دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير اللغوي > معاني القرآن للزجاج

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 شوال 1431هـ/30-09-2010م, 10:57 PM
علي بن عمر علي بن عمر غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 1,654
افتراضي المعاني الواردة في سورة النمل


سورة النّمل
مكية
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين (1)
قال ابن عباس (طس) اسم من أسماء الله تعالى أقسم به.
وقال قتادة إنه اسم من أسماء القرآن.
وقوله: (تلك آيات القرآن وكتاب مبين).
معنى (تلك) أنهم كانوا وعدوا بالقرآن في كتبهم، فقيل لهم هذه " تلك الآيات، التي وعدتم بها، وقد فسرنا ما في هذا في أول سورة البقرة
و " كتاب " مخفوض على معنى تلك آيات القرآن آيات كتاب مبين.
ويجوز وكتاب مبين، ولا أعلم أحدا قرأ بها، ويكون المعنى: تلك آيات القرآن وذلك كتاب مبين.
وقوله: (هدى وبشرى للمؤمنين (2)
يجوز أن يكون (هدى) في موضع نصب على الحال، المعنى: تلك آيات الكتاب هادية ومبشرة.
ويجوز أن يكون في موضع رفع من جهتين: إحداهما على إضمار هو هدى وبشرى، وإن شئت على البدل من آيات على معنى تلك هدى وبشرى، وإن شئت على البدل من آيات على معنى تلك هدى وبشرى.
وفي الرفع وجه ثالث حسن، على أن
[معاني القرآن: 4/107]
يكون خبرا بعد خبر، وهما جميعا خبر لـ تلك على معنى قولهم: هو حلو حامض أي قد جمع الطعمين. فيكون خير تلك آيات وخبرها هدى وبشرى، فتجمع أنها آيات وأنها هادية مبشّرة.
وقوله عزّ جل: (إنّ الّذين لا يؤمنون بالآخرة زيّنّا لهم أعمالهم فهم يعمهون (4)
أي جعلنا جزاءهم على كفرهم أن زيّنا لهم ما هم فيه.
(فهم يعمهون).
أي يتحيرون، قال العجاج:
أعمى الهدى بالجاهلين العمّه
وقوله عزّ وجلّ: (وإنّك لتلقّى القرآن من لدن حكيم عليم (6)
أي يلقى إليك القرآن وحيا من عند الله أنزله بعلمه وحكمته.
وقوله عزّ وجلّ: (إذ قال موسى لأهله إنّي آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلّكم تصطلون (7)
موضع (إذ) نصب.
المعنى اذكر إذ قال موسى لأهله، أي اذكر قصة موسى.
ومعنى آنست نارا رأيت نارا.
وقوله - عزّ وجلّ - (أو آتيكم بشهاب قبس).
يقرأ بالتّنوين وبالإضافة، فمن نوّن - جعل " قبس " من صفة شهاب، وكل أبيض ذي نور فهو شهاب.
(وقوله عزّ وجلّ: (لعلّكم تصطلون).
جاء في التفسير أنهم كانوا في شتاء، فلذلك احتاجوا إلى الاصطلاء.
وقوله عزّ وجلّ: (فلمّا جاءها نودي أن بورك من في النّار ومن حولها وسبحان اللّه ربّ العالمين (8)
[معاني القرآن: 4/108]
أي فلمّا جاء موسى النار (نودي أن بورك من في النّار ومن حولها).
فموضع " أن " إن شئت كان نصبا وإن شئت كان رفعا، فمن حكم - عليها بالنصب فالمعنى نودي موسى بأنّه بورك من في النّار.
واسم ما لم يسمّ فاعله مضمر في (نودي)
ومن حكم عليها بالرفع، كانت اسم ما لم يسمّ فاعله، أي نودي أن بورك. وجاء في التفسير أن (من في النار) ههنا نور اللّه - عزّ وجلّ -
(ومن حولها) قيل الملائكة وقيل نور اللّه.
وقوله: - (وسبحان اللّه ربّ العالمين).
معناه تنزيه اللّه تبارك وتعالى عن السوء، كذلك جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذا فسّره أهل اللغة.
وقوله: (وألق عصاك فلمّا رآها تهتزّ كأنّها جانّ ولّى مدبرا ولم يعقّب يا موسى لا تخف إنّي لا يخاف لديّ المرسلون (10)
(فلمّا رآها تهتزّ كأنّها جانّ ولّى مدبرا)
أي تتحرك كما يتحرك الجانّ حركة خفيفة، وكانت في صورة الثعبان، وهو؛ العظيم من الحيات.
(ولّى مدبرا ولم يعقّب).
جاء في التفسير " لم يعقب " لم يلتفت، وجاء أيضا لم يرجع.
وأهل اللغة يقولون لم يرجع، يقال: قد عقّب فلان إذا رجع يقاتل بعد أن ولى.
قال لبيد:
حتّى تهجّر في الرّواح وهاجه... طلب المعقّب حقّه المظلوم
[معاني القرآن: 4/109]
وقوله عزّ وجلّ: (إنّي لا يخاف لديّ المرسلون).
معناه لا يخاف عندي المرسلون.
وقوله: (إلّا من ظلم ثمّ بدّل حسنا بعد سوء فإنّي غفور رحيم (11)
(إلّا) استثناء ليس من الأوّل، والمعنى، واللّه أعلم، لكن من ظلم ثم تاب من المرسلين وغيرهم، وذلك قوله: (ثمّ بدّل حسنا بعد سوء فإنّي غفور رحيم).
وقوله عزّ وجلّ: (وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنّهم كانوا قوما فاسقين (12)
المعنى أدخل يدك في جيبك وأخرجها تخرج بيضاء من غير سوء.
جاء في التفسير (من غير سوء) من غير برص، وجاء أيضا، أنه كانت عليه مدرعة صوف بغير كمّين.
وقوله عزّ وجلّ: (في تسع آيات إلى فرعون وقومه).
" في " من صلة قوله: وألق عصاك، وأدخل يدك.
فالتأويل: وأظهر هاتين الآيتين في تسع آيات وتأويله من بين آيات.
وجاء في التفسير أنّ التّسع كون يده بيضاء من غير سوء، وكون العصا حيّة وما أصاب آل فرعون من الجدب في بواديهم، ونقص الثّمار من مزارعهم.
وإرسال الجراد عليهم، والقمّل، والضفادع، والدّم والطوفان.
فهذه تسع آيات.
ومثل قوله: (في تسع آيات)، ومعناه، من تسع قولهم: خذ لي عشرا من الإبل فيها فحلان، المعنى منها فحلان.
وقوله: (فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين (13)
[معاني القرآن: 4/110]
أي واضحة، ويجوز مبصرة، ومعناها مبيّنة تبصر وترى.
وقوله عزّ وجلّ: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوّا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين (14)
المعنى: وجحدوا بها ظلما وعلوا، أي: ترفعا عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى عليه السلام.
فجحدوا بها وهم يعلمون أنها من عند اللّه.
وقوله عزّ جل: (وورث سليمان داوود وقال يا أيّها النّاس علّمنا منطق الطّير وأوتينا من كلّ شيء إنّ هذا لهو الفضل المبين (16)
جاء في التفسير أنه ورثه نبوته وملكه، وروي أنه كان لداود تسعة عشر ولدا فورثه سليمان من بينهم النبوة والملك.
وقوله: (وقال يا أيّها النّاس علّمنا منطق الطّير).
وجاء في التفسير أنه البله منها.
وأحسبه - والله أعلم - ما ألهم اللّه الطير مما يسبّحه به، كما قال: (وسخّرنا مع داوود الجبال يسبّحن والطّير).
وقوله: (وأوتينا من كلّ شيء).
المعنى أوتينا من كل شيء يجوز أن يؤتاه الأنبياء والنّاس وكذلك قوله: (وأوتيت من كلّ شيء) أي من كل شيء يؤتاه مثلها وعلى هذا جرى كلام النّاس، يقول القائل: قد قصد فلانا كل أحد في حاجته.
المعنى قصده كثير من الناس.
[معاني القرآن: 4/111]
وقوله تعالى: (وحشر لسليمان جنوده من الجنّ والإنس والطّير فهم يوزعون (17)
في اللغة يوزعون يكفّون، وجاء في التفسير يكف أولهم ويحبس أولهم على آخرهم.
(حتّى إذا أتوا على واد النّمل قالت نملة يا أيّها النّمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون (18)
يروى أن وادي النمل هذا كان بالشام، وأن نمل سليمان عليه السلام كان مثال الذّباب.
(قالت نملة يا أيّها النّمل ادخلوا مساكنكم).
جاء لفظ ادخلوا كلفظ ما يعقل، يقال للناس: ادخلوا وكذلك للملائكة والجنّ، وكذلك دخلوا، فإذا ذكرت النمل قلت: قد دخلن ودخلت، وكذلك سائر ما لا يعقل، إلا أنّ النمل ههنا أجري مجرى الآدميين حين نطق كما ينطق الآدميون.
(لا يحطمنّكم سليمان وجنوده).
(لا تحطمنّكم)
ويقرأ (لا يحطمنّكم سليمان)، ولا تحطمنّكم سليمان، ولا يحطّمنّكم. جائزة.
وقوله: (فتبسّم ضاحكا من قولها وقال ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك الّتي أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصّالحين (19)
لأن أكثر ضحك الأنبياء عليهم السلام التبسم.
و (ضاحكا) منصوب، حال مؤكدة، لأن تبسّم بمعنى ضحك.
وقال: (ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك).
معنى (أوزعني) ألهمني، وتأويله في اللغة كفّني عن الأشياء إلّا
[معاني القرآن: 4/112]
عن شكر نعمتك، أي كفني عما يباعد منك.
(وأن أعمل صالحا ترضاه).
وقوله عزّ وجلّ: (وتفقّد الطّير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين (20)
بفتح الياء وإسكانها في مالي، والفتح أجود، وقد فسرنا ذلك.
وقوله (أم كان من الغائبين) معناه بل كان من الغائبين.
وجاء في التفسير أن سليمان - صلى الله عليه وسلم - تفقد الهدهد لأنه كان مهندس الماء، وكان سليمان عليه السلام، إذا نزل بفلاة من الأرض عرف مقدار مسافة الماء من الهدهد.
وقيل إنّ الهدهد يرى الماء في الأرض كما يرى الماء في الزّجاجة.
وقوله عزّ وجلّ: (لأعذّبنّه عذابا شديدا أو لأذبحنّه أو ليأتينّي بسلطان مبين (21)
روي أن عذاب سليمان - كان للطير - أن ينتف ريش جناح الطائر ويلقى في الشمس.
(أو ليأتينّي بسلطان مبين).
أي ليأتيني بحجة في غيبته.
وقوله: (فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين (22)
ويقرأ فمكث بضم الكاف وفتحها، أي غير وقت بعيد.
وقوله: (فقال أحطت بما لم تحط به).
[معاني القرآن: 4/113]
المعنى فجاء الهدهد فسأله سليمان عن غيبته، فقال أحطت بما لم تحط به، وحذف هذا لأن في الكلام دليلا عليه، ومعنى أحطت علمت شيئا من جميع جهاته، تقول: أحطت بهذا علما، أي علمته كلّه لم يبق عليّ منه شيء.
وقوله: (وجئتك من سبإ بنبإ يقين).
يقرأ بالصرف والتنوين، ويقرأ من سبأ - بفتح سبأ وحذف التنوين، فأمّا من لم يصرف فيجعله اسم مدية، وأما من صرف، فذكر قوم من النحويين أنه اسم رجل واحد، وذكر آخرون أن الاسم إذا لم يدر ما هو لم يصرف، وأحد هذين القولين خطأ لأن " الأسماء حقها الصرف، فإذا لم يعلم الاسم للمذكر هو أو للمؤنث فحقه الصرف حتّى يعلم أنه لا ينصرف، لأن أصل الأسماء الصرف، وكل ما لا ينصرف فهو يصرف في الشعر.
وأما الذين قالوا إن سبأ اسم رجل فغلط أيضا لأن سبأ هي مدينة تعرف بمأرب من اليمن بينها وبين صنعاء ثلاثة أيام.
قال الشاعر:
من سبأ الحاضرين مأرب إذ... يبنون من دون سيلها العرما
فمن لم يصرف لأنه اسم مدينة، ومن صرفه - والصرف فيه أكثر في القراءة - فلأنه يكون اسما للبلد فيكون مذكرا سمّي به مذكّر فإن صحت فيه رواية، فإنما هو أن المدينة سميت باسم رجل.
[معاني القرآن: 4/114]
وقوله: (إنّي وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كلّ شيء ولها عرش عظيم (23)
معناه وأوتيت من كل شيء تعطاه الملوك ويؤتاه الناس، والعرش سرير عظيم.
وقوله: (ألّا يسجدوا للّه الّذي يخرج الخبء في السّماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون (25)
ويقرأ ألا يسجدوا، فمن قرأ بالتشديد، فالمعنى وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدهم ألّا يسجدوا، أي فصدهم لئلا يسجدوا لله.
وموضع (أن) نصب بقوله فصدهم، ويجوز أن يكون موضعها جرّا وإن حذفت اللام.
ومن قرأ بالتخفيف فـ ألا لابتداء الكلام والتنبيه، والوقوف عليه ألا يا - ثم يستأنف فيقول: اسجدوا للّه، ومن قرأ بالتخفيف فهو موضع سجدة من القرآن ومن قرأ آلّا يسجدوا - بالتشديد – فليس بموضع سجدة، ومثل قوله ألا ياسجدوا بالتخفيف قول ذي الرّمّة.
ألا يا أسلمي يا دار ميّ على البلى... ولا زال منهلاّ بجرعائك القطر
وقال الأخطل:
ألا يا اسلمي يا هند هند بني بدر... تحيّة من صلّى فؤادك بالجمر
وقال العجاج
[معاني القرآن: 4/115]
يا دار سلمى يا اسلمي ثم اسلمي ... بسمسم أو عن يمين سمسم
وإنما أكثرنا الشاهد في هذا الحرف كما فعل من قبلنا، وإنما فعلوا ذلك لقلة اعتياد العامّة لدخول " يا " إلّا في النداء، لا تكاد العامة تقول: يا قد قدم زيد، ولا يا اذهب بسلام.
وقوله: (للّه الّذي يخرج الخبء في السّماوات والأرض).
كل ما خبأته فهو خبء، وجاء في التفسير أن الخبء ههنا القطر من السماء، والنبات من الأرض.
ويجوز وهو الوجه أن يكون الخبء كل ما غاب، فيكون المعنى يعلم الغيب في السّماوات والأرض.
ودليل هذا قوله تعالى: (ويعلم ما تخفون وما تعلنون).
وفي قوله تعالى: (اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثمّ تولّ عنهم فانظر ماذا يرجعون (28)
(ألقه إليهم ثمّ تولّ عنهم) - خمسة أوجه:
فالقهي إليهم بإثبات الياء - وهو أكثر القراءة، ويجوز فألقه - إليهم بحذف الياء وإثبات الكسرة، لأن أصله فألقيه إليهم.
فحذفت الياء للجزم، أعني ياء ألقيه، ويجوز فالقهو إليهم بإثبات الواو.
ويجوز فألقه إليهم بالضمّ، وحذفت الواو، وقد قرئ فألقه إليهم بإسكان الهاء، فأمّا إثبات الياء فهو أجودها فألقهي، فإن الياء التي تسقط للجزم قد سقطت قبل الهاء، لأن الأصل فألقيه إليهم، ومن حذف الياء وترك الكسرة بعد الهاء فلأنّه كان إذا أثبت الياء في قولك أنا ألقيه إليهم كان الاختيار حذف الياء التي بعد الهاء.
وقد شرحنا ذلك في قوله (يؤدّه إليك) شرحا كافيا.
ومن قرأ (فألقهو إليهم) ردّه إلى أصله، والأصل إثبات الواو مع هاء الإضمار. تقول ألقيتهو إليك.
ومعنى قولنا إثبات الواو والياء أعني في اللفظ ووصل الكلام، فإذا وقفت وقفت بهاء، وإذا كتبت كتبت
[معاني القرآن: 4/116]
بهاء. ومن قرأ بحذف الواو وإثبات الضمة فذلك مثل حذف الياء وإثبات الكسرة، ومن أسكن الهاء فغالط، لأن لهاء ليست بمجزومة ولها وجه من القياس، وهو أنه يجري الهاء في الوصل على حالها في الوقف، وأكثر ما يقع هذا في الشعر أن تحذف هذه الهاء وتبقي كسرة.
قال الشاعر:
فإن يك غثا أو سمينا فإنني... سأجعل عينيه لنفسه مقنعا
وقوله تعالى: (ثمّ تولّ عنهم فانظر ماذا يرجعون)
فيه قولان:
قال بعضهم: كل معناه التقديم والتأخير، معناه اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم، وقال هذا لأنّ رجوعه من عندهم والتولي عنهم بعد أن ينظر ما الجواب.
وهذا حسن، والتقديم والتأخير كثير في الكلام، وقالوا معنى (ثمّ تولّ عنهم) تول عنهم مستترا من حيث لا يرونك، فانظر ماذا يردون من الجواب.
وقوله عزّ وجلّ: (قالت يا أيّها الملأ إنّي ألقي إليّ كتاب كريم (29)
فمضى الهدهد فألقى الكتاب إليهم فسمعها تقول: (يا أيها الملأ) فحذف. هذا لأن في الكلام دليلا عليه.
ومعنى (كتاب كريم) حسن ما فيه، ثم بيّنت ما فيه فقالت:
(إنّه من سليمان وإنّه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم (30) ألّا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين (31)
[معاني القرآن: 4/117]
فهذا ما كان في الكتاب، وكتب الأنبياء صلوات اللّه عليهم جارية على الإيجاز والاختصار، وقد روي أن الكتاب كان من عبد اللّه سليمان إلى بلقيس بنت سراحيل، وإنما كتب الناس من عبد اللّه احتذاء بسليمان.
ومعنى (ألّا تعلوا عليّ) ألا تترفعوا عليّ وإن كنتم ملوكا.
وقوله: (قالت يا أيّها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتّى تشهدون (32)
أي بيّنوا لي ما أعمل، والملأ وجوه القوم، الذين هم ملاء بما يحتاج إليه.
(قالوا نحن أولو قوّة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين (33)
ويروى أنه كان معها ألف قيل والقيل الملك، ومع كل قيل ألف رجل، وقيل مائة ألف رجل، وأكثر الرواية مائة ألف رجل.
وقوله: (حتى تشهدون).
بكسر النون، ولا يجوز فتح النون لأن أصله حتى (تشهدونني) فحذفت النون الأولى للنّصب وبقيت النون والياء للاسم، وحذفت الياء لأنّ الكسرة تدل عليها، ولأنه آخر آية، ومن فتح النون فلاحن، لأنّ النون إذا فتحت فهي نون الرفع، وليس هذا من التي ترفع فيه حتى.
ويجوز أنه من سليمان وأنه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، بفتح الألف فيكون موضع أن الرفع على معنى: ألقي إليّ أنه من سليمان.
ويجوز أن تكون (أن) في موضع نصب على معنى كتاب كريم لأنه من سليمان ولأنه بسم اللّه الرحمن الرحيم.
فأمّا (ألّا تعلوا عليّ) فيجوز أن يكون أن في موضع رفع وفي موضع نصب، فالنصب على معنى كتاب بأن لا
[معاني القرآن: 4/118]
تعلوا علي أي كتب بترك العلو، ويجوز على معنى: ألقي إليّ ألّا تعلوا عليّ، وفيها وجه آخر حسن على معنى قال لا تعلوا عليّ.
وفسر سيبويه والخليل " أنّ " أن، في هذا الموضع في تأويل أي، على معنى أي لا تعلوا عليّ، ومثله من كتاب الله عزّ وجلّ:
(وانطلق الملأ منهم أن امشوا)
وتأويل أي ههنا تأويل القول والتفسير، كما تقول فعل فلان كذا وكذا، أي إني جواد كأنك قلت: يقول إني جواد.
وقوله: (قالت إنّ الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزّة أهلها أذلّة وكذلك يفعلون (34)
معناه إذا دخلوها عنوة عن قتال وغلبة.
(وكذلك يفعلون).
هو من قول اللّه عزّ وجلّ - واللّه أعلم - لأنها هي قد ذكرت أنّهم يفسدون فليس في تكرير هذا منها فائدة.
وقوله: (وإنّي مرسلة إليهم بهديّة فناظرة بم يرجع المرسلون (35)
جاء في التفسير أنها أهدت سليمان لبنة ذهب في حرير، وقيل لبن ذهب في حرير.
فأمر سليمان بلبنة ذهب فطرحت تحت الدّوابّ، حيث تبول عليها الدّوابّ وتروث، فصغر في أعينهم ما جاءوا به إلى سليمان، وقد ذكر أن الهديّة قد كانت غير هذا، إلا أن قول سليمان: (أتمدّونن بمال) مما يدل على أن الهديّة كانت مالا.
وقوله عزّ وجلّ: (بم يرجع المرسلون).
[معاني القرآن: 4/119]
حروف الجر مع " ما " في الاستفهام تحذف معها الألف من " ما " لأنهما كالشيء الواحد، وليفصل بين الخبر والاستفهام؛ تقول: قد رغبت فيما عندك، فتثبت الألف، وتقول: فيم نظرت يا هذا فتحذف الألف.
(فلمّا جاء سليمان قال أتمدّونن بمال فما آتاني اللّه خير ممّا آتاكم بل أنتم بهديّتكم تفرحون (36)
معناه فلما جاء رسولها سليمان، ويجوز أن يكون فلما جاء برّها سليمان إلا أنّ قوله: (ارجع إليهم فلنأتينّهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنّهم منها أذلّة وهم صاغرون (37)
مخاطبة للرسول.
وقوله تعالى: (لا قبل لهم بها).
معناه لا يقدرون على مقاومة جنودها.
وقوله: (قال يا أيّها الملأ أيّكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين (38)
أي بسريرها.
(قبل أن يأتوني مسلمين).
أحب سليمان - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ السّرير من حيث يجوز أخذه، لأنهم لو أتوا مسلمين لم يجز أخذ ما في أيديهم، وجائز أن يكون أراد سليمان إظهار آية معجزة في تصيير العرش إليه في تلك الساعة لأنها من الآيات المعجزات.
(قال عفريت من الجنّ أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإنّي عليه لقويّ أمين (39)
والعفريت النافذ في الأمر المبالغ فيه مع خبث ودهاء.
يقال: رجل عفر وعفريت، وعفرية نفرية، ونفاريّة، في معنى واحد.
(أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك).
[معاني القرآن: 4/120]
أي مقدار جلوسك الّذي تجلسه مع أصحابك، وقيل قبل أن تقوم من مجلسك لحكم.
وقوله: (قال الّذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك فلمّا رآه مستقرّا عنده قال هذا من فضل ربّي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنّما يشكر لنفسه ومن كفر فإنّ ربّي غنيّ كريم (40)
ويقال إنّه آصف بن برحيا.
(أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك).
أي بمقدار ما يبلغ البالغ إلى نهاية نظرك ثم يعود إليك.
وقيل في مقدار ما تفتح عينك ثمّ تطرف، وهذا أشبه بارتداد الطرف، ومثله من الكلام: فعل ذلك في لحظة عين، أي في مقدار ما نظر نظرة واحدة.
ويقال في التفسير إنه دعا باسم الله الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وقيل إنه: يا ذا الجلال والإكرام، وقيل إنه يا إلهنا وإله الخلق جميعا إلها واحدا لا إله إلّا أنت، فذكر هذا الاسم ثم قال ائت بعرشها، فلمّا استتمّ ذلك ظهر السرير بين يدي سليمان.
وقوله: (قال نكّروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الّذين لا يهتدون (41)
الجزم في (ننظر) الوجه وعليه القراءة، ويجوز (ننظر) بالرفع فمن جزم فلجواب الأمر، ومن رفع فعلى معنى فسننظر.
وقوله (أتهتدي) معناه أتهتدي لمعرفته أم لا.
وقوله: (فلمّا جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنّه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنّا مسلمين (42)
(قالت كأنّه هو).
ولم تقل إنه عرشها، ولا قالت: ليس هو بعرشها، شبّهته به لأنه منكّر، يروى أنه جعل أسفله أعلاه.
[معاني القرآن: 4/121]
وقوله: (وصدّها ما كانت تعبد من دون اللّه إنّها كانت من قوم كافرين (43)
أي صدّها عن الإيمان العادة التي كانت عليها، لأنها نشأت ولم تعرف إلا قوما يعبدون الشمس، فصدّتها العادة، وبيّن عادتها
بقوله: (إنّها كانت من قوم كافرين).
ويجوز أنها كانت من قوم كافرين فيكون المعنى صدّها كونها من قوم كافرين ويكون مبينا عن قوله عز وجل: (ما كانت تعبد من دون اللّه).
وقوله: (قيل لها ادخلي الصّرح فلمّا رأته حسبته لجّة وكشفت عن ساقيها قال إنّه صرح ممرّد من قوارير قالت ربّ إنّي ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان للّه ربّ العالمين (44)
والصّرح: في اللغة القصر، والصّحن، يقال هذه ساحة الدار وصحنة الدار وباحة الدار وقاعة الدار وقارعة الدار.
هذا كله في معنى الصّحن.
وقوله: (فلمّا رأته حسبته لجّة).
أي حسبته ماء، وكان قد عمل لسليمان صحن من قوارير وتحته الماء والسّمك، فظنت أنّه ماء فكشفت عن ساقيها.
وذاك أن الجنّ عابوا عنده ساقيها ورجليها وذكروا أن رجليها كحافر الحمار فتبين أمر رجليها.
وقوله عزّ وجلّ: (ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا اللّه فإذا هم فريقان يختصمون (45)
[معاني القرآن: 4/122]
أي فإذا قوم صالح فريقان مؤمن وكافر يختصمون فيقول كل فريق منهم الحق معي، وطلبت الفرقة الكافرة على تصديق صالح العذاب، فقال: (قال يا قوم لم تستعجلون بالسّيّئة قبل الحسنة لولا تستغفرون اللّه لعلّكم ترحمون (46)
أي لم قلتم إن كان ما أتيت به حقا فأتنا بالعذاب.
(لولا تستغفرون اللّه لعلّكم ترحمون).
أي هلّا تستغفرون اللّه.
قوله: (قالوا اطّيّرنا بك وبمن معك قال طائركم عند اللّه بل أنتم قوم تفتنون (47)
الأصل تطيرنا فأدغمت التاء في الطاء، واجتلبت الألف لسكون الطاء، فإذا ابتدأت قلت اطيرنا بك، وإذا وصلت لم تذكر الألف.
وتسقط لأنها ألف وصل.
(قال طائركم عند اللّه).
أي ما أصابكم من خير أو شرّ فمن اللّه.
(بل أنتم قوم تفتنون).
أي: تختبرون، ويجوز تفتنون من الفتنة، أي تطيركم فتنة.
(وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون (48)
هؤلاء عتاة قوم صالح.
(قالوا تقاسموا باللّه لنبيّتنّه وأهله ثمّ لنقولنّ لوليّه ما شهدنا مهلك أهله وإنّا لصادقون (49)
وتجوز لتبيّتنّه، ويجوز ليبيّتنّه وأهله بالياء، فيها ثلاثة أوجه.
فمن قرأ بالنون قرأ " ثم لنقولنّ " لوليّه، ممن قرأ (لتبيّتنّه) بالتاء قرأ " ثمّ لتقولن " ومن قرأ " ليبيّتنّه " بالياء قرأ " ثم ليقولنّ " لوليّه.
[معاني القرآن: 4/123]
فمن قرأ بالنون فكأنهم قالوا: احلفوا لنبيتنه وأهله، ومن قرأ بالتاء فكأنّهم قالوا احلفوا لتبيتنه، فكأنه أخرج نفسه في اللفظ.
والنون أجود في القراءة، ويجوز أن يكون قد أدخل نفسه في التاء لأنه إذا قال تقاسموا، فقد قال تحالفوا ولا يخرج نفسه من التحالف، ومن قرأ قالوا تقاسموا باللّه ليبيتنّه، فالمعنى قالوا ليبيتنه متقاسمين، فكان هؤلاء النفر تحالفوا أن يبيتوا صالحا ويقتلوه وأهله في بياتهم، ثم ينكرون عند أولياء صالح أنهم شهدوا مهلكه ومهلك أهله، ويحلفون أنهم لصادقون. فهذا مكر عزموا عليه.
قال اللّه - عزّ وجلّ: (ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون (50)
فمضوا لبغيتهم فأرسل اللّه عليهم صخرة فدمغتهم، وأرسل على باقي قومهم ما قتلهم به.
وقوله: (فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنّا دمّرناهم وقومهم أجمعين (51)
يقرأ (إنّا دمّرناهم) - بكسر إن وبفتحها - فمن قرأ بالكسر رفع العاقبة لا غير، المعنى فانظر أي شيء كان عاقبة مكرهم، ثم فسّرها فقال: إنّا دمّرناهم، فدل على أن العاقبة الدمار.
ومن قرأ (أنّا دمّرناهم) - بالفتح - رفع العاقبة وإن شاء نصبها، والرفع أجود على معنى فانظر كيف كان عاقبة أمرهم، وأضمر العاقبة.
أنا دمرناهم. فيكون (أنّا) في موضع رفع على هذا التفسير، ويجوز أن تكون أنا في موضع نصب، على معنى فانظر كيف كان عاقبة مكرهم لأنّا دمّرناهم، ويجوز أن
[معاني القرآن: 4/124]
تكون (أنّا دمّرناهم) خبر كان المعنى فانظر كيف كان عاقبة مكرهم الدّمار، ويجوز أن يكون اسم كان (أنّا دمّرناهم) و (عاقبة أمرهم) منصوبة.
المعنى فانظر كيف كان الدمار عاقبة مكرهم، وكيف في موضع نصب في جميع هذه الأقوال - ونصبها - إذا جعلت العاقبة اسم كان وكيف الخبر لأنها في موضع خبر كان، فإذا جعلت اسم كان وخبرها ما بعدها فهي منصوبة على الظرف، وعمل فيها جملة الكلام كما تقول: كيف كان زيد، وكيف كان زيد قائما.
وقوله: (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إنّ في ذلك لآية لقوم يعلمون (52)
أكثر القراء نصب (خاوية) على الحال، المعنى فانظر إلى بيوتهم خاوية بما ظلموا.
ورفعها من أربعة أوجه قد بيّناها فيمن قرأ (وهذا بعلي شيخ).
وقوله عزّ وجلّ: (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون (54)
نصب لوط من جهتين:
على معنى وأرسلنا لوطا
وعلى معنى واذكر لوطا إذ قال لقومه، لأنه قد جرت أقاصيص رسل، فدخل معنى إضمار اذكر ههنا.
(أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون).
أي وأنتم تعلمون أنها فاحشة، فهو أعظم لذنوبكم.
(أئنّكم لتأتون الرّجال شهوة من دون النّساء بل أنتم قوم تجهلون (55)
[معاني القرآن: 4/125]
يجوز على أوجه، أاإئنكم بهمزتين بينهما ألف، ويجوز أئنكم بهمزتين محققتين، والأجود أينكم بجعل الهمزة الثانية بين بين تكون بين الياء والهمزة.
(فما كان جواب قومه إلّا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنّهم أناس يتطهّرون (56)
(جواب) خبر كان و " أن قالوا " الاسم، ويجوز (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا.
وقوله: (إنّهم أناس يتطهّرون).
قال قوم لوط هذا للوط ولمن آمن معه، على جهة الهزؤ بهم لأنهم تطهّروا عن أدبار الرجال وأدبار النساء.
ويروى عن ابن عمر أنه سئل: هل يجوز هذا في النساء؟
قيل له ما تقول في التحميض فقال: أو يفعل ذلك المسلمون؟
فهذا عظيم جدّا. وهو الذي سماه اللّه فاحشة.
وقوله عزّ - وجل:. (قل الحمد للّه وسلام على عباده الّذين اصطفى آللّه خير أمّا يشركون (59)
وتشركون بالياء والتاء، ويقرأ آللّه، واللّه، بالمد وترك المذد.
ويجوز - واللّه أعلم - اللّه خير أمّا يشركون.
قال أبو إسحاق: إذا ضمّت التاء والياء فمعناه أنّهم جعلوا لله شركاء وإذا فتحت التاء والراء، فمعناه أنكم تجعلون أنفسكم لله شركاء، يقال: شركت الرجل أشركه، إذا صرت شريكه.
وقوله عزّ وجلّ: (أمّن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع اللّه بل أكثرهم لا يعلمون (61)
[معاني القرآن: 4/126]
حجز بينهما بقدرته فلا يختلط العذب بالملح.
وقوله عزّ وجلّ: (قل لا يعلم من في السّماوات والأرض الغيب إلّا اللّه وما يشعرون أيّان يبعثون (65)
بالرفع القراءة، ويجوز النصب، ولا أعلم أحدا قرأ به، فلا تقرأن به.
فمن رفع في قوله: (إلّا اللّه) فعلى البدل، المعنى لا يعلم أحد الغيب إلا اللّه، أي لا يعكم الغيب إلا اللّه، ومن نصب فعلى معنى لا يعلم أحد الغيب إلا اللّه، على معنى استثني اللّه عزّ وجلّ.
فإنه يعلم الغيب.
وقوله: (وما يشعرون أيّان يبعثون).
و (أيّان تبعثون) جميعا، أي لا يعلمون متى البعث.
وقوله تعالى: (بل ادّارك علمهم في الآخرة بل هم في شكّ منها بل هم منها عمون (66)
فيها أوجه: قرأ أبو عمرو: بل أدرك علمهم في الآخرة.
وقرأ أكثر الناس (بل ادّارك) بتشديد الذال.
وروي عن ابن عباس بلى أدرك علمهم في الآخرة.
ويجوز بلى ادّارك علمهم في الآخرة فمن قرأ بل ادّارك علمهم في الآخرة وهو الجيد، فعلى معنى بل تدارك علمهم في الآخرة، على معنى بل يتكامل علمهم يوم القيامة، لأنّهم مبعوثون، وكل ما وعدوا به حق، ومن قرأ بل أدرك علمهم فعلى معنى التقرير والاستخبار، كأنّه قيل: لم يدرك علمهم في الآخرة أي ليس يقفون في الدنيا على حقيقتها، ثم بين ذلك في قوله:
(بل هم في شكّ منها)
[معاني القرآن: 4/127]
وقالوا في تفسير (بل ادّارك علمهم): أم أدرك علمهم، والقراءة الجيّدة (ادّارك) على معنى تدارك بإدغام التاء في الدال، فتصير دالا ساكنة فلا يبتدئ بها، فيأتي بألف الوصل لتصل إلى التكلّم بها.
وإذا وقفت على (بل) وابتدأت قلت (ادّارك)، فإذا وصلت كسرت اللام في بل، لسكونها وسكون الدال.
وقوله: (حدائق ذات بهجة).
الحدائق واحدتها حديقة، والحديقة البستان، وكذلك الحائط وقيل القطعة من النخل، وقوله (ذات بهجة) معناه ذات حسن ويجوز في غير القراءة ذوات بهجة، لأنها جماعة، كما تقول: نسوتك ذوات حسن، وإنما جاز ذات بهجة لأن المؤنث يخبر عنه في الجمع بلفظ الواحدة، إذا أردت جماعة، كأنك قلت جماعة ذات بهجة.
وقوله: (بل هم قوم يعدلون (60).
معناه يكفرون، أي يعدلون عن القصد وطريق الحق.
وقوله: (ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق ممّا يمكرون (70)
يقرأ في ضيق وضيق.
وقوله: (قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الّذي تستعجلون (72)
قيل في التفسير عجل لكم ومعناه في اللغة (ردفكم) مثل ركبكم وجاء بعدكم.
وقوله: (وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلّا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون (81)
[معاني القرآن: 4/128]
وتقرأ: (وما أنت تهدي العمي عن ضلالتهم)، ويجوز بهاد العمي عن ضلالتهم.
فأمّا الوجهان الأولان فجيّدان في القراءة، وقد قرئ بهما جميعا.
والوجه الثالث يجوز في العربية، فإن ثبتت به رواية وإلّا لم يقرأ به، ولا أعلم أحدا قرأ به.
وقوله عزّ وجلّ: (إن تسمع إلّا من يؤمن بآياتنا).
معناه ما تسمع إلا من يؤمن، وتأويل ما تسمع، أي ما يسمع منك فيعي ويعمل إلّا من يؤمن بآياتنا، فأمّا من سمع ولم يقبل فبمنزلة الأصمّ.
كما قال اللّه عزّ وجلّ: (صمّ بكم عمي).
قال الشاعر:
أصمّ عمّا ساءه سميع
وقوله عزّ وجلّ: (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابّة من الأرض تكلّمهم أنّ النّاس كانوا بآياتنا لا يوقنون (82)
أي إذا وجب.
(أخرجنا لهم دابّة من الأرض تكلّمهم).
وتكلمهم، ويروى أن أول أشراط الساعة خروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها، وأكثر ما جاء في التفسير أنها تخرج بتهامة.
تخرج من بين الصفا والمروة.
وقد جاء في التفسير أنها تخرج ثلاث مرات في ثلاثة أمكنة.
وجاء في التفسير تنكت في وجه الكافر نكتة سوداء وفي وجه المؤمن نكتة بيضاء، فتفشو نكتة الكافر حتى يسودّ منها وجهه أجمع وتفشو نكتة المؤمن حتى يبيضّ منها وجهه فتجتمع الجماعة على المائدة، فيعرف المؤمن من الكافر.
فمن قرأ (تكلّمهم) فهو من الكلام، ومن قرأ (تكلمهم) فهو من الكلم، وهو الأثر والجرح.
[معاني القرآن: 4/129]
وقوله: (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السّحاب صنع اللّه الّذي أتقن كلّ شيء إنّه خبير بما تفعلون (88)
(صنع اللّه الّذي أتقن كلّ شيء)
القراءة النصب، ويجوز الرفع: صنع، فمن نصب فعلى معنى المصدر، لأن قوله: (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السّحاب). دليل على الصنعة، كأنّه قيل صنع اللّه ذلك صنعا.
ومن قال (صنع الله) بالرفع، فالمعنى ذلك صنع اللّه.
وقوله عزّ وجلّ: (وكلّ أتوه داخرين).
وأتاه داخرين، من وحّد فللفظ كل، ومن جمع - فلمعناها.
وقوله: (إنّما أمرت أن أعبد ربّ هذه البلدة الّذي حرّمها وله كلّ شيء وأمرت أن أكون من المسلمين (91)
(الذي) في موضع نصب من صفة (ربّ هذه البلدة)
وقد قرئت: التي حرّمها؛ وقد قرئ بها لكنها قليلة، فالتي في موضع خفض من نعت البلدة.
وقوله عزّ وجلّ: (وقل الحمد للّه سيريكم آياته فتعرفونها وما ربّك بغافل عمّا تعملون (93)
أي سيريكم اللّه آياته في جميع ما خلق، وفي أنفسكم.
[معاني القرآن: 4/130]


التوقيع :
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المعاني, الواردة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:18 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir