المتن :
الأَصْلُ الثَّالِثُ
(1): مَعْرِفَةُ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ(2)وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ(3) بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمٍ(4)، وَهَاشمٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقُرَيْشٌ مِنَ العَرَبِ،(5) وَالعَرَبُ(5) مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الخَلِيلِ، عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ(6).وَلَهُ مِنَ العُمْرِ ثَلاَثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً(7)، مِنْهَا أَرْبَعُونَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ(8)، وَثَلاَثٌ وَعِشْرُونَ نَبِياًّ رَسُولاً(9). نُبِّئَ بِإقْرَأْ(10)، وَأُرْسِلَ بِالمُدَّثِّرِ(11)، وَبَلَدُهُ مَكَّةُ(12)، وَهَاجَرَ إِلى المَدِينَةِ(13).بَعَثَهُ اللهُ بِالنِّذَارَةِ عَنِ الشِّرْكِ، وَيَدْعُو إِلى التَّوْحِيدِ(14). وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ(15)(2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (16)(3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ(17)(4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (18)(5) وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (19)(6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ(20)}.
وَمَعْنَى: {قمْ فَأَنْذِرْ} يُنْذِرُ عَنِ الشِّرْكِ، وَيَدْعُو إِلى التَّوْحِيدِ(21). {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} أَيْ: عَظِّمْهُ بِالتَّوْحِيد(22).{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} أَيْ: طَهِّرْ أَعْمَالَكَ عَنِ الشِّرْكِ(23).{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} الرُّجْزُ: الأَصْنَامُ(24)، وَهَجْرُهَا: تَرْكُهَا وَأَهْلِهَا(25)، وَالبَرَاءَةُ مِنْهَا وَأَهْلِهَا
(26)، وَعَدَاوَتُها وَأَهْلِهَا، وَفِرَاقُهَا وَأَهْلِهَا.أَخَذَ عَلَى هَذَا عَشْرَ سِنِينَ يَدْعُو إِلى التَّوْحِيدِ(27)، وَبَعْدَ العَشْرِ عُرِجَ بِهِ إِلى السَّمَاءِ(28)، وَفُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ(29)، وَصَلَّى في مَكَّةَ ثَلاَثَ سِنِينَ(30)، وَبَعْدَهَا أُمِرَ بِالهِجْرَةِ إِلى المَدِينَةِ(31).
الحاشية :
(1) أيْ: مِن أُصُولِ الدِّينِ الثَّلاَثَةِ، التي يَجِبُ عَلَى الإِنْسَانِ مَعْرِفَتُها.
(2) فَمَعْرِفَةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هي: أَحَدُ الأُصُولِ الثَّلاَثَةِ، فَكَمَا أنَّ الأَصْلَ الأَوَّلَ، وهو مَعْرِفَةُ اللَّهِ عَظِيمٌ، ووَاجِبٌ مَعْرِفَتُه.
وكذلك الأَصْلُ الثَّانِي،وهو مَعْرِفَةُ دِينِ الإِسْلاَمِ، الذي خَلَقَنَا اللَّهُ له، وتَعَبَّدَنا بالقِيَامِ به، أَصْلٌ عَظِيمٌ ووَاجِبٌ مَعْرِفَتُه.
فكذلك هذا الأَصْلُ الثَّالِثُ،وهو: مَعْرِفَةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أصلٌ عَظِيمٌ يَجِبُ مَعْرِفَتُه، فإنَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هو الوَاسِطَةُ بَيْنَنا وبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، ولاَ وُصُولَ لَنَا، ولاَ اطِّلاَعَ لَنَا، ولاَ طَرِيقَ لَنَا، ولاَ نَعْرِفُ مَا يُنْجِينَا، مِن غَضَبِ اللَّهِ وعِقَابِهِ، ويُقَرِّبُنَا مِن رِضَى اللَّهِ وثَوَابِهِ، إلاَّ بِمَا جَاءَ به نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وإذا كانَ كذلك، عَرَفْنَا وَجْهَ كَوْنِ مَعْرِفَتِه، أَحَدَ الأُصُولِ الثَّلاَثَةِ، التي يَجِبُ مَعْرِفَتُها، فإنَّا لاَ نَعْرِفُ الأَصْلَ الأَوَّلَ، الذي هو مَعْرِفَةُ الرَّبِّ جَلَّ جَلاَلُه، ولاَ الأَصْلَ الثَّانِيَ، الذي هو دِينُ الإِسْلاَمِ، إلاَّ بالوَاسِطَةِ بَيْنَنا وبَيْنَ اللَّهِ، فَتَحَتَّمَتْ مَعْرِفَتُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصَارَتْ أَصْلاً ثَالِثًا، إذ لاَ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ المُرْسِلِ، إلاَّ بِمَعْرِفَةِ رَسُولِهِ، فَصَارَ مِن الضَّرُورِيَّاتِ مَعْرِفَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبذلك ظَهَرَ، أنَّ مَعْرِفَتَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَحَدُ الأُصُولِ الثَّلاَثَةِ.
ومَعْرِفَتُه تَنْتَظِمُ أَشْيَاءَ عَدِيدَةً: منها مَعْرِفَةُ اسْمِهِ، ونَسَبِهِ وعُمُرِه، وبَقَائِهِ في الدُّنْيا، ووَفَاتِهِ، ومَعْرِفَةُ ما نُبِّئَ بِهِ ومَا أُرْسِلَ به وبَلَدِه ومُهَاجَرِه ومنها - وهو أعْظَمُها - مَعْرِفَةُ مَا بُعِثَ به، وغيرِ ذلك، مِمَّا ذَكَرَ المُصَنِّفُ، وغيرُه.
(3) كَانَ له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَّةُ أَسْمَاءٍ، أَشْهَرُها مُحَمَّدٌ، ولِهَذا جَاءَ في القُرْآنِ بِهَذا الاسْمِ، عَلَى وجْهِ التَّنْويه:
- كَمَا في قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ}.
-{وَمَا مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ}.
-{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ}.
فهذا أَشْهَرُ أَسْمَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومَعْنَاهُ: الذي يُحْمَدُ أَكْثَرَ مِمَّا يُحْمَدُ غيرُه، وهو عَلَمٌ مُشْتَقٌّ مِن التَّحْمِيدِ، ولِمَا فيه مِن الخِصَالِ الحَمِيدَةِ، ولَقَبُه: أَبو القَاسِمِ، وأَبُوه عبدُ اللَّهِ، وهو الذَّبِيحُ الثَّانِي، المَفْدِيُّ بِمِائَةٍ مِن الإِبِلِ.
(4) عبدُ المُطَّلِبِ، اسْمُه: شَيْبَةُ، ويُقَالُ له: شَيْبَةُ الحَمْدِ، لِجُودِهِ، وجِمَاعُ أَمْرِ قُرَيْشٍ إليه.
وإنَّمَا سُمِّيَ بعَبْدِ المُطَّلِبِ؛ لأَِنَّ عَمَّه المُطَّلِبَ قَدِمَ بِهِ مَكَّةَ، وهو رَدِيفُه، وقَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُه بالسَّفَرِ، فحَسِبُوه عَبْدًا لَهُ، فَقَالُوا: هذا عبدُ المُطَّلِبِ، فَعَلِقَ بِهِ هذَا الاسْمُ، وهَاشِمٌ اسْمُه: عَمْرٌو.
وإنَّما سُمِّيَ، هَاشِمًا: لِهَشْمِه الثَّرِيدَ مَعَ اللَّحْمِ لقَوْمِهِ، في سِنِي المَحْلِ.
(5) قُرَيْشٌ هو: النَّضْرُ؛ فإنَّ إليه جِمَاعَ قُرَيْشٍ، ولاَ خِلاَفَ بَيْنَ العُلَمَاءِ أنَّ هَاشِمًا ابنٌ لعَبْدِ مَنَافٍ، واسْمُه: المُغِيرَةُ بنُ قُصَيِّ بنِ كِلاَبِ، بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ، بنِ غَالِبِ، بنِ فِهْرِ، بنِ مَالِكِ، بنِ النَّضْرِ، بنِ كِنَانَةَ، بنِ خُزَيْمَةَ، بنِ مُدْرِكَةَ، بنِ إِلْياسَ، بنِ مُضَرَ، بنِ نِزَارِ، بنِ مَعَدِّ، بنِ عَدْنَانَ، وما فَوْقَه فيه خِلاَفٌ.
والعَرَبُ هنا، المُرَادُ بِهِم: المُسْتَعْرِبَةُ، فإِنَّ العَرَبَ قِسْمَانِ، عَارِبَةٌ ومُسْتَعْرِبَةٌ، والعَارِبَةُ قَحْطَانُ، والمُسْتَعْرِبَةُ عَدْنَانُ، وهم: أَفْضَلُ مِن العَرَبِ العَارِبَةِ، كيفَ ومِنْهُم النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو القَائِلُ:
((إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى بَنِي إِسْمَاعِيلَ مِن العَرَبِ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَأَنَا خِيَارٌ مِنْ خِيَارٍ)).
وقَالَ أَبُو سُفْيانَ لِهِرَقْلَ، لَمَّا سَأَلَه (كيفَ هو فيكم؟) قالَ: (هو فينا ذُو نَسَبٍ).
قَالَ: (وهَكَذا الرُّسُلُ، تُبْعَثُ في أَنْسَابِ قَوْمِهَا) يَعْنِي: في أَكْرَمِهَا أَحْسَابًا.
(6) وهذا لاَ خِلاَفَ فيه، ولاَ خِلاَفَ أنَّ الخَلِيلَ: مِن ذُرِّيَّةِ سَامِ بنِ نُوحٍ؛ وذَكَرَ جُمْهُورُ المُؤَرِّخِينَ: أَنَّ الخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، بنُ تارِخَ، بنِ نَاحُورَ، بنِ سَارُوغَ، بنِ راعو، بنِ فالِعَ، بنِ عَابِرَ، بنِ شَالِحَ، بنِ أَرْفَخْشَذَ، بنِ سامِ، بنِ نوحٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
(7) وُلِدَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ: يَوْمَ الاثْنَيْنِ، ثَانِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، عَامَ الفِيلِ، وفيه بُعِثَ، وفيه عُرِجَ به إلى السَّمَاءِ، وفيه هَاجَرَ إلى المَدِينَةِ، وفيه تُوفِّيَ صَلَواتُ اللَّهِ وسَلاَمُه عَلَيْهِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ذَلِكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ)) وارْتَجَسَ لِمَوْلِدِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيوَانُ كِسْرَى، وخَمَدَتِ النِّيرَانُ، وَخَرَّ كَثِيرٌ مِن الأَصْنَامِ، وظَهَرَ النُّورُ مَعَه، حتَّى أَضَاءَتْ له قُصُورُ الشَّامِ، وهَتَفَتْ بِهِ الجِنُّ، وجَرَى مِن مُعْجِزَاتِ آيَاتِهِ غيرُ ذلك.
وتُوفِّيَ أَبُوه وهو حَمْلٌ، وكَانَ عندَ جَدِّه، ثُمَّ عَمِّه أَبِي طَالِبٍ.
وتَزَوَّجَ خَدِيجَةَ، وله خَمْسٌ وعِشْرُونَ سَنَةً، ومنها أَوْلاَدُه، إلاَّ إِبْرَاهِيمَ فمِن مَارِيَةَ.
وشَهِدَ حِلْفَ المُطَيَّبِينَ، وبناءَ الكَعْبَةِ، وكَانَ يُسَمَّى الأَمينَ، قبلَ مَبْعَثِه صَلاَةُ اللَّهِ وسَلاَمُه عَلَيْهِ.
(8) عندَ جَمَاهِيرِ أَهْلِ العِلْمِ بِسِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والنُّبُوَّةُ: مِن النَّبَأِ؛ وهو الخَبَرُ؛ لأَِنَّهُ يُخْبِرُ عن اللَّهِ، وقيلَ: مِن النَّبْوَةِ، وهو الارْتِفَاعُ، لاِرْتِفَاعِ رُتْبَتِه، وإِنَّما كَانَ كَذَلِكَ؛ لأَِنَّه ارْتَفَعَ عَلَى غيرِه.
(9) والنَّبِيُّ: إِنْسَانٌ ذَكَرٌ، أُوحِيَ إليه بِشَرْعٍ، وإنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِه؛ وإنْ أُمِرَ بِتَبْلِيغِه فرَسُولٌ.
وبينَهُما عُمُومٌ وخُصُوصٌ، فالرِّسَالَةُ أَعَمُّ مِن جِهَةِ نَفْسِهَا، وأَخَصُّ مِن جِهَةِ أَصْحَابِهَا؛ والنُّبُوَّةُ أَخَصُّ مِن جِهَةِ نَفْسِهَا وأَعَمُّ مِن جِهَةِ أَصْحَابِهَا.
فالنُّبُوَّةُ جُزْءٌ مِن الرِّسَالَةِ؛ إذ الرِّسَالَةُ تَتَنَاوَلُ النُّبُوَّةَ وغيرَها، وكلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ، وليس كُلُّ نَبِيٍّ رَسُولاً.
(10) أيْ: أُنْزِلَ عَلَيْهِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، بِلاَ خِلاَفٍ، والمَشْهُورُ: أَنَّه أُنْزِلَ عَلَيْهِ في رَمَضَانَ بغارِ حِرَاءٍ صَدْرُ سُورَةِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ} ففيها: التَّنْبِيهُ عَلَى ابْتِدَاءِ خَلْقِ الإنْسَانِ مِن عَلَقَةٍ، وخَصَّ الإنْسَانَ، لِمَا أَوْدَعَهُ مِن عَجَائِبِ آياتِهِ، ومِن كَرَمِ اللَّهِ: أَنْ عَلَّمَه مَا لَمْ يَعْلَمْ، فَشَرَّفَهُ بالعِلْمِ.
والعِلْمُ تارَةً يكونُ في الأذهانِ، وتَارَةً في اللِّسَانِ، وتَارَةً في الكِتَابَةِ بالبَنَانِ، ولِهَذا قَالَ: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} ورَجَعَ بِهَا يَرْجُفُ فُؤَادُه، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: (واللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ، وأَخْبَرَتْ وَرَقَةَ بنَ نَوْفَلٍ، فَقَالَ: هذا النَّامُوسُ الأَكْبَرُ، الذي كانَ يَأْتِي مُوسَى).
(11) أيْ: بصَدْرِ سُورَةِ {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ} الآياتِ، بعدَ فَتْرَةِ الوَحْيِ، ولَمَّا جَاءَ المَلَكُ فَرَقَ منه، فَقَالَ: ((دَثِّرُونِي)) فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ} ثُمَّ حَمِيَ الوَحْيُ وتَتَابَعَ، وكَانَ أَوَّلَ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، بعدَ فَتْرَةِ الوَحْيِ، وحينَئذٍ: شَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن سَاقِ العَزْمِ، ودَعَا إِلَى اللَّهِ.
(12) وُلِدَ بِهَا فِي شِعْبِ عَلِيٍّ، ونَشَأَ بِهَا إلاَّ مَا كَانَ منه، وهو مَعَ مُرْضِعَتِه السَّعْدِيَّةِ، في البَرِّيَّةِ، ثُمَّ رَجَعَ إليها في حَضَانَةِ جَدِّه، ثُمَّ عَمِّهِ، وأُوحِيَ إليه بِهَا، وبَقِيَ بِهَا ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً، بعدَ أنْ أُوحِيَ إليه.
(13) بعدَ أنْ هَمُّوا بِقَتْلِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتَغَيَّبَ في الغَارِ، ثُمَّ سَارَ هو وأَبُو بَكْرٍ، مُهَاجِرًا إلى المَدِينَةِ، وذلك بعدَ أَنْ بايَعُوه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النُّصْرَةِ والمُؤَازَرَةِ، وأَرَّخَتِ الأُمَّةُ مِن مُهَاجَرِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(14) ذَكَرَ المُصَنِّفُ رَحِمَه اللَّهُ: جُمْلَةً مِمَّا يُعْرَفُ به النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأَعْظَمُها وأَعْلاَهَا: مَعْرِفَةُ مَا بُعِثَ به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأَنَّه بُعِثَ بالنَّذَارَةِ عن الشِّرْكِ، والدَّعْوَةِ إلى التَّوْحِيدِ.
وقَدَّمَ المُصَنِّفُ: النَّذَارَةَ عن الشِّرْكِ، قَبْلَ الدَّعْوَةِ إلى التَّوْحيدِ؛ لأَِنَّ هذا مَدْلُولُ كَلِمَةِ التَّوْحيدِ (لاَ إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ) ولأَِنَّ الآيةَ الآتيةَ: تَقْتَضِي ذلك، فَبَدَأَ بِجَانِبِ الشِّرْكِ، لكَوْنِ العِبَادَةِ لاَ تَصِحُّ مَعَ وجُودِ المُنَافِي، فلو وُجِدَتْ، والمُنَافِي لَهَا مَوْجُودٌ لَمْ تَصِحَّ، ثُمَّ ثَنَّى بالتَّوْحيدِ؛ لأَِنَّه أَوْجَبُ الواجِبَاتِ، ولاَ يُرْفَعُ عَمَلٌ إلاَّ بِهِ.
(15) هذه أَوَّلُ آيَةٍ أُرْسِلَ بِهَا، وَأَوَّلُ أَمْرٍ طَرَقَ سَمْعَه، في حَالِ إِرْسَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذلك أنَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمَّا رَأَى المَلَكَ، الذي جَاءَه بِحِرَاءٍ، حينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ{اقْرَأْ}رُعِبَ منه، فَأَتَى إلى أَهْلِه، فَقَالَ: ((دَثِّرُونِي)) فَأَنْزَلَ اللَّهُ {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ} أيْ: المُتَدَثِّرُ بثِيابِهِ، المُتَغَشِّي بِهَا مِن الرُّعْبِ، الذي حَصَلَ له مِن رُؤْيَةِ المَلَكِ، عندَ نُزُولِ الوَحْيِ.
{قُمْ} أي: مِن دِثَارِكَ، فَأَنْذِرْهُم وحَذِّرْهُم مِن عَذَابِ رَبِّكَ، إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا، وبِهَذا حَصَلَ الإِرْسَالُ، كَمَا حَصَلَ بالأَوَّلِ النُّبُوَّةُ.
(16) أي: عَظِّمْ رَبَّكَ، عَمَّا يَقُولُه عَبَدَةُ الأَوْثَانِ.
(17) أيْ: نَفْسَكَ طَهِّرْهَا عن الذُّنُوبِ، كَنَّى عَنِ النَّفْسِ بالثَّوْبِ؛ لأَِنَّها تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ، وهذا قَوْلُ المُحَقِّقِينَ مِن أَهْلِ التَّفْسِيرِ، أو عَمَلَكَ فَأَصْلِحْ، وفُسِّرَ بغَيْرِ ذلك.
(18) أيْ: اتْرُكِ الأَوْثَانَ، ولاَ تَقْرَبْها. {والرُّجْزَ} القَذَرَ، مثلَ الرِّجْسِ، وقَالَ تَعَالَى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} بل فَسَّرَ المُصَنِّفُ رَحِمَه اللَّهُ هذه الآياتِ، بِمَا فيه كِفَايَةٌ.
(19) أيْ: لاَ تُعْطِ مَالَكَ مُصَانَعَةً، لتُعْطَى أَكْثَرَ منه، أو لاَ تَمْنُنْ عَلَى اللَّهِ بِعَمَلِكَ، فتَسْتَكْثِرَه، أو لاَ يَكْثُرُ مِن عَملِكَ في عَيْنِكَ، أو لاَ تَضْعُفْ أنْ تَسْتَكْثِرَ مِن الخَيْرِ.
(20) أيْ: عَلَى طَاعَتِه وأَوَامِرِه، أو: عَلَى ما أُوذِيتَ في اللَّهِ.
(21) فإنَّ الشِّرْكَ: أَعْظَمُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللَّهُ به، ولاَ يُرْفَعُ مَعَه عَمَلٌ.
والتَّوْحيدُ: أَوْجَبُ الواجِبَاتِ، وأَوَّلُ دَعْوَةِ الرُّسُلِ، مِن أَوَّلِهِم إلى آخِرِهِم {مَالَكُم مِّنْ إِلهٍ غَيْرُهُ} فَشَمَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن سَاقِ العَزْمِ، وأَنْذَرَ النَّاسَ، وعَمَّ وخَصَّ، وأُوذِيَ عَلَى ذلك، هو ومَن اتَّبَعَه، وجَرَى للمُصَنِّفِ، مُجَدِّدِ هذه الدَّعْوَةِ، رَحِمَه اللَّهُ نحوٌ مِمَّا جَرَى عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو وأَصْحَابِه، وصَبَرُوا، وكَانَتْ لَهُم العَاقِبَةُ، وأَظْهَرَ اللَّهُ الدِّينَ بعدَ دُرُوسِهِ، عَلَى يَدَيْهِ وأَتْبَاعِهِ، فلِلَّهِ الحَمْدُ والمِنَّةُ، وجَزَاهُ اللَّهُ ومَن آواه ونَصَرَه عَن الإِسْلاَمِ والمُسْلِمِينَ أَحْسَنَ الجَزَاءِ.
(22) فهو سبحانَه: الإِلَهُ الحَقُّ، لاَ نِدَّ لَهُ ولاَ مِثْلَ لَهُ، فَلاَ شَرِيكَ لَهُ في إِلَهِيَّتِه، ولاَ في رُبُوبِيَّتِه، بل هو المُسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ وحْدَه، لاَ يُشْرَكُ مَعَه أَحَدٌ في عِبَادَتِه، فإِنَّ الشِّرْكَ مَعَ كَوْنِه أَظْلَمَ الظُّلْمِ، فهو هَضْمٌ للرُّبُوبِيَّةِ، وتَنَقُّصٌ للألُوهِيَّةِ، وسُوءُ ظَنٍّ بِرَبِّ العَالَمِينَ.
(23) وهو أَعْظَمُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللَّهُ به.أو طَهِّرْ نَفْسَك مِمَّا يُسْتَقْذَرُ، مِن الأَقْوَالِ والأَفْعَالِ.
(24) قَالَه ابنُ عَبَّاسٍ وغَيْرُه مِن المُفَسِّرِينَ، ويُقَالُ: الشِّرْكُ، ويُقَالُ: الزَّايُ مُنْقَلِبَةٌ عَن سِينٍ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ قولُه: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أيْضًا: (اتْرُكِ المَآثِمَ). والمَعْنَى: اتْرُكْ كلَّمَا أَوْجَبَ لَكَ العَذَابَ، مِن الأَقْوالِ والأَفْعَالِ.
(25) والإِعْرَاضُ عَنْها، وهَجَرَ الشَّيْءَ يَهْجُرُه: صَرَمَه وقَطَعَه، والهَجْرُ ضِدُّ الوَصْلِ، فالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ بِتَرْكِ الأَوْثَانِ، ومُبَاعَدَتِهَا، ومُصَارَمَتِهَا، وجَمِيعِ المَآثِمِ.
(26) قالَ تَعَالَى عن الخَلِيلِ: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ}، {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} فَلاَ يَتِمُّ تَوْحِيدُ العَبْدِ، حَتَّى يَتَبَرَّأَ مِن الكُفْرِ، وأَهْلِ الكُفْرِ، ويُبَاعِدَهُم ويُنَابِذَهُم.
(27) أيْ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بَيَانِ التَّوْحيدِ، والدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، وبَيَانِ الشِّرْكِ، والإِنْذَارِ عنه، والتَّحْذِيرِ منه عَشْرَ سِنِينَ، قَبْلَ فَرْضِ الصَّلاَةِ التي هي عِمَادُ الدِّينِ، وقبلَ بَقِيَّةِ الشَّرَائِعِ؛ وبِهَذا يَتَبَيَّنُ لَكَ: أَنَّ حَقِيقَةَ ما بُعِثَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودَعَتْ إليه الرُّسُلُ كُلُّهُم، هو الإِنْذَارُ عَن الشِّرْكِ، والنَّهْيُ عنه، والدَّعْوَةُ إلى التَّوْحيدِ، وبَيَانُهِ وتَوْضِيحُه:
-كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إلاَّ أَنا فَاعْبُدُونِ}.
-وقَالَ: {وَلقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}.
وقَالَ عن نُوحٍ، وهُودٍ، وصَالِحٍ، وشُعَيْبٍ، أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَؤُوا بِهِ قَوْمَهُم، أَنْ قَالُوا: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلهٍ غَيْرُهُ} وخَاتَمُهم مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوَّلُ شَيْءٍ دَعَاهُم إِلَيْهِ، أَنْ قَالَ: ((قُولُوا لاَ إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ تُفْلِحُوا)) فَقَالُوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}.
وقَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمُعَاذٍ، لَمَّا بَعَثَه إِلَى اليَمَنِ: ((فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ، شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلهَ إلاَّ اللَّهُ)) وفي رِوَايَةٍ: ((إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ)) وفِي رِوَايَةٍ: ((فَادْعُهُمْ إِلى تَوْحِيدِ اللَّهِ)).
وهذه الرِّوَايَاتُ يُفَسِّرُ بَعْضُها بعضًا،فالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا بُعِثَ بالدَّعْوَةِ إلى التَّوْحِيدِ؛ وذلك لأَِنَّه أَسَاسُ المِلَّةِ الذي تُبْنَى عَلَيْهِ، وبِدُونِهِ لاَ يَنْبَنِي شَيْءٌ مِن الأَعْمَالِ.
فالتَّوْحِيدُ هو الأَصْلُ، وبَقِيَّةُ شَرَائِعِ الدِّينِ فَرْعٌ عنه، فإِذَا زَالَ الأَصْلُ زَالَ الفَرْعُ، فأَيُّ بيانٍ أَبْيَنُ مِن هذا؟ عَلَى أنَّ التَّوْحِيدَ أَوْجَبُ الوَاجِبَاتِ، ومَعْرِفَتَه أَفْرَضُ الفَرَائِضِ: كَوْنُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ عَشْرَ سِنِينَ يَدْعُو إلى التَّوْحيدِ، ويُنْذِرُ عن الشِّرْكِ، قَبْلَ أنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِ الفَرَائِضُ.
(28) أُسْرِيَ بِجَسَدِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورُوحِهِ جَمِيعًا، مِن المَسْجِدِ الحَرَامِ، عَلَى البُرَاقِ، إلى بَيْتِ المَقْدِسِ، يَقَظَةً لاَ مَنَامًا، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ.
ثُمَّ صَعِدَ بِهِ جَبْرَائِيلُ إلى السَّمَاءِ عَلَى المِعْرَاجِ، وهو المِصْعَدُ الذي تَصْعَدُ فيه المَلاَئِكَةُ، كُلَّمَا مَرَّ بِسَمَاءٍ تَلَقَّاهُ مُقَرَّبُوهَا، حَتَّى جَاوَزَهُم إِلَى سِدْرَةِ المُنْتَهَى، فَبَلَغَ مِن الارْتِفَاعِ والعُلُوِّ إِلَى مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ، ودَنَا مِن الجَبَّارِ جَلَّ جَلاَلُه، وكَلَّمَه بِلاَ وَاسِطَةٍ، فَأَوْحَى إِلَيْهِ مَا أَوْحَى.
(29) وكَانَ أَوَّلُ فَرْضِهَا خَمْسينَ صَلاَةً، ولَمْ يَزَلْ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ مُوسَى ورَبِّه، حَتَّى وضَعَهَا إلى خَمْسٍ، وقَالَ: ((هِيَ خَمْسٌ، وَهِيَ خَمْسُونَ، الحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا)) ثُمَّ هَبَطَ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ، وهَبَطَ الأَنْبِياءُ مَعَهُ، وأَمَّهُم في بَيْتِ المَقْدِسِ، ثُمَّ رَكِبَ البُرَاقَ ورَجَعَ إلى مَكَّةَ، وحَدَّثَهم عَمَّا رَآه في مَسِيرِه، صَلَواتُ اللَّهِ وسَلاَمُه عَلَيْهِ.
(30) يَعْنِي: بعدَ أَنْ عُرِجَ بِهِ، وفُرِضَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ الهِجْرَةِ، كَمَا هو ظَاهِرُ سِياقِ ابْنِ إسْحَاقَ: أَنَّ الإِسْرَاءَ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِثَلاَثِ سِنِينَ، وقيلَ: سَنَةٍ؛ وقيلَ: ونِصْفٍ؛ وقِيلَ: بِخَمْسٍ، فاللَّهُ أَعْلَمُ.
(31) أيْ: وبعدَ الثَّلاَثَ عَشْرَةَ مِن بَعْثَتِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُمِرَ بِمُفَارَقَةِ المُشْرِكِينَ وأَوْطَانِهِم، بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِن إِظْهَارِ دِينِه، والدَّعْوةِ إلى اللَّهِ في غَيْرِ بِلاَدِهِم، فإِنَّ ذلك واجِبٌ وفَرْضٌ، ومَا لاَ يَتِمُّ الوَاجِبُ إلاَّ به، فهو وَاجِبٌ، ولاَ يَتِمُّ الفَرْضُ والوَاجِبُ، إلاَّ مَعَ مُفَارَقَةِ المُشْرِكِينَ عن الأَوْطَانِ، فإِنَّه إذا كانَ في بَلَدٍ لاَ يَقْدِرُ عَلَى إِظْهَارِ دِينِه، والتَّصْرِيحِ بِهِ وتَبْيِينِهِ، وجَبَ عَلَيْهِ مُفَارَقَةُ ذلك الوَطَنِ لإِظْهَارِ دِينِهِ.