دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > جامع علوم القرآن > الإكسير في علم التفسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23 محرم 1432هـ/29-12-2010م, 08:42 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الفصل الثالث: في الحقيقة والمجاز


الفصل الثالث
في الحقيقة والمجاز

أما الحقيقة، فمشتركة بين ذات الشيء وماهيته، كقولنا: حقيقة الإنسان: حيوان ناطق، وبين ما يقابل المجاز: وهو اللفظ المستعمل في موضوعه المتخاطب به عند إرادة التخاطب، فيتناول اللغوية كالصلاة: للدعاء، والشرعية، كذات التحريم، والتحليل، والعرفية: كالدابة لذوات الأربع.
وهي فعلية من الحق، وهو الثابت لثبوتها بإزاء ذات الشيء، أو موضوعه اللازم غير المنتقل.
والمجاز: هو اللفظ المستعمل في غير موضوعه الأصلي، لاشتراكهما في وصف مشهور، كالأسد للشجاع، والحمار للبليد، والبحر للعالم والجواد، تحصل المشابهة في الشجاعة، وفي البلادة، والكثرة، وتسمى هذه المشابهة العلاقة المجوزة، وتتعدد أصناف المجاز بحسب تعدد جهات العلاقة، فلنذكر منها ما تيسر، وهو عشرة أصناف:
إطلاق اسم السبب على المسبب، والأسباب أربعة فأعلى:
(أ‌) كإطلاق اسم النظر على الرؤية، نحو قوله تعالى: {إلى ربها ناظرة}، أي: له رائية، ونحو: نظرت إلى فلان، أي: رأيته؛ لأن النظر فعل الفاعل، وهو سبب الرؤية.
[الإكسير في علم التفسير: 94]
وغائي: كتسمية العنب خمرًا، في قوله تعالى: {إني أراني أعصر خمرًا}، وإنما عصر عنبًا، فسماه باعتبار غايته، وهي الخمرية.
وصوري: كتسمية القدر يدًا، نحو قوله تعالى: {حتى يعطوا الجزية عن يدٍ}، ولعله سمي صوريًا؛ لأن الذهن يبادر عند إطلاقه إلى حقيقته، وهو صورة كاليد الحقيقية ههنا.
وقابلي: كسال الوادي، لقبول الوادي سيل الماء فيه.
(ب‌) إطلاق اسم المسبب إلى السبب، عكس الأول: كتسمية المرض الشديد موتًا.
(ج) إطلاق اسم الشيء على مشابهه: كلفظ الحمار على البليد، وهو المستعار.
(د) إطلاق لفظ الضد على ضده، كتسمية العقاب جزاء، نحو: {ذلك جزيناهم ببغيهم}، {وذلك جزاء الظالمين}، إذ حقيقة الجزاء في الثواب، نحو: {إن هذا كان لكم جزاءً}.
وفي هذا نظر؛ إذ الجزاء لغة: المكافأة على الفعل، وهو أعم من المكافأة في الخير والشر، وإنما المشهور في هذا المثال: {وجزاء سيئة سيئة مثلها}.
ومثل ابن الأثير لهذا بقولهم للأسود والأبيض: (جون)، وهو وهم لأن هذا اشتراك، كالناهل للظمآن، والريان، لا مجاز.
[الإكسير في علم التفسير: 95]
(هـ) إطلاق لفظ الكل على الجزء: كإطلاق لفظ القرآن على بعضه، كالسورة والآية.
(و) العكس: كإطلاق لفظ الأسود على الزنجي؛ لسواد جلده، إذ الأسود منه بعضه لا كله.
وكقولك لمن تبغضه: أبعد الله عني وجهه، أي: جميعه.
(ز) إطلاق لفظ ما بالفعل على ما بالقوة: كلفظ المسكر على الخمر قبل شربها.
(ح) إطلاق لفظ المجاور على مجاوره، كلفظ الراوية على المزادة، وحقيقتها: الجمل الذي يستقى عليه، ولفظ الغائط والعذرة على الخارج المستقذر من الإنسان، وحقيقتها: المطمئن من الأرض، وفناء الدار.
(ط) إطلاق لفظ الحقيقية العرفية على غيرها: كالدابة للفرس على الحمار عرفًا، وفي هذا نظر، إذ الحقيقة العرفية: هي ذوات الأربع، ولعل الأولى في المثال إطلاق العرفية على اللغوية، كالدابة للإنسان والطائر.
(ي) إطلاق اسم المتعلق على المتعلق، كلفظ القدرة على المقدور، هذا ما ذكره بعضهم أنه المشهور، وزاد ابن الأثير وجوهًا أخر:
(أ) الزيادة في الكلام لغير فائدة، نحو: {فبما رحمة من الله}، أي: فبرحمة و(ما) زائدة لا وعنى لها وهذا وهم قبيح لاسيما من مثله المتضلع من علم البيان فإن فائدة (ما) هاهنا تعديل أجزاء الكلام، والتسوية بين صدر الآية وعجزها، وقد ومنع ابن السراج مع آخرين من النحاة والأصوليين، أن يكون في
[الإكسير في علم التفسير: 96]
القرآن زائد لا معنى له، لأن ذلك عيب، وهو حق، وكل ما توهمت زيادته منه، ففائدته ما ذكرناه من تعديل العبارة.
(ب) النقصان الذي لا يخل بمعنى الكلام، كإقامة الصفة، والمضاف إليه، مقام الموصوف، والمضاف نحو:
{ثم يرم به بريئًا}، {على ذات ألواح ودثر}
تصُد وتُبدي عن أسيلٍ وتتقي .... بناظرةٍ
{واسأل القرية}، وحذف الموصوف وإقامة الصفة مقامها قياس مطرد عند الفارسي، ممتنع عند سيبويه، فلا يجوز: (جاءني طويل)، أي: رجل طويل، وللأخفش قولان، أقواهما: المنع.
(ج) تسمية الشيء باسم أصله، كتسمية الآدمي: مضغة.
(د) تسميته باسم فرعه، كقول الشاعر:
وما العيش إلا نومة وتشوق = وتمر على رأس النخيل وماء
فسمي الرطب تمرًا، لأنه فرع الرطب، وكتسمية المضغة إنسانًا، ولعل هذين الوجهين من قبيل تسمية ما بالقوة بما بالفعل، وما بالفعل بما بالقوة، إذ الرطب تمر، والمضغة إنسان بالقوة، أو من قبيل تسميته بما يئول إليه.
(هـ) تسمية الشيء باسم مكانه، كتسمية المطر سماء، لأنه ينزل منها.
[الإكسير في علم التفسير: 97]
(و) تسمية الشيء بحكمه، كقوله: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي}، فسمى النكاح هبة، هكذا ذكره، ووجهه أن حكم النكاح ملك البضع، كما يملك بالهبة، وكأنه قال إن ملكت بضعها للنبي.
(ز) تسمية الشيء بدواعيه، كتسمية الاعتقاد قولاً نحو: هو يقول بقول الشافعي، أي: يعتقد اعتقاده، كذا قال، والمثال عكس الدعوى، وصوابه كتسمية القول اعتقادًا، لأن الاعتقاد: هو داعية القول، وصواب مثاله، أن تقول: كتسمية الشيء بدليله، لأن القول دليل الاعتقاد، فهذه تسعة عشر وجهًا.
وذكر بعضهم أصناف المجاز خمسة وعشرين، وذكر منها:
إطلاق اسم العلة على المعلول، واللازم على الملزوم، والحال على المحل، والأثر على المؤثر، والعكس في هذه الصور، فهي ثمانية أخر، ويمكن استخراج أكثر من ذلك، إذ العلاقات والمناسبات عن الأشياء لا تنحصر
ثم هاهنا أبحاث:
الأول: قيل تعرف الحقيقة بوجوه:
(أ) نص أهل اللسان.
(ب) تحديدها.
(ج) تعديد خواصها.
(د) اطرادها: وهو جريانها على ما في معناها نحو: (فلان عالم)، لقيام العلم فيصدق العالم على كل ذي علم، {واسأل القرية} إذ لا يطرد في سؤال الربع والطلل، لأنه لا يكفي، واطراد الحقيقة المذكورة من قبيل اطراد العلة في معلولها.
[الإكسير في علم التفسير: 98]
(هـ) مبادرة الذهن عند إطلاق اللفظ، كنسبته إلى الماء الكثير عند إطلاق لفظ البحر.
(و) تجرد اللفظ عن القرينة وهي علامة عدمية.
ويعرف المجاز:
(أ) بالنص عليه نحو: هذا مجاز.
(ب) وبالقرينة، نحو: «إياك والأسد» عن رجل حمل بيده سيفًا مجردًا.
(ج) وبعدم الاطراد والمبادرة.
(هـ) وبالمقابلة، أي وروده مقابلاً للحقيقة نحو: {ومكروا ومكر الله}، {وجزاء سيئة سيئة مثلها}، وفيه نظر، لأنه إن أريد أنه لا يرد إلا مقابلاً، بطل بقوله تعالى: {أفأمنوا مكر الله}، وإن أريد أنه قد، وقد، لم يفد، لأن العلامة يجب أن تطرد، وقد ذكر الأصوليون له علامات أخر.
الثاني: المجاز يستلزم الحقيقة في قول؛ لأنه فرعها، والفرع يستلزم الأصل، وفي قول لا يستلزمها، لأن اللفظ، بعد وضعفه، قبل استعماله، لا حقيقة ولا مجاز، ويجوز أن يسمى به حينئذ غيره، لعلاقة بينهما، فيكون مجازًا لا حقيقة له، وهو تهافت، إذ نقل العلاقة يستلزم الاستعمال.
أما الحقيقة فلا تستلزم المجاز، إذا الأصل لا يستلزم الفرع بالفعل، ومثاله: أسماء الأعلام نحو: زيد وعمرو، لأنها وضعت للفرق بين الذوات لا الصفات، والمجاز يتعلق بالصفات، إذ العلاقة صفة.
والمعلوم، والمجهول، والمدلول، ونحوها من الأسماء العامة، كل ذلك لا مجاز له.
[الإكسير في علم التفسير: 99]
فإن قلت: قد أجزتم التجوز باسم الشيء عن ضده، فلو سمي المعلوم مجهولاً، وبالعكس، كان ذلك مجازًا في الأسماء العامة، وقد أنكرتموه.
قلت: ما ذكرناه من التجوز باسم الشيء عن ضده صحيح، لكن قد ذكرنا أن التجاوز لا يطرد، فلا يلزم ما ذكرت.
وفي هذا الجواب نظر بناء على المختار في البحث بعده.
الثالث: متى وجدت أركان المجاز، وهي: اللفظان، والعلاقة، جاز إطلاقه، واستعماله من غير افتقار إلى نقله عن أهل اللسان على أظهر القولين فيه، كالقياس والاشتقاق، وقد سبق هذا البحث.
الرابع: قد اشتهر غلبة بعض المجازات على حقائقها، يعني: أنها صارت أبلغ في الإفهام، وأسبق إلى الأفهام، نحو قوله تعالى: {والصبح إذا تنفس}، إذ هو أبلغ وأظهر وأخص من انتشر، لتضمنه تشبيه الليل بالجسد الكثيف المظلم، والصبح بظهور النفس اللطيف المشرق، لصدوره عن النفس المشرقة عقلاً، وأيضًا تشبيه انتشار الصبح شيئًا فشيئًا بظهور النفس كذلك.
واعلم أنه إنما يعدل إلى المجاز للاتساع، والتشبيه والتوكيد، نحو: {وأدخلناه في رحمتنا}، فاتسع بزيادة الرحمة في أسماء الجهات، وشبهها بالمظروفات، وأكد بتصييره ما لا يدرك حسًا، مدركًا به، كقول القائل: لو تشخص المعروف لرأيتموه حسنًا، ولو تشخص المنكر لرأيتموه قبيحًا.
فمتى عدمت هذه الأوصاف، تعينت الحقيقة لأصالتها، وعدم الفائدة في العدول عنها.
والخامس: إذا كثر المجاز لحق بالحقيقة في اشتهاره، حتى تخفى حاله، فلا يظهر إلا
[الإكسير في علم التفسير: 100]
بنظر دقيق، ولهذا كان أكثر اللغة مجازًا، ويتوهم حقيقة نحو: قام زيد، وقعد عمرو، وجاء بكر، وذهب بشر، أي: وجد منه القيام، والقيام مصدر، والمصدر جنس يشمل الماضي والحال، والمستقبل، من كل فاعل، بدليل عمل فعله، في جميع أجزائه، كمية وكيفية نحو: قمت قومة، وقومتين، وثلاث قومات، وقيامًا حسنًا، وقبيحًا وأنا قائم، وسأقوم أنا، وسائر الناس، ومع ذلك فلم يوجد من زيد جميع أنواع القيام، وكذلك ضربت زيدًا، وقطع الأمير اللص، فإنك إنما ضربت بعضه، وقطع بأمره، ولهذا يحترز من أراد التحقيق بالبدل والتأكيد، نحو: ضربت زيدًا رأسه أو جانب وجهه الأيمن، وقطع الأمير نفسه يد اللص، ووقوع التأكيد في اللغة أقوى دليل على شياع المجاز فيها، ولهذا أفرده النحاة باب، لكونه مهمًا كسائر الأبواب المهمة.
وهذا بحث مليح، إلا أني سمعت بعض النحاة ينكر أن المصدر جنس، فيسقط الاستدلال بالصورة الأولى، ويؤكده، أن قام زيد معناه: وجد منه القيام، والنكرة لا تفيد الجنسية.
أو وجد منه القيام، وتكون اللام للمعهود، وهو قيامه المختص به بالقوة.
أو يقول: القيام يفيد الماهية لا الجنس، والماهية يكفي في صدقها ثبوتًا وجود فرد من أفرادها، والله أعلم.
[الإكسير في علم التفسير: 101]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثالث, الفصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:35 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir