1011 - وَعَنْ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((لا يُقَادُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ)). رَوَاهُ أحمدُ والتِّرْمِذِيُّ وابنُ مَاجَهْ وصَحَّحَهُ ابنُ الجَارُودِ والبَيْهَقِيُّ، وقالَ التِّرْمِذِيُّ: إِنَّهُ مُضْطَرِبٌ.
دَرَجَةُ الْحَدِيثِ:
الْحَدِيثُ صَحِيحٌ بِطُرُقِهِ المُتَعَدِّدَةِ المُتَّصِلَةِ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ وَسُرَاقَةَ.
وحديثُ عُمَرَ الَّذِي مَعَنَا فِي إسنادِهِ: الحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَأَةَ، وَهُوَ مُدَلِّسٌ، وَلَهُ طُرُقٌ أُخَرُ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَطُرُقٌ أُخَرُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ والْبَيْهَقِيِّ أَصَحُّ مِنْهَا، وَصَحَّحَ الْبَيْهَقِيُّ سَنَدَهُ؛ لأَنَّ رُوَاتَهُ ثِقَاتٌ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُرَاقَةَ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَفِيهِ اضْطِرَابٌ وَاخْتِلافٌ عَلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَفِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ، وَهُوَ سَيِّئُ الحِفْظِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي إِسْنَادِهِ إسماعيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: هَذِهِ الأَحَادِيثُ كُلُّهَا مَعْلُولَةٌ، وَلا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: طُرُقُ هَذَا الْحَدِيثِ مُنْقَطِعَةٌ. وَقَالَ الأَلْبَانِيُّ: وَطُرُقُ الْحَدِيثِ تَدُلُّ بِمَجْمُوعِهَا عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ ثَابِتٌ.
مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
- لا يُقَادُ: يُقَالُ: قَادَ الأميرُ الْقَاتِلَ بالمَقْتُولِ؛ قَتَلَهُ بِهِ قَوَداً. والقَوَدُ لُغَةً: القِصَاصُ، وَقَتْلُ الْقَاتِلِ بَدَلَ القَتِيلِ، وَسُمِّيَ قَوَداً؛ لأَنَّهُ يُقَادُ عِنْدَ تَنْفِيذِ القِصَاصِ فِيهِ.
مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1- يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الوالِدَ لا يُقَادُ بِوَلَدِهِ؛ ذَلِكَ أَنَّ الوَلَدَ جُزْءٌ مِنْ وَالِدِهِ، وَوَلَدُ وَلَدِهِ وَإِنْ نَزَلُوا مِنْ أَوْلادِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ، والأمُّ والأبُ فِي هَذَا سَوَاءٌ، وَكَذَا الأجدادُ وَإِنْ عَلَوْا، والجَدَّاتُ وَإِنْ عَلَوْنَ مِنَ الأبِ والأمِّ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ مُسْقِطِي القِصَاصِ عَن الأبِ.
2- هَذَا مَذْهَبُ الأَئِمَّةِ الثلاثةِ: أَبِي حَنِيفَةَ، والشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ. وَقَالَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَرَبِيعَةُ الرَّأْيِ، والثَّوْرِيُّ، والأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ.
3- أَمَّا الإمامُ مَالِكٌ فَيَقُولُ: إِنْ أَضْجَعَهُ وَذَبَحَهُ أُقِيدَ بِهِ، وإلاَّ لَمْ يُقَدْ بِهِ.
4- دَلِيلُ الجمهورِ هَذَا الْحَدِيثُ؛ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ حَدِيثٌ مشهورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بالحِجازِ والعراقِ، مُسْتَفِيضٌ عِنْدَهُمْ، يُسْتَغْنَى بِشُهْرَتِهِ وَقَبُولِهِ والعملِ بِهِ عَن الإسنادِ فِيهِ، حَتَّى يَكُونَ الإسنادُ فِيهِ مَعَ شُهْرَتِهِ تَكَلُّفاً.
5- أَمَّا الولدُ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ لِوَالِدِهِ؛ سَوَاءٌ أكانَ أَباً أَمْ أُمًّا إِذَا قَتَلَهُ طِبْقاً للنصوصِ؛ لأَنَّ النصَّ الخاصَّ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ حُكْمِ النصوصِ إِلاَّ الوالِدَ فَقَطْ.
6- يُعَلِّلُ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ التفرقةَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الوالِدِ والوَلَدِ، بِأَنَّ الحاجةَ إِلَى الزَّجْرِ والرَّدْعِ فِي جَانِبِ الولدِ أَشْهَرُ مِنْهَا فِي جَانِبِ الوالدِ؛ لأَنَّ الوالِدَ يُحِبُّ وَلَدَهُ لِنَفْسِهِ، دُونَ أَنْ يَنْتَظِرَ نَفْعاً مِنْهُ، وَإِنَّمَا لِيُحْيِيَ ذِكْرَهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي الحِرْصَ عَلَى حيَاتِهِ، أَمَّا الْوَلَدُ فَيُحِبُّ وَالِدَهُ لِمَا يَصِلُ إِلَيْهِ مِنْ منفعةٍ عَنْ طريقِهِ، وَهَذَا لا يَقْتَضِي الحِرْصَ عَلَى حَيَاةِ وَالِدِهِ.
إِفْرَادُ عَدَمِ القِصَاصِ مِن الوَالِدِ بالوَلَدِ دَلِيلٌ عَلَى بَقَاءِ حُكْمِ القِصَاصِ فِيمَا عَدَاهُمَا مِنَ الأقاربِ؛ وَهَذَا مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ.