحَّتُها إلاَّ بالوَطْءِ؛ لأنَّه المقصودُ في النِّكاحِ).
وأمَّا الحِكْمَةُ في المَنْعِ من طَلاقِ الحائِضِ، فخَشْيَةُ طُولِ العِدَّةِ، وأمَّا الحِكْمَةُ في المَنْعِ من الطَّلاقِ في الطُّهْرِ المُجامَعِ فيه، فخَشْيَةُ أنْ تَكُونَ حَامِلاً، فيَنْدَمَ الزوجانِ أو أحدُهما، ولو عَلِمَا بالحَمْلِ؛ لأَحْسَنَا العِشْرَةَ، وحَصَلَ الاجتماعُ بعدَ الفُرقةِ والنُّفْرَةِ، وكلُّ هذا راجِعٌ إلى قولِه تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]. وللَّهِ في شَرْعِه حِكَمٌ وأسرارٌ ظاهِرَةٌ وخَفِيَّةٌ.
* خِلافُ العلماءِ في وُقوعِ طلاقِ الحائِضِ:
ذهَبَ جمهورُ العُلماءِ ـ ومنهم الأئمَّةُ الأربعةُ، رَضِيَ اللهُ عنهُم ـ إلى وُقوعِ الطلاقِ في الحَيْضِ، ودَلِيلُهم على ذلك أمْرُه صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ابنَ عُمَرَ بإرجاعِ زَوْجَتِه، حِينَ طَلَّقَها حَائِضاً، ولا تَكُونُ الرَّجْعَةُ إلاَّ بعدَ طَلاقٍ سَابِقٍ لَهَا؛ ولأنَّ في بعضِ ألفاظِ الحديثِ: ((فَحُسِبَتْ مِنْ طَلاقِهَا)).
وذهَبَ بعضُ العلماءِ؛ ومنهم شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ وتلميذُه ابنُ القَيِّمِ إلى أنَّ الطلاقَ لا يَقَعُ، فهو مُلْغًى.
واسْتَدَلُّوا على ذلك بِمَا رَواهُ أبو دَاوُدَ والنَّسائِيُّ: (أنَّعَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وهي حَائِضٌ، قالَ عبدُ اللهِ: فرَدَّهَا عَلَيَّ، ولَمْ يَرَهَا شَيْئاً).
وقَدِ اسْتَنْكَرَ العلماءُ هذا الحديثَ؛ لمُخالَفَتِه الأحاديثَ كُلَّها.
وأجابَ ابنُ القَيِّمِ عن أدِلَّةِ الجمهورِ، بأنَّ الأمْرَ برَجْعَتِها معناه: إمساكُها على حَالِها الأُولَى؛ لأنَّ الطلاقَ الذي لَمْ يَقَعْ في وَقْتِه المأذونِ فيهِ شَرْعاً مُلْغًى,فيَكُونُ النِّكاحُ بحَالِه.
وأمَّا الاستدلالُ بلفظِ: ((فَحُسِبَتْ مِنْ طَلاقِهَا)) فلَيْسَ فيه دَلِيلٌ؛ لأنَّه غَيْرُ مَرْفُوعٍ إِلَى النبيِّصَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
وأطَالَ ابنُ القَيِّمِ النِّقَاشَ في هذا المَوضوعِ في كِتابِه (تهذيبِ السُّنَنِ)، ولكنَّ الأرْجَحَ ما ذَهَبَ إليهِ جُمهورُ العُلماءِ، واللهُ أعْلَمُ.
فقَدْ قالَ الشَّيْخُ ناصرُ الدِّينِ الألبانِيُّ: وجُمْلَةُ القولِ: أنَّ الحديثَ معَ صِحَّتِه، وكَثْرَةِ طُرُقِه، فقَدِ اضْطَرَبَ الرواةُ عنه في طَلْقَتِه الأُولَى في الحَيْضِ هَلِ اعْتَدَّ بها، أَمْ لا؟ فانْقَسَموا إلى قِسميْنِ:
الأَوَّلِ: مَن رَوَى عنه الاعتدادَ بها.
القِسْمِ الآخَرِ: الذين رَوَوْا عنه عَدَمَ الاعتدادِ بها، والأولُ أرْجَحُ؛ لوَجْهَيْنِ:
الأولِ: كَثْرَةُ الطُّرُقِ.
الثاني: قُوَّةُ دلالةِ القِسْمِ الأولِ على المُرادِ دَلالةً صَرِيحَةً، لا تَقْبَلُ التأويلَ، بخلافِ القِسْمِ الآخَرِ، فهو مُمْكِنُ التأوِيلِ، بمِثْلِ قولِ الإمامِ الشافِعِيِّ: (وَلَمْ يَرَهَا شَيْئاً). أي: صَوَاباً ولَيْسَ نَصًَّا في أنه لَمْ يَرَها طَلاقاً، بخِلافِ القِسْمِ الأولِ فهو نَصٌّ في أنَّه رَآهَا طَلاقاً، فوَجَبَ تَقْدِيمُه على القِسْمِ الآخَرِ:
وقدِ اعْتَرَفَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ بهذا، ولَكِنَّهُ شَكَّ في صِحَّةِ المَرْفُوعِ من هذا القِسْمِ، فقالَ: وأمَّا قَوْلُه في حديثِ ابنِ وَهْبٍ: ((وَهِيَ وَاحِدَةٌ)) فَلَعَمْرُ اللهِ, لَوْ كَانَتْ هذهِ اللفظةُ من كلامِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ما قَدَّمْنا عليها شيئاً ولصِرْنَا إليها بأَوَّلِ وَهْلَةٍ.
فتَشَكُّكُه رَحِمَهُ اللهُ في صِحَّتِها خَطَأٌ، فابنُ وَهْبٍ لَمْ يَنْفَرِدْ بإخراجِ الحديثِ، بل تَابَعَه الطَّيَالِسِيُّ فقالَ: حَدَّثَنَا ابنُ أبي ذِئْبٍ، عن نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ: (أنَّه طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَتَى عُمَرُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فذَكَرَ ذَلِكَ؛ فجَعَلَهُ وَاحِدَةً).
وتَابَعَهُ أيضاً يَزِيدُ بنُ أَبِي ذِئْبٍ به، ورجالُه ثِقاتٌ، وتَابَعَ ابنَ أَبِي ذِئْبٍ: ابنُ جُرَيْجٍ، عن نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: ((هِيَ وَاحِدَةٌ))، قُلْتُ: ورِجَالُه ثقاتٌ.
وكلُّ هذهِ الرِّواياتِ لَمْ يَقِفْ عليها ابنُ القَيِّمِ، وظَنِّي أنَّه لو وَقَفَ عليها، لتَبَدَّدَ الشكُّ الذي أَبْدَاهُ في روايةِ ابنِ وَهْبٍ، ولَصَارَ إلى القولِ بما دَلَّ عليهِ الحديثُ من الاعتدادِ بطلاقِ الحَائِضِ.
والروايةُ التي جاءَتْ عن الشَّعْبِيِّ: إِذَا طَلَّقَ الرجُلُ امْرَأَتَهُ وهي حَائِضٌ، لَمْ تَعْتَدَّ بها في قولِ ابنِ عُمَرَ.
قالَ ابْنُ عبدِ البَرِّ: لَيْسَ معناهُ مَا ذَهَبَ، وإنَّما معناهُ: لَمْ تَعْتَدَّ المَرْأَةُ بتلكَ الحَيْضَةِ في العِدَّةِ. اهـ.
وقالَ الشيخُ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحمدٍ: أمَّا مَسْأَلَةُ الطلاقِ في الحَيْضِ، فالمشهورُ والمُفْتَى به عندَ علماءِ الأَمْصارِ من الصحابَةِ والتابِعِينَ ومَن بعدَهم مِن الأئِمَّةِ الأربعةِ وغيرِهم: أنَّ الطلاقَ فِي الحَيْضِ طلاقُ بِدْعَةٍ، ومَعْصِيَةٌ للهِ ورسولِه، ولكنَّه لازِمٌ، ويُحْسَبُ من الطلاقاتِ الثلاثةِ.
وهذا هو المَعمولُ به عِنْدَنا، ودَلائِلُه كَثِيرَةٌ، وقَدْ ذُكِرَتْ في البُخارِيِّ ومُسْلِمٍ وغَيْرِها.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الشرعي, الطلاق

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:47 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir