دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > جامع علوم القرآن > الإكسير في علم التفسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23 محرم 1432هـ/29-12-2010م, 08:46 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الفصل الثالث: الكلام المنثور والمنظوم

الفصل الثالث
الكلام المنثور والمنظوم
اختلف في الكلام المنثور والمنظوم، أيهما أفضل؟ والذي اختاره ابن الأثير تفضيل المنثور، واحتج عليه بوجوه:
الأول أن القرآن أعلى الكلام، وأسلوبه النثر، فدل على أنه أعلى الأساليب، ويؤكده أن القرآن نزل معجزًا، والإعجاز إنما يكون بأصعب الأشياء وأشقها، قياسًا على سائر المعجزات في أزمتها، فدل على أن أسلوب النثر أصعب وأشق من أسلوب النظم، والآتي بالأشق أفضل، بالمعقول والاستقراء.
الثاني: أن الناظمين من العرب وغيرهم كثير جدًا، والناثرين قليل جدًا؛ إذ لم يسمع لأحد منهم نثر، إلا "قسّ بن ساعدة" ولهذا ضرب به المثل في الفصاحة والبلاغة، وذلك لأفضلية أسلوبه الذي هو النثر، لأن الرتب العالية، والمناصب السامية، إنما يدركها النادر من الناس، كالمشاهير بالشجاعة، علي وعمرو، والكرم كحاتم وكعب. واعترض على الأول بأن نزول القرآن على أسلوب النثر لا يقتضي أفضليته، بل مفضوليته، وذلك لأنه لما كان أسهل عليهم من النظم أنزل القرآن على أسلوبه، بحيث إذا تبين عجزهم عن معارضة الأسهل، علم أنهم عن معارضة الأصعب أعجز، كما أنه
[الإكسير في علم التفسير: 135]
تحداهم أن يأتوا بمثله، ثم بعشر سور منه، ثم بسورة منه، بحيث إذا عجزوا عنها كانوا عن أكثر منها أعجز. وإنما قلنا: إن النثر أسهل عليهم، وهو الاعتراض على الوجه الثاني؛ لأنهم صرفوا عنايتهم إلى النظم عنه، واستفرغوا وسع قرائحهم فيه، إظهارا لقوتهم في الفصاحة والبلاغة. والعادة جرت في مقام الافتخار وإظهار الفضيلة، وإنما تعتني بالأصعب فالأصعب، كما أنه إنما يظهر فضله في الفروسية في قيادة الفرس الجواد الجموح دون البرذون، وفي الشجاعة بمبارزته الشجاع دون الجبان، وفي قتل أسد لا سنّور، وجرأته في خوض المفاوز المخوفة في ظلام الليل، دون شوارع القرى، وأزقة المدن نهارًا، وفي حمله الثقل، يحمل ألف رطل، لا في حمل خمسة أرطال. وأجاب عن الأول، بالقياس على سائر المعجزات، كإحياء الموتى، وانشقاق البحر، ونبع الماء من الحجر، فإنها كانت أصعب الأشياء على أهل زمانها، وهذا ضعيف لأن معجزات الرسل وردت من جنس ما كان يتعاناه أممهم، ويفتخرون به، وهو عظيم عندهم، كالناقة لأهل الإبل، وقلب العصا حيّةً لأهل السحر، وإحياء الموتى لأهل الطب، والفصاحة لأهل اللسان، وذلك لا يمنع تحدي بعضهم بأسهل مما عندهم، مبالغة في إظهار عجزهم. وأجاب عن الثاني: بأن إكثار العرب من النظم دون النثر، دليل على مشقته، وسهولة النظم، لأن الإنسان إنما يكثر مما يسهل عليه، ويقل مما يعذر عليه، وهذا ضعيف من وجهين:
أحدهما: منع ما ذكر بأن الإنسان قد يصرف همته إلى الأصعب حتى يصير عليه أسهل من الأسهل؛ لإلف نفسه له، وحصول الملكة لها به، كالكاتب يألف قلم النسخ، والخياط يألف خياطة الحرير والخز، فيصير أسهل عليهما من قلم الثلث،
[الإكسير في علم التفسير: 136]
وخياطة الصوف والقطن، وكصائم الدهر، يألف الصوم فيسهل عليه، حتى لو أفطر لوجد للإفطار مشقة، ولهذا كان صوم يوم ويوم أفضل؛ لما في سرد الصوم من السهولة المزيلة لمقصود العبادة ومقتضاها، وإلى مثل هذا أشار المتنبي بقوله:
وكأنها خُلقَتْ قيامًا تحتهمْ = وكأنهم خُلقوا على صهواتها
يصفهم بأنهم صاروا أشد إلفًا لركوب الخيل منهم لوجه الأرض، فصار أسهل عليهم.
الوجه الثاني: أن ابن الأثير قال في استعمال وحشي الكلام وغيره: الناظم فيه أعذر عندي من الناثر، لتقيده يقيد القافية، وإطلاق عنان الناثر، وهذا مناقض لاختياره هنا، ودعواه أن النظم أسهل.
الثالث: أن الناثر يمكنه الإتيان بمعنىّ في لفظ، لا يمكن الناظم الإتيان به، إلا في أكثر من ذلك اللفظ؛ لحكم الوزن والقافية عليه، فتكون زيادة ألفاظه إذن هذرًا؛ لإمكان الاستغناء عنها، وما خلا من الهذر والحشو، وما لا حاجة إليه أفضل مما تضمنه واشتمل عليه وجوابه من وجهين:
أحدهما: المنع؛ إذ كمْ من نظم أخصر لفظًا وأنشط معنى من نثر، وهذا
[الإكسير في علم التفسير: 137]
الشاطبي قد نظم التفسير وزاد عليه كثيرًا، وقصيدته جزء يسير من التفسير، وإنما يختلف باختلاف قوة الناظم والناثر وتمكنهما في صناعتهما.
الثاني: أن ما ذكره يقتضي أن النظم أصعب، وقد سبقت دعواه لخلافه، وهذا تهافت.
الرابع: أن النثر لا يقوله إلا من حصل آلاته المعتبرة، المقدم ذكرها، والنظم قد يقوله السوقة والعامة ممن لا أنس له بذلك. وجوابه: أن المقابلة هنا ليست بين كلام فضلاء البلغاء، وشعراء السوقة، فإنه هذيان في الغالب، بل بينه وبين شعر فضلاء الشعراء، كأبي تمام، والبحتري، والمتنبي، وشعر هؤلاء وأمثالهم لا يحصل إلا بعد تحصيل آلات النثر، وما يختص به النظم.
ولئن سلمنا وجود شعر صحيح من عاميّ، على وجه الندرة، فهو دليل على أفضلية النظم، وأن النفوس إليه أميل، والطباع له أوثق، ولهذا اختص من التأثير في النفوس، مما ليس للنثر، ولا يقدح هذا في دعوانا، أنه أصعب من النثر، لما بينا من أن صرف العناية إلى الشيء تسهله جدًا.
الخامس: أن الناثر تعلو درجته حتى ليبلغ منصب الوزارة، وذلك دليل أفضلية صناعته ونفاقها والشاعر لا يفارق رتبة الشحاذين؛ الطالبين لما في أيدي الناس، وذلك دليل مفضولية صناعته وكسادها، واستغناء الناس عنها.
وجوابه من وجوه:
أحدها: منع هذا التفاوت بينهما مطلقًا؛ فإن منشأ الشعر وينبوعه، إنما هم العرب وأكثر أهله كانوا ملوكًا وعظماء، وأكابر، ورؤساء، كامرئ القيس، وعمرو
[الإكسير في علم التفسير: 138]
ابن هند، والحارث اليشكري، وغيرهم من الجاهليين والإسلاميين، الصرحاء والمخضرمين، وأعلاهم منصبًا الخلفاء الأربعة، وكلهم قال الشعر ورواه، وهذا يزيد بن معاوية عريق في الملك، وشعره من أحسن الشعر، وإنما كثر الطلب في شعر المحدثين وهم عبرة بحالهم، كما لا احتجاج على اللغة بشعرهم.
الثاني: ليت شعري، أي فضيلة لرتبة الوزير؟ وهل هو إلا غلام يؤمر وينهى في اليوم مرارًا، ويكتب يقبل العتبة الشريفة، ولعل الشاعر يدخل على الملك فيأمره في شعره وينهاه، وقد يأخذ منه بسطوة لسانه، كما يأخذ هو بسيفه وسنانه.
الثالث: سلمنا التفاوت بينهما في الرتبة، لكن لا نسلمه في الفضيلة، فكم من وزير دائص إذا دخل الشاعر إليه سخر منه، وضحك عليه، وعلى من استوزره واللبيب لا ينظر الناس بالبصر، بل بالبصيرة، ولا ينظر إلى صورهم، ولا إلى كمالاتهم الصورية الحيوانية، بل إلى كمالاتهم المعنوية النفسانية، فإن الفرد يرفع على حشيّة عالية على رؤوس الناس؛ ليسخروا منه، وقد قال القائل:
ما إن نزال ببغداد تزاحمنا = على البراذين أمثالُ البراذين
يشير إلى أنه ركب الخيل من يستحق أن يمشي راجلاً.
وقال الآخر في تعتبه على الزمان، وأنه رفع غيره من المفضولين عليه، ونام عنه، وتنبه لهم:
[الإكسير في علم التفسير: 139]
لعله إن بدا فضلي ونقصهم = لعينه نام عني أو تنبه لي
الرابع: قوله: الناثر يصير وزيرًا، والناظم لا ينفك شحاذًا، إن عنى به أن ذلك لازم مطرد، فهو باطل؛ إذ كم رأينا من تأثير شحاذ، لا وزير، ولا كاتب. وإن عنى به: أنه قد وقد، فلا فرق؛ إذ يستويان في ذلك.
وإن عنى الطالب ما ذكره، فقد سبق جوابه، وسيأتي.
الخامس: أن نفاق الصنعة قد يكون للضرورة إليها، دون غيرها، لكن ذلك لا يدل على أفضليتها؛ ألا ترى أن الأبنية المشيدة، المزوقة، الموضوعة على أصول الهندسة، لا ضرورة بالناس إليها، وهم إلى اللبن والطين أميل، واستعمالهم له أكثر، وهو فيه أنفق، ومع ذلك، فإذا حصل البناء المزوّق، المشيد، المحكم، كان في النفوس أنفس؛ لكونه أرفق بالميت، وثمنه أغلى، وأكثر، وأهل البناء فيه أرغب، فكذلك النثر مع النظم، وقد يكون للقصور عن غيره، مع تطلع النفس إليه، كمن يأكل البصل؛ لعدم قدرته على العسل، ويركب الحمار؛ لعدم الفرس، فهذا يدل على مفضولية النافق لا أفضليته. وقد حكي عن ابن المقرب البحراني، وكان من فحول الشعراء المتأخرين "أنه قصد رجلاً؛ ليمدحه، فبعث إليه الرجل المقصود في بعض الطريق بشيء يسير، وناشده الله، والرحم أن يرجع عنه معتذرًا بأني لا أجد سعة أكافئ بها مدحك، ولا أرضى أن تفد علي، وترجع بما لا يكافئك"، فهذا قد رغب عن شعر هذا الشاعر، لفضيلته، وشدة الرغبة فيه، على تقدير مكافأته. وقد صنّف في فضائل الشعر كتب.
[الإكسير في علم التفسير: 140]
وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لحسان وقال: ((اللهم أيّده بروح القدس)) وقال للنابغة الجعدي: ((لا يفْضُضِ اللهُ فاك)) وقال للناثر عدي بن حاتم: ((بئس خطيب القوم أنت)) وهذا لم نورده على جهة الاستدلال، بل على جهة الاستئناس، وما ورد في ذم الشعر من الظواهر فمتناول والله أعلم.
[الإكسير في علم التفسير: 141]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثالث, الفصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:14 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir