دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 ربيع الثاني 1437هـ/7-02-2016م, 03:05 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي المجلس الرابع: تطبيقات على استخلاص مسائل التفسير

المجلس الأول: تطبيقات على استخلاص مسائل التفسير

استخلص المسائل التي ذكرها المفسّرون في تفسيرهم للآيات التالية:
1: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)}
الحشر.
اقتباس:

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) )

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : يَأْمُرُ تعالَى عِبادَه المُؤمنِينَ بما يُوجِبُه الإيمانُ ويَقتَضِيهِ مِن لُزومِ تَقواهُ، سِرًّا وعَلانيةً، في جميعِ الأَحوالِ، وأنْ يُرَاعُوا ما أمَرَهم اللَّهُ به مِن أَوامِرِه وشَرائعِه وحُدودِه، ويَنظُروا ما لهَم وما عليهم، وماذا حَصَلُوا عليهِ مِن الأعمالِ التي تَنْفَعُهم أو تَضُرُّهم في يومِ القيامةِ؛ فإِنَّهم إذا جَعَلُوا الآخِرةَ نُصْبَ أعْيُنِهم وقِبْلَةَ قُلوبِهم، واهْتَمُّوا للمُقامِ بها؛ اجْتَهَدوا في كثرةِ الأعمالِ الْمُوصِلَةِ إليها وتَصفيتِها مِن القواطِعِ والعوائقِ، التي تُوقِفُهم عن السَّيْرِ أو تَعُوقُهم أو تَصْرِفُهم.
وإذا عَلِمُوا أيضاً أنَّ
{اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا} يَعْمَلونَ، لا تَخفَى عليهِ أعمالُهم، ولا تَضيعُ لَدَيْهِ، ولا يُهْمِلُها؛ أَوْجَبَ لهم الْجِدَّ والاجتهادَ.
وهذهِ الآيةُ الكريمةُ أصْلٌ فِي مُحاسبَةِ العبْدِ نفْسَه، وأنَّه يَنبغِي له أنْ يَتَفَقَّدَها؛ فإنْ رَأَى زَللاً تَدارَكَه بالإقلاعِ عنه والتوبةِ النصوحِ والإعراضِ عن الأسبابِ الْمُوِصِلَةِ إليه.
وإنْ رَأَى نفْسَه مُقَصِّراً في أمْرٍ مِن أوامِرِ اللَّهِ؛ بَذَلَ جَهْدَه واستعانَ برَبِّه في تَتْمِيمِه وتَكميلِه وإتقانِه، ويُقايِسُ بينَ مِنَنِ اللَّهِ عليهِ وإحسانِه, وبينَ تَقصيرِه؛ فإنَّ ذلك يُوجِبُ له الحَيَاءَ لا مَحَالَةَ). [تيسير الكريم الرحمن: 853]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (18- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ} أي: اتَّقُوا عِقابَه بفِعْلِ ما أمَرَكم به وتَرْكِ ما نَهاكُم عنه.
{وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} أيْ:لِتَنْظُرْ أَيَّ شَيْءٍ قَدَّمَتْ مِن الأعمالِ ليومِ القِيامةِ). [زبدة التفسير: 548]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) )
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (19) والْحِرمانُ كلُّ الْحِرْمانِ أنْ يَغْفُلَ العبدُ عن هذا الأمْرِ، ويُشابِهَ قوماً نَسُوا اللَّهَ، وغَفَلُوا عن ذِكْرِه والقيامِ بحَقِّه، وأَقْبَلُوا على حُظوظِ أنفُسِهم وشَهَوَاتِها، فلَمْ يَنجَحُوا ولم يَحْصُلوا على طائلٍ، بل أَنساهُم اللَّهُ مَصالِحَ أنْفُسِهم، وأَغْفَلَهم عن مَنافِعِها وفَوائدِها، فصارَ أمْرُهم فُرُطاً.
فرَجَعوا بخَسارةِ الدارَيْنِ، وغُبِنُوا غَبْناً لا يُمْكِنُ تَدارُكُه ولا يُجْبَرُ كَسْرُه؛ لأنَّهم {هُمُ الْفَاسِقُونَ} الذينَ خَرَجوا عن طاعةِ رَبِّهم، وأَوْضَعُوا في مَعاصِيهِ). [تيسير الكريم الرحمن: 853]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (19- {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ} أيْ: تَرَكُوا أمْرَه ولم يُبَالُوا بطَاعتِه.
{فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} أيْ: جَعَلَهم نَاسِينَ لها بسببِ نِسيانِهم لَه، فلم يَشْتَغِلُوا بالأعمالِ التي تُنْجِيهِم مِن العذابِ، وقيلَ: نَسُوا اللهَ في الرخاءِ فأَنْسَاهُم أنْفُسَهم في الشدائدِ.
{أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} أي: الخارجونَ عن طاعةِ اللهِ). [زبدة التفسير: 548]

تفسير قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) )
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (20) فهل يَسْتوِي مَن حافَظَ على تَقْوَى اللَّهِ، ونَظَرَ لِمَا قَدَّمَ لِغَدِه فاستحَقَّ جَنَّاتِ النعيمِ والعيشَ السليمَ معَ الذينَ أنْعَمَ اللَّهُ عليهم مِن النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشهداءِ والصالحِينَ، ومَن غَفَلَ عن ذِكْرِه ونَسِيَ حُقوقَه، فشَقِيَ في الدُّنيا، واسْتَحَقَّ العذابَ في الآخِرةِ، فالأَوَّلُونَ هم الفائِزِونَ، والآخِرونَ هم الخاسِرونَ). [تيسير الكريم الرحمن: 853]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (20- {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} أي: الظافِرونَ بكُلِّ مطلوبٍ, الناجونَ مِن كُلِّ مَكروهٍ). [زبدة التفسير: 548]




2: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1)} الممتحنة.
اقتباس:
تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (فقوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء تلقون إليهم بالمودّة وقد كفروا بما جاءكم من الحقّ} يعني: المشركين والكفّار الّذين هم محاربون للّه ولرسوله وللمؤمنين، الّذين شرع اللّه عداوتهم ومصارمتهم، ونهى أن يتّخذوا أولياء وأصدقاء وأخلّاء، كما قال {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء بعضهم أولياء بعضٍ ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم} [المائدة: 51].
وهذا تهديدٌ شديدٌ ووعيدٌ أكيدٌ، وقال تعالى:
{يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا الّذين اتّخذوا دينكم هزوًا ولعبًا من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفّار أولياء واتّقوا اللّه إن كنتم مؤمنين} [المائدة: 57] وقال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا للّه عليكم سلطانًا مبينًا} [النّساء: 144]. وقال تعالى: {لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيءٍ إلا أن تتّقوا منهم تقاةً ويحذّركم اللّه نفسه} [آل عمران: 28]؛ ولهذا قبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عذر حاطبٍ لمّا ذكر أنّه إنّما فعل ذلك مصانعةً لقريشٍ، لأجل ما كان له عندهم من الأموال والأولاد.
ويذكر هاهنا الحديث الّذي رواه الإمام أحمد:
حدّثنا مصعب بن سلّامٍ، حدّثنا الأجلح، عن قيس بن أبي مسلمٍ، عن ربعي بن حراشٍ، سمعت حذيفة يقول: ضرب لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمثالًا واحدًا وثلاثةً وخمسةً وسبعةً، وتسعةً، وأحد عشر -قال: فضرب لنا منها مثلًا وترك سائرها، قال: "إنّ قومًا كانوا أهل ضعفٍ ومسكنةٍ، قاتلهم أهل تجبّرٍ وعداءٍ، فأظهر اللّه أهل الضّعف عليهم، فعمدوا إلى عدوهم فاستعملوهم وسلّطوهم، فأسخطوا اللّه عليهم إلى يوم يلقونه".
وقوله:
{يخرجون الرّسول وإيّاكم} هذا مع ما قبله من التّهييج على عداوتهم وعدم موالاتهم؛ لأنّهم أخرجوا الرّسول وأصحابه من بين أظهرهم، كراهةً لما هم عليه من التّوحيد وإخلاص العبادة للّه وحده؛ ولهذا قال: {أن تؤمنوا باللّه ربّكم} أي: لم يكن لكم عندهم ذنبٌ إلّا إيمانكم باللّه ربّ العالمين، كقوله: {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا باللّه. العزيز الحميد} [البروج: 8]، وكقوله {الّذين أخرجوا من ديارهم بغير حقٍّ إلا أن يقولوا ربّنا اللّه} [الحجّ: 40].
وقوله:
{إن كنتم خرجتم جهادًا في سبيلي وابتغاء مرضاتي} أي: إن كنتم كذلك فلا تتّخذوهم أولياء، إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي باغين لمرضاتي عنكم فلا توالوا أعدائي وأعداءكم، وقد أخرجوكم من دياركم وأموالكم حنقًا عليكم وسخطًا لدينكم.
وقوله:
{تسرّون إليهم بالمودّة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم} أي: تفعلون ذلك وأنا العالم بالسّرائر والضّمائر والظّواهر {ومن يفعله منكم فقد ضلّ سواء السّبيل} ).[تفسير القرآن العظيم: 8/85-86]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (وهذهِ الآياتُ فيها النَّهْيُ الشديدُ عن مُوالاةِ الكُفَّارِ مِن المُشركِينَ وغيرِهم، وإلقاءِ الْمَوَدَّةِ إليهم، وأنَّ ذلكَ مُنافٍ للإيمانِ ومخالِفٌ لِمِلَّةِ إبراهيمَ الخليلِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ، ومُناقِضٌ للعقْلِ الذي يُوجِبُ الحَذَرَ كلَّ الحذَرِ مِن العدُوِّ الذي لا يُبْقِي مِن مَجهودِه في العَداوةِ شيئاً، ويَنتهِزُ الفُرْصةَ في إيصالِ الضرَرِ إلى عَدُوِّهِ.
(1) فقالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}؛ أي: اعْمَلُوا بِمُقتضَى إيمانِكم مِن وَلايةِ مَن قامَ بالإيمانِ ومُعاداةِ مَن عادَاهُ؛ فإنَّه عَدُوٌّ للهِ وعَدُوٌّ للمُؤمنِينَ.
فـ {لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}؛ أيْ: تُسارِعونَ في مَوَدَّتِهم والسعْيِ في أسبابِها؛ فإنَّ المَودَّةَ إذا حَصَلَتْ تَبِعَتْها النُّصْرةُ والْمُوالاةُ، فخَرَجَ العبْدُ مِن الإيمانِ وصارَ مِن جُملةِ أهْلِ الكُفْرانِ، وانفَصَلَ عن أهلِ الإيمانِ.
وهذا الْمُتَّخِذُ للكافِرِ وَلِيًّا عادِمُ الْمُروءَةِ أيضاً؛ فإنَّه كيفَ يُوَالِي أعْدَى أعدائِه، الذي لا يُريدُ له إلاَّ الشرَّ، ويُخالِفُ رَبَّه ووَلِيَّه الذي يُريدُ به الخيرَ، ويَأمُرُه به ويَحُثُّه عليه.
ومِمَّا يَدْعُو المُؤمِنَ أيضاً إلى مُعاداةِ الكُفَّارِ أنَّهم قدْ كَفَرُوا بما جاءَ المُؤمنِينَ مِن الحقِّ، ولا أعظَمَ مِن هذهِ الْمُخالَفَةِ والْمُشَاقَّةِ؛ فإِنَّهم قدْ كفَرُوا بأصْلِ دينِكم، وزَعَمُوا أنَّكم ضُلاَّلٌ على غيرِ هُدًى، والحالُ أنَّهم كَفَرُوا بالحقِّ الذي لا شَكَّ فيه ولا مِرْيَةَ.
ومَن رَدَّ الحقَّ فمُحالٌ أنْ يُوجَدَ له دليلٌ أو حُجَّةٌ تَدُلُّ على صِحَّةِ قولِه، بل مُجَرَّدُ العلْمِ بالحقِّ يَدُلُّ على بُطْلانِ قَولِ مَن رَدَّهُ وفَسادِه.
ومِن عَداوتِهم البَليغةِ أنَّهم {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} أيُّها المؤمنونَ مِن دِيارِكم ويُشَرِّدُونَكم مِن أوطانِكم، ولا ذَنْبَ لكم في ذلكَ عندَهم إلاَّ أنَّكم تُؤمنونَ {بِاللَّهِ رَبِّكُمْ} الذي يَتَعيَّنُ على الخَلْقِ كلِّهم القيامُ بعُبودِيَّتِه؛ لأنَّه رَبَّاهُم، وأنْعَمَ عليهم بالنِّعَمِ الظاهرةِ والباطنةِ، وهو اللَّهُ تعالى.
فلَمَّا أَعْرَضُوا عن هذا الأمْرِ الذي هو أوْجَبُ الواجباتِ وقُمْتُمْ به؛ عادَوْكُم وأَخْرَجُوكم مِن أجْلِه مِن دِيارِكم.
فأيُّ دِينٍ وأيُّ مُروءَةٍ وعَقْلٍ يَبقَى معَ العَبْدِ إذا وَالَى الكُفَّارَ الذينَ هذا وَصْفُهم في كُلِّ زَمانٍ أو مكانٍ، ولا يَمْنَعُهم منه إلاَّ خَوْفٌ أو مانِعٌ قَوِيٌّ.
{إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي}؛ أيْ: إنْ كانَ خُروجُكم مَقصودَكم به الجهادُ في سبيلِ اللَّهِ لإعلاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ وابتغاءِ رِضاهُ؛ فاعْمَلُوا بِمُقْتَضَى هذا مِن مُوالاةِ أولياءِ اللَّهِ ومُعاداةِ أعدائِه؛ فإنَّ هذا مِن أعْظَمِ الجهادِ في سبيلِه، ومِن أعْظَمِ ما يَتقَرَّبُ بهِ الْمُتقَرِّبونَ إلى اللَّهِ، ويَبْتَغُونَ به رِضاهُ.
{تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ}؛ أيْ: كيفَ تُسِرُّونَ الْمَوَدَّةَ للكافرِينَ وتُخْفُونَها، معَ عِلْمِكم أنَّ اللَّهَ عالِمٌ بما تُخْفُونَ وما تُعلِنونَ.
فهو وإنْ خَفِيَ على المُؤمنِينَ فلا يَخْفَى على اللَّهِ تعالى، وسيُجازِي العِبادَ بما يَعْلَمُه مِنهم مِن الخيرِ والشرِّ، {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ}؛ أيْ: مُوالاةَ الكافرِينَ بعدَما حَذَّرَكم اللَّهُ منها, {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}؛ لأنَّه سَلَكَ مَسْلَكاً مُخالِفاً للشرْعِ والعَقْلِ والمُروءَةِ الإنسانيَّةِ). [تيسير الكريم الرحمن: 855]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (1- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} نَزَلَتْ في حاطِبِ بنِ أبي بَلْتَعَةَ حينَ كتَبَ إلى مُشركِي قُريشٍ يُخْبِرُهم بِمَسيرِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليهم، وذلك في غَزوةِ فتْحِ مكَّةَ سنةَ ثمانٍ مِن الهجرةِ، والآيةُ تدُلُّ على النهيِ عن مُوالاةِ الكُفَّارِ بوَجْهٍ مِن الوجوهِ.
{تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} أيْ: تُوَصِّلونَ إليهم أخبارَ النبيِّ بسببِ المودَّةِ التي بينَكم وبينَهم.
{وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ} أيْ: كَفَرُوا باللهِ والرسولِ وما جاءَكم به مِن القرآنِ والهدايةِ الإلهيَّةِ.
{يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} أيْ: أَخْرَجوه وإيَّاكُم مِن مكَّةَ؛ لكُفْرِهم بما جاءَكم مِن الحقِّ، فكيف تُوَادُّونَهم؟! {أَن تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ} أيْ: يُخْرِجونكم بسببِ إيمانِكم باللهِ، أو كَراهةَ أنْ تُؤْمِنُوا.
{إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي} أيْ: إنْ كُنتمْ كذلك فلا تَتَّخِذوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُم أولياءَ.
{تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} أيْ: تُسِرُّون إليهم الأخبارَ بسببِ الْمَوَدَّةِ.
{وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ} أيْ: أعلَمُ مِن كلِّ أحَدٍ بما تَفعلونَه مِن إرسالِ الأخبارِ إليهم.
{وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}: أخطَأَ طريقَ الحقِّ والصوابِ، وضَلَّ عن قَصْدِ السبيلِ). [زبدة التفسير: 548-549]

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الرابع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:18 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir