دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 ذو الحجة 1429هـ/18-12-2008م, 01:12 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي أثر الإضافة في تأنيث المضاف وتذكيره ، وإضافة الاسم لما اتحد به معنًى


ورُبَّمَا أَكْسَبَ ثانٍ أَوَّلَا = تَأْنِيثًا إنْ كانَ لِحَذْفٍ مُوهَلَا
ولا يُضافُ اسمٌ لِمَا بهِ اتَّحَدْ = مَعْنًى وأَوِّلْ مُوهِمًا إذا وَرَدْ

  #2  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 10:22 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


ورُبَّمَا أَكْسَبَ ثانٍ أَوَّلاَ = تَأنيثاً انْ كانَ لِحَذْفٍ مُوهَلاَ ([1])

قد يَكْتَسِبُ الْمُضافُ المذكَّرُ مِن الْمُؤَنَّثِ المضافِ إليه التأنيثَ، بشَرْطِ أنْ يَكونَ الْمُضافُ صالِحاً للحذْفِ وإقامَةِ الْمُضافِ إليه مَقامَه، ويُفْهَمُ منه ذلك المعنَى، نحوُ: "قَطَعْتُ بعضَ أَصَابِعِه"، فصَحَّ تَأنيثُ "بعضٍ"؛ لإضافتِه إلى أَصابِعَ، وهو مؤَنَّثٌ؛ لصِحَّةِ الاستغناءِ بأصابِعَ عنه، فتقولُ: "قَطَعْتُ أَصَابِعَه"، ومنه قولُه:
223- مَشَيْنَ كما اهْتَزَّتْ رِمَاحٌ تَسَفَّهَتْ = أَعَالِيها مَرُّ الرِّياحِ النَّوَاسِمِ([2])
فأنَّثَ الْمَرَّ لإضافتِه إلى الرياحِ، وجَازَ ذلك لصِحَّةِ الاستغناءِ عن الْمَرِّ بالرياحِ، نحوُ: "تَسَفَّهَتِ الرياحُ".
وربما كانَ المضافُ مُؤَنَّثاً، فاكتَسَبَ التذكيرَ مِن المذَكَّرِ المضافِ إليه بالشرْطِ الذي تَقَدَّمَ؛ كقولِه تعالَى: {إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}، فـ "رَحمةٌ" مُؤَنَّثٌ واكتسبَتِ التذكيرَ بإضافَتِها إلى "اللهِ" تعالَى.
فإنْ لم يَصْلُحِ الْمُضافُ للحذْفِ والاستغناءِ بالْمُضافِ إليه عنه، لم يَجُزِ التأنيثُ، فلا تَقولُ: "خَرَجَتْ غُلامُ هِنْدٍ"؛ إذ لا يُقالُ: "خَرَجَتْ هِنْدٌ" ويُفْهَمُ منه خُروجُ الغُلامِ.


([1]) (ورُبَّمَا) رُبَّ: حرْفُ تَقليلٍ وجَرٍّ شَبيهٌ بالزائدِ، وما: كافَّةٌ، (أَكْسَبَ) فعْلٌ ماضٍ، (ثانٍ) فاعِلُ أَكْسَبَ، (أوَّلاَ) مفعولٌ أوَّلُ لأَكْسَبَ، (تَأنيثاً) مَفعولٌ ثانٍ لأَكْسَبَ، (إنْ) شَرطيَّةٌ، (كانَ) فعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ، فعْلُ الشرْطِ، واسْمُه ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى قَولِه: أوَّلاَ، (لِحَذْفٍ) جارٌّ ومَجرورٌ متَعَلِّقٌ بقولِه: (مُوهَلاَ) الآتي، (مُوهَلاَ) خبَرُ كانَ، وجَوابُ الشرْطِ مَحذوفٌ يَدُلُّ عليه سابِقُ الكلامِ.

([2]) 223 - هذا البَيتُ لذي الرُّمَّةِ غَيْلانَ بنِ عُقْبَةَ.
اللُّغَةُ: (اهْتَزَّتْ) مالَتْ واضْطَرَبَتْ، (تَسَفَّهَتْ) مِن قولِهم: تَسَفَّهَتِ الرِّياحُ الغُصونَ. إذا أَمَالَتْها وحَرَّكَتْها، (النَّوَاسِمِ) جَمْعُ ناسِمَةٍ، وهي الرِّياحُ اللَّيِّنَةُ أوَّلَ هُبُوبِها، وأَرادَ مِن الرِّمَاحِ الأغصانَ.
المعنى: يَقولُ: إنَّ هَؤلاءِ النِّسْوَةَ قد مَشَيْنَ في اهتزازٍ وتَمَايُلٍ، فهُنَّ يُحَاكِينَ رِمَاحاً – أي: غُصوناً – مَرَّتْ بها رِيحٌ فأَمَالَتْها.
الإعرابُ: (مَشَيْنَ) فعْلٌ وفاعِلٌ، (كما) الكافُ جَارَّةٌ، وما: مَصدرِيَّةٌ، (اهْتَزَّت) اهْتَزَّ: فعْلٌ ماضٍ، والتاءُ للتأنيثِ، (رِماحٌ) فاعِلُ اهْتَزَّتْ، و(ما) الْمَصدرِيَّةُ وما دَخَلَتْ عليه في تأويلِ مَصدَرٍ مَجرورٍ بالكافِ، والجارُّ والمجرورُ متَعَلِّقٌ بمحذوفٍ صِفَةٌ لِمَوصوفٍ مَحذوفٍ؛ أيْ: مَشَيْنَ مَشْياً كائِناً كاهتزازِ... إلخْ، (تَسَفَّهَتْ) تَسَفَّهَ: فعْلٌ ماضٍ، والتاءُ للتأنيثِ، (أَعَالِيهَا) أَعَالِي: مَفعولٌ به لتَسَفَّهَ، وأَعالِي مُضافٌ وها: مُضافٌ إليه، (مَرُّ) فاعِلُ تَسَفَّهَتْ، ومَرُّ مُضافٌ و (الرِّياحِ) مُضافٌ إليه، (النَّوَاسِمِ) صِفَةٌ للرِّياحِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (تَسَفَّهَتْ... مَرُّ الرياحِ)؛ حيثُ أَنَّثَ الفِعْلَ بتاءِ التأنيثِ، معَ أنَّ فاعِلَه مُذَكَّرٌ – وهو قولُه: مَرُّ – والذي جَلَبَ له ذلك إنما هو الْمُضافُ إليه، وهو الرِّياحِ.


  #3  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 10:22 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


مَسْأَلَةٌ([1]): قَدْ يَكْتَسِبُ المُضَافُ المُذَكَّرُ مِن المُضَافِ إليه المُؤَنَّثِ تَأْنِيثَهُ وبالعَكْسِ، وشَرْطُ ذلك في الصُّورَتَيْنِ صَلاحِيَةُ المُضَافِ للاستِغْنَاءِ عَنْهُ بالمُضَافِ إليه.
فمِنَ الأوَّلِ([2]) قَوْلُهُم: (قُطِعَتْ بَعْضُ أَصَابِعُهُ)، وقِرَاءَةُ بَعْضِهِم: (تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ)([3]) ، وقَوْلُهُ:
324- طُولُ اللَّيَالِي أَسْرَعَتْ فِي نَقْضِي([4])
ومِن الثَّانِي قَوْلُهُ:
325- إِنَارَةُ العَقْلِ مَكْسُوفٌ بِطَوْعِ هَوًى([5])
ويَحْتَمِلُهُ {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ}([6]) ، ولا يَجُوزُ (قَامَت غُلامُ هِنْدٍ) ، ولا (قَامَ امْرَأَةُ زَيْدٍ) لعَدَمِ صَلاحِيَةِ المُضَافِ فيهِمَا للاستِغْنَاءِ عَنْهُ بالمُضَافِ إليهِ.
مَسْأَلَةٌ: لا يُضَافُ اسْمٌ لمُرَادِفِهِ([7])، كـ (لَيْثُ أَسَدٍ) ولا مَوْصُوفٌ إلى صِفَتِهِ، كـ (رَجُلُ فَاضِلٍ) ولا صِفَةٌ إلى مَوْصُوفِهَا، كـ (فَاضِلِ رَجُلٍ) فإنْ سُمِعَ مَا يُوهِمُ شَيْئاً مِن ذلك، يُؤَوَّلُ.
فمِنَ الأوَّلِ قَوْلُهُم: (جَاءَنِي سَعِيدُ كُرْزٍ)([8]) وتَأْوِيلُهُ: أنْ يُرَادَ بالأوَّلِ المُسَمَّى وبالثَّانِي الاسْمُ، جَاءَنِي مُسَمَّى هذَا الاسْمِ([9]).
ومِن الثَّانِي([10]) قَوْلُهُم: (حَبَّةُ الحَمْقَاءِ) و(صَلاةُ الأُولَى) و(مَسْجِدُ الجَامِعِ)، وتَأْوِيلُهُ: أنْ يُقَدَّرَ مَوْصُوفٌ؛ أي: حَبَّةُ البَقْلَةِ الحَمْقَاءِ وصَلاةُ السَّاعَةِ الأُولَى ومَسْجِدُ المَكَانِ الجَامِعِ.
ومِنَ الثَّالِثِ([11]) قَوْلُهُم: (جَرْدُ قَطِيفَةٍ) و(سَحْقُ عِمَامَةٍ)، وتَأْوِيلُهُ: أنْ يُقَدَّرَ مَوْصُوفٌ أَيْضاً وإِضَافَةُ الصِّفَةِ إلى جِنْسِهَا؛ أي: شَيْءٌ جَرْدٌ مِن جِنْسِ القَطِيفَةِ، وشَيْءٌ سَحْقٌ مِن جِنْسِ العِمَامَةِ.


([1]) مُجْمَلُ ما ذكَرَهُ المُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في هذا البَابِ مِن الأمورِ التي يَكْتَسِبُهَا المُضَافُ مِن المُضَافِ إليه سِتَّةُ أُمُورٍ، ذَكَرَ مِنْهَا في الفَصْلِ السَّابِقِ أَرْبَعَةً: وهِي التَّعْرِيفُ، كما في نَحْوِ (غُلام الأميرِ) مِمَّا يَكُونُ المُضَافُ إليه مَعْرِفَةً، والتَّخْصِيصُ، كما في نَحْوِ (غُلام رَجُلٍ) ممَّا يَكُونُ المُضَافُ إليه نَكِرَةً، والتَّخْفِيفُ، كما في نَحْوِ (ضَارِب عَلِيٍّ) و(ضَارِبَا زَيْدٍ) مما يَكُونُ المُضَافُ اسمَ فَاعِلٍ، والمُضَافُ إليهِ مَعْمُولَهُ، ورَفْعُ القُبْحِ، كما في نَحْوِ (زَيدٌ الحَسَنُ الوَجْهِ) ممَّا يَكُونُ المُضَافُ صِفَةً مُشَبَّهَةً، وذَكَرَ مِنْهَا في هذا الفَصْلِ أَمْرَيْنِ، وهما: التَّذْكِيرُ، كما في نَحْوِ:
*إِنَارَةُ العَقْلِ مَكْسُوفٌ..*
والتَّأْنِيثُ، كما في نَحْوِ (قُطِعَت بَعْضُ أَصَابِعُه).
وبَقِيَ عليه أَرْبَعَةُ أُمُورٍ لم يَذْكُرْهَا لا هُنَاك ولا هنا:
أَحَدُهَا: الظَّرْفِيَّةُ – وذلك فيما إذا كانَ المُضَافُ إليهِ ظَرْفاً – نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} وكقَوْلِ الرَّاجِزِ:
*أَنَا أَبُو المِنْهَالِ بَعْضَ الأَحْيَانْ*
ثَانِيهَا: المَصْدَرِيَّةُ – وذلك فيما إذا كانَ المُضَافُ إليه مَصْدَراً – كقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}، وكقَوْلِ الشَّاعِرِ:
سَتَعَلْمُ لَيْلَى أَيَّ دَيْنٍ تَدَايَنَتْ = وَأَيُّ غَرِيمٍ للتَّقَاضِي غَرِيمُهَا
وكقَوْلِ مَجْنُونِ بَنِي عَامِرٍ:
وَقَدْ يَجْمَعُ اللَّهُ الشَّتِيتَيْنِ بَعْدَمَا = يَظُنَّانِ كُلَّ الظَّنِّ أَنْ لاَ تَلاَقِيَا
ثَالِثُهَا: وُجُوبُ التَّصْدِيرِ – وذلك فيما إذا كانَ المُضَافُ إليه مِن الأسماءِ التي تَسْتَوْجِبُ التَّصْدِيرَ، كأَسْمَاءِ الاستِفْهَامِ – نَحْوُ (غُلامُ مَنْ عِنْدَكَ؟) و(صَبِيحَةُ أَيِّ يَوْمٍ سَفَرُكَ؟) و(غُلامُ أَيِّهِم أَكْرَمْتَ؟) و(مِن صَاحِبِ أَيِّهِم أَنت أَكْرَمُ).
رَابِعُهَا: البِنَاءُ, وذلك في مَوَاضِعَ:
أَحَدُهَا: إذا كانَ المُضَافُ مُبْهَماً كغَيْر ومِثْل وبَيْنَ ودُونَ، وكانَ المُضَافُ إليهِ مَبْنِيًّا، وذلك نَحْوُ قَوْلِهِ تعَالَى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} فِي قِرَاءَةِ مَن فَتَحَ بَيْنَ، وهي فَاعِلُ تَقَطَّعَ, بدَلِيلِ قِرَاءَةِ الرَّفْعِ، وكقَوْلِ الفَرَزْدَقِ في بَعْضِ التَّخْرِيجَاتِ التي مَرَّ ذِكْرُهَا:
*إِذْ هُمْ قُرَيْشٌ وَإِذْ مَا مِثْلَهُمْ بَشَرُ*
بفَتْحِ مِثْلَ على أنَّهُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وبَشَرٌ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ؛ لأنَّ (ما) الحِجَازِيَّةَ لا يَتَقَدَّمُ خَبَرُهَا على اسمِهَا، وكذا قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلَ مَا أَصَابَ) فيمَن فَتَحَ مِثْلَ.
المَوْضِعُ الثَّانِي: أنْ يَكُونَ المُضَافُ زَمَاناً مُبْهَماً والمُضَافُ إليه لَفْظَ (إِذْ)، نَحْوُ قَوْلِهِ تعالَى: (مِنْ عَذَابِ يَوْمَئِذٍ) (مِنْ خِزْيِ يَوْمَئِذٍ) بفَتْحِ يَوْمَ فِيهِمَا.
المَوْضِعُ الثَّالِثُ: أنْ يَكُونَ المُضَافُ زَمَاناً مُبْهَماً، والمُضَافُ إليه فِعْلٌ مَبْنِيٌّ، سَوَاءٌ أكانَ بِنَاؤُهُ أَصْلِيًّا، كالمَاضِي في نَحْوِ قَوْلِ النَّابِغَةِ:
عَلَى حِينَ عَاتَبْتُ المَشِيبَ عَلَى الصِّبَا = فَقُلْتُ: أَلَمَّا تَصْحُ وَالشَّيْبُ وَازِعُ؟
أم كانَ بِنَاؤُهُ عَارِضاً كالمُضَارِعِ المُقْتَرِنِ بنُونِ النِّسْوَةِ في نَحْوِ قَوْلِهِ:
لأَجْتَذِبَنْ مِنْهُنَّ قَلْبِي تَحَلُّماً = عَلَى حِينَ يَسْتَصْبِينَ كُلَّ حَلِيمِ
وسيأتِي ذِكْرُ هذين المَوْضِعَيْنِ في آخرِ هذا البَابِ.
فثَمَّ عَشَرَةُ أُمُورٍ يَكْتَسِبُهَا المُضَافُ مِن المُضَافِ إليهِ.

([2]) يَكْتَسِبُ المُضَافُ المُذَكَّرُ مِنَ المُضَافِ إليهِ المُؤَنَّثُ [التَّأْنِيثَ] في ثَلاثِ صُوَرٍ:
الصُّورَةُ الأُولَى: أَن يَكُونَ المُضَافُ بَعْضَ المُضَافِ إليهِ، ومِن أَمْثِلَتِهِ قَوْلُهُم: (قُطِعَت بَعْضُ أَصَابِعُهُ)، وقِرَاءَةُ الحَسَنِ البَصْرِيِّ (تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) وقد ذَكَرَ المُؤَلِّفُ هذين المِثَالَيْنِ، وقَوْلُهُم: (جُدِعَتْ أَنْفُ هِنْدٍ)، وقَولِ الشَّاعِرِ, ويُنْسَبُ للمَجْنُونِ:
وَمَا حُبُّ الدِّيَارِ شَغَفْنَ قَلْبِي = وَلَكِنْ حُبُّ مَنْ سَكَنَ الدِّيَارَا
وقَوْلِ الآخَرِ وهو الأَعْشَى مَيْمُونُ:
وَتَشْرَقُ بالقَوْلِ الذِي قَدْ أَذَعْتَهُ = كَمَا شَرِقَتْ صَدْرُ القَنَاةِ مِنَ الدَّم‌‌‌‌ِ
‌‌ومِن هذه الأمثِلَةِ تَفْهَمُ أنَّ المُرَادَ بكَوْنِ المُضَافِ بَعْضَ المُضَافِ إليه أنْ يَكُونَ بَعْضَهُ في المَعْنَى، ولَيْسَ المُرَادُ أنْ يَكُونَ لَفْظَ بَعْضٍ خَاصَّةً.
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أنْ يَكُونَ المُضَافُ كُلاًّ للمُضَافِ إليه، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ}، وقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ}، ونَحْوُ قَوْلِ عَنْتَرَةَ:
جَادَتْ عَلَيْهِ كُلُّ عَيْنٍ ثَرَّةٍ = فَتَرَكْنَ كُلَّ حَدِيقَةٍ كَالدِّرْهَمِ
والصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: أنْ يَكُونَ المُضَافُ وَصْفاً في المَعْنَى للمُضَافِ إليهِ، ومِن ذلكَ إِضَافَةُ المَصْدَرِ، كإِضَافَةِ (طُولُ) إلى (اللَّيَالِي) في الشَّاهِدِ رَقْمِ 324 ، وكما في قَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ:
مَشَيْنَ كَمَا اهْتَزَّتْ رِمَاحٌ تَسَفَّهَتْ = أَعَالِيَهَا مَرُّ الرِّيَاحِ النَّوَاسِمِ

([3]) سورة يوسف، الآية: 10

([4]) 324- هذا الشَّاهِدُ مِن كَلامِ الأَغْلَبِ العِجْلِيِّ، وهذا الذي ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ بَيْتٌ مِن الرَّجَزِ المَشْطُورِ، وَرَدَ في كَلِمَةٍ لَهُ يَتَحَسَّرُ فيها على ذَهَابِ مَتْنِهِ وضَعْفِ قُوَّتِهِ بسَبَبِ الكِبَرِ والشَّيْخُوخَةِ، وهي قَوْلُهُ:
أَصْبَحْتُ لا يَحْمِلُ بَعْضِي بَعْضِي = مُنَفَّهاً أَرُوحُ مِثْلَ النِّقْضِ
طُولُ اللَّيَالِي أَسْرَعَتْ فِي نَقْضِي = طَوَيْنَ طُولِي وَطَوَيْنَ عَرْضِي
اللُّغَةُ: (لاَ يَحْمِلُ بَعْضِي بَعْضِي) أرَادَ أنَّهُ ضَعِيفٌ لا قُوَّةَ عِنْدَهُ، وأنَّ قَدَمَيْهِ لا تَسْتَطِيعانِ حَمْلَ سَائِرِ جَسَدِهِ. (مُنَفَّهاً) ضَعِيفاً. (النِّقْضِ) بكَسْرِ النُّونِ وسُكُونِ القَافِ – الشَّيْءُ المَنْقُوضُ مِثْلُ الحِمْلِ بمَعْنَى المَحْمُولِ، يُرِيدُ أنَّهُ يَسِيرُ مُتَخَلْخِلَ الأعضَاءِ غَيْرَ مُتَمَاسِكٍ. (أَسْرَعَتْ فِي نَقْضِي) النَّقْضُ هنا: مَصْدَرُ قَوْلِكَ: (نَقَضْتُ البِنَاءَ والحَبْلَ والعَهْدَ ونَحْوَهَا) مِن بَابِ نَصَر – ومَعْنَاهُ الهَدْمُ في البِنَاءِ، وضِدُّ الإبْرَامِ في الحَبْلِ والعَهْدِ، [وكَنَّى]= بإِسْرَاعِ اللَّيَالِي في ذلك عَنْ أنَّهُ تَهَدَّمَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ عليه السِّنُّ المُعْتَادُ فيه ذلك، ويُرْوَى (مَرُّ اللَّيَالِي) وهو مُرُورُهَا لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ، ويُرْوَى (أَرَى اللَّيَالِيَ أَسْرَعَتْ)، ومِن عَادَةِ العربِ أن يَنْسُبُوا الحَوَادِثَ إلى اللَّيَالِي وإلى الأيَّامِ وإلى الدَّهْرِ، قالَ أَبُو النَّجْمِ:
مَيَّزَ عَنْهُ قُنْزُعاً عَنْ قُنْزُعٍ = جَذْبُ اللَّيَالِي أَبْطِئِي أَوْ أَسْرِعِي
وقالَ الآخَرُ:
يَا دَارُ مَا فَعَلَتْ بِكِ الأَيَّامُ = ضَامَتْكِ، وَالأيَّامُ لَيْسَ تُضَامُ
وقالَ أَبُو صَخْرٍ الهُذَلِيُّ:
عَجِبْتُ لِسَعْيِ الدَّهْرِ بَيْنِي وَبَيْنَهَا = فَلَمَّا انْقَضَى مَا بَيْنَنَا سَكَنَ الدَّهْرُ
الإعرابُ: (طُولُ) مُبْتَدَأٌ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، وهو مُضَافٌ و(اللَّيَالِي) مُضَافٌ إليهِ، مَجْرُورٌ بكَسْرَةٍ مُقَدَّرَةٍ على الياءِ مَنَعَ ِمِن ظُهُورِهَا الثِّقَلُ. (أَسْرَعَتْ) أَسْرَعَ: فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، والتَّاءُ حَرْفٌ دَالٌّ على تَأْنِيثِ المُسْنَدِ إليه، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُه هي يَعُودُ إلى طُولُ اللَّيَالِي, وستَعْرِفُ وَجْهَهُ في بَيَانِ الاستِشْهَادِ، وجُمْلَةُ أَسْرَعَت معَ فَاعِلِه المُسْتَتِرِ فيه في مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ المُبْتَدَأِ. (في) حَرْفُ جَرٍّ مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ. (نَقْضِي) نَقْضِ: مَجْرُورٌ بفي وعَلامَةُ جَرِّهِ كَسْرَةٌ مُقَدَّرَةٌ علَى آخِرِهِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا اشتِغَالُ المَحَلِّ بحَرَكَةِ المُنَاسَبَةِ ليَاءِ المُتَكَلِّمِ، والجَارُّ والمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بأَسْرَعَ. ونَقْضِ مُضَافٌ ويَاءُ المُتَكَلِّمِ مُضَافٌ إليه مَبْنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ جَرٍّ.
الشَّاهِدُ فيه: قَوْلُهُ: (طُولُ اللَّيَالِي أَسْرَعَتْ) حَيْثُ أَعَادَ الضَّمِيرَ مُؤَنَّثاً في قَوْلِهِ: (أَسْرَعَتْ) على مُذَكَّرٍ وهو قَوْلُهُ: (طُولُ) والذي جَوَّزَ ذلك كَوْنُ المَرْجِعِ مُضَافاً إلى مُؤَنَّثٍ، والمُضَافُ معَ المُضَافِ إليه كالشَّيْءِ الوَاحِدِ، فكَأَنَّ المُضَافَ مُؤَنَّثٌ، ولا يُقَالُ: إنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلى المُضَافِ إليه وَحْدَهُ، فإنَّ ذلك خِلافُ الأَصْلِ.
ومِثْلُ هذا البَيْتِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إِذَا بَعْضُ السِّنِينَ تَعَرَّقَتْنَا = كَفَى الأَيْتَامَ مَوْتَ أَبِي اليَتِيمِ
وقَوْلُ الآخَرِ، وهو ابْنُ أَحْمَرَ، وأَنْشَدَهُ في (اللِّسَانِ) (ز ب ر):
وَلِهَتْ عَلَيْهِ كُلُّ مُعْصِفَةٍ = هَيْفَاءَ لَيْسَ لِلُبِّهَا زَبْرُ
وقَوْلُ الفَرَزْدَقِ هَمَّامِ بْنِ غَالِبٍ يَهْجُو الأَخْطَلَ وقَوْمَهُ:
أَتْيُ الفَوَاحِشِ عِنْدَهُمْ مَعْرُوفَةٌ = وَلَدَيْهِمُ تَرْكُ الجَمِيلِ جَمِيلُ

([5]) 325- لم أَجِدْ أَحَداً نَسَبَ هذا الشَّاهِدَ إلى قَائِلٍ مُعَيَّنٍ، ورَأَيْتُ مَن يَذْكُرُ أنَّهُ مَصْنُوعٌ، وأنَّهُ لبَعْضِ المُوَلِّدِينَ، وهذا الذي ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ ههنا صَدْرُ بَيْتٍ مِن البَسِيطِ، وعَجُزُه قَوْلُهُ:
*وَعَقْلُ عَاصِي الهَوَى يَزْدَادُ تَنْوِيرَا*
اللُّغَةُ: (إِنَارَةُ) هو في الأصلِ مَصْدَرُ قَوْلِكَ: (أنَارَ القَمَرُ ونَحْوُهُ) إذا أَضَاءَ. (العَقْلِ) هو الغَرِيزَةُ التي بها يُدْرِكُ الإنسانُ الأَشْيَاءَ. (مَكْسُوفٌ) هو الوَصْفُ مِن قَوْلِكَ: (كُسِفَت الشَّمْسُ) بالبِنَاءِ للمَجْهُولِ – إذا ذَهَبَ نُورُهَا وزَالَ ضَوْؤُهَا باعتِرَاضِ القَمَرِ بَيْنَهَا وبَيْنَ الأَرْضِ. (بِطَوْعِ هَوًى) طَوْعُ – بفَتْحِ الطَّاءِ وسُكُونِ الوَاوِ –؛ أي: الطَّاعَةُ والانقيادُ، والهوَى – بفَتْحِ أَوَّلِهِ مَقْصُوراً – شَهْوَةُ النَّفْسِ ومَيْلُهَا إلى ما تُحِبُّهُ، وأَرَادَ بسَبَبِ انطِلاقِهِ وَرَاءَ شَهَوَاتِ نَفْسِهِ المُوبِقَةِ.
المَعْنَى: يَقُولُ: إذَا جَرَى الإنسانُ وَرَاءَ شَهَوَاتِ نَفْسِهِ، وانطَلَقَ خَلْفَ أَغْرَاضِهِ ضَعُفَ عَقْلُهُ الذي به يُدْرِكُ الأشيَاءَ، وغَطَّى على نُورِهِ الرَّبَّانِيِّ الذي تُفِيضُهُ عليه الطَّاعَةُ ومُخَالَفَةُ النَّفْسِ.
الإعرابُ: (إنَارَةُ) مُبْتَدَأٌ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ, وهو مُضَافٌ و(العَقْلِ) مُضَافٌ إليه مَجْرُورٌ بالكَسْرَةِ الظَّاهِرَةِ. (مَكْسُوفٌ) خَبَرُ المُبْتَدَأِ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ. (بِطَوْعِ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَكْسُوفٍ, وطَوْعِ مُضَافٌ و(هَوًى) مُضَافٌ إليه مَجْرُورٌ بكَسْرَةٍ مُقَدَّرَةٍ على الألفِ المَحذُوفةِ للتَّخَلُّصِ مِن التقاءِ السَّاكِنَيْنِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا التَّعَذُّرُ. (وعَقْلُ) الواوُ حَرْفُ عَطْفٍ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ، عَقْلُ: مُبْتَدَأٌ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، وعَقْلُ مُضَافٌ، و(عَاصِي) مُضَافٌ إليه مَجْرُورٌ بكَسْرَةٍ مُقَدَّرَةٍ على الياءِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا الثِّقَلُ، وعَاصِي مُضَافٌ و(الهَوَى) مُضَافٌ إليه، مَجْرُورٌ بكَسْرَةٍ مُقَدَّرَةٍ على الألفِ مَنَعَ مِن [ظُهُورِها] التَّعَذُّرُ. (يَزْدَادُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يَعُودُ إلى عَقْلِ عَاصِي الهَوَى, والجُمْلَةُ مِن يَزْدَادُ معَ فَاعِلِه المُسْتَتِرِ فيه في مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ المُبْتَدَأِ الذي هو عَقْلُ عَاصِي. (تَنْوِيرَا) مَفْعُولٌ به ليَزْدَادُ.
الشَّاهِدُ فيه: قَوْلُهُ: (إِنَارَةُ العَقْلِ مَكْسُوفٌ) حَيْثُ أَعَادَ الضَّمِيرَ مُذَكَّراً مِن قَوْلِه (مَكْسُوفٌ) على (إِنَارَةُ) وهو مُؤَنَّثٌ، والذي سَوَّغَ هذا – مع وُجُوبِ مُطَابَقَةِ الضَّمِيرِ لمَرْجِعِهِ – كَوْنُ المَرْجِعِ مُضَافاً إلى مُذَكَّرٍ، وهو قَوْلُهُ: (العَقْلُ) فاكْتَسَبَ التَّذْكِيرَ منه:
ومِثْلُ هذا البَيْتِ في ذلك قَوْلُ الآخَرِ:
رُؤْيَةُ الفِكْرِ مَا يَؤُولُ لَهُ الأَمْـ = ـرُ مُعِينٌ عَلَى اجْتِنَابِ التَّوَانِي
فقدْ أَخْبَرَ بقَوْلِهِ: (مُعِينٌ) عَن قَوْلِهِ: (رُؤْيَةُ) الوَاقِعُ مُبْتَدَأً، وهذا المُبْتَدَأُ مُؤَنَّثٌ، لكنَّهُ لمَّا أُضِيفَ إلى المُذَكَّرِ وهو قَوْلُهُ: (الفِكْرِ) اكْتَسَبَ التَّذْكِيرَ مِنْهُ.

([6]) سورة الأعراف، الآية: 56.
اعْلَمْ أنَّ للعُلَمَاءِ في تَخْرِيجِ هذه الآيَةِ الكَرِيمَةِ أَقْوَالاً كَثِيرَةً أَوْصَلَهَا المُؤَلِّفُ إلى سِتَّةَ عَشَرَ قَوْلاً في رِسَالَةٍ صَنَّفَهَا في هذه الآيَةِ خَاصَّةً، وقَدْ نَقَلَهَا السِّيُوطِيُّ في كِتَابِ (الأَشْبَاهِ والنَّظَائِرِ النَّحْوِيَّةِ)، ونَحْنُ نَذْكُرُ لكَ أَرْبَعَةَ تَخْرِيجَاتٍ، ونَنْسُبُ كُلَّ تَخْرِيجٍ إلى قَائِلِهِ، ونُبَيِّنُ مَا يَسْلَمُ مِنْهَا لقَائِلِه وما لا يَسْلَمُ لقَائِلِه:
الأوَّلُ: أنَّ تَذْكِيرَ قَرِيبٍ حَاصِلٌ بسَبَبِ أنَّ الرَّحْمَةَ مُؤَنَّثٌ مَجَازِيٌّ، وهذا تَخْرِيجُ الجَوْهَرِيِّ، وهو فَاسِدٌ؛ لأنَّ التَّأْنِيثَ المَجَازِيَّ يُبِيحُ تَذْكِيرَ الفِعْلِ المُسْنَدِ إلى المُؤَنَّثِ المَجَازِيِّ، فأمَّا الذي يُسْنَدُ إلى ضَمِيرِهِ فلا يَجُوزُ إلا تَأْنِيثُهُ، والوَصْفُ هنا مُسْنَدٌ إلى ضَمِيرِ الرَّحْمَةِ.
التَّخْرِيجُ الثَّانِي: أنَّ تَذْكِيرَ قَرِيبٍ بسَبَبِ المَعْنَى، وذلك أنَّ المَقْصُودَ مِن رَحْمَةِ اللَّهِ غُفْرَانُهُ، وهو مُذَكَّرٌ، وهذا تَخْرِيجُ الزَّجَّاجِ والأَخْفَشِ.

والتَّخْرِيجُ الثَّالِثُ: أنَّ لَفْظَ قَرِيبٍ مِمَّا يَسْتَوِي فيه المُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ، وهذا تَخْرِيجٌ ذَكَرَهُ الفَرَّاءُ.
التَّخْرِيجُ الرَّابِعُ: ما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ هنا مِن أنَّ المُضَافَ -وهو الرَّحْمَةُ- اكتَسَبَ مِن المُضَافِ إليهِ -وهو لَفْظُ اللَّهِ- التَّذْكِيرَ؛ لأنَّ الاستِعْمَالَ العَرَبِيَّ قَدْ جَرَى على استِعْمَالِ لَفْظِ الجَلالَةِ كما يُسْتَعْمَلُ المُذَكَّرُ، وإِنْ كَانَ مَدْلُولُهُ لا يَجُوزُ أنْ يُوصَفَ بشَيْءٍ مِن التَّذْكِيرِ أو التَّأْنِيثِ.

([7]) ههنا شَيْئَانِ أُحِبُّ أنْ أُنَبِّهَكَ إليهِمَا:
الأوَّلُ: أنْ أُنَبِّهَكَ إلى ما سَبَقَ ذِكْرُهُ مِن أنَّ الغَرَضَ مِن الإضافَةِ هو تَعْرِيفُ المُضَافِ بالمُضَافِ إليهِ أو تَخْصِيصُهُ بهِ، ومِن المَعْلُومِ أنَّ الشَّيْءَ لا يَتَعَرَّفُ بنَفْسِهِ ولا يَتَخَصَّصُ؛ لأنَّ في ادِّعَاءِ تَعَرُّفِهِ بنَفْسِهِ، وفي دَعْوَى تَخَصُّصِهِ بنَفْسِهِ تَنَاقُضاً؛ لأنَّ مَعْنَى طَلَبِ تَعْرِيفِهِ أو تَخْصِيصِه أنَّهُ غَيْرُ مُعَرَّفٍ ولا مُخَصَّصٍ، وإلاَّ مَا طَلَبْتَ لهُ التَّعْرِيفَ أو التَّخْصِيصَ، ومَعْنَى كَوْنِهِ يَتَعَرَّفُ بنَفْسِهِ أو يَتَخَصَّصُ أنَّهُ مُعَرَّفٌ أو مُخَصَّصٌ، وإلا لمَا كَانَت نَفْسُهُ مُعَرَّفَةً ولا مُخَصَّصَةً، فلَمَّا كَانَت إِضَافَةُ الشَّيْءِ إلى نَفْسِهِ تُوقِعُ في التَّنَاقُضِ امْتَنَعَ البَصْرِيُّونَ مِن قَبُولِهَا، وأَوْجَبُوا فيمَا يُتَوَهَّمُ فيهِ مِن الإضَافَةِ أنَّهُ مِن إِضَافَةِ الشَّيْءِ إلى نَفْسِهِ التَّأْوِيلَ في المُضَافِ والمُضَافِ إليه، حتَّى يَصِيرَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ الآخَرِ.
وذَهَبَ الكُوفِيُّونَ إلى أنَّهُ يَجُوزُ أنْ يُضَافَ الشَّيْءُ إلى نَفْسِهِ، مَتَى اختَلَفَ اللَّفْظَانِ، وجَعَلُوا اختِلافَ اللَّفْظَيْنِ بمَنْزِلَةِ اختِلافِ المَعْنَيَيْنِ، فلم يَحْتَاجُوا إلى التَّأْوِيلِ الذي ارْتَكَبَهُ البَصْرِيُّونَ.
واحْتَجَّ الكُوفِيُّونَ بوُرُودِ مَا مَنَعَهُ البَصْرِيُّونَ – مِن إِضَافَةِ الاسمِ إلى اللَّقَبِ، وإِضَافَةِ الصِّفَةِ إلى المَوْصُوفِ، وإِضَافَةِ المَوْصُوفِ إلى الصِّفَةِ، ومتَى وَرَدَ عَن العَرَبِ في الكلامِ المَنْثُورِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِن قَبُولِهِ، وسَلَكُوا – معَ هذا السَّمَاعِ – طَرِيقاً مِن القِيَاسِ حَاصِلُهُ: أنَّ العَرَبَ قَد جَاءَ في كَلامِهَا عَطْفُ الشَّيْءِ على مُرَادِفِه، كما في قَوْلِ الشَّاعِرِ:
وَقَدَّدَتِ الأَدِيمَ لِرَاهِشَيْهِ = وَأَلْفَى قَوْلَهَا كَذِباً وَمَيْنَا
والأصلُ في العَطْفِ أنْ يَكُونَ المَعْطُوفُ غَيْرَ المَعْطُوفِ علَيْهِ، فلَمَّا استَسَاغُوا في العَطْفِ أنْ يَتْرُكُوا الأَصْلَ ويَعْطِفُوا أَحَدَ المُتَرَادِفَيْنِ على الآخَرِ قِسْنَا بَابَ الإضَافَةِ على بَابِ العَطْفِ؛ إذْ كَانَ الشَّأْنُ فيهِمَا مِن هذه الجِهَةِ وَاحِداً.
الأمْرُ الثَّانِي: أنَّ ابْنَ مَالِكٍ قد اختارَ في كِتَابِ (التَّسْهِيلِ) مَذْهَبَ الكُوفِيِّينَ فجَوَّزَ ما مَنَعَهُ هنا مِن إِضَافَةِ الشَّيْءِ إلى ما اتَّحَدَ بهِ في المَعْنَى، وقَسَّمَ الإضَافَةَ إلى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ:
إِضَافَةٌ مَحْضَةٌ، وإِضَافَةٌ غَيْرُ مَحْضَةٍ وهي اللَّفْظِيَّةُ، وإِضَافَةٌ شَبِيهَةٌ بالمَحْضَةِ. وجعلَ مِن القِسْمِ الثَّالِثِ الذي استَحْدَثَهُ وزَادَهُ على كَلامِ القَوْمِ إِضَافَةَ الصِّفَةِ إلى المَوْصُوفِ، وإِضَافَةَ المَوْصُوفِ إلى الصِّفَةِ، وإِضَافَةَ المُسَمَّى إلى الاسمِ.

([8]) كُرْز – بضَمِّ الكَافِ وسُكُونِ الرَّاءِ، وآخِرُهُ زَايٌ – هو هنا لَقَبٌ، وأَصْلُهُ بمَعْنَى خُرْجِ الرَّاعِي الذي يَحْمِلُ فيه مَتَاعَهُ، وقِيلَ: هو الجُوَالِقُ الصَّغِيرُ، وكُرْزُ الجُعْلِ: دُحْرُوجَتُه.

([9]) اعْلَمْ أَوَّلاً أنَّ مِثْلَ قَوْلِهِم، (سَعِيدُ كُرْزٍ) بإِضَافَةِ الاسمِ إلى اللَّقَبِ على التَّأْوِيلِ بأنَّ المُرَادَ بالأوَّلِ المُسَمَّى وبالثَّانِي الاسمُ، قَوْلُهُم: (جِئْتُ ذَا صَبَاحٍ) و(ذَهَبْتُ ذَاتَ عَشِيَّةٍ) أو (سِرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ) تُرِيدُ وَقْتاً صَاحِبَ اسْمٍ هو صَبَاحٌ، ومُدَّةً صَاحِبَةَ اسْمٍ هو عَشِيَّةٌ، ومُدَّةً صَاحِبَةَ اسْمٍ هو يَوْمٌ.
واعْلَمْ ثَانِياً أنَّ تَأْوِيلَ الأوَّلِ مِن الاسمِ واللَّقَبِ بالمُسَمَّى وتَأْوِيلَ الثَّانِي بالاسمِ إنَّمَا يَكُونُ فيما إذا نَسَبْتَ إلى هذا المُرَكَّبِ الإضَافِيِّ ما لا يَلِيقُ أن يُنْسَبَ إلى مُجَرَّدِ اللَّفْظِ، كما لو قُلْتَ: (جَاءَنِي سَعِيدُ كُرْزٍ) أو قُلْتَ: (يَا سَعِيدَ كُرْزٍ) فإنَّ المَجِيءَ إنَّمَا يُسْنَدُ إلى الذَّاتِ لا إلى اللَّفْظِ، فإنْ نَسَبْتَ إلى هذا المُرَكَّبِ ما يُنْسَبُ عَادَةً إلى الألفَاظِ، كأنْ تَقُولَ: (كَتَبْتُ سَعِيدَ كُرْزٍ) أو (نَطَقْتُ بِسَعِيدِ كُرْزٍ) وَجَبَ أنْ يَكُونَ تَأْوِيلُ الأوَّلِ بالاسْمِ والثَّانِي بالمُسَمَّى، عَكْسَ التَّأْوِيلِ الأوَّلِ.
ومنهُ تَعْلَمُ أنَّ التَّأْوِيلَ الذي في كَلامِ المُؤَلِّفِ لَيْسَ مُتَعَيَّناً في كُلِّ كَلامٍ، وأنَّهُ ذُكِرَ على سَبِيلِ التَّمْثِيلِ.
ثُمَّ اعْلَمْ ثَالِثاً أنَّ البَصْرِيِّينَ الذين مَنَعُوا إِضَافَةَ الاسْمِ على مُرَادِفِهِ وأَوْجَبُوا التَّأْوِيلَ فيمَا سُمِعَ مِمَّا يُوهِمُ ذلك، هم الذين قَالُوا: إذَا كَانَ الاسمُ واللَّقَبُ مُفْرَدَيْنِ وَجَبَ إِضَافَةُ الاسمِ إلى اللَّقَبِ، وقد تَبِعَهُم ابْنُ مَالِكٍ في ذلك، كما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في بَابِ العَلَمِ، وهو مُشْكِلٌ غَايَةً في الإِشْكَالِ، ولهذا رَدَّهُ ابنُ هِشَامٍ فقالَ: (ويَرُدُّهُ النَّظَرُ، وقَوْلُهُم: هَذَا يَحْيَى عَيْنَانِ) (انظُرِ الجُزْءَ الأوَّلَ ص132).

([10]) الثَّانِي هو إضَافَةُ المَوْصُوفِ إلى الصِّفَةِ، ألا تَرَى أنَّ الأَصْلَ: حَبَّةٌ حَمْقَاءُ، وصَلاةٌ أُولَى، ومَسْجِدٌ جَامِعٌ، واللَّفْظُ الثَّانِي مِن هذه الأمْثِلَةِ صِفَةٌ للَّفْظِ الأوَّلِ كما تَرَى، فلمَّا أَضَافُوا الأوَّلَ إلى الثَّانِي – وهما دَالاَّنِ على ذَاتٍ وَاحِدَةٍ – كَانُوا قَدْ أَضَافُوا اللَّفْظَ الدَّالَّ على مَعْنًى إلى لَفْظٍ آخَرَ يَدُلُّ على نَفْسِ مَعْنَى اللَّفْظِ الأوَّلِ، وهذه هي إِضَافَةُ المُتَرَادِفَيْنِ.
وتَأْوِيلُ كُلِّ مِثَالٍ مِن هذه المُثُلِ غَيْرُ تَأْوِيلِ غَيْرِهِ مِنْهَا، لَكِنَّ الضَّابِطَ العَامَّ أنْ يُقَدَّرَ قَبْلَ اللَّفْظِ الثَّانِي، - وهو المُضَافُ إليه – اسمٌ عَامٌّ يَصْلُحُ لأنْ يَكُونَ مَوْصُوفاً بالمُضَافِ إليه، فيَكُونُ تَقْدِيرُ المِثَالِ الأوَّلِ: حَبَّةُ البَقْلَةِ الحَمْقَاءِ، بتَقْدِيرِ اسمٍ مِن أَسْمَاءِ الأَعْيَانِ عَامٍّ يَشْمَلُ الاسمَ الأوَّلَ وغَيْرَهُ، ويَكُونُ تَقْدِيرُ المِثَالِ الثَّانِي: صَلاةُ السَّاعَةِ الأُولَى، بتَقْدِيرِ اسْمِ زَمَانٍ يَصْلُحُ أنْ يَكُونَ وَقْتاً للاسمِ الأوَّلِ وغَيْرِهِ، ويَكُونُ تَقْدِيرُ المِثَالِ الثَّالِثِ: مَسْجِدُ المَكَانِ الجَامِعِ، بتَقْدِيرِ اسْمِ مَكَانٍ يَصْلُحُ أنْ يَكُونَ مَحِلاَّ للاسمِ الأوَّلِ وغَيْرِهِ، وقَدْ أَشَارَ المُؤَلِّفُ إلى هذه التَّقْدِيرَاتِ إِشَارَةً دَقِيقَةً، وكَلامُنَا هذا بَيَانٌ وإِيضَاحٌ لهُ.

([11]) الثَّالِثُ: هو إِضَافَةُ الصِّفَةِ إلى المَوْصُوفِ، ومِنْهَا في القُرْآنِ الكَرِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ} فإنَّ أَصْلَ الكَلامِ: يَعْلَمُ الأَعْيُنَ الخَائِنَةَ، ونَظِيرُهُ قَوْلُ شَاعِرِ الحَمَاسَةِ:
إِنَّا مُحَيُّوكِ يَا سَلْمَى فَحَيِّينَا = وَإِنْ سَقَيْتِ كِرَامَ النَّاسِ فَاسْقِينَا
وَإِنْ دَعَوْتِ إِلَى جُلَّى ومَكْرُمَةٍ = يَوْماً سَرَاةَ كِرَامِ القَوْمِ فَادْعِينَا
فإِنَّ أَصْلَ قَوْلِهِ في البَيْتِ الأَوَّلِ: (كِرَامَ النَّاسِ) النَّاسُ الكِرَامُ، وأَصْلَ قَوْلِهِ في البَيْتِ الثَّانِي: (سَرَاةَ كِرَامِ القَوْمِ) سَرَاةُ القَوْمِ الكِرَامِ، وقَدْ عَلِمْنَا في بَيَانِ النَّوْعِ الثَّانِي أنَّ الصِّفَةَ والمَوْصُوفَ يَدُلُّ كُلٌّ مِنْهُمَا على الذَّاتِ، فتَكُونُ إِضَافَةُ الصِّفَةِ إلى المَوْصُوفِ مِثْلَ إِضَافَةِ المَوْصُوفِ إلى الصِّفَةِ, كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِضَافَةُ أَحَدِ المُتَرَادِفَيْنِ إلى مُرَادِفِهِ, وتَأْوِيلُ هذا النَّوْعِ أنْ تُقَدِّرَ قَبْلَ الاسمِ الأوَّلِ لَفْظاً عَامًّا يَصْلُحُ أنْ يَكُونَ مَوْصُوفاً بالمُضَافِ, وحِينَئِذٍ تَكُونُ الإضَافَةُ على مَعْنَى (مِن) التي لبَيَانِ الجِنْسِ، فتَقْدِيرُ المِثَالَيْنِ اللذين ذَكَرَهُمَا المُؤَلِّفُ: شَيْءٌ جَرْدٌ مِن جِنْسِ القَطِيفَةِ، وشَيْءٌ سَحْقٌ مِن جِنْسِ العِمَامَةِ، ومِن هنا نَعْلَمُ أنَّ المُؤَلِّفَ قَدْ صَرَّحَ في التَّأْوِيلِ بالمَوْصُوفِ الذي أَشَرْنَا إليه، وبحَرْفِ الجَرِّ الذي تُصْبِحُ الإضَافَةُ على مَعْنَاهُ.



  #4  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 10:24 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


394 - وَرُبَّمَا أَكْسَبَ ثَانٍ أَوَّلاَ = تَأْنِيثًا إِنْ كَانَ لِحَذْفٍ مُوهَلاَ
395 - وَلاَ يُضَافُ اسمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ = مَعْنًى وَأَوِّلْ مُوهِمًا إِذَا وَرَدْ
(وَرُبَّمَا أَكْسَبَ ثَانٍ) مِنَ المتضايفينِ وهو المضافُ إليه (أولاَ) منهما وهو المضافُ (تَأْنِيثًا) أو تذكيرًا (إن كانَ) الأَوَّلُ (لحذفٍ مُوهَلاَ) أي: صالحًا لِلْحَذْفِ والاستغناءِ عنه بالثاني فمِنَ الأَوَّلِ: { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ} وقولُه [من الكامل]:
606 - جَادَتْ عَلَيْهِ كُلُّ عَيْنٍ ثَرَّةٍ = فَتَرَكْنَ كُلَّ حَدِيقَةٍ كَالدِّرْهَمِ
وقولُهم: "قُطِعَتُ بَعْضُ أَصَابِعِه" وقراءةُ بعضِهم: ( تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيَّارَةِ) وقولُه [من الرجز]:
607 - طُولُ الليَالِي أَسْرَعَتْ فِي نَقْضِي = طَوَيْنَ طُولي وَطَوَيْنَ عَرْضِي
وقوله [من الطويل]:
608 - وَتُشْرِقُ بِالقَوْلِ الَّذِي قَدْ أَذَعْتَهُ = كَمَا شَرِقَتْ صَدْرُ القَنَاةِ مِنَ الدَّمِ
وقولُه [من الكامل]:
609 - أَتْيُ الفَوَاحِشِ عندَهم مَعْرُوفَةٌ = وَلَدَيْهِمُ تَرْكُ الجَمِيلِ جَمِيلُ
وقوله [من الطويل]:
610 - مَشَيْن كَا اهْتَزَّتْ رِمَاحٌ تَسَفَّهَتْ = أَعَالِيَهَا مَرُّ الرِّيَاحِ النَّوَاسِمِ
ومن الثاني قولُه [من البسيط]:
611 - إِنَارَةُ العَقْلِ مَكْسُوفٌ بِطَوْعِ هَوَىً = وَعَقْلُ عَاصِي الهَوَى يَزْدَادُ تَنْوِيرَا
وقولُه [من الخفيف]:
612 - رُؤْيَةُ الفِكْرِ مَا يَؤُولُ لَهُ الأَمْـ = ـرُ مُعِينٌ عَلَى اجْتَنَابِ التَّوانِي
ويحتملُه { إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ} ولا يجوزُ "قامَتْ غلامُ هندٍ" ولا "قامَ امرأةُ زيدٍ"، لانتفاءِ الشرطِ المذكورِ.
تنبيهٌ: أفهَمَ قولُه: "ورُبَّمَا" أنَّ ذلك قليلٌ ، ومرادُه التقليلُ النسبِيُّ: أي: قليلٌ بالنسبةِ إلى ما ليسَ كذلك لا أنَّه قليلٌ في نفسِه ، فإنه كثيرٌ كما صرَّحَ به في (شرح الكافية) نَعَمْ ، الثاني قليلٌ.
(وَلاَ يُضَافُ اسْمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ * مَعْنًى)، كالمُرَادِفِ معَ مرادفِهِ ، والموصوفِ مع صفتِه ؛ لأن المضافَ يتخصَّصُ أو يتعرَّفُ بالمضافِ إليه ، فلا بُدَّ أنْ يكونَ غيرُه في المعنى فلا يقالُ: "قَمْحُ بُرٍّ" ولا "رجُلُ فاضلٍ" ولا "فَاضِلُ رَجُلٍ" (وأَوِّلْ مُوهِمًا إِذَا وَرَدْ) أي: إذا جاءَ مِنْ كلامِ العربِ ما يُوهِمُ جوازَ ذلك وجَبَ تأويُله فمما أَوْهَمَ إضافةَ الشيءِ إلى مرادفِه قولُهم: "جاءني سعيدُ كُرْزٍ" وتأويلُه أن ْيُرادَ بالأَوَّلِ المُسَمَّى وبالثانِي الاسمُ أي: جاءني مُسَمَّى هذا الاسمِ وممَّا أوهمَ إضافةَ الموصوفِ إلى صفتِه قولُهم: "حبَّةُ الحمقاءِ" و"صلاةُ الأُولَى" و"مسجدُ الجامعِ" وتأويلُه أن يُقدَّرَ موصوفٌ، أي: حبَّةُ البقلَةِ الحمقاءِ ، وصلاةُ الساعةِ الأُولَى ومسجدُ المكانِ الجامعِ ، ومما أَوْهَمَ إضافةَ الصفةِ إلى الموصوفِ قولُهم: "جَرْدُ قَطِيفَةٍ" و"سَحْقُ عِمَامَةٍ" وتأويلُه أنْ يُقَدَّرَ موصوفٌ أيضًا ، وإضافةُ الصفةِ إلى جنسِها: أي شيءٌ جَرْدٌ مِنْ جنسِ القطيفةِ وشيءٌ سَحْقٌ من جنسِ العمامةِ.
تنبيهٌ : أجازَ الفرَّاءُ إضافةَ الشيءِ إلى ما بمعناه لاختلافِ اللفظينِ، ووافقَه ابنُ+ الطَّرَاوَةَ وغيرُه ونقلَه في (النهايةِ) عن الكوفيينِ ، وجعلُوا من ذلك نحوَ: { وَلَدَارُ الآخِرَةِ } و{حَقُّ الْيَقِينِ} و{حَبْلِ الوَرِيدِ}، و{حَبَّ الحَصِيدِ} وظاهرُ (التسهيل) وشرحُه وموافقتُه.

  #5  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 10:25 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


استفادةُ المُضَافِ مِن المُضَافِ إليهِ التذكيرَ والتأنيثَ
394- وَرُبَّمَا أَكْسَبَ ثَانٍ أوَّلا = تَأْنِيثاً إنْ كَانَ لِحَذْفٍ مُوهَلا
الحكمُ الخامسُ مِنْ أحكامِ الإضافةِ: جوازُ استفادةِ المضافِ المُذَكَّرِ مِن المضافِ إليهِ المؤنَّثِ التأنيثَ، وذلكَ بشَرْطَيْنِ:
الأوَّلُ: أنْ يكونَ المضافُ جُزْءاً مِن المضافِ إليهِ، أوْ كُلاًّ لهُ، أوْ وَصْفاً في المعنَى لهُ.
الثاني: أنْ يكونَ المضافُ صَالِحاً للحذْفِ وإقامةِ المضافِ إليهِ مُقَامَهُ دُونَ أنْ يَتَغَيَّرَ المعنى.
فَإِذَا تَحَقَّقَ الشَّرْطَانِ كانَ اكْتِسَابُ المضافِ التأنيثَ قِياسيًّا تَصِحُّ مُحاكاتُهُ، وإنْ كانَ أَقَلَّ مِنْ عَدَمِ التأنيثِ.
فمِثالُ ما هُوَ جُزءٌ مِن المضافِ إليهِ: قُطِعَتْ بَعْضُ أصابِعِهِ، فَصَحَّ تأنيثُ الفعلِ مُراعاةً لتأنيثِ نائبِ الفاعِلِ (بعضُ)؛ لإضافتِهِ إلى (أَصَابِعِ)، وهوَ مؤَنَّثٌ، ويَصِحُّ الاستغناءُ بالمضافِ إليهِ فيُقالُ: قُطِعَتْ أَصَابِعُهُ.
وَمِثالُ المُضَافِ الَّذِي هوَ كُلٌّ للمُضَافِ إليهِ: قولُهُ تعالى: {يَوْمَ تَجِدُّ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً}؛ فَقَدْ أُنِّثَ الفعْلُ ( تَجِدُ) لتأنيثِ فاعلِهِ المضافِ (كُلُّ) الذي اكْتَسَبَ التأنيثَ مِن المضافِ إليهِ.
ومِثالُ المضافِ الذي هوَ وَصْفٌ في المعنى للمضافِ إليهِ: قولُ الشاعِرِ:
طُولُ اللَّيَالِي أَسْرَعَتْ في نَقْضِي = طَوَيْنَ طُولِي وطَوَيْنَ عَرْضِي
فقدْ أعادَ الضميرَ مُؤَنَّثاً في قولِهِ: (أَسْرَعَتْ)؛ أيْ: هيَ، على مُذَكَّرٍ، وهوَ قولُهُ: (طُولُ)؛ لأنَّهُ اكتَسَبَ التأنيثَ مِن المضافِ إليهِ (اللَّيَالِي).
فإنْ تَخَلَّفَ واحدٌ مِن الشرطَيْنِ لم يَجُز التأنيثُ، فمِثالُ تَخَلُّفِ الأوَّلِ: أَعْجَبَنِي يومُ الْجُمُعَةِ، فلا يَصِحُّ أعْجَبَتْنِي يومُ الجمُعَةِ؛ لأنَّ المضافَ ليسَ كُلاًّ ولا بعضاً، معَ أنَّهُ صالِحٌ للحذْفِ، فيُقالُ: أعجَبَتْنِي الجُمُعَةُ.
ومِثَالُ تَخَلُّفِ الثاني: خَرَجَتْ غُلامُ هِنْدَ؛ إِذْ لا يُقالُ: خَرَجَتْ هِنْدُ، ويُفْهَمُ منهُ خُروجُ الغلامِ.
وأمَّا العَكْسُ، وهوَ استفادةُ المضافِ المُؤَنَّثِ مِن المضافِ إليهِ التذكيرَ، فهيَ جائزةٌ بالشرطَيْنِ المَذْكُورَيْنِ، ولكنَّها قليلةٌ في النصوصِ المأثورةِ قِلَّةً لا تُبِيحُ القِياسَ عليها، وَمِنْ أمثلةِ ذلكَ قولُ الشاعرِ:
إِنَارَةُ العَقْلِ مَكْسُوفٌ بِطَوْعِ هَوًى = وَعَقْلُ عَاصِي الهَوَى يَزْدَادُ تَنْوِيرَا
فقدْ أعادَ الضميرَ مُذَكَّراً في قولِهِ: (مَكسوفٌ) على (إِنَارةُ)، وهوَ مُؤَنَّثٌ؛ لأنَّهُ اكتَسَبَ التذكيرَ مِن المضافِ إليهِ، والقياسُ: إنارَةُ العَقْلِ مَكْسُوفَةٌ بطَوْعِ هَوًى؛ لأنَّهُ خَبَرٌ عنهُ.
وإلى المسألةِ الأُولَى أشارَ بقولِهِ: (وَرُبَّمَا أَكْسَبَ ثانٍ أوَّلا.. إلخ)؛ أيْ: أنَّ الثانيَ، وهوَ المُضَافُ إليهِ، قدْ يُفِيدُ الأوَّلَ، وهوَ المضافُ، التأنيثَ، إنْ كانَ الأوَّلُ صالحاً للحذْفِ والاستغناءِ عنهُ بالثَّانِي كما تَقَدَّمَ، ولم يَذْكُر الشرْطَ الآخَرَ.
وقولُهُ: (وَرُبَّمَا) يُفيدُ أنَّ ذلكَ قليلٌ، ومُرَادُهُ التَّقْلِيلُ النِّسْبِيُّ؛ أيْ: قليلٌ بالنِّسبةِ للكثرةِ التي لا يَكْتَسِبُ فيها المضافُ التأنيثَ مِن المضافِ إليهِ، وخَصَّ التأنيثَ بالذكْرِ؛ لأنَّهُ الأغلَبُ.
وقولُهُ: (مُوهَلا): بفتْحِ الهاءِ بمعنى: مُؤَهَّلٍ؛ أيْ: صالحٍ، والفعْلُ: أَوْهَلَ، تقولُ: أَوْهَلْتُ الرَّجُلَ للعمَلِ؛ أيْ: جَعَلْتُهُ صالِحاً لهُ، وأَهْلاً لِمُزَاوَلَتِهِ.
حُكْمُ إضافةِ الاسمِ إلى ما اتَّحَدَ بهِ في المعنَى
395- وَلا يُضَافُ اسْمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ = مَعْنًى وَأَوِّلْ مُوهِماً إذَا وَرَدْ
تَقَدَّمَ أنَّ الغرَضَ مِن الإضافةِ هوَ تعريفُ المضافِ بالمضافِ إليهِ، أوْ تخصيصُهُ بهِ، والشيءُ لا يَتعرَّفُ بنفسِهِ ولا يَتخصَّصُ، فلا بُدَّ أنْ يكونَ غَيْرَهُ في المعنى؛ لِذَا مَنَعَ البَصْرِيُّونَ إضافةَ الشيءِ إلى نفْسِهِ؛ كإضافةِ المُرَادفِ إلى مُرادِفِهِ، فلا يُقالُ: قَمْحُ بُرٍّ، ولا إضافةَ الموصوفِ إلى صِفتِهِ، فلا يُقَالُ: جاءَ رَجُلُ فَاضِلٍ، ولا إضافةَ الصِّفَةِ إلى الموصوفِ، فلا يُقَالُ: جَاءَ فَاضِلُ رَجُلٍ.
وإذا جَاءَ مِنْ كَلامِ العربِ ما يُوهِمُ جَوازَ ذلكَ وَجَبَ تأويلُهُ بما يُسايِرُ القاعدةَ المذكورةَ؛ كقولِهم: سَعِيدُ كَرْزٍ؛ فَإِنَّ ظاهِرَهُ أنَّهُ مِنْ إضافةِ الشيءِ إلى نفْسِهِ؛ لأنَّ المرادَ بسعيدٍ وكَرْزٍ شَخْصٌ واحدٌ، فيُؤَوَّلُ الأوَّلُ بالذَّاتِ، والثاني بالاسمِ، فكأنَّهُ قالَ: جَاءَنِي مُسَمَّى كَرْزٍ؛ أيْ: مُسَمَّى هذا الاسمِ.
وأمَّا مَا ظاهِرُهُ إضافةُ الموصوفِ إلى صِفَتِهِ، فمُؤَوَّلٌ على حذْفِ المضافِ إليهِ؛ كقولِهم: حَبَّةُ الحَمْقَاءِ، وصلاةُ الأُولَى، ومسجدُ الجامعِ، وقولِهم: جَرْدُ قَطِيفَةٍ، وسَحْقُ عِمَامَةٍ، والأصلُ: حَبَّةُ البَقْلَةِ الحمقاءِ، وصلاةُ الساعةِ الأُولَى، ومَسْجِدُ المكانِ الجامِعِ، فالحمقاءُ صِفَةٌ للْبَقْلَةِ لا للحَبَّةِ، والأُولَى صِفَةٌ للساعةِ لا للصلاةِ، والجامعُ صِفَةٌ للمكانِ لا للمسجِدِ، ثمَّ حُذِفَ المضافُ إليهِ، وهوَ (البَقْلَةُ، والساعةُ، والمكانُ)، وأُقِيمَتْ صِفتُهُ مُقَامَهُ، فلم يُضَف الموصوفُ إلى صفتِهِ، بلْ إلى صفةِ غيرِهِ، وهوَ المضافُ إليهِ المحذوفُ.
وأمَّا إضافةُ الصفةِ إلى الموصوفِ، فهوَ مُؤَوَّلٌ على تقديرِ موصوفٍ، وإضافةِ الصفَةِ إلى جِنْسِها؛ أيْ: شَيْءٌ جَرْدٌ مِنْ جِنْسِ القَطِيفَةِ، وشَيءٌ سَحْقٌ مِنْ جِنْسِ العِمامةِ.
وقالَ الكُوفِيُّونَ: يَجوزُ إضافةُ الشيءِ إلى نفْسِهِ بشرْطِ اختلافِ لَفْظَيِ المضافِ والمضافِ إليهِ، واستَدَلُّوا بالسماعِ والقِياسِ، ووَافَقَهم ابنُ مالِكٍ في (التَّسْهِيلِ).
أمَّا السَّمَاعُ فما وَرَدَ في الكتابِ والسُّنَّةِ؛ كقولِهِ تعالى: {وَلَدَارُ الآخِرَةُ}، وقولِهِ تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ}، وقولِهِ تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}، وقولِهِ تعالى: {فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ}، وقولِهِ تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ}، وقولِهِ تعالى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ}، وقولِهِ تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ}.
ومِن السُّنَّةِ قولُهُ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، لا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ)) متَّفَقٌ عليهِ، وقولُهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: ((خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى)) أخرجَهُ البخاريُّ.
وأمَّا القِياسُ فقَالُوا: إنَّ العَرَبَ أجازَتْ عطْفَ الشيءِ على نفْسِهِ إذا اختَلَفَ اللَّفْظَانِ؛ كقولِ قائلِهم:
وأَلْفَى قَوْلَها كَذِباً ومَيْناً
والْمَيْنُ هُوَ الكَذِبُ، والأصْلُ في عَطْفِ النَّسَقِ المُغَايَرَةُ، والمضافُ والمضافُ إليهِ كالمعطوفِ والمعطوفِ عليهِ.
وهذا القَوْلُ هوَ المُختارُ في هذهِ المسألةِ، ولا دَاعِيَ لتلكَ التأويلاتِ القائمةِ على الحذْفِ والتقديرِ الذي لا يَخْلُو مِنْ تَعَسُّفٍ، معَ كَثْرَةِ الوارِدِ كَثْرَةً تَكْفِي للقياسِ عليهِ، ثمَّ إنَّ هذهِ الإضافةَ لا تَخْلُو مِنْ فائدةٍ؛ كالإيضاحِ والتوكيدِ.
وقدْ ذَكَرَ ابنُ مالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مَذهَبَ البَصْرِيِّينَ فقالَ: (وَلا يُضافُ اسمٌ لِمَا بهِ اتَّحَدَ معنًى.. إلخ)؛ أيْ: لا يُضافُ اسمٌ لآخَرَ اتَّحَدَ معهُ في المعنى، والمُرَادُ بالاتِّحادِ في المعنى: مَا يَشْمَلُ التَّرَادُفَ والتَّسَاوِيَ، سَوَاءٌ كانَ بِحَسَبِ الوضْعِ كالإنسانِ والناطِقِ، أوْ بحَسَبِ المرادِ كالموصوفِ والصفةِ على ما تَقَدَّمَ، وإذا وَرَدَ مَا يُوهِمُ ذلكَ يَجِبُ تَأْوِيلُهُ على النحوِ الذي سَلَفَ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أثر, الإضافة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:05 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir