دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الثامن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 رمضان 1441هـ/10-05-2020م, 12:03 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فداء حسين مشاهدة المشاركة
تطبيقات الدرس السادس:
1: معنى البلاء في قول الله تعالى: {وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم}:


ورد في معنى (البلاء) ثلاثة أقوال:
القول الأول: النعمة. قاله ابن عباس والسدي ومجاهد وابن جريج.
قال ابن عباس، قوله: ﴿بلاء من ربكم عظيم﴾ ، قال: نعمة. رواه عنه ابن ابي طلحة. رواه الطبري في تفسيره.
وتوجيه هذا القول بأن اسم الإشارة (ذلكم) يعود على الإنجاء , وهذه من أعظم المنن ومن كريم إحسان المحسن , فوجب التنبيه عليها للتنبيه على القيام بحقها من الشكر.
فيكون معنى الآية: وفي تنجيتكم من عدوكم نعمة من الله عليكم.

القول الثاني: وهو عكس القول الأول فقالوا معناه النقمة , وهو ما وقع لهم من شر. رواه السدي عن أشياخه, ذكر ذلك ابن الجوزي. وذكره القرطبي ونسبه إلى الجمهور.
وعلى هذا القول يكون اسم الإشارة عائد إلى من حصل عليهم من قتل لأبنائهم واستحياء لنسائهم , وهو أمر عظيم كذلك , ففيه ذهاب نعمة الأمن وهي من أعظم النعم, وفقدها من أعظم المصائب.
فيكون معنى الآية: وفي ما حصل لكم من ذبح لأبنائكم واستحياء لنسائكم شر ومكروه واختبار لكم.

القول الثالث : الاختبار والابتلاء , ذكره الطبري ورجحه.
قال الطبري بعد أن ذكر معنى البلاء :(ثم تسمي العرب الخير"بلاء" والشر"بلاء". غير أن الأكثر في الشر أن يقال:"بلوته أبلوه بلاء"، وفي الخير:"أبليته أبليه إبلاء وبلاء"، ومن ذلك قول زهير بن أبي سلمى:
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم ... وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو
فجمع بين اللغتين، لأنه أراد: فأنعم الله عليهما خير النعم التي يختبر بها عباده.

الراجح:
كلمة "البلاء" عند العرب تعني الاختبار والامتحان، وقد تستعمل في الخير وقد تستعمل في الشر, لأن الاختبار يكون بأحدهما, مع كون الغالب استعمالها في الشر.
قال تعالى:{فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} وقال:{وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي: اختبرناهم.

فلا تعارض بين المعنيين المذكورين, ويمكن حمل الآية عليهما لاحتمالها الوجهين على معنى صحيح : فالنجاة من عدوهم كانت نعمة , وما حصل لهم من قتل وتعذيب وذل كان نقمة عليهم .
ولا سبيل إلى تذكر هذه النعمة والقيام بحقها من الشكر دون تذكر ما وقع عليهم من نقمة : وهو الذي من المفترض أن يزيد في قيامهم بشكر المنعم.
وقد كان ما حصل لهم من الشر على أيدي أعدائهم ابتلاء واختبار من الله للصبر , وأيضا ما حصل لهم من نعمة النجاة ابتلاء واختبار للشكر , لينظر ماذا يعملون .


4: معنى النحر في قول الله تعالى: {فصلّ لربّك وانحر}:
جاء في معنى الآية خمسة أقوال نسردها لبيانها:
القول الأول : الذبح , واختلفوا في تعيينه المراد منه على عدة اقوال:
- اذبح نسكك يوم النحر. قاله أنس رضي الله عنه, وقاله ابن عباس, وعكرمة وابو جعفر والربيع وعطاء والحسن وقتادة, ونسبه ابن الجوزي للجمهور
قال أنس بن مالك، قال: (كان النبي ﷺ ينحر قبل أن يصلي، فأمر أن يصلي ثم ينحر), رواه عنه جابر , رواه الطبري.

- نحر الإبل بمنى. قاله سعيد ابن جبير وحجاج.

- {وانحر} نحر الإبل. قاله ابن عباس مجاهد وأبو جعفر وعكرمة.

- المراد يوم الحديبية، حين حصر النبيّ ﷺ وأصحابه، فأمره الله أن يصلي، وينحر البُدن، وينصرف، ففعل. قاله سعيد بن جبير.
فال سعيد بن جُبير: كانت هذه الآية يوم الحديبية، أتاه جبريل ع-ليه السلام- فقال: انحر وارجع، فقام رسول الله ﷺ، فخطب خطبة الفطر والنحر ثم ركع ركعتين، ثم انصرف إلى البُدن فنحرها، فذلك حين يقول: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ . رواه عنه أبو معاوية البجلي, رواه الطبري.

- جعل صلاته ونسكه لله، لأن قوما كانوا يصلون وينحرون لغير الله.، قالَه القرظي.
قال محمد بن كعب القرظي: إن ناسا كانوا يصلون لغير الله، وينحرون لغير الله، فإذا أعطيناك الكوثر يا محمد، فلا تكن صلاتك ونحرك إلا لي. رواه أبو صخر عنه, رواه الطبري.
وهو قول عام في المراد بالصلاة والنسك, كقول من قال بأنها الصلاة المكتوبة والنسك.

القول الثاني: {وانحر} هو أمر برفع اليدين إلى النحر عند تكبيرة الإحرام للدخول في الصلاة. قاله ابو جعفر بن علي وعطاء وقاله مقاتل ومكي بن أبي القيسي.
وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : (لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ النَّحِيرَةُ الَّتِي أَمَرَنِي بِهَا رَبِّي؟ " فَقَالَ: لَيْسَتْ بِنَحِيرَةٍ، وَلَكِنَّهُ يَأْمُرُكَ إِذَا تَحَرَّمْتَ لِلصَّلَاةِ، ارْفَعْ يَدَيْكَ إِذَا كَبَّرْتَ وَإِذَا رَكَعْتَ، وَإِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ، وَإِذَا سَجَدْتَ، فَإِنَّهَا صَلَاتُنَا وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ فِي السَّمَوَاتِ السَّبْعِ، وَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ زِينَةً، وَزِينَةُ الصَّلَاةِ رَفَعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ).
رواه ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ورَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ بْنِ حَاتِمٍ، بِهِ.
قال الحافظ ابن كثير عنه: حديث منكر جدا.
ورواه ابن حبان في المجروحين من طريق إسرائيل بن حاتم، به, وقال عنه: "هذا متن باطل إلا ذكر رفع اليدين فيه، وهذا خبر رواه عمر بن صبح، عن مقاتل بن حيان، وعمر بن صبح يضع الحديث فطفر عليه إسرائيل بن حاتم فحدث به عن مقاتل"
وهذا القول غريب وبعيد ولا يتناسب مع سياق الآيات ولا ظاهر معناها ولو صح لغة.

القول الثالث: { وانحر} وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى على نحره في الصلاة. قاله علي بن ابي طالب والشعبي وابو القموص وكي بن أبي القيسي.
فعلى هذا يكون النحر ليس بمصدر نحر بل هو الصدر. ذكره ابن عطية
قال ابن كثير:(وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَانْحَرْ﴾ وَضْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى تَحْتَ النَّحْرِ. يُرْوَى هَذَا عَنْ عَلِيٍّ، وَلَا يَصِحُّ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ مِثْلَهُ).

القول الرابع : {فصل لربك وانحر} أي: استو بين السجدتين ساجدا حتى يبدو نحرك. ذكره أبو حيان ونسبه للضحاك.

القول الخامس : معنى{فصل لربك وانحر} أي: استقبل القبلة بنحرك. ذكره القرطبي ونسبه إلى ابن عباس برواية أبي صالح عنه, ونسبه إلى الفراء والكلبي وأبي الأحوص.
توجيه ذا القول: أنه قد سمع من بعض العرب قولهم : منازلهم تتناحر: أي هذا بنحر هذا: أي قبالته.

الراجح:
جاء في كتاب العين في معنى النحر : (نحر: إذا تشاح القوم على أمر قيل: انتحروا وتناحروا من شدة حرصهم.
والنحر: ذبحك البعير بطعنة في النحر, حيث يبدو الحلقوم من أعلى الصدر, ونحرته أنحره نحرا).
وقال أيضا :(وإذا انتصب الإنسان في صلاته فنهد قيل: قد نحر).
وقال: (وهذه الدار تنحر تلك الدار: إذا استقبلتها).
وجاء في لسان العرب : النحر : الصدر . والنحور : الصدور . ابن سيده : نحر الصدر أعلاه ، وقيل : هو موضع القلادة منه.

فيستخلص من هذا بأن معنى النحر:
- الصدر .
- الذبح.
- الاستقبال.

والمراد بالنحر هنا هو إصابة موضع النحر وهو الذبح , فبعد أن ذكر الله-سبحانه- منته على رسوله -عليه الصلاة والسلام- بما أعطاه إياه من الخير الذي يجمع خيري الدنيا والآخرة , أمره بقوله:{فصل لربك وانحر} فالفاء هنا للسببية , فلأجل هذه النعم العظيمة توجب القيام بحق الشكر, وقد كان عليه الصلاة والسلام- يصلي حتى تتفظر قدماه ولما يسأل يقول:(أفلا أكون عبدا شكورا).
وهذا كقوله تعالى: ﴿قُلْ إنَّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْيايَ ومَماتِي لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾.

وباقي الأقوال معتمدة على المعنى اللغوي للنحر وهو الصدر كما ذكره ابن عطية , وهي ترجع إلى ما يكون في الصلاة من وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى , والجلوس مستقيما عند التشهد.
وقد قال ابن كثير عنها:(كُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ غَرِيبَةٌ جِدًّا! وَالصَّحِيحُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّحْرِ ذَبْحُ الْمَنَاسِكِ؛ وَلِهَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يصلي الْعِيدَ ثُمَّ يَنْحَرُ نُسُكَهُ وَيَقُولُ: "مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَنَسَكَ نُسُكَنَا، فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ. وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلَا نُسُكَ لَهُ". فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نَيَّارٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي نَسكتُ شَاتِي قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ. قَالَ: "شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ". قَالَ: فَإِنَّ عِنْدِي عِنَاقًا هِيَ أَحَبُّ إليَّ مِنْ شَاتَيْنِ، أَفَتُجْزِئُ عَنِّي؟ قَالَ: "تُجْزِئُكَ، وَلَا تُجَزِئُ أَحَدًا بَعْدَكَ").

ولعل القول الخامس يمكن حمل الآية عليه , كون استقبال القبلة عند الذبح من السنن , ولعل المراد استقبال قبلة القلب أيضا , فعند أداء عبادة الذبح لله يقوم في القلب عبادات جليلة من الذل والافتقار والمحبة والخوف والرجاء , فيكون الأمر هنا بالعبادة الظاهرة وهي الذبح , والبادة الباطنة كذلك والله أعلم.


تطبيقات الدرس السابع:
بيّن المراد بالمفردات التاليات:
(1) المحروم في قول الله تعالى: {والذين في أموالهم حق معلوم . للسائل والمحروم}:

تنوعت اقوال السلف في المراد بالمحروم , وكثرت الأقوال حتى قالَ الشَعْبِيُّ: أعْيانِي أنْ أعْلَمَ ما "المَحْرُومِ"!

القول الأول: هو المحارَف, وهو الذي لا يصيب خيرا من وجه توجه إليه.
القول الثاني: لذي يطلب الدنيا وتدبر عنه، فلا يسأل الناس
القول الثالث: الذي ليس له أحد يعطف عليه، أو يعطيه شيئا.
القةل الرابع : الذي لا فيء له في الإسلام، ولا سهم له من الغنيمة.
القول الخامس: هو الذي لا ينمي له مال.
القول السادس: هو الذي قد اجتيح ماله فذهب ثمره.
كما في قوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ ... ﴾ حتى قال : ﴿مَحْرُومُونَ﴾, وقال أصحاب الجنة: ﴿إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ .
القول السابع: الفقير المتعفف عن السؤال.
القول الثامن: المملوك.
القول التاسع: الكلب.
وقال ابن عطية:(وقَدْ يَكُونُ الكَلْبُ مَحْرُومًا في بَعْضِ الأوقاتِ والحالاتِ، ألّا تَرى إلى الَّذِي يَأْكُلُ الثَرى مِنَ العَطَشِ...الحديث.

الراجح:
جاء في كتاب العين للخليل في معنى المحروم: (والمحروم: الذي حرم الخير حرمانا).
فلا منافاة بين هذه الأقوال, فالمحروم اسم جنس فيمن عسرت حاله وعسر عليه الطلب, ويقابله قوله تعالى قبله{للسائل}, فالمحروم من أصابته الفاقة وذهب ماله وليس له غيره , وليس له ما يعوضه به : وقد يكون ذهاب ماله بآفة اجتاحت ثمره , أو وباء أهلك ماشيته , أو لكونه ليس له سهم في الغنيمة أو الفيئ لغيبته عن الوقعة, أو لكونه مملوكا لا يملك وقد يريد مكاتبة مولاه
وتأكدت حاجته وعظمت بسبب تعففه وتركه المسألة, كما قال -عليه الصلاة والسلام-في الحديث المتفق عليه:(ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة واللقمتان، وإنما المسكين الذي يتعفف).
وقال تعالى:{ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}.
وقول من قال بأنه الكلب: لعله اشار إلى قوله عليه الصلاة والسلام:(وفي كل كبدة رطبة أجر) وما جاء في حديث البغي التي سقت الكلب ماء فغفر الله لها, وحمل الآية عليه هنا قد لا يستقيم-والله أعلم-


(2) الباقيات الصالحات:
فسره السلف بعدة اقوال :
القول الأول: أنها الصلوات الخمس المكتوبة. وهو قول ابن عباس وسعيد ابن جبير وإبراهيم النخعي وعمرو بن شرحبيل وأبي ميسرة.

القول الثاني: أن المراد منها التسبيح والتحميد. قاله عثمان وابن عباس وابن عمر وسعيد ابن المسيب وابن جريج وعطاء ومجاهد والقرظي .
فقد جاء من حديث أبي هريرة عن النبي-صلى الله عليه وسلم :(...قولوا: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر؛ فإنها يأتين يوم القيامة منجيات ومقدَّمات، وهن الباقيات الصالحات).
رواه النسائي والحاكم.
وجاء بلفظ عند الطبري بقوله (من الباقيات الصالحات).

القول الثالث :
أنها الكلم الطيب. قاله ابن عباس.

القول الرابع: أنها العمل بطاعة الله , فهل تشمل جميع الأعمال الصالحة الحسنة. قاله ابن عباس وابن زيد.

الراجح :
م
عنى (بقي) الدوام .
قال الخليل : يقال بقي الشيء يبقى بقاء , وهو ضد الفناء.

فالباقيات هي التي تبقى, وما يبقى هو الذي ينفع صاحبه في الدارين , لذلك جاءت هذه الآية في سورة الكهف بعد ذكر أنواع زينة الحياة الدنيا من المال والبنون, فنبه على منزلتهما بقوله:{الدنيا} وما في الدنيا يذهب ويضمحل كما جاء في الآيات التي قبلها في وصف الحياة الدنيا:{فأصبح هشيما تذروه الرياح} .
ثم ونبه على علو النوع الثاني ودوامه بقوله:{والباقيات}.
كما جاء فيما رواه مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:(إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له).
فكل ما بقي ثوابه جاز أن يقال فيه (الباقيات الصالحات).

فالقول الرابع هو أعم الأقوال وهو الصحيح, فجميع ما ذكر إنما كان مثالا للباقيات الصالحات, لذلك قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث: (هنّ من الباقيات الصالحات)، ولم يقل: هن جميع الباقيات الصالحات، فهو من باب ضرب المثال فلا تضاد بين هذه الأقوال.
قال الطبري: (وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: هنّ جميع أعمال الخير، كالذي رُوي عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، لأن ذلك كله من الصالحات التي تبقى لصاحبها في الآخرة، وعليها يجازى ويُثاب، وإن الله عزّ ذكره لم يخصص من قوله ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا﴾ بعضا دون بعض في كتاب، ولا بخبر عن رسول الله ﷺ.)

أيضا جاء التنبيه على شرطي قبول العمل بقوله:{الباقيات} فلا يبقى إلا ما كان خالصا صوابا, لذلك أتبعه بقول:{الصالحات} فبقاؤها مرتهن بصلاحها.
أما ما اختل فيه شرط من الشروط فهو كما قال تعالى:{وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} وقال:{قُلْ هلْ نُنَبِّئُكُم بالأخْسَرينَ أعْمالاً* الذينَ ضلَّ سَعْيُهُمْ في الحياةِ الدُّنيا وهُمْ يَحْسَبونَ أنَّهُم يُحْسِنونَ صُنْعً} وقد ذكرت هذه الاية في نفس سورة الكهف التي ورد ذكر الباقيات الصالحات فيها.


تطبيقات الدرس الثامن:
بيّن أثر دلالة الإعراب على المفردات التالية:
(1) سبيل في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين}:

(تستبين) يحتمل اللزوم والتعدي:
- فالقول بالتعدي يكون في قراءة نصب (سبيل), ويكون الخطاب للرسول-صلى الله عليه وسلم- فيكون المعنى:
ولتستبين با محمد سبيل المجرمين. قاله ابن زيد
أو يكون الخطاب له ولأمته, فيكون المعنى: ليظهر لك وللمؤمنين سبيل المجرمين.
روى الطبري عن يونس عن ابن وهب قال، قال ابن ريد:"ولتستبين سبيلَ المجرمين"، قال: الذين يأمرونك بطرد هؤلاء.

- أما القول باللزوم فيكون على قراءة الرفع ل(سبيل) فيكون المعنى : ولتظهر سبيل المجرمين .

وكلا المعنيين يصح حمل الآية عليه , فقد جمعت بين التأكيد على بيان القرآن وتوضيحه لطريق المجرمين, حتى لا يمكن لعاقل أن يلتبس عليه طريقهم أو أن يخلط بينه وبين طريق المؤمنين لما بينهما من التباين الشديد.
وفي الوقت نفيه أكدت الآية على أن المؤمن المتمسك بطريق القرآن , المتدبر لآياته , صاحب البصيرة , المتبع للنبي عليه الصلاة والسلام : لا يمكن أن يخفى عليه سبيل المجرمين فهي ظاهرة له.


(3) مرجع الضمير في "جعلناه" في قول الله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا},
جاءت ثلاثة أقوال في مرجع هاء الكناية في قوله:(جعلناه):
القول الأول: إنها ترجع إلى القرآن, فيكون المعنى على هذا: لكن جعلنا القرآن نورا نهدي به من نشاء من عبادنا. قاله السدي.
القول الثاني: إنها ترجع إلى الإيمان, فيكون المعنى: لكن جعلنا الإيمان نورا نهدي به من نشاء من عبادنا. قاله ابن عباس.
القول الثالث: إنها ترجع إلى الوحي في قوله(روحا), وعلى هذا يشمل المعنى الكتاب ويشمل الإيمان.

الراجح:
قال ابن جرير:(وقال بعضهم: عنى به الإيمان والكتاب، ولكن وحد الهاء، لأن أسماء الأفعال يجمع جميعها الفعل، كما يقال: إقبالك وإدبارك يعجبني، فيوحدهما وهما اثنان).
قال شيخ الإسلام:(وقيل الضمير في قوله:{وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا} يعود إلى الإيمان, ذكر ذلك عن ابن عباس, وقيل إلى القرآن وهو قول السدي, وهو يتناولهما, وهو في اللفظ يعود إلى الروح الذي أوحاه وهو الوحي الذي جاء بالإيمان والقرآن.


تطبيقات الدرس التاسع:
استخرج دلالات الصيغة الصرفية مما يأتي:
1: "مزيد" في قوله تعالى: {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيد}.

الدلالة الأول: المزيد: قد يكون مصدرا ميميا بمعنى (الزيادة) كالمجيد.
فعلى هذا يكون المعنى طلب النار الاستزادة من الكفار , ويكون الاستفهام للتقرير , فالنار من شدة غضبها وحنقها عليهم تطلب المزيد منهم , كما قال تعالى :{ تكاد تميز من الغيظ } .
وهو قول أنس وابن زيد.

الدلالة الثانية: أن يكون (مزيد) اسم مفعول كالمَنِيعِ. [ كالمبيع ]
ويكون المعنى : هل من شيء تزيدونه؟! أي إنها تقول بأنها قد امتلأت ولم يبق فيها موضع للزيادة , فيكون الاستفهام للاستنكار , فلم يعد فيها متسع-على اتساعها - للمزيد منهم.
وهذا قول ابن عباس ومجاهد والضحاك.

الراجح:
القول الأول دلت عليه النصوص , فقد جاء في الحديث المتفق على صحته قول النبي عليه الصلاة والسلام:(...فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ ، فَتَقُولُ : قَطْ قَطْ ، فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ...).
فيكون قوله تعالى لجهنم :{ هل امتلأت} قبل أن يضع فيها -سبحانه- قدمه , ويكون قول جهنم:{هل من مزيد} طلبا للمزيد من شده غضبها وحنقها.

أما على القول الثاني فيكون قوله تعالى لجهنم : {هل امتلأت} بعد أن يضع الله -سبحانه- فيها قدمه , ويكون قول جهنم :{هل من مزيد} نفيا لوجود متسع فيها لأي مزيد من الكفار.
وامتلاء جهنم جاءت به النصوص كذلك , كقوله تعالى : ﴿وَلَكِنْ حَقَّ القَوْلُ مِنِّي لَأمْلَأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ والنّاسِ أجْمَعِينَ﴾ ، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأمْلَأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ والنّاسِ أجْمَعِينَ﴾ ، وقوله: ﴿قالَ فالحَقُّ والحَقَّ أقُولُ لَأمْلَأنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ ومِمَّنْ تَبِعَكَ مِنهم أجْمَعِينَ﴾ , لكن هذا يكون بعد أن يضع الجبار -سبحانه- قدمه فيها فتضيق كما جاء في الحديث من قول النبي-صلى الله عليه وسلم : «إنَّ جَهَنَّمَ لا تَزالُ تَقُولُ: هَلْ مِن مَزِيدٍ، حَتّى يَضَعَ رَبُّ العِزَّةِ فِيها قَدَمَهُ فَيَنْزَوِي بَعْضُها إلى بَعْضٍ وتَقُولُ قَطْ قَطْ» متفق عليه.

والصحيح هو القول الأول لأن جهنم بعد أن تمتلئ وتقول (حسبي حسبي ) تكتفي بما ألقي فيها فلا تقول بعدها :{هل من مزيد}.


5. دلالة اسم الفاعل في قول الله تعالى: {إنّ الله بالغ أمره}
دل اسم الفاعل في الآية على تأكيد حدوث الفعل ولابد , واستمرار حدوثه , وثبوته.
فأمر الله لا بد من نفوذه ، سواء حصل توكل من المرء أم لم يحصل , لذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه:(قاضٍ أمره على من توكل وعلى من لم يتوكل، ولكن المتوكل يكفر عن سيئاته ويعظم له أجراً).
فالله سبحانه بالغ ما يريده من الأمر لا يفوته شيء ولا يعجزه مطلوب , ولا يفوت مراده سبحانه.
وفي الآية حض على التوكل وتأكيد له، فإذا علم العبد أن الأمور بيد الله توكل عليه وحده ولم يلتفت إلى سواه
أ

أحسنت بارك الله فيك

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الثالث

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:59 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir