المجموعة الثالثة:
س: عرّف بخمسة من أعلام المفسّرين من التابعين.
من أعلام المفسرين من التابعين:
مسروق بن الأجدع الهمداني(ت:62ه) الإمام العلم المخضرم من كبار التابعين، ممن أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشعبي: "ما علمت أن أحداً كان أطلب للعلم في أفق من الآفاق من مسروق".
كان عابداً، يصلي حتى توَرَّم قدماه، فال سعيد بن جبير: قال لي مسروق: "ما بقي شيء يرغب فيه إلا أن نعفر وجوهنا في التراب، وما آسى على شيء إلا السجود لله تعالى".
كان رحمه الله متورعاً، لا يأخذ على القضاء أجراً، وكان محبّاً لتعليم العلم ونشره، روى عنه الشعبي قوله: "لأن أفتي يوماً بعدل وحق، أحب إلي من أن أغزو سنة".
قال علي بن المديني: " ما أقدم على مسروق أحداً من أصحاب عبد الله، صلى خلف أبي بكر، ولقي عمرَ وعليّاً وزيد بن ثابت وعبد الله والمغيرة وخباب بن الأرت".
زر بن حبيش بن حباشة الأسدي(ت: 82ه) الإمام المقرئ المخضرم من كبار التابعين وأجلائهم، كان فصيحاً عالماً بالعربية، وفد على عمر، ولزم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال عاصم: "كان زر من أعرب الناس، كان ابن مسعود يسأله عن العربية".
وعن عاصم عن زر أنه قال: "خرجت في وفد من أهل الكوفة، وايم الله إن حرضني على الوفادة إلا لقاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدمت المدينة أتيت أُبيّ بن كعب، وعبد الرحمن بن عوف، فكانا جليسيَّ وصاحبيَّ، فقال أبيٌّ: يا زر ما تريد أن تدع من القرآن آية إلا سألتني عنها".
أبو العالية رُفيع بن مهران (ت: 93ه) الإمام المقرئ الحافظ المفسر أحد الأعلام المخضرمين، أسلم في خلافة أبي بكر ودخل عليه، حفظ القرآن وقرأ على أبي بن كعب وزيد بن ثابت، تصدر لإفادة العلم.
كان مولى لامرأة من بني رباح فأعتقته، وكان ابن عباس يحبه ويكرمه، قال أبو العالية: " كنت آتي ابن عباس وهو أمير البصرة، فيجلسني على السرير وقريش أسفل، فتغامزت بي قريش، فقالت: يرفع هذا العبد على السرير! ففطن بهم، فقال: إن هذا العلم يزيد الشريف شرفاً، ويجلس المملوك على السرير ".
قال أبو بكر بن أبي داود: "وليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبي العالية".
سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي، (ت: 94ه) عالم أهل المدينة وسيد التابعين في زمانه، وُلِد لسنتين من خلافة عمر.
كان من العباد، قال: "ما فاتتني صلاة الجماعة منذ أربعين سنة"، وقال: "ما أذن لصلاة إلا وأنا في المسجد منذ ثلاثين سنة".
تفقه على زيد بن ثابت، وحفظ عن أبي هريرة حديثاً كثيراً، واعتنى بفقه عمر بن الخطاب وأقضيته حتى سُمِّي راوية عمر.
كان من أفذاذ العلماء، قال عنه ابن عمر رضي الله عنهما: "هو والله أحد المفتين"، وقال مكحول: "سعيد بن المسيب عالم العلماء"، كان يفتي والصحابة أحياء، وكان عمر بن عبد العزيز لا يقضي بقضية حتى يسأله.
كان قليل الكلام في التفسير، سئل عن آية فقال: "لا أقول في القرآن شيئاً"، ولهذا قل ما نقل عنه في التفسير.
سعيد بن جبير بن هاشم الأسدي، (ت: 95ه)، من كبار العباد، وجهابذة العلماء.
قرأ القرآن على ابن عباس، وكتب عنه كثيراً، حتى قال: "ربما أتيت ابن عباس فكتبت في صحيفتي حتى أملأها وكتبت في كفي".
قال أشعث بن إسحاق: "كان يقال سعيد بن جبير جهبذ العلماء"، أخذ جل علمه عن ابن عباس وابن عمر، وكان حافظاً فهماً، حصل علماً غزيراً وهو شاب لم يبلغ الثلاثين من عمره، وأمره ابن عباس بالفتوى والتحديث، قال مجاهد: قال ابن عباس لسعيد بن جبير: حدِّث. فقال: أحدِّث، وأنت هاهنا؟ قال: "أوليس من نعمة الله عليك أن تحدث وأنا شاهد، فإن أصبت فذاك، وإن أخطأت علمتك؟".
عن خُصيف قال: كان أعلمهم بالقرآن مجاهد، وأعلمهم بالحج عطاء، وأعلمهم بالحلال والحرام طاووس، وأعلمهم بالطلاق سعيد بن المسيب، وأجمعهم لهذه العلوم سعيد بن جبير".
س: بيّن طبقات نقلة التفسير من التابعين.
نقلة التفسير على ثلاث طبقات:
الطبقة الأولى: النقلة الثقات الأثبات، ومنهم: قيس بن حازم، وأبو الأحوص عوف بن مالك الجشمي، وأبو الضحى مسلم بن صبيح القرشي، وأبو رجاء العطاردي، وأبو بشر اليشكري، والربيع بن أنس البكري، وأبو روق عطية بن الحارث الهمداني، وغيرهم.
الطبقة الثانية: النقلة المتكَلَّم فيهم إما لضعف ضبطهم أو لاختلاف النقاد في أحوالهم، وهم على درجات متفاوتة، فمنهم: أبو صالح مولى أم هانئ، وشهر بن حوشب، وعطية العوفي، وعطاء بن السائب، وسماك بن حرب الذهلي، وعلي بن زيد بن جدعان.
الطبقة الثالثة: النقلة الضعفاء المعدودين في عداد متروكي الحديث: كيزيد بن أبان الرقاشي، وأبان بن أبي عياش، وأبي هارون العبدي، ويزيد بن أبي زياد الكوفي، وجويبر بن سعيد الأزدي.
س: اذكر أمثلة للأقوال غير المعتبرة في التفسير.
ليس كل قول في التفسير يؤخذ بعين الاعتبار، فإن من الأقوال ما يطرحه العلماء لكونه مهجوراً، أو منكراً بين أهل العلم، أو لكونه مستنداً لاجتهاد بيِّن الخطأ.
وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك:
فمن الأقوال التي هُجرت فلم يقل بها أحد، قول عبيدة السلماني في الرجل يدركه رمضان ثم يسافر: "إذا شهدت أوله فصُم آخره، ألا تراه يقول: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)؟"، فهذا القول اجتهد قائله في فهم النص، لكنه خالف باجتهاده أقوال الصحابة، بل وعمل النبي صلى الله عليه وسلم، فهجر العلماء قوله ولم يعتبروه.
ومن الأقوال التي أُنكرت بين أهل العلم تفسير المتأوِّلة لليد في قوله تعالى: (بل يداه مبسوطتان) بالنعمة أو القدرة، فإنه تأويل لصفة اليد، والسياق ينبو عنه، فإن المعنى سيكون بل نعمتاه مبسوطتان، أو بل قدرتاه مبسوطتان!
ومما أُنكر أيضاً تفسير بعض المتصوفة لقوله تعالى: (اركض برجلك) بمعنى ارقص، وهو قول باطل بيِّن البطلان.
ومن الأقوال المستندة لاجتهاد خاطئ قول الحسن البصري في قصة ابني آدم في قوله تعالى: (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق) الآيات، أنهما من بني إسرائيل، وهو قول يرده السياق؛ إذ كيف يظل الدفن خافياً على البشر إلى ذلك الحين؟
ولهذا ردَّ المفسرون قوله، ولم يعتبروه.
س: تحدّث عن عناية العرب وقت نزول القرآن بلسانهم العربيّ.
العرب قوم بلغت عنايتهم بلغتهم وبلاغتهم مبلغاً عظيماً، ومظاهر تلك العناية ظاهرة في تاريخهم، فمن ذلك: ما عرف عنهم من تفاخرهم بالقصائد المحكمة والخطب البليغة والأمثال السائرة، وتنافسهم الشديد في الفصاحة والبلاغة والشعر، وحسن بيانهم عن المراد بأفصح العبارات وأبلغها.
وعندما تقع بينهم الخصومة يتجلى مظهر آخر من مظاهر عنايتهم البالغة بلغتهم فإن كل خصم يحتج بأقوى حجة، وألطف منزع حتى كانت فصاحتهم تعلو على كل الحيل التي يُحتال بها.
وفي هذا يقول طرفة بن العبد البكري:
رأيت القوافي يتّلجن موالجاً تضيَّق عنها أن تولّجها الإبر
ولشدة عنايتهم بفصاحتهم كان لهم من فصحائهم وبلغائهم محكمون يحكمون بين المتخاصمين والمتفاخرين في الشعر وحسن البيان، وذلك المحكم يكون لتحكيمه أثرٌ بيِّنٌ بينهم؛ فمن حكم له عُدَّ ذلك مفخرة له، ومذمةٌ بليغةٌ لمن حكم عليه!
ومن مشاهد عنايتهم البالغة بالفصاحة وتنافسهم عليها أنهم كانوا إذا جمعهم مجمع أو وفدت قبيلة على أخرى نمَّقوا من أشعارهم وخطبهم ما يتباهون به بفصاحتهم وحسن بيانهم؛ ليرفعوا بذلك شأنهم، ويُخَلِّدوا مآثرهم.
وكان حسن البيان من أنجع الوسائل وأبلغ الحيل لبلوغ المآرب والمكاسب ونيل المراتب، كما كان من أكثر ما يؤانس به الجُلَّاس، وأنفس ما يُدخل به على الملوك والكبراء.
ومن عنايتهم أيضاً بذلك أنهم كانوا يحفظون الشعر الجيّد وينشدونه في مجامعهم وأسمارهم، حتى كان الرجل يفخر بكثرة إنشاد لناس لشعره وتمثّلهم به، بل كان منهم من ينشد القصيدة فيتسامع بها الناس ويتناشدونها حتى تقطع المفاوز بلا رسول.
ومن مكانة الشعر عندهم كذلك أنه كان ديوانهم الذي يحفظ وقائعهم ومآثرهم وأخبارهم، فلم يكن للعرب كتب يحفظ بها ذلك، إنما هي القصائد والأشعار.
ومن مشاهد عنايتهم بالبلاغة والفصاحة أنهم كانوا يوازنون بين أساليب الشعراء وطرائقهم ويعرفون المنحول والمدرج، حتى كان منهم من يُميِّز شعر الشاعر كما يميِّز صوته، فلا يشتبه عليه شعره بشعر غيره، بل منهم من يميِّز شعر الرجل من شعر أبيه وإن كان ينسج على منواله، كما تشهد بذلك أخبارهم.
وبهذه العناية كانوا قد وصلوا إلى رتبة عالية في فهم الخطاب العربي وتمييز رتبته ومعرفة فنونه وأساليبه وتنوع دلائله.
فلما نزل القرآن العظيم بلسان عربي مبين على أحسن ما يعرفون من الفصاحة والبيان بهرهم حسنه، وأدهشهم بيانه، وتيقنوا أن لا طاقة لأحد بأن يأتي بمثله ولا بشيء منه، وعجزوا عن معارضته كما يعارض الشعراء والخطباء بعضهم بعضاً، وأبلسوا عن تحديه ويئسوا عن مماثلته، فتبارك الله رب العالمين، ومن أحسن من الله حديثاً؟
س: بيّن مع التمثيل المراد بعلم توجيه القراءات.
علم توجيه القراءات هو علم شريف لطيف يبحث في بيان وجه القراءة التي اختارها القارئ من حيث اللغة والإعراب والمعنى ونحو ذلك، حيث يجلي هذا العلم ذلك الوجه بعد أن كان خفيّاً. وقد اعتنى بهذا العلم جماعة من المفسرين، وألّف فيه جماعة من العلماء منهم أبو منصور الأزهري، وابن خالويه، وأبو علي الفارسي، وابن جنّي، وابن زنجلة، ومكي بن أبي طالب، وغيرهم.
وليتضح المراد بهذا العلم يحسن التمثيل عليه، ويمكن تصنيف أمثلته على صنفين:
أحدهما: توجيه القراءات التي لاختلافها أثر على المعنى، وهذه هي مدار اهتمام المفسرين:
مثال ذلك: قوله تعالى: (حتى يطهرن)
قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر: (حتى يطَّهَّرن) بتشديد الطاء والهاء، وقرأ الباقون: (حتى يطهُرن) بالتخفيف.
قال أبو منصور الأزهري: "من قرأ (حتى يطَّهَّرن) والأصل: يتطهرن والتطهر يكون بالماء، فأُدغمت التاء في الطاء فشددت.
ومن قرأ (حتى يطهرن) فالمعنى: يطهرن من دم المحيض إذا انقطع الدم، وجائز أن يكون (يطهُرن) الطهر التام بعد انقطاع الدم".
الآخر: توجيه القراءات التي ليس لاختلافها أثر على المعنى، ويعنى به القراء والنحاة:
مثال ذلك: قوله تعالى: (الصراط)، قال أبو علي الفارسي: (قوله تعالى: (الصراط) تُقرأ بالصاد والسين وإشمام الزاي: فالحجة لمن قرأ بالسين: أنه جاء على أصل الكلمة، والحجة لمن قرأ بالصاد: أنه أبدلها من السين لتؤاخي السين في الهمس والصفير، وتؤاخي الطاء في الإطباق؛ لأن السين مهموسة والطاء مجهورة، والجدة لمن أشم الزاي: أنه تؤاخي السين في الصفير وتؤاخي الطاء في الجهر".
واجتهاد العلماء في توجيه القراءات كالاجتهاد في غيره من مسائل الدين، قد تكون الحجة فيه بيِّنة ظاهرة، وقد يكون دون ذلك، وقد يصيب بعض المعنى، وقد يخطئ المعنى فلا يصيبه.
س: بيّن طرق التفسير اللغوي.
للعلماء طريقان في التفسير اللغوي:
أحدهما طريق النقل لكلام العرب وعن علماء اللغة السابقين فيقتصر المفسر على ذكر قولهم في المسألة اللغوية وما يتصل ببيان المعنى القرآني من كلام العرب في معاني المفردات وأساليب العرب، ويتورع عن تفسير القرآن ما لم يكن ظاهراً بيِّناً.
وهذه الطريق سلكها جماعة من علماء اللغة الأفذاذ واقتصروا عليها على أنهم قد امتازوا بسعة علمهم بلسان العرب وكثرة محفوظاتهم من أخبار العرب وأشعارهم وعمق معرفتهم بأوجه الإعراب والاشتقاق.
وممن عُرف بذلك الأصمعي، قال عنه نصر الجهضمي: "كان الأصمعي يتقي أن يفسر حديث رسول الله كما يتقي أن يفسر القرآن"، وعُرف ذلك أيضاً عن يونس بن حبيب الضبي، قال أبو منصور الأزهري: "قال محمد بن سلام: سألت يونس عن هذه الآية (لأحتنكن ذريته) فقال: يقال: كان في الأرض كلأ فاحتنكه الجراد، أي أتى عليه، ويقول أحدهم: لم أجد لجاماً فاحتنكت دابتي، أي: ألقيت في حنكها حبلاً، وقدتها به"، فذكر المعنيين عن العرب، وتورع عن تفسير الآية بأي منهما.
الآخر: الاجتهاد في فقه كلام العرب وأساليب تخاطبهم، فيجمع المفسر بينها ويوازنها ويقيس ويستنتج ويستنبط المعاني وينتقد الشواهد ويقرر الحجج اللغوية ويرتبها ويباحث العلماء ويناظرهم، واجتهاد المفسر في هذا الباب يتفرع عنه اجتهاده في التفسير اللغوي للقرآن.
وهذا الاجتهاد دائر بين حالين: أن يقع عليه الاتفاق، أو يقع فيه اختلاف.
فالاتفاق أكثر وقوعاً وهو حجة لغوية مقبولة، ولا يمكن أن يقع تعارض بين قول مجمع عليه عند أهل اللغة، وقول متفق عليه عند السلف.
وأما الاختلاف فيقع فيه الترجيح بين الأقوال بعد النظر في نوع الخلاف، وبعد تعذر الجمع بين الأقوال.
وينبغي للمجتهد في التفسير اللغوي أن يتنبه إلى أنه ليس كل ما تحتمله اللفظة من المعاني يُقبل في التفسير، بل يعرض للاحتمال اللغوي ما يوجب ردّه، ومن ذلك:
- أن يقع التعارض بين الاحتمال اللغوي وأدلة الكتاب والسنة والإجماع.
- أن يتناقض الاحتمال اللغوي مع سياق الآية أو مقصدها أو مناسبتها.
- أن يقوم دليل من القرآن أو السنة أو الإجماع على اعتبار معنى دون غيره، فتبطل بذلك الاحتمالات اللغوية الأخرى.
والاجتهاد في التفسير اللغوي كالاجتهاد في غيره معرض للخطأ وعدم الإصابة.
س: بيّن حكم الاجتهاد في التفسير.
الاجتهاد في التفسير متى تحققت شروطه، واُستُعمل في موارده الصحيحة بمراعاة حدوده وآدابه سنة متَّبعة؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اجتهد في التفسير، واجتهد خلفاؤه الراشدون وأصحابه المهديون من بعده، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي".
وعلى هذا لم يزل التابعون وأتباعهم، فقد رفعوا أسس الاجتهاد وقعَّدوا قواعده، وبيَّنوا حدوده، ونظَّموا موارده.
وسنية الاجتهاد في مسائل الدين بعامة من كمال هذا الشرع الحكيم؛ فإن الحاجة إليه قائمة في كل عصر، والنوازل متجددة كل حين.
إلا أن الاجتهاد ليس سائغاً من كل أحد، بل هو لمن تأهَّل له واستوفى شروطه، والتي من أبرزها:
- أن يكون للمجتهد أهلية في العلوم التي هي مدار اجتهاده.
- أن يعرف المجتهد موارد الاجتهاد، وما لا يدخله الاجتهاد.
- ألا يخالف باجتهاده أصلاً من أصول الشريعة التي يقوم عليها الاجتهاد.
وقد رُوِيَ عن الصحابة آثار عدة تدل على سنية الاجتهاد وشروطه وحدوده، ومما يروى عنهم ما يلي:
- كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري وفيه: "الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في القرآن والسنة؛ فتعرَّف الأمثال والأشباه، ثم قس الأمور عند ذلك، واعمد إلى أحبها إلى الله، وأشبهها فيما ترى".
- كتاب عمر بن الخطاب إلى شريح القاضي، وفيه: "إذا جاءكم أمر في كتاب الله عز وجل فاقض به، ولا يلفتنَّك عنه الرجال، فإن أتاك ما ليس في كتاب الله، فانظر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاقض بها، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله، ولم يكن فيه سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فانظر ما اجتمع عليه الناس فخذ به، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن فيه سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتكلم فيه أحد قبلك، فاختر أي الأمرين شئت: إن شئت أن تجتهد برأيك ثم تقدَّم فتقدَّم، وإن شئت أن تأخر فتأخر، ولا أرى التأخر إلا خيراً لك".
وهذان الأثران فيهما ترتيب طرق الاستدلال، ومرتبة دلالة الاجتهاد فيها، وآلته وصفته.
- روى شعبة عن قتادة عن أبي العالية عن علي رضي الله عنه أنه قال: "القضاة ثلاثة: فاثنان في النار، وواحد في الجنة، فأما اللذان في النار: فرجل جار عن الحق متعمداً، ورجل اجتهد رأيه فأخطأ، وأما الذي في الجنة: فرجل اجتهد رأيه في الحق فأصاب". قال قتادة: فقلت لأبي العالية: ما بال هذا الذي اجتهد رأيه في الحق فأخطأ؟ قال: "لو شاء لم يجلس يقضي، وهو لا يحسن يقضي".
وهذا الأثر فيه التحذير من الاجتهاد لمن لم يتأهل له.
- عن مسروق قال: سألت أبي بن كعب عن شيء فقال: "أكان هذا؟" قلت: لا، قال: "فأجمَّنا حتى يكون، فإذا كان اجتهدنا رأينا".
- عن الشعبي: سئل عمار بن ياسر عن مسألة فقال: "أكان هذا بعد؟" قالوا: لا، قال:"دعونا حتى تكون، فإذا كانت تجشمناها لكم".
وهذان الأثران فيهما بيان محل الاجتهاد وحينه، وهو أن تكون المسألة واقعة لا مفترضة، وهذا مما أُثر عن السلف في تنظيم موارد الاجتهاد، والتحرز فيه.