دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > جامع علوم القرآن > البرهان في علوم القرآن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 ذو القعدة 1430هـ/30-10-2009م, 05:46 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي النوع الثالث والأربعون: في بيان حقيقته ومجازه

النوع الثالث والأربعون: في بيان حقيقته ومجازه.
لا خلاف أن كتاب الله يشتمل على الحقائق وهي كل كلام بقي على موضوعه كالآيات التي لم يتجوز فهيا والآيات الناطقة ظواهرها بوجود الله تعالى وتوحيده وتنزيهه والداعية إلى أسمائه وصفاته كقوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} الآية وقوله: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} {أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً} {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} {أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}
وقوله تعالى: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } وقوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ} {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ}.
قيل: ومنه الآيات التي لم تنسخ وهي كالآيات المحكمات والآيات المشتملة ولا تقديم فيه ولا تأخير كقول القائل: أحمد الله على نعمائه وإحسانه وهذا أكثر الكلام قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} وأكثر ما يأتي من الآي على هذا.
وأما المجاز فاختلف في وقوعه في القرآن والجمهور على الوقوع وأنكره جماعه منهم ابن القاص من الشافعية وابن خويز منداذ من المالكية وحكي عن داود الظاهري وابنه وأبي مسلم الأصبهاني.
وشبهتهم أن المتكلم لا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا إذا ضاقت به الحقيقة فيستعير وهو مستحيل على الله سبحانه.
وهذا باطل ولو وجب خلو القرآن من المجاز لوجب خلوه من التوكيد والحذف وتثنية القصص وغيره ولو سقط المجاز من القرآن سقط شطر الحسن.
وقد أفرده بالتصنيف الإمام أبو محمد بن عبد السلام وجمع فأوعى.
وأما معناه فقال الحاتمي: معناه طريق القول ومأخذه مصدر جزت مجازا كما يقال: "قمت مقاما"
قال الأصمعي: كلام العرب إنما هو مثال شبه الوحي
نوعا المجاز
وله سببان: أحدهما: الشبه ويسمى المجاز اللغوي وهو الذي يتكلم فيه الأصولي.
والثاني: الملابسة وهذا هو الذي يتكلم فيه أهل اللسان ويسمى المجاز العقلي وهو أن تسند الكلمة إلى غير ما هي له أصالة بضرب من التأويل كسب زيد أباه إذا كان سببا فيه
المجاز في المركب وأقسامه.
والأول مجاز في المفرد وهذا مجاز في المركب.
ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} ونسبت الزيادة التي هي فعل الله إلى الآيات لكونها سببا فيها.
وكذا قوله تعالى: { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} وقوله: {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ} والفاعل غيره ونسب الفعل إليه لكونه الأمر به.
وكقوله: {يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} نسب النزع الذي هو فعل الله إلى إبليس -لعنه الله- لأن سببه أكل الشجرة وسبب أكلها وسوسته ومقاسمته إياهما إنه لهما لمن الناصحين
وقوله تعالى: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} جعل التجارة الرابحة.
وقوله: {فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ} لأن الأمر هو المعزوم عليه بدليل: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}
وقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} فنسب الإحلال الذي هو فعل الله إلى أكابرهم لأن سببه كفرهم وسبب كفرهم أمر أكابرهم إياهم بالكفر
وقوله تعالى: {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} نسب الفعل إلى الظرف لوقوعه فيه.
وقوله تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا}.
وقوله: {فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى}.
وقد يقال إن النزع والإحلال يعبر بهما عن فعل ما أوجبهما فالمجاز إفرادي لا إسنادي
وقوله: {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} يحتمل معناه: يجعل هوله فهو من مجاز الحذف.
وأما قوله تعالى: {فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} فقيل: على النسب أي: ذات رضا وقيل: بمعنى مرضية وكلاهما مجاز إفراد لا مجاز إسناد لأن المجاز في لفظ راضية لا في إسنادها ولكنهم كأنهم قدروا أنهم قالوا: رضيت عيشته فقالوا: عيشة راضية.
وهو على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما طرفاه حقيقتان نحو: أنبت المطر البقل وقوله تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} وقوله: {وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا}.
والثاني: مجازيان نحو: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ}.
والثالث : ما كان أحد طرفيه مجازا دون الآخر كقوله: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} وقوله: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ}.
قال بعضهم: ومن شرط هذا المجاز أن يكون للمسند إليه شبه بالمتروك في تعلقه بالعامل
المجاز الإفرادي وأقسامه.
وأنواع الإفرادي في القرآن كثير يعجز العد عن إحصائها كقوله: {كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى. نَزَّاعَةً لِلشَّوَى. تَدْعُو} قال: الدعاء من النار مجاز
وكقوله تعالى: {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً} الآية والسلطان هنا هو البرهان أي برهان يستدلون به فيكون صامتا ناطقا كالدلائل المخبرة والعبرة والموعظة.
وقوله: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} فاسم الأم الهاوية مجاز أي كما أن الأم كافلة لولدها وملجأ له كذلك أيضا النار للكافرين كافلة ومأوى ومرجع.
وقوله: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} {قُتِلَ الإِِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} والفعل في هذه المواضع مجاز أيضا لأنه بمعنى أبعده الله وأذله وقيل قهره وغلبه وهو كثير فلنذكر أنواعه لتكون ضوابط لبقية الآيات الشريفة.
الأول: إيقاع المسبب موقع السبب.
كقوله تعالى: {قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً} وإنما نزل سببه وهو الماء وكقوله: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} ولم يقل: "كما فتن أبويكم" لأن الخروج من الجنة هو المسبب الناشئ عن الفتنة فأوقع المسبب موقع السبب أي لا تفتتنوا بفتنة الشيطان فأقيم فيه السبب مقام المسبب وهو سبب خاص فإذا عدم فيعدم المسبب فالنهي في الحقيقة لبني آدم والمقصود عدم وقوع هذا الفعل منهم فلما أخرج السبب من أن يوجد بإيراد النهي عليه كان أدل على امتناع النهي بطريق الأولى.
وقوله تعالى: {مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} وهم لم يدعوه إلى النار إنما دعوه إلى الكفر بدليل قوله: {تَدْعُونَنِي ِلأَكْفُرَ بِاللَّهِ} لكن لما كانت النار مسببة عنه أطلقها عليه.
وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا النَّارَ} أي : العناد المستلزم للنار.
وقوله: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً} لاستلزام أموال اليتامى إياها.
وقوله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً} إنما أراد -والله أعلم- الشيء الذي ينكح به من مهر ونفقة وما لا بد للمتزوج منه.
وقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} أي: لا تأكلوها بالسبب الباطل الذي هو القمار وقوله: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} أي: عبادة الأصنام لأن العذاب مسبب عنها.
وقوله: {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} أي: وأغلظوا عليهم ليجدوا ذلك وإنما عدل إلى الأمر بالوجدان تنبيها على انه المقصود لذاته وأما الإغلاظ فلم يقصد لذاته بل لتجدوه.
الثاني: عكسه وهو إيقاع السبب موقع المسبب.
كقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}.
وقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}.
سمى الجزاء الذي هو السبب سيئة واعتداء فسمى الشيء باسم سببه وإن عبرت السيئة عما ساء أي أحزن لم يكن من هذا الباب لأن الإساءة تحزن في الحقيقة كالجناية.
ومنه: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} تجوز بلفظ المكر عن عقوبته لأنه سبب لها.
ومنه قوله: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} إنما جعلت المرأتان للتذكير إذا وقع الضلال لا ليقع الضلال فلما كان الضلال سببا للتذكير أقيم مقامه.
ومنه إطلاق اسم الكتاب على الحفظ أي المكتوب فإن الكتابة سبب له كقوله تعالى: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا} أي: سنحفظه حتى نجازيهم عليه.
ومنه إطلاق اسم السمع على القبول كقوله تعالى: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ} أي: ما كانوا يستطيعون قبول ذلك والعمل به لأن قبول الشيء مرتب على سماعه ومسبب عنه ويجوز أن يكون نفى السمع لابتغاء فائدته ومنه قول الشاعر:
وإن حلفت لا ينقض النَّأْيُ عَهْدَهَا
فليس لمخضوب البَنَاِن يَمِيْنُ
أي: وفاء يمين
ومنه إطلاق الإيمان على ما نشأ عنه من الطاعة كقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} أي: أفتعلمون ببعض التوراة وهو فداء الأسارى وتتركون العمل ببعض وهو قتل إخوانهم وإخراجهم من ديارهم.
وجعل الشيخ عز الدين من الأنواع نسبة الفعل إلى سبب سببه كقوله تعالى: {فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} أي: كما أخرج أبويكم فلا يخرجنكما من الجنة: {يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} المخرج والنازع في الحقيقة هو الله عز وجل وسبب ذلك أكل الشجرة وسبب أكل الشجرة وسوسة الشيطان ومقاسمته على أنه من الناصحين وقد مثل البيانيون بهذه الآية للسبب وإنما هي لسبب السبب.
وقوله: {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} لما أمروهم بالكفر الموجب لحلول النار نسب ذلك إليهم لأنهم أمروهم به فالله هو المحل لدار البوار وسبب إحلالها كفرهم وسبب كفرهم أمر أكابرهم إياهم بالكفر الموجب لحلول النار.
الثالث: إطلاق اسم الكل على الجزء.
قال تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ} أي: أناملهم وحكمة التعبير عنها بالأصابع الإشارة إلى أنهم يدخلون أناملهم في آذانهم بغير المعتاد فرارا من الشدة فكأنهم جعلوا الأصابع.
وقال تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} واليد حقيقة إلى المنكب هذا إن جعلنا "إلى" بمعنى "مع" ولا يجب غسل جميع الوجه إذا ستره بعض الشعور الكثيفة.
وقوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} والمراد هو البعض الذي هو الرسغ.
وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ} أي: من لم يذق.
وقوله: {تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} والمراد: وجوههم لأنه لم ير جملتهم.
ومنه قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} استشكله الإمام في تفسيره من جهة أن الجزاء إنما يكون بعد تمام الشرط والشرط أن يشهد الشهر وهو اسم لثلاثين يوما وحاصل جوابه أنه أوقع الشهر وأراد جزءا منه وإرادة الكل باسم الجزء مجاز شهير.
ونقل عن علي رضي الله عنه أن المعنى: من شهد أول الشهر فليصم جميعه وأن الشخص متى كان مقيما أو في البر ثم سافر يجب عليه صوم الجميع والجمهور على أن هذا عام مخصص بقوله: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً} الآية ويتفرع على هذا أن من أدرك الجزء الأخير من رمضان هل يلزمه صوم ما سبق إن كان مجنونا في أوله؟ فيه قولان.
الرابع: إطلاق اسم الجزء على الكل.
كقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ} أي: ذاته ويبقى وجه ربك.
وقوله: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}.
وقوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ. عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} يريد الأجساد لأن العمل والنصب من صفاتها وأما قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ} فيجوز أن يكون من هذا عبر بالوجوه عن الرجال ويجوز أن يكون من وصف البعض بصفة الكل لأن التنعم منسوب إلى جميع الجسد.
ومنه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} فالوجه المراد به جميع ما تقع به المواجهة لا الوجه وحده
وقد اختلف في تأويل "الوجه" الذي جاء مضافا إلى الله في مواضع من القرآن فنقل ابن عطية عن الحذاق أنه راجع إلى الوجود والعبارة عنه بالوجه مجاز إذ هو أظهر الأعضاء في المشاهدة وأجلها قدرا وقيل -وهو الصواب-: هي صفة ثابتة بالسمع زائدة على ما توجبه العقول من صفات الله تعالى وضعفه إمام الحرمين وأما قوله تعالى: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} فالمراد الجهة التي وجهنا إليها في القبلة وقيل: المراد به الجاه أي فثم جلال الله وعظمته.
وقوله: {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ} تجوز بذلك عن الجملة.
وقوله: {وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} البنان الإصبع تجوز بها عن الأيدي.
والأرجل عكس قوله تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ}.
وقوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}.
وقوله: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} عبر بالأنف عن الوجه {لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ}.
وكقوله تعالى: {فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} أضاف الإثم إلى القلب وإن كانت الجملة كلها آثمة من حيث كان محلا لاعتقاد الإثم والبر كما نسبت الكتابة إلى اليد من حيث إنها تفعل بها في قوله تعالى: {مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ} وإن كانت الجملة كلها كاتبة ولهذا قال: {وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ}
وكذا قوله: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} وقيل: المعنى على حذف المضاف لأن المدرك هو الجملة دون الحاسة فأسند الإدراك إلى الأبصار لأنه بها يكون.
وكقوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ } أي: إياه.
{تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي}.
وجعل منه بعضهم قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} وحكى ابن فارس عن جماعة أن "من" هنا للتبعيض لأنهم أمروا بالغض عما يحرم النظر إليه.
وقوله: {قُمِ اللَّيْلَ} أي: صل في الليل لأن القيام بعض الصلاة.
وكقوله: {وَقُرْآنَ الْفَجْر} أي: صلاة الفجر.
ومنه: "المسجد الحرام" والمراد: جميع الحرم.
وقوله: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} أي: المصلين.
{يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً} {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ} أي: الوجوه.
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} فعبر بالأرض والسماء عن العالم لأن المقام مقام الوعيد والوعيد إنما لو بين أن الله لا يخفى عليه أحوال العباد حتى يجازيهم على كفرهم وإيمانهم والعباد وأحوالهم ليست السماء والأرض بل من العالم فيكون المراد بالسماء والأرض العالم إطلاقا للجزء على الكل.
وقوله: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} قال الفارسي: جعله على المجاز أذنا لأجل إصغائه قال: ولو صغرت أذنا في هذه الآية كان في لحاق تاء فيها وتركها نظر.
وجعل الإمام فخر الدين قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً} المراد به: جميع الحرم لا صفة الكعبة فقط بدليل قوله: {أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً} وقوله: {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} والمراد: الحرم كله لأنه لا يذبح في الكعبة قال: وكذلك المسجد الحرام في قوله: {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} والمراد: منعهم من الحج وحضور مواضع النسك.
وقيل في قوله تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} أي: نجعلها صفحة مستوية لا شقوق فيها كخف البعير فيعدم الارتفاق بالأعمال اللطيفة كالكتابة والخياطة ونحوها من الأعمال التي يستعان فيها بالأصابع قالوا وذكرت البنان لأنه قد ذكرت اليدان فاختص منها ألطفها
وجوز أبو عبيدة ورود البعض وإرادة الكل وخرج عليه قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} أي: كله وقوله تعالى: {وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} وأنشد بيت لبيد:
تَرَّاُكُ أَمْكِنَةٍ إذا لم أَرْضَها
أو يَعْتَلِقْ بعضَ النفوس حِمَامُها
قال: والموت لا يعتلق بعض النفوس دون البعض ويقال للمنية: عَلُوق وعُلاقة انتهى
وهذا الذي قال فيه أمران:
أحدها: أنه ظن أن النبي يجب عليه أن يبين في شريعته جميع ما اختلفوا فيه وليس كذلك بدليل سؤالهم عن الساعة وعن الروح وغيرهما مما لا يعلمه إلا الله وأما الآية الأخرى فقال ثعلب: إنه كان وعدهم بشيء من العذاب عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فقال: يصبكم هذا العذاب في الدنيا -وهو بعض الوعيد- من غير نفي عذاب الآخرة.
الثاني: أنه أخطأ في فهم البيت وإنما مراد الشاعر ببعض النفوس نفسه هو لأنها بعض النفوس حقيقة ومعنى البيت: أنا إذا لم أرض الأمكنة أتركها إلى أن أموت أي إذا تركت شيئا لا أعود إليه إلى أن أموت كقول الآخر:
إذا انصرفتْ نفسي عن الشيء لم تَكَدْ
إليه بوجهٍ آخر الدهر تَرْجِعُ
وقال الزمخشري: إن صحت الرواية عن أبي عبيدة فيدخل فيه قول المازني في مسألة العَلْقى: كان أجفى من أن يفقه ما أقول له وأشار الزمخشري بذلك إلى أن أبا عبيدة قال للمازني: ما أكذب النحويين! فقلت له: لم قلت ذلك؟ قال: يقولون: هاء التأنيث تدخل على ألف التأنيث وإن الألف التي في علقى ملحقة ليست للتأنيث قال: فقلت له: وما أنكرت من ذلك؟ قال: سمعت رؤبة ينشد:
فَحَطَّ في عَلْقى وفي مُكُور
فلم ينونها فقلت: ما واحد العلقى فقال: علقاة قال المازني: فأسفت ولم أفسر له لأنه كان أغلظ من أن يفهم مثل هذا!
قلت: ويحتمل قوله يصبكم بعض الذي يعدكم أن الوعيد مما لا يستنكر ترك جميعه فكيف بعضه! ويدل قوله في آخر هذه السورة: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} وفيها تأييد لكلام ثعلب أيضا.
وقد يوصف البعض كقوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ} وقوله: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} الخطأ صفة الكل فوصف به الناصية وأما الكاذبة فصفة اللسان.
وقد يوصف الكل بصفة البعض كقوله: {إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} والوجل صفة القلب.
وقوله: {وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً} والرعب إنما يكون في القلب.
الخامس: إطلاق اسم الملزوم على اللازم.
كقوله تعالى: {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ} أي: أنزلنا برهانا يستدلون به وهو يدلهم سمي الدلالة كلاما لأنها من لوازم الكلام
وقوله: {صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ} فإن الأصل "عمى" لقوله في موضع آخر: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} لكن أتى بالظلمات لأنها من لوازم العمى.
فإن قيل: ما الحكمة في دخول الواو هنا وفي التعبير بالظلمات عن العمى بخلافه في الآية الأخرى.
السادس: إطلاق اسم اللازم على الملزوم.
كقوله تعالى: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} أي: المصلين.
السابع: إطلاق اسم المطلق على المقيد.
كقوله: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ} والعاقر لها من قوم صالح قُدَار لكنه لما رضوا بالفعل نزلوا منزلة الفاعل.
الثامن: عكسه.
كقوله تعالى: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} والمراد: كلمة الشهادة وهي عدة كلمات
التاسع: إطلاق اسم الخاص وإرادة العام.
كقوله تعالى: {إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي: رسله.
وقال: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} أي: الأعداء.
{وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} أي: الذين.
وقوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ} أي: كل نفس.
وقوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} أي: كل سيئة.
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ} الخطاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
العاشر: إطلاق اسم العام وإرادة الخاص.
كقوله تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ} أي: للمؤمنين بدليل قوله في موضع آخر: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} ولما خفي هذا على بعضهم زعم أن الأولى منسوخة بالثانية
وكقوله تعالى: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} أي: أهل طاعته لا الناس أجمعون حكاه الواحدي عن ابن عباس وغيره واختاره الفراء.
وقوله: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} قيل: المراد بالناس هنا نوح ومن معه في السفينة وقيل: آدم وحواء.
وقوله: {وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} أي: عالمي زمانه ولا يصح العموم لأنه إذا فضل أحدهم على العالمين فقد فضل على سائرهم لأنه من العالمين فإذا فضل الآخرين على العالمين فقد فضلهم أيضا على الأول لأنه من العالمين فيصير الفاضل مفضولا ولا يصح.
وقوله: {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} أي: شيء يحكم عليه بالذهاب بدليل قوله: {فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ}.
وقوله: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا}.
وقوله: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} مع أنها لم تؤت لحية ولا ذكرا.
وقوله: {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} أي: كل شيء أحبوه.
وقوله: {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} أي: مما ظنه وقدره.
وقوله حكاية عن نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} وعن موسى {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} ولم يرد الكل لأن الأنبياء قبله ما كانوا مسلمين ولا مؤمنين.
وقال: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} ولم يعن كل الشعراء.
وقوله: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} أي: أخوان فصاعدا وقوله: {وََادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً} أي: بابا من أبوابها قاله المفسرون وقوله: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا} وإنما قاله فريق منهم {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ} وأراد الآيات التي إذا كذب بها نزل العذاب على المكذب.
وقوله: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ} أي: من المؤمنين.
وقوله: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}.
وقوله: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ} والمراد: بعضهم فإن منهم أفاضل المسلمين والصديق وعليا رضي الله عنهما.
وقوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} فإن {النَّاسَ} الأولى لو كان المراد به الاستغراق لما انتظم قوله تعالى بعد ذلك: {إِنَّ النَّاسَ} ولأن {الَّذِينَ} من {النَّاسَ} فلا يكون الثاني مستغرقا ضرورة خروج {الَّذِينَ} منهم لأنهم لم يقولوا لأنفسهم.
وقوله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} والمراد: شهران وبعض الثالث.
الحادي عشر: إطلاق الجمع وإرادة المثنى.
كقوله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} أطلق اسم القلوب على القلبين.
الثاني عشر: النقصان.
ومنه حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه.
كقوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أي: أهلها.
وقوله: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ} أي: على لسان رسلك.
وقال: {نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} أي: أنصار دين الله.
وقال: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} أي: حبه.
{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} أي: من قومه قالوا: وإنما يحسن الحذف إذا كان فيه زيادة مبالغة والمحذوفات في القرآن على هذا النمط وسيأتي الإشباع فيه وفي شروطه إن شاء الله تعالى وذهب المحققون إلى أن حذف المضاف ليس من المجاز لأنه استعمال اللفظ فيما وضع له ولأن الكلمة المحذوفة ليست كذلك وإنما التجوز في أن ينسب إلى المضاف إليه ما كان منسوبا إلى المضاف كالأمثلة السابقة.
الثاني عشر: الزيادة.
كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ذكره الأصوليون وللنحويين فيها قولان:
أحدهما: أن مثل زائدة والتقدير: ليس كهو شيء.
والثاني -وهو المشهور-: أن الكاف هي الزائدة وأن مثل خبر ليس ولا خفاء أن القول بزيادة الحرف أسهل من القول بزيادة الاسم.
وممن قال به ابن جني والسيرافي وغيرهما فقالوا: المعنى ليس مثله شيء والكاف زائدة وإلا لاستحال الكلام لأنها لو لم تكن زائدة كانت بمعنى مثل وإن كانت حرفا فيكون التقدير: ليس مثل مثله شيء وإذا قدر هذا التقدير ثبت له مثل ونفي الشبه عن مثله وهذا محال من وجهين:
أحدهما: أن الله عز وجل لا مثل له.
والثاني: أن نفس اللفظ به محال في حق كل أحد وذلك أنا لو قلنا: ليس مثل مثل زيد لاستحال ذلك لأن فيه إثبات أن لزيد مثلا وذلك يستلزم جعل زيد مثلا له لأن ما ماثل الشيء فقد ماثله ذلك الشيء وغير جائز أن يكون زيد مثلا لعمرو وعمرو ليس مثلا لزيد فإذا نفينا المثل عن مثل زيد وزيد هو مثل مثله فقد اختلفنا ولأنه يلزم منه التناقص على تقدير إثبات المثل لأن مثل المثل لا يصح نفيه ضرورة كونه مثلا لشيء وهو مثل له.
وأجيب عن الأول بأنا لا نسلم لزوم إثبات المثل غاية ما فيه نفي مثل مثل الله وذلك يستلزم ألا يكون له مثل أصلا ضرورة أن مثل كل شيء فذلك الشيء مثله فإذا انتفى عن شيء أن يكون مثل عمرو انتفى عن عمرو أن يكون مثله.
وأما الثاني: فهو مبني على أن هذه العبارات يلزم منها إثبات المثل ونحن قد منعناه بل أحلناه من العبارة وقيل: ليست زائدة إما لاعتبار جواز سلب الشيء عن المعدوم كما تسلب الكتابة عن زيد وهو معدوم أو يحمل المثل على المثل أي الصفة كقوله تعالى:{مَثَلُ الْجَنَّةِ} أي: صفتها فالتقدير: ليست كصفته شيء.
وبهذين التقديرين يحصل التخلص عن لزوم إثبات مثل وإن لم تكن زائدة.
وأما القائلون بأن الزائد مثل وإلا لزم إثبات المثل ففيه نظر لاستلزام تقدير دخول الكاف على الضمير وهو ضعيف لا يجيء إلا في الشعر وقد ذكرنا ما يخلص من لزوم إثبات المثل.
وقيل: المراد الذات والعين كقوله: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ} وقول امرئ القيس:
*على مثل ليلى يقتل المرء نفسه*
فالكاف على بابها وليس كذاك بل المراد حقيقة المثل ليكون نفيا عن الذات بطريق برهاني كسائر الكنايات ثم لا يشترط على هذا أن يكون لتلك الذات الممدوحة مثل في الخارج حصل النفي عنه بل هو من باب التخييل في الاستعارة التي يتكلم فيها البياني.
فإن قيل: إنما يكون هذا نفيا عن الذات بطريق برهاني أن لو كانت المماثلة تستدعي المساواة في الصفات الذاتية وغيرها من الأفعال فان اتفاق الشخصيتين بالذاتيات لا يستلزم اتحاد أفعالهما.
قيل: ليس المراد بالمثل هنا المصطلح عليه في العلوم العقلية بل المراد من هو مثل حاله في الصفات المناسبة لما سيق الكلام له وليس المراد من هو مثل في كل شيء لأن لفظة مثل لا تستدعي المشابهة من كل وجه وقال الكواشي: يجوز أن يقال: إن الكاف ومثل ليسا زائدتين بل يكون التمثيل هنا على سبيل الفرض كقوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} وتقدير الكلام: لو فرضنا له مثلا لامتنع أن يشبه ذلك المثل المفروض شيء وهذا أبلغ في نفي المماثلة
وأما قوله تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} فقيل: إن ما فيه مصدرية وهذا فيه نظر لأن ما لو كانت مصدرية لم يعد إليها من الصلة ضمير وهو الهاء في به لأن الضمير لا يعود على الحروف ولا يعتبر اسما إلا بالصلة والاسم لا يعود عليه ما هو صفته إذ لا يحتاج في ذلك إلى ربط وجوابه أن تكون ما موصولة صلتها {آمَنْتُمْ بِهِ} وقيل: مزيدة والتقدير: فان آمنوا بالذي آمنتم به أي بالله وملائكته وكتبه ورسله وجميع ما جاء به الأنبياء.
وقيل: إن مثلا صفة لمحذوف تقديره: فإن آمنوا بشيء مثل ما آمنتم به وفيه نظر لأن ما آمنوا به ليس له مثل حتى يؤمنوا بذلك المثل.
وحكى الواحدي عن أكثر المفسرين في قوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أن الوجه صلة والمعنى: فثم الله يعلم ويرى قال: والوجه قد ورد صلة مع اسم الله كثيرا كقوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}.
قلت: والأشبه حمله على أن المراد به الذات كما في قوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} وهو أولى من دعوى الزيادة.
ومن الزيادة دعوى أبي عبيدة {يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} أن "إذ" زائدة.
وقوله: {وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ}.
وقوله: {وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} وقد سبق.
الرابع عشر: تسمية الشيء بما يؤول إليه.
كقوله تعالى: {وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً} أي صائرا إلى الفجور والكفر.
وقوله: {إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً} أي: لأن الذي تأكل الطير منه إنما هو البر لا الخبز ولم يذكر العلماء هذا من جملة الأمثلة إنما اقتصروا في التمثيل على قوله: {أَعْصِرُ خَمْراً} أي: عنبا فعبر عنه لأنه آيل إلى الخمرية وقيل: لا مجاز فيه فان الخمر العنب بعينه لغة لأزد عمان نقله الفارسي في التذكرة عن غريب القرآن لابن دريد.
وقيل: اكتفي بالمسبب الذي هو الخمر عن السبب الذي هو العنب قاله ابن جني في الخصائص.
وقيل: ولا مجاز في الاسم بل في الفعل وهو {أَعْصِرُ} فإنه أطلق وأريد به استخرج وإليه ذهب ابن عزيز في غريبه.
وقوله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} سماه زوجا لأن العقد يؤول إلى زوجية لأنها لا تنكح في حال كونه زوجا.
وقوله: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} وصفه في حال البشارة بما يؤول إليه من العلم والحلم.
تنبيه: ليس هذا من الحال المقدرة كما يتبادر إلى الذهن لأن الذي يقترن بالفاعل أو المفعول إنما هو تقدير ذلك وإرادته فيكون المعنى في قوله: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً} مقدار ضحكه وكذا قوله: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً} على قول أبي علي وهذا حمل منه للخرور على ابتدائه وان حمله على انتهائه كانت الحال الملفوظ بها ناجزة غير مقدرة.
وكذلك قوله: {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} أي: ادخلوها مقدرين الخلود فيها فإن من دخل مدخلا كريما مقدرا ألا يخرج منه أبدا كان ذلك أتم لسروره ونعيمه ولو توهم انقطاعه لتنغص عليه النعيم الناجز مما يتوهمه من الانقطاع اللاحق.
الخامس عشر: تسمية الشيء بما كان عليه.
كقوله تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} أي: الذين كانوا يتامى إذ لا يتم بعد البلوغ وقيل: بل هم يتامى حقيقة وأما حديث: "لا يتم بعد احتلام" فهو من تعليم الشرع لا اللغة وهو غريب
وقوله: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} وإذا متن لم يكن أزواجا فسماهن بذلك لأنهن كن أزواجا وقوله: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} أي: الذين كانوا أزواجهن
وكذلك: {وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً} لانقطاع الزوجية بالموت.
وقوله: {مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً} سماه مجرما باعتبار ما كان عليه في الدنيا من الإجرام
وقوله: {هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} ولكن ما رد عليهم مالهم وإنما كانوا قد اشتروا بها الميرة فجعلها يوسف في متاعهم وهي له دونهم فنسبها الله إليهم بمعنى أنها كانت لهم.
السادس عشر: إطلاق اسم المحل على الحال.
كقوله: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ}.
وقوله تعالى: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} أي: نساؤه بدليل قوله: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً}.
وكالتعبير باليد عن القدرة كقوله: {بِيَدِهِ الْمُلْكُ} ونحوه.
والتعبير بالقلب عن الفعل كقوله: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا} أي: عقول.
وبالأفواه عن الألسن كقوله: {الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ} {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ}.
وإطلاق الألسن على اللغات كقوله: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}.
والتعبير بالقرية عن ساكنها نحو: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}.
السابع عشر: إطلاق اسم الحال على المحل.
كقوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أي: في الجنة لأنها محل الرحمة.
وقوله: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} أي: في الليل.
وقال الحسن في قوله: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ} أي: في عينك واستبعده الزمخشري وقدر: يعني في رؤياك.
وقوله: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً} وصف البلد بالأمن وهو صفة لأهله ومثله: {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ}.
وقوله: {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ} وصفها بالطيب وهو صفة لهوائها.
وقد اجتمع هذا والذي قبله في قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}.
وذلك لأن أخذ الزينة غير ممكن لأنها مصدر فيكون المراد محل الزينة ولا يجب أخذ الزينة للمسجد نفسه فيكون المراد بالمسجد الصلاة فأطلق اسم المحل على الحال وفي الزينة بالعكس.
الثامن عشر: إطلاق اسم آلة الشيء عليه.
كقوله تعالى: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} أي: ذكرا حسنا أطلق اللسان وعبر به عن الذكر لأن اللسان آية للذكر.
وقال تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} أي: بمرأى منا لما كانت العين آلة الرؤية وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ} أي: بلغة قومه.
التاسع عشر: إطلاق اسم الضدين على الآخر.
كقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} وهي من المبتدئ سيئة ومن الله حسنة فحمل اللفظ على اللفظ.
وعكسه: {هَلْ جَزَاءُ الإِِحْسَانِ إِلاَّ الإِِحْسَانُ} سمي الأول إحسانا لأنه مقابل لجزائه وهو الإحسان والأول طاعة كأنه قال: هل جزاء الطاعة إلا الثواب!
وكذلك: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} حمل اللفظ على اللفظ فخرج الانتقام بلفظ الذنب لأن الله لا يمكر.
وأما قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} فهو وإن لم يتقدم ذكر مكرهم في اللفظ لكن تقدم في سياق الآية قبله ما يصير إلى مكر والمقابلة لا يشترط فيها ذكر المقابل لفظا بل هو أو ما في معناه.
وكذلك قوله: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} لما قال: بشر هؤلاء بالجنة قال: بشر هؤلاء بالعذاب والبشارة إنما تكون في الخير لا في الشر.
وقوله: {إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ} والفعل الثاني ليس بسخرية.
العشرون: تسمية الداعي إلى الشيء باسم الصارف عنه.
لما بينهما من التعلق ذكره السكاكي وخرج عليه قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} يعني: ما دعاك ألا تسجد؟ واعتصم بذلك في عدم زيادة "لا".
وقيل: معناه ما حماك في ألا تسجد أي من العقوبة أي ما جعلك في منعه من عقوبة ترك السجود.
وهذا لا يصح أما الأول: فلم يثبت في اللغة وأما الثاني: فكأن تركيبه ما يمنعك سؤالا عما يمنعه لا بلفظ الماضي لأنه لا تخويف بماض.
ويجاب بأن المخالفة تقتضي الأمنة كأنه قيل: ما أمنك حتى خالفت! بيانا لاغتراره وعدم رشده وأنه إنما خالف وحاله حال من امتنع بقوته من عذاب ربه فكني عنه بما منعك تهكما لا أنه امتنع حقيقة وإنما جسر جسارة من هو في منعه.
ورد أيضا بأنه أجاب {أَنَا خَيْرٌ} وهو لا يصلح جوابا إلا لترك السجود.
وأجيب بأنه لم يجب ولكن عدل بذلك جواب مالا يمكن جوابه.
الحادي والعشرون: إقامة صيغة مقام أخرى.
وله صور:
فمنه: فاعل بمعنى مفعول كقوله: {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} أي: لا معصوم.
وقوله تعالى: {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} أي: مدفوق.
و{فِي عِيشَةٍ} أي: مرضية بها وقيل على النسب أي: ذات رضا وهو مجاز إفراد لا تركيب.
وقوله: {أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً} أي: مأمونا.
وعكسه: {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً} أي: آتيا.
وجعل منه بعضهم قوله تعالى: {حِجَاباً مَسْتُوراً} أي: ساترا وحكى الهروي في الغريب عن أصل اللغة وتأويل الحجاب الطبع.
وقال السهيلي: الصحيح أنه على بابه أي مستورا عن العيون ولا يحس به أحد.
والمعنى: مستور عنك وعنهم كما قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ}.
وقال الجوهري: أي حجابا على حجاب والأول مستور بالثاني يراد بذلك كثافة الحجاب لأنه جعل على قلوبهم أكنة وفي آذانهم وقرا.
قال أبو الفتح في كتابه هذا الفد: وسألته -يعني الفارسي- إذا جعلت فاعلا بمعنى مفعول فعلام ترفع الضمير الذي فيه؟ أعلى حد ارتفاع الضمير في اسم الفاعل أم اسم المفعول؟ فقال: إن كان بمعنى مفعول ارتفع الضمير فيه ارتفاع الضمير في اسم الفاعل وإن جاء على لفظ اسم الفاعل.
ومنه "فعيل" بمعنى "مفعول" كقوله: {وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً} أي: مظهورا فيه ومنه ظهرت به فلم ألتفت إليه.
أما نحو: {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فقال بعض النحويين: إنه بمعنى مؤلم ورده النحاس بأن مؤلما يجوز أن يكون قد آلم ثم زال وأليم أبلغ لأنه يدل على الملازمة قال: ولهذا منع النحويون إلا سيبويه أن يعدى فعيل.0
ومنه مجيء المصدر على فعول كقوله تعالى: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} وقوله: {لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً} فإنه ليس المراد.
الجمع هنا بل المراد: لا نريد منكم شكرا أصلا وهذا أبلغ في قصد الإخلاص في نفي الأنواع
وزعم السهيلي أنه جمع شكر وليس كذلك لفوات هذا المعنى.
ومنها: إقامة الفاعل مقام المصدر نحو: {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} أي: تكذيب وإقامة المفعول مقام المصدر نحو: {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} أي: الفتنة.
ومنه وصف الشيء بالمصدر كقوله تعالى: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} قالوا: إنما وحده لأنه في معنى المصدر كأنه قال: فإنهم عداوة.
ومجيء المصدر بمعنى المفعول كقوله تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} أي: من معلومه
وقوله: {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} أي: من العلوم.
وقوله: {صُنْعَ اللَّهِ} أي: مصنوعه.
وقوله: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} أي: مترحم قاله الفارسي.
وكذا قوله: {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} أي: مقوى به ألا ترى أنه أراد منهم زبر الحديد والنفخ عليها
وقوله: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً} أي: مظلوما فيه.
وقوله تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} أي: مكذوب فيه وإلا لو كان على ظاهره لأشكل لأن الكذب من صفات الأقوال لا الأجسام وقال الفراء: يجوز في النحو بدم كذبا بالنصب على المصدر لأن {جَاءُوا} فيه معنى: "كذبوا كذبا" كما قال تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً} لأن العاديات بمعنى الضابحات.
وعكسه: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ}.
ومنه: فعيل بمعنى الجمع كقوله تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}.
وقوله: {خَلَصُوا نَجِيّاً}.
وقوله: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً}.
وشرط بعضهم أن يكون المخبر عنه جمعا وأنه لا يجيء ذلك في المثنى ويرده قوله تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} فإنه نقل الواحدي عن المبرد وابن عطية عن الفراء أن {قَعِيدٌ} أسند لهما.
وقد يقع الإخبار بلفظ الفرد عن لفظ الجمع وإن أريد معناه لنكتة كقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ} فإن سبب النزول وهو قول أبي جهل: نحن ننتصر اليوم يقضي بإعراب منتصر خبرا.
ومنه: إطلاق الخبر وإرادة الأمر كقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} أي: ليرضع الوالدات أولادهن.
وقوله: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} أي: تتربص المتوفى عنها.
وقوله: {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً} والمعنى: ازرعوا سبع سنين بدليل قوله: {فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ}
وقوله: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ} معناه: آمنوا وجاهدوا ولذلك أجيب بالجزم في قوله: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ} ولا يصح أن يكون جوابا للاستفهام في قوله: {هَلْ أَدُلُّكُمْ} لأن المغفرة وإدخال الجنان لا يترتبان على مجرد الدلالة قاله أبو البقاء والشيخ عز الدين.
والتحقيق ما قاله النبلي: أنه جعل الدلالة على التجارة سببا لوجودها والتجارة هي الإيمان ولذلك فسرها بقوله: {تُؤْمِنُونَ} فعلم أن التجارة من جهة الدلالة هي الإيمان فالدلالة سبب الإيمان والإيمان سبب الغفران وسبب السبب سبب وهذا النوع فيه تأكيد وهو من مجاز التشبيه شبه الطلب في تأكده بخبر الصادق الذي لابد من وقوعه وإذا شبهة بالخبر الماضي كان آكد.
ومنه: عكسه كقوله تعالى: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً} والتقدير: مده الرحمن مدا.
وقوله: {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} أي: نحمل.
قال الكواشي: والأمر بمعنى الخبر أبلغ من الخبر لتضمنه اللزوم نحو إن زرتنا فلنكرمك يريدون تأكيد إيجاب الإكرام عليهم كذا قال الشيخ عز الدين مقصوده تأكيد الخبر لأن الأمر للإيجاب يشبه الخبر في إيجابه.
وجعل الفارسي منه قوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} قال: {كُنْ} لفظه أمر والمراد الخبر والتقدير: يكون فيكون أو على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: فهو يكون قال: ولهذا أجمع القراء على رفع {فَيَكُونُ} ورفضوا فيه النصب إلا ما روي عن ابن عامر وسوغ النصب لكونه بصيغة الأمر قال: ولا يجوز أن يكون معطوفا على {نَقُولَ} فيجيء النصب على الفعل المنصوب لأن ذلك لا يطرد بدليل قوله: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} إذ لا يستقيم هنا العطف المذكور لأن {قَالَ} ماض و{يكُونُ} مضارعا فلا يحسن عطفه عليه لاختلافهما.
قلت: وهذا الذي قاله الفارسي ضعيف مخالف لقواعد أهل السنة
ومنه: إطلاق الخبر وإرادة النهي كقوله: {لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ} ومعناه: لا تعبدوا.
وقوله: {لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ} أي: لا تسفكوا ولا تخرجوا.
وقوله: {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} أي: ولا تنفقوا.
الثاني والعشرون: إطلاق الأمر وإرادة التهديد والتلوين وغير ذلك من المعاني الستة عشر وما زيد عليها من أنواع المجاز ولم يذكروه هنا في أقسامه.
الثالث والعشرون: إضافة الفعل إلى ما ليس بفاعل له في الحقيقة.
إما على التشبيه كقوله تعالى: {جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} فإنه شبه ميله للوقوع بشبه المريد له
وإما لأنه وقع فيه ذلك الفعل كقوله تعالى: {الم. غُلِبَتِ الرُّومُ} فالغلبة واقعة بهم من غيرهم ثم قال: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} فأضاف الغلب إليهم وإنما كان كذلك لأن الغلب وإن كان لغيرهم فهو متصل بهم لوقوعه بهم.
ومثله: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} فالحب في الظاهر مضاف إلى الطعام والمال وهو في الحقيقة لصاحبهما.
ومثله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي} أي: مقامه بين يدي
وإما لوقوعه فيه كقوله تعالى: {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً}.
وإما لأنه سببه كقوله تعالى: {فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً} {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} {يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} كما تقدم في أمثلة المجاز العقلي
وقد يقال: إن النزع والإحلال يعبر بهما عن فعل ما أوجبهما فالمجاز إفرادي لا إسنادي
وقوله تعالى: {وْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} أي: يجعل هو له فهو من مجاز الحذف.
الرابع والعشرون: إطلاق الفعل والمراد مقاربته ومشارفته لا حقيقته.
كقوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} أي: قاربن بلوغ الأجل أي انقضاء العدة لأن الإمساك لا يكون بعد انقضاء العدة فيكون بلوغ الأجل تمامه.
كقوله تعالى: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} أي: أتمن العدة وأردن مراجعة الأزواج ولو كانت مقاربته لم يكن للولي حكم في إزالة الرجعة لأنها بيد الزوج ولو كان الطلاق غير رجعي لم يكن للولي أيضا عليها حكم قبل تمام العدة ولا تسمى عاضلا حتى يمنعها تمام العدة من المراجعة.
ومثله قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ} المعنى: قارب وبه يندفع السؤال المشهور فيها إن عند مجيء الأجل لا يتصور تقديم ولا تأخير.
وقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} أي: قارب حضور الموت.
وقوله تعالى: {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ. لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ. فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} أي: حتى يشارفوا الرؤية ويقاربوها.
ويحتمل أن تحمل الرؤية على حقيقتها وذلك على أن يكون: يرونه فلا يظنونه عذابا {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ} ولا يظنونه واقعا بهم وحينئذ فيكون أخذه لهم بغتة بعد رؤيته.
ومن دقيق هذا النوع قوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ} المراد: قارب النداء لا أوقع النداء لدخول الفاء في فقال فإنه لو وقع النداء لسقطت وكان ما ذكر تفسيرا للنداء كقوله تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ} وقوله: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً. قَالَ رَبِّ} لما فسر النداء سقطت الفاء.
وذكر النجاة أن هذه الفاء تفسيريه لأنها عطفت مفسرا على مجمل كقوله: توضأ فغسل وجهه وفائدته ذلك أن نوحا عليه السلام أراد ذلك فرد القصد إليه ولم يقع لا عن قصد
ومنه قوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ} أي: وليخش الذين إن شارفوا أن يتركوا وإنما أول الترك بمشارفة الترك لأن الخطاب للأوصياء إنما يتوجه إليهم قبل الترك لأنهم بعد أموات.
وقريب منه إطلاق الفعل وإرادة إرادته كقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} أي: إذا أردت.
وقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} أي: إذا أردتم لأن الإرادة سبب القيام.
{إِذَا قَضَى أَمْراً} أي: أراد.
{وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ} أي: أردت الحكم.
ومثله: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ}.
{إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ} أي أردتم مناجاته.
{إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ}
وقوله: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي} قال ابن عباس: من يرد الله هدايته ولقد أحسن رضي الله عنه لئلا يتحد الشرط والجزاء.
وقوله: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} أي: أردتم القول.
{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا} أي: أرادوا الإنفاق.
وقوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} لأن الإهلاك إنما هو بعد مجيء البأس وإنما خص هذين الوقتين -أعني البيات والقيلولة- لأنها وقت الغفلة والدعة فيكون نزول العذاب فيهما أشد وأفظع.
وقوله تعالى: {مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} أي: أردنا إهلاكها.
{فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ} أي: فأردنا الانتقام منهم وحكمته أنا إذا أردنا أمرا نقدر فيه إرادتنا وإن كان خارقا للعادة.
وقال الزمخشري في قوله تعالى: {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا} أي: أردت جدالنا وشرعت فيه وكان الموجب لهذا التقدير خوف التكرار لأن جادلت فاعلت وهو يعطي التكرار أو أن المعنى لم ترد منا غير الجدال له لا النصيحة.
قلت: وإنما عبروا عن إرادة الفعل بالفعل لأن الفعل يوجد بقدرة الفاعل وإرادته وقصده إليه كما عبر بالفعل من القدرة على الفعل في قولهم الإنسان لا يطير والأعمى لا يبصر أي لا يقدر على الطيران والإبصار وإنما حمل على ذلك دون الحمل على ظاهره للدلالة على جواز الصلاة بوضوء واحد والحمل على الظاهر يوجب أن من جلس يتوضأ ثم قام إلى الصلاة يلزمه وضوء آخر فلا يزال مشغولا بالوضوء ولا يتفرغ للصلاة وفساده بين.
الخامس والعشرون: إطلاق الأمر بالشيء للتلبس به والمراد دوامه.
كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} هكذا أجاب به الزمخشري وغيره وأصل السؤال غير وارد لأن الأمر لا يتعلق بالماضي ولا بالحال وإنما يتعلق بالمستقبل المعدوم حالة توجه الخطاب فليس ذلك تحصيلا للحاصل بل تحصيلا للمعدوم فلا فرق بين أن يكون المخاطب حالة الخطاب على ذلك الفعل أم لا لأن الذي هو عليه عند الخطاب مثل المأمور به لا نفس المأمور به والحاصل أن الكل مأمور بالإنشاء فالمؤمن ينشئ ما سبق له أمثاله والكافر ينشئ ما لم يسبق منه أمثاله.
السادس والعشرون: إطلاق اسم البشرى على المبشر به.
كقوله تعالى: {بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ} قال أبو علي الفارسي: التقدير: بشراكم دخول جنات أو خلود جنات لأن البشرى مصدر والجنات ذات فلا يخبر بالذات عن المعنى ونحوه إطلاق اسم المقول على القول كقوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ}.
ومنه: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً} أي: عن مدلول قولهم.
ومنه: {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} أي: من مقولهم وهو الأَدْرة.
وإطلاق الاسم على المسمى كقوله تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا} أي: مسميات {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} أي ربك.
وإطلاق اسم الكلمة على المتكلم كقوله تعالى: {لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} أي: لمقتضى عذاب الله و{ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} تجوز بالكلمة عن المسيح لكونه تكون بها من غير أب بدليل قوله: {وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} ولا تتصف الكلمة بذلك.
وأما قوله تعالى: {اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى} فإن الضمير فيه عائد إلى مدلول الكلمة والمراد بالاسم المسمى فالمعنى المسمى المبشر به المسيح بن مريم.
وإطلاق اسم اليمين على المحلوف به كقوله تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} أي: لا تجعلوا يمين الله أو قسم الله مانعا لما تحلفون عليه من البر والتقوى بين الناس.
إطلاق الهوى عن المهوي ومنه: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} أي: عما تهواه من المعاصي ولا يصح نهيها عن هواها وهو ميلها لأنه تكليف لما لا يطاق إلا على حذف مضاف أي نهى النفس عن اتباع الهوى.
التجوز عن المجاز بالمجاز.
وهو أن تجعل المجاز المأخوذ عن الحقيقة بمثابة الحقيقة بالنسبة إلى مجاز آخر فتتجوز بالمجاز الأول عن الثاني لعلاقة بينهما.
مثاله قوله تعالى: {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً} فانه مجاز عن مجاز فان الوطء تجوز عنه بالسر لأنه لا يقع غالبا إلا في السر وتجوز بالسر عن العقد لأنه مسبب عنه فالصحيح للمجاز الأول الملازمة والثاني السببية والمعنى: لا تواعدوهن عقد نكاح.
وكذلك قوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} إن حمل على ظهره كان من مجاز المجاز لأن قوله لا اله إلا الله مجاز عن تصديق القلب بمدلول هذا اللفظ والتعبير بلا اله إلا الله عن الوحدانية من مجاز التعبير بالمقول عن المقول فيه.
والأول من مجاز السببية لأن توحيد اللسان مسبب عن توحيد الجنان.
قلت: وهذا يسميه ابن السيد مجاز المراتب وجعل منه قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً} فإن المنزل عليهم ليس هو نفس اللباس بل الماء المنبت للزرع المتخذ منه الغزل المنسوج منه اللباس.

[ البرهان في علوم القرآن ( 2 / 154 ـ 299 ) ]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثالث, النوع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:50 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir