دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب النكاح

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 جمادى الأولى 1431هـ/7-05-2010م, 06:10 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الشرط الثالث: إذن الولي

( فصلٌ ) : ( الثالثُ ) الوَلِيُّ، وشُروطُه : التكليفُ، والذُّكُورِيَّةُ، والْحُرِّيَّةُ، والرُّشْدُ في العَقْدِ، واتِّفاقُ الدِّينِ ـ سِوَى ما يُذْكَرُ ـ والعدالةُ، فلا تُزَوِّجُ امرأةٌ نفسَها ولا غيرَها، ويُقَدَّمُ أبو المرأةِ في نِكاحِها، ثم وَصِيُّه فيه، ثم جَدُّها لأبٍ وإن علا ثم ابنُها ثم بَنوه وإن نَزَلُوا، ثم أَخوها لأبوينِ، ثم لأبٍ ، ثم بَنُوهما كذلك ثم عَمُّها لأبوينِ، ثم لأبٍ، ثم بَنوهما كذلك، ثم أَقربُ عَصَبَةٍ نَسَبًا كالإرثِ، ثم الْمَوْلَى الْمُنْعِمُ، ثم أَقْرَبُ عَصَبَتِه نَسَبًا، ثم ولاءٌ، ثم السلطانُ، فإن عَضُلَ الأَقْرَبُ، أو لم يَكُنْ أَهلاً، أو غابَ غَيْبَةً مُنقطِعَةً لا تُقْطَعُ إلا بكُلْفَةٍ ومَشَقَّةٍ زُوَّجَ الأَبْعَدُ، وإن زُوَّجَ الأَبْعَدُ أو أَجْنَبِيٌّ من غيرِ عُذْرٍ لم يَصِحَّ.


  #2  
قديم 28 جمادى الأولى 1431هـ/11-05-2010م, 10:27 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

.......................

  #3  
قديم 28 جمادى الأولى 1431هـ/11-05-2010م, 10:28 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

فصلٌ
الشرطُ (الثالِثُ: الوَلِيُّ)؛لقولِهِ عليه السلامُ: ((لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ)). رَوَاهُ الخمسةُ إلاَّ النَّسَائِيَّ،وصَحَّحَهُ أحمدُ وابنُ مَعِينٍ. (وشُرُوطُه)؛أي: شروطُ الوَلِيِّ:
(التكليفُ)؛لأنَّ غيرَ المُكَلَّفِ يَحتاجُ لِمَن يَنْظُرُ له،فلا يَنْظُرُ لغيرِهِ.
(والذكوريَّةُ)؛لأنَّ المرأة لا وَلاَيَةَ لها على نفسِها،ففي غيرِها أَوْلَى.
(والحُرِّيَّةُ)؛لأنَّ العبدَ لا وَلايةَ له على نفسِه،ففي غيرِهِ أَوْلَى.
(والرُّشْدُ في العَقْدِ)؛بأنْ يَعْرِفَ الكُفْءَ ومَصَالِحَ النكاحِ، لا حِفْظَ المالِ،فرُشْدُ كلِّ مَقامٍ بِحَسَبِهِ.
، (واتِّفَاقُ الدِّينِ)، فلا وَلايةَ لكافرٍ على مُسْلِمةٍ،ولا لِنصرانِيٍّ على مَجُوسِيَّةٍ؛ لِعَدَمِ التوارُثِ بينَهما،(سِوَى ما يُذْكَرُ)؛كأمِّ ولدٍلكافرٍ أَسْلَمَتْ،وأَمَةٍ كافرةٍ لمسلمٍ.
والسلطانُ يُزَوِّجُ مَن لا وَلِيَّ لها من أهلِ الذِّمَّةِ والعدالةِ، ولو ظاهرةً؛ لأنَّها وَلايةٌ نظريَّةٌ، فلا يَسْتَبِدُّ بها الفاسِقُ إلاَّ في سُلطانٍ،وسيِّدٌ يُزَوِّجُ أَمَتَهُ.
إذا تَقَرَّرَ ذلكَ، (فلا تُزَوِّجُ امرأةٌ نفسَها ولا غَيْرَها)؛ لِمَا تَقَدَّمَ،(ويُقَدَّمُ أبو المرأةِ) الحُرَّةِ (في إِنْكَاحِها)؛لأنَّه أكملُ نَظَراً وأَشَدُّ شَفَقَةً،(ثُمَّ وَصِيُّه فيهِ)؛أي: في النِّكاحِ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَه،(ثم جَدُّها لأبٍ وإنْ عَلاَ)، الأقربُ فالأقربُ؛ لأنَّ له إيلاداً وتَعْصيباً،فأَشْبَهَ الأبَ، (ثم ابْنُها، ثمَّ بنوه وإنْ نَزَلُوا)، الأقربُ فالأقربُ؛ لِمَا رَوَتْ أمُّ سَلَمَةَ: (أنَّها لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُها أَرْسَلَ إليها رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطِبُها،فقالَتْ: يا رسولَ اللهِ، ليسَ أحدٌ مِن أوليائِي شَاهِداً. قالَ: ((لَيْسَ مِنْ أَوْلِيَائِكِ شَاهِدٌ وَلاَ غَائِبٌ يَكْرَهُ ذَلِكَ)). فقَالَتْ: قُمْ يا عُمَرُ فزَوِّجْ رسولَ اللهِ. فزَوَّجَه). رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
(ثُمَّ أخوها لأبويْنِ،ثمَّ لأبٍ)؛ كالميراثِ، (ثم بَنُوهُما كذلكَ) وإنْ نَزَلُوا،يُقَدَّمُ مَن لأَبَوَيْنِ على مَن لأَبٍ،إنِ اسْتَوَوْا في الدرجةِ،الأقربُ فالأقربُ،(ثم عَمُّها لأبويْنِ ثمَّ لأبٍ)؛ لِمَا تَقَدَّمَ،(ثم بَنُوهما كذلكَ) على ما سَبَقَ في الميراثِ، (ثم أقربُ عَصَبَتِه بسببٍ كالإرثِ)، فأحقُّ العَصَبَاتِ- بعدَ الإِخْوَةِ- بالميراثِ، أَحَقُّهم بالوَلايةِ؛ لأنَّ مَبْنَى الوَلايةِ على الشَّفَقَةِ والنظرِ، وذلكَ مُعْتَبَرٌ بِمَظِنَّتِهِ،وهو القَرَابَةُ،(ثُمَّ المَوْلَى المُنْعَمُ) بالعِتْقِ؛لأنَّه يَرِثُها ويَعْقِلُ عنها،(ثم أقربُ عَصَبَتِهِ نَسَباً) على ترتيبِ الميراثِ،(ثُمَّ) إنْ عُدِمُوا فعَصَبَتُه َلاءٌ على ما تَقَدَّمَ،(ثم السلطانُ)، وهو الإمامُ أو نائبُه.
قالَ أحمدُ: والقَاضِي أَحَبُّ إليَّ مِن الأميرِ في هذا. فإنْ عُدِمَ الكلُّ زَوَّجَها ذو سلطانٍ في مكانِها،فإنْ تَعَذَّرَ، وَكَّلَتْ، ووَلِيُّ أَمَةٍ سَيِّدُها، ولو فاسقاً،ولا وَلايةَ لأخٍ من أمٍّ،ولا خالٍ ونحوِهِ من ذَوِي الأرحامِ، (فإنْ عَضَلَ) الوَلِيُّ (الأقربُ)، بأنْ مَنَعَها كُفُؤاً رَضِيَتْه، رَغِبَ بما صَحَّ مَهْراً،ويَفْسُقُ بهِ إنْ تَكَرَّرَ،(أو لم يَكُنِ) الأقربُ (أهلاً)؛ لكونِهِ طفلاً أو كافراً أو فاسقاً أو عبداً، (أو غابَ) الأقربُ َيْبَةً منقطِعَةً، لا تُقْطَعُ إلاَّ بكُلْفَةٍ ومَشَقَّةٍ) فوقَ مسافةِ القَصْرِ،أو جُهِلَ مكانُه،(زَوَّجَ) الحُرَّةَ الولِيُّ (الأبعدُ)؛لأنَّ الأقربَ هنا كالمعدومِ، (وإنْ زَوَّجَ الأبعدُ أو) زَوَّجَ أجنبِيٌّ ولو حاكماً (من غيرِ عُذْرٍ) للأقربِ، (لم يَصِحَّ) النِّكاحُ؛ لِعَدَمِ الوَلايةِ من العاقدِ عليها،معَ وُجُودِ مُسْتَحِقِّها،فلو كانَ الأقربُ لا يُعْلَمُ أنَّه عَصَبَتُه أو أنَّه صارَ أو عادَ أهلاً بعدَ مُنَافٍ، صحَّ النكاحُ، اسْتِصْحَاباً للأصلِ.
ووكيلُ كلِّ وَلِيٍّ يَقومُ مَقَامَه؛غائباً أو حاضراً،بشرطِ إِذْنِها للوكيلِ بعدَ تَوْكِيلِهِإنْ لم تَكُنْ مُجْبَرَةً، ويُشْتَرَطُ في وكيلٍ ووَلِيٍّ ما يُشْتَرَطُ فيهِ،ويَقولُ الوَلِيُّ أو وكيلُه لوكيلِ الزوجِ: زَوَّجْتُ مُوَكِّلَكَ فُلاناً فُلانةَ. ويقولُ وكيلُ الزوجِ: قَبِلْتُه لفلانٍ، أو لِمُوَكِّلِي فلانٍ. وإنِ اسْتَوَى وَلِيَّانِ فأكثرُ، سُنَّ تقديمُ أفضلَ فأَسَنَّ، فإنْ تَشَاحُّوا، أُقْرِعَ،ويَتَعَيَّنُ مَن أَذِنَتْ له مِنهم.
ومَن زَوَّجَ ابنَه بِبِنْتِ أخيهِ ونحوِه، صَحَّ أنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيِ العقدِ،ويَكْفِي: زَوَّجْتُ فُلاناً فُلانَةَ. وكذا وَلِيُّ عاقلةٍ تَحِلُّ له،وإذا تَزَوَّجَهَا بإذنِها كَفَى قولُه: تَزَوَّجْتُهَا.


  #4  
قديم 28 جمادى الأولى 1431هـ/11-05-2010م, 10:30 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم


فصل([1])

الشرط (الثالث الولي)([2]) لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إِلا بولي» رواه الخمسة إلا النسائى، وصححه أَحمد، وابن معين([3]) (وشروطه) أي شروط الولي سبعة([4]) (التكليف)([5])
لأَن غير المكلف يحتاج لمن ينظر له، فلا ينظر لغيره([6]) (والذكورية)([7]) لأَن المرأَة لا ولاية لها على نفسها، ففي غيرها أولى ([8]) (والحرية)([9]) لأَن العبد لا ولاية له على نفسه، ففي غيره أولى ([10])(والرشد في العقد) ([11]) بأَن يعرف الكفء، ومصالح النكاح([12]) لا حفظ المال، فرشد كل مقام بحسبه([13]).
(واتفاق الدين)([14]) فلا ولاية لكافر على مسلمة([15]) ولا لنصرانى على مجوسية، لعدم التوارث بينهما([16]) (سوى ما يذكر)([17]) كأُم ولد لكافر أَسلمت([18]) وأَمة كافرة لمسلم([19]) والسلطان يزوج من لا ولي لها من أَهل الذمة([20]) (والعدالة)([21]) ولو ظاهرة([22]).
لأَنها ولاية نظرية فلا يستبد بها الفاسق([23]) إِلا في سلطان، وسيد يزوج أَمته([24]) إِذا تقرر ذلك([25]) (فلا تزوج امرأَة نفسها، ولا غيرها) لما تقدم([26]) (ويقدم أَبو المرأَة) الحرة (في إِنكاحها)([27]) لأَنه أَكمل نظرا، وأَشد شفقة([28]).
(ثم وصيه فيه) أي في النكاح، لقيامه مقامه([29]) (ثم جدها لأَب وإِن علا) الأَقرب فالأَقرب([30]) لأَن له إِيلادا، وتعصيبا فأَشبه الأَب([31]) (ثم ابنها، ثم بنوه وإِن نزلوا) الأَقرب فالأَقرب([32]) لما روت أُم سلمة: أَنها لما انقضت عدتها، أَرسل إِليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبها، فقالت: يا رسول الله ليس أَحد من أَوليائى شاهدا، قال «ليس من أَوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك» فقالت: قم يا عمر، فزوج رسول الله، فزوجه، رواه النسائى([33]).
(ثم أَخوها لأَبوين، ثم لأَب) كالميراث([34]) (ثم بنوهما كذلك) وإِن نزلوا([35]) يقدم من لأَبوين على من لأَب إِن استووا في الدرجة، الأَقرب فالأَقرب([36]).
(ثم عمها لأَبوين، ثم لأَب) لما تقدم([37]) (ثم بنوهما كذلك) على ما سبق في الميراث([38]) (ثم أقرب عصبة نسب كالإِرث)([39]) فأَحق العصبات بعد الإِخوة بالميراث أَحقهم بالولاية([40]).
لأَن مبنى الولاية على الشفقة والنظر، وذلك معتبر بمظنته وهو القرابة([41]) (ثم المولي المنعم) بالعتق([42]) لأَنه يرثها، ويعقل عنها([43]).
(ثم أقرب عصبته نسبا) على ترتيب الميراث([44]) (ثم) إِن عدموا فعصبة (ولاء) على ما تقدم([45]) (ثم السلطان)([46]).
وهو الإِمام أَو نائبه([47]) قال أَحمد: والقاضى أَحب إِلي من الأَمير في هذا([48]) فإِن عدم الكل زوجها ذو سلطان في مكانها([49]). فإِن تعذر وكَّلت([50]) وولي أَمة سيدها ولو فاسقا([51]).
ولا ولاية لأَخ من أُم، ولا خال، ونحوه من ذوي الأَرحام([52]) (فإِن عضل) الولي (الأَقرب)([53]) بأَن منعها كفؤا رضيته ورغب بما صح مهرا([54]) ويفسق به إِن تكرر([55]) (أَو لم يكن) الأَقرب (أَهلا) لكونه طفلا([56]) أَو كافرا، أَو فاسقا، أَو عبدا([57]).
(أَو غاب) الأَقرب (غيبة منقطعة، لا تقطع إلا بكلفة ومشقة)([58]) فوق مسافة القصر([59]) أَو جهل مكانه([60]) (زوج) الحرة الولي (الأَبعد)([61]) لأَن الأَقرب هنا كالمعدوم([62]) (وإِن زوج الأَبعد([63]).
أَو) زوج (أَجنبي)([64]) ولو حاكما (من غير عذر) للأَقرب (لم يصح) النكاح([65]) لعدم الولاية من العاقد عليها مع وجود مستحقها([66])فلو كان الأقرب لا يعلم أَنه عصبة([67]) أَو أَنه صار أَو عاد أَهلا بعد مناف([68]) صح النكاح استصحابًا للأَصل([69]) ووكيل كل ولي يقوم مقامه، غائبا أَو حاضرا([70]) بشرط إِذنها للوكيل بعد توكيله([71]).
إِن لم تكن مجبرة([72]) ويشترط في وكيل ولي ما يشترط فيه([73]) ويقول الولي أَو وكيله لوكيل الزوج: زوجت موكلك فلانا فلانة([74]) ويقول وكيل الزوج: قبلته لفلان، أَو لموكلي فلان([75]) وإِن استوى وليان فأَكثر([76]).
سن تقديم أَفضل، فأَسن([77]) فإِن تشاحوا أُقرع([78]) ويتعين من أَذنت له منهم([79]) ومن زوج ابنه ببنت أَخيه ونحوه([80]) صح أَن يتولي طرفي العقد([81]).
ويكفي: زوجت فلانا فلانة([82]). وكذا ولي عاقلة تحل له([83]) إذا تزوجها بإِذنها كفي قوله: تزوجتها([84]).


([1]) أي في اشتراط الولي عند عقد النكاح وشروطه، وتقديمه، وعضله، وغير ذلك.
([2]) أي الشرط الثالث من شروط النكاح: الولي. وأنه لا يصح إلا بولي، نص عليه، وهو مذهب مالك، والشافعي، وجماهير العلماء، وولي المرأة هو متولي أمرها.
([3]) وذكر المناوى: أنه متواتر، وأخرجه الحاكم من نحو ثلاثين وجها، وللترمذى وغيره وصححه من حديث عائشة «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل» الحديث، فأبطله الشارع سدا لذريعة الزنا، فإن الزانى لا يعجز أن يقول للمرأة: أنكحينى نفسك بعشرة دراهم. ويشهد عليها رجلين من أصحابه أو غيرهم، فمنعها من ذلك سدًا لذريعة الزنا، وقال تعالى ]وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ[ وقال ]فَلا تَعْضُلُوهُنَّ[ قال الشافعي: هي أصرح آية في اعتبار الولي.
([4]) وإن عدمت فيه فوجوده كعدمه.
([5]) قال أحمد: لا يزوج الغلام حتى يحتلم، ليس له أمر، وهذا مذهب الشافعي، وأما العقل فهو شرط بلا خلاف، وسواء من لا عقل له لصغره، أو من ذهب عقله بجنون أو كبر، لا إغماء أو من يجن أحيانا.
([6]) ولأن الولاية يعتبر لها كمال الحال.
([7]) أي هي شرط من شروط الولاية بالاتفاق، ومنعت، صيانة لها عن مباشرة ما يشعر برعونتها، وميلها إلى الرجال.
([8]) ولأنها ولاية يعتبر فيها الكمال، والمرأة ناقصة قاصرة، تثبت الولاية عليها، لقصورها عن النظر لنفسها، فغيرها أولى، وعنه: لها أن تلي نكاح أمتها ومعتقها، والأول المذهب، ويليه وليها، كما يأتي.
([9]) أي كمال الحرية، فلا ولاية لعبد، ولا مبعض، في قول جماعة أهل العلم.
([10]) إلا المكاتب، فيزوج أمته بإذن سيده.
([11]) لقول ابن عباس: لا نكاح إلا بشاهدى عدل، وولي مرشد؛ قال أحمد: أصح شيء في هذا قول ابن عباس رضى الله عنهما.
([12]) وهو معنى ما اشترطه بعضهم من كونه عالما بالمصالح، لا شيخا كبيرا، جاهلا بالمصلحة.
([13]) قاله الشيخ وغيره.
([14]) بكون دين الولي والمولي عليها واحدا.
([15]) حكاه ابن المنذر، وابن رشد، والموفق، وغيرهم إجماعا.
([16]) وفي الاختيارات - على رواية: لا يعقد نصرانى ولا يهودى لمسلم - ظاهره: يقتضى أن لا ولاية للكافر على ابنته الكافرة، في تزويج المسلم، وقال الشيخ - في موضع آخر: لا ينبعى أن يكون متوليا لنكاح مسلم، ولكن لا يظهر بطلان العقد، فإنه ليس على بطلانه دليل شرعى.
([17]) استثناء من اشتراط اتفاق الدين.
([18]) فيزوجها، لأنها مملوكته.
([19]) فله أن يزوجها لكافر، وكذا أمة كافرة لمسلمة.
([20]) لعموم ولايته على أهل دار الإسلام.
([21]) لما تقدم عن ابن عباس وغيره، وروى «أيما امرأة أنكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل» واتفقوا على أن الولي إذا كان عدلا، فولايته صحيحة، واختلفوا في ولاية الفاسق. وعنه: ليست شرطا، وينعقد بها النكاح؛ وهو قول مالك. وأبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي، لأنه يلي نكاح نفسه، فصحت ولايته على غيره.
([22]) فيكفي مستور الحال، قطع به غير واحد، ولأن في اشتراطها ظاهرا وباطنا، حرجا ومشقة.
([23]) ويضم إليه أمين، كالوصي في رواية.
([24]) أي فلا تشترط عدالتهما، للحاجة إلى السلطان، وتصرف السيد في ملكه، ولا يشترط كون الولي بصيرا، ولا كونه متكلمًا إذا فهمت إشارته، ويقدم الولي أصلح الخاطبين، وينبغى أن يختار شابا حسن الصورة.
([25]) وفهم ما تقدم من شروط الولي، وأنه لا يصح النكاح بدونه.
([26]) أي من الأخبار، ولا توكل غير وليها في تزويجها، فإن فعلت لم يصح، لعدم وجود شرطه، ولأنها غير مأمونة على البضع، لنقص عقلها، وسرعة انخداعها، وروى «لا تزوج المرأة نفسها» وفيه «فإن الزانية هي التي تزوج نفسها» وإن حكم بصحته حاكم لم ينقض، ويزوج أمتها وليها، بشرط إذنها، وإن كانت محجورا عليها، فوليها في مالها، ويزوج معتقها عصبة المعتقة من النسب، وعتيقتها كأمتها، اختاره الشيخ وغيره.
([27]) بخلاف الأمة، فلا ولاية لأبيها عليها، قال الموفق: بغير خلاف.
([28]) فوجب تقديمه، ولأنه لا ولاية، لأحد معه، وهو مذهب الشافعي، والمشهور عن أبي حنيفة، وقيل: الابن، لأنه أولى منه بالميراث. والجمهور يقدم الأب، ولأن الولد موهوب لأبيه، وفي الحديث «أنت ومالك لأبيك» ولأنه يقوم على ولده في سفهه، وصغره، وجنونه، فيليه في سائر ما ثبتت الولاية عليه.
([29]) فيه، فإن كان وليا في المال لم تكن له ولاية في التزويج، لأنه إنما يستفيد بالتصرف بالوصية، فلا يملك ما لم يوص به إليه، ووصي غير الأب لا ولاية له على صبى أو مجنون، لأن الموصي لا يملك ذلك فوصيه أولي.
([30]) يعنى أن أبا الأب وإن علت درجته، أحق بالولاية من الابن، وسائر الأولياء، وهو مذهب الشافعي.
([31]) ولأن الابن والأخ يقادان بها، والأخ يقطع بسرقة مالها، بخلاف الجد، وغير ذلك.
([32]) وفي الاختيارات: لو قيل: إن الابن والأب سواء في ولاية النكاح، كما إذا أوصي لأقرب قرابته، لكان متوجها، ويتخرج لنا أن الابن، أولي، إذ قلنا الأخ أولى من الجد. اهـ. ومذهب أصحاب الرأي: أن الابن وإن نزل أولي.
([33]) فدل الحديث على أن الابن يزوج أمه، فكذا ابن الابن، وإن نزل؛ لإثبات النبي صلى الله عليه وسلم له ولاية تزويجها، وقيل لأحمد: أليس كان صغيرًا؟
-يعنى عمر بن أبي سلمة- قال: ومن يقول كان صغيرًا؟ ليس فيه بيان. ولأنه عدل من عصبتها.

([34]) أي ثم يقدم - في ولاية النكاح بعد الأب وأبيه وإن علا، والابن وابنه وإن نزل - الأخ، لكونه أقرب العصبات بعدهم؛ قال الموفق: بلا خلاف. ويقدم الأخ لأبوين، ثم الأخ لأب وفاقا، وصححه الموفق وغيره، لأنه حق يستفاد بالتعصيب، فيقدم فيه من لأبوين، كما يقدم في الميراث.
([35]) كابن ابن ابن أخ لأبوين، وابن ابن ابن أخ لأب.
([36]) وعن أحمد - في الأخوين الصغير والكبير - ينبغى أن ينظر إلى العقل والرأي، وفي رواية: كلاهما سواء، إلا أنه ينبغى أن ينظر في ذلك إلى الفضل والرأي.
([37]) أي من أنه يقدم الأخ لأبوين على الأخ لأب.
([38]) يقدم ابن العم لأبوين على ابن العم لأب.
([39]) كعم الأب، ثم بنيه، ثم عم الجد، ثم بنيه كذلك وإن علوا.
([40]) فلا يلي بنو أب أعلى مع بنى أب أقرب منه وإن نزلت درجتهم، وأولى
ولد كل أب أقربهم إليه، قال الموفق: لا نعلم في هذا خلافا، وقال الوزير: اتفقوا على أن الولاية في النكاح، لا تثبت إلا لمن يرث بالتعصيب. انتهي، ولا ولاية لغير العصبات من الأقارب، كأخ لأم أو عم لأم، وهو مذهب الشافعي، وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة.

([41]) فأقربهم أشفقهم، وفي الفروع: من شروك الولي الإشفاق عليها، ومن لم يعلم أنه نسيب، فهو غير مقدور على استئذانه، فيسقط بعدم العلم، كما يسقط بالبعد.
([42]) أي ثم يلي نكاح حرة - عند عدم عصبتها من النسب - المولي المنعم بالعتق.
([43]) أي عند عدم عصباتها، فكان له تزويجها، قال الموفق: بغير خلاف نعلمه.
([44]) أي فإن عدم المولي أو لم يكن من أهل الولاية فعصباته، الأقرب منهم فالأقرب، على ترتيب الميراث قولاً واحدًا.
([45]) أي في الميراث، يليه في الولاية مولي المولي، ثم عصباته من بعده، كالميراث سواء، فإن اجتمع ابن المعتق وأبوه فالابن أولي، لأنه أحق بالميراث، وأقوى في التعصيب.
([46]) لقوله صلى الله عليه وسلم «السلطان ولي من لا ولي له» رواه أبو داود
وغيره، وقال الموفق: لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن للسلطان ولاية تزويج المرأة، عند عدم أوليائها أو عضلهم، ولأن له ولاية عامة، فكانت له الولاية في النكاح كالأب.

([47]) وفي المغني والإنصاف: هو الإمام أو الحاكم، أو من فوضا إليه ذلك، وعنه: عند عدم القاضي، قال الشيخ: لأنه موضع ضرورة، وكذا قاضي البغاة وسلطانهم.
([48]) وقال في موضع - إذا لم يكن لها ولي فالسلطان - المسلط على الشيء: القاضى يقضى في الفروج والحدود، وقال: ما للوالي ولاية إنما هو القاضى، وتأول بعضهم أن الوالي أذن له في التزويج، ويحتمل أنه إذا لم يكن في موضع ولايته قاض.
([49]) ككبير قرية أو وليها، أو أمير قافلة ونحوه؛ واختاره الشيخ وغيره، وقال: إذا ادعت خلوها من الموانع، وأنها لا ولي لها زوجت، ولو لم يثبت ذلك ببينة. وقال: تزويج الأيامى فرض كفاية إجماعا، فإن أباه حاكم إلا بظلم، كطلبه جعلا لا يستحقه، صار وجوده كعدمه، وفي الاختيارات: وإذا تعذر من له ولاية النكاح انتقلت الولاية إلى أصلح من يوجد، ممن له نوع ولاية في النكاح، كرئيس القرية وهو المراد بالدهقان، وأمير القافلة ونحوه.
([50]) أي في ذلك المكان من يزوجها، فعن أحمد ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل بإذنها.
([51]) أي وولي أمة في إنكاحها سيدها بلا خلاف، إذا كان من أهل ولايته،
لقوله: ]فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ[ ولأنه مالكها ولو كان فاسقًا، فله التصرف في ماله، أو مكاتبا إن أذن له سيده في تزويج إمائه، وإن كانت امرأة فوليها ولي سيدتها كما تقدم.

([52]) كعم الأم وأبيها ونحوهم، وهو مذهب الشافعي، لقول علي: إذا بلغ النساء نص الحقائق، أي أدركن، فالعصبة أولي، ولا تزول ولاية بالإغماء، ولا بالعمى، ولا بالسفه، وإن جن أحيانا أو أغمى عليه أو أحرم انتظر زوال ذلك، ولا ينعزل الولي بطريان ذلك.
([53]) زوج الأبعد، قال الوزير وغيره: اتفقوا على أنه ليس للولي أن يعضل وليته، إذا دعت إلى كفء، وبصداق مثلها.
([54]) أي ورغب كل منهما في صاحبه، بما صح مهرا، ولو بدون مهر مثلها.
([55]) أي العضل، بأن خطبها كفو وآخر، وآخر، فمنع، صار ذلك كبيرة يمنع الولاية لأجل الإضرار والفسق، ذكره الشيخ وغيره؛ وقال: من صور العضل المسقط لولايته، إذا امتنع الخطاب لشدة الولي.
([56]) يعنى من لم يبلغ، لأن لفظه صغير، لم يميز، فأطلقه على مطلق الصغير.
([57]) ولو مبعضا، لأن الولاية لا تثبت لطفل، ولا عبد، ولا كافر على مسلمة، فعند ذلك يكون وجودهم كعدمهم.
([58]) وقال الخرقي: ما لا يصل إليه الكتاب، أو يصل فلا يجيب عنه؛ وقال القاضي: ما لا تقطعه القافلة في السنة إلا مرة؛ وقال الموفق - بعد سياقها - وقول أحمد: إلا أن تكون غيبة منقطعة، لا تقطع إلا بكلفة ومشقة؛ هذا القول إن شاء الله أقربها إلى الصواب، فإن التحديدات بابها التوقيف، ولا توقيف في هذه المسألة فترد على ما يتعارفه الناس بينهم، مما لم تجر العادة بالانتظار فيه، ويلحق المرأة الضرر بمنعها من التزويج في مثله، وقيل: ما تستضر به، اختاره ابن عقيل، وصوبه في الإنصاف.
([59]) لا إن كان دون مسافة القصر، ولو وجدت المشقة والكلفة.
([60]) أي مكان الولي الأقرب، أو تعذرت مراجعته بحبس أو أسر، أو خوف عدو، ونحوها.
([61]) ممن يلي الأقرب من الأولياء دون السلطان، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك، لقوله «السلطان ولي من لا ولي لها» وهذه لها ولي، وإنما تعذر لعدم حصول الولي الأقرب، فثبتت الولاية لمن يليه.
([62]) فكان التزويج للأبعد الذي يلي الأقرب كالأصل، ما لم تكن أمة غاب سيدها، فيزوجها الحاكم، لأن له نظرا في مال الغائب.
([63]) أي من غير عذر للأقرب، لم يصح النكاح، ولو أجازه الأقرب، لأنه لا ولاية له معه.
([64]) لم يصح النكاح، لما تقدم.
([65]) ولو أجازه الولي، لفقد شرط النكاح.
([66]) فلا تثبت له ولاية كالميراث.
([67]) أي فلو كان الأقرب عند تزويج الأبعد أو الحاكم، لا يعلم أنه عصبة، ثم عرف بعد العقد، لم يعد، قاله الشيخ وغيره.
([68]) أي أو أنه صار أهلا، بأن بلغ أقرب، أو عاد أهلا بعد مناف من فسق، أو جنون، أو غيره.
([69]) ومثله إرث ونحوه. ويلي كتأبي نكاح موليته الكتابية، حتى من مسلم، ويباشره، ويشترط فيه شروط المسلم.
([70]) ممن تقدم، مجبرا كان أو غيره، لأنه عقد معاوضة، فجاز التوكيل فيه كالبيع، وقياسا على توكيل الزوج، لأنه صلى الله عليه وسلم، وكل أبا رافع في تزويج ميمونة، وعمرو بن أمية في تزويجه أم حبيبة، وله أن يوكل قبل إذنها أو بدونه، ويثبت لوكيل ماله من إجبار وغيره.
([71]) فلا يكفي إذنها لوليها بتزويج، أو توكيل فيه بلا مراجعة وكيلها، وإذنها له فيه بعد توكيله، فلو وكل وليـ ثم أذنت لوكيل صح، ولو لم تأذن للولي.
([72]) فإن كانت مجبرة لم يشترط إذنها، على ما تقدم.
([73]) أي في الولي من ذكورة، وبلوغ، وعقل، وعدالة، ورشد، وغيرها، لأنها ولاية، فلا يصح أن يباشرها غير أهلها، ويصح توكيله مطلقا: كزوج من شئت، ولا يملك أن يزوجها من نفسه، كالوصي. ومقيدا: كزوج فلانا بعينه؛ ومن ولايته بالشرع كالحاكم والولي فله، قاله في الإنصاف وغيره: ويصح توكيل فاسق ونحوه في قبول لموكله، اختاره أبو الخطاب وغيره، وصححه ابن نصر الله.
([74]) أي ويشترط أن يقول الولي أو وكيله لوكيل الزوج: زوجت موكلك فلان بن فلان - ويصفه بما يتميز به - فلانة بنت فلان. ونحوه من التعريف بما تتميز به، ولا يقول: زوجتكها. ونحوه.
([75]) أي ويشترط قول وكيل الزوج: قبلت هذا النكاح لفلان بن فلان -وينسبه- أو لموكلي فلان؛ لا: قبلته. فقط من غير تصريح بذلك، بخلاف سائر العقود، لأن الإشهاد في النكاح لا يتأتى إلا على ما تسمعه الشهود. ووصي أب أو غيره في نكاح، بمنزلته إذا نص له عليه.
([76]) لامرأة في درجة كإخوة لأبوين، صح من كل واحد منهم، قولاً واحدًا.
([77]) أي أفضل علما ودينا، وإن استووا فأسن، لقوله u «كبر، كبر» أي قدم الأكبر، ولأنه أحوط للعقد في اجتماع شروطه، والنظر في الحظ.
([78]) أي أقرع بينهم لتساويهم، فإن سبق غير من قرع، وقد أذنت له صح، لأنه صدر من ولي كامل الولاية، بإذن موليته.
([79]) فيزوجها دون غيره، وإن زوج وليان لاثنين، فهي للأول منهما بلا خلاف، وإن جهل السابق مطلقًا، أو علم ثم نسي، أو علم السبق وجهل السابق، فسخها حاكم، نص عليه، ولا يتعين، فلو طلقا أغنى عن فسخه، وهو أحوط، وعنه: يقرع بينهما، وهي للقارع، من غير تجديد عقد وهو ظاهر كلام الجمهور، واختاره الشيخ.
([80]) كما لو زوج ابنه الصغير بصغيرة هو وليها، أو زوج وصي في نكاح صغيرا بصغيرة تحت حجره، أو وكل زوج وليا، أو عكسه، أو وكلا واحدا، ونحوه.
([81]) لما روى البخاري تعليقا: أن عبد الرحمن بن عوف قال لأم حكيم ابنة قارظ: أتجعلين أمرك إلي؟ قالت: نعم. قال: قد تزوجتك. ولأنه يملك الإيجاب والقبول، فجاز أن يتولاهما، وكما لو زوج أمته عبده الصغير، ولأن وكيله يجوز أن يلي العقد عليها لغيره، فجاز أن يليها عليه له، إذا كانت تحل له، كالإمام
إذا أراد أن يتزوج موليته، ولأنه صلى الله عليه وسلم أعتق صفية، وجعل عتقها صداقها.

([82]) أي ويكفي في عقد النكاح -ممن يتولي طرفيه- قول: زوجت فلان وينسبه - فلانة. وينسبها، من غير أن يقول: وقبلت له نكاحها.
([83]) كابن عم، ومولي، وحاكم.
([84]) أي من غير أن يقول: قبلت نكاحها لنفسي، لما تقدم، لأن إيجابه يتضمن القبول، ولغيره يقول: تزوجتها لموكلي فلان، أو لفلان. وينسبه.



  #5  
قديم 23 ربيع الثاني 1432هـ/28-03-2011م, 02:52 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

فَصْلٌ

الثَّالِثُ: الوَلِيُّ، ..........
قوله: «الثالث: الولي» ، أي: الثالث من شروط النكاح الولي، يعني أن النكاح لا ينعقد إلا بولي، والدليل على ذلك القرآن والسنة، والنظر الصحيح.
أما القرآن فقوله تعالى: {{وَلاَ تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا}}، [البقرة: 220] ، وقوله: {{وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ}} [النور: 32] . «وأنكح» فعل متعدٍ يتعدى إلى الغير، والخطاب للأولياء فدل هذا على أن النكاح راجع إليهم، ولذلك خوطبوا به، فيكون هذا دليلاً على أن المرأة لا يمكن أن تزوج نفسها، بل لا بد من أن ينكحها غيرها، وقوله تعالى: {{فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}} [البقرة: 232] ، {{فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ}} أي: لا تمنعوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف، ووجه الدلالة من الآية أنه لو لم يكن الولي شرطاً لكان عضله لا أثر له.
وفي قوله تعالى: {{فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}} دليل على أنه لا فرق في اشتراط الولي بين الثيب والبكر؛ لأن قوله: {{أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}} دليل على أنهن قد تزوجن من قبل، وعلى هذا فنقول: إن الآية دلالتها صريحة على أن الولي شرط في النكاح، سواء في البكر أو في الثيب.
أما السنة فقوله صلّى الله عليه وسلّم: ((لا نكاح إلا بولي)) [(1)] ، و((لا)) نافية للجنس، والنفي هنا منصب على الصحة وليس على الوجود؛ لأنه قد تتزوج امرأة بدون ولي، والنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما يخبر عن شيء فيقع على خلاف خبره.
وعلى هذا فقوله: ((لا نكاح إلا بولي)) ، أي: لا نكاح صحيح إلا بولي.
فلو قال قائل: لِمَ لا نقول: لا نكاح كامل، ونحمل النفي على نفي الكمال لا على نفي الصحة؟
قلنا: هذا غير صحيح؛ لأنه متى أمكن حمله على نفي الصحة كان هو الواجب؛ لأنه ظاهر اللفظ، ونحن لا نرجع إلى تفسير النفي بنفي الكمال، إلا إذا دل دليل على الصحة، ولأن الأصل في النفي انتفاء الحقيقة واقعاً أو شرعاً.
وهذه القاعدة تقدمت لنا مراراً، وقلنا: إن النفي يحمل على نفي الوجود، فإن تعذر فنفي الصحة، فإن تعذر فنفي الكمال.
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: ((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل)) [(2)] .
أما النظر فإن المرأة ضعيفة العقل والدين، وسريعة العاطفة، سهلة الخداع، يمكن أن يأتي شخص من أفسق الناس ويغرّها، ويحمد نفسه عندها، ويجعل نفسه فوق الناس، في المال والكمال والأخلاق والدين، وهو من أفجر الناس وأرذل الناس، فتنخدع، فكان من الحكمة أن لا تتزوج إلا بولي.
فصار النظر مع الأثر يقتضي أن لا يصح النكاح إلا بولي، وهذا هو الذي عليه عامة أهل العلم وجمهور الأمة، أنه لا بد في النكاح من ولي، وأنه لا يصح بدون ولي أبداً، ويستثنى من ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم فإن له أن يتزوج بدون ولي، وله أن يتزوج مع وجود الولي لقوله تعالى: {{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}} [الأحزاب: 6] كما أن له أن يتزوج بالهبة بدون صداق.
وذهب أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ إلى أن الحرة المكلفة تزوج نفسها بدون ولي، وقال: إن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقول: ((الثيب أحق بنفسها من وليها)) [(3)].
ولكن هذا القول ضعيف، والحديث الذي استدل به ليس معناه أنها تزوج نفسها، بل معناه أنها لا تُزوج حتى تستأمر، ويؤخذ أمرها ويبين لها الأمر واضحاً جلياً، فلا يُكتفى بنظر الولي في حقها، بل لا بد أن تستأمر ويبين لها الأمر على وجه واضح.
والذي حملنا على ذلك هو الحديث الذي ذكرناه: ((لا نكاح إلا بولي)) ، وقد صححه أحمد وغيره، وعلى هذا فالصحيح أنه لا بد من الولي.
وقال بعض أهل العلم: إنه يجوز أن تزوج نفسها بإذن وليها، فتقول لوليها ـ مثلاً ـ إذا خُطِبَتْ وَوافَقَتْ: إن فلاناً خطبني، وأنا أريد أن أتزوج به وسأعقد النكاح لنفسي، فإذا أُذن لها زوجت نفسها.
ولكن الصحيح ـ أيضاً ـ خلاف هذا، وأنه لا بد من الولي المباشر، وهذا هو المعروف من سنة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه لا تزوج امرأة إلا بولي، حتى أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ لما أراد النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن يتزوجها أمرت ابنها عمر أن يزوج النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالت: قم يا عمر فزوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم[(4)]، مع أنهم ذكروا من خصائصه صلّى الله عليه وسلّم في النكاح أنه يتزوج بدون ولي؛ لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
وَشُرُوطُهُ: التَّكْلِيفُ، وَالذُّكُورِيَّةُ، وَالحُرِّيَّةُ، وَالرُّشْدُ فِي العَقْدِ،
قوله: «وشروطه» يعني شروط الولي.
الأول: قوله: «التكليف» بأن يكون بالغاً عاقلاً، فالذي دون البلوغ لا يعقد لغيره، والمجنون لا يعقد لغيره؛ لأنهما يحتاجان إلى ولي، فكيف يكونان وليين لغيرهما؟!
أما المجنون فأمره ظاهرٌ جداً، فإنه لا يمكن أن يزوج، وأما الصغير فذهب بعض أهل العلم إلى أن المراهق الذي لم يبلغ، لكنه قريب البلوغ ويميز ويعرف الكفء، أن له أن يزوج، ولكن المذهب خلاف ذلك، وأنه لا بد أن يكون بالغاً، حتى لو فرض أن له أربع عشرة سنة، وأحد عشر شهراً، وثمانية وعشرين يوماً، وبناء على ذلك لو وجدت امرأة لها عم كفء في الولاية، ولها أخ صغير لم يبلغ يزوجها عمها، وأخوها الشقيق لا يزوجها، ولو لم يكن بينه وبين البلوغ إلا يوم واحد.
الثاني: قوله: «والذكورية» ضدها الأنوثة والخنوثة؛ لأنه إذا كانت المرأة لا تزوج نفسها فكيف تزوج غيرها؟! وعلى هذا فالأم لا تزوج بنتها لاشتراط الذكورية، فلو كان لها أم وابن عم، وجاءت تسأل من وليها؟ نقول: ابن عمها، أما الأنثى فلا تكون ولياً.
وكذلك الخنثى المشكل لا يزوج، وهذا ـ والحمد لله ـ قليل كما مر علينا، ولكن على كل حال يجب أن نعرف أنه يحترز بالذكورية عن الأنوثة والخنوثة.
والذكورية مشروطة في كل ولاية إلا ولاية تتعلق بالنساء، فلا حرج أن تكون الولية امرأة، فلا يمكن أن تكون المرأة مديرة على مدرسة رجال، ويمكن أن تكون مديرة على مدرسة نساء، ولا يمكن أن تكون وزيرة في وزارة رجال، ولكن هل يمكن أن تكون وزيرة في وزارة النساء؟ الجواب: نعم، لكن لا يمكن الآن؛ لأنه حتى وزارة النساء، أو إدارة النساء، أو رئاسة النساء فلا بد أن يكون فيها ذكور.
الثالث: قوله: «والحرية» ، أي: يشترط أن يكون الولي حراً، فالرقيق لا يزوج ابنته ولو كان من أعقل الناس، وأسَدِّ الناس رأياً، وأقومهم ديناً؛ لأنه هو نفسه مملوك لا يستقل بنفسه ومنافعه، فلا يكون ولياً على غيره.
والصحيح أن ذلك ليس بشرط؛ لأن هذا ليس مالاً أو تصرفاً مالياً حتى نقول: إن العبد لا يملك، ولكن هذه ولاية، فهو أبٌ، ومعلوم أن احتياط الأب لابنته أبلغ من أن يحتاط لها عمها أو أخوها أو السلطان أو ما أشبه ذلك، فكيف تسلب عنه الولاية مع أبوته ورشده وعقله ودينه؟!
والعجب أنهم ـ رحمهم الله ـ قالوا: إن المكاتب يصح أن يكون ولياً فيزوج ابنته؛ لأن المكاتب انعقد فيه سبب الحرية، وإن كان عبداً ما بقي عليه درهم، لكن له أن يزوج بناته، فيقال: هو عبد، فإذا صح أن يزوج بناته فيصح أن يزوجهن من ليس بمكاتب، وهذا القول هو الراجح، فإذا وجد وليٌّ رقيق فإنه يزوج، وهل هذا التزويج يفوت حق سيده؟ لا يفوته، فلا ضرر على سيده في ولايته النكاح، وهو رشيد وعاقل ودَيِّن وفاهم، فقد يكون الرقيق من أعلم الناس بأحوال الناس، والمقصود بالولاية أن تكون المرأة عند زوج كفء، فكيف يزوجها القاضي، وأبوها موجود؟!
الرابع: قوله: «والرشد في العقد» كذلك ـ أيضاً ـ يشترط الرشد في العقد، وهذا من أهم الشروط أن يكون الولي رشيداً، والرشد في كل موضع بحسبه، الرشد في العقد بأن يكون بصيراً بأحكام عقد النكاح، بصيراً بالأكْفَاء، ليس من الناس الذين عندهم غِرَّة وجهل، بل يعرف الأكفاء ومصالح النكاح، وهذا في الحقيقة هو محط الفائدة من الولاية؛ لئلا نضيع مصالح المرأة، فإذا لم يكن رشيداً، ولا يهمه مصلحة البنت، ولا يهمه إلا المال، وجاء إليه شخص، وقال: أنا أعطيك مليون ريال وزوجني بنتك، وهذا الرجل ليس كفؤاً، فوافق الأب وزوج ابنته، وقال: أنا لي إجبار بنتي، وأخذ المليون، فهذا لا يمكن أن يولى، ولا تصح ولايته، فلا بد أن يكون عنده رشد في العقد، ولو فرضنا أن هذا الولي عنده رشد في العقد، ويعرف مصالح النكاح، ويعرف الأكفاء ويعرف الناس معرفة تامة، لكنه في بيعه وشرائه ليس برشيد، فلا يحسن البيع ولا الشراء، فهذا لا يضر؛ لأن الرشد في كل موضع بحسبه، فما دام أن الرجل يعرف مصالح النكاح والكفء، وما يجب للزوجة وجميع ما يتعلق بالنكاح فهو رشيد ويزوِّج.
وَاتِّفَاقُ الدِّينِ سِوَى مَا يُذْكَرُ، وَالعَدَالَةُ، ..........
الخامس: قوله: «واتفاق الدين» ، يعني أن يكون الولي والمرأة دينهما واحد، سواء كان دين الإسلام أو غير دين الإسلام؛ وذلك لانقطاع الولاية بين المختلفين في الدين، ويدل على انقطاع الولاية أنه لا يتوارث أهل ملتين، فإذا انقطعت الصلة بالتوارث، فانقطاعها بالولاية من باب أولى، فعلى هذا يزوج النصراني ابنته النصرانية، وكذلك يزوج اليهودي ابنته اليهودية، وعلى هذا فقس، وهل يزوج المسلم ابنته النصرانية؟ على كلام المؤلف لا يزوج، وكذلك بالعكس النصراني ما يزوج ابنته المسلمة، لكن استثنى فقال:
«سوى ما يذكر» ، قال في الروض[(5)] : «كأم ولد لكافرٍ أسلمت، وأمة كافرة لمسلم، والسلطان يزوج من لا ولي لها من أهل الذمة» ثلاث مسائل: لا يشترط فيها اتفاق الدين:
الأولى: «أم ولد لكافر أسلمت»، يعني رجلاً كافراً له مملوكة فجامعها، ثم ولدت منه، فصارت أم ولد لكافر، فلا يجوز له بيعها؛ لأنها أم ولد، لكن يزوجها؛ لأنها مملوكته حتى يموت، فإذا مات عتقت، وهذا مبني على القول بمنع بيع أمهات الأولاد، والمسألة خلافية، ولم يقل المؤلف: كأمة مسلمة لكافر؛ لأن هذا لا يتصور؛ لأن الأمة إذا أسلمت تحت الكافر أجبر على إزالة ملكه ببيع أو عتق أو غيره.
الثانية: «أمة كافرة لمسلم»، يعني إنساناً عنده أمة، وهو مسلم وهي كافرة، فهذا يزوجها؛ لأنه سيدها، ولا نقول له: أنت مسلم وهي كافرة، فتجبر على إزالة الملك؛ لأن السيد أعلى.
الثالثة: «السلطان يزوج من لا ولي لها من أهل الذمة»، المراد بالسلطان الإمام الرئيس الأعلى في الدولة، أو من ينوب منابه، والذي ينوب منابه، في وقتنا الحاضر وزارة العدل، ومن ورائها مأذون الأنكحة، فإذا وُجِدَ امرأة من أهل الذمة ما لها ولي فله أن يزوجها، مع أنها كافرة وهو مسلم.
وظاهر كلام الأصحاب ـ رحمهم الله ـ أن المسلم لا يزوج مَوْلِيَّتَه الكافرة، كابنته وأخته وعمته، مع أنه أعلى منهم، صحيح أن الكافر لا يزوج موليته المسلمة لا شك، لكن كون المسلم ما يزوج الكافرة، هذا في النفس منه شيء، فإن كانت المسألة إجماعاً، فالإجماع لا يمكن الخروج عنه، وإن كان في المسألة خلاف، فالراجح عندي أنه إذا كان الولي أعلى من المرأة في دينه فلا بأس أن يزوجها؛ لأن هذا ولاية، وإذا كان ولاية، فمن كان أقرب إلى الأمانة فهو أولى، فإذا كانت امرأة نصرانية، لها عم نصراني، وأخ نصراني، وأب مسلم، فعلى كلام المؤلف يزوجها أخوها أو عمها؛ لأنهما هما الموافقان لها في الدين، وأما أبوها المسلم فيقال له: اذهب بعيداً، مع أننا نعلم أن أشد الناس نظراً لمصلحة المرأة أبوها، ولهذا فالقول الراجح أنه لا يضر اختلاف الدين إذا كان الولي أعلى من المرأة، أما العكس فإنه لا يمكن أن يزوج النصراني بنته المسلمة؛ فإن الله يقول: {{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}} [النساء: 141] ، وإذا كنا نشترط في الولي المسلم العدالة، وهي أخص من الإسلام فاشتراط الإسلام أولى.
ولكن هل يتصور أن تكون كافرة مولية لمسلم؛ هذا غير متصور؛ لأن المسلمة إذا كفرت فهي مرتدة ولا تقر على دينها، بل يقال: أسلمي أو القتل.
وهل يزوج النصراني ابنته اليهودية؟ كلا الدينين باطلان، ولا فرق بين هاتين الديانتين وغيرهما من الديانات، إلا ما فرق فيه الشارع، وهو حل نسائهم وذبائحهم، وإلا ففي العبادات هم سواء، فالبوذي الذي يعبد إلهه بوذا، كالنصراني الذي يعبد المسيح، من حيث الديانة، أما الأحكام فمعروف أن الله تعالى أعطى فسحة في معاملة اليهود والنصارى، أكثر مما أعطى بقية الأديان.
السادس: قوله: «والعدالة» ، وهي استقامة الدين والمروءة، فغير العدل لا يصح أن يكون ولياً؛ لأنها ولاية نظرية، ينظر فيها الولي ما هو الأصلح للمرأة؟ فيشترط فيها الأمانة، والفاسق غير مؤتمن حتى في خبره، فكيف في تصرفه؟! والله ـ عزّ وجل ـ يقول: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}} [الحجرات: 6] ، إذاً الفاسق لا يصح أن يكون ولياً على ابنته، ولا على أخته، ولا على بنت أخيه، وما أشبه ذلك، ولكن الفقهاء في هذا الباب خففوا بعض الشيء، فقالوا: تكفي العدالة ظاهراً، فإذا كان هذا الولي ظاهره الصلاح، لكن في باطن أمره ليس بصالح، مثلاً يشرب الدخان في بيته، فهذا عدل ظاهراً وليس عدلاً باطناً، فيصح أن يكون ولياً، أما رجل حالق لحيته فلا يصح أن يكون ولياً؛ لأنه فاسق ظاهراً وباطناً، والذي يتعامل بالربا علناً لا يزوج بنته، والذي اغتاب شخصاً من المسلمين ـ ولو مرة واحدة في عمره ولم يتب ـ لا يزوجها؛ لأنه فاسق غير عدل، أو رجل يمشي في السوق وهو يأكل الطعام فلا يزوج بنته؛ لأنه لم يستعمل المروءة، وكان في الزمن بالأول ـ أيضاً ـ الذي يشرب القهوة بالشارع يعتبر خلاف المروءة، لكن الآن بالعكس، فالناس الآن صاروا يصنعون هذا بالشارع، ولا يعدون هذا خلاف المروءة، وعلى كل حال هذا ما يراه الفقهاء ـ رحمهم الله ـ في هذه المسألة، أنه يشترط للولي أن يكون عدلاً، وماذا نصنع إذا كان كل أقاربها حالقي لحاهم، فمن يزوجها؟! يزوجها القاضي، أو مأذون الأنكحة.
فهذه المسألة في الحقيقة لو طبقناها قد لا نجد أحداً يزوج موليته إلا عشرة في المائة، لا سيما في مسألة هينة عظيمة، وهي الغيبة، فما تكاد تجد أحداً سالماً من الغيبة، فالغيبة ـ ولو مرة واحدة ـ يعتبر الإنسان خارجاً بها من العدالة، فلا يصح أن يكون ولياً، قال ابن عبد القوي ـ رحمه الله ـ في المنظومة:
وقد قيل صغرى غِيبة ونميمة
وكلتاهما كبرى على نص أحمد
وعلى هذا فالمسألة مشكلة جداً، ولهذا يرى بعض الأصحاب ـ رحمهم الله ـ أن العدالة ليست بشرط، وإنما الشرط الأمانة أن يكون مرضياً وأميناً على ابنته، وألا يرضى لها غير كفء، وهذا هو الحق، وكم من إنسان مستقيم الظاهر لكن بالنسبة لبنته لا يهمه إلا الدراهم، فيأخذ الدراهم ويزوجها أفسق الناس ولا يهتم، فهذا في الحقيقة لا يصلح أن يكون ولياً، وخيانته لابنته تنافي عدالته، فالصواب في هذه المسألة أنه لا بد أن يكون الولي مؤتمناً على موليته، هذا أهم الشروط؛ وذلك لأنه يتصرف لمصلحة غيره، فاعتبر تحقيق المصلحة في حق ذلك الغير، أما عدالته ودينه فهذا إليه هو، وكثير من الآباء تجده فاسقاً من أفسق عباد الله، يشرب الخمر ويزني، ويحلق لحيته، ويشرب الدخان، ويُعامل بالغش، ويغتاب الناس، وينم بين الناس، لكن بالنسبة لمصلحة بنته لا يمكن أن يفرط فيها أبداً.
في الروض[(6)] استثنى من العدالة فقال: «إلا في سلطان وسيد يزوج أمته فإنه لا تشترط العدالة»، إذا زوج السلطان من لا ولي لها فلا تشترط العدالة؛ لأننا لو اشترطنا في السلطان العدالة لكان في ذلك تضييق على المسلمين، فإذا قدرنا أن السلطان يشرب الخمر ويقتل ظلماً ويلعب القمار، فهل نقول: تسقط ولايته على المسلمين؟ لا تسقط، فهو ولي على المسلمين، ولو فعل ما فعل من الفجور، ما لم نرَ كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان.
وكذلك السيد مع أمته ولو كان فاسقاً يزوجها؛ لأنها مال، ولكن لا بد أن يكون فسقه لا يخل بمصلحة المرأة، فإن كان يخل فلا، فيجب عليه أن يتقي الله ـ عزّ وجل ـ فإن عُلِمَ أنه لم يتقِ الله في ذلك، فلها الحق في أن تطالبه، أو أن تمتنع ولا يجبرها.
فَلاَ تُزَوِّجُ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا وَلاَ غَيْرَهَا، وَيُقَدَّمُ أَبُو المَرْأَةِ فِي إِنْكَاحِهَا،.........
قوله: «فلا تزوج امرأةٌ نفسَها» ، معلوم إذا اشترطنا الولي فلا تزوج نفسها، ولو أذن لها الولي، فلا بد أن يتولى عقدَ النكاح وليُّها، وأما قوله صلّى الله عليه وسلّم: ((الثيب أحق بنفسها)) [(7)]، فمراده بذلك إذنها في النكاح لا أن تزوج نفسها.
وظاهر كلام المؤلف أن المرأة لا تزوج نفسها ولو في حال الضرورة، كما لو كانت امرأة في بلد ليس لها فيه ولي، وليس فيه سلطان مسلم، لكن يزوجها من كان ذا سلطان في محلها، ولو كان مديراً على مجتمع إسلامي، كإدارات الجمعيات الإسلامية في أمريكا وغيرها.
لكن إذا لم يكن هناك أحد، كرجل وامرأة هربا من بلادهما، وأثناء الطريق قال الرجل: أنا لا أصبر عن المرأة، فهل أزني بها أو أتزوجها، فهل يكون هو الولي أو هي؟ في هذا قولان لأهل العلم: منهم من يقول: إنه يزوجها، فيقول: زوجتك نفسي، وتقول: نعم، وقيل: هي التي تزوج، فتقول: زوجتك نفسي، فيقول: قبلت، وهذا أقرب إلى الصواب؛ لأنه الآن ليس عندنا ولي شرعي، وإذا لم يكن ولي شرعي فهي أحق بنفسها، والمسألة ضرورة.
فهل هذا العقد الذي عقدناه بهذه الكيفية على وجه الضرورة أفضل، أو أن يزني بها؟ الأول أفضل ولا شك.
قوله: «ولا غيرها» لأنها إذا لم تمكن من تزويج نفسها، فغيرها من باب أولى، وعلى هذا فالأم لا تزوج بنتها، والأخت الكبرى لا تزوج الأخت الصغرى، ولو أن غيرها وكَّلَها، فلو قال الأب للأم: أنا سأسافر وفلان قد خطب البنت، فإذا جاء وقت الزواج فزوِّجيه، أنت وكيلتي، فلا يصح؛ لأن المرأة لا يمكن أن تعقد النكاح أبداً، حتى في هذه الحال، مع العلم بأن الزوج معلوم ومرضي عند الولي؛ سداً للباب، وإلا فالعلة في كون المرأة ضعيفة، وسريعة العاطفة، وناقصة العقل والدين وما أشبه ذلك منتفية في هذا.
قوله: «ويقدَّم أبو المرأة في إنكاحها» ، كامرأة لها أبٌ ولها ابن يعصبها إذا ماتت، فالابن في باب الميراث مقدم، ولكن يقدم أبو المرأة في إنكاحها حتى على عيالها؛ أما الأبكار فواضح أن الأب يقدم؛ لأنه ليس لهن أولاد، والأخ لا يمكن أن يكون أولى من الأب وهو مدلٍ به، وأما الثيبات فإن الأب مقدم على الابن؛ لأن الغالب أن الأكبر سناً يكون قد جرب الأمور، وعرف الناس، فيكون أكمل نظراً من الصغير.
ثُمَّ وَصِيُّهُ فِيهِ، ثُمَّ جَدُّهَا لأَبٍ وَإنْ عَلاَ، ثُمَّ ابْنُهَا، ثُمَّ بَنُوهُ وَإِنْ نَزَلُوا، ثُمَّ أَخُوهَا لأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لأَِبٍ، ثُمَّ بَنُوهُمَا كَذَلِكَ، ثُمَّ عَمُّهَا لأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لأَبٍ، ثُمَّ بَنُوهُمَا كَذَلِكَ، ثُمَّ أَقْرَبُ عَصَبَةٍ نَسَباً كَالإِرْثِ،
قوله: «ثم وصيه فيه» اعلم أن الولي له وكيل، وله وصي، الوكيل الذي أقامه مقامه في حياته، والوصي فهو الذي يقوم مقامه بعد موته، وقد اختلف أهل العلم، هل ولاية النكاح تستفاد بالوصية أو لا؟ فالمشهور من المذهب أنها تستفاد بالوصية، وعلى هذا فيقدم وصي الأب على غيره من الأولياء؛ حتى على الجد، والابن، والأخ، والصحيح في هذه المسألة أن الولاية تنقطع بالموت، وأن الولي ليس له أن يوصي بعد موته، وحتى لو أوصى فالوصية باطلة؛ لأن الولاية مستفادة من الشرع، وليست من فعل الإنسان، وليس هذا كالمال، فمالك لك، فلك أن توصي أحداً على ثلثك مثلاً، لكن هذه ولاية على الغير، فما دمت حياً فأنت أولى بها، فإذا مت انقطعت الولاية، والأمر إلى الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، وعلى هذا فإذا أوصى الأبُ أن يزوج بناتَه فلانٌ، ولهن إخوة، فالذي يزوجهن بعد موته ـ على القول الصحيح ـ الإخوة، أما الوصي فلا حق له، لكن لو أراد أحد احتياطاً أن يجمع بين القولين، فيقول الوليُّ للوصيِّ: احضر، وأنا أوكلك، فهذا يجوز، ويكون وكيلاً للولي الحاضر، وبهذا نجمع بين القولين، والمسائل التي يحتاط فيها ـ خصوصاً في النكاح ـ أولى، فنقول للولي: احضر، وأخوها الذي له الولاية نقول له: وكِّلْه أن يزوج، أو نقول للوصي: افسخ الوصية، والوصي يجوز أن يفسخ الوصية؛ لأنها ليست لازمة، فإذا فسخ الوصية عادت المسألة إلى الأولياء.
وقوله: «فيه» احترازاً من وصيه في المال، فلو كان هذا الولي له وصي في المال، يعني أوصى إنساناً على ثلثه، فهل يكون هذا الإنسان المُوصَّى على الثلث وصياً على التزويج؟ لا، ولهذا قيده بقوله: «ثم وصيه فيه».
قوله: «ثم جدها لأبٍ وإن علا» ، فيقدم الأقرب فالأقرب، فالجد أولى من الابن في هذا الباب، وهنا قدموا الجد على الإخوة الأشقاء، أو لأب، وفي باب الميراث ورثوا الإخوة الأشقاء أو لأب مع الجد على تفصيل معروف، وتقديم الجد على الإخوة في باب ولاية النكاح يدل على ضعف القول بتوريث الإخوة مع الجد؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ((فما بقي فلأولى رجل ذكر)) [(8)]، وإذا كانوا قد اعترفوا بأن الجد أولى في ولاية النكاح من الأب، فإن الحديث يقتضي أن يكون أولى منه في الميراث.
وقوله: «جدها لأب» احترازاً من جدها لأم، فإن جدها للأم لا ولاية له، وهو الذي بينه وبين المرأة أنثى، فكل من بينه وبينها أنثى من الأجداد فإنه لا ولاية له.
قوله: «ثم ابنها» ، أي: ابن المرأة.
قوله: «ثم بنوه وإن نزلوا» ، أي: بنو الابن؛ احترازاً من بني البنت فإنه لا ولاية لهم.
قوله: «ثم أخوها لأبوين، ثم لأبٍ، ثم بنوهما كذلك، ثم عمها لأبوين، ثم لأبٍ، ثم بنوهما كذلك» ، إذاً عليَّ ترتيب العصبة في الميراث تماماً، إلا في مسألة الأب والابن فقط، فتقدم الأبوة هنا على البنوة، فنقول:
أبوةٌ بنوة أخوة
عمومة وذو الولا التتمة
فبدلاً من أن ما نقول في الميراث في العصبة: بنوة أبوة، نقول هنا: أبوة بنوة؛ لأن البنوة مفقودة تماماً فيما إذا كانت المرأة بكراً، ولأننا لو قدرنا أن المرأة ثيِّب ولها أبناء ولها أب، فالأب غالباً أدرى بمصالح النكاح من الأبناء؛ لأن الأبناء صغار في الغالب، ولأنه أشد شفقة من الأبناء، فكان أولى بالتقديم.
قوله: «ثم أقرب عَصَبَةٍ نسباً كالإرث» ، فلما ذكر الجهات ذكر القرب، فالعم مع ابن العم فالولي العم؛ لأنه أقرب، والأخ مع ابن الأخ، فالولي الأخ؛ لأنه أقرب، وعلى هذا فنقول: جهات الولاية في عقد النكاح خمس، أبوة، ثم بنوة، ثم أخوة، ثم عمومة، ثم ولاء، فإن كانوا في جهة واحدة قدم الأقرب منزلة، والأقرب هو الذي يجتمع مع الآخر قبل المحجوب، فمن بينه وبين الجد ثلاثة أقرب ممن بينه وبين الجد أربعة، وهلم جرّاً، فإن كانوا في منزلة واحدة فالأقوى، فأخ شقيق وأخ لأب، الولي الأخ الشقيق.

ثُمَّ الْمَوْلَى المُنْعِمُ، ثُمَّ أَقْرَبُ عَصَبَتِهِ نَسَباً، ثُمَّ وَلاَءً، ثُمَّ السُّلْطَانُ،
قوله: «ثم المولى المنعِمُ» هذا عصبة السبب؛ أي: ثم المولى المنعِم بالعتق، قال ذلك؛ أخذاً من قوله تعالى: {{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ}}[الأحزاب: 37] ، وهو زيد بن حارثة ـ رضي الله عنه ـ.
قوله: «ثم أقرب عصبته نسباً» أي: عصبة المولى المنعم، على ترتيب الميراث، وظاهر كلام المؤلف ـ رحمه الله ـ أن عصبة المولى يرتبون ترتيب الميراث، فيقدم ابن المولى على أبيه، ثم إن عُدم فعصبة المولى نسباً.
قوله: «ثم ولاءً» هذا عطف على قوله «نسباً» يعني ثم أقرب عصبته نسباً، ثم أقرب عصبته ولاءً، وعصبته ولاء، يعني لو كان المعتِق قد أعتقه غيرُه، وليس له عصبة من النسب، فإننا نرجع إلى عصبته ولاء وهم الذين أعتقوه.
قوله: «ثم السلطان» وهو الإمام أو نائبه، وكان نواب الإمام فيما سبق في هذه المسائل القضاة، أما الآن فنائبه وزير العدل، ونائب وزير العدل المأذون في الأنكحة، قال الإمام أحمد: والقاضي أحب إليَّ من الأمير في هذا، وهذا بناء على ما سبق في عُرفهم أنهم كلهم نواب للسلطان، أما الآن فليس للإمارة دخل إطلاقاً، بل ولا للقضاة، فأصبحت مقيدة بناس مخصوصين، فالغالب أنها لا تصل إلى هذه الدرجة، يعني لو أنك تأمَّلت زواجات الناس لوجدت أن المسألة ما تعدو عصبة النسب.
وأيهما يقدم مأذون الأنكحة، أو الأخ لأم؟ مأذون الأنكحة يقدم على أخيها من أمها، بل على أبي أمها، فلو كانت هذه المرأة لها أبو أم قد كفلها منذ الصغر، وهو لها بمنزلة الأب، وخطبت فلا يتولى زواجها، بل يتولى زواجها مأذون الأنكحة، وهذه قد تبدو غريبة عند العامة، والشرع ليس فيه غرابة، مثل ما استغربوا مسألة رجل مات عن ابن أخيه الشقيق، وبنت أخيه الشقيق، فلمن التعصيب؟ لابن الأخ الشقيق، فيستغربونها ويقولون: أخواتهم لا يرثن معهم!! نقول: نعم؛ لأن بنات الأخ ليس لهن عصبة.
وقوله: «السلطان» فإذا قدرنا أننا في بلد كفر، والسلطان لا ولاية له، فنقول: السلطان إذا لم يكن أهلاً للولاية، فمن كان له الرئاسة في هذه الجالية المسلمة فهو الذي يتولى العقد؛ لأنه ذو سلطان في مكانه.

فَإِنْ عَضَلَ الأَقْرَبُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلاً، أَوْ غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً لاَ تُقْطَعُ إِلاَّ بِكُلْفَةٍ، وَمَشَقَّةٍ زَوَّجَ الأَبْعَدُ،
قوله: «فإن عضل الأقرب» قال المؤلف هذا اللفظ «عضل» لأنه المطابق لما في القرآن {{فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}} [البقرة: 232] ، و«عضل» بمعنى منع، أي: إذا منع كفؤاً رضيته، يعني رجلاً كفؤاً في دينه، وفي خُلُقه، وفي ماله، خطب هذه المرأة من أبيها، أو من أخيها، ورضيت المرأة به فمنعها، يقول المؤلف: «زوج الأبعد» فيزوجها أخوها، أو عمها أو ابن أخيها مثلاً؛ وذلك لأنه ليس له الحق في المنع، فهو ولي يجب عليه أن يفعل ما هو الأصلح لموليته، فإذا لم يفعل انتقل الحق إلى غيره
ولكن المشكلة أن الناس لا يجرؤون على هذه المسألة، فتجد الأب يمتنع من تزويج ابنته؛ لأن الخاطب لم يعطه ما يرضيه من المهر، فهو عاضل، فلو قلنا لأخيها أو لعمها: زوجها، قال: لا أقدر أن أتعدى الأب، ففي هذه الحال إذا أبى الأقرب، نذهب إلى الأبعد منه، فإذا أبى كل العصبة، وقالوا: ما نقدر، نخشى أن تكون فتنة، فيجب على القاضي أن يزوجها، ولو أن الناس استعملوا هذا ـ وهو شرعي ليس منكراً ـ لانكفَّ كثير من الشر من هؤلاء الآباء، الذين يعضلون ويبيعون بناتهم بيعاً صريحاً.
فالحاصل: أن مشكلتنا أنه لا أحد من الأقارب يجرؤ أن يزوجها، وأبوها أو أخوها موجود، وهذا غلط، ويعتبر ظلماً لهذه المسكينة، وفي هذه الحال لو أن أباها أبى، وكل العصبة، وكذلك القاضي صار جباناً، فحينئذٍ نقول بالقول الثاني، وهو مذهب أبي حنيفة ـ وهو مذهب قائم من مذاهب المسلمين ـ تزوِّج نفسها، وينتهي الإشكال، مع أن هذا سيكون أندر من الكبريت الأحمر، ولا يمكن، لكن لو أنه فعل لانكف الناس عن هذا التحكم في بناتهم، ولقد ذكر لنا بعض الناس منذ أكثر من خمس عشرة سنة أن فتاة حضرها الموت، وقد تجاوزت العشرين من عمرها، وكانت تخطب كثيراً، ومرغوبة عند الناس، وأبوها يأبى، وفي سياق الموت قالت للنساء الحاضرات: بلغوا أبي السلام، وقولوا له: إن بيني وبينه موقفاً يوم القيامة بين يدي الله ـ عزّ وجل ـ حيث منعني أن أتزوج، فهذه كلمة عظيمة في سياق الاحتضار، تتوعد أباها بالوقوف بين يدي الله ـ عزّ وجل، نسأل الله العافية ـ مسألة كبيرة عظيمة، وسبحان الله!! الرجل يعرف من نفسه أنه يريد هذه اللذة، هذه الشهوة، ثم يمنع الشابة التي تريدها مثل ما يريد أو أكثر، فبعض الشابات لولا الحياء والخوف من الله لحصل منهن مفاسد كثيرة، فكيف يمنعها؟! كيف يشبع من الخبز واللحم، ويدع ابنته أو أخته تموت جوعاً؟! فجوع الشهوة الجنسية قد يكون أشد من جوع الشهوة البطنية، وكلتاهما أمران ضروريان للإنسان.
فلهذا يجب على طلبة العلم أن يحذروا من عضل الأولياء، وأن يبينوا للناس أن العاضل لا كرامة له، بل قال العلماء: إذا تكرر عضله فإنه يصبح فاسقاً لا تقبل شهادته، ولا ولايته، ولا أي عمل تشترط فيه العدالة، فإن ذهب طلبة العلم لنشر مثل هذه المعلومات بين الناس، فإن الناس قد يستنكرونها لأول مرة، ويقول الأخ: كيف أزوج وأبي موجود؟! لكن إذا تكرر ذلك ثم صار هناك أخ شجاع وزوَّج مع وجود أبيه الذي عضل، تتابع الناس، فالناس يحتاجون إلى فتح الباب فقط، وإلا فالمسألة متأزمة، يتقدم للمرأة عدة رجال يبلغون إلى ثلاثين رجلاً، ومع ذلك يمنع لسبب شخصي بينه وبين الخاطب، أو حسداً لابنته، كيف يخطبها مثل هذا الرجل الفاضل؟! أو تكون البنت موظفة يأخذ راتبها، وإذا قالت: يا أبي أعطني راتبي، قال: أنت ومالكِ لأبيك!!
فإن كان هناك سبب شرعي اقتضى أن يمتنع فإنه لا يزوج الأبعد، مثال ذلك: امرأة خطبها رجل معروف بنقص الدين، والمجتمع كله أو غالبه أحسن منه ـ وإنما قلت: المجتمع كله أو غالبه، لئلا يرد علينا أنه لو كان مستوى المجتمع بهذه المثابة ـ أي: على مستوى الخاطب ـ فهنا نقول: يزوج ما دام لم يكفر، فلو فرضنا أن عامة المجتمع يشرب الدخان، أو عامة المجتمع يحلق اللحية، فهل يَرُدُّ هذا، ونحن لا ندري متى يأتينا شخص غير حالق لحيته، وغير شارب للدخان؟
الجواب: لا يرده؛ لقوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16] ، وكما أننا إذا لم نجد حاكماً إلا فاسقاً فإننا نولي الأمثل فالأمثل من الفاسقين، كذلك هنا، لكن لو كان هذا الرجل يأتي بمعصية نادرة في المجتمع، ثم إن الأقرب قال: لا أزوج هذا الرجل، فله الحق في المنع، وليس لأحد أن يزوج إذا رفض الأقرب.
قوله: «أو لم يكن» الضمير يعود على الأقرب.
قوله: «أهلاً» يعني ليس أهلاً للولاية، مثل أن يكون صغيراً أو فاسقاً، أو مخالفاً في الدين، أو ما أشبه ذلك؛ فإن وجود من ليس بأهل كالعدم لا فائدة من وجوده.
قوله: «أو غاب غَيْبَة منقطعة لا تقطع إلا بكلْفة ومشقة زوَّج الأبعدُ» ، أي: غاب عن بلد المرأة المخطوبة أبوها مثلاً، أو أخوها، أو وليها، غَيْبَة منقطعة، وفسرها بقوله: «لا تقطع إلا بكلْفة ومشقة» فإنه يزوِّج الأبعدُ.
والمؤلف ـ رحمه الله ـ قيد الغَيْبة بالتي لا تقطع إلا بكلفةٍ ومشقة، وهذا يختلف باختلاف الأزمان، ففيما سبق كانت المسافات بين المدن لا تقطع إلا بكلفة ومشقة، والآن بأسهل السبل، فربما لا يحتاج إلى سفر، فيمكن يخاطب بالهاتف، أو يكتب الأب بالفاكس وكالة ويرسلها بدقائق، فالمسألة تغيرت.
وقيده بعض أهل العلم بما إذا غاب غيبة يفوت بها الخاطب، يعني ـ مثلاً ـ قال الخاطب: أنا لا أنتظر إلى يومين أو ثلاثة أو عشرة أيام، أو شهر، أعطوني خبراً في خلال يوم، وإلا فلا.
فبعض العلماء يقول: إذا كانت الغيبة يفوت بها الخاطب الكفء فإنه تسقط ولايته، وفي الحقيقة أن هذه المسألة تحتاج إلى نظر؛ لأن الأولياء ليسوا على حد سواء، فتزويج ابن العم مع وجود ابن عم أعلى منه، لا شك أنه أهون من تزويج ابن عم مع وجود الأب.
يعني ـ مثلاً ـ عندنا ابن عم يلتقي مع هذه المرأة في الدرجة الثالثة، وهو هنا في بلد المخطوبة، وابن عم يلتقي بها في الدرجة الثانية في بلد آخر يفوت به الخاطب، فلو زوج ابن العم الأبعد في هذه الحال لم يكن هناك ملامة عليه؛ لأن الكل منهم ابن عم، لكن هذا أقرب منزلة، لكن لو كان ابن عمها هنا موجود وأبوها في بلد آخر، لكان تزويج ابن العم يُعَدُّ عند الناس اعتداء وجناية على حق الأب، فالمسألة هنا تختلف باختلاف الأولياء، والذي ينبغي أن يقال: إن كانت مراجعته ممكنة فإنه لا يزوِّج الأبعد؛ والسبب في هذا أننا لو قلنا بتزويج الأبعد في هذه الحال مع إمكان المراجعة؛ لأدى ذلك إلى الفوضى، وصار كل إنسان يريد امرأة يذهب إلى ابن عمها إذا غاب أبوها ـ مثلاً ـ في سفر حج، أو نحوه، ثم يقول: زوجني، فيحصل بذلك فوضى ما لها حد، فالصواب أنه يجب مراعاة الولي الأقرب لا سيما في الأبوة فلا يُزوج إلا إذا تعذر.
فمثلاً لو فرضنا أن الأب سافر إلى بلاد أوربية، ولا نعلم عنه خبراً فهنا نقول: ما نفوِّت مصلحة البنت من أجل أن نطلب هذا الرجل؛ لأننا يمكن أن نبقى شهرين أو ثلاثة أو سنة ما نعلم عنه، والمذهب ـ أيضاً ـ خلاف كلام المؤلف، فالمذهب إذا غاب مسافة قصر زوج الأبعد، وعلى هذا فلو كان ـ مثلاً ـ الولي في «الزلفى» وهي في «عنيزة»[(9)]، لا نراجع أباها، ويزوجها الأبعد؛ لأنهم يعتبرون أن من بينه وبين موليته مسافة قصر تسقط ولايته، ولكن كل هذا فيه نظر، فالصواب أنه متى أمكن مراجعة الولي الأقرب فهو واجب، وإذا لم يمكن، وكان يفوت به الكفء فليزوجها الأبعد.
قوله: «وإن زوج الأبعد أو أجنبي من غير عذر لم يصح» ، الأبعد هنا بمعنى البعيد، ليس المعنى أنه إذا لم يوجد الأخ يزوج ـ مثلاً ـ المولى مع وجود العم، أو يزوج ابن العم مع وجود العم، فقوله: «الأبعد» هنا بمعنى البعيد، أو على تقدير «منه» يعني زوج الأبعد من هذا القريب.

وَإِنْ زَوَّجَ الأَبْعَدُ، أَوْ أَجْنَبِيٌّ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَصِحَّ.
وقوله: «وإن زوج الأبعدُ أو أجنبيٌ من غير عذرٍ لم يصح» يعني والأقرب موجود وأهل للولاية، فإن النكاح لا يصح؛ لأن قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: ((إلا بولي[(10)])) وصف مشتق من الولاية، فيقتضي أن يكون الأحق الأولى فالأولى، وسبق لنا أن كل حكم علق على وصف فإنه يقوى الحكم بقوة هذا الوصف فيه، فما دام أنه علق الحكم بالولاية فمن كان أولى فهو أحق، ولا حق لمن وراءه مع وجوده وهو أهل، فهذه امرأة لها عم ولها ابن عم فزوجها ابن عمها مع وجود عمها في البلد فلا يصح النكاح، أو زوجها القاضي لا يصح، ولو زوجها جارها لا يصح من باب أولى، وإذا كان وليها القريب ـ والعياذ بالله ـ لا يصلي، فزوجها البعيد فإنه يصح؛ لأن القريب ليس أهلاً للولاية، فالذي لا يصلي لا ولاية له؛ لأنه كافر، والعياذ بالله.
وإذا كان حالق لحية فزوج الأبعد، فعلى المذهب لا يصح التزويج؛ لأن هذا فاسق فسقاً ظاهراً، وإذا كان الولي الأقرب يشرب الدخان، لكن يشربه خفية، فزوج الأبعد، فلا يصح حتى على المذهب؛ وذلك لأنهم يشترطون العدالة ظاهراً، فالذي لا يجاهر بالفسق ولايته ثابتة؛ لأنه عدل ظاهراً.
مسألة: هل يصح أن يكون الولي زوجاً؟
نعم يصح، فلو كان ابن عم يريد أن يتزوج بنت عمه، وليس لها أحد أقرب منه جاز، لكن ماذا يقول عند العقد؟ هل يقول: زوجت نفسي بنت عمي، ويُحْضر الشهودَ، ويقول: أشهدكم أني زوجت نفسي بنت عمي؟ أو يكفي دون ذلك؟ الجواب: لو أحضر شهوداً، وقال: أشهدكم أني زوجت نفسي بنت عمي صح، ويجوز أن يقول: أشهدكم أني تزوجتها إذا كانت حاضرة، وشهدوا على رضاها.
ونظير هذا السيد يقول لأمته: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك، فهذا ليس فيه إيجاب ولا قبول، لكنه يكفي عن الإيجاب والقبول.
وهل يصح أن يتولى طرفي العقد بالوكالة أو بالولاية؟
نعم يصح، مثلاً يقول شخص لآخر: وكلتك أن تتزوج لي بنت فلان، ويقول أبو المرأة لهذا الذي وكله الزوج: وكلتك تعقد النكاح لبنتي على فلان، فيكون قد تولى طرفي العقد بالوكالة، أما بالولاية فيمكن هذا فيما سبق، فلو زوج الأب ابنه الصغير، وله بنت أخ هو وليها، فهنا يتولى طرفي العقد بالولاية، فيجوز أن يزوجها ابنه إذا رضيت؛ لأنه لا بد من رضاها، ويكون ـ أيضاً ـ بالأصالة، مثلاً لو تزوج هو ابنة عمه وهو وليها، فقد زوج نفسه موليته وهي بنت عمه.


[1] أخرجه أحمد (4/394)؛ وأبو داود في النكاح/ باب في الولي (2085)؛ والترمذي في النكاح/ باب ما جاء لا نكاح إلا بولي (1101)؛ وابن ماجه في النكاح/ باب لا نكاح إلا بولي (1881) عن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ، وصححه في الإرواء (1839).
[2] أخرجه الإمام أحمد (6/47)؛ وأبو داود في النكاح/ باب في الولي (2083) والترمذي في النكاح/ باب ما جاء لا نكاح إلا بولي (1102)؛ وابن ماجه في النكاح/ باب لا نكاح إلا بولي (1879) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (4074)؛ والحاكم (2/168) وقال: صحيح على شرط الشيخين.
[3] أخرجه مسلم في النكاح/ باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت (1421) (67) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
[4] أخرجه أحمد (6/295)؛ والنسائي في النكاح/ باب إنكاح الابن أمه (6/81)؛ والحاكم (3/178 ـ 179)، وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وانظر: الإرواء (6/220).
[5] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (6/264).
[6] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (6/265).
[7] سبق تخريجه ص(71).
[8] أخرجه البخاري في الفرائض/ باب ميراث الولد من أبيه وأمه (6732)؛ ومسلم في الفرائض/ باب ألحقوا الفرائض بأهلها (1615) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
[9] تقدر المسافة بين المدينتين بحوالي 100كلم.
[10] سبق تخريجه ص(69).


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثالث, الشرط

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:05 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir