دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > جمع الجوامع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 11:46 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تعارض الحقيقة والمجاز

مَسْأَلَةٌ: اللَّفْظُ إمَّا حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ، أَوْ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ بِاعْتِبَارَيْنِ، وَالْأَمْرَانِ مُنْتَفِيَانِ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ ثُمَّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عُرْفِ الْمُخَاطِبِ أبدًا فَفِي الشَّرْعِ الشَّرْعِيُّ لِأَنَّهُ عُرْفُهُ، ثُمَّ الْعُرْفِيُّ الْعَامُّ، ثُمَّ اللُّغَوِيُّ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ فِي الْإِثْبَاتِ الشَّرْعِيِّ وَفِي النَّفْيِ الْغَزَالِيُّ مُجْمَلٌ، وَالْآمِدِيُّ اللُّغَوِيُّ، وفي تعارض المجاز الراجح، والحقيقة المرجوحة أَقْوَالٌ: ثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ مُجْمَلٌ، وَثُبُوتُ حُكْمٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مُرَادًا مِنْ خِطَابٍ لكن مَجَازًا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْهُ بَلْ يَبْقَى الْخِطَابُ عَلَى حَقِيقَتِهِ خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ والبصري.

  #2  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 04:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح جمع الجوامع لجلال الدين المحلي


(مَسْأَلَةٌ: اللَّفْظُ) الْمُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنًى (إمَّا حَقِيقَةٌ) فَقَطْ (أَوْ مَجَازٌ) فَقَطْ كَالْأَسَدِ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ أَوْ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ (أَوْ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ بِاعْتِبَارَيْنِ) كَأَنْ وُضِعَ لُغَةً لِمَعْنًى عَامٍّ ثُمَّ خَصَّهُ الشَّرْعُ أَوْ الْعُرْفُ بِنَوْعٍ مِنْهُ كَالصَّوْمِ فِي اللُّغَةِ لِلْإِمْسَاكِ خَصَّهُ الشَّرْعُ بِالْإِمْسَاكِ الْمَعْرُوفِ وَالدَّابَّةِ فِي اللُّغَةِ لِكُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ خَصَّهَا الْعَرَفُ الْعَامُّ بِذَاتِ الْحَوَافِرِ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ بِالْفَرَسِ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْعَامِّ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ مَجَازٌ شَرْعِيٌّ أَوْ عُرْفِيٌّ. وَفِي الْخَاصِّ بِالْعَكْسِ وَيَمْتَنِعُ كَوْنُهُ حَقِيقَةً وَمَجَازًا بِاعْتِبَارٍ وَاحِدٍ لِلتَّنَافِي بَيْنَ الْوَضْعِ ابْتِدَاءً وَثَانِيًا إذْ لَا يَصْدُقُ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي مَعْنًى مَوْضُوعٍ لَهُ ابْتِدَاءً وَثَانِيًا (وَالْأَمْرَانِ) أَيْ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ (مُنْتَفِيَانِ) عَنْ اللَّفْظِ (قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ) لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ فِي حَدِّهِمَا فَإِذَا انْتَفَى انْتَفَيَا (ثُمَّ هُوَ) أَيْ اللَّفْظُ (مَحْمُولٌ عَلَى عُرْفِ الْمُخَاطِبِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ الشَّارِعُ أَوْ أَهْلُ الْعُرْفِ أَوْ اللُّغَةِ (فَفِي) خِطَابِ (الشَّرْعِ) الْمَحْمُولِ عَلَيْهِ الْمَعْنَى (الشَّرْعِيُّ لِأَنَّهُ عُرْفُهُ) أَيْ لِأَنَّ الشَّرْعِيَّ عُرْفُ الشَّرْعِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ (ثُمَّ) إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْنًى شَرْعِيٌّ أَوْ كَانَ وَصَرَفَ عَنْهُ صَارِفٌ فَالْمَحْمُولُ عَلَيْهِ الْمَعْنَى (الْعُرْفِيُّ الْعَامُّ) أَيْ الَّذِي يَتَعَارَفُهُ جَمِيعُ النَّاسِ بِأَنْ يَكُونَ مُتَعَارَفًا زَمَنَ الْخِطَابِ وَاسْتَمَرَّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إرَادَتُهُ لِتَبَادُرِهِ إلَى الْأَذْهَانِ. (ثُمَّ) إذَا لَمْ يَكُنْ لِمَعْنًى عُرْفِيٍّ عَامٍّ أَوْ كَانَ وَصَرَفَ عَنْهُ صَارِفٌ فَالْمَحْمُولُ عَلَيْهِ الْمَعْنَى (اللُّغَوِيُّ) لِتَعَيُّنِهِ حِينَئِذٍ فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا لَهُ مَعَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لَهُ مَعْنًى عُرْفِيٌّ عَامٌّ أَوْ مَعْنًى لُغَوِيٌّ أَوْ هُمَا يُحْمَلُ أَوَّلًا عَلَى الشَّرْعِيِّ وَأَنَّ مَا لَهُ مَعْنًى عُرْفِيٌّ عَامٌّ وَمَعْنًى لُغَوِيٌّ يُحْمَلُ أَوَّلًا عَلَى الْعُرْفِ الْعَامِّ (وَقَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ) فِيمَا لَهُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ وَمَعْنًى لُغَوِيٌّ مَحْمَلُهُ (فِي الْإِثْبَاتِ الشَّرْعِيِّ) وَفْقَ مَا تَقَدَّمَ. (وَفِي النَّفْيِ) وَعِبَارَتُهُمَا النَّهْيُ وَعَدَلَ عَنْهُ مَعَ إرَادَتِهِ لِمُنَاسَبَةِ الْإِثْبَاتِ قَالَ (الْغَزَالِيُّ) اللَّفْظُ (مُجْمَلٌ) أَيْ لَمْ يَتَّضِحْ الْمُرَادُ مِنْهُ إذْ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الشَّرْعِيِّ لِوُجُودِ النَّهْيِ وَلَا عَلَى اللُّغَوِيِّ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ.
(وَ) قَالَ (الْآمِدِيُّ) مَحْمَلُهُ (اللُّغَوِيُّ) لِتَعَذُّرِ الشَّرْعِيِّ بِالنَّهْيِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْعِيِّ مَا يُسَمَّىشَرْعًا بِذَلِكَ الِاسْمِ صَحِيحًا كَانَ أَوْ فَاسِدًا يُقَالُ صَوْمٌ صَحِيحٌ وَصَوْمٌ فَاسِدٌ وَلَمْ يَذْكُرَا غَيْرَ هَذَا الْقِسْمِ مِثَالُ الْإِثْبَاتِ مِنْهُ حَدِيثُ مُسْلِمٍ عَنْ {عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ قُلْنَا لَا قَالَ فَإِنِّي إذًا صَائِمٌ} فَيُحْمَلُ عَلَى الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ فَيُفِيدُ صِحَّتَهُ وَهُوَ نَفْلٌ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ وَمِثَالُ النَّهْيِ مِنْهُ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ} وَسَيَأْتِي فِي مَبْحَثِ الْمُجْمَلِ خِلَافٌ فِي تَقَدُّمِ الْمَجَازِ الشَّرْعِيِّ عَلَى الْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ. وَفِي تَعَارُضِ الْمَجَازِ الرَّاجِحِ وَالْحَقِيقَةِ الْمَرْجُوحَةِ) بِأَنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الْمَجَازِ عَلَيْهَا (أَقْوَالٌ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْحَقِيقَةُ أَوْلَى فِي الْحَمْلِ لِأَصَالَتِهَا وَأَبُو يُوسُفَ الْمَجَازُ أَوْلَى لِغَلَبَتِهِ (ثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ) اللَّفْظُ (مُجْمَلٌ) لَا يُحْمَلُ عَلَى أَحَدِهِمَا إلَّا بِقَرِينَةٍ لِرُجْحَانِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ مِثَالُهُ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا النَّهْرِ فَالْحَقِيقَةُ الْمُتَعَاهَدَةُ الْكَرْعُ مِنْهُ بِفِيهِ كَمَا يَفْعَلُ كَثِيرٌ مِنْ الرِّعَاءِ وَالْمَجَازُ الْغَالِبُ الشُّرْبُ بِمَا يُغْتَرَفُ مِنْهُ كَالْإِنَاءِ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهَلْ يَحْنَثُ بِالْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي أَوْ الْعَكْسُ أَوْ لَا يَحْنَثُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الْأَقْوَالُ فَإِنْ هُجِرَتْ الْحَقِيقَةُ قُدِّمَ الْمَجَازُ عَلَيْهَا اتِّفَاقًا كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ فَيَحْنَثُ بِثَمَرِهَا دُونَ خَشَبِهَا الَّذِي هُوَ الْحَقِيقَةُ الْمَهْجُورَةُ حَيْثُ لَا نِيَّةَ وَإِنْ تَسَاوَيَا قُدِّمَتْ الْحَقِيقَةُ اتِّفَاقًا كَمَا لَوْ كَانَتْ غَالِبَةً. (وَثُبُوتُ حُكْمٍ) بِالْإِجْمَاعِ (مَثَلًا يُمْكِنُ كَوْنُهُ) أَيْ الْحُكْمِ (مُرَادًا مِنْ خِطَابٍ) لَكِنْ يَكُونُ الْخِطَابُ فِي ذَلِكَ الْمُرَادِ (مَجَازًا لَا يَدُلُّ) الثُّبُوتُ الْمَذْكُورُ (عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ هُوَ (الْمُرَادُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْخِطَابِ. (بَلْ يَبْقَى الْخِطَابُ عَلَى حَقِيقَتِهِ) لِعَدَمِ الصَّارِفِ عَنْهَا (خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْبَصْرِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَبْقَى الْخِطَابُ عَلَى حَقِيقَتِهِ إذْ لَمْ يَظْهَرْ مُسْتَنَدٌ لِلْحُكْمِ الثَّابِتِ غَيْرُهُ مِثَالُهُ وُجُوبُ التَّيَمُّمِ عَلَى الْمُجَامِعِ الْفَاقِدِ لِلْمَاءِ إجْمَاعًا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مُرَادًا مِنْ قَوْله تَعَالَى {أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} لَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ لِأَنَّ الْمُلَامَسَةَ حَقِيقَةٌ فِي الْجَسِّ بِالْيَدِ مَجَازٌ فِي الْجِمَاعِ فَقَالَا الْمُرَادُ الْجِمَاعُ لَا تَكُونُ الْآيَةُ مُسْتَنَدَ الْإِجْمَاعِ إذْ لَا مُسْتَنَدَ غَيْرُهَا وَإِلَّا لَذُكِرَ فَلَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّمْسَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَنَدُ غَيْرَهَا وَاسْتُغْنِيَ عَنْ ذِكْرِهِ بِذِكْرِ الْإِجْمَاعِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فَاللَّمْسُ فِيهَا عَلَى حَقِيقَتِهِ فَتَدُلُّ عَلَى نَقْضِهِ الْوُضُوءَ وَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْجِمَاعِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى الرَّاجِحِ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ حَقِيقَتُهُ وَمَجَازُهُ مَعًا دَلَّتْ عَلَى مَسْأَلَةِ الْإِجْمَاعِ أَيْضًا وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ بِدَلَالَتِهَا عَلَيْهِمَا حَيْثُ حَمَلَ الْمُلَامَسَةَ فِيهَا عَلَى الْجَسِّ بِالْيَدِ وَالْوَطْءِ.

  #3  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 04:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تشنيف المسامع لبدر الدين الزركشي


ص: مسألَةُ اللفظِ إمَّا حقيقةٌ أو مجازٌ أو حقيقةٌ ومجازٌ باعتبارَيْنِ، والأمرانِ مُنْتَفَيَانِ قبلَ الاستعمالِ.
ش: الغرضُ بهذا التقسيمِ إثباتُ الواسطةِ بينَ الحقيقةِ والمجازِ، وحاصلُه: أنَّ اللفظَ الواحدُ يَنْقَسِمُ إلى أَرْبَعَةِ أقْسامٍ:
أَحَدُها: ما هو حقيقةٌ فقط، وهو المُسْتَعْملُ في موضوعِه، كالأسدِ في الحيوانِ المخصوصِ.
والثاني: ما هو مجازٌ فقط، وهو المُسْتَعْمَلُ لا في موضوعِه، كالأسَدِ على الرجُلِ الشجاعِ.
والثالثُ: ما هو حقيقةٌ ومجازٌ باعتبارَيْنِ، إمَّا بمعنيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فهو كثيرٌ، ومن ألفاظِ العامِّ المخصوصِ، على قولِ مَن يقولُ: هو حقيقةٌ باعتبارِ دَلالَتِه على ما بَقِيَ مجازٌ، باعتبارِ سَلْبُ دلالَتِه على ما أَخْرَجَ، وإنَّما بمعنًى واحدٍ، فإنْ كانَ بحسَبِ وَضْعٍ واحدٍ فمُحالٌ، لامتناعِ اجْتماعِ الإثباتِ والنفْيِ من جِهَةٍ واحدةٍ، وإنْ كانَ بحسَبِ وضعَيْنِ، كلُغَوِيٍّ وعُرْفِِيٍّ مثلاً، فجائزٌ كالدابَةِ إلى الحمارِ، فإنَّها حقيقةٌ بالنسبةِ إلى الوضْعِ الأوَّلِ، مجازٌ بحسَبِ الوضْعِ العُرْفِيِّ، ومن هذا يُعْلَمُ أنَّ‌ الحقيقةَ قد تَصِيرُ مَجازاً بالعكسِ.
وحَكَى صَاحِبُ (المُعْتَمَدِ) الاتفاقُ على جوازِه، قالَ: واخْتَلَفُوا في وقوعِه، قالَ: والذين أَجَازُوا انْتِقالَ الاسمِ عن موضوعِه في اللُّغَةِ بالعُرْفِ إنَّما أَجَازُوا ذلك ما لم يكنْ الاسمُ اللُّغَوِيُّ، ما لم يَتَعَلَّقْ به حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فإنْ تَعَلَّقَ به لم يُجْزْ نَقْلُه عن موضوعِه إلى معنًى آخَرَ قَطْعاً لأمْرٍ يَرْجِعُ إلى المُتَكَلِّمِينَ.
رابِعُها: ما لا يكونُ حقيقةً ولا مجازاً، فمنه اللفظُ في أوَّلِ وضْعِه قبلَ اسْتِعْمالِه فيما وُضِعَ له، فإنَّه ليسَ بحقيقةٍ ولا مجازٍ؛ لأنَّ الاسْتِعْمالَ شَرْطٌ في كلٍّ من الحقيقةِ، والمجازُ على ما سَبَقَ في تعريفِها، فحيثُ انْتَفَى الاستعمالُ انْتَفَيَا، كذلك أَطْلَقَ أَبُو الحُسَيْنِ وتَابَعَهُ الرَّازِيُّ والآمِدِيُّ وابنُ الحَاجِبِ والبَيْضَاوِيُّ وغيرُهم، وتَابَعَهم المُصَنِّفُ ويَجِبُ أنْ يكونَ مُرادُهم ليسَ بمَجازٍ فيما وُضِعَ له، أمَّا في غيرِه فلا يَمْتَنِعُ أنْ يكونَ مجازاً فيه، إذ الاستعمالُ لمُنَاسَبَةٍ بينه وبينَ الموضوعِ الأوَّلِ قبلَ الاستعمالِ فيه مُمْكِنٌ، وقد جَرَى على ذلك الصَّفِيُّ الهِنْدِيُّ، وذَكَرَ في (المِنْهاجِ) في أمْثَلَةِ هذا القِسمُ الأعْلامُ، وإنَّما لم يَذْكُرُه المُصنِّفُ؛ لأنَّ كلامَه فيما سَبَقَ يَقْتَضِي أنَّها حَقيقَةٌ، وكذا اقْتَصَرَ ابنُ الحَاجِبِ على اللفظِ قبلَ الاستعمالِ وقد يُقالُ: التقسيمُ ناقِصٌ، وبَقِيَ عليه اجْتماعُهُما في الإرَادَةِ على قَوْلِنا: يَجُوزُ الجَمْعُ بينَ الحقيقةِ والمجازِ.
ص: ثمَّ هو محمولٌ على عُرْفِ المُخَاطَبِ أَبَداً، ففي الشرْعِ الشرْعِيِّ؛ لأنَّه عَرَّفَه، ثمَّ العُرْفِ العامِّ ثمَّ اللُّغَوِيِّ، وقالَ الغَزَالِيُّ والآمِدِيُّ في الإثباتِ الشرْعِيِّ، وفي النَّفْيِ الغزالِيُّ مُجْمَلٌ، والآمِدِيُّ اللُّغَوِيُّ.
ش: هذه المسألَةُ في تعارضِ الحقيقةِ الشرعيَّةِ واللُّغويَّةِ والعُرْفِيَّةِ، والضابِطُ أنَّه يُحْمَلُ على عُرْفِ المخاطَبِ أبداً فإنْ كانَ المُخَاطَبُ هو الشارعُ، حُمِلَ على المعنَى الشرعيِّ لا اللغويِّ؛ لأنَّه عليه الصلاةُ والسلامُ بُعِثَ لبيانِ الشريعةِ لا اللُّغَةِ، إذ هو وغيرُه فيها سواءٌ، ولأنَّ الشرْعَ طارئٌ على اللُّغَةِ وناسخٌ لها فالحَمْلُ على الناسخِ أوْلَى، وبهذا ضَعَّفُوا قولَ من حَمَلَ الوضوءَ من أَكْلِ لَحْمِ الجزورِ، ونحوَه ـ على التنظيفِ بغَسْلِ اليدِ، فإنْ تَعَذَّرَ حُمِلَ على العُرْفِ؛ لأنَّه المُتَبَادَرُ إلى الفَهْمِ، وهذا إذا كَثُرَ اسْتِعْمالُ الشرْعِيِّ والعُرْفيِّ إلى حدٍّ يَسْبِقُ إلى الذِّهْنِ أحدُهما دونَ اللُّغَوِيِّ، فأمَّا إذا لم يُفْهَمْ أحدُهما إلاَّ بقَرِينَةٍ، صارَ مُشْتَرِكاً بينَ المفهومَيْنِ، ثمَّ بَعْدَهُما يُحْمَلُ على المفهومِ اللُّغَوِيِّ الحقيقيِّ، ومن أمثلَتِه قولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ دُعِيَ إِلَى وَلِيمَةٍ فَلْيُجِبْ، فإنْ كَانَ مُفْطِراً فَلْيْأَكُلْ، وَإِنْ كَانَ صَائِماً فَلْيَصِلْ))، قالَ ابنُ حِبَّانَ في صحيحِه؛ أي: فلْيَدَعْ، ثمَّ المجازيُّ صيانةً للكلامٍ، هذا ما ذَكَرَهُ الأصولِيُّونَ، ويُخَالِفُه قولُ الفقهاءِ، ما ليسَ له ضابطٌ في الشرْعِ ولا اللُّغَةِ يَرْجِعُ فيه إلى العُرْفِ، فإنَّه يَقْتَضِي تَأْخِيرَ العُرْفِ عن اللغةِ، وجَمَعَ بَعْضُهم بينَهما، فحُمِلَ كلامُ الأصُولِيِّينَ في اللفظِ الصادرِ من كلامِ الفقهاءِ في الصادرِ من غيرِه، وفيه نظرٌ، فإنَّ الفقهاءَ يَسْتَعْمِلُونَ هذه العبارةَ في لفظِ الشارعِ أيضاًً، كالقبْضِ في البيعِ وغيرِه، وكانَ البَاجِيُّ يَجْمَعُ بينَهُما، بأنَّ مُرادَ الأصُولِيِّينَ ما إذا تَعارَضَ معناهُ في اللُّغَةِ والعُرْفِ، فيُقَدَّمُ العُرْفُ، ومُرادُ الفُقهاءِ: إذا لم يُعْرَفْ حَدُّهُ في اللّغَةِ، فإنَّا نَرْجِعُ فيه إلى العُرْفِ، ولهذا قالُوا: كلَّ ما ليسَ له حَدٌّ في اللُّغَةِ، ولم يَقُولُوا: ليسَ له معنًى.
وحَكَى الآمِدِيُّ في تَعَارُضِ الحقيقةِ الشرعيَّةِ مذاهبُ:
أحدُها: ما ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ وصَحَّحَهُ ابنُ الحَاجِبِ تَقْدِيمَ الشَّرْعِيِّ؛ لأنَّ غَرَضَ الشارِعُ تعريفُ المعانِي الشرعيَّةِ لا اللُّغَوِيَّةِ.
والثاني: مُجْمَلٌ، لصَلاحِيَّتِه لكلٍّ منهما.
والثالثُ: قالَ الغزالِيُّ ما وَرَدَ في صِيَغِ الأمْرِ والإثباتِ يُحْمَلُ على المُسَمَّى الشرعيِّ كقولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّي إِذِنْ أَصُومُ)). حتى يُسْتَدَلَّ به على صِحَّةِ النفْلِ بنِيَّةٍ من النهارِ، وما وَرَدَ في النَّفْيِ مُجْمَلٌ، كالنَّهْيِ عن صَوْمِ يومِ النَّحْرِ، فإنَّه لو حُمِلَ على الشرْعِيِّ دَلَّتْ على صِحَّتِه، لاسْتِحالَةِ النهْيِ عمَّا لا يُتَصَوَّرُ وقوعُه، بخلافِ ما إذا حُمِلَ على اللُّغَوِيِّ.
قالَ الآمِدِيُّ: والمُختارُ أنَّه إنْ وُرِدَ في الإثباتِ حُمِلَ على الشرعيِّ؛ لأنَّه عَرَّفَه، وإنْ وُرِدَ في النَّهْيِ حُمِلَ على اللُّغَوِيِّ، للاسْتحالَةِ المُتَقَدِّمَةِ، والصحيحُ الأوَّلُ، ويُعَضِّدُهُ حَمْلٌ، نحوَ قولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((دَعِي الصَّلاةَ أيامَ أَقْرَائِكِ)). على المعنَى الشرعيِّ بالاتِّفاقِ معَ أنَّه في معنَى النهْيِ.
ص: وفي تَعَارُضِ المجازِ الرَّاجِحِ والحقيقةِ المرجُوحَةِ، أقوالٌ: ثالثُها المُختارُ: مُجْمَلٌ.
ش: صُورَةُ هذه المسألَةِ: أنْ يَغْلِبَ الاستعمالُ المَجازيُّ على الاستعمالِ الحقيقيِّ كما في الدَّابَّةِ، فإنَّه في اللُّغَةِ لكلِّ ما يُدَبُّ، ثمَّ نُقِلَ في العُرْفِ إلى الحمارِ، وكَثُرَ حتى صارَ حقيقةً عُرْفِيَّةً، وصَارَ الوضْعُ الأوَّلُ مَجازاً بالنسبةِ إلى العُرْفِ، لقِلَّةِ اسْتِعْمالِه فيه، وفيها مذاهبُ:
إحدَاها، تَقْدِيمُ الحقَيقَةِ، تَمَسُّكاً بالأصْلِ، وهو قُوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.
والثاني: المجازُ، لغَلَبَتِه، وهو قولُ أَبِي يُوسُفَ، واخْتَارَهُ القِرَافِيُّ؛ لأنَّ الظهورَ هو المُكَلَّفُ به.
والثالثُ: يَحْصُلُ التعَارُضُ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ راجِحٌ على الآخَرِ من وجْهٍ، فإنَّ قوَّةَ الحقيقةِ قد عَارَضَها كَثْرَةُ الاسْتِعْمَالِ المَجازِيِّ، فيَتَعَادَلانِ ولا يُحْمَلُ على أَحَدِهما إلاَّ بالنِّيَّةِ، وهذا ما اخْتَارَهُ البَيْضَاوِيُّ، وتَابَعَهُ المُصَنِّفُ.
قالَ الهِنْدِيُّ: وعُزِيَ ذلك إلى الشَّافِعِيِّ، والخلافُ مَحَلُّه إذا كانَتْ الحقيقةُ غيرَ مهجورةٍ، كما لو قالَ: لأَشْرَبَنَّ من ماءِ هذا النَّهَرِ، فهو حقيقيةٌ في الكَرْعِ بفِيهِ، وإذا اغْتَرَفَ بإنَاءٍ وشَرِبَ فمجازٌ، والحقيقةُ قد تُرَادُ؛ لأنَّ كثيراً من الرُّعاءِ، وغيرُهم يَكْرُعُ بفِيهِ، أمَّا إذا كانَتْ الحقيقةُ مهجورةٌ لا تُرَادُ في العُرْفِ، فلا خِلافَ بينَ أَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسُفَ في تقديمِ المَجازِ؛ لأنَّه إمَّا حَقِيقَةٌ شرعيَّةٌ كالصلاةِ، أو عُرْفِيَّةٌ كالدابَةِ، وهما مُتَقَدِّمانِ على الحقيقةِ اللغويَّةِ.
وقالَ الرَّافِعِيُّ في (كتابِ الإيمانِ): المجازُ المُتعارَفُ يُقَدَّمُ على الحقيقةِ البعيدَةِ، كما لو حَلِفَ لا يَأْكُلُ من هذه الشَّجَرَةِ، فإنَّ اليمينَ تُحْمَلُ على الأكْلِ من ثَمَرِها دونَ الورَقِ والغُصونِ، بخلافِ ما لو حَلِفَ لا يَأْكُلُ من هذه الشاةِ، فإنَّ اليمينَ تُحْمَلُ على لَحْمِها ولَبَنِها ولَحْمِ وَلَدِها؛ لأنَّ الحقيقةَ مُتَعارَفَةٌ.
ص: وثبوتُ حُكْمٌ يُمْكِنُ كونُه مُراداً من خِطابٍ، لكنَّ مجازاً لا يَدُلُّ على أنَّه المرادُ منه، بل يَبْقَى الخِطابُ على حَقِيقَتِه، خلافاً للكَرْخِيِّ والبَصْرِيِّ.
ش: هذه من مسائلِ (المحصولِ)، وصُورَتُها أنَّ الخطابَ الذي له حقيقةٌ ومجازٌ، ومُوجِبُ المجازُ ثابتٌ في بعضِ الصوَرِ بدليلٍ هل يَقْتَضِي إرادَةُ المجازِ من ذلك الخطابِ، ويَلْزَمُ منه أنْ لا يُحْمَلُ على الحقيقةِ، وإلاَّ يُلْزَمُ باسْتِعْمالِ اللفْظِ في حقيقَتِه ومَجازِه، أو لا يَقْتَضِي ذلك مثالُه: لفظُ المُلامَسَةُ حقيقةٌ في اللَّمْسِ مجازٌ في الوقاعِ، وقد ثَبَتَ مُوجِبُ المجازِ من الآيةِ لانْعقادِ الإجْماعِ على جَوازِ التَّيَمُّمِ للمُجامِعِ، فهل يَدُلُّ على أنَّ المُرادَ بالمُلامَسَةِ فيها الجماعُ؟ حتى لا يَصِحُّ الاستدلالُ بها على أنَّ اللَّمْسَ باليَدِ المُخْتَلِفُ فيه كذلك.
فذَهَبَ الكَرْخِيُّ من الحَنَفِيَّةِ، والبصريِّ من المُعْتزلَةِ إلى أنَّه يَدُلُّ، وذَهَبَ القَاضِي عَبُدُ الجَبَّارِ وتَابَعَه في (المحصولِ) إلى أنَّه لا يَدُلُّ.
وحاصلُ الخلافُ أنَّ ثُبُوتَ مُوجِبُ المَجازَ في صورَةٍ بدلَيلٍ يَمَنْعُ إجراءَ الخِطابِ على حقيقَتِه على رَأْيٍ، ولا يَمْنَعُ منه على آخَرَ، وهو الصحيحُ؛ لأنَّ المُقْتَضِيَ لإرادَةِ الحقيقَةِ من هذا اللفْظِ فأعَمٌّ ولا مُعارِضٌ له، فلا يَجُوزُ صَرْفُه عنه بمُجَرَّدِ ما ذُكِرَ، وتَوَّسَطَ الشيخُ علاءُ الدِّينِ بنُ النَّفِيسِ، في كتابِه المُسَّمَى بالإيضاحِ فقالَ: مثلُ هذا وإنْ لم يَدُلُّ على ذلك، فهو يُفِيدُ رُجْحَاناً باعتبارِ ذلك المجازُ، فكذلك يكونُ في مَسْأَلَتِنَا، وهو حِينَما يَقْتَضِي حَمْلُ اللفظِ على أَحَدِ مجازاتِه مُوجَباً لاعتبارِ ذلك المجازُ، إذا عَلِمَتْ هذا فأَعْلَمْ أنَّ المسألَةَ مُفَرَّعَةًَ على امْتناعِ اسْتِعْمالِ اللفْظِ في حقيقَتِه ومجازِه، كما صَرَّحَ به الأَصْفَهَانِيُّ، وهو ظاهرٌ، فإنَّ المُجَوِّزَ لذلك يَحْمِلُه عليهما، ويَجْعَلُ ذلك الدليلُ قرينَةً إرادَةَ المجازِ، وحينَئذٍ فكانَ حَقُّ المُصَنِّفُ التَّنْبِيهُ على ذلك، وإلاَّ لنَاقَضَ اخْتيارَهُ فيما سَبَقَ، ثمَّ إنَّه ليسَ من عادَتِه التفْرِيعُ على الضعيفِ عندَه.

  #4  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 04:26 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الغيث الهامع لولي الدين العراقي


ص: مسألة: اللفظ إما حقيقة أو مجاز أو حقيقة ومجاز باعتبارين، والأمران منتفيان قبل الاستعمال.
ش: اللفظ الواحد قد يكون حقيقة فقط، كإطلاق الأسد على الحيوان المعروف، وقد يكون مجازاً فقط كإطلاقه على الشجاع، وقد عرف هذان القسمان، وقد يكون حقيقة ومجازاً باعتبارين، وذلك قد يكون بمعنيين مختلفين، كلفظ العام المخصوص على قول من يقول إنه حقيقة باعتبار دلالته على ما بقي، مجاز باعتبار سلب دلالته على ما أخرج، وقد يكون بمعنى واحد، لكن بحسب وضعين كلغوي وعرفي، كاستعمال لفظ الدابة في الإنسان فهو حقيقة باعتبار اللغة ومجاز باعتبار العرف، فأما بمعنى واحد من واضع واحد فمحال لامتناع اجتماع النفي والإثبات من جهة واحدة، وقد لا يكون حقيقة ولا مجازاً، وهو اللفظ قبل الاستعمال فإنه لا يوصف بواحد منهما، لاشتراط الاستعمال في كليهما، وذكر البيضاوي في هذا القسم الرابع الأعلام أيضاً.
قال الشارح: وقد يقال: التقسيم ناقص، وبقي عليه اجتماعهما في الإرادة على قولنا: يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز.
قلت: و قد يدعى دخوله في قوله: أو حقيقة ومجاز باعتبارين.
ص: ثم هو محمول على عرف المخاطب أبداً ففي الشرع الشرعي لأنه عرفه ثم العرفي العام ثم اللغوي، وقال الغزالي والآمدي في الإثبات الشرعي وفي النفي الغزالي: مجمل والآمدي: اللغوي.
ش: هذه المسألة في تعارض الحقيقة الشرعية والعرفية واللغوية، وضابط ذلك أن اللفظ محمول على عرف المخاطب ـ بكسر الطاء ـ أبداً، فإن كان الخطاب من الشارع حمل على الحقيقة الشرعية، لأنه عليه الصلاة والسلام بعث لبيان الشريعة لا اللغة، فإن تعذر حمل على الحقيقة العرفية العامة، فإن تعذر حمل على الحقيقة اللغوية، ومن أمثلة ذلك إذا حلف لا يبيع الخمر أو المستولدة وأطلق لم يحنث حملاً على الشرعي، لأن البيع الشرعي لا يتصور فيها، فإن أراد أنه لا يتلفظ بلفظ العقد مضافاً إليها حنث به تنزيلاً على العرف، فإن تعذر حمله على هذه الحقائق حمل على مجازاتها وينزل مجاز كل واحدة منزلتها، هذا رأي الجمهور، ووراء ذلك مذهبان.
أحدهما: قاله الغزالي: إن ورد في الإثبات حمل على الشرعي كقوله عليه الصلاة والسلام ((إني أذن أصوم)) فيستدل به على صحة صوم النفل بنية من النهار، وإن كان في النفي فهو مجمل كالنهي عن صوم يوم النحر، فإنه لو حمل على الشرعي لدل على صحته لاستحالة النهي عما لا يتصور وقوعه.
ثانيهما: وهو اختيار الآمدي: أنه في الإثبات محمول على الشرعي، وفي النهي على اللغوي.
تنبيه:
هذا المذكور هنا من تقديم العرفي على اللغوي يخالفه قول الفقهاء: ما لا حد له في اللغة ولا في الشرع يرجع فيه إلى العرف، وجمع السبكي بينهما بأن مراد الأصوليين: إذا تعارض معناه في العرف ومعناه في اللغة قدمنا العرف، ومراد الفقهاء: إذا لم يعرف حده في اللغة فإنا نرجع فيه إلى العرف، ولهذا قالوا: كل ما ليس له حد في اللغة، ولم يقولوا: معنى فالمراد أن أهل اللغة لم ينصوا على حده بما يبينه فيستدل عليه بالعرف، انتهى.
وحكى الشارح هذا الجمع عن الباجي، قال: وجمع بعضهم بينهما بحمل كلام الأصوليين على اللفظ الصادر من الشارع، وكلام الفقهاء على الصادر من غيره، قال: وفيه نظر، فإن الفقهاء يستعملون هذه العبارة في لفظ الشارع أيضاً، كالقبض في البيع وغيره.
قلت: كلام الرافعي يقتضي ترجيح تقديم اللغوي على العرفي في أصول المدلول، فقال في كتاب الطلاق: إذا تعارض المدلول اللغوي والعرفي فكلام الأصحاب يميل إلى اعتبار الوضع، والإمام والغزالي يريان اتباع العرف، ثم ذكر بعده بقليل مثله، فقال في مسألة الأصح: وبه أجاب المتولي مراعاة للفظ، فإن العرف لا يكاد ينضبط.
قلت: وهذا لا ينافي الجمع المتقدم عن بعضهم) فإن الظاهر أن كلام الرافعي في ألفاظ الآدميين فالعبارة المتقدمة عن الفقهاء إن أطلقوها في ألفاظ الشارع فالجمع ما ذكره السبكي، وإن أطلقوها في كلام غيره فهي موافقة لكلام الرافعي، والجمع بينهما وبين كلام الأصوليين أنها في ألفاظ غير الشرع، وكلام الأصوليين في ألفاظ الشرع والله تعالى أعلم.
ص: وفي تعارض المجاز الراجح والحقيقة المرجوحة أقوال ثالثها المختار مجمل.
ش: إذا غلب الاستعمال المجازي على الحقيقي كالدابة فإنها في اللغة كل ما يدب، ثم نقلت في العرف إلى الحمار، وكثر حتى صار حقيقة عرفية، وصار الوضع الأول مجازاً بالنسبة إلى العرف لقلة استعماله فيه:
فقال أبو حنيفة: تقدم الحقيقة، وقال أبو يوسف: يقدم المجاز، وقال الإمام في (المعالم) يتساويان فيكون مجملاً، وحكاه في (المحصول) عن بعضهم، ونقله الصفي الهندي عن الشافعي واختاره المصنف.
ومحل الخلاف إذا لم تهجر الحقيقة بالكلية فإن هجرت فالمجاز مقدم بالاتفاق.
ص: وثبوت حكم يمكن كونه مراداً من خطاب لكن مجازاً لا يدل على أنه المراد منه بل يبقى الخطاب على حقيقته خلافاً للكرخي والبصري.
ش: إذا كان للخطاب حقيقة ومجاز، ووجدنا حكماً شرعياً ثابتاً يمكن كونه مستنبطاً من ذلك الخطاب بتقدير المجاز، فهل نجعله مأخوذاً منه ونقول: إنه المراد منه ويحمل الخطاب المذكور على المجاز، أو يبقى ذلك الخطاب على حقيقته؟ ولعل لذلك الحكم دليلاً غير مجاز هذا الخطاب كقوله تعالى: {أو لامستم النساء} فحقيقة اللمس الجس باليد، ومجازه الجماع، وقد ثبت هذا الحكم للجماع بالإجماع على جواز التيمم للجماع، فهل يدل ذلك على حمل الآية على المجاز دون الحقيقة، حتى لا ينقض الوضوء باللمس أو الآية على حقيقتها دالة على الانتقاض باللمس؟
في المسألة مذهبان: ذهب إلى الأول الكرخي من الحنفية، والبصري من المعتزلة، وذهب إلى الثاني القاضي عبد الجبار، وتبعه في (المحصول) واختاره المصنف.
واعلم أن هذا الخلاف مفرع على امتناع استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، كما صرح به الأصفهاني، فإن حمل عليهما فلا ينافي.
وكان ينبغي للمصنف التنبيه على هذا، وقد ظهر أن كلامه مفرع على قول مرجوح عنده، والله أعلم.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الحقيقة, تعارض

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:26 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir