دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > الأيمان والنذور

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 06:38 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي [ النهي عن الحلف بغير الله ]

عن عمرَ بن الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ: ((إِنَّ اللهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بَآبَائِكُمْ)) .
ولِمسلمٍٍ : ((فَمَن كانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ، أَو لِيَصْمُتْ)) .
وفي روايَةٍ قالَ عمرُ : (( فَوَاللهِ مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سمعتُ رسولَ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ يَنْهَى عَنْهَا، ذَاكِرًا وَلاَ آثِرًا )) .
آثرًا . يَعني: حَاكِيًا عَنْ غَيْرِي: أَنَّهُ حَلَفَ بِهَا .

  #2  
قديم 18 ذو القعدة 1429هـ/16-11-2008م, 06:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الأول: تصحيح الرواية)

ومن كتابِ الإيمانِ إلى الصَّيْدِ
حديثُ عمرَ بنِ الخطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه قولُه ولمسلِمٍ (( مَنْ كَانَ حَالِفاً فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أَوْ لِيَصْمُتْ )) هذه الروايةُ التي عَزَاها لمسلِمٍ ليست فيه من هذا الوجهِ الذي أَوْرَدَه بل أَوْرَدَها من روايةِ ابنِ عمرَ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنه أَدْرَكَ عمرَ ابنَ الخطَّابِ في ركْبٍ وعمرُ يَحلِفُ بأبيه فناداهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ (( أَلَا إِنَّ اللهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ مِنْ كَانَ حَالِفاً فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أَوْ لِيَصْمُتْ ))
وهذه الزيادةُ ثابتةٌ في صحيحِ البخاريِّ أيضاً من حديثِ ابنِ عمرَ فتَوَجَّهَ على المُصنِّفِ فيها نَقْدَان:
أحدُهما: كونُها ليستْ من أَفْرادِ مسلِمٍ
والثانى: أنها ليست من مسنَدِ عمرَ وقد وَقَعَ ذلك في ( العمدةِ الكبرى ) أيضاً حديثُ عُقْبَةَ بنِ عامِرٍ نذَرَتْ أختى أن تَمشِيَ إلى بيتِ اللهِ حافيةً لفظُ حافيةً ليس في البخاريِّ كما نَبَّهَ عليه عبدُ الحقِّ في ( جَمْعِه ) .

  #3  
قديم 18 ذو القعدة 1429هـ/16-11-2008م, 06:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الثاني: التصحيح اللغوي)

قولُه :(( أَوْ لِيَصْمُتْ)).
هو بضمِّ الميمِ وكَسْرِهَا .

  #4  
قديم 18 ذو القعدة 1429هـ/16-11-2008م, 07:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الحديثُ السابعُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
357- عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :((إِنَّ اللهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ)) .
وَلِمُسْلِمٍ :((فَمَنْ كانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ، أَوْ لِيَصْمُتْ)) .
وفي روايةٍ قَالَ عُمَرُ : فَوَاللَّهِ مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهَا، ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا .
يَعْنِي: حَاكِيًا عَنْ غَيْرِي: أَنَّهُ حَلَفَ بِهَا .(183)
__________________
(183) الغريبُ :
ليصمتْ : بضمِّ الميمِ وكسرِها .
ذاكرًا : يعني عامدًا .
آثرًا : بهمزةٍ ممدودةٍ، فثاءٍ مثلثةٍ مكسورةٍ . يعني حاكيًا عن غيرِي : أن حلفَ بها .
المعنى الإجماليُّ :
الحَلِفُ : معناهُ تأكيدُ الفعلِ أَو التركِ، بذكرِ المعظَّمِ فِي النفسِ، المرهوبِ السطوةِ وَالانتقامِ، وَالتعظيمُ المطلقُ، وَالخوفُ وَالخشيةُ من الأعمالِ التي لا تكونُ إلَّا للهِ .
وصرفُها لغيرِهِ، أَوْ صرفُ بعضِها، شركٌ؛ لهَذَا ذكرَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلَا، يَنْهَانَا أنْ نَحْلِفَ بشيءٍ غيرِهِ كآبَائِنَا، تلك َالعادةُ الجاريةُ فِي الجاهليَّةِ، وَأَمَرَنَا إذَا حَلَفْنا أَنْ لا نحلفَ إلَّا باللهِ تعالى؛ لأنَّه المُسْتَحِقُّ للتعظيمِ، وَهُوَ القادرُ وحدَهُ عَلَى الانتقامِ من الكاذبِ، وَهُوَ الضارُّ النافعُ .
وإن لم نكنْ حالفينَ باللهِ فَلْنَصْمُتْ وَلْنَسْكُتْ عن الحَلِفِ بغيرِهِ، فإنَّهُ شركٌ كما جاءَ فِي الحديثِ الذي رواهُ أبو داودَ، وَالحاكمُ، من حديثِ ابنِ عمرَ : ((مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ كَفَرَ)).
ولمَّا عَلِمَ الصحابةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بالنهيِّ عن ذلكَ، انتهَوْا عنهُ وَاجتَنَبُوهُ، فكانوا لا يَحْلِفونَ إلَّا باللهِ، أَوْ بصفاتِهِ الْعَلِيَّةِ؛ ولذا قَالَ عمرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( فواللهِ ما حلفتُ بها منذُ سمعتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عنها: لَا عامدًا، ولا حاكيًا، أي ناقلًا كلامَ غيري ) .
كلُّ هَذَا احترازٌ من الوقوعِ فِي المحظورِ وَابتعادٌ عنهُ .
مَا يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ :
1- تحريمُ الحَلِفِ بالآباءِ؛ لأنَّهُ الأصلُ فِي النهيِ . وَالنهيُ عن الحَلِفِ بالآباءِ عامٌّ لكلِّ شيءٍ .
فلا يحلُّ لمخلوقٍ - كائنًا مَنْ كَانَ - أنْ يُقْسِمَ ويَحْلِفَ بغيرِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا .
أَمَّا اللهُ سبحانهُ وتعالى فلهُ أن يقسمَ بما شاءَ من مخلوقاتِهِ؛ ولهَذَا، فلا يحلُّ الحَلِفُ بغيرِ اللهِ تعالى وصفاتِهِ، مهما كَانَ عِظَمُ المحلوفِ بهِ، كالنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالكعبةِ المشرَّفَةِ، وغيرِها .
2- إنَّ مَن أرادَ الحَلِفَ بغيرِ اللهِ فَلْيَلْزَم الصمتَ، فإنَّهُ أسلمُ لهُ .
3- وعلَّةُ النهيِ : أنَّ الحَلِفَ يرادُ بهِ التأكيدُ بذكرِ أعظمِ شيءٍ فِي نفسِ الحالفِ وأشدِّ عقابٍ وَانتقامٍ . وهَذَا لا يكونُ إلَّا للهِ تعالى وحدَهُ .
وصرفُه لغيرِهِ كفرٌ كما جاءَ فِي حديثِ ابنِ عمرَ، ولكنَّهُ كفرٌ لا يُخْرِجُ من الملَّةِ، فإنَّ الكفرَ أنواعٌ وأقسامٌ .
4- وأَمَّا ما وقعَ مما يخالفُ هَذَا النهيَ من قولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((أَفْلَحَ وَأَبُوهُ إنْ صَدَقَ )) فقيلَ بعدمِ صحتِها . قَالَ ابنُ عَبْدِ الْبَرِّ : هَذِه اللفظةُ غيرُ محفوظةٍ . وقيلَ : إنَّ ((وَأَبِيهِ)) مصحَّفةٌ عنْ ((واللهِ)) قَالَ ابنُ حجرٍ : هُوَ محتملٌ . وقيلَ إنَّ هَذَا اللفظَ مما يَجْري عَلَى الْأَلْسِنَةِ بغيرِ قصدِ القَسَمِ بهِ وذكرَ النوويُّ أنَّهُ ربما كَانَ جائزًا ثُمَّ نُسِخَ .
5- فضيلةُ عمرَ رضيَ اللهُ عنْهُ: بسرعةِ امتثالِهِ وحسنِ فهمِهِ وتورُّعِهِ . فلم يحلفْ بغيرِ اللهِ بنفسِهِ، ولم يحكِ قَسَمَ غيرِه بغيرِ اللِه، امتثالًا وَابتعادًا؛ لِئَلَّا يتعوَّدَ لسانُهُ عليه، فيخفَّ عليهِ ويعتادَهُ .
6- إنَّما خصَّ النهيَ عن الحَلِفِ بالآباءِ، مَعَ أنَّهُ عامٌّ فِي كلِّ ما سِوَى اللهِ تعالى؛ لأنَّ هذهِ عادةٌ جاهليَّةٌ، فنصَّ عليها بِعينِها، مَعَ فهمِ المرادِ العامِّ منها .
فقد أدركَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرَ بنَ الخطابِ مَعَ رَكْبٍ فسمعَهُ يحلفُ بأبيهِ، فذكرَ الحديثَ .

  #5  
قديم 18 ذو القعدة 1429هـ/16-11-2008م, 07:24 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

362 – الحديثُ الثالثُ: عن عمرَ بنِ الخطَّابِ رضيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ: "إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ".
363 – ولِمُسْلِمٍ: "فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ باللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ".
وفي روايةٍ قالَ عمرُ: "فَوَاللَّهِ مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ يَنْهَى عَنْهَا، ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا".
يعنِي: حاكيًا عَنْ غَيْرِي: أَنَّهُ حَلَفَ بِهَا.
الحديثُ دليلٌ علَى المنْعِ من الحَلِفِ بغيرِ اللَّهِ تعالَى، واليمينُ منعقدةٌ عندَ الفقهاءِ باسمِ الذاتِ وبالصفاتِ العليَّةِ. وأمَّا اليمينُ بغيرِ ذلك: فهو ممنوعٌ. واختلفُوا في هذا المنْعِ. هل هو علَى التحريمِ، أو علَى الكراهةِ؟ والخلافُ موجودٌ عند المالكيَّةِ. فالأقسامُ ثلاثةٌ: الأوَّلُ: ما يُباحُ به اليمينُ. وهو ما ذكرْنَا من أسماءِ الذاتِ والصفاتِ. والثانِي: ما تحرُمُ اليمينُ بهِ بالاتِّفاقِ، كالأنصابِ والأزلامِ، واللاتِ والعُزَّى، فإنْ قُصِدَ تعظِيمُهَا فهو كفْرٌ. كذا قالَ بعضُ المالكيَّةِ، مُعلِّقًا للقولِ فيه، حيثُ يقولُ: "فإنْ قُصِدَ تعظِيمُهَا فكُفْرٌ، وإلَّا فَحَرَامٌ" القَسَمُ بالشيءِ تعظيمٌ له. وسيأتِي حديثٌ يدلُّ إطلاقُهُ علَى الكفْرِ لمَنْ حلَفَ ببعضِ ذلك ما يُشبِهُهُ، ويمكنُ إجراؤُهُ علَى ظِاهرِهِ؛ لدلالةِ اليمينِ بالشيءِ علَى التعظيمِ له.
الثالثُ: ما يُختَلَفُ فيهِ بالتحريمِ والكراهةِ. وهو ما عدَا ذلك ممَّا لا يقتضِي تعظيمُهُ كُفْرًا.
وفي قوْلِ عمرَ رضيَ اللَّهُ عنهُ: "ذاكرًا ولَا آثرًا" مُبالغةٌ في الاحتياطِ. وأنْ لا يُجْرَى علَى اللسانِ ما صورتُهُ صورةُ الممنوعِ شرْعًا.

  #6  
قديم 18 ذو القعدة 1429هـ/16-11-2008م, 07:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

......................................

  #7  
قديم 16 محرم 1430هـ/12-01-2009م, 06:04 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي

القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين . قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم)). ولمسلم: ((فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت)). وفي رواية: قال عمر: فوالله ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنها ذاكرا ولا آثرا. يعني حاكيا عن غيري أنه حلف بها .
الشيخ: هذا الحديث يتعلق بالحلف , الحلف هو القسم بالله ، أو بأسماء الله ، أو بصفات الله على أمر من الأمور لتأكيده وتقويته .

...أو بأسماء الله ، أو بصفات الله على أمر من الأمور لتأكيده وتقويته . والإنسان إذا أراد أن يؤكد قولا من الأقوال فإنه يقنع الحاضرين والسامعين بهذا الحلف , فيقول: والله إن الأمر كذا , وبالله إنه لكذا ، أو أحلف بالله لقد قال فلان كذا أو ما أشبه ذلك .

كان أهل الجاهلية يحلفون بما يعظمونه ، وكانت آلهتهم في نظرهم أنها عظيمة ، فلذلك كانوا يقولون في حلفهم:واللات والعزى, اللات المعبد الذي في الطائف ، والعزى المعبد الذي في نخلة بين مكة والطائف , وكلاهما معظم عندهم , فورد النهي عن ذلك , وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت)) . وذلك لأن الحلف تعظيم للمحلوف به , الذي تحلف به يكون قدره في قلبك عظيما , فتعظمه بهذه اليمين . والتعظيم لا يصلح إلا لله تعالى , لا يجوز لأحد أن يعظم مخلوقا كتعظيم الله , فلا جرم جاء الأمر بالحلفِ بالله وحده , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بالله فليصدق ، ومن حُلف له بالله فليرض , ومن لم يرض فليس من الله)) . أمر الذي يحلف بالله أن يحلف وهو صادق، ونهاه أن يحلف بغير الله , أيا كان ذلك المحلوف به .

كان أهل الجاهلية يحلفون بآبائهم , وبقي ذلك عند بعض من أسلم , حتى أن عمر رضي الله عنه , وهو من أذكى الناس وأفطنهم , حلف مرة بعدما أسلم بأبيه , فقال: بأبي إن الأمر كذا وكذا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تحلفوا بآبائكم , من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت)) . ولما سمعه عمر رضي الله عنه امتثل ذلك , فتوقف عن هذا منذ أن نهاه؛ وذلك لأن الصحابة وقافون عند حدود الله , متى أمرهم الله بأمر توقفوا عنده ، ومتى أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر امتثلوه ولم يتجاوزوه , فلذلك يقول عمر: والله ما حلفتُ بأبي بعد ذلك , لا ذاكرا ولا آثرا . يعني لا ذاكرا له مبتدئا له من نفسي ، ولا آثرا يعني ناقلا للكلام عن غيري , حتى النقل , ما يقول: إن فلان قال: بأيى إن الأمر كذا ؛ من شدة امتثاله وتمسكه بما سمعه من الحديث المرفوع تمسكا زائدا ،لم ينقل عن أحد قوله: بأبي إن الأمر كذا ؛ وما ذاك إلا أنه علم أنه صلى الله عليه وسلم ما نهى عنه إلا وهو حرام لا يجوز .

وقد ورد أيضا ما يدل على أنه من الشرك , فقال صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)). ونكمل بعد الأذان إن شاء الله .
ذكر في هذا الحديث أن الحلف بغير الله كفر أو شرك:((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)) . ولكن إذا قيل: إنه كفر فهو كفر دون الكفر بالله , إنما هو كفر جزئي , بمعنى أنه جحْد لما أمرنا به من الحلف بالله تعالى ، وإذا قيل: إنه شرك , فإنه من الشرك الأصغر الذي هو دون الأكبر ، ولا يخرج من الملة ، ولكن مادام أن اسمه شرك فإنه لا يغفر إلا بالتوبة , داخل في الآية الكريمة: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} , فالذي يموتُ وهو مصر على نوع من الشرك كالحلف بغير الله يعتبر من الذين لا يغفر شركهم ، بل لا بد من عقوبتهم على قدر شركهم بما يقدره الله تعالى .
وعلى كل حال فإنه مادام أنه ذنب , ومادام أنه وصل إلى تسميته شركا في هذا الحديث , فإنه يدل على كبره وكونه أكبر من الكبائر ؛ لأن كبائر الذنوب كالزنا والربا ونحوها تحت المشيئة , إن شاء الله تعالى عفا عنها وغفرها لصاحبها, وإن شاء عذبه بقدرها ، وأما الشرك ولو كان صغيرا فلابد من عذاب صاحبه , عذابه في الآخرة بقدر شركه ، أو بقدر ذنبه , فهذا دليل على عظمته .

والإنسان عليه أن يكون حذرا , عليه أن يكون تعظيمه لله , فإنه إذا حلف بغير الله فقد عظَّم ذلك الغير , دل على أن له منزلة في قلبه لذلك المحلوف به , منزلة عظيمة يقدره بها ويرفع مقامه ، فقد رفعه عن قدره ، وقد جعله مستحقًّا لنوع من التعظيم الذي هو خالص حق الله تعالى .
يدخل في ذلك الأشخاص والبقع والصفات ونحوها , فإذن كل ذلك من الحلف بغير الله , قد فسر ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادا} قال: الأنداد هو الشرك , أخفى في هذه الأمة من دبيب النملة السوداء على صخرة سوادء في ظلمة الليل ، وهو أن تقول: والله وحياتك يا فلان ، وحياتي . جعل هذا من الحلف بغير الله من الشرك , يقول: وحياتك يا فلان ، أو بحياتك يا فلان ، أو وحياتى ، أو بحياتي , فإن هذا حلف بغير الله , أثبت ابن عباس أنه من الشرك الذي هو خفي ، بمعنى أن الناس لا يفطنون له ولا ينتبهون له , كلمات يقولون: تجري على الألسن ، ويتساهل بها , وهي في الحقيقة من الشرك ، ولكنها من الشرك الخفي .

فيتنبه لها إذا قال: وحياتك يا فلان ، أو وحياتك يا فلانة ، أو وحياتي , أو قال مثلا: وشرفي , أو ونسبي , أو نحو ذلك , حلف بشرفه , شرفه ما هو ؟! ما يستحق أن يعظم بهذا التعظيم ، وكذلك لو قال: ونسبي أو منصبي ، أو ومفخري ، أو ومفخر فلان , أو ما أشبه ذلك , كل هذا من الشرك ، وهكذا إذا أقسم بالترب , كأن يقول: بتربة فلان , أو ما أشبه ذلك ، أو أقسم بالحرمة , كأن يقول: بحرمة فلان , بحرمة صاحب هذا القبر , بحرمة الولي ، أو بالقبر الفلاني ، أو بالشهيد , أو بالولي الفلاني ، أو ما أشبه ذلك .
لا شك أن هذا يعتبر تعظيما لذلك المخلوق به , والذي يحلف به يعتبر كأنه رفعه عن مقامه , فكان بذلك مشركا. هذا في حق المخلوق . فيتجنب الإنسان الحلف بالمخلوق ، ولا يحلف إلا بالخالق سبحانه وتعالى .
وإذا قلت: إن الله تعالى أقسم بكثير من المخلوقات . نقول: الله تعالى يقسم من خلقه بما يشاء , كما في قوله تعالى: {فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} , ولكن المسلم الذي يلتزم ويوحد الله يجعل إقسامه بالله , فلا يقسم إلا بربه ؛ لأن القسم كما قلنا تعظيم , والتعظيم أصبح من حق الله تعالى على عباده , حق على العباد أن يكون تعظيمهم لربهم .

ومع الأسف نسمع كثيرا لايقنعون بالحلف بالله , حتى يحلف لهم بغير الله , في كثير من البلاد التي تنتحل الإسلام وتدعي أنهم يعظمون الله ويعظمون القرآن ، ويؤمنون بالبعث . يحكى لنا عن بعضهم أنه كان له دين عند شخص , فأحضر عند القاضي , وحلف عشرة أيمان أنه ليس له حق عندي , فقال خصمه: قل له يحلف بتربة الولي فلان ، فألزمه القاضي بأن يحلف بتربته , فامتنع أن يحلف ، واعترف بالحق , وقال: إذا حملتموني على أن أحلف بتربة السيد فلان فإنني لا أحلف وأفدي يميني ، بل أقول: إن الحق عندي إذا أكرهتموني , فصارت تربة ذلك السيد الذي يعبدونه ويعظمونه ، ويسمونه وليا وسيدا , أعظم في قلبه من الخالق سبحانه وتعالى , حلف بالله عدة أيمان وهو كاذب , ولم يتجرأ أن يحلف بتربة السيد .
فهذا لا شك أنه قد يصل إلى الشرك الأكبر ؛ لأنه عظم ذلك السيد وصار في قلبه له وقع , مع أنه مخلوق , ولو مثلا حلف به وهو صادق لأشركَ, وقال: إنه شرك ..أوصدق عليه أنه مشرك .

فالحاصل أن المسلم عليه أن يكون تعظيمة لربه سبحانه , فلا يعظم أي مخلوق بنوع من أنواع التعظيم , لا الحلف ولا غيره ، ومتى عرف المسلم أن الله تعالى هو المستحق للتعظيم والتوقيرفإنه يعرف أنه هو المستحق لجميع العبادات كلها , فحينئذ هو المستحق لأن يدعى وحده ، ولا يدعى غيره , هو المستحق لأن يرجى ، وأن يخاف وأن يعتمد عليه ، وأن يتوكل عليه ، وأن يستعان به ، وأن يستغاث به , وهكذا جميع أنواع العبادات التي هي خالص حق الله تعالى , فيصرفها لله ويترك التعلق على مخلوق سوى الله .
معلوم أن الحلف تأكيد للمحلوف به ، ولكن قد ذكرنا أنه لا يجوز للإنسان أن يقدم على الحلف وهو شاك في الأمر ولا وهو كاذب . وإذا حلف وهو كاذب على أمر من الأمور سيما إذا كان يستحل بحلفه مالا يأخذه بغير حق فإن ذلك حرام عليه ؛ ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من اقتطع مال امرىء مسلم بيمين هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان)) . قالوا: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله ؟ قال: ((وإن كان قضيبا من أراك)) . قضيبا من أراك: يعني عود السواك الذي يستاك به . لو اقتطع باليمين سواكا فإنه يعتبر قد اقتطع يمينا بغير حق ، يعني مالا بيمين هو فيها كاذب , جمع بين الكذب ، وجمع بين أخذ ما لا يستحقه من المال ولو كان يسيرا ، فاستحق أن يلقى الله تعالى وهو عليه غضبان .

كذلك نقول: إن على المسلم أيضا أن يحترم أسماء الله تعالى , فلا يكثر الحلف ؛ مخافة أن يقع في كذب وهو غير متعمد ، ثم يلام على ذلك . وقد كثر حلف الناس على البيع والشراء ، وهو بلا شك يوقعهم في كثير من الفجور أو نحو ذلك , وقد قال الله تعالى: {ولا تطع كل حلاف مهين} حلاف: صيغة مبالغة أي: كثير الحلف , فإن الذي يكون كثير الحلف لابد أن يقع في شيء من الكذب , جعل النبي صلى الله عليه وسلم من أسباب العذاب ..الثلاثة الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم جعل منهم رجلا حلف على سلعة بعد العصر , لقد أعطي بها كذا وكذا وهو كاذب , خص بعد العصر ؛ وذلك لأنه وقت شريف ، يعني من أفضل الأزمنة . وخص الحلف مع أنه حلف بالله , ولكنه حلف على كذب, صدقه الذي حُلف له , وزاد في ثمن تلك السلعة لما أنه حلف .
فهذا أخذ ما لا يستحقه ، وحلف بالله وهو كاذب ، وامتهن حرمة الزمان الذي هو وقت شريف وهو بعد العصر , فكان ذلك سببا لعقوبته بهذه العقوبة .

بذلك نتواصى بأن نحفظ أيماننا , يقول الله تعالى: {واحفظوا أيمانكم} أي لا تكثروا الحلف فتقعون في الحنث .وكذلك لا نكثر الحلف بالله , يقول الله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} أي لا تكثروا من الحلف الذي هو مظنة الكذب أو نحو ذلك . وبكل حال الكلام على الأيمان وما يتعلق بها قد يطول بنا ، ولكنه معروف والحمد لله .

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
النهي, عن

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:50 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir