دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > مكتبة علوم الحديث الشريف > جامع متون الأحاديث > جامع الأصول من أحاديث الرسول

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 جمادى الأولى 1431هـ/3-05-2010م, 07:47 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الفصل الرابع: في بيان أقسام الصحيح من الحديث والكذب

الفصل الرابع: في بيان أقسام الصحيح من الحديث والكذب، وفيه أربعة فروع
الفرع الأول: في مقدمات القول فيها
اعلم أنه ليس كل خبر بمقبول، ولا كل خبر بمردود، ولسنا نعني بالقبول: التصديق، ولا بالرد: التكذيب، بل يجب علينا قبول قول العدل، وربما كان كاذبًا أو غالطًا، ولا يجوز قبول قول الفاسق، وربما يكون صادقًا.
وإنما نعني بالقبول: ما يجب العمل به، وبالمردود: ما لا تكليف علينا في العمل به. والأحاديث المخرجة في كتب الأئمة: منها ما هو صحيح، ومنها ما هو سقيم، والفائدة في تخريج ما لا يثبت إسناده، ولا تعدّل رواته، أن الجرح والتعديل مختلف فيهما.
ومن الأئمة من رأى الاحتجاج بالأحاديث المتكلم فيها، ومنهم من أبطلها.
والأصل فيه: الاقتداء بالأئمة الماضين، فإنهم كانوا يحدثون عن الثقات وغيرهم، فإذا سئلوا عنهم، بينوا حالهم.
ألا ترى أن مالك بن أنس إمام أهل الحجاز بلا مدافعة، قد روى عن عبد الكريم بن أبي المخارق، أبي أمية البصري وغيره ممن تكلموا فيه.
ثم الإمام محمد بن إدريس الشافعي إمام أهل الحجاز بعد مالك، روى عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي وغيره من المجروحين، والإمام أبا حنيفة إمام أهل الكوفة، روى عن جابر بن زيد الجعفي، وغيره من المجروحين، ثم بعد ه أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي، ومحمد بن الحسن الشيباني رويا عن الحسن بن عمارة وغيره من المجروحين، وكذلك من بعد هؤلاء من أئمة المسلمين قرنًا بعد قرن، لم يخل حديث إمام من الأئمة عن مطعون فيه من المحدثين والأئمة.
وفي ذلك غرض ظاهر، وهو أن يعرفوا الحديث من أين مخرجه، وأن المنفرد به مجروح أو عدل.
قال يحيى بن معين: كتبنا عن الكذابين، وسجرنا به التنور، وأخرجنا به خبزًا نضيجًا.
وقال الحاكم -رحمه الله -: وأهل العراق والشام والحجاز يشهدون لأهل خراسان بالتقدم في معرفة الصحيح، لسبق البخاري ومسلم إليه، وتفردهما به.
أصح الأسانيد
وأصح الأسانيد فيما قيل: مالك عن نافع عن ابن عمر.
والزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي.
ومحمد بن سيرين عن عبيدة عن علي.
ويحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة.
والزهري عن سالم عن أبيه.
الفرع الثاني: في انقسام الخبر إليها
الخبر ينقسم إلى: ما يجب تصديقه، وإلى ما يجب تكذيبه، وإلى ما يجب التوقف فيه.
فالأول: يتنوع أنواعًا.
أولها: ما أخبر عنه عدد التواتر، فيجب تصديقه ضرورة، وإن لم يدل عليه دليل آخر.
وثانيها: ما أخبر الله عنه، فهو صدق بدلالة استحالة الكذب عليه.
وثالثها: خبر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، بدليل المعجزة على صدقه.
ورابعها: ما أخبرت عنه الأمة، إذ ثبت عصمتها بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وخامسها: كل خبر يوافق ما أخبر الله عنه، أو رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أو الأمة.
وسادسها: كل خبر صح أنه ذكره المخبر، بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمسمع منه، ولم يكن غافلاً عنه، فسكت عنه.
وسابعها: كل خبر ذكر بين يدي جماعة أمسكوا عن تكذيبه، والعادة تقضي في مثل ذلك بالتكذيب، والامتناع من السكوت.
القسم الثاني: ما يجب تكذيبه، ويتنوع أنواعًا
أولها: ما يعلم خلافه بضرورة العقل أو نظره، أو الحس، أو أخبار التواتر، كمن أخبر عن الجمع بين الضدين، ونحو ذلك.
وثانيها: ما يخالف النص القاطع من الكتاب والسنة والإجماع.
وثالثها: ما صرح بتكذيبه جمع كثير يستحيل في العادة أن يتواطؤوا على الكذب.
ورابعها: ما سكت الجمع الكثير عن نقله والتحدث به، مع جريان الواقعة بمشهد منهم، ومع حالة العادة السكوت عن ذكره، لتوفر الدواعي على نقله كما لو أخبر مخبر أن أمير البلدة قتل في السوق على ملأ من الناس، ولم يتحدث أهل السوق به، فيقطع بكذبه.
القسم الثالث: ما يجب التوقف فيه
وهو جملة الأخبار الواردة في أحكام الشرع ما عدا القسمين المذكورين، مما لم يعرف صدقه ولا كذبه.
قسمة ثانية
أما التي يعلم صدقها.
فمنها: ما يعلم ضرورة، كالخبر بأن السماء فوق الأرض.
ومنها: ما يعلم باستدلال عقلي، كالخبر بحكمة الله.
ومنها: ما يعلم باستدلال سمعي، كالخبر بوجوب الصلاة والصوم ونحوهما.
ومنها: ما يعلم بأمر راجع إلى المخبر، وهو أن يكون ممن لا يجوز عليه الكذب. وهو نوعان:
أحدهما: لا يجوز الكذب عليه أصلاً، وهو الله تعالى، والرسول -صلى الله عليه وسلم-، لصدقه بالمعجزة، وإجماع الأمة.
الثاني: لا يجوز عليه الكذب فيما أخبر به وإن جاز في غيره، وذلك أن يكون المخبر ممن لا داعي له إلى الكذب، مثل أن يكونوا جماعة لا يجمعهم داع واحد إلى الكذب.
ومنها: ما يعلم صدقه من جهة السامع، مثل أن يخبر بحضرة من يدعي عليه العلم، ولم ينكره عليه، بشرط أن يكون السامعون جماعة لا يمسكها عن الإنكار رغبة ولا رهبة، فإن من العادة إنكارهم على من يخبر بالكذب عنهم.
وأما التي يعلم كذبها:
فمنها: ما يعلم كذبه ضرورة واستدلالاً، عقليًا وسمعيًا، كما قلنا في الصدق.
ومنها: ما يعلم كذبه بأمر راجع إلى الخبر وكيفية النقل، بأن ينقل نقلاً خفيًا ما كان من حقه أن ينقل نقلاً ظاهرًا، وقد توفرت دواعي الدين أو العادة أو كلاهما على نقله، كالنقل عن أصول الشرائع، أو عن حادثة وقعت في بلدة عظيمة، أو معجزة الأنبياء.
وأما التي لا يعلم صدقها ولا كذبها، فهي أخبار الآحاد، لا يجوز أن يكون كلها كذبًا، لأن العادة تمنع في الأخبار الكثيرة أن يكون كلها كذبًا، مع كثرة رواتها واختلافهم، ولا أن يكون كلها صدقًا، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «سيكذب علي بعدي» ولأن الأمة كذبوا جماعة من الرواة، وحذفوا أحاديث كثيرة علموا كذبها فلم يعملوا بها.
قسمة ثالثة
قسم يجب تصديقه، وقسم يجب تكذيبه، وقسم يحتملها على السواء، وقسم يترجح أحد احتماليه على الآخر.
فالأول والثاني: قد ذكرا فيما تقدم.
والثالث: خبر الفاسق، فإنه يحتمل الصدق والكذب، فإن كان صادرًا عن غلبة عقله، فيكون صدقًا، وإن كان صادرًا عن غلبة هواه، فيكون كذبًا.
والرابع: خبر العدل، فإن جانب صدقه أرجح، لظهور غلبة عقله على هواه، لكنه غير يقين.
الفرع [الثالث]: في أقسام الصحيح من الأخبار
الصحيح من الأخبار التي يعمل بهما قسمان: مشهور، وغريب.
فالمشهور ضربان:
أحدهما: ما بلغ حد التواتر، والآخر: ما لم يبلغ حد التواتر.
والغريب ضربان.
أحدهما: ما لم يدخل في حد الإنكار، والآخر: ما دخل في حد الإنكار.
فالأول يسمى: علم يقين، وهو أخبار التواتر.
والثاني: يسمى علم طمأنينة، وهو أخبار الآحاد التي لم يختلف السلف فيها وفي العمل بها.
والثالث يسمى: علم غالب الرأي، وهو ما اختلف العلماء في أحكام الحوادث على ورود أخبار فيها متعارضة، فقبلها بعضهم، وردها بعضهم بلا إنكار ولا تضليل.
والرابع يسمى: علم ظن، وهو مارده السلف من الأخبار التي يخشون منها الإثم على العامل بها، لقربها من الكذب، كما يخشون الإثم على تارك العمل بالمشهور، لقربه من الصدق، والمحدثون لا يطلقون اسم الصحيح إلا على مالا يتطرق إليه تهمة بوجه من الوجوه.
وما ليس بصحيح، فهو عندهم حسن، وغريب، وشاذ، ومعلل، ومنفرد به، ولكل واحد من هذه الأقسام شرح وبيان نذكره في هذا الفرع.
فلنقسم القول فيه إلى قسمين:
أحدهما: في الصحيح، والآخر: في الغريب، والحسن.
القسم الأول في الصحيح
وينقسم إلى عشرة أنواع، خمسة منها متفق على صحتها، وخمسة مختلف في صحتها.
النوع الأول: من المتفق عليه.
اختيار الإمامين أبي عبد الله البخاري، وأبي الحسين مسلم، وهي الدرجة العليا من الصحيح، وهو الحديث الذي يرويه الصحابي المشهور بالرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وله راويان ثقتان، ثم يرويه عنه التابعي المشهور بالرواية عن الصحابة وله راويان ثقتان، ثم يرويه عنه من أتباع التابعين الحافظ المتقن المشهور، وله رواة من الطبقة الرابعة، ثم يكون شيخ البخاري أو مسلم حافظًا متفنًا مشهورًا بالعدالة في روايته، فهذه الدرجة العليا من الصحيح.
والأحاديث المروية بهذه الشريطة لا يبلغ عددها عشرة آلاف حديث.
وكان مسلم أراد تخريج الصحيح على ثلاثة أقسام في الرواة، فلما فرغ من القسم الأول أدركته المنية، وهو في حد الكهولة.
وكيف يجوز أن يقول: إن أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تبلغ عشرة آلاف حديث وقد روى عنه من الصحابة أربعة آلاف رجل وامرأة، صحبوه نيفًا وعشرين سنة بمكة والمدينة، حفظوا عنه أقواله وأفعاله، ونومه ويقظته، وحركاته وسكناته، وكل حالاته، من جده وهزله، وقد كان الحافظ من الحفاظ يحفظ خمسمائة ألف حديث وستمائة ألف، وسبعمائة ألف؟ !.
وهذا الشرط الذي ذكرناه، قد ذكره الحاكم أبو عبد الله النيسابوري.
وقد قال غيره: إن هذا الشرط غير مطّرد في كتابي البخاري ومسلم، فإنهما قد أخرجا فيهما أحاديث على غير هذا الشرط.
والظن بالحاكم غير هذا، فإنه كان عالمًا بهذا الفن، خبيرًا بغوامضه، عارفًا بأسراره، وما قال هذا القول وحكم على الكتابين بهذا الحكم إلا بعد التفتيش والاختبار والتيقن لما حكم به عليهما.
ثم غاية ما يدعيه هذا القائل، أنه تتبع الأحاديث التي في الكتابين، فوجد فيهما أحاديث لم ترد على الشرط الذي ذكره الحاكم، وهذا منتهى ما يمكنه أن ينقض به، وليس ذلك ناقضًا، ولا يصلح أن يكون دافعًا لقول الحاكم، فإن الحاكم مثبت، وهذا ناف، والمثبت يقدم على النافي، وكيف يجوز له أن يقضي بانتفاء هذا الحكم بكونه لم يجده، ولعل غيره قد وجده ولم يبلغه وبلغ سواه؟ وحسن الظن بالعلماء أحسن، والتوصل في تصديق أقوالهم أولى، على أن قول الحاكم له تأويلان.
أحدهما: أن يكون الحديث قد رواه عن الصحابي المشهور بالرواية راويان، ورواه عن ذينك الراويين أربعة، عن كل راو راويان، وكذلك إلى البخاري ومسلم.
التأويل الثاني: أن يكون للصحابي راويان ويروي الحديث عنه أحدهما، ثم يكون لهذا الراوي راويان، ويروي الحديث عنه أحدهما، وكذلك لكل واحد ممن يروي ذلك الحديث راويان، فيكون الغرض من هذا الشرط تزكية الرواة، واشتهار ذلك الحديث بصدوره عن قوم مشهورين بالحديث، والنقل عن المشهورين بالحديث والرواة، لا أنه صادر عن غير مشهور بالرواية والرواة والأصحاب.
فإن كان غرض الحاكم من قوله التأويل الأول، فقد سبق الاحتجاج له على من رام نقضه، على أن هذا الشرط قد ذهب إليه قوم من العلماء، ولم يحتجوا بحديث خرج عن هذا الشرط، ولا اعتدوا به، وقد سبق ذكره فيما سبق. وقد تقدم من هذه المقدمة، وبينا أنه ليس شرطًا في الاحتجاج عند الأكثرين.
على أنا نعلم يقينًا أنه لم يقصد إلى إثبات الصحيح وتخريجه، والاحتياط فيه، مثل البخاري ومسلم، وهذا الطريق هو الغاية في إثبات الصحيح، فمن يكون أجدر من البخاري ومسلم؟.
على أنهما إن كانا قد أخرجاه كذلك، فإنهما لم يجعلا ذلك شرطًا لا يجوز قبول حديث لم يتصف به، وإنما فعلا الأحوط، وراما الأعلى والأشرف.
وإن كان غرض الحاكم التأويل الثاني، فقد اندفع النقض، وكفينا هذه الكلفة.
النوع الثاني: من المتفق عليه
الحديث الذي ينقله العدل عن العدل، ويرويه الثقات الحفاظ إلى الصحابي وليس لهذا الصحابيّ إلا راو واحد.
مثاله: حديث عروة بن مضرّس الطائي قال: «أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بالمزدلفة، فقلت: يا رسول الله، أتيتك من جبلي طيّئٍ، أتعبت فرسي وأكللت مطيّتي، والله ما تركت من جبل إلا وقد وقفت عليه، فهل لي من حج؟».
هذا حديث من أصول الشريعة مقبول بين الفقهاء، ورواته كلهم ثقات، ولم يخرجه البخاري ومسلم في كتابيهما، إذ ليس له راو عن عروة بن مضرس غير الشعبي.
وشواهد هذا كثيرة في الصحابة، نحو قيس بن أبي غرزة الغفاري، على كثرة روايته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ليس له راو غير أبي وائل شقيق بن سلمة.
وأبو وائل: من كبار التابعين بالكوفة، أدرك عمر، وعثمان، وعليًا، ومن بعدهم من الصحابة.
أسامة بن شريك وقطبة بن مالك، على اشتهارهما في الصحابة، ليس لهما راو غير زياد بن علاقة، وهو من كبار التابعين.
وغيرهم من الصحابة ممن يجري مجراهم، لم يخرّج البخاري ومسلم هذا النوع في كتابيهما، وأحاديثهم متداولة بين الفقهاء، محتج بها في الأسانيد.
النوع الثالث: من المتفق عليه
أخبار جماعة من التابعين عن الصحابة، والتابعون ثقات، إلا أنه ليس لكل واحد منهم إلا الراوي الواحد، مثل: محمد بن حنين، وعبد الرحمن بن فروخ، وعبد الرحمن بن معبد وغيرهم، ليس لهم راو غير عمرو بن دينار، وهو إمام أهل
مكة، وكذلك محمد بن مسلم الزّهري، تفرد بالرواية عن جماعة من التابعين، منهم عمرو ابن أبان، ومحمد بن عروة بن الزبير.
وتفرد يحيى بن سعيد الأنصاري عن جماعة من التابعين، وليس في كتابي البخاري ومسلم من هذه الروايات شيء، وهي كلها صحيحة، بنقل العدل عن العدل، وهي متداولة بين الفقهاء، محتج بها.
النوع الرابع: من المتفق عليه
الأحاديث الأفراد التي يرويها الثقات وليس لها طرق مخرجة في الكتب، مثل حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى يجيء رمضان».
وقد خرج مسلم أحاديث العلاء أكثرها في كتابه، وترك هذا وأشباهه، مما ينفرد به العلاء عن أبيه عن أبي هريرة.
ومثل حديث أيمن بن نابل المكي عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في التشهد: «بسم الله وبالله».
وأيمن بن نابل: ثقة، وأحاديثه مخرجة في «صحيح البخاري»، ولم يخرج هذا الحديث، إذ ليس له متابع عن أبي الزبير من وجه يصح.
وشواهد هذا القسم كثيرة، كلها صحيحة الإسناد، غير مخرجة في كتابي البخاري ومسلم، فيستدل بالقليل الذي ذكرناه على الكثير الذي لم نذكره من ذلك.
النوع الخامس: من المتفق عليه
أحاديث جماعة من الأئمة عن آبائهم عن أجدادهم، ولم تتواتر الرواية عن آبائهم وأجدادهم إلا عنهم، كصحيفة عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، وجده: عبد الله بن عمرو بن العاص.
ومثل بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وجده: معاوية بن حيدة القشيري، وهما صحابيان، وأحفادهما ثقات، وأحاديثهما على كثرتها، محتج بها في كتب العلماء، وليست في كتابي البخاري ومسلم.
النوع السادس: وهو الأول من المختلف فيه
المراسيل: وقد تقدم القول فيها، واختلاف الأئمة في قبولها، والعمل بها، وردها، وترك الاحتجاج بها، وذلك في «الفرع الخامس» من «الفصل الأول» من هذا الباب.
النوع السابع: وهو الثاني من المختلف فيه
رواية المدلسين إذا لم يذكروا سماعهم في الرواية، فيقولون: قال فلان، ممن هو معاصرهم، رأوه أو لم يروه، ولا يكون لهم عنه سماع ولا إجازة، ولا طريق من الرواية، فيوهمون بقولهم: قال فلان، أنهم قد سمعوا منه أو أجازه لهم، أو غير ذلك، فيكونون في قولهم: قال فلان، صادقين، لأنهم يكونون قد سمعوه من واحد أو أكثر منه عنه، وهذا يسمونه بينهم تدليسًا، للإيهام الذي حصل فيه.
وقد جعله قوم صحيحًا محتجًا به، منهم: أبو حنيفة، وإبراهيم النخعي، وحماد ابن أبي سليمان، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، ومن تابعهم من أئمة الكوفة.
وجعله قوم غير صحيح، ولا يحتج به، منهم: الشافعي، وابن المسيب، والزهري، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، ومن تابعهم من أئمة الحجاز.
وأهل الحديث لا يعدّونه صحيحًا، ولا محتجًا به.
وهو على ستة أصناف:
الأول: جماعة دلسوا عن الثقات الذين هم في الثقة مثلهم أو دونهم أو فوقهم، إلا أنهم لم يخرجوا من عداد الذين تقبل أخبارهم، لأنهم لم يكن غرضهم بذلك التدليس، إنما كان غرضهم حث الناس على الخير، والدعاء إلى الله تعالى، لا رواية الحديث، فإنهم متى أرادوا رواية الحديث ذكروا طرقه.
منهم: قتادة بن دعامة، إمام أهل البصرة يقول: قال أنس، أو قال الحسن، وهو مشهور بالتدليس عنهما فيما لم يذكروا روايته: ب «أخبرنا»، «وحدثنا»، و«سمعت»، ونحو ذلك.
الصنف الثاني: قوم يدلسون الحديث، فيقولون: قال فلان، فإذا حقق معهم أحد ذلك، ذكروا طريق سماعه.
منهم: سفيان بن عيينة، وهو إمام من أئمة أهل مكة يقول: قال الزهري، أو قال عمرو بن دينار، وسفيان مشهور بالسماع منهم جميعًا، إلا أنه لم يذكر طريق روايته في هذا الحديث، وقد عرف منه أنه يدلس فيما يفوته سماعه، كما قال علي ابن خشرم: كنا عند سفيان بن عيينة، فقال: قال الزهري: قيل له: حدثكم الزهري؟ فسكت ثم قال: قال الزهري: فقيل له: سمعته من الزهري؟ فقال: لا، لم أسمعه من الزهري، ولا ممن سمعه من الزهري، حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، ألا تراه دلس أولاً، فلما استفسر، ذكر طريق سماعه.
والتدليس: إنما يتم إذا روى عن معاصره، أما إذا روى عن غير معاصره، فلا يكون مدلسًا، ويدخل في حد المرسل، وقد ذكرناه.
الصنف الثالث: قوم يدلسون الحديث على أقوام مجهولين، لا يدرى من هم، ولا من أين هم، فيذكرون أسماء لا تعرف.
الصنف الرابع: قوم دلسوا أحاديث رووها عن المجروحين فغيروا أسماءهم وكناهم، كيلا يعرفوا.
الصنف الخامس: قوم دلسوا عن قوم سمعوا منهم الكثير، وربما فاتهم الشيء عنهم فيدلسونه، ولا يذكرون طريق روايتهم إذا سئلوا.
الصنف السادس: قوم رووا عن شيوخ لم يروهم قط، ولم يسمعوا منهم، إنما قالوا: قال فلان، فحمل ذلك عنهم على السماع، وليس عندهم عنهم سماع.
النوع الثامن: وهو الثالث من المختلف فيه
خبرٌ يرويه ثقة من الثقات، عن إمام من أئمة المسلمين، ثم يرويه عنه جماعة من الثقات فيرسلونه.
مثاله: حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من سمع النداء فلم يجب، فلا صلاة له إلا من عذر» هكذا رواه عدي بن ثابت عن سعيد ابن جبير، وهو ثقة، وقد وقفه سائر أصحاب سعيد بن جبير.
وهذا القسم مما يكثر، وهو صحيح على مذهب الفقهاء، والقول عندهم فيه قول من زاد في الإسناد، أو المتن، إذا كان ثقة.
وأما أئمة الحديث، فإن القول فيه عندهم قول الجمهور الذي وقفوه، وأرسلوه لما يخشى من الوهم على هذا الوجه المذكور.
النوع التاسع: وهو الرابع من المختلف فيه
روايات محدّث صحيح السماع، صحيح الكتاب، معروف بالرواية، ظاهر العدالة، غير أنه لا يعرف ما يحدث به ولا يحفظه، قال الحاكم: كأكثر محدثي زماننا هذا، وهو محتج به عند أكثر أهل الحديث، وجماعة من الفقهاء، فأما أبو حنيفة ومالك - رحمهما الله -، فلا يريان الحجة به.
قلت: إذا كان الحاكم يقول عن زمانه، وهو قريب من الصدر الأول، كأكثر محدثي زماننا، فما عسى أن نقول نحن في زماننا هذا، لكنا نسأل الله العصمة والتوفيق، والسداد في القول والعمل.
النوع العاشر: وهو الخامس من المختلف فيه
روايات المبتدعة، وأصحاب الأهواء، وهي عند أكثر أهل الحديث مقبولة إذا كانوا فيها صادقين، فقد أخرج البخاري في «صحيحه» عن عباد بن يعقوب، وكان أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: حدثني الصدوق في روايته المتهم في دينه: عباد بن يعقوب، وأخرج البخاري أيضًا في «صحيحه» عن محمد بن زياد، وحريز ابن عثمان، وهما مشهوران بالنصب، وأخرج هو ومسلم في كتابيهما عن أبي معاوية محمد بن خازم، وعن عبيد الله بن موسى، وقد اشتهر عنهما الغلو.
وأما مالك بن أنس، فإنه يقول: لا يؤخذ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه، ولا من كذاب يكذب في حديث الناس، وإن كان لا يتهم أنه يكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال الحاكم: هذه وجوه الصحيح المتفقة والمختلفة، قد ذكرناها لئلا يتوهم متوهم أنه ليس يصح من الحديث إلا ما أخرجه البخاري ومسلم، فإنا نظرنا فوجدنا البخاري قد صنف كتابًا في التاريخ، جمع أسامي، من روي عنهم الحديث من
زمان الصحابة إلى زمن خمسين، فبلغ عددهم قريبًا من أربعين ألف رجل وامرأة، خرج في «صحيحه» عن جماعة منهم، وخرج مسلم في «صحيحه» عن جماعة.
قال الحاكم: جمعت أنا أساميهم، وما اختلفا فيه، فاحتج به أحدهما، ولم يحتج به الآخر، فلم يبلغوا ألفي رجل وامرأة.
قال: ثم جمعت من ظهر جرحه من جملة الأربعين ألفًا، فبلغ مائتين وستة وعشرين رجلاً.فليعلم طالب هذا العلم: أن أكثر رواة الأخبار ثقات، وأن الدرجة العليا، للذين في «صحيحي البخاري ومسلم» وأن الباقين أكثرهم ثقات، وإنما سقطت أساميهم من «الصحيحين» للوجوه التي قدمنا ذكرها، لا لجرح فيهم، وطعن في عدالتهم، وإنما فعلا ذلك في كتابيهما زيادة في الاحتياط، وطلبًا لأشرف المنازل وأعلى الرتب، وباقي الأحاديث معمول بها عند الأئمة.
ألا ترى أن الإمام أبا عيسى الترمذي - رحمه الله - وهو من المشهورين بالحديث والفقه - قال في آخر كتابه«الجامع»: إن جميع ما في كتابنا من الحديث معمول به، وأخذ به بعض أهل العلم، ما خلا حديثين.
أحدهما: حديث ابن عباس «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر بالمدينة، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر».
والثاني: حديث معاوية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه».
وما عدا هذين الحديثين، فقد عمل به قوم، وترك العمل به آخرون.
فإذا كان كتاب الترمذي على كثرة ما فيه من الأحاديث، لم يسقط العمل بشيء منه، إلا بحديثين، فكيف يظن أنه لا صحيح إلا ما في كتابي البخاري ومسلم؟!.
القسم الثاني: في الغريب والحسن وما يجري مجراهما
قد تقدم في القسم الأول ذكر الصحيح المتفق عليه، والمختلف فيه: يدخل في هذا القسم عند من خالف في صحته.
وللغريب أنواع أخرى من جهات متعددة، فرب حديث مخرج في الصحيح، وهو غريب من جهة طريقه، مثل حديث جابر بن عبد الله في حفر الخندق، وجوع
النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعصيبه بطنه، وذكر أهل الصفة، وهو حديث طويل قد أخرجه البخاري، وقد تفرد به عبد الواحد بن أيمن عن أبيه وهو من غرائب الصحيح.
ومثل حديث عبد الله بن عمرو لما حاصر النبي - صلى الله عليه وسلم - الطائف وقوله: «إنا قافلون غدًا...» الحديث، وقد أخرجه مسلم في كتابه، وهو غريب تفرد به السائب بن فروخ الشاعر عن ابن عمرو.
ومن الغرائب: غرائب الشيوخ، مثل قول ابن عمر: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا يبيع حاضر لباد» رواه الربيع بن سليمان عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر، ولم يروه عن مالك غير الشافعي، ولا الشافعي غير الربيع.
ومن الغرائب: غرائب المتون، كما روى محمد بن المنكدر عن جابر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق..». الحديث. فهذا غريب المتن، وفي إسناده غرابة أيضًا.
ومن الغرائب: الإفراد، وهو أن ينفرد أهل مدينة واحدة عن صحابي بأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا يرويها عنه أهل مدينة أخرى، أو ينفرد به راو واحد عن إمام من الأئمة وهو مشهور، مثل ما حدث حماد بن سلمة عن أبي العشراء عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، ما تكون الذكاة إلا في الحلق واللّبّة؟ فقال: «لو طعنت في فخذها أجزأ عنك» فهذا حديث تفرد به حماد بن سلمة عن أبي العشراء، إلا هذا الحديث، وإن كان مشهورًا عند أهل العلم، وإنما اشتهر من حديث حماد.
وربّ حديث يحدث به رجل من الأئمة وحده، فيشتهر لكثرة من يرويه عنه، مثل ما روى عبد الله بن دينار، عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «نهى عن بيع الولاء وهبته» هذا حديث لا يعرف إلا من حديث عبد الله بن دينار رواه عنه عبيد الله بن عبد الله بن عمر، وشعبة، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس وغير واحد من الأئمة.
ورب حديث إنما يستغرب لزيادة تكون فيه، وإنما يصح إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه، مثل ما روى مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال: «فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين: صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير»، فزاد مالك في هذا الحديث «من المسلمين».
وروى أيوب السّختياني، وعبيد الله بن عمر، وغير واحد من الأئمة هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر، ولم يذكروا فيه «من المسلمين».
فأخذ جماعة من الأئمة بحديث مالك، واحتجوّا به، منهم الشافعي، وأحمد ابن حنبل، وغيرهما.
قالوا: إذا كان للرجل عبيد غير مسلمين، لم يؤدّ عنهم صدقة الفطر.
فإذا زاد حافظ ممن يعتمد على حفظه وثقته. قبل ذلك منه، وكان الحديث مع ذلك غريبًا لهذه الزيادة.
ورب أحاديث مشهورة في أيدي الناس، متداولة بين الأئمة، لم يخرج منها في الصحيح شيء.
ورب أحاديث خرجت في الصحيح، وهي غير مشهورة ولا متداولة بين الأئمة.
ورب حديث شاذ انفرد به الثقة، إلا أنه لا أصل له، ولا يتابع عليه، فيخالف فيه الناس، ولا يعرف له علة يعلل بها، فإن الحديث المعلل: هو ما عرفت علته، فذكرت، فزال الخلل منه.
والشاذ: ما لا يعرف له علة.
ورب حديث يروى من أوجه كثيرة، وإنما يستغرب لإسناده.
مثل: ما حدث أبو كريب وأبو هشام الرفاعي، وأبو السائب، والحسين بن الأسود قالوا: حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن جده أبي بردة عن أبي موسى، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الكافر يأكل في سبعة أمعاء، والمؤمن يأكل في معي واحد» هذا حديث غريب من قبل إسناده، فإنه قد روي هذا الحديث من غير وجه، وإنما استغرب من حديث أبي موسى لا غير.
قال الترمذي رحمه الله: ما ذكرنا في كتابنا - يعني «الجامع» الذي له - حديث حسن، فإنما أردنا حسن إسناده عندنا، كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتّهم بالكذب ولا يكون الحديث شاذًا، ويروى من غير وجه نحو ذلك، فهو عندنا حديث حسن.
فالحديث الحسن إذًا: واسطة بين الصحيح والغريب، والله أعلم.
هذا آخر القول في الباب الثالث من هذه المقدمة

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الرابع, الفصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:47 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir